شعار الموقع

شرح كتاب التعالم للشيخ بكر أبو زيد (4) من المبحث الأول في إخلاص النية لله تعالى إلى آخر الكتاب

00:00
00:00
تحميل
211

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد: ...

(المتن)

   فقال الشيخ بكر حفظنا الله تعالى وإياه:

 المبحث الأول: في إخلاص النية لله تعالى:

لا يوصفُ العمل من المسلم بالقبول شرعًا إلا إذا توفر ركنان "الإخلاص والمتابعة"، فالإخلاص: أن يكون لله تعالى لا نصيب لغير الله فيه، متمحضًا من شَوْب الإرادة لغيره، والمتابعةُ: ويُقال الصواب: أن يكون مما شرعهُ الله على لسان رسوله محمد ﷺ، فشوبُ النية يُورث الرياء والشرك .

   وشوبُ المتابعة: يُورث المعصية والبدعة، والرياءُ مدخلُ النفاق، والمعصيةُ بريدُ الفسق، والبدعة: دهليز الكفر.

وبالجملةِ فإذا اختل ركناه أو أحدهما صار العمل مردودًا غير مقبول، والأدلةُ على هذا متظاهرةٌ من الكتاب والسُنة.

   وقد حثَّ السلف على التزام هذين الركنين، وصار نَعيُهم على ما شابهما، ومنه حثهم على تصحيح النية في الطلب، والبُعد عن ابتغاء الشهرة، وعرض الدنيا، ونيل المناصب، والحصول على الوظائف، فهذه إراداتٌ تُحطم قوته وتطفئ نوره.

   قال أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: "من أراد أن يأكل الخبزَ بالعلم فلتبكِ عليه البواكي"، وهذه شذراتٌ من كلامهم في هذا:

   قال الذهبي رحمه الله تعالى: عبد الرحمن بن مهدي، عن طالوت، سمعتُ إبراهيم بن مهدي يقول: "ما صدق الله عبدٌ أحب الشهرة"، قلت: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة ولا يشعرُ بها، أنه إذا عوتب في ذلك لا يحرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف ويقول: "رحم الله من أهدى إلى عيوبي، ولا يكن معجبًا بنفسه لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعرُ أنه لا يشعر، فإن هذا داءٌ مُزمن"، انتهى.

   وقال رحمه الله تعالى: "ينبغي للعالم أن يتكلم بنيةٍ، وحسن قصد فإن أعجبهُ كلامهُ فليصمت، وإن أعجبهُ الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء "، انتهى.

   وقال أيضًا رحمه الله تعالى: وسمعته، يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان المتوفى سنة خمسة وأربعين وثلاثمائةٍ للهجرة، رحمهم الله تعالى يقول: "أصبت ببصري وأظن أني عُوقبتُ بكثرة كلامي أيام الرحلة"، قلت: صدق والله.

   فقد كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالبًا، يخافون من الكلام وإظهار المعرفة، واليوم يُكثرون الكلام مع نقص العلم وسوءِ القصد، ثم إن الله يفضحهم ويلوحُ جهلهم وهواهم فيما علموه، فنسألُ الله التوفيق والإخلاص، انتهى.

   وقال علي بن بكارٍ البصري الزاهد، المتوفى سنة سبعةٍ ومائتين للهجرة رحمه الله تعالى: "لأن ألقى الشيطان أحبُ إليَّ من ألقى حُذيفة المرعشي، أخافُ أن أتصنعَ له، فأسقط من عين الله"، انتهى.

   وفيه في ترجمةِ مَعمر بن راشد قال: قال عن معمر: "كان يُقال إن الرجل يطلبُ العلمَ لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكونَ لله"، قلت: "نعم، يطلبهُ أولًا، والحاملُ له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك.

   ولم يكن عَلِمَ وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه وخاف من وبالِ قصده، فتجيئهُ النيةُ الصالحةُ كلها أو بعضها، وقد يتوبُ من نيتهِ الفاسدةِ ويندم، وعلامةُ ذلك أنه يُقصرُ من الدعاوى وحبُ المناظرة، ومِن قصد التكثُّرِ بعلمه ويُزري على نفسه، فإن تكثر بعلمهِ، أو قال: أنا أعلم من فلانٍ فبعدًا له"، انتهى.

(الشرح)

قال بعض السلف: تعلمنا العلم لغير الله، فأبى إلا أن يكون لله، أعد من (وعلامةُ ذلك).

(المتن)

وعلامةُ ذلك أنه يُقصرُ من الدعاوى وحبُ المناظرة.

(الشرح)

   يعني وعلامة المخلص أنه (يُقصرُ من الدعاوى) ما يدعي، ولا يُكثر المناظرات والخصومات، نعم.

(المتن)  

ومِن قصد التكثُّرِ بعلمه ويُزري على نفسهِ، فإن تكثر بعلمهِ، أو قال: أنا أعلم من فلانٍ فبعدًا له، انتهى.

   وفيه أيضًا في ترجمة هشامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ قَالَ: كان عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ، قال عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ: سَمِعْتُ هِشَامًا الدَّسْتُوَائِيَّ يَقُوْلُ: "وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ إِنِّي ذَهَبتُ يَوْمًا قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ ".

   قلتُ: "واللهِ ولا أنا، فقد كان السَّلَفُ يطلبون العِلْمَ للهِ، فَنَبُلُوا، وصاروا أئمةً يُقْتَدَى بهم، وطَلَبَهُ قومٌ منهم أوَّلًا لا للهِ، وحَصَّلُوهُ، ثم اسْتَفَاقُوا، وحاسَبُوا أنفسَهُم، فَجَّرَهُمُ العِلْمُ إلى الإخلاصِ في أثناءِ الطريقِ، كما قالَ مجاهدٌ وغَيْرُهُ: "طَلَبْنَا هذا العِلْمَ، وما لنا فيه كبيرُ نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِيَّةَ بَعْدُ".

   وبعضُهم يقولُ: "طَلَبْنَا هذا العِلْمَ لغيرِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يكونَ إلَّا للهِ"، فهذا أيضًا حَسَنٌ، ثم نَشَرُوهُ بِنِيَّةٍ صالحةٍ، وقَوْمٌ طَلَبُوهُ بِنِيَّةٍ فاسدةٍ لِأَجْلِ الدنيا، ولِيُثْنَى عليهم، فَلَهُمْ ما نَوَوْا، قال : مَن غَزَا يَنْوِي عِقَالًا، فَلَهُ ما نَوَى.

   وتَرَى هذا الضَّرْبَ لم يَسْتَضِيؤُوا بنورِ العِلْمِ، ولا لهم وَقْعٌ في النفوسِ، ولا لِعِلْمِهِم كبيرُ نتيجةٍ مِنَ العَمَلِ، وإنَّمَا العالِمُ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى!

   وقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ، ووُلُّوا بهِ المناصِبَ فَظَلَمُوا، وتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بالعِلْمِ، ورَكِبُوا الكبائرَ والفواحشَ، فَتَبًّا لهم، فما هؤلاءِ بعلماءَ!

   وبَعْضُهُم لم يَتَّقِ اللهَ في عِلْمِهِ، بل رَكِبَ الحِيَلَ، وأَفْتَى بالرُّخَصِّ، ورَوَى الشَّاذَ مِنَ الأخبارِ، وبَعْضُهُم اجْتَرَأَ على اللهِ، ووَضَعَ الأحاديثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ، وذَهَبَ عِلْمُهُ، وصارَ زَادُهُ إلى النارِ.

   وهؤلاء الأقسامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ شيئًا كبيرًا، وتَضَلَّعُوا منه في الجُمْلَةِ، فَخَلَفَ مِن بعدِهم خَلْفٌ بَانَ نَقْصُهُم في العِلْمِ والعَمَلِ، وتَلَاهُم قومٌ انْتَمَوْا إلى العِلْمِ في الظاهرِ، ولم يُتْقِنُوا منه سِوَى نَزْرٍ يَسِيرٍ، أَوْهَمُوا به بأَنَّهُم علماءُ فضلاءُ.

   ولم يَدُرْ في أذهانِهم قَطُّ أنهم يَتَقَرَّبُونَ به إلى اللهِ؛ لأَنَّهُم ما رَأَوْا شيخًا يُقْتَدَى به في العِلْمِ، فصاروا هَمَجًا رِعَاعًا، غايةُ المُدَرِّسُ منهم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُبًا مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، ويَنْظُرُ فيها يومًا ما، فَيُصَحِّفُ ما يُورِدُهُ، ولا يُقَرِّرُهُ، فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ والعَفْوَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُم: "مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِمًا"، انتهى.

(الشرح)

   المعروف في التصحيف يعني الحذف، ولا يقر لهم على وجهه.

(المتن)

   وفيه أيضًا في ترجمة ابن جريج قال: "قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جريج لمن طلبتم العلم؟ كلهم يقول: لنفسي، غير ابن جريج فإنه قال: طلبتهُ للناس".

(الشرح)

   صدقوا، هذا صدق.

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد :

فقال الشيخ بكر حفظنا الله تعالى وإياه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   المبحث الثاني: في أن العالم لا يُتبعُ بذلته، ولا يؤخذُ بهفوته، روى البخاري في كتاب "الشروط من صحيحه" قصة الحديبية، ومسير النبي ﷺ إليها وفيها: «وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ، حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ... الحديث.

   قال الحافظ بن حجر في فقه هذا الحديث: جوازُ الحكمِ على الشيء بما عرف من عادته، وإن جاز أن يقرأ عليه غيره.

(الشرح)

   مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ؛ نعم، هذه عادتها أنها، نعم، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، نعم.

(المتن)

   فإذا وقع من شخصٍ هفوةٌ لا يُعهدُ منه مثلها، لا يُنسبُ إليها ويردُ على من نسبهُ إليها، ومعذرةُ من نسبهُ إليها ممن لا يعرف صورة حاله؛ لأن خُلأَ القصواء لولا خارقُ العادة، لكان ما ظنهُ الصحابةُ صحيحًا، ولم يعاتبهم النبي ﷺ على ذلك؛ لعذرهم في ظنهم، انتهى.

   فقد أعذرَ النبي ﷺ غير المكلفِ من الدواب باستصحاب الأصل، ومن قياس الأولى إذا رأينا عالمًا عاملًا.

(الشرح)

   يعني عثرت الناقة، قال: وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ؛، استصحابًا للأصل، فالعالم كذلك من بابِ أولى أن نستصحب الأصل، ونعذره في الأشياء التي يمكن العذر فيها.

(المتن) 

  ومن قياس الأولى إذا رأينا عالمًا عاملًا ثم وقعت منه هنةٌ أو هفوةٌ، فهو أولى بالإعذار وعدمِ نسبتهِ إليها، والتشنيع عليه بها استصحابًا للأصل، وغمر ما بدر منه في بحر علمهِ وفضلهِ، وإلا كان المُعنف قاطعًا للطريق ردءًا للنفس اللوامة، وسببًا في حرمان العالَمِ من علمه، وقد نُهينا أن يكون أحدنا عونًا للشيطان على أخيه.

   فما ألطف هذا الاستدلال وأدق هذا المنزع، ورحم الله الحافظ الكناني بن حجر العسقلاني، على شفوف نظره، وفقه نفسه، وتعليقهِ الحكمَ بمدركه.

   قال الصنعاني رحمه الله تعالى: "وليس أحدٌ من أفراد العلماء إلا وله نادرةٌ ينبغي أن تُغمر في جنب فضله وتجتنب"، انتهى.

   وقال أبو هلالٍ العسكري: "ولا يضع من العالمِ الذي برع في علمه: زلة ، إن كان على سبيل السهو والإغفال، فإنه لم يعرُ من الخطأ إلا من عصم الله جل ذكره، وقد قالت الحكماء: الفاضل من عُدت سقطاته، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم، انتهى.

   وقد تتابعت كلمة العلماء في الاعتذار عن الأئمة فيما بدر منهم، وأن ما يبدو من العالم من هناتٍ لا تكونُ مانعةً للاستفادةِ من علمهِ وفضلهِ.

   فهذا الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى يقول في ترجمة كبير المفسرين، قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة سبعة عشرة ومائة للهجرة رحمه الله تعالى بعد أن اعتذر عنه:

   ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحهُ، وورعهُ، واتباعهُ يُغفر له زلله، ولا نضللهُ ونطرحهُ وننسى محاسنه، نعم: ولا نقتدي به في بدعتهِ وخطئهِ ونرجو له التوبة من ذلك، انتهى.

   وقال أيضًا في "دفع العتاب" عن الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى: ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطًا مغفورًا له، قمنا عليه، وبدعناه وهجرناه لما سلمَ معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلقِ إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة، انتهى.

   وقال في ترجمة إمام الأئمة ابن خزيمة، المتوفى سنة إحدى عشر وثلاثمائة للهجرة رحمه الله تعالى: وكتابه: في التوحيد مجلدٌ كبير، وقد تأولَ في ذلك حديث الصورة، فليُعذر من تأول بعض الصفات.

(الشرح)

   قال في كتاب التوحيد: أيها الناس لا تخلطوا ولا تخالطوا، خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، وقال: "فلا تظنوا أن الضمير يعود إلى الله وإنما يعود إلى آدم، هذا غلط، غلط رد عليه شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه "بيان تلبيس الجهمية".

   وكان أيضًا يرد على الدارمي والإمام أيضًا، كذلك حينما ذكر حديث الصورة حينما يتجلى الله للمؤمنين في موقف القيامة، يتجلى لهم، يرونها أربع مرات كما جاء في الحديث.

   يتجلى لهم في أول صورة، ثم يتجلى لهم في المرة الثانية في الصورة التي ينكرونها، غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة فينكرون، ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفون فيسجدون، ثم يرفعون رؤوسهم فيتجلى لهم في الصورة الأولى، هذه أربع مرات، لكن الدارمي رحمه الله قال: إنما التغير في إيش؟ في أعينهم، حصل لهم تغيُّر في أعينهم فلذا أنكروا، شيخ الإسلام وكذا عاصم  النبيل قال: هذا أقربُ الأقوال، ولكنه خطأ، والصواب: أنه حصل لهم دهشة من عظمة الله ، فإن الإنسان يُدهش الآن من بعض المخلوقات، الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا حصل لما رأى جبريل في الصورة التي خُلق عليه؟ حصل له رُعب رعبًا شديد، فيقول شيخ الإسلام: إن هذا من عظمة الله ، حصل له دهشة من عظمة الله ، وأقربُ الأقوال، أقربُ الأقوال قول عاصم، لكنه مع قربه ليس بصحيح، قال الدارمي: " أنه حصل التغيرُ في أبصارهم".

   المقصود من هذا أن الشيخ رد على أيضًا ابن خزيمة، ورد على الدارمي، فكون الإنسان يحصل له بعض الغلطات والهفوات، ليس معنى ذلك أنه يُشهَّر به، يُقال: هو كذا أو يحط هذا من مرتبته، ما هو بمعصوم، قد يكون مجتهد ويُؤجر إذا حسنت نيتهُ، وهذا مبلغُ علمه؛ كما قالها شيخ الإسلام وغيره.

وهذا فيه لأنهُ ينبغي للإنسان في هذا الزمان الذي صار بعض الناس يُجرِّحون الدعاة، ويغتابونهم ويتكلمون فيهم، ويقول: هم مبتدعة، وأنهم كذا، وأنهم أهل البدع، هذا لو كان بدعة مُحققة، وهذا مبلغُ علمه قد يكون معفو عنه، وأين البدعة؟.

   كونهم يأخذون بعض الكلمات يدبجونها كلمة من هنا، وكلمة من هنا، ويقولون: هؤلاء أهل البدع، ما هو معصوم من الخطأ لا شك، والخطأ مردودٌ على صاحبه «كُلُّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ»، لكن ما يُقال إن فلان مبتدع، إذا كان معروف من الفرق الظاهرة إن كان جهمي، أو معتزلي، أو قدري، أو خارجي، أو رافضي.

   لكن هل هؤلاء الدعاة يعتقدون هذا، يعتقدون هذه العقائد؟ ويستحلون يقولون: هذا من الجرح والتعديل، والجرح يستحلون، يستحلون غيبةَ الدعاة وأهل العلم، ويقولون: "هذا من الجرح"، "من الجرح والتعديل"، الجرح والتعديل هذا محدثين انتهى، نعم.

   أما غيرهم من غلط ويُرد عليه الغلط، نعم، كائنًا من كان، لكن ما يُقال مبتدعة إلا إذا كان أحدث بدعة في الدين، وأصر عليها بعد المعرفة، نعم.

(المتن)

   فليعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله ﷺ.

(الشرح)

   يعني العلم والكيفية، هو العلم والكيفية وإن كانوا فسروا النص، النص معلوم معناه، لكن الكيفية اللي ما معلومة، كما قال الإمام مالك لما سُئل عن الاستواء، قال: "الاستواء معلوم"، يعني معلوم معناه في اللغةِ العربية، هو الاستقرار، والصعود، والعلو، والارتفاع.

   الاستقرار له أربع معاني: (استقر، وعلا، وصعد، وارتفع)، وعليه تدور تفاسير السلف في الاستواء هذا معناه في اللغة العربية، لكن الكيف مجهول، كيفية استواء الله هذا مجهول، "والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة"، هم فوضوا علم الكيفية، لكن فسروا معني النصوص، فسروها، نعم.

(المتن) 

  ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانهِ وتوخيهِ لإتباع الحق أهدرناهُ وبدعناه، لقل من يَسلمُ من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنهِ وكرمه، انتهى.

   وقال في ترجمة: باني مدينة الزهراءِ بالأندلس: الملك المُلقب بأمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمدٍ، صاحب الأندلس المتوفى سنة خمسين وثلاثمائةٍ للهجرة: وإذا كان الرأس عالي الهمةِ في الجهاد، احتملت له هناتٌ، وحسابه على الله، أما إذا أمات الجهاد، وظلم العباد، وللخزائن أباد، فإن ربك لبالمرصاد، انتهى.

   وقال في ترجمة: القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنة خمسةٍ وستين وثلاثمائةٍ للهجرة رحمه الله تعالى: قال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهلٍ الصعلوكي، وسُئل عن تفسير أبي بكرٍ القفال، فقال: "قدسهُ من وجهٍ ودنسهُ من وجه".

   أي: دنسهُ من جهةِ نصرهِ للاعتزال،قلت: "قد مر موته، والكمال عزيز، وإنما يمدحُ العالم بكثرة مالهُ من الفضائل، فلا تدفنُ المحاسن لورطةٍ، ولعله رجعَ عنها، وقد يغفر له في استفراغهِ الوسع في طلب الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله، انتهى.

   وبعد أن ذكر بعض الهفوات لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة خمسٍ وخمسمائة للهجرة رحمه الله تعالى قال: قلت: الغزالي إمامٌ كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ، انتهى.

   وقال أيضًا: قلت: مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضًا، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل، انتهى.      

   وقال ايضًا: فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ ولا تقليد في الأصول، انتهى.

   ونبه على حال مجاهد فقال: قلت: ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تُستنكر، انتهى.

   وقال في ترجمة ابن عبد الحكم: قلت: له تصانيف كثيرة، منها: كتاب في الرد على الشافعي. وكتاب أحكام القرآن. وكتاب الرد على فقهاء العراق. ومازال العلماء قديمًا وحديثًا يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف.

   وبمثل ذلك يتفقه العالم، وتتبرهن له المشكلات، ولكن في زمننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته، ولطلبه للظهور والتكثر، فيقوم عليه قضاةُ وأضداد، نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل، انتهى.

   وفي ترجمة إسماعيل التيمي المتوفى سنة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة للهجرة، أنه قال: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

(الشرح)

   غلط في هذا، معدود في غلطاته، ما هو معصوم ولكنه إمام عالم، نعم ظن هذا، ظن أن هذا هو الحق، وظن أن إثبات الصورة فيه تشبيه، نعم. غلط نعم.

(المتن)  

قال أبو موسى المديني: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثيرُ من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل، انتهى.

   وفي ترجمة أبي يعلى الموصلي المتوفى سنة سبعةٍ وثلاثمائة للهجرة قال لأبي هزية: (ليزهدنك في أخٍ لك أن تراه ذل ذلة، والمرء يطرحه الذين يلونه في شر إلا، ويخونه من كان من أهل البطانة والدخلة، والموت أعظم حادثٍ مما يمر على الجبلة).

   الحافظ الذهبي نفسه قد تكلم رحمه الله تعالى في أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة، ولا يبقى لهم شعورٌ بشيء منها.

   وقد تعقبه العلامة الشوكاني في فتاواه المسماة: الفتح الرباني. وذكر إجماع أهل الإسلام على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاءً وإدراكًا لذهاب ما كان يعتريهم في الدنيا.

   وساق النصوص في ذلك منها قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِين [يس/26-27] .

   وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية النميري رحمه الله تعالى، في جوابٍ له على إبطال فتوى قضاة مصر بحبسه وعقوبته من أجل فتواه بشأن شد الرحل إلى القبور: أنه لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى، أفتى في عدة مسائل بخلاف سُنة رسول الله ﷺ الثابتةٍ عنه، وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون: لم يجز منعه من الفتيا مطلقًا، بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه، فما زال في كل عصرٍ من أعصار الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك. انتهى.

   وهذا الإمام الحافظ ابن حبان المتوفى سنة أربعة وخمسين وثلاثمائة للهجرة رحمه الله تعالى، فاه بقوله: النبوة العلم والعمل. فهُجر وحُكم عليه بالزندقة، وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله، لكن أنصفه المحققون من أهل العلم فوجهوا قوله واستفادوا من علمه وفضله منهم: ابن القيم، والذهبي، وابن حجر في سواهم من المحققين.

   ومما قاله الذهبي: قلت: وهذا أيضًا له محملٌ حسن، ولم يرد حصر المبتدأ في الخبر. ومثله: الحج عرفة، فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجًا بمجرد الوقوف بعرفة، إنما ذكر مهم الحج، ومهم النبوة، إذ أكمل صفات النبي: العلم والعمل.

   ولا يكون أحد نبيًا إلا أن يكون عالمًا عاملًا. نعم النبوة موهوبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبدًا، وبها يتولد العلم النافع والعمل الصالح، ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن ابي حاتم: لا يسوغ، وذلك نفسٌ فلسفي، انتهى.

(الشرح)

   على كل حال: الذهبي وغيره له بعض،، يعني قد لا يوافق على بعض ما ذكره وما قاله مثل أبي حامد الغزالي، «كُلُّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ » إلا رسول الله ﷺ.

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

فقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظنا الله تعالى وإياه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وهذا العلامة أبو الوليد الباجي المالكي المتوفى سنة أربعة وسبعين وأربعمائة للهجرة رحمه الله تعالى، افترع القول بارتفاع أمية النبي ﷺ لقصة الحديبية.

(الشرح)

   يعني أحدث هذا القول افترعه؛ يعني: اخترعه من نفسك وابتدعه.

(المتن)  

افترع القول بارتفاع أمية النبي ﷺ لقصة الحديبية بارتفاع أمية النبي  ﷺ لقصة الحديبية.

   فقام عليه أهل عصره؛ حتى حكموا بكفره وقال بعضهم فيه:

عَجِبتُ مِمَّن شَرَى دُنيًا بِآخِرَةٍ وَقَالَ إِنَّ رَسُولُ اللَّهِ قَد كَتَبَا

   ثم تطامنت الفتنة وأوضح المحققون، بأن واقعة الحديبية لا سبيل إلى إنكارها لثبوتها، لكنها لا تنفي الأمية.

   كما أن النبي ﷺ بُعث في العرب وهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، ومع هذا يوجد فيهم من يكتب مثل كتاب الوحي لكنهم على ندرة، ولم ينفِ هذا أمية أمته ﷺ من العرب.

(الشرح)

   هذا هو الصواب، الصواب أن الرسول ﷺ أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولهذا لما في أول الوحي نزل عليه جبريل، قال: أقرأ، قال: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، يعني لست قارئًا قد تعلمت القراءة والكتابة، ليس امتناع، فغطه حتى بلغ منه الجهد وقال له: اقرأ، قال: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، لست بقارئ، ما تعلمت القراءة كيف أقرا وأنا ما تعلمت، ثلاث مرات.  ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق/1]. وقال سبحانه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة/2]

   وأما كونه لما أمتنع علي من الكتابة وقال: كتب هذه معجزة من المعجزات، كتب كونه يخط كتب وهو لا يكتب من المعجزات، ويدل عليه نص القرآن وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت/48]

   هو أمي، كون يكتب الكلمة والكلمتين وهو لا يكتب هذه من المعجزات، مثل كون الإنسان يأتي ببيت أو بيتين لا يقال له شاعر، قال الله تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس/69]

   النبي ﷺ قال لما دميت إصبعه، هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ هذا بيت هل يجعله شاعر؟ ما يجعله شاعر، قيل لم يقل بيتا مستقيما غير هذا.

   وهذا قاله يعني اتفاق، عفو الخاطر يعني من دون ترتيل، ومن دون هذا ما يخرج عن كونه شاعر، ولهذا أنكر عليه أبو العبيد الباجي وأهل زمانه.

(المتن)

   حقق ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الباجي من السير ولعصرينا ابن حجر القاضي القطري كتابٌ حافلٌ باسم: الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر.

(الشرح)

   نعم صحيح، لما قال ابن حجر (..........)، نعم.

(المتن) 

وهذا عبد الملك بن حبيب رحمه الله تعالى من أعلام الفقه المالكي. عيب عليه أشياء ولم يُهجر رحمه الله تعالى.

   والجياني: أحمد بن محمد بن فرج اللغوي الشاعر، لحقته محنة لكلمة عامية نطق بها، نقلوها عنه، وكان سجنه بسببها في زمن: الحاكم بن عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة ستة وثلاثين وثلاثمائة للهجرة.

   حاشية: وأنظر ترجمة أبي حيان التوحيدي ففيها مع فساد معتقده أشياء من هذا، كما في لسان الميزان، ونحوها لأبي طالب المكي صاحب قوت القلوب، كما في الميزان ولسانه.

   المتن:

وهؤلاء الأئمة: ابن الأثير، وابن خلدون، والمقريزي قد صححوا النسب الفاطمي للعبيديين. وقد صاح المحققون على القائلين بهذا منهم: ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن حجر وغيرهم في القديم والحديث.

   والمؤرخ ابن خلدون أيضًا عقب عليه الهيتمي بأنه لما ذكر الحسين بن علي - رضي الله عنهما- في تاريخه قال: قتل بسيف جده لكن دافع الحافظ ابن حجر عن ابن خلدون بأن هذه الكلمة لم توجد في التاريخ الموجود الآن، ولعله ذكرها في النسخة التي رجع عنها .

   وقد تتابع الغلط على ابن خلدون أيضًا في أنه يحط على العرب من أنهم أهل ضعنٍ ووبرٍ لا يصلحون لملك ولا سياسة  وابن خلدون كلامه هذا في " الأعراب " لا في " العرب " فليعلم.

(الشرح)

   فرق بين الأعراب وبين العرب، الأعراب أهل البوادي، أما العرب أهل المدن لا ما ينطبق عليهم.

(المتن)

   فهذه الآراء المغلوطة لم تكن سببًا في الحرمان من علوم هؤلاء الأجلة، بل مازالت مناراتُ يهتدي بها في أيدي أهل الإسلام، وما زال العلماء على هذا المشرع ينبهون على خطأ الأئمة مع الاستفادة من علمهم وفضلهم.

(الشرح)

   لا يمنع كونه فعل غلط يرد عليه الغلط ويستفاد منه، نعم.

(المتن)

   ولو سلكوا مسلك الهجر لهدمت أصول وأركان، ولتقلص ظل العلم في الإسلام، وأصبح الاختلال واضحًا للعيان. والله المستعان، وكان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألفٍ للهجرة رحمه الله تعالى يقول وهو على فراش الموت: عدوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تُنفروهم، لئلا يزهدوا في خدمتكم، انتهى.

   وينتظم ما سلف تحقيق بالغ للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، ذكره في مباحث الحيل من "إعلام الموقعين" وذكر الجزء والصفحة فأنظر.

   وإنما أتيت على النقول المتقدمة مع كثرتها، لعموم البلوى على أهل العلم من بعض الجُهال إذا حصل له رأي عن قناعةٍ ودرايةٍ في مسألةٍ فقهية فروعية يكادون يُزهقونه ويجهزون عليه لتبقى الريادة الوهمية لهم، والله المستعان على ما يفعلون.

   أما المبتدعة فلا والله، فإنا نخافهم ونحذرهم، ولواجب البيان نُحذرُهُم من بدعهم، فاحذر مخالطتهم، والتلقي عنهم، فإن ذلك سم ناقع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد فقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد غفر الله لنا وله:

   المبحث الثالث: في الزجر عن حمل الشواذ وغثاثة الرخص.

 

(الشرح)

   يعني كون الإنسان يأخذ بالشواذ ويتتبع الرخص، (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ)، قاله العلماء.

   معناه: يأخذ رخصة من هذا المذهب ورخصة من هذا المذهب وينسلخ من الدين، يأخذ رخصة من أخيه في إباحة الربا، ويأخذ رخصة من هذا في إباحة الزنا، ويأخذ رخصة من الشواذ في إباحة كذا؛ حتى ينسلخ من الدين ولهذا قال العلماء: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ تَزَنْدَقْ) نسأل الله العافية، نعم.

(المتن)  

المعقود في اعتقاد أهل السُنة والجماعة النهي عن حمل الشاذ:

   قال الطحاوي رحمه الله تعالى في سياقته له: ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، وقال: ونرى جماعة حقًا وصوابًا والفرقة زيغًا وعذابًا، وعليه فإن الإشاعة لغثاثة الرخص، والتجسيد للآراء الشاذة وتربية مولودهما التلفيق بمعنى جمع الرخص والشواذ من المذاهب، منابذة للاعتقاد السليم، بل هي من صنع العِداء.

(الشرح)

   (العداء) وكما سبق عند العلماء قال: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ تَزَنْدَقْ) قد جمع، قد جاء بعض العلماء إلى أحد الخلفاء معه كتاب جمعت فيه الرخص من كل مذهب، فقال من عمل بهذا تزندق، نسأل الله العافية، صار زنديقا، والزنديق هو المنافق يطلق على الجاحد المعطل.

(المتن)

   ومحتضنها يكون بأسًا على المسلمين وبلاءً، فلله كم تربع على وكر هذه الفتنة من مارد، وأبرزها باسم الشريعة من متحايل، على شبه يبديها أو يبتديها، والقلوب ضعيفة، والشبه خطافة.

   وقد صاح بهذا الضرب جلة العلماء، وأبانوا أن من منازل العبودية الأخذ بالعزائم والرخص الشرعية، أما المفتعلة فهي من الشرع بمعزل عن عزائمه ورخصه، وهذا من منازل العبودية، أما تتبع رخص المذاهب وشاذ العلم فهو من نواقضها.

   قال الشيخ الهروي رحمه الله تعالى في منزلة الرغبة من منازل العبودية.

(الشرح)

   " منازل السائرين " شرحها ابن القيم في " مدارك السالكين "، كتاب الهروي " منازل السائرين إياك نعبد وإياك نستعين "، منازل السائرين إلى الله، شرح ابن القيم في " مدارك السالكين " شرح " منازل السائرين " الموجودة الآن.

   والهروي رحمه الله يعني دخل في الصوفية، دخل في التصوف في هذا وابن القيم رحمه الله شرح وبين ونفع فيه من التصوف، واعتذر عنه في بعض الأشياء.

(المتن)

 "وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثة الرخص"

   قال ابن القيم شارحًا لذلك: أهل العزائم بناء أمرهم على الجد والصدق فالسكون منهم إلى الرخص رجوعُ وبطالة.

   وقال أيضًا رحمه الله تعالى: ثم ذلك الخلاف قد يكون قولًا ضعيفًا فيتولد من ذلك القول الضعيف الذي هو من خطأ بعض المجتهدين، وهذا الظن الفاسد الذي هو خطأ بعض الجاهلين تبديل الدين وطاعة الشيطان، ومعصية رب العالمين، فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة، وأعانتها الأهواء الغالبة، فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك.

(الشرح)

   تمت الخسارة، أقوال باطلة والظنون الفاسدة، وشواذ، نعم نسأل الله العافية، فإذا ظن إيش؟.

(المتن)

   فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة، وأعانتها الأهواء الغالبة، فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك، والخروج عن جملة الشرائع بالكلية. انتهى.

(الشرح)

قول باطل، وظن فاسد وهوى نسأل الله العافية، نعم.

(المتن)

   وقال الذهبي رحمه الله تعالى، وقال الشيخ: إن الإمام لمن التزم بتقليده كالنبي ﷺ مع أمته لا تحل مخالفته، قلت قوله لا تحل مخالفته مجرد دعوى.

(الشرح)

   هذا أقوال المتعصبين، هذا قد يقوله بعض الأحناف يتعصبون، بعض الأحناف يتعصبون لمذهب أبي حنيفة؛ حتى إنهم يتعسفون في تأويل النصوص اللي توافق المذهب.

   حتى يؤثر عن بعضهم أنه قال، الكرخي: كل آيةٍ أو حديث خالف مذهبه فإنه متأول أو منسوخ نسأل الله العافية، هذا تعصب، هذا تعصب للرجال، وقد يوصل بعضهم إلى الكفر جعله رسول، نسأل الله العافية، إذا كان يتعصب ويرى أن الحق في قوله وأنه لا يمكن أن يخطئ، ولو خالف النصوص هذا قد يكون ردة على الإسلام أعوذ بالله.

(المتن)

   قلت: قوله: لا تحل مخالفته، مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، لا بل عليه إتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهبٍ كان، ومن يتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين، فقد رق دينه.

   كما قال الأوزاعي أو غيره: "من أخذ بقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر".

(الشرح)

   جمع الشر فهذا من تتبع الرخص تزندق، هذا من جمع أقوال المكيين في المتعة، نكاح المتعة وأنه يتمتع، معناها أباح لنفسه الزنا.

(المتن)

   والكوفيين في النبيذ.

(الشرح)

   النبيذ، والنبيذ هو شرب الخمر أباح لنفسه شرب الخمر.

(المتن)

   والمدنيين في الغناء.

(الشرح)

   في الغناء أباح لنفسه الغناء، وكذلكم أيضًا قول بعضهم في الربا فيجد من يبيح له الربا، ويتتبع الرخص والشواذ المخالفة للنصوص فينسلخ من دينه بالكلية، ولهذا قال العلماء من تتبع الرخص فقد تزندق، نسأل الله العافية.

(المتن)

   والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر.

(الشرح)

   كذلك في عصمة الخلفاء هذا قول الرافضة، يقول عن أنفسهم معصومين، ما في أحد معصوم إلا الرسول ﷺ فيما يبلغ عن الله، معصوم عن الشرك والكبائر، أما غيره فليس بمعصوم.

(المتن)

   وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه، وشبه ذلك.

(الشرح)

   وهكذا يتتبع الرخص حتى ينسلخ من الدين، يعمل بالهوى أصلًا ما يعمل بشرع الله.

(المتن)

   فقد تعرض للانحلال، فنسأل الله العافية والتوفيق.

ولكن: شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفًا في الفقه، فإذا حفظه، بحثه، وطالع الشروح، فإن كان ذكيًا فقيه النفس، ورأى حجج الأئمة، فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعصوم من عصمه الله.  انتهى.

(الشرح)

   انتهى كلام من؟

  الطالب: الذهبي.

  الشيخ: كل هذا كلام الذهبي أحسن الله إليه ورحمه الله.

(المتن)

   وقد كنت قبل إطلاعي على هذا الشأن أقوله وأرشد إليه، فكان هذا من ورود الخاطر على الخاطر فالحمد لله على توفيقه.

(الشرح)

   هذا كلام الذهبي يعني؟

  الطالب: نعم.

(المتن)

   فكان هذا من ورود الخاطر على الخاطر فالحمد لله على توفيقه، وقال رحمه اله تعالى في دخولات إسماعيل القاضي على المعتضد العباسي: ودخلت مرةً فدفع إلي كتابًا فنظرت فيه فإذا قد جمع له الرخص.

(الشرح)

   قال أي الذهبي.

(المتن)

   وقال رحمه الله تعالى أي الذهبي في السير: في دخولات إسماعيل القاضي على المعتضد العباسي: ودخلت مرةً فدفع إلي كتابًا فنظرت فيه فإذا هو قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: بلى ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالمٍ إلا وله زلة ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه فأمر بالكتاب فأحرق، انتهى.

(الشرح)

   الخليفة يعني أمر بالكتاب، شوف إرشاد العلماء العالم الآن نور، لما قال للخليفة أن من عمل بهذا تزندق أحرقه الخليفة، أحرق الكتاب اللي جُمع فيها الرخص.

(المتن)

   ولّما كان في الشذوذ والتّرخص منابذةُ للشرع صان السالفون دينهم وعلمهم عن ذلك، وقد يقع لدى الواحد منهم، أو في المذهب: المسألة، أو المسألتان عن عارض من الاستدلال، أنقدح بذهنه، لا للتشهي، لكن ما يلبث أن يؤوب، أو يقف القول عند قائله، فيهجر ذلكم الرأي ويسير أهل العلم على الجادة، ولله الحمد والمنّة ".

(الشرح)

   يعني يهجر القول الشاذ، وقد يكون هو يرجع نفسه، وقد يكون قدح له لا للهوى، لكن لأجل فهم فهمًا خالف به غيره.

   الطالب: (..........)؟

   الشيخ: المذهب الذي أباح هذا ما أباح هذا، كلها هذا تتبع من المذاهب، أخذ من العالم الفلاني زلة، وأخذ من العالم الفلاني زلة، تتبع زلل العلماء.

   فالعالم الذي أباح هذه الزلة ما أباح الزلة التي وقعت من العالم الآخر، وهكذا، وهذا جمعها حتى أنسلخ من دينه.

   الحاشية: تجد أمثلة ذلك في المطولات الفقهية، وفي كتب النقائض المذهبية، وفي كتب التقليد خاصةً كتب التعصب المذهبي، وفي كتاب الحور العين لنشوان بن سعيد الحمري أمثلةُ كثيرة، وفي كتاب أخبار مكة للفاكهي، وسير أعلام النبلاء، وكنوز الأجداد للأستاذ محمد كورد علي..

   وفي ترجمة الزمخشري، وسير أعلام النبلاء وغيرها.. على أن في هذه الشواذ ما لا تصح نسبتها، بل تكون موضوعةً على قائلها لعصبيةٍ ونحوها، مثل ما نسب إلى الإمام البخاري رحمه الله تعالى من القول في صبيين شربا من لبن شاةٍ أو بقرة فأفتى بانتشار المحرمية بينهما.

(الشرح)

   من أجل أنهم اشتركا في شرب لبن الشاة، الشاة يعني، نعم.

(المتن)

   وهي وإن نقضها اللكنوي رحمه الله تعالى في الفوائد البهية، لكن الظاهر أنها موضوعةُ من تحطط الحنفية على البخاري، وكم لعددٍ منهم ضده من مواقف آذوا أنفسهم بها؛ لأنه ليس حنفيا؛ ولأنه إذا قال في صحيحه قال بعض الناس: فيريد به النقض على الحنفية والله المستعان.

(الشرح)

البخاري رحمه الله مرّ بهذا مواضع كثيرة، فقال بعض الناس وبيّن أنه يريد الأحناف الحنفية؛ لأن الحنفية بضاعتهم من نصوص مزجاة.

   العيني في شرح الحافظ ابن حجر معتدل، لكن العيني يتحامل في شرح البخاري وهذا ليس بصحيح، هذا البخاري متحامل والحنفية لا يريدون هذا صراحةً، فالعيني يرد على البخاري، قال: هذا ليس بصحيح، وهذا تجني من البخاري وهكذا.

   تجد العيني حنفي، حنفي متعصب لمذهبه ويرد على البخاري وينتصر للأحناف مثل ما قال الشيخ رحمه الله.

(المتن)

   لكن من الندرة بمكانٍ أن ترى الجمع منها عند إمام، ومع جلالة القائلين بها فقد تنكبها العلماء وهجروها ونبذوا القول بها أشد منابذة؛ حتى أصبحت غير معتبرةٍ في دواوين الإسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد فقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد غفر الله لنا وله:

المتن:

   أما  في المعاصرة فترى فواقر الرخص.

(الشرح)

   فواقر جمع فاقرة.

(المتن) 

  وبواقر الشذوذ يجتمع منها الكثر في الشخص الواحد، وأجواء العصر المادي على أهبة الاستعداد باحتضان عالم الشقاق.

فتحمل له العلم الخفاق لنشر صيته في الآفاق، فيغتر بذلك أسير الحظ الزائل، وما زاد أن صار بوقًا ينفخ به العدو الصائل ومن شواهدها في المتعالم الواحد: الفتية بالتلقيح الصناعي من ذرة إلى رحم أخرى.

   وفي صورة أخرى اكتسبت إجماع أهل العصر على تحريمها حتى من بعض المؤتمرات الكافرة ، والقول بجواز إنشاء بنوك حليب الأمهات، استنادًا إلى قول شاذٍ عن أبي ثور، ولا يثبت، والقول بجواز التأمين بشتى صوره، والقول في عموم في سبيل الله في مصارف الزكاة.

(الشرح)

   هذا من الشواذ، القول بأن تلقح الشخص من ذرتها إذا كان الزوج واحد، تلقح هي من ماء زوجها، هذا معناه، هذا فيه اختلاط الأنساب الولد يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، وكون المرأة تلقح صناعي من ماء زوجها من ذرتها فهذا يجعل الرجل ليس لها، ذرتها وإن كان الزوج واحد، هذه من الشواذ يقول، في أحد يفتي بهذا؟ نسأل الله العافية. وكذلك أيضًا إيش؟.

(المتن)

   والقول بجواز إنشاء بنوك حليب الأمهات.

(الشرح)

   كذلك كيف إن شاء بنوك حليب الأمهات، إيش يعني البنوك؟  إذا أنشأت البنوك يعني يرتضع إيش؟ كيف يرتضع الطفل من حليب مجموعة من الأمهات؟ ها.

(المتن)

   والقول بجواز التأمين بشتى صوره.

(الشرح)

   كذلك كله واحد، كلها من الشواذ، نعم.

(المتن)

   والقول في عموم في سبيل الله في مصارف الزكاة لبناء المساجد والمهاجع والمستشفيات خرقًا للإجماع كما قرره المفسرون.

(الشرح)

   نعم، في سبيل الله الصدقة في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، نعم.

(المتن)

   والقول بنفي فضيلة لماء زمزم، والقول بإباحة الغناء، وهكذا في سلسلة أقوالٍ شاذة وآراءٍ فجة يمسك المتعالم لها روايةً ضعيفة، أو خلافًا شاذًا، أو فهمًا ممرضًا فيبني عليه فتوى مجللة بحلل البيان ونضد الكلام لكنها عريةٌ عن الدليل والبرهان فالله المستعان.

وإذ قد أتى البحث على ذلك فقد وقى الله مذهب أهل السُنة مما ابتليت به الفرق الضالة من كثرة الشذوذ والترخص والتدين بذلك في عمد مذاهبهم، لاسيما في بيت المكر والخديعة، وقد وقفت على مختصرات ومطولات لهذه الفرقة منها: الكافي للكليني وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري.

(الشرح)

   هذه الشيعة الرافضة.

(المتن)

   ولا سيما في بيت المكر والخديعة، وقد وقفت على مختصرات ومطولاتٍ لهذه الفرقة منها: الكافي للكليني وهو عندهم.

(الشرح)

   وضعها الرافضة، نعم.

(المتن)

   وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري، والغدير وهو من المطولات المعتمدة عندهم، ورأيت فيها من الفقاهةٍ ما تقشعر منه الجلود، وقد كانت النية تتبع تلك القبائح والتقاطها تلك الفضائح المنسوبة لدين الله وشرعه زعموا، وتدوينها بالنص موثقةً برقم الصحيفة والمجلد دون التعقب لها بشيء.

   لأن من له أدنى ذوقٍ ومسكةٍ في عقله في قلبه ينكرها بفطرته، ولن يجد لها في الشرع موئلًا ولا من أهله قائلًا فعسى الله أن يهيئ لهذا المشروع المختصر النافع الكاشف لحقيقة الرفض والتشيع من يقوم بتدوينه ونشره من أهل السُنة والجماعة.

   حاشية:

   قد دون ابن الجوزي رحمه الله تعالى في المنتظم جملة منها: وحاجي خليفة رحمه الله تعالى في كشف الظنون وفي منهاج السُنة النبوية ما يفتح للمسلم أفقًا عن هذه الطائفة وهو أعظم كتاب ألف في كشف أحوال ورد نقولاتهم ونقض مذاهبهم.

(الشرح)

   هذه أهل السُنة شيخ الإسلام، ومن أحسن كتب شيخ الإسلام أيضًا الترتيب، منهاج السُنة إبطال لمذهب الشيعة والقدرية، " منهاج السُنة النبوية في إبطال مذهب الشيعة والقدرية " كتاب شيخ الإسلام كتابٌ عظيم هذا، وهو مطبوع وفي أربع مجلدات، والآن حقق، حققته جامعة الإمام في كم؟ سبعة، أو ثمانية، أو إحدى عشر هو كتابُ عظيم اختصرها الذهبي رحمه الله في مجلد.

   الطالب: طبع هذا المجلد؟.

   الشيخ: نعم، طبع مطبوع عندنا في المكتبة نسخة منه.

(المتن)

   ولهذا لا يعلم من رد عليه حتى الآن ولو نظر الطالب مختصر المنتقى للحافظ الذهبي لكفى.

(الشرح)

   هو هذا المنتقى  إيش، ولم يعلم إيش؟

(المتن)

   ولهذا لا يعلم من رد عليه حتى الآن.

(الشرح)

   الرد على من؟.

   الطالب: على ابن تيمية على منهاج السُنة، ما أحد من الرافضة رد عليه يعني.

   الشيخ: لا فيه، فيه أشياء يتعقبونها الأشياء يقول يزيدون على ما قال شيخ الإسلام، أكثر مما قال يعني يوافقونه ويزيدون على ما قال.

(المتن)

   ولو نظر الطالب مختصر المنتقى للحافظ الذهبي لكفى، لكن ستفوته علوم وتحقيقات أودعها ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه هذا لما وسعه من بصيرةٍ وجامعيةٍ متعددة المعارف.

(الشرح)

   صحيح، الأصل أفضل، الشيخ عبد الرحمن اختصرها أيضًا في جزأين: اختصر ما يتعلق بالشيعة والرافضة فقط، وحذف الباقي في جزأين موجودين هذا مطبوع.

   اختصر، غير اختصار الذهبي، الذهبي اختصر عام يتعلق بالشيغة وغيرهم، الشيخ  عبد الرحمن اختصر ما يتعلق بالشيعة فقط، ذكر في هذا الكتاب ما يتعلق بالشيعة والرافضة وحذف البحوث الأخرى الاستطرادية.

(المتن)

   ومن أخبث عقائدهم التدين بسب الصحابة سوى من يعينونه من آل البيت .

(الشرح)

   أعوذ بالله يعني يجعلون دين، سب الصحابة يجعلونه دين، يتدينون به، يتقربون به إلى الله، نعوذ بالله من زيغ القلوب.

(المتن)

   ولهذا يمنعون الصلاة على الصحابة تبعا في قول المسلم: اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه انظر نقضها في كتاب السلسلة الضعيفة، وذكروا الجزء.

(الشرح)

   يقولون: اللهم صل على محمد وآله، بس "وآله" يقصدون آل البيت، ولا يقولون صحبه في الشهادة يقولون اللهم صل على محمد وآله بس.

(المتن)

   ومن أخبث عقائدهم التدين بسب الصحابة سوى من يعينونه من آل البيت ؛ ولهذا يمنعون الصلاة على الصحابة تبعًا في قول المسلم: اللهم صلي على نبينا محمدٍ وآله وصحبه انظر نقضها في كتاب السلسلة الضعيفة، وإذا ترضوا عن الصحابة قيدوها فقالوا ورضي الله عن الصحابة المنتجبين: أي من يعتقدونهم كالإمام علي ، وهكذا.

(الشرح)

   نقضها في السلسلة الصحيحة للألباني، للشيخ الألباني، نقضها.

 الطالب: ضعف يعني هذا الكلام، انظر نقضها في كتاب السلسلة الضعيفة.

الشيخ: للشيخ الألباني؟

الطالب: نعم.

الشيخ: نقضاه في ضمن الأحاديث الضعيفة، هل خصهم بشيء يعني، أو في ضمن الأحاديث؟ يمكن في ضمن الأحاديث نعم.

(المتن)

   فاحذرهم أن يفتنوك بمتابعتهم في ألفاظهم فتقع في مقاصدهم، وأعلم أن كل الفرق تنكر مناظرتهم إلا الرافضة؛ لأنه لابد للمتناظرين من أصلٍ يرجعان إليه الكتاب والسُنة، وهم لا يؤمنون بالسُنة إلا ما كان من طريق آل البيت.

(الشرح)

   ولذلك ما يمكن مناظرتهم، يقال جاء بعض من الرافضة جاءوا إلى الشيخ محمد إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقًا، وقالوا: نريد أن نناظرك في مذهبنا، فقال: لابد أن نعين مرجع، يكون لنا مرجع هو مرجعنا، قالوا طيب، قال المرجع الكتاب والسُنة، قالوا: لا، ما نطيق الكتاب والسُنة قال إذن ما في مناظرة.

(المتن)

   قال: وهم لا يؤمنون بالسُنة إلا ما كان من طريق آل البيت وأن القرآن فيه تحريفُ ونقص، ولهذا لا تباحثهم في الأصول أو الفروع ما لم تقررهم على المرجع في المناظرة.

(الشرح)

   قول: (وأن القرآن فيه تحريفُ ونقص)؛ هذا ردة على الإسلام؛ لأنه تكذيبٌ لله، قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحِجر:9]؛ فمن قال إن القرآن فيه نقص أو تحريف فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر بنص القرآن، الله تكفل بحفظه، نسأل الله العافية.

   كما أن القول بتكفير الصحابة وأنهم ارتدوا هذا ردة على الإسلام بينما تكذيب لله؛ لأن الله ذكى الصحابة وعدلهم وعدهم الجنة، فمن قال إنهم كفروا وارتدوا فقد كذب الله في تذكيتهم وتعديلهم والشهادة لهم بالجنة؛ ولأنه يلزم عليه أن يكون نقلة القرآن كفار والسُنة.

   من الذي نقل القرآن والسُنة؟ الصحابة، إذا كانوا كفار، كيف يوثق بدين ينقله الكفار نسأل الله السلامة والعافية، نعم.

   الطالب: من باب التنزه مع أن يوافق أن يكون القرآن، نرجع إلى القرآن فقط.

   الشيخ: القرآن قال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [التغابن:12]   وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7] من أخذ بالقرآن لابد أن يأخذ بالسُنة؛ لأن القرآن أمر بذلك.

   ولهذا لما ثبت في الصحيح أن عبد الله بن مسعود: «لعن النامصة والمتنمصة»، فقال: وما لي لا ألعن من لعنه الله وهو في كتاب الله، فجاءت امرأةٌ قالت: إنك تقول كذا وكذا، وإني قرأت ما بين اللوحين تقول في كتاب الله، ولم أجد فيه أن الله لعن النامصة والمتنمصة في القرآن، فقال: إن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما تقرئين قول الله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] قالت: بلى، قال: هو هذا وهو في البخاري وفي الصحيح.

   الطالب: هل يؤخذ منه تكفير الرافضة ؟.

   الشيخ: لا شك، ثلاثة أنواع من الكفر:

   الكفر الأول: أنهم يعبدون آل البيت، ويتوسلون بهم من دون الله، شرك يتوسلون بعلي ومن بعده.  

   الثاني: تكذيب الله في أن القرآن محفوظ.

   الثالث: تكذيب الله في تذكية الصحابة وتعديلهم.

   ثلاثة أنواع من الكفر، هم زنادقة كما قال شيخ الإسلام: منافقين وزنادقة.

(المتن)

   ولهذا لا تباحثهم في الأصول أو الفروع ما لم تقررهم على المرجع في المناظرة، ولن يقروك فتنقطع المناظرة من أصلها فاحتفظ بهذه الفائدة واحذر منهم التقية، الله أعلم.

هذا استطراد انجر إليه لفظ الشذوذ والترخص للتنبيه والإرشاد، وما ذكرته في هذا المبحث من التحذير من الشذوذ والترخص هو قلةٌ منكسرة وتجد أقوالهم مجموعةً بأبسط منه في الرسالة النافعة الجامعة زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء.

حاشية: لمؤلفها الشيخ جاسم الدوسري.

 المتن:

وفي كتاب السعادة العظمى.

(الشرح)

   قف على (هذا استطراد).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

فقال الشيخ بكر بن عبد الله غفر الله لنا وله:

(المتن)

   وما ذكرته في هذا المبحث من التحذير من الشذوذ والترخص هو قلةٌ منكسرة وتجد أقوالهم مجموعةً بأبسط منه في الرسالة النافعة الجامعة زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء، وفي كتاب السعادة العظمى مبحثٌ مهمٌ، والله الموفق والمعين.

   زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء، هذا الكتاب مؤلفه جاسم الدوسري، وكتاب السعادة العظمى مؤلفه العلامة الشيخ محمد الخرفي الحسين رحمه الله تعالى.

   قال: فالحذر يا عبد الله أنت تبني مجدك وحياتك على العز الكاذب؛ بنشر الشذوذ والترخص الفاسد؛ مبررًا للواقع الآثم سعيًا وراء الحظ الزائل.

   فقد نزل أناسٌ عن كراسي العزة وزالوا، وكأنهم ما كانوا، وبقيت واقعاتهم على اختلاف طبقاتهم قصصًا تتلى للاعتبار. فاحذر أن تطوى في صحائفهم للمعتبرين، فهذا المعتمد ابن عباد ملك الأندلس هو وأبوه وجده والمتوفى سجينًا مقيدًا سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة للهجرة، ترجمه ابن خلكان ترجمةً حافلة.

   وفيما ساقه من زوال الملك عنه وما ناله من سجنٍ وقيدٍ وتعذيب عظةً وعبرةٌ فلا يجردها القارئ إلا ويأخذه البكاء والاعتبار.

   وقد قال ابن خلكان معتذرًا عن الإطالة، إن قضيته غريبةُ لم يعهد مثلها، ومما ذكره ودخل عليه يومًا بناته السجن وكان يوم عيد، وكن يغزلن للناس بالأجرة في أغمات اسم مدينةٍ.

(الشرح)

   أغمات، بعد العز بعد الملك بناته يغزلن، كان ملك مفتون، وهن يغزلن الغزل عشان يحصلن على لقمة العيش، يغزلن للناس الصوف.

(المتن) 

  حتى إن إحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، فرآهنّ في أطمار رثة وحالةٍ سيئة، فصدعن قلبه وأنشد:

فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسْرُورا فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسُورا
تَرى بَناتِكَ في الأَطمارِ جائِعَةً يَغزِلنَ لِلناسِ لا يَملِكنَ قِطميرا
مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسرُّ بِهِ فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورا

   وهذا محمد بن عبد القادر الجيني.

(الشرح)

   الدنيا تقلبات، تقلبات الأحوال.

(المتن)  

وهذا محمد بن عبد القادر الجيني المتوفى سنة ستمائة للهجرة وقال عنه ابن النجار: كان من ذوي النعمة والترفه وتهيأت له أسباب الرزق، فقابل النعمة بالاعتراض على القدر فافتقر، ولم تكن طريقته مرضية وكان خاليًا من العلم، انتهى.

   وهذا السلطان برقوق المتوفى سنة أربعةٍ وعشرين وثمانمائة للهجرة، يذكر المؤرخون ما له وما عليه، ويذكرون ما أتفق في أمر جنازته فقال المقريزي: واتفق في أمره موعظةٌ فيها أعظم عبرة، وهو أنه لما غسل لم يوجد له منشفةٌ ينشف بها، فنشف بمنديل بعض من حضر غسله. ولا وجد له مئزرٌ تستر به عورته، حتى آخذ له مئزر صوفٌ صعيدي من فوق رأس بعض جواريه فستر به، ولا وجد له طاسة يصب عليه الماء بها حين غسله مع كثرة ما خلفه من المال، انتهى.

   وكان للبرامكة شأن جلل التاريخ ذكره؛ حتى قال يحيي بن خالد البرمكي سنة تسعين ومائةٍ للهجرة وهو في سجن الرقة، قال الأصمعي: سمعت يحيى يقول : "الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة. انتهى.

   وفيه قيل: إن أولاد يحيى قالوا له وهم في القيود مسجونين: يا أبانا! صرنا بعد العز إلى هذا! قال: يا بني دعوة مظلومٍ غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها. انتهى.

(الشرح)

   معروف ومشهور نكبة البرامكة، لما تولوا البرامكة يحيى البرمكي بأمر الخليفة هارون الرشيد، صار التدبير لهم والسيط لهم؛ حتى نُسي الخليفة وصار من أراد شيئًا، ومن أراد حاجة يأتي إلى يحيي البرمكي والبرامكة.

   من أراد عطاءً أو أراد شفاعةً أو مال يأتيه ونسي خلفه، ثم نكبهم الخليفة هذه النكبة، وصارت مشهورة عند المؤرخين بنكبة البرامكة، نعم.

(المتن) 

  وكان ابن لجية زين الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم الجنبلي المتوفى سنة تسعةٍ وتسعين وخمسمائة للهجرة رحمه الله تعالى من العلماء الموسرين. ثم أفتقر، قال أبو شامة في هذين الروضتين: ومع هذا مات فقيرًا كفنه بعض أصحابه وتمزقت الأموال وحالت الأحوال، وكانت وفاته بمصر ودفن بالقرافة. انتهى.

   ومنهم عدو الله الخاسر بن العلقمي الرافضي، مبعوث هولاكو التتري على المسلمين.

(الشرح)

   قبحه الله، ابن العلقمي هو الذي جر التتار إلى بلاد المسلمين، ابن العلقمي الرافضي، الرافضة أعداء هم اللي جلبوا التتار إلى بلاد المسلمين، فقتلوا في يوم واحد ما يقارب مليونين، ألفي ألف نسأل الله العافية، وأحرقوا، صاروا يتتبعون الديار يقتلون ويحرقون، نسأل الله العافية.

(المتن)

   ومنهم عدو الله الخاسر بن العلقمي الرافضي، مبعوث هولاكو التتري على المسلمين.

(الشرح)

   كان وزير، وزير المستعصم بالله آخر الخلفاء بني العباس، استوزر هذا الرافضي فقاد إلى الهلاك؛ لأنهم أعداء ما يُؤمَنون كيف يجعل الوزير رافضي؟!.

(المتن)

   فقد حفر للأمة قليبًا، فأوقع فيه قريبًا، وذاق الهوان فمات غبنًا وغمًا، لا رحم الله فيه مغرز إبرة.

   وإذا كانت هذه أحوال تكون على اختلاف الطبقات، فكيف بحال من بني مجده الموهوم على غير هدى مع توالي النذر، ممتطيًا الفقاهة الآثمة من الترخص والشذوذ والتزيد والافتعال، وطلب المحمدة بما لم يعلم، إلى غير ذلك من وجود الصد عن الشرع المطهر، والذود عن ورود الحوض المورود خشية الإعفاء من ولايةٍ إن لم يلاين، مصورًا له قرناؤه من الإنس والجن أن العزل حيض الرجال، كما يقوله بعض الحكماء.

   فهذا النوع إن لم تدركه رحمة الباري بتوبةٍ نصوحٍ فيخشى عليه أن يقيد في قائمة العبر، نعوذ بالله من الخذلان.

عجبت لمبتاع الضلالة بالــهدى وللمشتري دنياه بالدين أعجب، وأعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهـو من ذين أخيب.

(الشرح)

   من باع آخرته بدنيا غيره هذا أخسر من خسر نسأل الله العافية، الذي باع آخرته بدنياه أسهل، لكن هذا باغ آخرته بدنيا غيره، ما نال شيء من الدنيا ولا الآخرة.

(المتن)

   اللهم سلم سلم.

وأختم هذا المبحث بما ختم به الذهبي رحمه الله تعالى ترجمة ابن المعتمد الإسفراييني المتوفى سنة ثمانيةٍ وثلاثين وخمسمائةٍ للهجرة من السير، إذ قال: قلت: لما سمع ابن عساكر بوفاة الإسفراييني أملى مجلسًا في المعنى، سمعناه بالاتصال ، فينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشغل بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تُحصل خيرًا، بل تثير شرًا وعداوةً ومقتًا للصلحاء والعُباد من الفريقين، فتمسك بالسُنة، وألزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فرده إلى الله ورسوله، وقف، وقل: الله ورسوله أعلم، انتهى. والله ورسوله أعلم.

(الشرح)

   (انتهى والله ورسوله أعلم)! هل يقال: (والله ورسوله أعلم) بعد وفاة النبي ﷺ أو لا يقال؟.

   هل يقال: (والله ورسوله أعلم) في حياة النبي ﷺ لا إشكال في هذا، لما سُئِل الصحابة، قالوا: «اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» في حديث معاذ: أَتَدرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قال: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، لكن بعد مماته يقال: الله أعلم.       

   قال بعضهم يجوز إذا كانت المسألة شرعية، (والله ورسوله أعلم) إذا كانت مسألة شرعية، لكن إذا كانت مسألة كونية، فلا، فالرسول ﷺ لا يعلم الغيب، نعم.

الطالب: المبحث الرابع.

الشيخ: شو عنوانه؟

الطالب: عنوانه: في التوقي من الغلط على الأئمة في أقوالهم ومذاهبهم.

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ؛ أما بعد ، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

قال الشيخ بكر بن عبد الله رحمنا الله تعالى وإياه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   المبحث الرابع: (في التوقِّي من الغلط على الأئمة في أقوالهم ومذاهبهم).

   كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ والترخص، فكذلك عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل، أو انقلاب الفهم، إذ عند التحقيق يتلقح القول بغلط العزو.

   فعلى أهل العلم التوقي في حكاية الأقوال والتحري عن صحة نسبتها وسلامة لفظها من التصحيف والتحريف، وقد حصل لي تتبع أشياءٍ في ذلك قد جمعتها في رسالةٍ باسم: " كشف الجلة عن الغلط علي الأئمة " هذا في الفقهيات وغيرها.

   وأما في السُنن فقد بينته ولله الحمد في الأصول العامة من: التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل ومن أمثلة هذه الأغاليط: شهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالي من القول: بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود، وهذا غلطٌ عليه في مذهبه، وصحة قوله: أن الإمام إذا ولي المرأة القضاء، أثم، ونفذ قضاؤها إلا في الحدود. فأصل التولية عنده على المنع.

شهرة النسبة إلى مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى من القول بالإرسال في الصلاة وهذا غلط عليه في فهم عبارة المدونة وخلاف منصوصه المصرح به في الموطأ: القبض. وقد كشف عن هذا جمعٌ من المالكيةِ، وغيرهم في مؤلفاتٍ مفردةٍ، تقارب ثلاثين كتابًا.

 (الشرح)

   وهذا مشهورٌ هكذا.

(المتن)

   وهذا غلط عليه في فهم عبارة المدونة وخلاف منصوصه المصرح به في الموطأ: القبض. وقد كشف عن هذا جمعٌ من المالكيةِ، وغيرهم في مؤلفاتٍ مفردةٍ، تقارب ثلاثين كتابًا، سوي الأبحاث التابعة للشروح والمطولات.

   واشتهر في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالي: القول بالتلفظ بالنية للصلوات. وهذا غلطٌ عليه في فهم قوله: الصلاة ليست كغيرها من العبادات فلا تدخل إلا بذكر ففهم منه أتباع مذهبه التلفظ بالنية والمراد بالذكر في قوله هو تكبيرة الإحرام.

   ونسب إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح رحمه الله تعالى قوله: لفظي بالقرآن مخلوق، فحقق الأئمة الغلط في نسبة ذلك إليه.

   ونسب إلى المؤرخ الاجتماعي ابن خلدون رحمه الله تعالى أنه قال في الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قُتل بسيف جده، وتقدم التدليل على عدم صحته عنه، كما تقدم أيضًا كشف الغلط عليه في حزب العرب.

   وألصق الناس بأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى أقوالًا لم تسمع منه ولا توجد له في كتاب، وقد حرر نفيها عنه ركن الدين الجويني والقاضي عياض في المدارك وغيرهما.

   ومن الغلط الذي تتابع عليه الأكابر: نسبة القول بفناء النار إلي الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالي وقد صرح في بعض المواضع بدوامها، وفي بعضها حكى وأحال الترجيح إلي من كان السمع أي الدليل بجانبه، وهو القول بدوامها.

   ومن غلط الحُفاظ على الحُفاظ أن الحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى غلط على الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى بجواز المتعة متعة النساء، وتابعة المزي في مواضعٍ من الكواكب السائرة، وابن القيم رحمه الله تعالى لم يقل بالجواز قط، وإنما سرى الوهم إلى ابن حجرٍ وغيره وقلده غيره فيه، من واقع تصحيح ابن القيم لمذهب ابن عباس رضي الله عنهما ومن أبصر علم.

   ومنه الغلط على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من أن الجهاد إنما شُرع للدفاع لا للقتال على كلمة الإسلام، وفي لفظ هذا الغلط على هذا الإمام ألفت رسائل وكبتت أبحاث، ومن أجلها رسالة للشيخ: سيلمان بن عبد الرحمن بن حمدان رحمه الله تعالى.

   ومن أشنع الأغاليط في أعقاب الأكاذيب أن خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

(الشرح)

   رفع الغلط عن الشيخ؛ لأنه قال: الجهاد شُرع للدفاع فقط، يعني ألفت رسائل في الدفاع عن شيخ الإسلام، شيخ الإسلام يرى الجهاد دفاعًا وهجومًا ابتداءً، هو الذي حرض المسلمين على حروب الصليبين وعلى قتالهم.

(المتن)

   ومن أشنع الأغاليط في أعقاب الأكاذيب: أن خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قالوا عليه ما لم يقله من منع زيارة قبر النبي ﷺ، لاستجاشة عواطف المسلمين ضد دعوته السلفية، فجر ذلك أقوامًا إلى الغلط به على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

   وكان من آخر من رأيناه غلط في تقرير ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي في ترجمته لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والذي أنكره رحمه الله تعالى وأقام الأدلة على منعه هو شد الرحال إلى القبور.

وأما الزيارة لقبر النبي ﷺ ولسائر قبور المسمين بلا شد رحل فهي من سُنن الشرع، وكلامه رحمه الله تعالى واضح في هذا.

   ومن الأراجيف الموصولة بحبل المبتدعة في القديم والحديث: الكذب الصُّراح على الشيخ المُجدِّد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وعلى دعوته، بأنها مؤسَّسةٌ على بغض النبي ﷺ، والمنع من الصلاة والسلام عليه ﷺ

   وهي دعوى سياسيةُ، حزبيةُ، قبوريةُ؛ لاستجلاب وتحريك عواطف المسلمين بمحبتهم للنبي ﷺ ضد انتشار السلفية وقيام دولتها؛ ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فتقوم دولة التوحيد على أرض جزيرة العرب، وتنتشر الدعوة في الأقطار الإسلامية كافة، ففي كل قُطر ولله الحمد داعية، وتذهب تلك الدعوى الكاذبة في روايات فاختة.

   ثم تشار تلك الدعوة الآثمة باسم أن السلفيين لا يحبون النبي ﷺ لاسيما عند بحث بدعية الموالد، والسيادة في الآذان، ونحوها من نِحل سدنة الأعاجم.

   وإذا كانت مسائل العلم والدين يحتم فيها الدليل فلن يخفى الحق على طُلابه وناشديه، والعجيب هنا: أن يجر هذا التقول أقوامًا إلى الغلط والمغالطة والله المستعان.

(الشرح)

الطالب: مؤلفات الشيخ سليمان بن حمدان منها: دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفرِ والدفاع، مطبوعة في مطابع دار الطباعة والنشر عمان في مائة وخمسة عشر صفحة، مخطوط في جامعة الإمام.

الشيخ: جمعت مؤلفاته (...........).

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين أما بعد :

فيقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله وإياه: في التوقي من الغلط على الأئمة في أقوالهم ومذاهبهم، المبحث الرابع من التعالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن أقبحه الغلط على السلف في باب توحيد الأسماء والصفات، فقالوا: مذهب السلف التفويض وقد نقل أهل السُنة على الغالطين غلطهم منه ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة، وأبان أن هذا القول كذبٌ على السلف وجهل لمذهبهم، وتجهيل لهم، وأن السلف في هذا الباب الشريف على حد قول إمام دار الهجرة وغيرهم من أئمة السلف: الاستواء معلوم والكيف مجهول والله اعلم.

(الشرح)

   هذا غلط على السلف، السلف لا يقولون بالتفويض، السلف يفسرون المعاني والنصوص، وإنمايفوضون الكيفية.

(المتن)

   وأما غلط العالم نفسه ووهمه ابتداءً فهذا أكثر من سابقيه وهما: الغلط على الإمام في قوله، والغلط في نسبة قولٍ إليه أصلًا، وقد ألفت في هذا مؤلفات وأخذت فيه مصنفات في التفسير والسُنة وعلومها والفقه وأصوله.

   ومن أمثلة أغلاط العلماء المشتهرة، والتي قَلَّ التنبّه لها: أولًا: الخطأ المشهور: من أن أكثر علماء الحديث من غير العرب، وهو قول أُلقِيَ بلا استقراء، وقُرِّرَ بلا إحاطة، ولعل قائله أرادَ عُجْمَة الدار، أما عُجمة النَّسَب فلا.

   وقد رد هذه المقولة من أهل العلم حاجي خليفة في كشف الظنون، محمد رشيد رضا في الفتاوى، وفي كتاب عروبة العلماء، وهو الذي كشف النقاب وأزال الحجاب.

(الشرح)

   يعني أكثر علماء الحديث من الأعاجم هذا لا يضر، ما يضر لكن (.......) المسألة سهلة سواء أكثر أهل العلماء من الأعاجم وغيره، المهم البخاري إمام أمير المؤمنين في الحديث، هذه المسألة سهلة.

   لكن يقول: ليس بصحيح، القول بأن أكثر علماء الحديث من الأعاجم، بل أكثرهم من العرب،هذا عصبية، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات/13]؛ من برز في علم الحديث الحمد لله.

(المتن)

   ولئن كانت هذه الدعوة الشعوبية جورًا عن طريق القصد والصواب، فإن أشد منها في البعد عن الصواب دعوى الأشاعرة أن الأكثرية من المسلمين (أشاعرة) وهي دعوى يكذبها الواقع لأمور:

   أولها: أن أهل القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة فمن بعدهم.

(الشرح)

   ما فيهم أشاعرة.

(المتن)

   كان اعتقادهم يمثل أنوار الكتاب والسُنة بما عرف بعد باسم "عقيدة السلف" سوى ما ذر قرنه من أفراد المبتدعة الذين كاسرهم السلف، وهزموهم "فهذه ثلاثة قرون" .

(الشرح)

   يعني القول بأن أكثر علماء المسلمون أشاعرة خطأ، كمن يرى القول بأن أكثر علماء الحديث من الأعاجم كذلك خطأ.

(المتن)  

ثانيها: أن عامة المسلمين يمثلون الأكثر في كل قرنٍ بعد، والمسلمون على دين الفطرة، فكل مولودٍ من المسلمين هو على "عقيدة السلف" وما يكون أشعريًا منهم إلا من اجتالته مدرستهم".

   حاشية: في رسالة منهج الأشاعرة بالعقيدة للشيخ سفر الحوالي مبحثٌ نفيثُ في هذا فانظره.

   ثالثًا: وكنت مرةً مع شيخٍ جرنا الحديث معه إلى البحث في الأنساب، وأن الموالي اتسعت دعواهم النسب في العرب كادعاء العجم الفرس النسب إلى أهل بيت النبي ﷺ

   فقال الشيخ: الناس مؤتمنون على أنسابهم كما قال مالك رحمه الله تعالى، فأبنتُ له أن المراد فيه: اللقيط، فالمسلم مؤتمن عليه بحكم الشرع يرعى أموره ولا يتبناه، ولا يراد به ما هو شائع من تصديق مدعي النسب من غير بينة؛ كاستفاضةٍ وشهرةٍ ونحوهما؛

   لأنه بهذا المعنى يناهض قاعدة الشرع من أن الْبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وقوله ﷺ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ الحديثَ. فشكر ذلك وقد بينته في كتاب «فقه النوازل» المواضعة في الاصطلاح، والله أعلم.

   الرابع عشر: ومنه من وجهٍ آخر أن النحاة أوردوا قولهم:  لا تأكل السمك، وتشرب اللبن  لبيان حكم إعرابي، فانتقلت هذه الجملة إلى حقيقة معناها، كأنه حديثٌ صحيح، أو رسم طبيب، فكم تحامى الجمع بينهما من أجيال، وقد رأيناهما يقدمان على موائد المترفين، والمهتمين في هذه الحياة برعاية أبدانهم، ومن الأطباء من ينصح بالجمع بينهما، والله أعلم.

(الشرح)

   يقول هذا مثل يعني مثل عربي، لكن بعضهم عَمل به كأنه حديث، نعم.

(المتن)

   الخامس عشر: ومن موجبات الغلط علي الأئمة رحمهم الله تعالي؛ أن نري العالم يقرر المسألة، وينظر لها بعددٍ في مسائل يذكرها للتعضيد فهذه الفروع المذكورة استطرادًا لا يمثل التعضيد بها، الرأي البات له فيها، ولهذا قالوا: سياق العالم للشيء في غير مساقه، لا يعتبر رأيًا له.

   مثال: أن من شروط إرث الأم الثلث عدم الجمع من الإخوة والجمع اثنان فصاعدًا، فتجد من يذهب إلى ذلك ينظر له بعدة مسائل:

   منها أنه قد قيل في تفسير قوله تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور/2] الطائفة اثنان فصاعدًا، بينما إذا أتى إلى لبيان في محله رفض ذلك؛ لأنه لا يحصل به حكمة الشرع من الزجر والردع وهكذا.

(الشرح)

   لا يعتبر في السياق، لا يعتبر دليل.

(المتن)

   الثالث عشر: ومن موجبات الغط على الأئمة ما تغافل عنه كثيرٌ من الخلق لشدة ضراوتهم على السلف في الاعتقاد، ذلك أن الاستقراء دلّ على أن التقييد لتقرير الاعتقاد ليس كالتقييد للنقض على أهل الفرق، كالأشاعرة وذوي الاعتزال.

   وبيان هذا: أن السلف إذا كتبوا الاعتقاد على سبيل التقرير والبيان، قصروا ذلك على موارد النصوص الثابتة، ومنها: عقيدة الطحاوي، وأبي الخطاب الكلوذاني، وابن تيمية فـي: العقيدة الواسطية، وغيرها.

   وأما إذا كتبوا للرد والنقض مثل كتاب: نقض الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، فإن مقام النقض يفرض الإبطال لكلام الخلفي.

   ولهذا فلا يهولنك ما يهرج به الخلف على السلف من أنهم أطلقوا على الله كذا وكذا، كما هوش بذلك الكوثري فـي مقالاته على أهل السُنة بعباراتٍ نقلها عن الدارمي فـي نقضه.

   وقد قف شعري وحصل فـي نفسي حسيكةٌ على الإمام الدارمي من خلال نقول الكوثري عنه نص العبارة وبرقم الصفحة، فلما رجعت إلى مقولات المريسي وصاحبه ابن الثلجي وجدت أن الدارمي رحمه الله تعالى أمام عباراتٍ فجة، وإطلاقاتٍ خلفيةٍ لا تصدر من متماسك فـي دينه وعقله.

   فالدارمي لم يبتدأ بتلك العبارات، وإنما هو فـي مجال النقض، لا فـي مجال التقرير، والله أعلم . انتهى.

(الشرح)

الشيخ: إيش معنا؟

الطالب:   المبحث الخامس: (في فصل الخصام بين داعي الدليل وداعي التقليد):

يحتاج أن يعالج هذا الباب من السادس عشر إلى الاخير إن شاء الله، وفق الله الجميع لطاعته سبحانك اللهم وبحمدك.

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين أما بعد: فيقول الشيخ بكر بن عبد الله رحمنا الله تعالى وإياه : 

ومن موجبات الغط على الأئمة ما تغافل عنه كثيرٌ من الخلق لشدة ضراوتهم على السلف في الاعتقاد، ذلك أن الاستقراء دلّ على أن التقييد لتقرير الاعتقاد ليس كالتقييد للنقض على أهل الفرق، كالأشاعرة وذوي الاعتزال.

   وبيان هذا: أن السلف إذا كتبوا الاعتقاد على سبيل التقرير والبيان، قصروا ذلك على موارد النصوص الثابتة، ومنها: عقيدة الطحاوي، وأبي الخطاب الكلوذاني، وابن تيمية فـي: العقيدة الواسطية، وغيرها

   وأما إذا كتبوا للرد والنقض مثل كتاب: نقض الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، فإن مقام النقض يفرض الإبطال لكلام خلفي.

   ولهذا فلا يهولنك ما يهرج به الخلف على السلف من أنهم أطلقوا على الله كذا وكذا، كما هوش بذلك الكوثري فـي مقالاته على أهل السُنة بعباراتٍ نقلها عن الدارمي فـي نقضه.

   وقد قف شعري وحصل فـي نفسي حسيكةٌ على الإمام الدارمي من خلال نقول الكوثري عنه نص العبارة وبرقم الصفحة، فلما رجعت إلى مقولات المريسي وصاحبه ابن الثلجي وجدت أن الدارمي رحمه الله تعالى أمام عباراتٍ فجة، وإطلاقاتٍ خلفيةٍ لا تصدر من متماسك فـي دينه وعقله.

   فالدارمي لم يبتدأ بتلك العبارات، وإنما هو فـي مجال النقض، لا فـي مجال التقرير، والله أعلم . انتهى.

الشرح:

على كل حال النقول، وكم من شخص ينقل ويتسرع، نعم

   المبحث الخامس: (في فصل الخصام بين داعي الدليل وداعي التقليد):

   كم وقعت المماظة، والمخاصمة بين هذين الداعيين؟ فليعلم أن التجريح بغير حقٍ لا يجوز، ورفض الدليل محرمُ لا يسوغ، والوسط الحق: الأخذ بالدليل مع وافر الحرمة والتقدير لأئمة العلم والدين في القديم والحديث.

   فقول داعي التقليد: (إن الإمام مع مقلده كالنبي مع أمته) هذا عين التعصب والهوي.

   وقول داعي الدليل: (إن الدليل للمسلم المسلم هدي النبي ﷺ لأمته) هذا عين الحق والهدي.

   فيرفض من الأول غض النظر عن الدليل، ولا يرد في الثاني مسلك الوقيعة في أئمة العلم والدين.

   فيتخرج المذهب الحق، والقول الصدق، والطريق السوي، والمشرع الروي: الأخذ بالدليل مع إجلال أئمة العلم والدين، ولا لومة في الانتساب المجرد من العصبية إتباعٍ للسُنن وقفوًا للأثر.

   ولا عصمة لإمامٍ سوي سيد البشر ﷺ، وحيث يوجد الدليل، يكون هو مذهب ذلكم الإمام كما صرح به كل واحد من الأربعة المشهورين؛ فيكون ما نزع غليه الدليل هو التقليد في صورة ترك التقليد، ومن كان كذلك فهو بحقٍ من أتباع ذلك الإمام.

   وبهذا يظهر فساد قول أبي الحسن الكرخي من الحنفية: كل آيةٍ تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولةٍ أو منسوخة، وكل حديثٍ كذلك فهو مؤول أو منسوخ.

(الشرح)

   أعوذ بالله من تعصب نسأل الله العافية، إذًا المذهب هو الأصل تأول الآيات والأحاديث لتوافق المذهب، هذا أمر خطير.

(المتن)

   وبطلان قول من أبصر أنوار الدليل فلم تنفتح لها بصيرته لتعصبه المذهبي فقال: لم أخالفه حيًا فلا أخالفه ميتًا.

(الشرح)

   يعني يقلده.

(المتن)

   وقول بعضهم:

فَلَعْنَةُ رَبِّنَا أَعْدَادَ رَمْلٍ عَلَى مَنْ رَدَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَهْ

(الشرح)

   لا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله العافية، أبو حنيفة يقول: إذا قلت قولًا يخالف الدليل فاضربوا به عرض الأرض ردوه، وهذا والعياذ بالله يلعن من رد قوله نسأل الله العافية.

(المتن)

   وقول القاضي عياض رحمه الله تعالى مع جلالتهِ: ومالكُ المرتضى لا شك أفضلهم.

(الشرح)

   يعني مالك أفضل الأربعة؛ لأنه مالكي هو.

(المتن)

إمام دار الهدى والوحي والسُنن.

(الشرح)

   ينكر عليه قول أفضلهم، الجزم بأنه أفضلهم من هذا، ولا شك أنه مرتضى إمام.

(المتن)

   وقول محمد بن إبراهيم البوشنجي رحمه الله تعالى:

وإنِّي حياتِي شَـافِعِيٌّ فـإنْ أَمُـتْ فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُوا

(الشرح)

   يوصي الناس أن يكونوا شافعية مثله، الواجب على المسلم تقوى الله والعمل بكتاب الله وسُنة رسوله ﷺ.

(المتن)

   وقول أبي إسماعيل الأنصاري الهروي رحمه الله تعالى:

أَنَا حَنْبَلِي مَا حَييْتُ وَإِنْ أَمُتْ فَوَصِيَّتِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُوا

(الشرح)

   يوصيهم بأن يتبعوا المذهب الحنبلي، كان أولى أن يوصيهم بتقوى الله والعمل بكتاب الله وسُنة رسوله هذا الواجب.

   الطالب: (......)؟.

   الشيخ:  لا ما قيدها بالاعتقاد؛ حتى الحنابلة بعضهم مثل ابن الجوزي حنبلي وله تخريف العقيدة، وفي العقيدة كذلك الإمام أحمد بن حنبل، ما كل حنبلي سليم العقيدة.

(المتن)

   والمنصف يلتزم قول الإمام مالكٍ رحمه الله تعالي:ما منا إلا من رَد أو رُد عليه إلا صاحب هذا القبر وأشار.

(الشرح)

   نعم هذا المشهور: (ما منا إلا راد أو مردود عليه إلا صاحب هذا القبر).

(المتن)

   وأشار إلي قبر النبي ﷺ، وقد استكبرت ما سوده العلامة محمد الطاهر بن عاشور في كتابه  " مقاصد الشريعة الإسلامية " في معرض نعيهِ علي القصرين في عدم الالتفات إلى ما يحف بأحوال التشريع، فقال: وفي هذا المقام ظهر تقصير الظاهرية والمحدثين المقتصرين في التفقه علي الآثار. وظهر بطلان ما روي عن الشافعي من أنه قال: إذا صح الحديث عن رسول الله ﷺ فهو مذهبي، إذ مثل هذا لا يصدر عن عالمٍ مجتهد، وشواهد أقوال الشافعي في مذهبه تقضي بأن هذا الكلام مكذوبُ أو محرفُ عليه، انتهى.

(الشرح)

   عجيب سبحان الله، صحيح أحيانًا على المحدثين أن يقتصروا على الآثار، ويبطل هذه المقالة عن الشافعي، إذا صح الحديث فهو مذهبي، هذه المقالة عن الشافعي مما زادته رفعة، دلت على ورعه وتقواه، كيف يعفيه عنه؟.

(المتن)

   وقد فات الشيخ رحمه الله تعالي أن تلك المقولة الميمونة " إذا صح الحديث فهو مذهبي " قد ثبتت بلفظها أو بمعناها بألفاظٍ متعددة عن الأئمة الأربعة المشهورين ينعم بها شداد الدليل من أصحاب كل مذهب، وتجدها في إيقاظ الهمم للفلاني، وبأوعب منه في مقدمة صفة صلاة النبي ﷺ للألباني.

   قال السخاوي رحمه الله تعالى: ثبت عنه أي الشافعي بالسند الصحيح الذي لا غبار عليه مع تعدد الطرق إليه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ولله الحمد. انتهى.

(الشرح)

   ابن عاشور يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

(المتن)  

وقد أفردها ابن السبكي برسالةٍ مطبوعةٍ باسم، معنى قول المضطرب إذا صح الحديث فهو مذهبي، فسبحان من صرف فهم هذا الأستاذ مع جلالته إلى هذا الوجه من التأويل المتعسف المنكود؟

   وأهل الوسطية هم أتباع كل مذهبٍ حقيقةً حاشا المقلدة الخلص في التقليد، وبهذه الوسطية يزول ما هنالك من التراشق والشقاشق وإثارة الرهج وبذل المهج في سبيل العصبيات المذهبية، ومن قرأ التاريخ علم.

   قال يقوت الحموي رحمه الله تعالى: اجتزت ببلدٍ من بلاد فارس، فوجدتها عامرةً آهلةً بالسكان، رائجة الأسواق، ثم عدت إليها بعد سنوات قليلة، فوجدتها خرابًا يبابًا، قد هُدِّمت مساكنها وخلت من أهلها، ولم يبق بها إلا أقل من القليل، فاستغربت من سرعة الخراب إليها، وتفريق جماعاتها في الزمن اليسير، فسألت رجلًا من العقلاء عن السبب في ذلك، فقال: كان أهل البلد قسمين: أهل سُنةٍ، وشيعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: اللهم أغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين  قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمنا الله تعالى وإياه :

قال يقوت الحموي رحمه الله تعالى: اجتزت ببلدٍ من بلاد فارس، فوجدتها عامرةً آهلةً بالسكان، رائجة الأسواق، ثم عدت إليها بعد سنوات قليلة، فوجدتها خرابًا يبابًا، قد هُدِّمت مساكنها وخلت من أهلها، ولم يبق بها إلا أقل من القليل، فاستغربت من سرعة الخراب إليها، وتفريق جماعاتها في الزمن اليسير، فسألت رجلًا من العقلاء عن السبب في ذلك، فقال: كان أهل البلد قسمين: أهل سُنةٍ، وشيعة

وكان أهل السُنة قسمين أيضًا: حنفية، وشافعية، فحصل بين أهل السنة والشيعة ما أفضى لقيام بعضهم على بعض، وكان أهل السُنة أكثر عددًا وأقوى عدة، فما زالوا بهم قتلًا حتى أفنوهم عن آخرهم، وأصبح نصف البلد خرابًا لا يعمره أحد من الناس، ثم وقعت العصبية بين الشافعية والحنفية، وقامت بينهم الحروب حتى أفنى بعضهم بعضًا، ولم يبق من الفريقين غيرُ بيوتٍ قليلة من الشافعية، سبق فناءُ الحنفية عن آخرهم آجالهم، فبقوا على قيد الحياة ".

   الشيخ: من الذي بقوا؟ الشافعية، إيش مناسبة هذا؟.

   الطالب: آثار التعصب المذهبي.

   الشيخ: لا شك أن التعصب له آثاره السيئة، الواجب على كل مسلم أن يطلب الحق بدليله، وأن يقبل الحق ويدني له ويستكين ويخضع ولا يتعصب، العصبية شرها مستطير نعم.

(المتن)

   المبحث السادس: في جُرم القول علي الله بلا علم.

   إن التعالم هو عتبة الدخول علي القول علي الله تعالي بلا علم، بل: إن التعالم، والشذوذ، والترخص، والتعصب كلها منافذ تؤدي إلي جرم القول علي الله تعالي بلا علم.

   واسمع ما أقول لك: كم رأينا قسمات الاستنكار إذا لفظ الواعظ بأن الربا أشد إثمًا وأعظم جُرمًا من الزنا ونحوه من الكبائر، لكنه معنًا تتهلل له شبوهات العارفين عن الله ورسوله، إذ الربا ذنبٌ توعد الله عليه بالمحاربة بالتنزيل دون سواه من الآثام؛ ولأنه يفعل الأفاعيل في تقويد حياة الأمة وضرب تجارتها ومضارباتها بالكساد لما لا تدانيه معصيةُ سواه.

   وهل المعاصي إلا وسائل هدمٍ لكنها دركات؟ ولنقل هنا إن أصل الشرك والكفران، وأساس البدع والعصيان، وما هو أغلظ منها ومن جميع الفواحش والآثام، والبغي والعدوان: القول على الله تعالى بلا علم.

(الشرح)

   لا شك أن القول على الله بلا علم  جعله الله تعالى الله فوق الشرك، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33]

   ولذلك الذي يقول على الله بلا علم يشمل الشرك وغيره، فالشرك قولًا على الله بلا علم، هو شرك وزيادة، وجعلها من إرادة الشيطان، في آية أخرى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33]؛ هذا في الخبر، لكن في آية البقرة يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة/ 168-169]؛ جعله من أمر الشيطان، القول على الله بلا علم من أمر الشيطان نعم.

(المتن)

   والدليل: قوله تعالى في سورة الأعراف: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33].

   فهذه المحرمات الأربع تحريمها لذاتها تحريما أبديًا في جميع الشرائع والملل، ومراتب الشدة فيها في الآية الكريمة علي سبيل التعلي، فقال الله سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف/33]؛ هذا أولها.

   ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم فقال سبحانه: وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف/33].

   ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم، فقال سبحانه: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [الأعراف/33].

   ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم، فقال: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33].

   إذ القول على الله تعالي بلا علم هو أصل الشركِ والكفر والبدع المضلة.

(الشرح)

   إذًا جاء أربعة، إذا جاء الإثم والبغي واحد، وإذا جاء الإثم وحده والبغي وحده صارت خمسة.

(المتن)

   إذ القول على الله تعالي بلا علم هو أصل الشرك والكفر والبدع المضلة والفتن الجائرة، وأكتفي بهذه الإشارة؛ لأنه مما علم من الإسلام بالضرورة، وقد عنا به العلماء وأنتشر في كتبهم ولا أحسبك تجد في هذا الباب مما بسطه ابن القيم رحمه لله تعالى في إعلام الموقعين، والإغاثة، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد والفوائت، والداء والدواء، وأنظر من هدي السُنة النبوية. انتهى

   بكر أبو زيد الرياض في الرابع والعشرين من الشهر الرابع للسنة الثامنة بعد الأربعمائة وألفٍ للهجرة.

   ملحقٌ لكتاب العالم: رأيت منذ ربع قرنٍ تقريبًا نسخةً من كتاب العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بتعليق العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع المتوفى سنة خمسةٍ وثمانين وثلاثمائة وألفٍ للهجرة رحمه الله تعالى.

   (الشرح)

 الشيخ: ملحقًا بالعقيدة الواسطية.

الطالب: هذا ملحق لكتاب التعالم، ذكر فيه أن رأى نسخة من كتاب العقيدة الواسطية.

الشيخ: عليها تعليق الشيخ محمد بن عبد العزيز بن نافع؟ نعم.

(المتن)

   وقد طبع على وجه الغلاف أبيات في امتداح معتقد السلف والثناء على هذا الكتاب، من شعر الأستاذ علي زين العابدين، وفي صيف عامٍ الثامن بعد الأربعمائة وألف للهجرة، جاورنا بمنزلنا في الطائف اللواء علي زين العابدين ونعم الجار أثابه الله.

   فأهدى إليّ ديوانه هديلٌ وصليل، فأهديت له بعض ما كتبت ومنه نسخةُ من التعالم، فبعث إليّ أثابه الله بهذه القصيدة وهذا نصها:

بَكرٌ أَبُو زَيدٍ جَلَا للعَالَمِ زَيفَ الخِدَاعِ وَخُدعَةَ المُتَعَالِمِ
أَدلَى بِصدقِ حَدِيثِهِ مُتَوَخيًا مَحضَ النَّصِيحِ لِطَالِبٍ أَو عَالمِ
أَكرِم بِهِ مِن عَالمٍ ذِي حِنكَةٍ لَبِقٍ سَدِيدِ الرَّأيِ غَيرِ مُزَاحَمِ
كَشَفَ النِّقَابَ عَنِ الَّذِينَ تَعَالَمُوا وَتَظَاهَرُوا بِوَدَاعَةٍ كَحَمَائِمِ
دَسَّ السُّمُومَ لِدَارِسٍ مُتَطَلَّعٍ وَسَقَوهُ كُأسُ ضَلَالَةٍ وَسَخَائِمِ
فَإِذَا الَّذِي قَد كَانَ يَطلُبُ عِزَةً بِالعِلمِ آبَ مُدَنَّسًا بِمَآثِمِ
يَا وَيحَ مَن تَخِذَ التَّعَالُمَ سُلمًا لِمَآرِبٍ مَشبُوهَةٍ وَمَغَانِمِ
تَرَكَ الهِدَايَةَ وَأنبَرَى بِضَلَالَةٍ يُغوِي وَيَفتِنُ كُلَّ غِرٍّ حَالَمِ
بِالجَهَلِ وَالتَّضلِيلِ بَاتَ مُحَدِّثًا فِي العِلمِ لَا يَخشَى عِقَابَ الدَّائِمِ
يُفتِي وَيقضِي فِي العُلُومِ جَمِيعِهَا وَكَأَنَّهُ أُستَاذُ هَذَا العَالَمِ
إِن فَاهَ قَالَ طَلَاسِماً وَأَحَاجِيًا فَكَأَنَّهُ عَمَّن وَرَى بِعَظَائِمِ
بَكرُ أَبو زَيدٍ يَهِيبُ بِقَومِهِ يَا قَومِ لَا تُصغُوا لِقَولِ الظَّالِمِ
العِلمُ حَقٌّ وَالتَّعَالُمُ بَاطِلٌ شَتَّانَ بَينَ حَقَائِقٍ وَمَزَاعِمِ
العَالِمُ النِّحرِيرُ يُنقِذُ قَومَهُ مِن بِدعةٍ وَضَلَالةٍ وَمَغَارِمِ
أَمَّا الجَهُولُ إِذَا بَدَا مُتَعَالِمًا قَادَ الجَمِيعَ إِِلَى رَدًى مُتَفَاقِمِ
مَن ذَا يُخَالِفُ شَرعَ رَحمَنَ الوَرَى وَيَمِيلُ عَن سُنَنِ النَّبِيِّ الخَاتَمِ
هَذَا أَبُو زَيدٍ يَقُولُ كِتَابَهُ إِنِّي حَفِظتُ بِحِكمَةٍ وَمَكَارِمٍ
وِأِنِا قَرَأتُ كِتَابَهُ فِي لَهفَةٍ فَوَجَدتُّ فِيهِ قِطَافَ رَوضٍ بَاسِمِ
وَأَقُولُهَا هَذِي نَصِيحَةُ عَالِمٍ بَزَغَت لِتَهتِكَ نَزَعَةَ المُتَعَالِمِ

   مهداة إلى صاحب الفضيلة الشيخ بكر أبو زيد، مؤلف كتاب التعالم تحية تقديرٍ وإعجاب، اللواء علي زين العابدين بالطائف بالثالث عشر من الشهر الأخير سنة ثمانٍ وأربعمائة وألفٍ للهجرة.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد