شعار الموقع

شرح كتاب الرد على الجهمية والزنادقة_2 تابع المقدمة والكلام على الشبهة الأولى والثانية

00:00
00:00
تحميل
180

(الشيخ)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد …

فقبل أن نبدأ الدرس الجديد نريد أن نسأل عن ما تكلمنا عنه في الدرس الماضي، الكتاب هذا هو كتاب الرد على الجهمية والزنادقة ما المراد بالجهمية ؟ من هم الجهمية ؟ تفضل...

هم الذين ينتسبون إلى جهم بن صفوان .

جهم هذا من هو؟

جهم بن صفوان الترمذي السمرقندي .

ما معتقده؟ نعم معتقده؟

نعم، نفي الأسماء والصفات.

الجهم هذا اشتهر بعقيدة نفي الأسماء والصفات، واشتهر أيضًا بعقائد أخرى، تزّعم أربع عقائد، كلها عقائد فاسدة:

العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، اشتهر بها.

العقيدة الثانية: عقيدة الإرجاء، يعني: القول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، بل وليست مرادة، فالإيمان هو معرفة الإنسان ربه بقلبه، والكفر هو جهل الإنسان ربه بقلبه عند الجهم وعلى هذا إذا عرف الإنسان ربه بقلبه، لو فعل جميع المنكرات ما يضره عند الجهم فألزمه العلماء بأن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وإن فرعون مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه. قال: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ، وهذا من أبطل الباطل، وأبو طالب مؤمن، واليهوديون مؤمنون، كل هذا إلزام له.

العقيدة الثالثة: عقيدة الجبر، القول بأن الإنسان مجبور، وأنه ليس له عمل، وليس له اختيار ولا إرادة، وهو كالريشة في الهواء، حركاته كحركات المرتعش، ونبض العروق، وحركات الأشجار، والهبوب والرياح.

ويقول في الجهمية إن الإنسان وعاء ، وعاء للأفعال، كالماء … كالكوز الذي يصب فيه الماء، فالإنسان وعاء، والله صب الماء فيه، يقول: الأفعال أفعال الله نسبة إلى العبد مجازا.

 العقيدة الرابعة : التي اشتهر بها الجهم القول بفناء الجنة والنار، يقولون بأن الجنة والنار يفنيان، هذه عقائد خبيثة، الإرجاء والجبر إرجاء وجبر وجهم يقول ابن القيم هذه الجيمات الثلاثة كلها توصله إلى النار نعوذ بالله، جيم كلها جيم جهم إرجاء جبر … الرد على الجهمية والزنادقة الزنادقة … ما المراد بالزنادقة ؟ الزنادقة –نعم-: جمع زنديق، وهو –نعم- يطلق على المنافق، ويطلق على المتحلل من الأديان، الذي لا يؤمن بالخالق، ولا بالبعث، ويطلق على المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، كما كان شيخ الإسلام يطلق هذا عليهم، ويقول: تكثر الزندقة في هذا الكلام وفي الرافضة

ثم … طيب نريد الآن أيضا أن نعرف شبهة من قال: إن هذه الرسالة "رسالة الرد على الجهمية والزنادقة " ليست للإمام أحمد والرد عليه، شبهته…؟ ما هي شبهته؟

نعم، الطعن في … يقول: إن هذا من رواية الخلال، الرسالة من رواية الخلال عن الخضر بن المثنى عن عبد الله ابن الإمام أحمد عن الإمام أحمد قال: والخضر هذا مجهول، الخضر مجهول.

 بم نرد على هذا؟ الرد. نعم.

قبل هذا…

أولا: أن الخلال عرف الخضر هذا روى عنه فهو معروف لدى الخلال .

ثم أيضًا الخلال وجد هذا بخط عبد الله بن أحمد وجد الرسالة بخط الإمام أحمد فهي موجودة، فهي حصلت له وجادة وسند، وهو أحب أن تكون الرواية عن طريق النقل والسند بالإضافة إلى الوجادة.

ثالثا: أن العلماء أثبتوا أن هذه الرسالة للإمام أحمد كالقاضي أبي يعلى في إبطال التأويلات لشيخ الإسلام ابن تيمية في عدد من كتبه، في "بيان تلبيس الجهمية "، تفسير ( قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ  ) ، "منهاج السنة" كذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله -، ابن عقيل أيضًا من الحنابلة والجماعة.

والعلامة ابن القيم ولا سيما في كتابه: "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ".

فهي لا شك أنها للإمام أحمد ولكن الجهمية والمعتزلة لا يريدون أن تثبت، لا يريدون، فالغالب أن الذين يشككون هم من أهل البدع من أهل الكلام. الجهمية والمعتزلة وغيرهم، لا يريدون أن تثبت؛ لأنها رد عليهم.

ثم قال المؤلف"الحمد لله" الحمد.. ما معنى الحمد؟ ما المرد بالحمد؟

الحمد:..بس الثناء، قاصر هذا. الثناء على المحمود مع محبته وإجلاله وتعظيمه، ويكون الفرق بين الحمد والمدح: الحمد يلزم أن يكون معه محبة، الحمد يكون معه محبة، الحمد معه محبة، والمدح لا يلزم أن يكون معه محبة. فأنت تمدح الشيء بالصفات التي فيه، وقد لا تحبه، فأنت تمدح الأسد بأنه قوي وشجاع، ولا يلزم من ذلك المحبة، أما الحمد: فهي الثناء على المحمود بصفاته الجميلة مع محبته وإجلاله وتعظيمه.

طيب الفرق بين الحمد والشكر؟ الحمد والشكر هل هناك فرق بينهما؟

تفضل..الحمد: أعم من الشكر من وجه، والشكر أعم من الحمد من وجه، يقول العلماء: بينهما عموم وخصوص وجهي، الحمد أعم من جهة إيش؟. بأن الحمد ثناء على المحمود بصفاته الجميلة، وبالنعمة التي أسداها، فأنت تثني عليه بالنعم التي أسداها، وتثني عليه بالصفات الحميدة، بخلاف الشكر فإنه خاص … فإنك لا تشكر إلا من أسدى إليك معروفا، يعني: الشكر يكون لمن أسدى إليك معروفًا، والحمد يكون لمن أسدى إليك معروفا، ولمن لم يسدي إليك معروفًا، أعم من هذه الجهة.

فالله تعالى محمود؛ لما اتصف به من الصفات العظيمة، والأسماء الحسنى، والأفعال العظيمة؛ ولما أسداه وأولاه إلى عباده من النعم العظيمة، من أمرين، أما الشكر إذا قال: شكر فلان وفلان، يعني: شكره على معروف، وعلى الصنيع، لكن إذا لم يسدي إليه معروفًا ما يقال: شكره، لكن يقال: حمده. فيكون الحمد من هذه الجهة أعم؛ لأنه يكون ثناء على المحمود مقابل النعمة، وبدون مقابل، ومن غير مقابل، أما الشكر فلا يكون إلا في بمقابل النعمة. والشكر أعم من جهة أخرى، الشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، كما قال الشاعر:

أفادَتْكُمُ النَّعْماءَ مِنِّي ثَلاثَةٌ يَدِي ولِسانِي والضَّمِيرُ المُحَجَّبا

أما الحمد فلا يكون إلا..إيش؟ إلا باللسان، الحمد يكون باللسان، فيكون الشكر أعم من جهة، وأخص من جهة، أعم من جهة أنه يكون باليد، بالقلب واللسان واليد، وأخص من جهة أنه لا يكون إلا على فعل المعروف. والحمد أخص من جهة أنه لا يكون إلا باللسان، وأعم من جهة أنه يكون ثناء على المحمود في مقابل النعمة، وفي غير مقابل النعمة.

"الحمد لله" الله: هذا أعرف المعارف، وهو لفظ الجلالة، وأصل الله: الإله، سُهّلت الهمزة، ثم التقت اللام واللام فشددت، الله. الله: هو أعرف المعارف، علم على الذات المقدسة، علم على الرب ، لا يسمى به غيره، وهو مشتق من الألوهية، أَلهَ يأْلَه: إذا عبد، أله يأله إلهةً: عبد يعبد عبادة. فالله هو الاسم، اسم على الذات العلية، أعرف المعارف، كل أسماء الرب مشتقة ، مشتملة على الصفات، مشتمل على ، يدل على صفة الألوهية، "الله": اسم لله، وهو يدل على صفة الألوهية، فالرحمن: اسم مشتمل على صفة الرحمة، العليم: اسم مشتق من صفة العلم، القدير: اسم … صفة القدرة، وهكذا.

وأسماء الله قسمان: قسم خاص به، لا يسمى به غيره، وقسم مشترك، فالله خاص به لا يسمى به غيره ، علم على الرب ، الرحمن: كذلك علم، لا يسمى به غيره؛ ولهذا لما تسمى مسيلمة الكذاب بالرحمن لزمه ولصق به وصف الكذب، فلا يطلق مسيلمة إلا ويوصف بالكذب، فيقال: مسيلمة الكذاب؛ لأنه تسمى بالرحمن -قبحه الله- وهو كذاب. والأسود العنسي ادعى النبوة باليمن . كذاب، لكن ما يقال… ما لصقه... ما لزمه اسم الكذب، ما يقال: الأسود العنسي الكذاب، وهو كذاب، لكن لزم مسيلمة؛ لأنه تسمى باسم الرحمن، فلا يقال إلا: مسيلمة الكذاب.

مالك الملك، خالق الخلق، النافع الضار المحيي المميت، هذه كلها أسماء خاصة بالله.

وهناك أسماء مشتركة كالعزيز والعليم الحي القدير السميع البصير، كل هذه مشتركة تطلق على الله وعلى غيره وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ، إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاج نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا، يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ، وهكذا.

"الحمد لله الذي جعل" يقول الإمام أحمد -رحمه الله- في خطبته " الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ". الزمان قلنا يطلق على إيش؟ على الوقت القليل والكثير، والزمان والوقت قليلا كان أو كثيرًا فيطلق عليه الزمان، "فترة" الفترة. ما المراد بالفترة؟ تطلق على ما بين الرسولين، والمراد على فترة من الرسل: انقطاع ، انقطاع واندراس، انقطاع بعثهم، واندراس أعلام دينهم، وهذا فيه إشارة إلى الحديث: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.

"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى" هذه خصلة ، هذه وظيفة الرسل وأتباعهم، "يدعون من ضل إلى الهدى.

ويصبرون منهم على الأذى"؛ لأن الداعية والعالم والمصلح –وقبله الرسل –عليهم الصلاة والسلام- لابد أن ينالهم أذى، إما بالقول أو بالفعل، فلا بد من الصبر، فإذا لم يصبر العالم أو الداعية، فإنه لا يستطيع أن يقوم بواجبه؛ ولهذا قال: "ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى" هذا وصف للعلماء.

يحيون بكتاب الله الموتى، هل الناس موتى؟ نعم، نعم الجهل موت، قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ؛ لأن الحياة الحقيقية هي حياة الروح والقلب؛ ولهذا سمى الله القرآن روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا؛ ولهذا قال: "يحيون بكتاب الله الموتى.

ويبصرون بنور الله أهل العمى". هل الناس عُمي؟ نعم. الجاهل أعمى ولو كان يبصر بعينيه؛ لأن البصيرة هي البصر الحقيقي، بصيرة الإنسان وعلمه هذا هو النور الحقيقي؛ ولهذا سمى الله تعالى كتابه نورا، قال: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه" يقول الإمام أحمد في خطبته: "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه " هل إبليس يقتل الناس؟ نعم. نعم يقتل، بأي شيء يقتلهم؟ بإضلالهم وتسويل الشرك والمعاصي، فمن زين له الشيطان الشرك وأطاعه فقد قتله، والمعاصي قتل نسبي ليس قتلا كاملا، فالقتل الكامل هو قتله بالشرك، والمعاصي وسيلة إلى القتل الكامل؛ ولهذا قال: "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه". يعني العلماء أحيوا كثيرا ممن قتلهم إبليس من المشركين وعباد الأوثان دعوا عباد القبور والأوثان وهم قد قتلهم إبليس، فدعوهم إلى الله فآمنوا ووحدوا وأخلصوا العبادة فأحيوهم، أنقذوهم أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ أنقذوهم بتوفيق الله وهدايته، وكذلك العصاة والمبتدعة، أنقذوهم منه. ولهذا قال: "كم"، كم: للتكثير. "كم قتيل لإبليس قد أحيوه.

وكم من ضال تائه قد أهدوه" يعني: كثير من الضلال الذين تاهوا عن الحق وضلوا الطريق المستقيم من المشركين والمبتدعة والضلال العصاة قد هدوه، وبينوا له طريق الحق وطريق الصواب، فاهتدى بإذن الله.

"فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم" المؤلف -رحمه الله- الإمام أحمد يتعجب من قبح أثر الناس على العلماء، ومن حسن أثر العلماء على الناس، "فما أحسن أثرهم" يعني: العلماء "على الناس، وما أقبح وأقبح أثر الناس عليهم!" فما هو أثر العلماء على الناس؟ وما هو أثر الناس على العلماء؟ أثر العلماء على الناس الذي يتعجب الإمام من حسنه، ما هو؟ نعم. تعليمهم وهدايتهم وإرشادهم وإنقاذهم من ظلمات الشرك والبدع والمعاصي. هذا أثر حسن، أنقذوهم ، أنقذوهم من الضلال، أنقذوهم من النار، هذا شيء حسن، أحسن من إنقاذ أجسامهم، يفوق إنقاذ أجسامهم، فأنت إذا أنقذت غريق أو حريق ألا تكون أحسنت إليه، فالذي ينقذ المشرك والمبتدع أفضل وأعظم ممن ينقذ الغريق والحريق وأعظم أجرًا؛ لأن الغريق والحريق لو مات وهو مؤمن موحد لا يضره، والموت لا بد منه، لكن إذا مات المشرك على الشرك هلك هلاكًا أبديًا.

وبهذا يتبين أن إيش؟ أن إنقاذ العلماء للمشركين والمبتدعة والعصاة أعظم من إنقاذ رجال الإطفاء لأهل الحريق وإنقاذ الغريق وغيرهم ممن أشرف على الهلكة، وإن كان هذا كله فيه فضل وأجر عظيم، لكن هذا أعظم، هذا أثر العلماء على الناس، "فما أحسن أثرهم على الناس!"، أثر العلماء على الناس "وأقبح أثر الناس عليهم!" ما هو أثر الناس على العلماء؟

ها..أيوه. السب والتكفير، وقد يكون الضرب والحبس والقتل أيضًا، ألم يقتل أحد من العلماء؟، بل الأنبياء قتلوا، قال الله تعالى عن بني إسرائيل فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ. زكريا قُتل -عليه الصلاة والسلام- ويحيى قتل، هذا أثر الناس على العلماء، وفي مقدمة العلماء، الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام - إذا منهم من قُتل، ومنهم من سجن، ومنهم من ضرب، ومنهم من حبس، ومنهم من أوذي، ومنهم من لطم، ومنهم من سب وشتم وضلل وكفر، هذه كلها أثر الناس على العلماء، "فما أحسن أثرهم على الناس !وأقبح أثر الناس عليهم!".

"ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين " هذه وظيفة العلماء، ينفون عن الله تحريف الغالين، ما المراد بالتحريف؟ تغيير الشيء، يعني التغيير والتبديل، والتغيير الذي قد يكون في القرآن قد يكون تغييرا في اللفظ وقد يكون تغييرا في المعنى، تغيير في اللفظ مثل تغيير بعض أيش؟ بعض الجهمية قراءته الآية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرأ بنصب لفظ الجلالة، قال: "وكلم اللهَ موسى تكليمًا" حتى يكون موسى هو المكلّم، وقصدهم من ذلك إنكار أن يكون الله متكلما، فلما قال هذا قال له بعض العلماء: هب يا عدو الله أنك استطعت أنك تحرف هذه الآية، فكيف تقول في قول الله تعالى: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ لا تستطيع أن تحرف لفظا، حرف المعنى. قال المعنى: وجرحه بأظافر الحكمة، حرف المعنى قال: وعندي دليل، قال: دليل أن العرب تقول: فلان كَلْمه يدمى، كلمه يعني: جرحه وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ جرحه بأظافر الحكمة، هذا تغيير، تحريف في المعنى. ومثل تحريف المبتدعة لـ اسْتَوَى، قالوا: معناها استولى، تحريفهم للرحمة، قالوا معناها الإنعام، والرضا: الثواب، والغضب: الانتقام، أو إرادة الانتقام، وهكذا ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين.

الغالين: أقسام:

نفاة الصفات: غلوا في التنـزيه، غلاة، نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة غلوا في التنـزيه، زعموا أنهم ينـزهون الله فزادوا وغلوا في هذا التنـزيه حتى نفوا الأسماء والصفات عن الله، هذا غلو. فجاء العلماء ونفوا عن كتاب الله تحريف الغالين،

كما أن الممثلة والمشبهة غلوا في الإثبات، حتى وصلوا إلى التشبيه، قالوا: نثبت الأسماء والصفات لله، ونقول إن الله يتكلم، يرضى يغضب، لكن مثل صفات المخلوقين سواء بسواء، هذا غلو في الإثبات. فجاء العلماء فنفوا هذا التحريف.

كذلك القدر:

غلا فيه قوم فنفوا أفعال العباد، حتى جعلوهم لا يتحركون، جعلوهم كالريشة في الهواء، وهم الجبرية فقالوا: إن العبد لا فعل له، الأفعال هو أفعال الله، والحركة تنسب إليه مجاز، وهذا إنكار المحسوس، نرى الإنسان يتحرك ويذهب ويجيء، عنده اختيار في البيت، يستطيع أن يقوم، يستطيع أن يذهب، يستطيع أن يجلس، فجاء العلماء ونفوا هذا الغلو، وقالوا: إن العبد له فعل وله مشيئة، وله إرادة، لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

والقدرية النفاة غلوا بالعكس، ضد هؤلاء، غلوا في إثبات أفعال العبد، حتى قالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه استقلالا من دون الله، قالوا: هو العبد ، هو الذي يخلق الطاعات والمعاصي، حتى يكون مستحقا للثواب، إذا أطاع ومستحقا للعقاب إذا عصى، حتى قالوا: إنه يستحق الثواب على الله، كما يستحق الأجير أجره؛ لأنه هو الذي خلق فعل نفسه، كما أنه إذا عصى وجب على الله أن يعذبه، وليس له أن يغفر له، وأن يخلده في النار إذا فعل الكبيرة. فجاء العلماء ونفوا هذا التحريف.

كذلك الخوارج والمعتزلة غلوا في أسماء الدين والإيمان، فقالوا: إن من فعل المعصية والكبيرة كفر، يقول الخوارج كفر وخرج من الملة، ويستحلون دمه وماله، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، هذا غلو. فنفى أهل العلم هذا التحريف، وقالوا لهم: إن العبد لا يكفر، ولكن إيمانه يضعف إذا فعل المعصية، يضعف بدليل أن الله سمى العصاة مؤمنين.

وقابلهم المرجئة فالمرجئة قالوا: إن العبد إذا فعل ، إذا آمن وعرف ربه بقلبه، وإذا فعل جميع المنكرات والكبائر لا يضره، وهو مؤمن كامل الإيمان، وهو في الجنة، يدخل الجنة من أول وهلة، عكس الخوارج والمعتزلة هذا غلو منهم، فجاء أهل الحق، أهل العلم، ونفوا هذا. الغلو واضح، هذه أمثلة.

كذلك في الصحابة:

في الصحابة، الروافض كفروا الصحابة وقالوا: إنهم كفروا وارتدوا بعد وفاة رسول الله ﷺ وغلوا في أهل البيت حتى عبدوهم من دون الله.

فجاء النواصب وهم الخوارج ونصبوا العداوة لأهل البيت فهؤلاء غلوا، وهؤلاء غلوا، هؤلاء غلوا في أهل البيت - الروافض - حتى عبدوهم، والنواصب سبوا أهل البيت وآذوهم وعادوهم، وهم الخوارج.

فجاء أهل الحق، وأهل العلم ونفوا غلو الرافضة وغلو النواصب وعرفوا لأهل البيت حقهم، لم يعبدوهم كما تفعل الرافضة ولم يؤذوهم ويعادوهم كما تفعل الخوارج بل أحبوهم ووالوهم، وهكذا لا يزال العلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين.

كما قال الإمام -رحمه الله-. "وانتحال المبطلين " الانتحال: نسبة الشيء إلى القرآن أن ينسب إلى القرآن ما ليس منه، فهؤلاء المبطلون ينسبون إلى القرآن ما ليس منه، يقولون: إن القرآن دل على كذا، نسبوا إلى القرآن أن الله تعالى يعذب أحدا بغير جرم، واستدلوا بقوله تعالى بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا، فجاء أهل العلم وبينوا ونفوا هذه النسبة الباطلة للقرآن، وقالوا: إن القرآن دل على ، لم يدل على هذا، وإنما المعنى: أن جلودهم تجدد، ليس المراد أنه يعذب أشخاصا آخرين.

وكذلك نفى العلماء عن كتاب الله تأويل الجاهلين، تأويل الجاهلين الذين أوّلوا القرآن على غير تأويله.

والتأويل: له ثلاث معان مشهورة: معنيان صحيحان، ومعنى محدث:

فالمعنيان الصحيحان: يطلق التأويل على الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كقوله سبحانه لما في قصة يوسف لما ذكر له الرؤيا في أول السورة وأنه قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ثم لما سجدوا له في آخر الأمر في آخر السورة، وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ تحققت حقيقة لما سجد له إخوته وأبواه قال: هذا تأويل رؤياي من قبل، هذه هي الحقيقة التي أول بها الحلم، وكذلك حقائق ما أخبر الله به في الجنة، في يوم القيامة تأويلها وقوعها، وكذلك الأوامر والنواهي تحقيقها تأويلها فعلها. ومن ذلك أن النبي ﷺ لما نـزل عليه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا كان بعد ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام- ، يكثر أن يقول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. قالت عائشة يتأول القرآن. هذا التأويل، يعني يعمل به.

ويأتي التأويل بمعنى التفسير، تأويل الكلام: تفسيره، تأويل المعنى تفسيره، ومنه قول الإمام ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره: القول في تأويل قول الله تعالى. يعني في تفسير قول الله تعالى.

ويطلق التأويل على صرف الكلام أو اللفظ عن المعنى الظاهر الراجح إلى معنى مرجوح لدليل يقترن به، هذا أحدثه المتأخرون، صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر بدليل يقترن به، هذا باطل. مثل صرفهم معنى اسْتَوَى، استولى، يقول: استوى ظاهر أنه استواء حقيقي، استقرار، استوى معناها: استقر وعلا وارتفع، وصعد، هذا المعنى اللغوي، لكن كيفية الاستواء. الله أعلم. المعنى اللغوي معروف كما قال الإمام مالك الاستواء معلوم، وهو الاستقرار والعلو والصعود والارتفاع، أما المعنى، أما الحقيقة فهذه لا يعملها إلا الله، تأويل أهل الكلام الباطل قالوا نؤوّل اسْتَوَى، بمعنى: استولى، فإذا قيل لهم: لماذا تؤولون؟ الاستواء المراد: هو الاستواء الحقيقي قالوا: لا.. صحيح … اللفظ الظاهر أنه الاستواء الحقيقي، هذا المعنى الظاهر وهو المتبادر، لكن نصرفه إلى معنى مرجوح، نصرف هذا المعنى –الاستواء- إلى معنى آخر وهو الاستيلاء، فإذا قيل لهم: لماذا؟ قالوا: عندنا دليل، وهو العقل يمنع أن يكون الله استوى على العرش؛ لئلا يلزم أن يكون ، لئلا يلزم عليه أن يكون الله مشابها للمخلوق، إذا قلنا: إن الخالق استوى، والمخلوق استوى، شابه الخالق المخلوق؛ فلهذا عندنا دليل، فنصرف الاستواء عن المعنى الظاهر المتبادر إلى معنى آخر مرجوح، والدليل: العقل الذي يدل على أن الله لا يمكن أن يكون مستو استواء حقيقيًا هذا باطل. هذا من تأويل الجاهلين الذي ينفيه أهل العلم.

 هذا معنى قول المؤلف ، مثال لقول المؤلف: "وتأويل الجاهلين والمبطلين". الباطل ينفيه أهل العلم عن كتاب الله كذلك أيضًا قول النـزول أولوه، قالوا: ليس نـزولا حقيقيًا، صحيح المعنى المتبادر: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا أنه نـزول حقيقي، قالوا: لا نصرفه إلى معنى بعيد، نقول: جاء أمره، فإذا قيل لهم: لماذا؟ قالوا: عندنا دليل، العقل يمنع أن نحمل النـزول على معناه الحقيقي؛ لأن الله لا يجوز عليه الانتقال ولا، والنـزول من صفات المخلوقين.

نقول: هذا باطل، نقول: ينـزل ولا نكيف النـزول، وهكذا جميع الصفات التي أوّلها أهل الجهل والمبطلون وأهل الكلام، نفاها أهل العلم عن كتاب الله هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-:"ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

ثم وصفهم الإمام -رحمه الله- بقوله: "الذين عقدوا ألوية البدعة " هذا فيه بيان لشدة تمسك أهل البدع ببدعهم، من شدة تمسكهم كأنه جيش يُعقد له لواء، فقائد الجيش إذا عقد اللواء –خلاص- تم توجيه الجيش، إذا عقد اللواء وجه الجيش، يعني: ثبت، أما قبل أن يعقد اللواء قد يوجه الجيش، وقد لا يوجه. فإذا عقد اللواء توجه الجيش، فهؤلاء عقدوا ألوية البدعة يعني: صمموا ولزموا البدعة كما أن قائد الجيش يصمم حينما يعقد اللواء للجيش، يصمم على إنفاذه، فهؤلاء عقدوا ألوية البدعة. يعني: لزموها وتمسكوا بها وصمموا عليها.

"وأطلقوا عقال الفتنة " يعني: أن هؤلاء المبتدعة حينما أولوا كتاب الله وحرفوه وأولوه ونسبوا إليه ما ليس منه، هذا فتنة فتنوا الناس عن دينهم وصرفوهم عن الحق، فكأنهم فتحوا باب الفتنة على مصراعيه، أطلقوا عقال الفتنة، الفتنة كانت ممسكة ثم أطلقها هؤلاء، كما أن البعير إذا أطلقت عقاله ذهب البعير. البعير ، معروف عند العرب أن البعير إذا أنيخ يكون هناك عقال تربط به يده حتى لا يقوم، وإذا ربطت اليدين أوثقته، ما يتحرك، فإذا أطلقت العقال قام وذهب، إذا أطلقت العقال ، العقال: هو الخيط أو الحبل الذي يربط به يد البعير، إذا ربطت يد البعير خلاص عقلته، يقال: عقل البعير يعني: أمسكه ، أمسكه بإيش؟ أمسكه بهذا الحبل الذي يربط به يده، حتى لا يهذب، فإذا أطلقت العقال قام ومشى، فكذلك هؤلاء، كانت الفتنة معقلة ممسكة فجاء أهل البدع فأطلقوها فانتشرت –نسأل الله السلامة والعافية.

هذا بيان من الإمام -رحمه الله- كيفية نشر هؤلاء للفتنة والبدع أطلقوا عقال الفتنة فانتشرت بين الناس، وذلك بتحريفهم الذي فيه غلو، ونسبتهم إلى القرآن ما ليس منه، وتأويلهم الباطل، بهذا نشروا الفتنة بين الناس؛ ولهذا قال المؤلف: "الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب ". الاختلاف هنا عندنا يقول المؤلف: "فهم مختلفون في الكتاب " مخالفون للكتاب: مجمعون على مفارقة الكتاب، مختلفون في الكتاب، الاختلاف في الكتاب: اختلاف في تنـزيله واختلاف في تأويله، فاختلاف في تنـزيله بعض الناس قال: إن القرآن لم يتكلم الله به، ما تكلم الله به، وليس وصفًا من أوصافه، وإنما هذه الألفاظ والمعاني خلقها في غيره، فصار بها متكلما، كما يقول ذلك المعتزلة والجهمية يقولون: إن الله تعالى ما تكلم بالقرآن، ولا قاله، وليس وصفا من أوصافه، لكنه نسب إليه على سبيل المجاز، فيقولون: إن القرآن مخلوق، هذه الألفاظ والمعاني خلقها في غيره، فصار بها متكلمًا، وإن كان واقع بقدرته ومشيئته إلا أنه لم يتكلم به. وقال آخرون: إن الله تكلم ، إن هذا القرآن وصف من صفاته، لكنه ليس واقعًا بمشيئته وقدرته، السالمية قالوا: إن القرآن وصف قائم بالله، ألفاظه ومعانيه، لكنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته والكلابية والأشاعرة قالوا: إنه وصف قائم بالله إلا أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ومع قولهم: إنه وصف بالله قالوا: ليس حرفًا ولا صوتًا، وإنما هو معنى قائم بنفسه، كما يقوم العلم به.

فهذا اختلاف في تنـزيله، وكذلك الاختلاف في تأويله، اختلفوا في تأويله، كل يقول ، يؤول القرآن على تأويله الذي هو ، أي يعتقده، ويرد المعنى الذي يقوله غيره، فيقول مثلا: يقول: كل منهم يجعل رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه، ويجعل رأي غيره هو المتشابه الذي يجب نفيه أو تأويله. فالجهمية يقولون: قولنا هو الحق في نفي الأسماء والصفات، وقول المعتزلة هو الباطل. والأشاعرة يقولون: قولنا هو الحق، وقول المعتزلة هو الباطل. فكل منهم يتأول القرآن على غير تأويله، ويقول: إن قوله ومذهبه هو الحق، وقول غيره هو الذي يجب تأويله أو تفريغه، هذا اختلاف في الكتاب، فهم مختلفون في الكتاب. "مخالفون للكتاب" خالفوا الكتاب، كل يدعي أن قوله هو الصواب وهو الحق، ويتأول القرآن على غير تأويله، ويضرب كتاب الله بعضه ببعض.

كما ثبت في الحديث: ( أن النبي ﷺ خرج يومًا على بعض أصحابه، وهذا ينـزع بآية، وهذا ينـزع بآية، فكأنما فُقئ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟! أم بهذا وكلتم؟ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ فما علمتم منه فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا لَم تَعلَمُوا فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ أو كما قال –عليه الصلاة والسلام. هذا اختلاف في الكتاب كل واحد ينـزع بآية، كل واحد يقول: أن قولي هذا هو الحق، ويستدل بالقرآن على قوله، والآخر يستدل بالقرآن على قوله، ويضرب كتاب الله بعضه ببعض، فهذا مخالفة للكتاب.

الله تعالى أمر بالاعتصام به فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا فالاختلاف والتفرق هذا مخالفة للكتاب الذي أمر الله بالاعتصام به ولزومه، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.

 فالمعتزلة يقولون: قولنا هو الحق، وقول الجهمية هو الباطل، والخوارج كذلك يقولون: قولنا هو الحق، نحن الأدلة عندنا تدل على أن العاصي مخلد في النار إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ويقولون: هذا هو الحق، وقول أهل السنة هو الباطل، الذي يجب تأويله، والمعتزلة يقولون: قولنا هو الحق، يدل قولنا ، النصوص تدل على أن العاصي خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر.

والمرجئة يقولون: قولنا هو الحق، والنصوص تدل على أن المؤمن لا يضره –أي- شيء مع إيمانه. وهكذا.

فَكُلٌ يَدَّعِي وَصـلاً بِلَيـــلَى وَلَيـلَى لَا تُقِرُّ لَهُـم بِذَاكَا

كل من هؤلاء المبتدعة يدعي أن قوله هو الحق، وأن قول خصمه هو الباطل الذي يجب تأويله وتفريغه. فهذا مخالفة للكتاب وهم مجمعون على مفارقة الكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب حيث لم يعملوا بالقرآن، وقالوا: إن دلالته -دلالة القرآن- لفظية لا تفيد اليقين، يقولون: إن دلالة القرآن لفظية ظنية لا تفيد اليقين، فهي مظنونة. فالمتواتر القرآن والحديث المتواتر هذا قطعي الثبوت، لكنه ظني الدلالة. فمثلا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى يقولون: هذه قطعية ثابتة ما في إشكال، قرآن. وكذلك السنة المتواترة، لكن كونه يدل على الاستواء الحقيقي هذا مظنون، ظني؛ لأنه قد يراد به الاستيلاء، فالدلالة ظنية.

وأما أحاديث الآحاد، قالوا: هذه ظنية الثبوت وظنية الدلالة لا يحتج بها لا من جهة السند ولا من جهة المتن، فثبوتها ظني، ودلالتها ظنية. والقرآن ليس لهم حيلة في أن يقولوا: ليس بثابت، يقولون: صحيح قطعي الثبوت لكن ظني الدلالة، فسدوا على القلوب معرفة الله من كتاب الله معرفة الله بأسمائه وصفاته من كتاب الله وقالوا ، ثم أيضًا القرآن، والسنة أدلة لفظية أدلة نطقية والأدلة اللفظية والنطقية لا تفيد اليقين ما تفيد إلا الظن، ما الذي يفيده اليقين؟ قالوا: الذي يفيده اليقين هو الأدلة العقلية، يسمونها قواطع، القواطع العقلية براهين يقينية، وهي المقدمات التي يرتبها أهل المنطق، ويستخرجون النتائج منها، مثل قولهم: الله ليس بجسم، وكل ما ليس بجسم لا يُرى، فالنتيجة: الله لا يرى. هذا مثلا يركبون الدليل من مقدمتين ونتيجة: الله ليس بجسم وكل ما ليس بجسم لا يرى، فالنتيجة: الله لا يرى، يقول: هذا دليل قطعي يقيني، برهان يقيني. أما القرآن والسنة فهي أدلة لفظية، والأدلة اللفظية لا تفيد اليقين. إذًا أبطلوا الاحتجاج بالقرآن والسنة.

هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "مجمعون على مفارقة الكتاب، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب.

يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ". يقولون على الله بلا علم، في أسمائه وصفاته وشرعه، يقولون بغير علم، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، القول على الله بلا علم من أعظم الجرائم، وأعظم الكبائر، حتى إن الله جعله فوق الشرك بالله قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ جعل فيها مرتبة فوق الشرك؛ لأنه يشمل الشرك ويشمل غيره، كل مشرك قد قال على الله بلا علم، مشرك قال على الله بلا علم، بلسان المقال وبلسان الحال، من عبد مع الله غيره أو أشرك بالله أو جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة فقد قال على الله بلا علم. فالقول على الله بلا علم يشمل الشرك ويشمل الضلال والبدع، كل قول على الله بلا علم ، وقد جعل الله تعالى القول بلا علم من إرادة الشيطان في قوله إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ يقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ فجعله من أمر الشيطان. فالقول على الله بلا علم هذا من أعظم الجرائم والكبائر.

ومن ذلك أن يقول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته، يقول: إن الله لم ، إن هذه الأسماء والصفات قول بعض المبتدعة، هذه الأسماء ليست أسماء لله وإنما هي أسماء للمخلوقات . هذا قول على الله بلا علم، القول بأن معنى اسْتَوَى : استولى قول على الله بلا علم، القول إن الله أباح كذا أو حرم كذا في الشرع بغير دليل قول على الله بلا علم، وهو يشمل القول على الله بلا علم في أسمائه وفي صفاته وفي شرعه، ويشمل الشرك والبدع والمعاصي. فالمشرك قائل على الله بلا علم.

ولهذا قال المصنف –رحمه الله- قال المؤلف الإمام أحمد يقولون على الله بغير علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ودينه، فالذي يفتي بغير علم، قال على الله بلا علم، إن الله أباح كذا أو حرم كذا على غير بصيرة فهو قائل على الله بلا علم. قال الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ۝ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

 فإذًا القول على الله بلا علم مرتبة فوق مرتبة الشرك؛ لأنه يشمل الشرك وما دونه ويشمل القول على الله بلا علم، في أسماء الله أو في صفاته أو في أفعاله أو في شرعه ودينه. "يقولون على الله بلا علم وفي الله"، "يقولون في الله بغير علم"، في الله: يعني: يقولون: إن الله ليس على العرش هذا قول في الله بغير علم، المبتدعة يقولون: إن الله لا يستوي على العرش، والحلولية يقولون: إن الله حال في كل مكان، والمعتزلة الذين ينفون أسمائه وصفاته قالوا على الله بغير علم، قالوا في الله بغير علم.

كما أن القول على الله بلا علم يشمل ما يقوله القدرية وما يقوله الجبرية وما يقوله الخوارج والمعتزلة من أن القرآن دل على كذا، هذا قول على الله بغير علم، وفي كتاب الله أيضًا يقولون في كتاب الله بغير علم -كما سبق- يقولون: إن كتاب الله دل على أن الله لم يتصف بالصفات؛ لأنها أسماء لمخلوقاته. يقولون: إن كتاب الله دل على أن العاصي مخلد في النار، كما يقولون الخوارج يقولون: إن كتاب الله دل على أن المؤمن يخرج من الإيمان بالمعصية، وهكذا كذلك يشمل كل من قال في كتاب الله ونسب إلى كتاب الله ما ليس منه كما سيتبين من ذكر المؤلف -رحمه الله- للأمثلة الكثيرة.

فيقول: إن كتاب الله دل على أنه لم يتصف بالصفات، دل على أن العاصي يخلد في النار، دل على أن العاصي يكفر، هذا قول على الله بلا علم، وهذا معنى قول المؤلف: "يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس، يتكلمون بالمتشابه من الكلام كما ذكر المؤلف يعني يأتون بالآيات المتشابهة ويتأولونها على غير تأويلها، يخدعون بذلك الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين".

وسيسرد المؤلف -رحمه الله- أمثلة، سيذكر اثنين وعشرين مثال في بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، وهو قول على الله بلا علم، وقولهم في كتاب الله بغير علم. كل هذه الأمثلة أمثلة لقول الإمام -رحمه الله-: "يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين".

نعم نقرأ.

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

باب بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن

قال أحمد في قوله كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا. قالت الزنادقة فما بال جلودهم التي ....

(الشيخ)

هذا المثال الأول، أمثلة لبيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، ذكر المؤلف -رحمه الله- ذكر هنا اثنين وعشرين مثال، هذا المثال الأول: قالوا في قول الله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا هذا نص آية كريمة من القرآن، نص قرآني، شبهوا فيه وضلوا فيه. نعم نشوف الآن ننظر الآن للشبهة شبهتهم وجواب الإمام.

(المتن)

قالت الزنادقة فما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودًا غيرها؟! فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودًا لم تذنب حين يقول: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض.

(الشيخ)

هذه الشبهة، الشبهة الآن: قالوا في قول الله كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا "ما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودًا غيرها؟! فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودًا لم تذنب حين يقول:  بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا فشكوا في القرآن، وزعموا أنه متناقض. هذه الشبهة.

جواب الإمام عن هذه الشبهة. نعم

(المتن)

فقلت: إن قول الله: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ليس يعني جلودًا غير جلودهم وإنما يعني بدلناهم جلودًا غيرها، تبديلها: تجديدها؛ لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله؛ وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة، وخواطر يعلمها العلماء.

(الشيخ)

بس إلى هنا انتهى جواب الشبهة، انتهى المثال الأول.

إذًا المثال الأول: هو أن المشبهة والزنادقة قالوا في قول الله تعالى في آية النساء: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ قالوا: الله تعالى قال: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا إذًا يعذب الله جلودًا لم تذنب، فيلزم من ذلك أن يكون الله ظالما، -تعالى الله عما يقولون-، عذب أحدا بغير جرم، عذب جلودًا ما أذنبت. وهذا باطل.

المؤلف -رحمه الله- يقول: هذا من أبطل الباطل، أيها الزنادقة ليس المراد بالتبديل هنا تبديل الجلود، أنها يؤتى بجلود أخرى تُعذب. لا، المراد بالتبديل: التجديد، جلودهم هي نفسها تجدد، تجدد تبدل تبديل تجديد لا تبديل جلود أخرى وذوات أخرى، هذا تبديل وتجديد، كما أن الكافر يُوَسَّعُ جلده في النار حتى يشتد العذاب.

وكما أن من منع الزكاة -كما في الحديث-: أنه  مَا مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ، وَلا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفائِحُ مِنْ نَارِ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بهَا جنبُهُ، وجبِينُهُ، وظَهْرُهُ، كُلَّما برَدتْ أُعيدتْ عَلَيهِ قال العلماء: لا يوضع درهم على درهم، ولا دينار على دينار، وإنما يُوَسَّعُ جلده حتى يشمل هذه الدراهم والدنانير التي منع الزكاة، ولو كانت أوراقا نقدية يجعلها الله شيئًا قويًا كالدراهم والدنانير، حتى يعذب.

فهذا تبديل تجديد، ليس تبديل جلود أخرى. قد يقول قائل: هذا أنتم أوّلتم هذا التأويل فلماذا تؤولون بدلناهم جلودًا غيرها، ظاهر الآية أنها جلود أخرى، فكيف تتأولون؟ أجاب المؤلف -رحمه الله- فقال: "لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء ".

القرآن فيه خاص وعام ووجوه كثيرة وأفهام يعلمها العلماء، لأن القرآن يُضَمُّ بعضه إلى بعض، والنصوص يضم بعضها إلى بعض من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ الله تعالى قال: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ. وقال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الله تعالى لا يظلم أحدًا، فلا يمكن أن يعذب أحدًا بغير جرم، ولا يمكن أن يعذب أحدًا لم يذنب، والله تعالى نـزه نفسه عن الظلم، ونفاه عن نفسه، وحرم الظلم على نفسه، كما في الحديث القدسي - حديث أبي ذر - يقول الله يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا.

فالله تعالى حرم الظلم على نفسه فلا يمكن أن يظلم أحدًا، فلو كان المراد أتى بجلود أخرى لكان ظالمًا والله تعالى منـزه عن الظلم، لا يمكن هذا. ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ.

وإذا كان يوسف -عليه الصلاة والسلام- لما جعل الصواع في رحل أخيه وأخذ أخاه؛ لأن معه الصواع. جاء أخوته يطلبون منه أن يأخذ أحدهم مكانه: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

ماذا كان الجواب؟ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ نظلم؟ هذا هو الظالم هذا الظالم الذي أخذ الصواع، هو الذي نأخذه، نأخذ واحدا بدله، هذا ظلم مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ.

إذا كان يوسف -عليه الصلاة والسلام- يقول هذا لا يأخذ واحد بدل واحد، فكيف يقال: إن الله يعذب جلودًا لم تذنب، فليس هذا تأويلا مخالفا لظاهر القرآن، بل هو تفسير للقرآن بالقرآن، فالقرآن يضم بعضه إلى بعض، الله تعالى نفى الظلم عن نفسه، فلا يمكن أن تكون جلودا أخرى، وإنما المراد تبديل تبديل ايش المراد بالتبديل: تجديد جلود بجلود.

ونظير هذا تبديل الأرض يوم القيامة، قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.

الجهم قال: تبدل أرض أخرى غير هذه الأرض، وهذا باطل، فليس المراد تبديل ذات بذات، المراد: تبديل صفات. فالأرض نفسها هي تمد كما يمد الأديم، وتسوى ويزال ما فيها من الجبال والأودية وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ۝ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ۝ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا فتُمَد ويزال ما فيها، وتسوى. هذا هو تبديلها (واضح هذا؟؟).

كذلك أيضًا تبديل كذلك بعث الأجساد يوم القيامة، فالناس يبعثهم الله أنفسهم، نفس الذوات يعيد الله، الذرات التي استحالت ، استحالت ترابا، الإنسان يبلى إلا عجب الذنب، وهو العصعص آخر عظم في العمود الفقري، هذا لا يبلى، منه خُلِقَ ابن آدم، ومنه يُرَكَّبُ ويعيد الله الذرات التي استحالت، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.

فالله تعالى رد على منكري البعث بأنه عالم بالذرات التي استحالت، وقادر على إعادتها، فهذا البعث بعث ليس إنشاء لذوات جديدة، وإنما هو وإنما البعث بعث الأجساد نفسها، جمعٌ بعد تفريق، يجمعها الله بعد أن تَفَرَّقَتْ، ثم تُنَشَّأ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ. النشأة الأخرى ينشأ الناس تنشئة أخرى قوية، تبدل الصفات تبديل الصفات خلافا للذوات؛ ولهذا يتحمل الناس ويقفون في موقف القيامة، تعاد هذا الموقف الطويل، فهذا تبديل صفات (واضح هذا؟)، فَتُنَشَّأ الصفات والذوات هي هي، لكن الصفات هي التي تختلف. قال الله تعالى: ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (واضح هذا؟)

فإذًا التبديل هنا تبديل تجديد، كما أن البعث تبديل الأرض كما أن تبديل الأرض تبديل صفات لا تبديل أرض أخرى، وكذلك بعث الأجساد وإنشائها، بعث وإنشاء عن تفرق لا عن عدم، الجهم بن صفوان -قَبَّحَهُ الله- قال: إن إنه يعدم الإنسان إذا مات يَعْدَمُ وتنتهي ذراته، ثم يبعث الله أناسا آخرين: هذا من أبطل الباطل، معناه: إن الله يبعث أناسا آخرين، ويعذب أناسا آخرين لم يذنبوا، هذا من أبطل الباطل.

ولما قال الجهم بن صفوان هذا القول، وقال إن ،أنكر البعث، قال: إن البعث بعث لصحيح بعث أجساد، لكن أجساد أخرى، فتح بابا لابن سينا الملحد المعروف، فلما قال الجهم إن البعث بعث أجساد أخرى، جاء ابن سينا وقال: ليس هناك بعث للأجساد إطلاقًا، وإنما البعث للأرواح، فتح الباب من الذي فتح الباب لابن سينا لإنكار البعث؟ الجهم

الجهم لما قال: إن البعث لا لهذه الأجساد، بل لأجساد أخرى، جاء ابن سينا وقال: ليس هناك بعث للأجساد إطلاقًا، البعث للأرواح، ما في بعث للأجساد ، فكفر. هذا كفر صريح. قال الله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ فابن سينا ملحد، ينكر البعث، وينكر وجود الله، وينكر الكتب والرسل الذي اغتر به كثير من الناس ومن الصحفيين والإعلاميين ، يقول الفيلسوف الإسلامي، وهو ملحد يقول عن نفسه: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي والحاكم العبيدي رافضي خبيث لا يؤمن بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر، نسأل الله السلامة والعافية.

فإذًا هذا التبديل تبديل جلود، بدلناهم تبديل جلود، وتبديل الجلود معناه: تجديدها لا إيجاد جلود أخرى، كما أن تبديل الأرض يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ تبديل صفات، تسوى وتمد كما يمد الأديم ويزال ما عليها، وكذلك السماء يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وتكون وردة كالدهان، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ. (واضح هذا؟).

كما أن البعث بعث الأجساد بعث لنفس الذرات التي استحالت، يعيدها الله خلقا جديدا، وينـزل الله مطرا فتنبت منه أجساد الناس، وَيُنَشَّأُ الناس تنشأة أخرى قوية يتحملون؛ ولهذا كان الناس لا يتحملون رؤية الله في الدنيا، في يوم القيامة المؤمنون يرون ربهم، أما في الدنيا ما يستطيع أحد أن يرى الله، ولما قال موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ما استطاع قَالَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. لكن في يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين تنشئة قوية يستطيعون ويثبتون فيها لرؤية الله . واضح هذا

فالتنشئة غير التنشئة، تنشئة صفات، والذوات هي هي؛ ولهذا يكون الناس طولهم في الجنة على طول آدم ستون ذراعا في السماء، وأما العرض فجاء في حديث رواه الترمذي في سنده بعض الضعف أن عرض الواحد سبعة أذرع لكن  فيه ضعف الحديث.

أما الطول هذا فثابت في الصحيح في البخاري أن طول ابن آدم ستون ذراعًا، هي هي ذاته، لكن الصفات الصفات وكذلك الكافر الكافر يعظم خلقه في النار، جاء في صحيح مسلم: أن ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ. حتى يُعَذَّب، يُوَسَّع جلده ولكن هو هو، ليس شخصا آخر،  فهؤلاء الزنادقة الذين شبهوا هذا من الكلام الذي، من الأمثلة التي شبه فيها الزنادقة وتأولوا القرآن على غير تأويله، قالوا بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا قالوا: جلودًا أخرى هي التي أبدلت فالله يعذب جلودًا لم تذنب فيكون ظالما، نعوذ بالله، تعالى الله عما يقولون.

(المتن)

وأما قوله : هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ ۝ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. ثم قال في آية أخرى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ قال: هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ ثم قال في موضع آخر: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضًا فشكوا في القرآن.

(الشيخ)

هذه هي الشبهة الآن، هذه الشبهة الآن شَبَّهُوا بالآيات وقالوا: إن القرآن ينقض بعضه بعضا، الشبهة يقولون: إن الله قال: هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ وفي الآية الأخرى قال: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إذًا ينطقون، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إذًا نطقوا. وفي الآية الأخرى هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ قالوا: هذا تناقض، القرآن متناقض، في آية يقول: لا ينطقون، وفي آية يقول: يختصمون. (واضح ؟ هذه الشبهة..الجواب)

(المتن)

أما تفسير هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا، فذلك قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ عند الحساب، وإعطاء المظالم. ثم يقال لهم بعد ذلك: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي: عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: في الدنيا، فإن العذاب مع هذا القول كائن.

(الشيخ)

فإن العذاب مع هذا القول كائن هذا نهاية الجواب، إذًا هذه الشبهة، المثال الثاني لما شكت فيه الزنادقة من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله أنهم قالوا: إن الله تعالى أخبر في آية أنهم لا ينطقون، وفي آية أخبر أنهم يختصمون.

أجاب الإمام -رحمه الله- قال: مواقف القيامة متعددة، يوم طويل يوم عظيم يوم القيامة يوم طويل، ففي بعض المواقف لا ينطقون، وفي بعض المواقف ينطقون؛ لأنها مشاهد القيامة متعددة؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله- أول ما يبعث الله الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ما يتكلمون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ثم بعد ذلك يَأْذَن الله لهم في الكلام فيتكلمون.

ولهذا أخبر الله عنهم أنهم قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ لمّا أُذِنَ لهم في الكلام تكلموا، رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا وطلبوا الرجعة، أن يرجعون في الدنيا حتى يعملوا صالحًا : رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ثم فحينئذ يتكلمون، ويختصمون، فيتكلمون، ويختصمون، وهذا هو معنى قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يعني: عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم بعد اختصامهم يقول الله لهم: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ في الدنيا جاءكم الوعيد والتحذير والتخويف والإنذار ثم بعد ذلك بعد هذا لا يكون إلا العذاب.

فهم في الأول لا ينطقون، ثم يؤذن لهم فينطقون ويعتذرون ويطلبون الرجعة: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ. ثم بعد ذلك ويختصمون فيقول الله: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ في الدنيا جاءكم الوعيد والتحذير والإنذار، جاءتكم الرسل بلغتكم، بلغكم القرآن، وبلغتكم السنة، لا تختصموا لدي فيقول الله تعالى: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ثم بعد ذلك لا يكون إلا العذاب، بعد هذا قامت عليهم الحجة؛ ولهذا قال المؤلف: "فإنه مع هذا يكون العذاب كائن " العذاب مع هذا القول كائن .

(في أسئلة كثيرة؟؟لعلنا نقف على المثال الثالث إن شاء الله نترك بقية الوقت للأسئلة).

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد