بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وقدوتنا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني أشهد أنه رسول الله وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين فهو سيد الأولين والآخرين وهو رسول رب العالمين وهو خاتم النبيين والمرسلين وهو رسول الله إلى الناس كافة إلى العرب والعجم إلى الجن والإنس صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى في كتابه المبين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
سبق الكلام عن الآية الأولى وهي قول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وأن الله تعالى فرض الصيام على هذه الأمة كما فرضه على الأمم السابقة وبين أن من حكم الصيام وأسراره أن يكون عونا للعبد على تقوى الله وتقوى الله هو جماع الخير ولهذا قال الله سبحانه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي لكي تتقون.
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ يعني الصوم الذي أوجبه الله أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ليس كل السنة ولا نص السنة ولا ثلث السنة ولا ربع السنة ولكنه أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ هذه الأيام هي ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما من كل سنة فهي شهر من اثني عشرة شهرا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ .
ثم قال سبحانه أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ هذه الآية كانت في أول الإسلام أول من فرض الصوم كان الإنسان يخير بين أن يصوم وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا ولهذا قال وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ الذي يطيق الصوم فإن أحب أن يصوم فله ذلك وإن أحب أن يطعم عن كل يوم مسكين فله ذلك ثم بعد ذلك أمر الله بالصوم حتما لمن كان قادرا على الصوم وكان من أهل الصوم في الآية التي بعدها وهي قوله تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ولهذا ذهب كثير من العلماء إلا أن هذه الآية وهي قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ناسخا للآية السابقة وهي قوله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فإن الله في الآية الأولى خير القادر بين الصيام وبين الإطعام ثم جاءت الآيات التي بعدها فنسخت هذا التخيير وأوجبت الصوم حتما على المستطيع القادر. في قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ والآية التي قبلها فيها التخيير وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.
هذا هو الذي ذهبوا جمهور العلماء ذهبوا إلى أن الآية الأولى منسوخة والناسخ الآية التي بعدها فنسخت آية الصوم حتما آية التخيير بين الصيام والإطعام.
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة إلى أنها ليست منسوخة ولكنها باقية في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان الصيام فيطعنان على كل يوم مسكينا ولهذا قال بعض العلماء ليست منسوخة ولكنها باقية في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان الصيام أو يشق عليهما الصوم فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا ولهذا قرأ ابن عباس (وَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَطِيقُونَهُ) يعني يتجشمون صومه بمشقة وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. هذا في أول الإسلام عند جمهور العلماء وعند ابن عباس قال منسوخة.
تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وهذا من فضل الله وإحسانه أنه أباح الفطر للمريض والمسافر يفطر ويقضي بعدد الأيام التي أفطر فيها ولهذا قال سبحانه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فيه دليل على أن الشريعة مبنية على اليسر والشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج كما قال وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قال يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. فهي شريعة ميسرة والحمد لله لي فيها ( 5:35 ) ولهذا قال سبحانه يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
هذه كلها بيان للحكم حكم الصيام هذه الحكم التي ذكر الله وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. هذه كلها من حكم إكمال العدة التكبير تكبير الله على الهدايه وشكر الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه واستعمال ما أعطيه العبد من النعم في محب الله ومراضيه.
ثم قال سبحانه وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ في هذه الآية بين الله أنه قريب مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ يعني هو قريب لإجابة دعاء الداعي.
ثبت في الصحيح في حديث أبي موسى الأشعري أنه قال يا رسول الله أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فقال عليه الصلاة والسلام إن الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ وهذا له سبب أن الصحابة كانوا في سفر فارتفعت أصواته بالتكبير الله أكبر الله أكبر فقال النبي ﷺ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ يعني أرفقوا أرفقوا على أنفسكم: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.
فعلى المسلم أن يحرص على الدعاء وعلى أن يناجي ربه ويناديه ويدعوه تضرعا وخشيه وعليه الإستجابه لله ولرسوله ولهذا قال سبحانه فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .
فيجب على كل مسلم أن يستجيب لله ولرسوله وأن يؤمن بالله وبرسوله حتى يكون راشدا قول لعلهم يرشدون كي ترشدون فمن استجاب وآمن فمن استجاب لله ولرسوله وانقاد لشرع الله ودينه وآمن فإنه راشد فهو من الراشدين والراشد هو الذي حصل على الخير الكثير واندفع عنه الشر الكثير وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والثبات على دينه ونسأله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يثبتنا ويميتنا على دين الإسلام إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين .