شعار الموقع
شعار الموقع

حكمة خلق الله الكافر مع علمه سبحانه أنه من اهل النار

السؤال:

كيف نرد على من يقول إذا كان الله يعلم أن هذا الشخص من أهل الجنة او من اهل النار قبل أن يخلقهم فما الفائدة؟

1148

الجواب: لا يجوز مثل هذا السؤال، قال الله تعالى في كتابه: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]،

معناه: أنه سبحانه لا يُسألُ عما يفعل؛ لحكمته البالغة ورحمته وَعَدْلِهِ، لا لمجرّد قهره وقدرته، كما يقول الجبريةُ، فالله ـ سبحانه ـ لا يُسأل عَمَّا يفعل لكمال حكمته؛ لأنه حكيم وأمَّا العِباد، فإنهم يُسألون؛ لأنهم مأمورون؛ منهيون؛ مكلَّفون؛ فالله هو: الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو الحكيم فيما يقدِّرُه، وفيما يشرعه فلا يُسأل عما يفعل ـ سبحانه ـ.ـ

قال الطحاوي رحمه الله: (فمن سأل لم فعل؟ فقد ردَّ حكم الكتاب، ومن رد حُكم الكتاب: كان من الكافرين) فمن سأل، فقال: لم فعل كذا؟ ولماذا؟، فقال: لِمَ أغنى هذا؟ ولِمَ أفقر هذا؟ ولِمَ هدى هذا؟ ولم أضَلَّ هذا؟ فقد رد حكم الكتاب؛ يعني: عارض قول الله في قوله: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}؛ فالله ـ تعالى ـ يقول هذا، وأنت تقول: لماذا فعل؟! ولا شك أنه ردٌّ لحكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.ـ

والقدر سِرُّ الله في خلقه؛ وهو كونُه أَفْقر وأغنى، وأوجد وأفنى، وأمات وأحيا، وهدى وأضلّ، فهذا سِرُّ الله في خلقه لم يَطَّلِعْ عليه أحدٌ من خَلْقه لا مَلَكٌ مُقَرَّب ولا نبي مرسل؛ فكما تَقرَّرَ؛ القدرُ سر الله في خلقه؛ يعني: ما اطلَّع عليه أحدٌ منهم؛ فلا يعرفون لماذا أفقر هذا؟ ولماذا أغنى هذا؟ ولماذا أضلَّ هذا؟ ولماذا هدى هذا؟ ولماذا أحيا هذا؟ ولماذا أمات هذا؟ ولماذا أوجد هذا؟ ولماذا أفنى هذا؟

هذا سر الله، وله الحكمة البالغة في ذلك، وهو مبنيٌّ على علمه وحكمته، وَلَيْسَ للعبد أن يسأل، ولا أن يعترض، بل يُسَلِّم الأمر لله؛ كما قيل: القَدَرُ سِرُّ الله؛ فلا نكشفه.ـ

والتعمق والبحث والغوص والسؤال عن سر الله في خلقه؛ وسيلة إلى حرمان الشخص، وخذلانه ومجاوزة الحد؛ أي: هو وسيلة إلى حرمانه من التوحيد والإيمان الخالص، ووسيلة إلى طغيانه وتجاوزه الحد؛ فأنت عبد مأمور بأن تسلّم ولا تعترض، فإذا اعترضتَ وتعمقت؛ صار ذلك وسيلة إلى طغيانك ومجاوزتك لِحَدِّ العبودية، فَتَذَكَّرْ أنَّكَ عبدٌ مأمور؛ فلا تتجاوز حدك، ولا تسأل، ولا تَقُلْ في قدر الله: لماذا فعل كذا؟ فلا يقال: لماذا؟

ولا يُعترض على أفعال الله ولا على حِكْمته، فلا يقال: كيف؟

فإيَّاك أنْ تعترض على الله بـ(لماذا؟) ولا بـ(كيف؟) لأنَّ مَنِ اعترض على حكمة الله وقدر الله، وقال: لماذا فعل كذا؟ أو قال: كيف فعل كذا؟ فقد تجاوز حدَّه ولم يكن موحدًا، ويخشى عليه الانحرافُ والهلاكُ.ـ

فينبغي للإنسان أن يحذر كل الحذر؛ بالتفكير، والنظر، والوسوسة، والاعتراض على الله، فلا يَقُلْ لماذا خلق هذا؟ ولماذا أوجد هذا؟ ولماذا هدى هذا؟ ولماذا أضلَّ هذا؟ ولماذا أفقر هذا؟ ولماذا أغنى ذاك؟

والله حكيم عليم؛ له الحكمةُ في فيما قدّر؛ فهو الذي قَدَّرَ أن يكون هذا فقيرًا، وأن يكون هذا مؤمنًا، وهذا كافرًا، أو يكون هذا مطيعًا وهذا عاصيًا، فلا تعترض فهذا سر الله في خلقه، وسَلِّمِ الأمرَ لَهُ، فإن لم تفعل: كان هذا سببًا وذريعةً، ووسيلةً إلى حرمانك من التوحيد الخالص، وسببًا في طغيانك ومجاوزتك الحد.ـ

وفي حديث عمر بن الخطاب الذي رواه الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الأعراف: 172] ، فقال: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ـ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ واسْتَخرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ للنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ فَفِيمَ العَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : إن اللهَ إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتََّّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ العَبدَ للنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ»

ومن حِكَمِ وأسرار إيجاد الكفر والمعاصي:ـ

ـ1 ـ ظهورُ قدرة الله على إيجاد المتقابلات والمتضادات، فالكفر يقابل الإيمان، والمعصية تقابل الطاعة؛ كما أن الليل يقابل النهار.ـ

ـ2 ـ ومنها: ظهور العبوديات المتنوعة كعبودية الجهاد في سبيل الله، وعبودية الولاء والبراء، وعبودية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فلو لم يكن هناك كفر ولا كفار ولا عصاة، فكيف تكون هناك عبودية الجهاد في سبيل الله؟ وعبودية الولاء والبراء؟ وعبودية الحب في الله والبغض في الله؟ وهكذا.ـ

ـ3 ـ ومنها: انقسام الناس إلى شقي وسعيد، وإلى مؤمن وكافر؛ ولأن الله تعالى خلق للجنة أهلها ووعدهم بها، وخلق للنار أهلها ووعدهم بها.ـ

وفي الحديث أن الله قال للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ من عبادي، وَقَالَ للنار: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ من عبادي، وَلِكُلِّ واحدةٍ منكم مِلْؤُهَا...» .

logo
2024 م / 1445 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد