شعار الموقع
شعار الموقع

عشر ذي الحجة

00:00

00:00

تحميل
1465

عشر ذو الحجة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، هو خاتم النبيين فلا نبي بعده، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله، وعلى أصحابه، وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

نحمد الله إليكم، ونثني عليه الخير كله، ونسأله المزيد من فضله، ونسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، ونشكر الله سبحانه وتعالى على أن جعل النعم والفضل والبر يتوالى علينا سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾[إبراهيم:34]، ونعم الله الدينية كثيرة وعظيمة، يليها علينا سبحانه وتعالى.

شهر رمضان الله المبارك أنعم الله به علينا بنعم عظيمة، ثم لما انتهى شهر رمضان دخلت أشهر الحج، أشهر الحج هي أشهر عظيمة، وأيام عظيمة، ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197]، العشر الأول من ذي الحجة هي أفضل أشهر العام، أيامها فاضلة كما أن العشر الأواخر من رمضان لياليها أفضل ليالي العام، هذه الأيام المباركة التي قال فيها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني: أشهر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء».

هذه الأيام القادمة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، فيها يوم عرفة الذي ما رؤي الشيطان أحقر ولا أدحر ولا أصغر منه في هذا اليوم لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، فيها يوم العيد وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم العج والسج، وأفضل الأعمال في يوم العيد العج والسج، فالعج هو رفع الصوت بالتلبية للمحرمين، والسج هو إراقة الدماء، إراقة الدماء، القرابين، ذبح القرابين، الهدايا والأضاحي.

والأعمال الصالحة في هذه الأيام متنوعة، منها: الصيام، فالصيام عمل صالح.

ومنها: تلاوة القرآن.

ومنها: التسبيح والتهليل والتكبير.

ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومنها: الدعوة إلى الله.

ومنها: تعليم العلم.

ومنها: الصدقات والإحسان إلى أولي القرابات والمساكين والمحاويج والأرامل.

ومنها: بر الوالدين.

ومنها: صلة الأرحام.

ومنها: إطعام الجائع.

ومنها: تعليم الجائع.

كل هذه أعمال صالحة فاضلة مطلوبة في كل وقت، لا سيما في هذه الأيام العشر، فالمسلم الموفق هو من ينتهز هذه الأيام الفاضلة ويستغلها ويملؤها بطاعة الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

يوم عرفة يوم فاضل، قال فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إني أحتسب على الله أن يكفر ذنوب سنتين، سنة ماضية، وسنة قادمة»، وهذا عند أهل العلم فيمن اجتنب الكبائر، والكبائر هي التي توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب في الآخرة، أو وجب فيه حد في الدنيا؛ كالسرقة وشرب الخمر والقذف وغير ذلك، ومن ذلك أكل مال اليتيم، ومنها الغيبة، ومنها النميمة، هذه كلها كبائر لا بد من اجتنابها، أما إذا لم يجتنب الإنسان الكبائر، فهي تبقى أي: الكبائر والصغائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كان يثاب على العمل، ولكن تبقى الكبائر والصغائر، تبقى الصغائر مع الكبائر، فلا تكفر، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾[النساء:31]، سيئاتكم يعني: الصغائر.

وصيام يوم عرفة مشروع لغير الحاج، أما الحاج فإنه مكروه في حقه، يكره في حقه أن يصوم يوم عرفة؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفطر في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه، وشرب الماء، قدم إليه شراب فشربه والناس ينظرون؛ ليعلم الناس أنه مفطر.

فالسنة في حق الحاج أن يفطر يوم عرفة؛ والحكمة من ذلك حتى يتقوى على الذكر، وعلى الدعاء، وعلى الابتهال، والتضرع إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، أما غير الحاج فإنه يشرع في حقه أن يصوم هذا اليوم، أما يوم العيد فأيام التشريق فلا يجوز صومها.

يومان يحرم صومهم في السنة: يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، يحرم صومها إلا لصنف واحد من الناس، وهو الحاج، المتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي، ولم يصم هذه الأيام الثلاثة قبل يوم العيد، فإنه يجوز له صومها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن عائشة وابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهما- أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فهذا مستثنى، من لم يجد الهدي فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهذه الثلاثة يصومها قبل العيد فإن فاتت صامها أيام التشريق، وما عدا ذلك فلا، فلا يجوز صومها لأحد من الناس.

والحج هو فريضة الله على عباده، فرضه الله على المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع، فإذا وجدت هذه الشروط وجب على الإنسان أن يحج بنفسه إذا كان مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا مستطيعًا بماله وببدنه وجب عليه أن يحج، فإن تأخر عن الحج فهو متوعد بقول الله تعالى:  ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:97]، روى الدارمي بإسناد لا بأس به أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من لم يمنعه من الحج سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا»، أو كما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وورد عن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: ما من أحد لم يؤدي زكاة ماله، وأطاق الحج ولم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت.

فالواجب على من توفرت فيه الشروط أن يبادر إلى أداء الحج.

المسلم، الشرط الأول: الإسلام؛ لأن الكافر لا يصح منه الحج في حال كفره، وليس معنى ذلك أنه لا يعذب بل يعذب الكافر يوم القيامة على تركه التوحيد والإسلام، وعلى ترك الحج، وعلى ترك الصلاة، وعلى ترك الزكاة، وعلى ترك الصوم، لكنه لا يصح منه الحج في حال كفره، يؤمر أولًا بالتوحيد والإسلام، فإذا شهد لله تعالى بالوحدانية، وشهد بنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرسالة فإنه يؤمر بالصلاة، ويؤمر بالزكاة، ويؤمر بالصوم والحج.

وكذلك العقل شرط، فإن من فقد عقله فقد رفع عنه القلم، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم المجنون حتى يفيق».

وأما البلوغ كذلك، الصبي الذي لم يبلغ لا يجب عليه الحج، لكن يصح منه الحج في حال صغره، حتى لو كان طفلًا ولو كان في المهد؛ لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [00:08:30]، فرفعت إليه امرأة صبية فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر»، والأجر له، ووليه له أجر المعونة والسبب، وثواب الحج للصبي، يعتقد بعض العامة أن أجره يكون لجده أو لجدته، يكون الأجر له، الولي له أجر المعونة والسبب، وإذا بلغ وجب عليه أن يحج حجة الإسلام.

وكذلك الشرط الرابع: الحرية، فالعبد الذي يباع ويشترى لا يجب عليه الحج، وإذا سمح له وأذن له سيده بالحج فإنه يحج ولكن لا يجزئ عن حجة الإسلام، فإذا أعتق فإنه يحج حجة الإسلام.

الشرط الخامس: الاستطاعة والقدرة، والاستطاعة والقدرة نوعان: استطاعة بالمال، واستطاعة بالبدن، فإذا كان مستطيعًا ببدنه، يستطيع الذهاب والإياب والركوب، ولكن ليس مستطيعًا بماله فلا يجب عليه الحج، وإذا كان مستطيعًا بماله ولم يكن مستطيعًا ببدنه، لا يستطيع الثبات على المركوب وجب عليه أن ينيب من يحج عنه، وإذا كان مستطيعًا بماله وبدنه فيجب عليه أن يحج بنفسه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران:97]، إذا كان مستطيعًا بماله وبدنه وجب عليه أن يحج بنفسه، وإن كان مستطيعًا بماله دون بدنه وجب عليه أن ينيب من يحج عنه، وإذا كان مستطيعًا ببدنه دون ماله فلا يجب عليه الحج.

ويدخل في الاستطاعة بالنسبة للمرأة وجود محرم يحج معها، يصاحبها، ويرافقها في الحج؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس يومًا فقال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم»، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إني امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: «انطلق فحج مع امرأتك»، فأمره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يترك الغزو ويصاحب امرأته فيحج معها، وهذا يدل على أن المحرم لا بد منه، وإذا لم تجد المرأة محرمًا وأيست من المحرم، فإنها تستنيب من يحج عنها، إذا كان الإسلام كرم المرأة، وصان المرأة، وحفظ كرامتها، وأسقط عنها الحج إذا فقد المحرم، فما بال هؤلاء النسوة الخدم، الخادمات يأتين من دون محارم؟! كثير من الناس يساعدها فتأتي بدون محرم، وتكون عاصية لله ولرسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الإسلام كرم المرأة وصانها وحفظها وأسقط عنها الحج إذا لم تجد المحرم، فكيف تبيح المرأة لنفسها، أو يبيح لها وليها أن تسافر وحدها، المحرم فيه حماية للمرأة، وصيانة لها، وحفظ لكرامتها، ويمنعها ممن يريد بها سوء حتى ولو كان في الطائرة، الحديث عام، إذا كان السفر سفر تقصر فيه الصلاة فلا يحل لها السفر حتى ولو كان السفر في الطائرة، أو في الباخرة، أو في السيارة، أو في غيرها من المركوبات، أما بقاء المرأة في البلد فهذا ليس سفرًا، إذا كانت الخادمة في البلد في مكان مأمون، وعند عائلة مأمونة وليس عليها خطر من الرجال فلا بأس، لا بأس أن تبقى، أما إذا أرادت أن تسافر لا بد أن يكون معها محرم يصاحبها.

أسأل الله أن يوفقنا وإياكم الصالح الذي يرضيه، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للإخلاص في العمل، والصدق في القول، وأن يوفقنا لاغتنام مواسم الخيرات مما يقربنا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

logo
2024 م / 1445 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد