شعار الموقع

شرح كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد_1

00:00
00:00
تحميل
324

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في كتاب فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين وعليه التُّكلان.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، كالمبتدعة والمشركين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه أجمعين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

أما بعد : فإن كتاب التوحيد الذي ألّفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وغفر له ولمن أجاب دعوته يوم يقوم الحساب، قد جاء بديعًا في معناه من بيان التوحيد ببراهينه، وجمع جملٍ من أدلته لإيضاحه وتبيينه، فصار عَلَمًا للموحِّدين، وحُجةً على الملحدين، فانتفع به الخلق الكثير والجمُّ الغفير، فإنَّ هذا الإمام رحمه الله في مبدأ منشئه قد شرح الله صدره للحق المبين، الذي بعث الله به المرسلين، من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين، وإنكار ما كان عليه الكثير من شرك المشركين، فأعلى الله همّته وقوّى عزيمته، فتصدّى لدعوة أهل نجد إلى التوحيد الذي هو أساس الإسلام والإيمان، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور والطواغيت والأوثان، وعن الإيمان بالسحرة والمنجّمين والكهّان، فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان، وأقام الله به عَلَم الجهاد، وأدحض به شُبَهَ المعارضين من أهل الشرك والعناد، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد، الحاضر منهم والباد، وانتشرت دعوته ومؤلفاته في الآفاق، حتى أقرّ له بالفضل من كان من أهل الشقاق، إلا من استحوذ عليه الشيطان وكرَّه إليه الإيمان، فأصرّ على العناد والطغيان.[1]

وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته كما قال قتادة رحمه الله عن حال أول هذه الأمة: إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويظهرها و يُفْلِجَها وينصرها على من ناوأها.[2]

 

إنها كلمةٌ من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نُصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة التي يقطعها الراكب في ليالٍ قلائل، ويسير الراكب  في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها، وقد شرح الله صدور كثير من العلماء لدعوته، وسُرُّوا واستبشروا بطَلْعَته، وأثنوا عليه نثرًا ونظمًا، فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء محمد بن إسماعيل الأمير في هذا الشيخ رحمه الله تعالى شعرًا.[3]

وقـد جاءت الأخبار عـنه بأنـه          يُعيدُ لنا الشرع الشريف بما يُبـدي

وينشر جهرًا ما طوى كل جاهـلٍ          ومبـتـدعٍ منه فوافـق ما عـندي

ويعمر أركان الـشريعـة هـادمًا         مـشاهد ضلّ الناس فيها عن الرشد

أعـادوا بها معنى سواع ومـثلَهُ         يغـوثُ وودٍّ بـئـسَ ذلـك من ودِّ

وقـد هتفوا عند الشدائد باسـمها         كما يهتف المضـطر بالصمد الفردِ

وكم عقروا في سوحها من عقيرةٍ         أُهِلَّت لغير الله جهـرًا على عَـمْـدِ

وكـم طائفٍ حول القـبور مقـبِّلٍ         ومسـتـلم الأركان منـهن بالـيدِّ

 

وقال شيخنا عالم الأحساء أبو بكر حسين بن غنّام رحمه الله تعالى فيه:

لقد رفع المولى بـه رتـبة الهدى      بـوقـتٍ به يُعلى الضلال ويـرفعُ

سقاه نمير الفـهم مولاه فارتـوى      وعام بـتـيّـار المـعارف يقطـعُ

فأحـيا به الـتوحيد بعد انـدراسه     وأوهى به من مطـلع الشرك مهيعُ

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها      سِواه ولا حاذى فـناها سـمـيـدعُ

وشمّـر في مـنهاج سنـة أحـمدِ      يُشـيد ويحـيي ما تعـفّى ويرفـعُ

يـناظر بالآيات والـسـنـةِ الـتي      أُمـرنـا إليـها في الـتنازع نرجعُ

فأضحت به السمحاء يبسم ثغـرهـا     وأمسى محيّـاها يضيء ويـلمـعُ

وعـاد بـه نهـج الغواية طامـسًا      وقد كان مسلـوكًا به الـناس تربعُ

وجـرّت بـه نجـد ذيـول افتخارها     وحق لـهـا بالألـمـعي تـرفُّـعُ

فآثـاره فـيـهـا سـوامٍ سـوافـرُ     وأنواره فـيـها تـضيء وتـلمعُ

وأما كتابه المذكور فموضوعه: في بيان ما بعث به الله رسله من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة وذِكْر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه.

