شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (13) تابع صِفَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، وَشَرْطِ أَدَائِهِ

00:00
00:00
تحميل
15

(المتن)

إِذَا وَجَدَ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ خِلَافَ مَا يَحْفَظُهُ، نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَفِظَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مَا فِي كِتَابِهِ، وَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ مِنْ فَمِ الْمُحَدِّثِ فَلْيَعْتَمِدْ حِفْظَهُ دُونَ مَا فِي كِتَابِهِ إِذَا لَمْ يَتَشَكَّكْ، وَحَسَنٌ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ، فَيَقُولُ "حِفْظِي كَذَا، وَفِي كِتَابِي كَذَا".

(الشرح)

هذا هو الأحسن أن يبين يقول: حفظت كذا، وفي الكتاب كذا، نعم.

(المتن)

هَكَذَا فَعَلَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَهَكَذَا إِذَا خَالَفَهُ فِيمَا يَحْفَظُهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ، فَلْيَقُلْ: (حِفْظِي كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ فِيهِ فُلَانٌ، أَوْ قَالَ فِيهِ غَيْرِي كَذَا وَكَذَا)، أَوْ شِبْهَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ، كَذَلِكَ فَعَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعُ: إِذَا وَجَدَ سَمَاعَهُ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لِسَمَاعِهِ ذَلِكَ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ.

قُلْتُ: هَذَا الْخِلَافُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي جَوَازِ اعْتِمَادِ الرَّاوِي عَلَى كِتَابِهِ فِي ضَبْطِ مَا سَمِعَهُ، فَإِنَّ ضَبْطَ أَصْلِ السَّمَاعِ كَضَبْطِ الْمَسْمُوعِ، فَكَمَا كَانَ الصَّحِيحُ - وَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ - تَجْوِيزَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابِ الْمَصُونِ فِي ضَبْطِ الْمَسْمُوعِ، حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَذْكُرُ أَحَادِيثَهُ حَدِيثًا حَدِيثًا، كَذَلِكَ لِيَكُنْ هَذَا إِذَا وُجِدَ شَرْطُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ بِخَطِّهِ، أَوْ بِخَطِّ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَالْكِتَابُ مَصُونٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَةُ ذَلِكَ مِنْ طَرُّقِ التَّزْوِيرِ، وَالتَّغْيِيرِ إِلَيْهِ، إِلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ.

(الشرح)

نعم، المهم الضبط في الكتاب وفي الصدر، نعم.

(المتن)

وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَشَكَّكْ فِيهِ، وَسَكَنَتْ نَفْسُهُ إِلَى صِحَّتِهِ، فَإِنْ تَشَكَّكَ فِيهِ لَمْ يَجُزِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الخامس: إِذَا أَرَادَ رِوَايَةَ مَا سَمِعَهُ عَلَى..

الشيخ:

الفروع، باقي فروع غير الخامس؟

الطالب: والسادس والسابع.

الشيخ:

قف، قف على الخامس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

الفرع الخامس من التفريعات المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك قال:

(المتن)

إِذَا أَرَادَ رِوَايَةَ مَا سَمِعَهُ عَلَى مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا عَارِفًا بِالْأَلْفَاظِ وَمَقَاصِدِهَا، خَبِيرًا بِمَا يُحِيلُ مَعَانِيَهَا، بَصِيرًا بِمَقَادِيرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْوِيَ مَا سَمِعَهُ إِلَّا عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ.

(الشرح)

نعم، لا بد، من شرط الرواية بالمعنى أن يكون خبير بالمعنى، ما يحيل المعاني ويغيرها، يكون له معرفة باللغة والأساليب، فإن لم يكن كذلك يجب عليه أن يروي الحديث باللفظ ولا يغير، رواية الحديث بالمعنى فيها خلاف، والجمهور على الجواز لكن بشروط، بشرط أن يكون الراوي بالمعنى عنده أهلية للرواية بالمعنى، عنده معرفة باللغة والأسلوب وما يغير المعنى، نعم.

(المتن)

فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا عَارِفًا بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَأَرْبَابُ الْفِقْهِ، وَالْأُصُولِ، فَجَوَّزَهُ أَكْثَرُهُمْ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَجَازَهُ فِي غَيْرِهِ.

وَالْأَصَحُّ: جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ، إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَا وَصَفْنَاهُ قَاطِعًا بِأَنَّهُ أَدَّى مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي بَلَغَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ أَحْوَالُ الصَّحَابَةِ، وَالسَّلَفِ الْأَوَّلِينَ، وَكَثِيرًا مَا كَانُوا يَنْقُلُونَ مَعْنًى وَاحِدًا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ مُعَوَّلَهُمْ كَانَ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا نَرَاهُ جَارِيًا - وَلَا أَجْرَاهُ النَّاسُ فِيمَا نَعْلَمُ - فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ بُطُونُ الْكُتُبِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ لَفْظَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ مُصَنَّفٍ، وَيُثْبِتَ بَدَلَهُ فِيهِ لَفْظًا آخَرَ بِمَعْنَاه.

(الشرح)

نعم، هذا بعد أن دونت الكتب الآن، الكتب الستة، ليس لأحد أن يغير ألفاظ الأحاديث التي في صحيح مسلم ،يغير بعض الأحاديث ويقول أنا رويت بالمعنى، هذا لا، لكن إذا احتاج إلى التحديث بالمعنى في كلمة أو في خطبة، يجوز بالمعنى، لكن يأتي إلى الكتاب ويغيره، ليس له ذلك، بعد أن دونت الكتب تبقى على ألفاظها، لا تغير، نعم، بعد أن دونت الأحاديث بأسانيدها بألفاظها، تبقى على ألفاظها، نعم.

(المتن)

فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى رَخَّصَ فِيهَا مَنْ رَخَّصَ، لِمَا كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ضَبْطِ الْأَلْفَاظِ، وَالْجُمُودِ عَلَيْهَا مِنَ الْحَرَجِ وَالنَّصَبِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ بُطُونُ الْأَوْرَاقِ، وَالْكُتُبِ، وَلِأَنَّهُ إِنْ مَلَكَ تَغْيِيرَ اللَّفْظِ، فَلَيْسَ يَمْلِكُ تَغْيِيرَ تَصْنِيفِ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّادِسُ: يَنْبَغِي لِمَنْ يرَوَى حَدِيثًا بِالْمَعْنَى أَنْ يُتْبِعَهُ بِأَنْ يَقُولَ: "أَوْ كَمَا قَالَ، أَوْ نَحْوَ ذَلك"، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ.

(الشرح)

نعم، يقول أو كما قال، إذا روى الحديث بالمعنى يقول: أو كما قال عليه الصلاة والسلام، أو يقول أو ما أشبه ذلك، أو قريبًا من ذلك، أو يقول: هذا معناه أو قريب من معناه، نعم.

(المتن)

رُوِيَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسٍ .

قَالَ الْخَطِيبُ: "وَالصَّحَابَةُ أَرْبَابُ اللِّسَانِ، وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ إِلَّا تَخَوُّفًا مِنَ الزَّلَلِ، لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ عَلَى الْمَعْنَى مِنَ الْخَطَرِ".

قُلْتُ: وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَارِئِ فِيمَا يَقْرَؤُهُ لَفْظَةٌ، فَقَرَأَهَا عَلَى وَجْهٍ يَشُكُّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَوْ كَمَا قَالَ"، فَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَوْ كَمَا قَالَ" يَتَضَمَّنُ إِجَازَةً مِنَ الرَّاوِي وَإِذْنًا فِي رِوَايَةِ صَوَابِهَا عَنْهُ إِذَا بَانَ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ إِفْرَادُ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، لِمَا بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّابِعُ: هَلْ يَجُوزُ اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَرِوَايَةُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ؟

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مِنَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ تَجْوِيزِهِ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَوَاهُ عَلَى التَّمَامِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ رَوَاهُ عَلَى التَّمَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ.

(الشرح)

من ذلك البخاري - رحمه الله - كان يقطع الأحاديث، يقطعها ويفرقها على التراجم، ويختصر الأحاديث، البخاري صنيعه هكذا، الحديث الواحد يقطعه ويقسمه في التراجم، هو يرى هذا، لكن البخاري إمام - رحمه الله - يروي بالسند، وكان البخاري من أرفع من رأى صحة الحديث، نعم.

(المتن)
 

وَقَدْ رَوَينَا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: "انْقُصْ مِنَ الْحَدِيثِ مَا شِئْتَ، وَلَا تَزِدْ فِيهِ".

وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنَ الْعَالِمِ الْعَارِفِ إِذَا كَانَ مَا تَرَكَهُ مَتَمِيِّزًا عَمَّا نَقَلَهُ، غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ مَا تَرَكَهُ، فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ وَالَّذِي تَرَكَهُ - وَالْحَالُ هَذِهِ - بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي أَمْرَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

(الشرح)

نعم، إذا كان عالم عنده بصيرة، بحيث إنه إذا اختصر الحديث لا يفصل معنى من معنى، ومن لا بصيرة عنده تجده قد يختصر الحديث، ثم يترك كلمة لها تعلق بالحديث فيختل المعنى، لكن الإمام، الأئمة عندهم بصيرة، كالبخاري وغيره فيختصر الحديث على بصيرة، نعم.

(المتن)

ثُمَّ هَذَا إِذَا كَانَ رَفِيعَ الْمَنْزِلَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ تُهْمَةٌ، نَقَلَهُ أَوَّلًا تَامًا، ثُمَّ نَقَلَهُ نَاقِصًا، أَوَنَقَلَهُ أَوَّلًا نَاقِصًا، ثُمَّ نَقَلَهُ تَامًّا.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ: أَنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلَى التَّمَامِ، وَخَافَ إِنْ رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصَانِ أَنْ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ زَادَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ، أَوْ نَسِيَ فِي الثَّانِي بَاقِيَ الْحَدِيثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ.

(الشرح)

فواجب عليه أن ينفي الظِّنَّة عن نفسه، يعني التهمة، نعم.

(المتن)

وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ الْفَقِيهُ: أَنَّ مَنْ رَوَى بَعْضَ الْخَبَرِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ إتَمَامَهُ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ زَادَ فِي حَدِيثِهِ، كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ الزِّيَادَةِ وَكِتْمَانِهَا.

قُلْتُ: مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ غَيْرَ تَامٍّ، إِذَا كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ تَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا رَوَاهُ أَوَّلًا نَاقِصًا أَخْرَجَ بَاقِيَهُ عَنْ حَيِّزِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَدَارَ: بَيْنَ أَنْ لَا يَرْوِيَهُ أَصْلًا فَيُضَيِّعَهُ رَأْسًا، وَبَيْنَ أَنْ يَرْوِيَهُ مُتَّهَمًا فِيهِ فَيُضَيِّعَ ثَمَرَتَهُ لِسُقُوطِ الْحُجَّةِ فِيهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا تَقْطِيعُ الْمُصَنِّفِ مَتْنَ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَتَفْرِيقُهُ فِي الْأَبْوَابِ، فَهُوَ إِلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ، وَمِنَ الْمَنْعِ أَبْعَدُ، وَقَدْ فَعَلَهُ مَالِكٌ، وَالْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ كَرَاهِيَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّامِنُ: يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ لَا يَرْوِيَ حَدِيثَهُ بِقِرَاءَةِ لَحَّانٍ، أَوْ مُصَحِّفٍ، رَوَينَا عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ الْأَصْلِ مُعْرَبَةً".

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمَعَالِي الْفُرَاوِيُّ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ - قَالَ: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ جَدِّي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفُرَاوِيُّ، قال أَخبرنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، قال: أَخبرنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطَّابِيُّ، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: أَخبرنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّنْجِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ، إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ.

قُلْتُ: فَحَقَّ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ النَّحْوِ، وَاللُّغَةِ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ شَيْنِ اللَّحْنِ، وَالتَّحْرِيفِ، وَمَعَرَّتِهِمَا.

رَوَينَا عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: "مَنْ طَلَبِ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ فَمَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ"، أَوْ كَمَا قَالَ.

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، وَلَا يَعْرِفُ النَّحْوَ مَثَلُ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَالةٌ  لَا شَعِيرَ فِيهَا".

(الشرح)

قال: من؟ البرنس يعني ثوب يخرج رأسه منه، فإذا قطع الرأس صار الثوب بدون رأس، قال: إيش؟

(المتن)

رَوَينَا عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: "مَنْ طَلَبِ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ فَمَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ"، أَوْ كَمَا قَالَ.

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، وَلَا يَعْرِفُ النَّحْوَ مَثَلُ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَالة لَا شَعِيرَ فِيهَا".

(الشرح)

مخلالة يعني وعاء، وعاء لا شعير فيه، ليس فيه، نعم.

(المتن)

وَأَمَّا التَّصْحِيفُ: فَسَبِيلُ السَّلَامَةِ مِنْهُ الْأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالضَّبْطُ، فَإِنَّ مَنْ حُرِمَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَخْذُهُ وَتَعَلُّمُهُ مِنْ بُطُونِ الْكُتُبِ، كَانَ مِنْ شَأْنِهِ التَّحْرِيفُ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنَ التَّبْدِيلِ، وَالتَّصْحِيفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

نعم، الذي يأخذ من الكتب، من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، العلم يؤخذ من أفواه العلماء، ولا يمكن لإنسان طالب علم أن يأخذ من الكتب وحدها أبدًا، لا بد أن يكون له مشايخ يأخذ العلم منهم، وإلا ما يكون طالب علم، نعم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف - رحمه الله تعالى - وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

التفريع التاسع من التفريعات المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه، وما يتعلق بذلك، قال:

(المتن)

إِذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ لَحْنٌ، أَوْ تَحْرِيفٌ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَلَى الْخَطَأِ كَمَا سَمِعَهُ، وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، وَهَذَا غُلُوٌّ فِي مَذْهَبِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ، وَالْمَنْعِ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَي.

وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى تَغْيِيرَهُ، وَإِصْلَاحَهُ، وَرِوَايَتَهُ عَلَى الصَّوَابِ، رَوَينَا ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ وَالْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْقَوْلُ بِهِ فِي اللَّحْنِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْمَعْنَى وَأَمْثَالِهِ لَازِمٌ عَلَى مَذْهَبِ تَجْوِيزِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

وَأَمَّا إِصْلَاحُ ذَلِكَ وَتَغْيِيرُهُ فِي كِتَابِهِ وَأَصْلِهِ، فَالصَّوَابُ تَرْكُهُ، وَتَقْرِيرُ مَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، مَعَ التَّضْبِيبِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ الصَّوَابِ خَارِجًا فِي الْحَاشِيَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنْفَى لِلْمَفْسَدَةِ.

(الشرح)

يعني إذا رأى خطأ لا يغيره، لا يشطب على الكتاب، وإنما يضبب عليه، يجعله إشارة، ويكتب في الحاشية الصواب كذا وكذا، أما أن يكون يغير يشطب، يغير الكتاب لا، ليس له ذلك، هذا خلاف الأمانة، الأمانة يبقى على ما هو عليه، ولو كان خطأ، لكن يضبب عليه، ويكتب في الحاشية الصواب، نعم.

(المتن)

وَقَدْ رَوَينَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ، وَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ شَفَتِهِ، أَوْ لِسَانِهِ شَيْءٌ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَفْظَةٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيَّرْتُهَا بِرَأْيِي، فَفُعِلَ بِي هَذَا".

وَكَثِيرًا مَا نَرَى مَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَطَأً - وَرُبَّمَا غَيَّرُوهُ - صَوَابًا ذَا وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ خَفِيَ، وَاسْتُغْرِبَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَعُدُّونَهُ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

(الشرح)

نعم، رأوا أن صحيح بعض أهل العلم يغير، يقول هذا غلط، يظنه غلط، ولكن عند التأمل يكون صواب، هو الذي غلط، فلا ينبغي الإنسان أن يتسرع، نعم.

(المتن)

 وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَتَشَعُّبِهَا.

(الشرح)

تشيعها لعل يعني انتشارها بالياء تشيعها تشعبها عندك تشعبها، العين قبل الباء، طيب تشعبها يعني انتشارها، نعم.

(المتن)

وَرَوَينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: "كَانَ إِذَا مَرَّ بِأَبِي لَحْنٌ فَاحِشٌ غَيَّرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَحْنًا سَهْلًا تَرَكَهُ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ الشَّيْخُ"، وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَشَياخِنَا: عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنِ الْقَاضِي الْحَافِظِ عِيَاضٍ بِمَا مَعْنَاهُ، وَاخْتِصَارُهُ: "أَنَّ الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاخِ أَنْ يَنْقُلُوا الرِّوَايَةَ كَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُغَيِّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ حَتَّى فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، اسْتَمَرَّتِ الرِّوَايَةُ فِيهَا فِي الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِ التِّلَاوَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا.

(الشرح)

يعني قراءة مجمع عليها، وليست شاذة بينهما، ليست قراءة شاذة، وليست مجمع عليها، يتركونها، وينبهون على القراءة المجمع عليها، نعم.

(المتن)

وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الشَّوَاذِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَ "الْمُوَطَّأِ"، وَغَيْرِهَما، لَكِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمْ يُنَبِّهُونَ عَلَى خَطَئِهَا عِنْدَ الرواية، والسَّمَاعِ، وَالْقِرَاءَةِ، فِي حَوَاشِي الْكُتُبِ، مَعَ تَقْرِيرِهِمْ مَا فِي الْأُصُولِ عَلَى مَا بَلَغَهُمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَسَرَ عَلَى تَغْيِيرِ الْكُتُبِ، وَإِصْلَاحِهَا، مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْكِنَانِيُّ، فَإِنَّهُ - لِكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ وَافْتِنانِهِ، وَثُقُوبِ فَهْمِهِ، وَحِدَّةِ ذِهْنِهِ - جَسَرَ عَلَى الْإِصْلَاحِ كَثِيرًا، وَغَلِطَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ.

وَالْأَوْلَى سَدُّ بَابِ التَّغْيِيرِ، وَالْإِصْلَاحِ، لِئَلَّا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ، وَهُوَ أَسْلَمُ مَعَ التَّبْيِينِ، فَيَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ كَمَا وَقَعَ، ثُمَّ يَذْكُرُ وَجْهَ صَوَابِهِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَرَأَهُ، أَوَّلًا عَلَى الصَّوَابِ، ثُمَّ قَالَ: "وَقَعَ عِنْدَ شَيْخِنَا، أَوْ فِي رِوَايَتِنَا، أَوْ مِنْ طَرِيقِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا"، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ، كَيْلَا يُتَقَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا لَمْ يَقُلْ.

وَأَصْلَحُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْإِصْلَاحِ أَنْ يَكُونَ مَا يُصْلَحُ بِهِ الْفَاسِدُ قَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ، فَإِنَّ ذَاكِرَهُ آمِنٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا لَمْ يَقُلْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

نعم، يكون الصواب مثلًا صوبه على حديث آخر، يقول: هكذا وردنا، ولكن ورد في الحديث الآخر لفظة كذا وكذا، بلفظ كذا وكذا، نعم.

(المتن)

الْعَاشِرُ: إِذَا كَانَ الْإِصْلَاحُ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ قَدْ سَقَطَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُغَايَرَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَذَلِكَ كَنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: "أَرَأَيْتَ حَدِيثَ النَّبِيِّ ﷺ يُزَادُ فِيهِ الْوَاوُ وَالْأَلِفُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا".

وَإِنْ كَانَ الْإِصْلَاحُ بِالزِّيَادَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى مُغَايِرٍ لِمَا وَقَعَ فِي الْأَصَلِ تَأَكَّدَ فِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ يَذْكُرُ مَا فِي الْأَصْلِ مَقْرُونًا بِالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا سَقَطَ، لِيَسْلَمَ مِنْ مَعَرَّةِ الْخَطَأِ، وَمِنْ أَنْ يَقُولَ عَلَى شَيْخِهِ مَا لَمْ يَقُلْ.

حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ: "عَنْ بُحَيْنَةَ"، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: إِنَّمَا هُوَ "ابْنُ بُحَيْنَةَ"، وَلَكِنَّهُ قَالَ "بُحَيْنَةَ".

وَإِذَا كَانَ مِنْ دُونِ مَوْضِعِ الْكَلَامِ السَّاقِطِ مَعْلُومًا أَنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ مَنْ بَعْدَهُ، فَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُلْحَقَ السَّاقِطُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْكِتَابِ مَعَ كَلِمَةِ (يَعْنِي) كَمَا فَعَلَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ، إِذْ رَوَى عَنِ أبي عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْقَاضِي الْمَحَامِلِيِّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ - أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ".

قَالَ الْخَطِيبُ: "كَانَ فِي أَصْلِ ابْنِ مَهْدِيٍّ" عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ"، فَأَلْحَقْنَا فِيهِ ذِكْرَ عَائِشَةَ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ، وَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ كَذَلِكَ رَوَاهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ مِنْ كِتَابِ شَيْخِنَا أَبِي عُمَرَ، وَقُلْنَا فِيهِ: "يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا" لِأَجْلِ أَنَّ ابْنَ المَهْدِيٍّ لَمْ يَقُلْ لَنَا ذَلِكَ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا يَفْعَلُ فِي مِثْلِ هَذَا، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ: أَنا أسْتَعِينُ فِي الْحَدِيثِ بِـ "يَعْنِي".

(الشرح)

وهو أن كلمة يعني يشير إلى أنه من كلامه، يعني كذا المعروف أن هذا من كلامه توضيحًا لما سبق، نعم.

(المتن)

قُلْتُ: وَهَذَا إِذَا كَانَ شَيْخُهُ قَدْ رَوَاهُ عَلَى الْخَطَأِ، فَأَمَّا إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ لَا مِنْ شَيْخِهِ، فَيَتَّجِهُ هَا هُنَا إِصْلَاحُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ تَحْدِيثِهِ بِهِ مَعًا.

ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي (حَجَّاجٌ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) يَجُوزُ لِي أَنْ أُصْلِحَهُ (ابْنَ جُرَيْجٍ)؟ فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ".

وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا إِذَا دَرَسَ مِنْ كِتَابِهِ بَعْضُ الْإِسْنَادِ، أَوِ الْمَتْنِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ كِتَابِ غَيْرِهِ، إِذَا عَرَفَ صِحَّتَهُ وَسَكَنَتْ نَفْسُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّاقِطُ مِنْ كِتَابِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِيمَا رُوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْهُ، قَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ: "وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَالِ الرِّوَايَةِ كَانَ أَوْلَى".

وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي اسْتِثْبَاتِ الْحَافِظِ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ كِتَابِ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ حِفْظِهِ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، مِنْهُمْ عَاصِمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُبَيِّنُ مَا ثَبَّتَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَيَقُولُ: "حَدَّثَنَا فُلَانٌ، وَثَبَّتَنِي فُلَانٌ" كَمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: "أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، وَثَبَّتَنِي شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ".

وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِيمَا إِذَا وَجَدَ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ كَلِمَةً مِنْ غَرِيبِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، وَأَشْكَلَتْ عَلَيْهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا، وَيَرْوِيَهَا عَلَى مَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ، رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

الحادي عشر من التفريعات المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك قال رحمه الله:

(المتن)

الْحَادِيَ عَشَرَ: إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عِنْدَ الرَّاوِي عَنِ اثْنَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَبَيْنَ رِوَايَتِهِمَا تَفَاوُتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ يَسُوقُ الْحَدِيثَ عَلَى لَفْظِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً، وَيَقُولُ: "أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَاللَّفْظُ لِفُلَانٍ، أَوْ وَهَذَا لَفْظُ فُلَانٍ، قَالَ، أَوْ قَالَا: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ"، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ.

وَلِمُسْلِمٍ صَاحِبِ الصَّحِيحِ مَعَ هَذَا فِي ذَلِكَ عِبَارَةٌ أُخْرَى حَسَنَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشبح كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ"، فَإِعَادَتُهُ ثَانِيًا ذِكْرَ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً إِشْعَارٌ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَهُ.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَخُصَّ لَفْظَ أَحَدِهِمَا بِالذِّكْرِ، بَلْ أَخَذَ مِنْ لَفْظِ هَذَا، وَمِنْ لَفْظِ ذَاكَ، وَقَالَ "أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ" فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى مَذْهَبِ تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى.

وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو تَوْبَةَ - الْمَعْنَى - قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ" مَعَ أَشْبَاهٍ لِهَذَا فِي كِتَابِهِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ لِمُسَدَّدٍ، وَيُوَافِقُهُ أَبُو تَوْبَةَ فِي الْمَعْنَى، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي، فَلَا يَكُونُ قَدْ أَوْرَدَ لَفْظَ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً، بَلْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى عَنْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَقْرُبُ فِي قَوْلِهِ: "حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ - الْمَعْنَى وَاحِدٌ - قَالَا: حَدَّثَنَا أَبَانٌ".

وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَ جَمَاعَةِ رُوَاةٍ قَدِ اتَّفَقُوا فِي الْمَعْنَى، وَلَيْسَ مَا أَوْرَدَهُ لَفْظَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَسَكَتَ عَنِ الْبَيَانِ لِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا عِيبَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى.

وَإِذَا سَمِعَ كِتَابًا مُصَنَّفًا مِنْ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَابَلَ نُسْخَتَهُ بِأَصْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَهُمْ فِي الْإِسْنَادِ، وَيَقُولَ: "وَاللَّفْظُ لِفُلَانٍ" كَمَا سَبَقَ، فَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ قَدْ سَمِعَهُ بِنَصِّهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ بِلَفْظِهِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ، لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِكَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ الْآخَرِينَ حَتَّى يُخْبِرَ عَنْهَا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِ مَنْ نَسَبَ اللَّفْظَ إِلَيْهِ وَعَلَى مُوَافَقَتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي نَسَبٍ مَنْ فَوْقَ شَيْخِهِ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ مُدْرِجًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ مُمَيَّزٍ، فَإِنْ أَتَى بِفَصْلٍ جَازَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: (هُوَ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ) أَوْ (يَعْنِي: ابْنَ فُلَانٍ)، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

(الشرح)

أن قوله هو أو قوله يعني هذا يبين أنه من كلامه، هذا فصل، نعم.

(المتن)

وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ (اللُّقَطِ) لَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: إِذَا حَدَّثَكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ، فَأَحْبَبْتَ أَنْ تَنْسِبَهُ، فَقُلْ: (حَدَّثَنَا فُلَانٌ، أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، حَدَّثَهُ)، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ شَيْخُهُ قَدْ ذَكَرَ نَسَبَ شَيْخِهِ، أَوْ صِفَتَهُ، فِي أَوَّلِ كِتَابٍ أَوْ جُزْءٍ عِنْدَ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ، وَاقْتَصَرَ فِيمَا بَعْدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ الشَّيْخِ، أَوْ بَعْضِ نَسَبِهِ، مِثَالُهُ: أَنْ أَرْوِيَ جُزْءًا عَنِ الْفَرَاوِيِّ، فأَقُولَ فِي أَوَّلِهِ: "أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَاوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ"، وَأَقُولُ فِي بَاقِي أَحَادِيثِهِ: "أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ"، فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنِّي أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي الْأَحَادِيثَ الَّتِي بَعْدَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مُتَفَرِّقَةً، وَيَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا: " أَخبرنَا فُلَانٌ، قَالَ: أَخبرنَا أَبُو بَكْرٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ، قَالَ: أَخبرنَا فُلَانٌ) وَإِنْ لَمْ أَذْكُرْ لَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِي لَهُ أَوَّلًا؟ فَهَذَا قَدْ حَكَى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: "يَعْنِي ابْنَ فُلَانٍ"، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَ اسْمُ الرَّجُلِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ قَالَ "يَعْنِي ابْنَ فُلَانٍ".

وَرَوَى عَنِ الْبَرْقَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ هَكَذَا رَأَى أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيَّ - نَزِيلَ نَيْسَابُورَ - يَفْعَلُ، وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمُجَوِّدِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَالدِّينِ، وَأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ رَوَاهَا لَهُ قَالَ فِيهَا: "أَخبرنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ: أَنَّ أَبَا يَعْلَى أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيَّ أَخْبَرَهُمْ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِيِّ: أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ: أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مُحَمَّدَ بْنَ سُفْيَانَ الصَّفَّارَ أَخْبَرَهُمْ"، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهَا أَحَادِيثُ سَمِعَهَا قِرَاءَةً عَلَى شُيُوخِهِ فِي جُمْلَةِ نَسْخٍ، الَّذِينَ حَدَّثُوهُمْ بِهَا فِي أَوَّلِهَا، وَاقْتَصَرُوا فِي بَقِيَّتِهَا عَلَى ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ، قَالَ: وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا "أَخْبَرَنَا فُلَانٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ"، ثُمَّ يَسُوقُ نَسَبَهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ.

قَالَ: "وَهَذَا الَّذِي أَسْتَحِبُّهُ؛ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الرُّوَاةِ كَانُوا يَقُولُونَ فِيمَا أُجِيزَ لَهُمْ: "أَخْبَرَنَا فُلَانٌ: أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُمْ".

قُلْتُ: جَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ جَائِزَ، وَأَوْلَاهَا أَنْ يَقُولَ: (هُوَ ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ يَعْنِي ابْنَ فُلَانٍ)، ثُمَّ أَنْ يَقُولَ: (إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ)، ثُمَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

(الشرح)

يعني المهم أن يميز، يعني قال فلان أو إن ابن فلان، هو ابن فلان، نعم.

طالب:

يا شيخ، أحسن الله إليك، بالنسبة للرواية بالمعنى، هل تجوز بإطلاق أم بشروط؟

الشيخ:

نعم، بشروط، الجمهور يجيزونها، بعض العلماء منعها، لا بد يكون، ليس لكل أحد، يكون من أهل الاختصاص، يعرف ما يحيل المعنى، وما يتغير به المعنى، ما يكون إنسان عادي، الذين أجازوها، أجازوها بشروط، ليس لكل أحد، الذي ما يعرف المعاني، ولا يعرف ما يغير المعنى لا يجوز له، لا يعرف العربية، ولا يعرف ما يحيل المعنى، نعم.

طالب:

(.....)

الشيخ:

لا، هذا ما قلت فيه ما يورد بالمعنى، باللفظ، نعم.

طالب:

أحسن الله إليك، هذا يقول: لَوْ خَشَعَ قلبُ هذا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ من كلام المصطفى ﷺ؟

ثم يقول: أنا أستمع لدروسكم عبر الشبكة، وأحضر أحيانًا يوم الخميس، فهل لي أن أقول: سمعت الشيخ عبد العزيز، أو وحدثنا شيخنا بكذا؟

الشيخ:

إذا أراد الإنسان يروي، سمع فتوى ومتحقق منها، نعم، يقول: قال فلان كذا، لكن لا بد من التحقق، إذا كان عنده شك، أو ما تحقق، أو يغلط، فلا، ليس له ذلك، وقال إيش؟

طالب: لو خشع قلب..

الشيخ:

نعم، هذا فيه ضعف، يروى أنه قال: رأى رجلًا يعبث، قال: لَوْ خَشَعَ قلبُ هذا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ ، معروف أن الحديث فيه ضعف، نعم.

طالب:

يقول: نجد في بعض الأحيان أشخاص غير مسلمين ويجاهرون بالمعصية، كرفع صوت الغناء، وحينما ننكر عليهم، منهم من يستجيب، ويخفض الصوت، ومنهم من يظهر استحقارهم لنا، فما هي الطريقة المثلى للتعامل مع هؤلاء مع من أظهر عدم مبالاته لنا، فهل يغلظ عليه في القول دون حصول مفسدة، ويؤمر بخفض الصوت، أم يعامل بالحكمة؟ نرجو الإيضاح.

الشيخ:

هذا غير المسلم يدعى إلى الإسلام أولا، يدعي إلى الإسلام، إذا كان (.....) برفع الصوت يعني يؤمر بأن يخفض الصوت دفعًا للإيذاء، لا لأنه يدعى أولًا إلى.. ينكر عليه الشرك أولًا، أول شيء الشرك، نبدأ بالأهم فالمهم، ما يفيده ترك الغناء وهو على شركه، لكن إذا كان يؤذي الصوت يؤمر بإزالة الأذى، نعم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

الثالث عشر من التفريعات المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك قال:

(المتن)

جَرَتِ الْعَادَةُ بِحَذْفِ (قَالَ)، وَنَحْوِهِ، فِيمَا بَيْنَ رِجَالِ الْإِسْنَادِ خَطًّا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ لَفْظًا.

(الشرح)

مثل الآن تقرؤون حدثنا حدثنا، تقرؤون: قال حدثنا، قال حدثنا، كلمة (قال) تسقط في الكتابة، لكن في القراءة تقرأ، حدثنا فلان، حدثنا فلان، قال الصح، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، (قال) ينطق بها، وإن كانت لم تكتب، هي تحذف اختصارًا لكن ينطق بها، نعم، أعد، الثالث عشر.

(المتن)

وَمِمَّا قَدْ يُغْفَلُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْإِسْنَادِ (قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ: أَخْبَرَكَ فُلَانٌ)، فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: (قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكَ فُلَانٌ).

(الشرح)

نعم، قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان، حذف (قيل) اختصارًا، نعم.

(المتن)

وَوَقَعَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ (قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ)، فَهَذَا يَذْكُرُ فِيهِ (قَالَ)، فَيُقَالُ (قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ قَالَ: حدثَنَا فُلَانٌ)، وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ خَطًّا هَكَذَا فِي بَعْضِ مَا روِّينَاهُ.

وَإِذَا تَكَرَّرَتْ كَلِمَةُ (قَالَ) كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ "حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ"، حَذَفُوا إِحْدَايهُمَا فِي الْخَطِّ، وَعَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَلْفِظَ بِهِمَا جَمِيعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

صالح بن حيان قال أخبرني، يعني قال: قال أخبرني.

(المتن)

الرَّابِعَ عَشَرَ: النُّسَخُ الْمَشْهُورَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَحَادِيثَ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ، كَنُسْخَةِ "هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ"، رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَنَحْوِهَا مِنَ النُّسَخِ، وَالْأَجْزَاءِ، مِنْهُمْ مَنْ يُجَدِّدُ ذِكْرَ الْإِسْنَادِ فِي أَوَّلِ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا، وَيُوجَدُ هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْقَدِيمَةِ، وَذَلِكَ أَحْوَطُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْإِسْنَادِ فِي أَوَّلِهَا عِنْدَ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهَا، أَوْ فِي أَوَّلِ كُلِّ مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ سَمَاعِهَا، وَيُدْرِجُ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ: "وَبِالْإِسْنَادِ"، أَوْ "وَبِهِ"، وَذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ.

وَإِذَا أَرَادَ مَنْ كَانَ سَمَاعُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَفْرِيقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَرِوَايَةَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِهَا، جَازَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ منهم وقيع بن الجراح ويحي بن معين وأبو بكر الاسماعيلي.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد