إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا بن عبد الله بن عبد المُطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني؛ أشهد أنه رسول الله حقًا وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأُمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه من ربه اليقين، وهو خاتم النبيين وإمام المُرسلين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الحج أحد أركان الإسلام ومبادئه العظام، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقال الله تعالى في كتابه العظيم: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً[آل عمران:97]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن مُحمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، رواه الشيخان لحديث عبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما-.
وروى عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر؛ لا يعرف منا أحد ولا يُرى عليه أثر السفر حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسند فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال: صدقت.
ثم سأل عن الإيمان، فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، ثم سأله عن الإحسان، فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، ثم سأله عن الساعة؟ فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ثم سأله عن أمارتها؟ فقال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم لبث مليًا، فمضى ثم لبث مليًا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا عمر، أتدري من السائل؟، فقال: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، رواه مسلم.
هذه النصوص تدل على أن الحج أحد أركان الإسلام وهو الركن الخامس من أركان الإسلام؛ التي لا يقوم الإسلام ولا يستقيم إلا بها، ولكن الحج لا يجب إلا إذا توفرت شروطه الخمسة، الشرط الأول: الإسلام، ومعنى الإسلام: هو الاستسلام لله تعالى في التوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، والبراءة من الشرك وأهله؛ هذا هو الإسلام.
والمُسلم: هو المستسلم لله تعالى بالتوحيد المُنقاد له بالطاعة، برئٌ من الشرك وأهله، هذا المُستسلم لله لا لغيره هو الموحد، وأما من استسلم لله ولغيره فهو مُشرك، وأما المُستكبر الذي لا ينقاد لشرع الله ودينه فهو الكافر، فالمُستكبر كافر، فالناس ثلاث أقسام:
-مُستكبر.
-ومُستسلمٌ لله ولغيره.
-ومستسلم لله وحده.
فالمُستكبر عن عبادة الله كافر قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر:60]، يعني لله صاغرين(3:54)، والمُستسلم لله ولغير الله هو المُشرك الذي عبد الله، وعبد معه غيره، والمُستسلم لله وحده دون سواه هو المُسلم لأن دين الإسلام: هو الاستسلام لله لا لغيره، الاستسلام لله بالتوحيد ثم انقياد له بالطاعة، وبراءةٌ من الشرك وأهله؛ هذا هو دين الإسلام، وأصل الدين وأساس المِلة الشهادة لله تعالى بالوحدانية، والشهادة لنبيه مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة.
فالمُسلم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن مُحمدًا عبده ورسوله؛ هذا أصل الدين وهذا أساس المِلة، فالوثني الذي يعبد الأصنام والأوثان أو يعبد الأشجار والأحجار، أو يعبد الشمس والقمر ليس مستسلمًا لله بل هو مستسلمٌ لغيره عابدٌ غير الله، وبعض المُشركين يعبد الله ويعبد غيره ويكون مُستسلمًا لله ومُستسلمًا لغيره، ويكون مشركًا في التوحيد الذي هو دين الإسلام أن يستسلم الإنسان لله وحده دون ما سواه.
واليهود والنصارى لم يستسلموا لله؛ استكبروا عن عبادة الله، أنكروا رسالة مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وقالوا إن رسالته قال بعضهم إن رسالته خاصةً للعرب فكفروا بذلك، فلابد من الإيمان بأن مُحمدًا رسول الله، ولابد من الإيمان؛ لأن رسالته عامة للعرب والعجم، والجن والإنس، والأحمر والأسود، ولابد من الإيمان بأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وأنه لا نبي؛ بعده فمن اعتقد أنه يجوز أن يكون نبي بعد مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر إذًا فاليهود غير مُسلمين لماذا؟ لأنهم استكبروا عن عبادة الله، واستكبروا عن طاعة رسوله مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به، قال تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ[البقرة:87].
والنصارى أيضًا كذلك ليسوا مُسلمين؛ لأنهم عبدوا عيسى مع الله وجعلوه ابن الله فلم يستسلموا لله بل عبدوا مع الله غيره، ودين الإسلام لابد فيه من الاستسلام والانقياد لله تعالى بالتوحيد والبراء من الشرك وأهله، ولا يصح أي عمل إلا مع الإسلام؛ فلو صلى اليهودي والنصراني أو الوثني وهو لم يُسلم لم تصح صلاته، ولو زكى لم تصح زكاته، ولو صام لم يصح صومه، ولو حج لم يصح حجُه حتى يؤمن بالله وحده، حتى يؤمن برسوله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يشهد لله تعالى بالوحدانية، حتى يشهد لنبيه مُحمد -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة.
والمُشرك عملُه حابط، قال الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:88]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الزمر66:65]، وقال -سبحانه وتعالى-: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[الفرقان:23].
إذًا من شرط الحج الإسلام، وغير المُسلم لا يصح منه الحج ولكنه يُعذب على ترك الحج يوم القيامة، ويُعذب على ترك الإسلام، يُعذب على ترك الصلاة وعلى ترك الزكاة، وعلى ترك الحج، ولكنه لو صلى أو صام أو حج في حال كُفره فلا يصح منه؛ لأن من شرط صحة هذه الأعمال الإسلام، تُبنى على التوحيد والإيمان، وهذا شرط لصحة الحج الإسلام.
وعلى هذا فلا يصح حج بعض الحجاج الذين أشركوا مع الله غيره؛ قد يحج بعض الناس وهو مُشرك؛ كيف ذلك؟ بعض الناس يحُج وهو مُشرك، يحُج وهو يدعو غير الله، يقول: يا رسول الله أغثني، يا رسول الله اشفع لي، يا سيدي البدوي المدد المدد، مدد يا بدوي، مدد يا رسول الله، مدد يا دسوقي، مدد يا ابن علوان ويكون إيش؟ ويكون مُشركًا، فيكون حجُه باطل؛ لأن من شرط صحة الحج الإسلام وهذا غيرُ مُسلم؛ هذا من أهل الأوثان الذي يدعو غير الله ما حُكمه؟ من أهل الإسلام ولا من أهل الأوثان؟ من أهل الأوثان.
مُشرك ولو كان يصلي؟! ولو كان يصلي، ولو كان يصوم، ولو كان يزكي، ولو كان يحُج، طيب ما حال صلاته، وزكاته، وصومه، وحجه؟ باطلة، حابطة، باطلة ما تنفع، من الذي أبطلها؟ الشرك، الذي أبطلها الشرك؛ لأنه فعل ناقض من نواقض الإسلام، فإذا كان الإنسان مُسلم مُوحد يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أن مُحمدًا رسول الله، ويصلي ويصوم ويحُج ثم قال: سب الله أو سب الرسول، أو سب دين الإسلام، أو استهزئ بالله، أو استهزئ برسول الله، أو استهزئ بدين الإسلام، أو دعا غير الله قال: مدد يا بدوي، مدد يا رسول الله، أو قال: أغثني يا رسول، أغثني يا عبد القادر؛ يكون فعل ناقض من نواقض الإسلام، ويبطل حجُه.
يبطل ولو كان يصلي تبطل صلاته، ويبطل صومه وتبطُل زكاته، ويبطل حجُه وأين ذهب صار هباءً منثورًا، من الذي أبطلها وأفسدها؟ الشرك، أرأيت لو أن إنسانًا توضأ وأحسن الوضوء، ثم تطهر وأحسن الطهارة، ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح هل تبقى الطهارة أو تزول؟ تزول.
إنسان توضأ بنيه، استنجى وتوضأ، وغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه ورجليه، وغسل رجليه، وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمدًا رسول الله، ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح هل تبقى الطهارة أو تزول؟ زالت بطلت الطهارة، فسدت، ما الذي أفسدها؟ هو مبطلات الطهارة نواقضُها.
وكذلك الإنسان إذا كان موحد يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمدًا رسول الله، ثم سب الله بطل التوحيد، أو سب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أو سب دين الإسلام، أو استهزئ بالله أو استهزئ برسول الله، أو استهزئ بدين الإسلام، أو دعا غير الله، أو طلب المدد من غير الله، أو ذبح خروف أو عِجل، أو دجاجة، أو جمل، أو حتى لو ذبح ذباب ذبحه تقربًا لغير الله؛ صار مُشركًا.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من أوى مُحدثًا، لعن الله من غير منار الأرض، قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2]، انحر: اذبح لله، الصلاة لله والذبح لله، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2]، قال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام163:162].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: دخل رجلٌ النار في ذباب، ودخل رجلُ الجنة في ذباب، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فمر أحدهما فقالوا له: قرب! فقال: ما عندي شيء أقرب-ما عندي شيء ما عندي خروف، ولا عِجل ولا دجاج، ولا شيء- ما عندي شيء، قالوا له: قرب ولو ذباباً، -إذا كنت توافق على الشرك يكفي ولو ذبابًا-، قرب ولو ذبابًا؛ فذبح ذباب للصنم؛ فخلوا سبيله فدخل النار
دخل النار؛ لأنه تقرب ذبح ذباب للصنم، فإذا كان الذي يذبح ذباب يدخل النار فكيف بالذي يذبح خروف، ولا عِجل، ولا جمل، ولا دجاج يذبحه عند قبر البدوي، أو الدسوقي، أو نفيسه، أو عبد القادر الجيلاني، أو ابن علوان، أو الكاظم، أو غيرهم؟! يكون من باب أولى.
وقالوا لآخر: قرب! فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله -عز وجل-؛ فضربوا عنقه فقتلوه فدخل الجنة الأول دخل النار بسبب ذباب، والثاني دخل الجنة بسبب ذباب، إذًا الإسلام له مُبطلات ونواقض، نواقض الإسلام الشرك، الدعاء لغير الله، سب الدين، الاستهزاء بالدين، من نواقضه أيضًا ترك الصلاة (13:19)، من نواقضه أن يدعو غير الله، من نواقضه أن يذبح لغير الله.
من نواقضه أن ينذر لغير الله: كأن يقول: إن شفا الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان لأذبحنًّ خروف على روح السيد البدوي؛ هذا شرك هذا نذر شرك، أو قال لأتصدقنًّ بمائة جنيه على روح البدوي، أو على روح الحُسين يكون إيش؟ مُشرك، هذا شرك، النذر عبادة لا تكون إلا لله.
قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ[البقرة:270]، وقال سبحانه في وصف الأبرار: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا[الإنسان:7]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: من نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه.
ومن نواقض الإسلام: الطواف بالقبر: قبر الميت تقربًا للميت؛ لأن الطواف عبادة لا تكون إلا ببيت الله ليس هناك شيءٌ في الدُنيا يُطاف به إلا الكعبة، ونحن نطوف بالكعبة تقربًا إلى الله نعبد الله لا نعبد الكعبة، الكعبة أحجار مبنية (14:37) حجر مبنية؛ لأن بيت الله بيتٌ شريف طواف إلى الله فلا تُعبد الكعبة، وإنما العبادة لله، ونحن نطوف بالكعبة امتثالًا لأمر الله، تعبدًا لله.
إذا طاف شخصٌ لغير الكعبة، طاف على قبر البدوي، أو على قبر الحُسين، أو على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-تقربًا له فإنه يكون مُشركًا؛ لأنه صرف الطواف والعبادة لغير الله -عز وجل-، لأن هذا الشرط الأول من شروط الحج الإسلام؛ فلابد أن يكون الحاج الشرط الأول من شروط الحج: الإسلام، لابد أن يكون الحاج مُسلم.
الشرط الثاني: العقل، شرط الحج العقل؛ فالمجنون الذي لا عقل له لا يجب عليه الحج، وكذلك الشيخ الكبير المُخرف الذي خرًّف، والمرأة الكبيرة صار لا يعقل شيئًا لا يجب عليه الحج، والدليل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق، والقلم: المراد به قلم التكليف، قلم التكليف، رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم المجنون حتى يفيق، ومثله المعتوه الذي لا يعقل شيئًا، ومثلهُ من كان في غيبوبة مدةً طويلة، من أُغمي عليه هذا مرفوع عنه القلم ليس عليه صلاة ولا صيام، ولا حج، وهذا مرفوع عنه القلم؛ لأنه ليس معه عقل، المجنون حتى يفيق.
من كان في غيبوبة لا يفيق إلا إذا كانت الغيبوبة مُدة قليلة يوم أو يومين أو ثلاثة يقضي الصلوات، أما إذا كانت الغيبوبة مُدة طويلة فلا يقضي الصلاة، أسبوع أسبوعين صار لا يقضي الصلاة، هذا الشرط الثاني من شروط الحج: العقل، والمجنون الذي لا يعقل ليس عليه حج.
وكذلك الشيخ الكبير المُخرف الذي بلغ من الكِبر عتيًا، والمرأة الكبيرة المُخرفة ليس عليهم تكليف، ومثلها إيش؟ من كان في غيبوبة، أما النائم: النائم مرفوعٌ عنه القلم حين نومه، ولكن النوم لا يزول معه الإحساس، ولا يكون مدته طويلة فلهذا يقضي النائم ما فاته.
الشرط الثالث: البلوغ، البلوغ فالصبي الذي لم يبلغ ليس عليه الحج حتى يبلغ، وبماذا يُعرف البلوغ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يُفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ»، وفي لفظٍ حتى يحتلم، وبماذا نعرف علامات البلوغ؟ بماذا تُعرف علامات بلوغ الصبي؟ متى نعرف أنه الصبي قد بلغ؟
إذا وُجدت واحدة من علامات البلوغ: العلامة الأولى: إنبات الشعر الخشن حول الفرج، إذا أنبت شعرًا خشنًا حول الفرج سواءً كان ذكرًا أم أنثى يعتبر بالغ، إنبات الشعر الخشن العلامة الأولى من علامات البلوغ: إنبات الشعر الخشن حول الفرج؛ فإذا أنبت الذكر أو الأنثى شعرًا خشنًا حول الفرج فإنه يكون بالغًا ولو كان عُمرهُ عشر سنين.
-فمن علامات البلوغ إذا أنبت صبيٌ أو صبية شعرًا خشنًا حول الفرج وعُمرُه خمسة عشر سنين أو تسع سنين يكون بالغ يكتب عليه قلم التكليف، وجب عليه الحج، والصوم، والصلاة، وجميع الأعمال، الدليل على هذا حديث كعب القُرظي أن بني قُريظة لما نقضوا العهد هم طائفة من اليهود في المدينة حكًّم فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن مُعاذ فحكم فيهم أن تقتل المقاتلة من الرجال، يقتل الرجال، وأن تُسبى النساء والذرية؛ فقٌتل الرجال وأُبقي النساء والذُرية.
وهناك بعض الصبيان شكوا في بلوغهم هل هو رجل فيُقتل، أو صبي فيُترك، فإذا شكوا فيهم كشفوا عن (19:05) فمن وجدوه أنبت شعرًا خشنًا قتلوه لأنه من الرجال، ومن وجدوه لم ينبت تركوه لأنه من الصبيان ومن الرجال، وكان كعب القُرظي -رضي الله عنه- ممن لم يُنبت فتُرك فكان خيرًا له وأسلم؛ فدل على أن إنبات الشعر الخشن من علامات البلوغ، هذه علامة أولى للذكر أو الأنثى.
-العلامة الثانية: نزول المني، نزول المني من الذكر ومن الأنثى: أي إذا أنزل الصبي منيًا: يعني نام ثم احتلم وأنزل منيًا، أو أنزلت الصبية منيًا فإنه يكون بالغ ولو كان ابن عشر سنين أو ابن اثني عشر سنة، أو ابنة اثنتي عشرة سنة، فإذا أنزل منيًا في النوم أو في اليقظة فإنه يكون بالغ.
-العلامة الثالثة: إذا لم يوجد لا هذا ولا هذا لم ينبت شعرًا خشنًا، ولم يُنزل منيًا إذا بلغ خمس عشرة سنة، خمس عشرة سنة؛ لقول ابن عُمر -رضي الله عنهما-: عُرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يومَ أُحد وأنا ابن أربعة عشر سنة فلم يجزني، وفي رواية فلم يرني بلغت، ولم يرني بلغت، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني"، إيش معنى أجازه؟ يعني أجازه للجهاد.
وبعض الصبيان طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتركهم يُجاهدون مع المُسلمين وكان الصبيان لا يجيزهم، ومن بلغ يُجيزه، فكان ابن عُمر في غزوة أُحد ابن أربعة عشر سنة فرده النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ما بلغ الخمس عشر سنة، ولما جاءت السنة الآتية وجاءت غزوة الخندق قد بلغ خمسة عشر سنة فأجازه للجهاد؛ فدل على أن الخمسة عشر سنة هي يحصل بها البلوغ.
ولما بلغ عُمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، لما بلغ عُمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد هذا الحديث قال: "إن هذا لحدٌ بين الصغير والكبير"، إن هذا يعني ما هو؟ بلوغ خمسة عشر سنة، "إن هذا لحدٌ بين الصغير والكبير"، كم علامة صارت علامات البلوغ؟
طالب: خمسة.
الشيخ: اه؟ خمسة! وين الخمسة جبت من عندك؟! ثلاثة: إنبات الشعر الخشن هذا واحد، ثانيًا نزول المني يقظةً أو منامًا، ثالثًا: بلوغ خمسة عشر سنة، هذه العلامات الثلاث لإيش؟ للذكر والأنثى، وتزيد الأنثى علامةً رابعة خاصةً بها وهي الحيض، الحيض: فإذا حاضت الأنثى نزل عليها دمُ الحيض، دم العادة الشهرية فإنها تُعتبر بالغًا ولو كانت بنت تسع سنين، قد تحيض التسع سنين؟ نعم، وجد من النساء من تحيض ولها تسع سنين انتبه.
قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذا بلغت الأنثى تسع سنين فهي امرأة، هذا كلام من؟ كلام عائشة، قالت: "إذا بلغت الأنثى تسع سنين فهي امرأة قد تكون شبابها، إذا كان شبابها يُمكن تبلغ بنت تسع سنين ولم تنزل عليها العادة الشهرية، فإذا نزل الدم عليها تُعتبر بالغ، مُكلفة، يكتب عليها قلمُ التكليف، يجب عليها الصوم، والصلاة، والصوم والحج واضح هذا؟
وأيضًا فائدة: قال الإمام الشافعي -رحمه الله- رأيت جدةً لها إحدى وعشرين سنة، الإمام الشافعي يقول إيش؟ الإمام الشافعي يقول: رأيت جدًّة لها إحدى وعشرين سنة، جدة أم أم، رأيت جدةً لها إحدى وعشرين سنة كيف ذلك؟ قال: هذه الجدة لما بلغت تسع سنين تزوجت –امرأة- ثم حملت في الحال، ولما بلغت عشر سنين ولدت أنثى، فلما بلغت البنت تسع سنين تزوجت، ثم حملت في الحال وبعد سنة جاءت ببنت فصارت الأُم لها عشر سنين، والجدة لها إحدى وعشرين سنة.
قال الشافعي -رحمه الله-: "رأيت جدةً لها إحدى وعشرين سنة" هذا يُمكن، ويمكن أن تبلغ الأنثى ولها تسع سنين، فإذًا علامات البلوغ للأنثى أربع وللذكر ثلاث، الأنثى من يعُدها؟ علامات البلوغ، من يعُد علامات البلوغ؟ نعم، نعم.
طالب: (24:01).
الشيخ: ونزول المني يقظةً ومنامًا، هذه ..، لا، للذكر والأنثى خمس عشر سنة للجميع هذه الثلاث للذكر والأنثى، والأنثى تزيد علامة رابعة ما هي؟ الحيض، أحسنتم –بارك الله فيكم-؛ هذا الآن البلوغ.
إذًا الشرط الأول: الإسلام، الشرط الثاني: العقل، الشرط الثالث: البلوغ، طيب شرط البلوغ شرطٌ لوجوب الحج لكن الحج يصح قبل البلوغ من الصبي خاصة، يصح الحج من الصبي ولو لم يبلغ، حتى ولو كان صبيًا في المهد، ولو كان في المهد، ولو كان ابن شهر واحد يصحُ منه الحج الدليل، الدليل ما ثبت في صحيحِ مُسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي ركبًا بالروحاء هم لا يعرفونه، فقال لهم: من القوم؟ قالوا: كذا، فقالوا له: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأةٌ صبيًا في المهد وقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌ؟ قال نعم ولكي أجرٌ.
وعلى هذا فيصح الحج من الصبي ولو كان طفلًا في المهد، كيف يعمل وليه؟ قال العُلماء: الصبي الذي يحُج له حالتان:
- كان دون التمييز: فإنه ينوي الإحرام عنه وليه، ينوي الإحرام عنه وليُه، فيقول وليه: لبيك حجًا عن فلان (الصبي) أو عن فلانة (الصبية)، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، ثم يُجردُه الصبي من المخيط، ويُلبسه إزارًا ورداءً ولو كان في المهد، ويطوف بالبيت، ويسعى به بين الصفا والمروة، ويرمي عنه الجمار، ويحمله إلى مِنى يبيت فيها، ويحمله إلى مِنى أو إلى عرفة يقف فيها، ويحمله إلى المزدلفة، وكذلك الصبي.
الحالة الثانية أن يكون الصبي أو الصبية بلغ سبع سنين؛ وفي هذه الحالة يُحرمُ الصبي أو الصبية بإذن وليه يأذن له وليه فيُحرم فيقول له وليُه: أحرم قل: لبيك عُمرة وحجًا، قل: لبيك حجًا، قل: لبيك عُمرةً وحجًا فيقول الصبي: لبيك حجًا، أو لبيك عُمرةً وحجًا إذا كان مُتمتع يقول: لبيك عُمرة متمتع بها إلى الحج، وإذا كان قارن قال: لبيك عُمرةً وحجًا، وإذا كان حاج مُفرد يقول: لبيك حجًا.
وكذلك الصبية، يقول لها وليها: قولي: لبيك عُمرة، قولي لبيك عُمرةً وحجًا ويُجرده من المخيط ويطوف به يمشي على رجليه إذا كان يستطيع المشي يمشي على رجليه وكذلك الصبية تمشي على رجليها، وإذا كان لا يستطيع السعي يسعى به محمولًا أو على عربة، واضح هذا؟ لكن هل هذه الحجة للصبي تكون له أو لوليه؟ أجرها لمن؟ أجر الحج للصبي والصبية أو لوليه؟
طالب: للولي.
الشيخ: لا، الأجر الصبي أجر الحج للصبي وللصبية، الحج للصبي وللصبية ولكن الولي له أجرٌ آخر هو أجر المعونةِ والسبب، الأجر أجر الحج للصبي أو للصبية، والولي له أجرٌ آخر وهو أجر المعونة والسبب، الدليل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رفعت إليه هذه المرأة الصبي قال: ألهذا حجٌ؟ قال: نعم، له حج ، ألهذا حجٌ؟ قال: نعم، يعني له ولك أجرٌ أجرٌ آخر فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج للصبي وللولي أجرٌ آخر وهو أجرُ المعونة والسبب.
وقد شاع عند بعض العامة عندنا هنا في المملكة شاع عند بعض العامة أن الصبي إذا حج والصبية إذا حجت صار الأجر لجده أو لجدته، وهذا لا أصل له ولا أساس له من الصحة، والصواب أن الحج يكون لمن أن الأجر يكون للصبي أو الصبية، والولي له أجرٌ آخر وهو أجر المعونة والسبب.
بقي مسألة: هل يكفي حج الصبي أو الصبية عن حجة الإسلام أو لا يكفي؟ لا يكفي،بل ليجب على الصبي إذا بلغ أن يحُج حجة الإسلام بعد بلوغه، هذه الحجة تطوع للصبي، هذه الحجة التي حجها قبل البلوغ تطوع، أما حجة الإسلام فلا تصحُ إلا بعد البلوغ.
الدليل: الحديث ما ثبت في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما صبيٌ حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحُج حجةً أخرى، والمراد بالحنث: أيما صبيٌ حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحُج حجةً أخرى والمراد بالحنث: الإثم، إذا بلغ الحنث يعني إذا بلغ الوقت الذي يأثم فيه إذا فعل إثمًا وهو وقت البلوغ؛ لأن الصبي ما يأثم في وقت صباه حتى يبلغ ما عليه سيئات، إذا فعل الصبي سيئة هل يأثم قبل البلوغ؟
ما يأثم؛ لأنه غير مُكلف، لكن وليه يُؤدبه إذا فعل معصية، أو إذا اعتدى أو آذى وليه يُؤدبه لا يمنع من تأديبه، لكنه غير آثم لأنه غير مكلف؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيما صبيٌ حج ثم بلغ الحنث يعني بلغ الوقت الذي يأثم فيه الإنسان وهو وقت البلوغ؛ فعليه أن يحُج حجةً أُخرى.
فهذه الشروط كم شرط قلناها من شروط الحج؟ الإسلام، والعقل، والبلوغ، والشرط الرابع الحُرية، الحرية؛ العبد الذي يباع ويُشترى لا حج عليه، لا يجب عليه الحج، كيف الشخص يُباع ويُشترى؟ هل يُمكن شخص يُباع ويُشترى؟ نعم يمكن كيف؟ ما سبب بيعه وشراءه؟ ما سبب الرق؟ الرقيق الذي يباع ويشترى، العبد الرقيق الذي يباع ويُشترى لا حج عليه لماذا؟ لأنه مشغولٌ بسيده بخدمة سيده؛ ولأنه مال لإنه مال وإن كان يُكلف بالصلاة والصيام لكنه لا يجب عليه الحج؛ لأنه مشغولٌ بخدمة سيده.
ما الذي جعله يكون رقيقًا؟ سبب الرق ما هو؟ الكفر الكفر، الرق، الولى عصوبةٌ سببها نعمة المُعتق على رقيق به بالعتق سببه الكفر، الرق وجود الرق، وجود العبيد دليلٌ على قوة المُسلمين ولا على ضعف المُسلمين؟ دليل على قوة المُسلمين؛ لأن الرق إنما ينشأ سببه إقامة الجهاد في سبيل الله، يقوم الجهاد في سبيل الله يجاهد المُسلمون الكفار فيقتلونهم ويحسرونهم فمن أُثر صار رقيقًا إذا أثرناهم صاروا أرقاء، ونساءهم وذراريهم عبيد لنا، وكل ما تناسل منهم عبيد يُباعون ويُشترون.
إذًا الرق سببه إيش؟ الكُفر، والكافر يُدعى إلى الإسلام فإن استجاب فالحمد لله، وإن امتنع قاتلناه، وإذا قتلناه وأخذنا الكفار وسيبناهم منهم من يُقتل ومنهم من يُستأثر يُرسل ويكون رقيق، واضح هذا؟ إذًا العبيد، وجود العبيد دليلٌ على قوة المُسلمين، ولا على ضعف المُسلمين؟ على قوة المُسلمين؛ لأن الجهاد قائم.
الآن في رقيق ولا ما في رقيق الآن؟ ما في عبيد؛ إذًا المُسلمون ضعفاء، المُسلمون ضعفاء ما يغزون ما غزوا الكفار، الكفار الآن يغزونهم، بسبب الضعف ضعف المُسلمين، الكفار الآن هم اللي غزونا، هم اللي غزون المُسلمين؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: إنه في أخر الزمان يكون المُسلمين غثاء كغثاء السيل، يكون المُسلمين غُثاء كغثاء السيل.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائهم، المهابة: هيبة المُسلمين تُنزع من إيش؟ من صدور الكفار، لماذا؟ قالوا: يا رسول الله، أمن قلة نحن؟ قال: لا، إنكم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، وليقذفن في قلوبكم الوهن، الضعف قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت، وما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا، وما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا
وإذا لم يغزوا الكفار غزاهم الكفار، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، إذًا من شروط الحج: الحرية، يكون الحاج حُر غير رقيق لا يُباع ولا يُشترى، أما الرقيق اللي يُباع، العبد الذي يُباع ويُشرى هذا مشغولٌ بخدمة سيده؛ فليس عليه حج، لكن لو أذن له سيدُه بالحج هل يصح منه الحج؟
لو أذن السيد لعبده أن يحُج هل يصح منه الحج؟ نعم، يصح، يصح منه الحج، إذا قال السيد لعبده حُج أذنت لك بالحج فحج؛ صح منه الحج، ولكن هل يجزئ عن حجة الإسلام إذا أُعتق؟ لا يجزيه، هذه تكون تطوع، فإذا أذن السيد لعبده بالحج صح حجُه ويكون نفلًا تطوعًا؛ فإذا أُعتق بعد ذلك وجب عليه أن يحج حجة الإسلام، الدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أيما عبدٍ حج ثُم أُعتق فعليه أن يحُج حُجة أخرى، وأيما صبيٌ حج ثم بلغ الحلم فعليه أن يحُج حجة أخرى».
الشرط الخامس من شروط الحج: الاستطاعة والقدرة على الحج، الاستطاعة والقدرة على الحج، دليل الاستطاعة ما هي؟ قول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97]، والاستطاعة والقُدرة نوعان، كم نوع؟ نوعان: استطاعةٌ بالبدن، واستطاعةٌ بالمال.
استطاعةٌ بالبدن: بمعنى أنه يستطيع الثبات على المركوب فيأتي للحج، يستطيع أن يثبت على الدابة، أو على السيارة، أو على الطائرة، أو الباخرة، يستطيع الثبات، أما إذا كان ما يستطيع إذا كان شخصًا مُقعدًا مريض ما يستطيع الثبات على الركوب، أو كبير السن، ظعن في السن ما يستطيع يجلس على الدابة ولا على الطائرة ولا على السيارة، هذا فاقدٌ لإيش؟ للاستطاعة البدنية، فاقد للقدرة البدنية.
النوع الثاني من الاستطاعة: الاستطاعة بالمال، الاستطاعة بالمال بأن يكون عنده مالٌ يحُج به، عنده نقود، دراهم تكفيه للحج ذهابًا ورجوعًا وإيابًا زائدة عن نفقةٍ أهله وأولاده ومن يعولهم، النوع الثاني: الاستطاعة بالمال بأن يكون مال زائدًا عن نفقة أهله وأولاده ذهابًا وإيابًا، فإن لم يكون عنده مال يكفيه، ما عنده مال إلا نفقة أولاده ما عنده مال زائد؛ لا يجب عليه الحج.
وكذلك لو كان عليه دين، والدين حال لا يجب عليه الحج، بل يجب عليه قضاءُ الدين، قضاء الدين أهم، لكن لو كان الدائن يسمح بالحج، قال: صحيح أن لي دين لكن أسمح لك بالحج، بعدين توفيني؛ صح الحج، أو كان الدين مؤجل أو مُقسط وهو يستطيع أداء الأقساط في وقتها صح الحج، واضح هذا؟
فإذا توفرت القدرتان، إذا وجدت القدرتان: القدرة بالمال، والقدرة بالبدن؛ وجب على الإنسان أن يحُج بنفسه، شخص مُستطيع الحج ببدنه، ومُستطيع الحج بماله يجب عليه أن يحُج بنفسه، وليس له أن يُنيب غيره، شخص عنده قُدرة على إيش على الحج ببدنه، يستطيع الثبات على الركوب، وعنده قُدرة على الحج بالمال، عنده مال زائد عن نفقة أهله وأولاده، ومن يعول يجب عليه أن يحُج بنفسه.
هل يجب على الفور ولا بالتأخير؟ ولا يجوز التأخير؟ الصواب الواجب الفور، وليس له أن يُؤخر، الدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: تعجلوا من الحج يعني الفريضة؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، «تعجلوا بالحج: -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له، فإذا أخر مع القُدرة وهو قادر فعليه الوعيد الشديد.
إذا تأخر عن الحج وهو يستطيع عنده مال، يستطيع ببدنه وماله ولكنه تأخر؛ بعض العلماء يرى أنه على التراخي والصواب أن الأوامر على الفور يجب عليه أن يبادر بالحج، فإن تأخر من غير عُذرٍ فهو متوعدٌ بقول الله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:97]، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَر، يعني بترك الحج ومن كفر يعني بترك الحج، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:97].
وروى الدارمي بإسنادٍ لا بأس به أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من لم يمنعه من الحج سُلطانٌ جائر، أو مرضٌ حابس أو عدوٌ قاهر، فليمت إن شاء يهوديً، وإن شاء نصرانيًا»، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وروي عن عليٍ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: من قدر على الحج فلم يحُج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا.
وروي عن ابن عباس أنه قال: "من قدر على الحج فلم يحُج سأل الرجعة عند الموت، فيقول ربي ارجعون"، والأدلة على وجوب الحج كثيرة، منها قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97]، ومنها الأدلة التي سمعتم بني الإسلام على خمس وذكر منها الحج، وهو ركنٌ من أركان الحج، فإذا توفرت القدرتان والاستطاعتان بماله وبدنه؛ وجب عليه أن يحُج إيه بنفسه، إذا تخلفت إحدى القدرتان لا يستطيع الحج ...
تخلف المال ما عنده مال عنده قُدرة بالبدن يستطيع الثبات على الركوب لكن ما عنده مال؛ فهل يجب عليه الحج؟ لا يجب عليه الحج، إذا وجد المال ولكن لم يوجد القُدرة بالبدن عنده مال لكن ما يستطيع الثبات على المركوب، ما يستطيع الحج بنفسه، كونه مريض مرضٌ لا يُرجى بُرئه، أو كبير السن ماذا يعمل؟ يجب عليه أن ينيب من يحُج عنه، يجب عليه أن يُنيب من يحُج عنه.
الدليل: إذا كان عاجز عن الحج ببدنه وعنده قُدرة على الحج بماله يجب عليه أن يحُج، أن يُنيب من يحُج عنه، الدليل ما ثبت في صحيح البُخاري أن امرأةً من خثعم جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (في حجة الوداع) «فقالت: "يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة؛ أفأحُج عنه؟ قال: حُجي عن أبيكِ، فدل على أن من لا يستطيع الثبات على المركوب حُجُ عنه، وكذلك يُحج عن الميت.
وكذلك أيضًا من الأدلة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يلبي فيقول في تلبيته: لبيك عن شُبرُمة فقال من شُبرُمة؟ قال: أخٌ لي أو قريبٌ لي، قال: أحججت عن نفسك، قال: لا، قال: حُج عن نفسك ثم حُج عن شُبرُمة؛ فدل على أن من لم يحُج عن نفسه لا يحُج عن غيره، لو حج شخصٌ عن غيره وهو لم يحُج عن نفسه لم يصح ماذا تكون؟
قال العلماء: إذا أحرم شخصًا بالحج عن غيره وقال: لبيك حج عن فلان وهو لم يحُج عن نفسه انقلبت الحجة فصارت له، انقلبت الحجة فصارت عن نفسه، نعم، الحج والعُمرة، العُمرة واجبة في العُمر مرة على الصحيح، والدليل ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، قال: لكُّن جهادٌ لا قتال فيه: الحجُ والعُمرة.
وجاء في حديث جبرائيل عند الدارقطني لما سأل عن الإسلام فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن مُحمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم، وتحُج البيت وتعتمر، وأن تغتسل من الجنابة، وتتُم الوضوء، دل على أن العُمرة أيضًا واجبة في العُمر مرة، طيب فإذا كان الإنسان عاجزًا عن الحج بالمال سقط عنه الحج، وإذا كان قادرًا على الحج بالمال ولكنه غير قادرٌ على الحج بالبدن يُنيب من يحُج عنه.
والمرأة ماذا تعمل؟ إذا كانت المرأة قادرة ببدنها، وقادرة بمالها لكن ليس عندها محرم يحُج بها ماذا تعمل؟ هل تحُج بدون محرم؟ أو يسقط عنها الحج، أو تُنيب من يحُج عنها؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال في الحديث الصحيح: لا يحُل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُسافر إلا مع زي محرم، حتى ولو للحج.
ولهذا قال، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يحُل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُسافر إلا مع ذي محرم، قام رجلٌ فقال: "يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة يعني وحدها بدون محرم، وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، -كُتب في الغزو وفي الجهاد- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: انطلق فحُج مع امرأتك، أمر أن يترك الغزو والجهاد ويكون إيش؟ محرمًا لامرأته؛ مما يدل على أهمية المحرم.
وهذا يدُل على أن قول بعض العلماء يقول: "يجوز للمرأة أن تحُج مع نسوةٌ ثقات، مع نسوة ثقات، إذا كان معها نساء ثقات حجت معهم"، هذا قولٌ ضعيف، قاله النووي والجماعة، قولٌ ضعيف والدليل على ضعفه هذا الحديث قال له النبي: «انطلق حُج مع امرأتك»، ما قال: يكفي أن تحُج مع نساء ثقات، ولو كان معها أختها وأمها، وزوجة أخيها، وزوجة عمها ما يكفي؛ لابد أن يكون معها محرم، والمحرم لابد أن يكون بالغ، رجل بالغ، ما يكفي أن يحُج معها طفل، طفلٌ ما بلغ ما بلغ الحنث، لابد أن يكون إيش؟ محرم بالغ حتى يدافع عنها، المقصود من المحرم حفظها، حفظ المرأة وصيانتها.
ما هو المحرم الذي تحُج معه المرأة؟ من تحرُم عليه نكاحها، زوجها هذا الزوج أو من تحرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو سببٍ مُباح، من تحرم عليه التأبيد بنسب مثل: أبيها، وجدها، وجد جدها، وابنها وابن ابنها، وابن بنتها، وأخيها، وابن أخيها، أخوها الشقيق، وأخوها من الأب، وأخوها من الأم، وابن أخيها من الشقيق، وابن أخيها من الأب، وابن أخيها من الأم، ثم العم الشقيق، والعم، والعم لأب، والعم لأم، ثم الخال: الخال الشقيق، والخال لأب، والخال لأم، هؤلاء محارم، هل أبن العم محرم؟ لا، ابن الخال غير محرم، زوج الأخت؟
طالب: زوج الأخت محرم مؤقت.
الشيخ: لا، ما هو محرم لا مؤقت ولا غير مؤقت، زوج الأخت ما هو محرم؛ ولهذا قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والدخول على النساء، يعني بدون محرم قالوا: يا رسول الله، أفرأيت الحمو، قال: الحمو الموت»، ما هو الحمو؟ قال العلماء: الحمو قريب الزوج، أخو الزوج، وابن أخو الزوج، وعم الزوج، وابن عم الزوج.
ليش شبههم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالموت؟ الموت أفضل حادثٍ ينزل بالإنسان، أفضل حادث ينزل بالإنسان الموت، شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحمو بالموت قريب الزوج ليش؟ من يعرف الجواب؟ لماذا شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحمو (وهو قريب الزوج) إذا دخل على زوجة قريبه بالموت؟
طالب: لأنه يدخل البيت دون أن ينكر عليه أحد.
الشيخ: أحسنت، لأنه يدخل البيت دون أن ينكر عليه أحد، قريب الزوج يدخل البيت دون ولا ينكر عليه أحد، إذا دخل أخو الزوج على بيت أخيه ينكر أحد عليه؟ أو عم الزوج ما أحد ينكر عليه، فإذا دخل على زوجة أخيه وما عندها أحد هذا الموت حرام، ما يدخل عليهما أحد لابد أن يكون عندها أم له، أو زوجة له، أو بنت كبيرة بالغة أو ابن كبير شخص ثالث تزول به الخلوة وإلا يكون حرام لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، لماذا؟
لماذا لا يجوز الدخول على المرأة محرم؛ لأن الشيطان ثالثهما، دخول الرجل على المرأة الأجنبية بدون محرم الشيطان ثالثهما، وهل الشيطان يُقصر في تسويغ(47:56) الشر؟! لا يقصر، فإذا دخل، فإذا خلا رجل بامرأة لابد الشيطان يوسوس، يُكلمها، الأول كلمة، ثم لقاء، ثم ضحك، ثم حتى يصير فعل الفاحشة، -نعوذ بالله-.
الخلوة بالمرأة يكون في أي شيء؟ يكون في البيت وحدها، ويكون الخلوة بالسيارة وحدها، إذا أخذ امرأة أجنبية في سيارة وحدها هذه خلوة؛ لا يجوز، هل يجوز للإنسان يحمل امرأة أجنبية في السيارة؟ حرام لماذا؟ لابد أن يكون معهم ثالث؛ لأن هذه خلوة، يكون معهم امرأة ثانية أو رجلٌ ثالث يزول به الخلوة ما يكون به ريب عنده شك، لابد يكون الرجل الثالث يكون ثقة؛ وإلا لو كان غير مأمون لو كانوا مائة لابد أن يكون بلا ريب، بلا شك، بلا تُهمة.
أما يكون معهم ثالث مُتهم ما يفيد، الطائرة لابد ...أو المصعد الكهربائي، المصعد الكهربائي مع المرأة...خلوة، لا تركب المصعد الكهربائي إذا كانت امرأة وحدها؛ لابد أن يكون معكم ثالث؛ لأن الشيطان ثالثهما.
في الطائرة سفر هذا مو خلوة سفر؛ لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها لا في الطائرة، ولا في السيارة، ولا في الباخرة، أما سمعت الحديث؟ «لا يحُل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُسافر إلا مع زي محرم».
طالب: ولو كانت من القواعد؟
الشيخ: يسأل يقول: ولو كانت من القواعد؟ عجوز؟ ولو كانت من القواعد، قال الإمام الشافعي -رحمه الله- لما قيل له: إذا كانت المرأة عجوز من القواعد فهل تسافر من دون محرم؟ -اسمع كلام الإمام الشافعي- الإمام الشافعي -رحمه الله- لما قيل العجوز إذا كانت من القواعد تسافر وحدها؟ فقال: -اسمع الكلمة-، ماذا قال لما قيل له العجوز من القواعد هل لها أن تسافر من دون محرم؟ قال: "لكل ساقطةٍ لاقطة".
ما معنى الكلام؟ يعني أن العجوز يأتيها مثلها من يرغب فيها، يأتيها مثلها، "لكل ساقطةٍ لاقطة" وعلى هذا كلام الإمام الشافعي يرى أن العجوز لا تسافر إلا مع محرم (50:21) ولو كانت عجوز، قد يحسنها الشيطان يزينها بإيش؟ في عين من في قلبه مرض يريد الفاحشة، واضح هذا؟ فإذًا لا تسافر المرأة إلا مع زي محرم؛ ولو للحج، ولو للحج، إذا سافرت المرأة للحج وحجت وليس معها محرم فهل يصح الحج؟
نعم يصح الحج، يصح الحج لكنها آثمة، فهي إثم منه وفي معصية لله من حين خروجها من بلدها حتى ترجع، ولكن الحج صحيح! الحج صحيح مع الإثم، فلها ثواب الحج، وعليها إثم المعصية وهي السفر بدون محرم.
طالب: (51:11).
الشيخ: السفر ما هو السفر الذي إيش؟ الذي لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع زي محرم؟ هو ما تُقصر فيه الصلاة، حد السفر مسافة القصر هو الذي تقصر فيه الصلاة وهي مِقدارها المسافة التي تقطعها الإبل المُحملة في يومين، وهي مقدار ثمانين كيلو، ثمانين كيلو متر تقطعها الإبل في يومين، هذه هي المسافة التي لا يجوز للمرأة أن تسافرها إلا مع زي محرم.
قال الفقهاء زمان قبل وجود المخترعات الحديثة، قبل وجود الطائرات (51:49) قالوا: هذه المسافة مسافة قصر ولو قطعها في لحظة، قالوا: ولو قطعها في ساعة، ما ظنوا أنه سيأتي مخترعات طائرات تقطعها في ساعة، صارت الآن تقطعها في أقل ...في لحظة، تقطع مسافة القصر في لحظات، طيب قلنا: إن المرأة إذا لم تجد محرم لا تسافر ولو للحج ماذا تعمل؟ هل تُنيب؟ قال بعض العلماء يسقط عنها الحج، وقال آخرون: إذا أيست استنابت.
وفق الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ[البقرة:197].