هذا موضوع كتاب التوحيد للإمام المُجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كتابه موضوعه: بيان ما بعث الله به رسله من توحيد العبادة، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة، وذِكْر ما ينافيه من الشرك الأكبر ، أو ينافيه من الشرك الأصغر والبدع والمعاصي.

وقد تصدى لشرحه حفيد المصنف وهو الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى، فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد.فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد وسماه تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، وحيث أُطلق شيخ الإسلام فالمراد به أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، والحافظ فالمراد به أحمد بن حجر العسقلاني، ولما قرأت شرحه رأيته أطنب في مواضع وفى بعضها تكرار[4] يُستغنى بالبعض منه عن الكل ولم يكمله، فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله، وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميمًا للفائدة وسميته فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد.

والله أسأل أن ينفع به كل طالب للعلم ومستفيد، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وموصلاً من سعى فيه إلى جنات النعيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

 بسم الله الرحمن الرحيم: ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" أخرجه ابن حبان من طريقين. قال ابن صلاح: والحديث حسن ولأبي دواد وابن ماجة: "كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بالحمدُ لله أو بالحمد فهو أقطع"، ولأحمد: "كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع" وللدارقطني عن أبى هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع"، والمصنف قد اقتصر في بعض نسخه على البسملة؛ لأنها من أبلغ الثناء والذكر، وللحديث المتقدم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتصر عليها في مراسلاته، كما في كتابه لهرقل عظيم الروم، ووقع لي نسخة بخطه - رحمه الله تعالى - بدأ فيها بالبسملة، وثنّى بالحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- وآله. وعلى هذا فالابتداء بالبسملة حقيقي، وبالحمدلة نسبي إضافي، أي بالنسبة إلى ما بعد الحمد يكون مبدوءًا به.

والباء في "بسم الله" متعلقة بمحذوف، اختار كثير من المتأخرين كونه فعلاً خاصًا متأخرًا، أما كونه فعلاً فلأن الأصل في العمل للأفعال، وأما كونه خاصًا فلأن كل مبتدئٍ بالبسملة في أمر يُضمر ما جعل البسملة مبدأً له، وأما كونه متأخرًا فلدلالته على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود؛ ولأن أهم ما يبدأ به ذكر الله تعالى.

وذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى لحذف العامل فوائد، منها: أنه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه غير ذكر الله.

ومنها: أن الفعل إذا حُذف صحّ الابتداء بالبسملة في كل عمل وقول حركة، فكان الحذف أعم. انتهى مُلخّصًا.

وباء بسم الله للمصاحبة، وقيل: للاستعانة، فيكون التقدير: بسم الله أؤلف حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا به [5]

فيكون التقدير: بسم الله أؤلف حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا به، وأما ظهوره في (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وفي (بِسْمِ اللَّهِ مَجْريهَا)؛ فلأن المقام يقتضي ذلك كما لا يخفى.

والاسم مشتق من السموّ وهو العلوّ. وقيل: من الوسم وهو العلامة؛ لأن كل ما سُمّي فقد نُوِّه باسمه ووسم.

قوله: الله. قال الكسائي والفرّاء: أصله الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللام في اللام فصارتا لامًا واحدةً مشددةً مفخمة.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: الصحيح أنه مشتق وأن أصله الإله.

 

وأن أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ وهو الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصفات العلى.

والذين قالوا بالاشتقاق إنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والسميع والبصير ونحو ذلك، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة ونحن لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة منه تولد الفرع من أصله، وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلاً وفرعًا ليس معناه أن أحدهما متولد من الآخر، وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الأخر وزيادة. ا.هـ.

قال أبو جعفر بن جرير – رحمه الله – : الله أصله الإله، أسقطت الهمزة التي هي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين الاسم، واللام الزائدة وهي ساكنة، فأدغمت في الأخرى فصارتا في اللفظ لامًا واحدة مشددة. ا.هـ[6].

 

وقال[: وأما تأويل الله فإنه على معنى ما روي لنا عن عبد الله بن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق، وساق بسنده عن الضحاك عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، فإن قال لنا قائل: وما دل على أن الألوهية هي العبادة وأن الإله هو المعبود وأن له أصلاً في فَعِل يفُعل؟ ]قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم[.

قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم، وذكر بيت رؤبة بن العجاج:

لله دَرُّ الغانيات المُدَّهِ   سَبَّحْنَ واسترجعن من تَأَلُّهي.

وذكر بيت رؤبة بن العجاج:

لله دَرُّ الغانيات المُدَّهِ   سَبَّحْنَ واسترجعن من تَأَلُّهي

يعني من تعبدي وطلبي الله بعملي.

ولا شك أن التألُّه: التفعُّل من أَلَهَ يَأْلُه[7].

 

َ[8]

ولا شك أن التألّه التفعّل من أَلَهَ يألُه، وأنّ معنى أَلَه إذا نطق به عبَدَ الله، وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه بفَعَل يَفْعَل بغير زيادة، وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع، وساق السند إلى ابن عباس أنه قرأ (ويذرك وإلاهتك) قال : عبادتك.

ويقول: إنه كان يُعبد ولا يَعبد. وساق بسندٍ آخر عن ابن عباس: (ويذرك وإلاهتك) قال: إنما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد، وذكر مثله عن مجاهد. ثم قال: فقد بيّن قول ابن عباس ومجاهد هذا: أنّ أَلَه عَبَد، وأن الإلٰهة مصدره، وساق حديثًا عن أبي سعيدٍ – رضي الله عنه – مرفوعًا: "إن عيسى أسلمته أمه إلى الكُتّاب ليُعَلِّمه، فقال له المعلم: اكتب بسم الله، فقال عيسى: أتدرى ما الله؟ الله إله الآلهة".

قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: لهذا الاسم الشريف عشر خصائص لفظية.

ثم قال: وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم : "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وكيف تُُحصى خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناء وكل مجد، وكل إجلال وكل كمال، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه، فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسّعه، ولا تعلَّق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيًا، ولا مستوحشًا إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيّده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي تُكشف به الكربات، وتُستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات، وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أُنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شُرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شُرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقّت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وُضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عُبد رب العالمين وحُمد، وبحقِّه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه، وبه شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله، فما وُجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئًا منه و منتهيًا إليه، وذلك موجَبُهُ ومقتضاه.

وذلك موجَبُهُ ومقتضاه '3 : 191' (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى[9].

 

قوله: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال ابن جرير: حدثني السري بن يحيى، حدثنا عثمان بن زفر، قال:

سمعت العرزمي يقول: الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين.

وساق بسنده عن أبى سعيد – رضي الله عنه – يعني الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عيسى ابن مريم – عليه الصلاة والسلام – قال: الرحمن: رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم: رحيم الآخرة".

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: واسمه الله تعالى دالٌّ على كونه مألوهًا معبودًا يألهه الخلائق محبةً وتعظيمًا وخضوعًا ومفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنتين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعال لما يريد ولا حكيم في أقواله وأفعاله، فصفات الجلال والجمال أخص باسم الله، وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن.

وقال رحمه الله أيضًا : الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم.

وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى : '33 : 44' (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) '9 : 117' (إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ولم يجئ قط: رحمن بهم.

وقال: إن أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله.

وقال: إن أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله فلا تنافي فيها بين العَلَميّة والوصفيّة، فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، فمن حيث هو صفة جرى تابعا لاسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع، بل ورودَ الاسم العلم

ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع، بل ورودَ الاسم العلم، كقوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). انتهى ملخصًا.[10]

 

 

الحمد لله، ومعناه الثناء بالكلام على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، فمورده اللسان والقلب.[11]

والشكر يكون باللسان والجنان والأركان، فهو أعم من الحمد متعلَّقًا، وأخص سببًا؛ لأنه يكون في مقابلة النعمة، والحمد أعم سببًا وأخص موردًا؛ لأنه يكون في مقابلة النعمة وغيرها فبينهما عموم وخصوص وجهي يجتمعان في مادة وينفرد كل واحد عن الآخر في مادة.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أصح ما قيل في معنى صلاة الله على عبده ما ذكره البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبى العالية – رحمه الله – قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة.

وقرره ابن القيم رحمه الله ونصره في كتابيه جِلاء الأفهام وبدائع الفوائد.

قلت: وقد يراد بها الدعاء كما في المسند عن علي – رضي الله عنه – مرفوعًا: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاّه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه".

قلت: وقد يراد بها الدعاء كما في المسند عن علي – رضي الله عنه – مرفوعًا: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاّه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه".

قوله: وعلى آله، أي أتباعه على دينه، نَصّ عليه الإمام أحمد هنا، وعليه أكثر الأصحاب، وعلى هذا فيشمل الصحابة وغيرهم من المؤمنين.[12]

 

 

يدخلون، وعلى هذا إذا عُطف الصحابة (وعلى آله وأصحابه) يكون من باب عطف الخاص على العام، وإذا عُطف الآل على الأصحاب فيكون من عطف العام على الخاص.

 

 

كتاب: مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابةً وكَتْبًا، ومدار المادة على الجمع، ومنه تكتَّب بنو فلان إذا اجتمعوا، والكتيبة لجماعة الخيل، والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف، وسمي الكتاب كتابًا؛ لجمعه ما وُضع له.

والتوحيد نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الإلهية والعبادة.[13]

 

 

قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.

فالأول: هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جدّ الإفصاح كما في أول سورة الحديد وسورة طه وآخر الحشر وأول تنزيل السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك.

النوع الثاني: ما تضمنته سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون) وقوله تعالى : '3 : 64' (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وأول سورة تنزيل الكتاب، وآخرها، وأول سورة المؤمن، ووسطها، وآخرها، وأول سورة الأعراف، وآخرها، وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد شاهدة به داعية إليه، فإن القران إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وأمره ونهيه فهو حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم. انتهى.

[14]
وقال عن المشركين : '37 : 35 36' (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) وهذا في القرآن كثير، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد.

ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد، وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد، فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما يُنزَّه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شيء، لم يكن موحدًا حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له، والإله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، وليس هو الإله بمعنى القادر على الخلق، فإذا فسر المفسر الإله بمعنى القادر على الاختراع

واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد - كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه-

 

[15]وهو الذي يقولونه عن أبي الحسن وأتباعه- لم يعرف حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين، قال تعالى: '12 : 106' (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُون) قال طائفة من السلف: تسألهم من خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره، قال تعالى: '23 : 84 - 89' (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) فليس كل من أقر بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابدًا له دون ما سواه، داعيًا له دون ما سواه، راجيًا له خائفًا منه دون ما سواه، يوالي فيه، ويعادى فيه، ويطيع رسله، ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهى عنه، وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به، وجعلوا له أندادًا، قال تعالى: '39 : 43 ، 44 ' (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) وقال تعالى: '10 : 18' (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وقال تعالى: '6 : 14' (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) وقال تعالى: '2 : 165' (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها ويصوم وينسك لها ويتقرب إليها ثم يقول: إن هذا ليس بشرك إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي، فإذا جعلتها وواسطة لم أكن مشركًا، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك. انتهى كلامه – رحمه الله تعالى [16]

 

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)

 

[1] أقرَّ له بالفضل يعني حتى أعداؤه، أهل الشقاق يعني المعادين له، لأن الحق واضح

 

[2] ناوأها يعني عاداها.

[3] وهو صاحب سبل السلام، الصنعاني رحمه الله محمد بن إسماعيل الأمير هو صاحب سبل السلام.

 

[4] تكرار بفتح التاء مصدر دائمًا، تَكرار، تَعداد، ما عدا مصدران هما تِبيان و ِتلقاء، والباقي كلها بالفتح، تَكرار، تَعداد، والشائع بين القُرّاء الآن تِكرار، تِعداد، و هي بالفتح دائمًا كل المصادر إلا مصدران، تِلقاء وتِبيان بكسر التاء والباقي بالفتح، تَكرار، تَعداد، تَرداد. نعم.

وهو المسمّى: تيسير العزيز الحميد شرح في كتاب التوحيد.

 

 

[5] يعني قدّر الفعل خاص متأخر، فإذا أراد الإنسان أن يأكل يقدِّر: بسم الله آكل، وإذا أراد أن يكتب: بسم الله أكتب، وهكذا، إذا أراد أن يؤلِّف: بسم الله أُؤلِّف، يُقدِّر الفعل، البسملة من جنس العمل الذي يريده.هذا ذكره في بدائع الفوائد، ذكر ابن القيم – رحمه الله – لحذف العامل، العامل الذي هو الفعل، موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه غير ذكر الله، لا تقول: آكل بسم الله. فيحذف لهذا الغرض.

ومنها أنه إذا حُذف صحّ الابتداء بالبسملة في كل عمل وفي كل قول وفي كل حركة، يصير مفتوح، متروك.

 

[6] الله أصلها الإله، حذفت همزة الإله، فلما حذفت الهمزة التقت اللامان فشُددت اللام صارت الله، الله أصلها الإله، حذفت الهمزة فالتقت لامين، أدغمت اللام باللام فشددت فصارت لامًا واحدة مشددة مفخَّمة الله، الإله حذفت الهمزة، التقى لام و لام، صارتا لامًا واحدة مشددة مفخمة.

يعني لفظ الجلالة الله، الصحيح أنه مشتق.

نعم، الله هو الجامع لمعاني الأسماء الحسنى و الصفات العلى.

نعم، هذا هو الصواب أن هذه الأسماء مشتقة، أسماء الله كلها مشتقة ليست جامدة، مشتقة من مصادرها، وهي قديمة، والمراد بالاشتقاق كما ذكرنا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة منه تولد الفرع من أصله، ف(الله) مشتملة على صفة الألوهية، دالٌ على صفة الألوهية، الرحمن العليم دال على صفة العلم، القدير دال على صفة القدرة، السميع دال على صفة السمع، البصير دال على صفة البصر، هذه الأسماء العليم من العلم يعني، مشتقة من العلم، القدير من القدرة، السميع من السمع، يعني مشتقة من المصادر، مصدر العليم العلم، مصدر القدير القدرة.

هذا كلام أبو جعفر بن جرير شيخ المفسرين، يقول أصل الله الإله، أسقطت الهمزة، الهمزة هي فاء الكلمة؛ لأن الكلمة الآن معروف أن لها ميزان لها فاء وعين ولام هذا أصلها (فعل)، فاء الكلمة الإله، الإله على وزن فِعال، إله حذفت الهمزة، الهمزة هي فاء الكلمة، حذفت الهمزة التي هي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين الاسم، الإله، واللام الزائدة الأولى، لامين: عندنا لام زائدة التي قبل الهمزة، ولام ثانية التي هي عين الكلمة فِعال، التقت لام ولام، اللام الزائدة ساكنة (الإله)، واللام التي هي عين الاسم مفتوحة الإله، فالتقتا فصارتا في اللفظ لامًا واحدة مشددة (الله) مفخمة.

 

[7] عَل يَفْعُل من باب نَصَل يَنْصُل، ويجوز فعَل يَفْعَل من باب فَتَح يَفْتَح؛ لأن ثالثه حرف حلق، فيُفتح ثاني مضارعه، قال هنا: وأن له أصلاً في فعل يفُعل، ويجوز فعل يفعَل، فعل يفُعل هذا سماعي، فعل يفعَل هذا قياسي؛ لأن القاعدة إذا كان ثالثه حرف حلق يُفتح ثاني مضارعه فعل يفعَل، هذا القياس، والسماع فعل يفعُل من باب نصل ينصُل.

هنا ذكر في الحاشية أظنه الشيخ حامد الفقي يقول: كذا في الأصل و العبارة ناقصة، ونصّه: "فإن قال لنا قائل: هل لذلك في فَعُل ويَفْعُل أصل كان منه بناء هذا الاسم؟ قيل: إما سماع من العرب، أما سماع من العرب فلا، ولكن استدلالاً، فإن قال :وما دل على أن الألوهية هي العبادة وأن الإله هو المعبود وأن له أصلاً في فعُل يفُعل؟ قيل: لا تمانع العرب في الحكم لقول القائل يصف رجلًا بعبادة ويطلب مما عند الله تألَّه فلانٌ بالصحة، ولا خلاف، ومن ذلك قول رؤبة. هذا موجود في الأصل.

لله درُّ الغانيات: يعني النساء. المُدَّه: قال في اللسان: مَدَّهَه يَمْدَهه مَدْهًا: مثل مدح، والجمع مُدَّه أي المستحقات للمدح؛ لحسنهن وجمالهن. لله درُّ الغانيات المُدَّهِ: يعني المستحقات للمدح.

سَبَّحْنَ واسترجعن من تَأَلُّهي: التألُّه: التنسُّك والتعبُّد، واسترجعن: قلن إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لأن هذه الغانيات كأنه كان في الأول عنده انحراف مع هذه الغانيات ثم بعد ذلك تاب، فلما تاب واسترجع، سبّحن واسترجعن: قلن سبحان الله إنا لله وإنا إليه راجعون كيف رجع وتاب؟! سبحن من تألّهه وتعبّده، فقال: لله درُّ الغانيات المُدَّهِ يعني المستحقات للمدح، سَبَّحْنَ واسترجعن من تَأَلُّهي: كل واحدة قالت: سب

[8] حان الله إنا لله وإنا إليه راجعون كيف رجع وتاب؟!

سبّحن من تَأَلُّهي من تعبّدي لله، يعني يردن أن يكون كما كان في حالته الأولى معهن.

والشاهد قوله: سَبَّحْنَ واسترجعن من تَأَلُّهي، التأله معناه هي العبادة، يعني من تعبدي وطلبي الله بعملي.

أَلَهَ يَأْلُهُ من عَبَدَ يَعْبُدُ وزنًا ومعنًى، المعنى والوزن واحد: أله معناها عبد، وفي الوزن أله يألُه عبد يعبُد.

 

 

[9] وإلاهتك: و يذرك و عبادتك. قراءة حفص: (وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَك) يعني ومعبودك، قراءتان: قراءة حفص: (وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَك)، لكن هذه قراءة ثانية، هذه قراءة ابن عباس: (وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ) وعبادتك، يتركك وعبادتك، أما قراءة حفص: (وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَك) يعني ومعبودك.

الكُتّاب يعني المدرسة، أرسلته أمه إلى الكُتّاب يعني المدرسة أول ما يدخل الصبي يسمى الكتاتيب المدرسة الأولى. إطلاق المدرسة على الكتاب فيه تجوّز.

يعني لفظ الجلالة الاسم الشريف.

موجَبه بفتح الجيم. الموجَب: الآثار والثمرة، أما الموجِب بالكسر: هو السبب والمقتضي، فالمراد هنا الثمرة والآثار.

المراد المعنى و العمل، ليس المراد مجرد النطق بـ الله، المراد المعنى، أنه الإله وأنه المستحق للعبادة، الله المراد المعنى وليس المراد مجرد اللفظ، والمراد ضم كلمة التوحيد [لا إله إلا الله] معناها: لا معبود بحق إلا الله؛ لأجل هذه الكلمة حقت الحاقة وانقسم الناس إلى شقي وسعيد،لفظ الجلالة وحده كما يفعله الصوفية، الله الله الله! ما يكفي، لابد أن يضم إليه جملة مفيدة، الله ، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله لإلا الله، والمراد هنا كلمة التوحيد، هي التي لأجلها انقسم الناس إلى شقي وسعيد وحقت الحاقة ووقعت الواقعة.

[10] العَرْزَمي: بتقديم الراء على الزاي.

الرحمن عام والرحيم خاص.

الصواب أن كلاً من الرحمن والرحيم دالٌ على الصفة وعلى تعلقها بالمرحوم، هذا آثارها، والأسماء تدل على الصفات لكن بعضها لها آثار تتعلق بالخلق كتعلقها بالمرحوم، وبعضها ليس لها آثار، مثل استوى ليس لها آثار تتعلق بالمخلوق.

ولهذا قال: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) ]لتعلقها بالمرحوم[.

نعم. أسماء الرب ليست جامدة بل هي مشتقة، أسماء ونعوت، الرحمن اسم ونعت للرحمة.

- يعني: بل ورد ورودَ الاسم العلم.

يعني من كلام ابن القيّم. الأول قوله: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) يقول: ولم يجئ قط رحمان بهم، والصواب أنه لا فرق بينهما، كلٌ منهما دال على الصفة وعلى تعلقها بالمرحوم، الصواب أنه لا فرق بين الرحمن و الرحيم كلٌ منهما دال على الصفة وعلى تعلقها بالمرحوم.

 

[11] يعني الحمد مورده يكون باللسان وبالقلب.

 

 

 

[12] يعني على هذا تكون الصلاة هي ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى، والصحيح أنها تشمل الثناء والرحمة إلا إذا اجتمعا كما في قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فتختص الصلاة بالثناء إذا اجتمعا.

يراد بالصلاة الدعاء، هذا من الملائكة، الصلاة من الملائكة ومن الآدميين هي الدعاء، ومن الله ثناؤه عليهم.

آله: أتباعه على دينه. وقيل: المراد بآله قرابته المؤمنون، علي وفاطمة والحسن والحسين وعمه العباس و عمه حمزة، والزوجات تدخل، و الصحابة كذلك

[13] نعم؛ لأنه يجمع علومًا متنوِّعة، وهذا الكتاب كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – قال شيخنا العلاّمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – لا نعلم أنه أُلِّف في معناه مثل هذا الكتاب. موضوع الكتاب بيان توحيد العبادة بالأدلة وما ينافيه أو ينافي كماله الواجب مع بيان توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والتوحيد بالاستقراء أنواعٌ ثلاثة: توحيد العبادة وهو توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، هذا دلّ عليه الاستقراء والتتبُع لنصوص الكتاب والسُنة. سبق أن ذكرنا في الشرح أنّ هذا الكتاب لم يؤلف في معناه مثله، وأن كتاب التوحيد في صحيح البخاري موضوعه إثبات الصفات والأسماء، والسبب في ذلك أن البخاري – رحمه الله – في زمانه وُجد أهل البدع الذين ينفون الأسماء والصفات، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – انتشر في زمانه الشرك وعبادة القبور؛ ولهذا ألّف هذا الكتاب مخصصًا لتوحيد العبادة، والبخاري – رحمه الله – وهو في كتاب التوحيد يسمى كتاب التوحيد والرد على الجهمية؛ لانتشار مذهب الجهم نفي الصفات وتعطيل الرب من أسمائه وصفاته.

هذا هو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم من تقسيم التوحيد إلى قسمين: توحيد في المعرفة والإثبات، وهذا يشمل توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الإلهية والعبادة، والأصل أن توحيد الأسماء والصفات داخل في توحيد الربوبية، لكن فُصل عنه بسبب ما أُثير حوله من الشُبه من قِبَل نُفاة الصفات، فجعله العلماء قسمًا ثالثًا.

 

[14] يعني يقتصرون على توحيد الربوبية، بعض أهل الكلام وأهل التصوّف يقولون: المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية ويفسرون الإله في كلمة [لا إله إلا الله] لا خالق إلا الله، أو لا قادر على الاختراع إلا الله، ويظنون أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد، غاية التوحيد عندهم إثبات توحيد الربوبية، وهذا من جهلهم.

 

[15] نعم كما يُفسِّره بعض أهل الكلام و التصوّف.

أبي الحسن الأشعري و أتباعه. يقولون: لا إله إلا الله يعني يفسّرون: لا قادر و لا خالق إلا الله.

 

[16] هذا كلام شيخ الإسلام. هؤلاء من يسجد للشمس و القمر و الكواكب و يدعوها و يصوم و ينسك لها ويتقرب إليها يعني يذبح لها الذبائح ويصنع الأطعمة، كما يفعل الحاج في الإسلام من المناسك، ثم يقول: إن هذا ليس بشرك -سبحان الله!- و إنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة، الشرك يعني خاص بتوحيد الربوبية، فإذا جعلتها سببًا وواسطة لم أكن مشركًا. يقول الشيخ: ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد