شعار الموقع

شرح كتاب القاعدة المراكشية_4

00:00
00:00
تحميل
62

فإن القائل إذا قال: هذه النصوص أريد بها خلاف ما يفهم منها أو خلاف ما دلت عليه أو أنه لم يرد إثبات علو الله نفسه على خلقه[1]؛ وإنما أريد بها علو المكانة ونحو ذلك[2].

______________________

[1] بين المؤلف رحمه الله موقف أهل البدع من هذه النصوص، فقال إنهم  يقولون: إن هذه النصوص يراد بها خلاف ما يفهم منها، ويراد بها خلاف ما دلت عليه، ولا يراد بها إثبات علو الله على خلقه، وإنما يراد بها علو المكانة .

فالتمسوا لنصوص الصفات أنواع التأويلات الباطلة، وقالوا: لو وصفنا الله بهذه الصفات وسميناه بهذه الأسماء لشابه المخلوق، والله ليس كمثله شيء.

فإذا قلت لهم: هذه النصوص أخبر الله بها عن نفسه، أخبر بها رسوله عنه، فكيف لا تثبتونها؟ قالوا: هذه النصوص أريد بها خلاف ما يفهم منها، يراد بها معنى آخر معنى مجازي، فالمراد بقوله تعالى: ﭽﮏﮐﮑﮒﭼ [الأعراف:54] أي: استولى. والمراد بقوله: ﭽﭞﭟﭠﭼ[البينة:8] أي: أثابهم. والمراد بقوله: ﭽﮌﮍﮎﭼ [المجادلة:14] أي: عاقبهم. ولا نثبت الاستواء والمراد بقوله: ﭽﯻﯼﯽﭼ [البقرة:255] أي: علو مكانة وقدر، وليس المراد أنه فوق العرش مستو عليه .

 فهذا هو موقف أهل البدع من نصوص الصفات .

[2] هذا قول الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فيما عدا الصفات السبع، التي يثبتونها وهي: الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة والإرادة، وما عداها فيتأولونها كالمعتزلة والجهمية.

 

 

 

كما قد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع[1]، فيقال له: فكان يجب أن يبين للناس الحق الذي يجب التصديق به باطنا وظاهرا .

_______________________

[1] بسط المؤلف رحمه الله الكلام عن هذا في مجموع الفتاوى وفي التدمرية وفي الحموية وفي بيان تلبيس الجهمية وغيرها من كتبه.

[2] أجاب المؤلف عن هذا التأويل الباطل فقال لهذا المتأول: لو كان المراد بهذه النصوص خلاف ما يفهم منها و ما دلت عليه من إثبات علو الله وإنما المراد بها علو المكانة لكان ذلك خلاف الظاهر و الحقيقة، ولصار المراد بها المعنى المجازي، والله تعالى قد وصف نبيه بأنه قد بين للناس مرجعهم، ووصف الكتاب العزيز بأنه مبين وأنه حكيم، فكيف يريد بهذه النصوص المعنى المجازي بدون أن يأتي بقرينة تدل على المراد؟

لو كان المراد بها علو المكانة لقال الرسول e وهو أفصح الناس: ليس المراد بها علو الله على خلقه المراد بها علو المكانة. حتى لا يضل الناس، ومعنى هذا أن نصوص الكتاب والسنة أضلت الناس كما سيبين المؤلف رحمه الله، وقد قالوا إن ظاهر الكتاب والسنة يفيد الكفر والباطل، ونحن نريد أن ننزه كلام الله عن الباطل فلا نأخذ بظاهرها بل نتأولها حتى لا نقع في الكفر. جميع أهل البدع، يقولون الذي يثبت الصفات لله ويقول أن الله مستو على العرش وأنه يتكلم حقيقة وله علم حقيقة وله سمع وبصر حقيقة هذا كافر، قالوا: لأنه تنقص الرب ووصفه بصفات المخلوقين وشبه الله بخلقه .

 قالوا: ظاهر القرآن وهو السميع البصير فيه إثبات السمع واثبات البصر وهو العليم الحكيم إثبات العلم والحكمة رضي الله عنهم إثبات الرضا غضب الله عليهم إثبات الغضب وهو العليم العظيم إثبات العلو ولو أثبتنا هذه النصوص لكان المخلوق أيضا يوصف بأنه يرضى وبأنه سميع وبأنه بصير وبأنه في العلو فنكون شبهنا الله بخلقه ومن شبه الله بخلقه كفر؛ لأن الله يقول: ﭽ ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭼ [الشورى:11] فما المخرج قالوا: نتأول هذه                                                                 =

بل ويبين لهم ما يدلهم على أن هذا الكلام لم يُرَد به مَفْهُومُه ومقتضاه[1]، فإن غاية ما يُقَدَّرُ أنه تكلم بالمجاز المخالف للحقيقة[2] والباطن المخالف للظاهر .

______________________

=النصوص، ونقول: المراد بها المعنى المجازي لا الحقيقة والذي دلنا على ذلك ما هو العقل، فالعقل هو الذي صرف النصوص عن ظاهرها إلى المعنى المجازي؛ لأننا لو أبقيناها على حقيقتها لكانت متضمنة للكفر والعياذ بالله.

هكذا وصفوا كتاب الله وسنة نبيه بأن ظاهرهما الكفر، والعياذ بالله.

المؤلف رحمه الله يقول: لو كان المراد بها المعنى المجازي كما تقول لكان الواجب على الرسول أن يبين للناس ويقول أفهموا من النصوص المعنى المجازي لأن الله وصفه بأنه يبين فقال: ﭽ ﭥ   ﭦ     ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭼ [النحل:44]، فإذا سكت ولم يبين يكون قد كتم الحق وخان الأمة والعياذ بالله وهذا كفر وردة.

[1] يعني الرسول أن e حينما أخبر بهذا الكلام لم يرد مفهومه ومقتضاه وإنما أراد المعنى المجازي، فكان يجب عليه في هذه الحالة أن يبين لهم حتى يعتقدوا الحق ولا يعتقدوا الباطل.

[2] يعني: إذا قلنا إن المراد بالعلو علو المكانة صار المراد المعنى الباطل، و الظاهر العلو الحسي  _علو الذات_، فإذا قلتم: المراد علو المكانة، صار المراد المعنى الباطل، فلا بد أن يبين الرسول e، ويقول ما أردت المعنى الظاهر وإنما أردت المعنى الباطن. 

 

 

 

 

ومعلوم باتفاق العقلاء أن المخاطِبَ المبَيِّنَ إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي[1]؛ فإذا كان الرسول المبلغ المبين الذي بين للناس ما نزل إليهم[2] يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه،كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يُرِد[3]، لا سيما إذا كان باطلا لا يجوز اعتقاده في الله[4]، فإن عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده إذا كان ذلك مخوفا عليهم[5].  

_______________________

[1] يعني أن الذي يخاطب الناس حينما يتكلم، إن كان يريد به المعنى الحقيقي يسكت لأنه هذا هو الذي يفهم منه، وإن كان يريد به معنى مجازي فلا بد أن يبين حتى لا يضل الناس، والرسول هل قال ليس المراد بهذه النصوص ظاهرها؟ لم يقل .

[2] إشارة إلى قوله تعالى: ﭽﭥ  ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭼ [النحل:44].

[3]إذا كان يعلم أنه ما أراد المعنى الظاهر الحقيقي وإنما يريد المعنى المجازي، عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد، يقول ما أردت هذ،ا وإنما أريد علو المكانة والقهر والسلطان لا علو الذات. وهل قرن ذلك؟ ما قرن.

ومعنى قوله: (لم يُرِد)أيلم يُرِد هو.

[4] إذا كان المعنى باطل لا يجوز اعتقاده في الله يجب عليه أن يبين للناس .

[5] إذا كان يخشى عليهم أن يعتقدوا اعتقادا باطل يجب عليه أن ينهاهم عن ذلك.

 

 

 

 

ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك فكيف إذا كان خطابه هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي يقول النفاة هو اعتقاد باطل[1]. فإذا لم يكن في الكتاب ولا السنة ولا كلام أحد من السلف والأئمة ما يوافق قول النفاة أصلا[2]، بل هم دائما لا يتكلمون إلا بالإثبات[3]؛ امتنع حينئذ ألا يكون مرادهم الاثبات، وأن يكون النفي هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه[4]، وهم لم يتكلموا به قط ولم يظهروه، وإنما اظهروا ما يخالفه وينافيه .

_______________________

[1] إذا كان خطابه يدل على اعتقاد ثبوت هذه الصفات، والنفاة يقولون هذا اعتقاد باطل ،نقول لماذا لم يبين للناس أن المراد بها المعنى المجازي، ويقول لهم: إنما أردت المجازي ولا تعتقدون المعنى الظاهر، وهذا واضح .

[2] أي ليس في الكتاب ولا في السنة ولم يتكلم أحد من السلف بأن المراد نفي الصفات، وأن المراد بهذه النصوص نفي العلو.

[3] السلف لا يتكلمون إلا بإثبات .

[4] يعني إذا لم يكن في الكتاب ولم يكن في السنة ولا في كلام السلف والأئمة ما يوافق قول النفاة الذين يقولون بنفي الصفات وإنما فيه أنهم تكلموا بالإثبات أي: إثبات الأسماء والصفات، فحينئذ نقول يمتنع ويستحيل أن يكون مرادهم النفي وإنما مرادهم الإثبات؛ لأن الكتاب دال على الإثبات، والسنة دلت على الإثبات وكلام السلف دال على الإثبات فكيف نقول إنه دل على النفي؟! فيستحيل أن يكون مرادهم النفي وهم ما تكلموا بالنفي، و يستحيل أن يكون النفي هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه وهم لم يتكلموا به قط ولم يظهروه، وإنما أظهروا ما يخالفه وينافيه؛ من إثباتهم للأسماء والصفات وردهم على أهل البدع، ولو كان مرادهم النفي لتكلموا به ولأظهروه ما الذي يمنعهم؟

 

 

وهذا كلام مبين لا مخلص لأحد منه، لا مخلص لأحد عنه[1]، لكن للجهمية المتكلمة هنا كلام وللجهمية المتفلسفة كلام[2] .

_____________________

[1] يعني هذا كلام واضح لا يستطيع النفاة أن يتخلصوا عنه، أو أن يجيبوا عنه، ولهذا قال المؤلف: (وهذا كلام مُبَيّن لا مخلص لأحد عنه) يقولون: الله وكلنا إلى العقول، فعرفنا بعقولنا أن هذا لا يليق بالله. نقول لهم: لو كان هذا لا يليق بالله،، لماذا أنزل الله الكتاب والسنة؟ أنزلهما للعمل والتدبر والفهم والتطبيق، هاتوا حرفاً واحد يدل على قول النفاة من الكتاب العزيز أو من السنة أو من قول السلف لا تجدون،  فكيف تحملونه على المعنى المجازي، هذا لا يمكن لو كان يراد المعنى مجازي لكان تكلم به بعض السلف أو وجد بعض الآيات أو بعض النصوص تدل على ذلك، ولكن لم يوجد ولو حرف واحد لا في كلام الله ولا في سنة رسوله ولا في كلام السلف ولا في كلام الأئمة ما يدل على النفي .

[2] ذكر المؤلف كلام الجهمية، وهم طائفتان: الجهمية المتكلمة وهم المعتزلة والأشاعرة، وسموا بالجهمية المتكلمة لأنهم أهل كلام وأهل بدع، وجهمية متفلسفة الذين أصلهم فلاسفة اليونان والرومان، وكل من الجهمية المتفلسفة وكل من الجهمية المتكلمة يتفقون على نفي الصفات والأسماء عن الله عز وجل، ولكن يختلفون في الطريقة التي يقولون إنها صرفت النصوص عن ظاهرها .

والجهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان الراسبي، هو الذي أظهر ونشر القول بنفي الصفات، فنسب مذهب النفاة إليه فقيل: الجهمية، ولكن أول من تكلم في الإسلام بنفي الصفات هو الجعد ابن درهم، وأنكر من الصفات صفتين: صفة الكلام وصفة الخُلَّة، وقال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما.

وإذا أنكر كلام الله فإنه يلزم من ذلك إنكار الكتب المنزلة وإنكار الرسل والأنبياء، ويلزم من ذلك أيضاً أن لا يكون فيه بعث ولا جنة ولا نار.

وكذلك المحبة قال معناها الخلة أي الفقر، فقال: ليس معنى أن الله اتخذ إبراهيم خليلا أي أنه محبوب عند الله؛ بل معناه أنه فقير محتاج إلى الله. ولو كان الخليل فقير محتاج إلى الله لصار الكفار أيضاً فقراء محتاجون إلى الله! ولم يكن هناك ميزة للخليل .

 كل الناس فقراء إلى الله، الخلة والمحبة يريد أن يقطع المدد والصلة بين الله وبين خلقه. لا كتاب ولا رسول ولا محبة.

ولهذا شدد  الإنكار عليه علماء زمانه من التابعين، حتى أفتوا باستحقاقه للقتل، فقتله خالد ابن عبدالله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، يوم عيد الأضحى، أتى به مقيدا وذبحه بالسكين، وكان هو الذي يخطب بالناس، صلى بالناس صلاة العيد ثم صعد المنبر وخطب الناس خطبة العيد، وقال في آخر الخطبة الثانية: (ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد ابن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما)، ثم نزل وأخذ السكين وذبحه، والناس ينظرون. فشكره العلماء وأثنوا عليه ومن ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية فقال(1):

     ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ال           قسري يوم ذبائح  القربان  

   إذ قال  إبراهيم ليس خلـــيله         كلا ولا موسى  الكليـــم الداني        

    شكر الضحية كل صاحب سنة                لله درك مـــن أخي قربان

ولا شك أن قتله يعدل في الفضل والأجر ضحايا كثيرة؛ لأن قتله فيه قطع لدابر الشر والفساد، لكن قبل أن يقتل كان قد اتصل به الجهم بن صفوان، فنشر مذهب الجهمية وتوسع في نفي الصفات، واتصل أيضا بغيره من الصابئة والكفار، فنشر عقيدة نفي الصفات وتوسع في نشرها، فنسبت عقيدة نفي الصفات إليه فقيل: الجهمية، وإلا فالأصل أن الجعد هو أول من تكلم بذلك ويقال لهم الجعدية .

وقد قتل الجهم أيضا على يد سلم ابن أحوز أمير خراسان(3) .

 والجهم ينكر الأسماء والصفات جميعا، وقد ناظره قوم من فلاسفة الهند يسمون: السمنية اتصل بهم الجهم وشككوه في إلهه وربه، وكان هؤلاء السمنية لا يؤمنون إلا بالمحسوسات الخمس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وما عاده ينكرونه .

 فلما التقى بهم الجهم قالوا له: إلهك هذا الذي تعبد هل رأيته بعيينك؟ قال: لا. قالوا: هل سمعته بأذنيك؟ قال: لا. قالوا: هل ذقته بلسانك؟ قال: لا. قالوا: هل جسسته بيدك؟ قال: لا. قالوا هل شممته بأنفك؟ قال: لا. قالوا: إذا هو معدوم . فشك في ربه وترك الصلاة أربعين يوما، ثم لما مضت الأربعين نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا مطلقا، فسلب عن الله جميع الأسماء والصفات، وأثبت لله وجوداً في الذهن بدون أسماء ولا صفات.

ثم تقلد المعتزلة هذه العقيدة، وكذلك الأشاعرة فصار عندهم نوع من التجهم والمعتزلة كذلك فيقال: جهمية المعتزلة، جهمية الأشاعرة، ويقال لهم: جهمية المتكلمين .

وهناك جهمية متفلسفة، وهم أشد من الجهمية المتكلمة الذين جاءوا مع الملاحدة وأنكروا الأسماء والصفات وسلبوا النقيضين .

وأصل الفلسفة محبة الحكمة (فِيْلا سُوْفَا) يعني: محب الحكمة . ثم بعد ذلك جاء المتأخرون من فلاسفة الروم واليونان وغيرهم، فصاروا ملاحدة ينكرون الأسماء والصفات .

 فالجهمية جهمية متكلمة وجهمية متفلسفة كل منهم ملاحدة ينكرون الأسماء والصفات، ولا يؤمنون بأسماء الله وصفاته .

والفلاسفة هم العلماء في كل أمة، كل أمة لها متفلسفة وهم الحكماء فالرومان لهم فلاسفة واليونان لهم فلاسفة والبربر لهم فلاسفة وكل دولة لها فلاسفة، لكن اشتهر فلاسفة اليونان المتأخرون وزعيمهم يقال له إرسطو، ويقال: إرسطا طاليس، وكان مشركاً يعبد الأصنام والأوثان، ويسمون بالفلاسفة المشائين؛ لأنهم يدرسون عقائدهم وهم يمشون .

ثم جاء المعلم الثاني أبو نصر الفارابي، ثم جاء المعلم الثالث أبو علي ابن سينا، والذي حاول أن يقرب الفلسفة من الإسلام، وهو في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم .                                                              

فهؤلاء الملاحدة فلسفتهم هي الدائرة والمتنشرة، وكان الفلاسفة قبل إرسطو يعظمون الشرائع والإلهيات ويثبتون الصفات، حتى جاء آخرهم أفلاطون، حتى تتلمذ عليه إرسطو فخالف شيخه وهو تلميذ عاق، وهو أول من قال بقدم العالم، ومعنى القول بأن العالم قديم أنه إنكار لوجود الله، وكان الفلاسفة من قبله يقولوا إن العالم حادث، والله أوجده .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أما المتفلسفة والقرامطة[1] فيقولون؛ إن الرسل كلموا الخلق بخلاف ما هو الحق وأظهروا لهم خلاف ما يبطنون، وربما يقولون إنهم كذبوا لأجل مصلحة العامة[2].

___________________________

 [1] القرامطة فرقة باطنية، وسموا بذلك نسبة إلى قِرْمِط ابن حمدان، وهؤلاء ملاحدة يقولون إن للشريعة ظاهراً وباطن، فالظاهر لعامة الناس، والباطن لهم، فمثلا يقولون: الصلاة لها ظاهر وباطن، ظاهرها الصلوات الخمس هذه لعامة الناس، ومن عامة الناس الرسل والأنبياء، وأما الخاصة لهم الباطن وهو معرفة أسرار شيوخهم . هذه هي الصلاة عندهم معرفة أسرار الشيوخ.

والصيام له ظاهر وباطن، فالظاهر للمسلمين وهو الإمساك عن المفطرات بنية من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، والباطن هو: كتمان أسرار شيوخهم، إذا كتمت سر الشيوخ هذا هو معنى الصيام عندهم .

والحج له ظاهر وباطن، فظاهره للمسلمين وهو حج المسلمين إلى بيت الله الحرام وأداء المناسك، والباطن هو: السفر إلى شيوخهم .

[2] هؤلاء الملاحدة يقولون إن الرسل كذابون كلموا الخلق بخلاف ما هو الحق، لأجل مصلحة الناس.

يقولون إن النبوة ليست هبة من الله، وإنما الرسول والنبي رجل عبقري عنده ذكاء قوي، فهو يكذب على الناس ويقول: فيه بعث وجزاء وجنة ونار ويأمر بالصلاة والصيام وهذا كله كذب، قالوا: لأن مصلحة الناس تقتضي هذا، كذب لمصلحة الناس، كذب لهم ولم=

 

 

 

فإن مصلحة العامة لا تقوم إلا بإظهار الإثبات وإن كان في نفس الأمر باطلا[1]. وهذا مع ما فيه من الزندقة البينة والكفر الواضح: قول متناقض في نفسه[2] .

_______________________

=يكذب عليهم. قالوا: فرق بين أن تكذب لهم وبين أن تكذب عليهم، أن تكذب له يعني لأجل مصلحته، حتى يتعايش الناس بسلام، وحتى لا يعتدي أحد على أحد إذا قيل لهم إن هناك جنة ونار وحساب وعقاب، هذا حتى يتعايش الناس بسلام حتى لا يعتدي أحد على أحد وإلا فالواقع ما فيه لا جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب .

[1] يقولون الرسل كذبوا على الناس وأخبروهم بخلاف الحق لأن مصلحة الناس تقتضي هذا ما تقوم مصلحتهم إلا بإظهار الإثبات وإلا في الواقع ما فيه شيء من هذا، ليس هناك لهذه الأشياء حقيقة .

هؤلاء ملاحدة زنادقة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله هؤلاء: أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى.

[2] بدأ المؤلف رحمه الله في الرد عليهم، ذلك من وجهين:

 الأول: أن كلامكم هذا زندقة وكفر واضح، فهم زنادقة ومنافقون في الدرك الأسفل من النار إذا ماتوا على ذلك .

والثاني: أنه قول متناقض في نفسه مع كونه كفر صريح ونفاق، فهذا القول متناقض غير مستقيم، أَيُّ عاقل يعرف أنه متناقض .

 

 

 

 

فإنه يقال: لو كان الأمر كما تقولون والرسل من جنس رؤسائكم؛ لكان خواص الرسل يطلعون على ذلك؛ ولكانوا يطلعون خواصهم على هذا الأمر[1]. فكأن يكون النفي مذهب خاصة الأمة وأكملها عقلا وعلما ومعرفة[2]. والأمر بالعكس[3]؛ فإن من تأمل كلام السلف والأئمة، وجد أعلم الأمة - عند الأمة - كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبي بن كعب وأبي الدرداء وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأمثالهم؛ هم أعظم الخلق إثباتا[4].

________________________

[1] هذا بيان وجه كونه متناقضاً، وهو أنه لو كان الأمر كما تقولون من أن الرسل يعلمون في خاصة أنفسهم أن المذهب الحق مذهب النفاة، وأنه ما في جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب كان يطلعون الخواص، يخبرون خواصهم بالحقيقة وخواص الرسل هم وهم الصحابة، كأن يخبر أبا بكر وعمر يقول أنه ما في جنة ولا نار، نحن نتكلم بهذا لأجل  العامة أما أنت من الخواص فنخبرك بالواقع.

[2] لو كان الأمر كما تقولون لكان النفي مذهب الخواص وهم الصحابة، ويكون مذهب العامة الإثبات .

[3] لأن كلام السلف والصحابة كله إثبات الأسماء والصفات وإثبات الجنة والنار.

[4] هؤلاء هم خاصة الرسول ومذهبهم هو الإثبات، ولو كان الأمر كما تزعمون مع كونه كفر وزندقة لكان الرسول يطلع خواصه على المذهب الحق وهؤلاء خواصه وهم أعظم الخلق إثباتا، فبطل ما تدعونه من أن الرسل كذبوا لأجل مصلحة الناس، وأن الحق هو النفي دون الإثبات.

 

وَكَذَلِكَ أَفاْضَلُ التَّابِعِينَ: مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَمْثَالِهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَمْثَالِهِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَمْثَالِهِ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ[1]. بَلْ النُّقُولُ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ يخبر عَنْ إثْبَاتِهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ[2] وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ وَصَاحِبُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ مَا يُرْوَى : (أَنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ فَإِذَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُنْكِرْهُ إلَّا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاَللَّهِ)(1) تَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ[3] .

____________________________

[1]كذلك أفاضل التابعين لو كان الأمر كما يدعي هؤلاء الملاحدة لكان يجب أن يكون مذهبهم النفي كما هو الحال في الصحابة؛ وذلك أنهم من الخواص، والواقع أن مذهبهم الإثبات.

[2] يعني المنقول عن هؤلاء الأفاضل الإثبات، ونقل هذا الإثبات عنهم كثير من الناس.

[3] أبو إسماعيل الأنصاري الهروي له كتاب (منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين)، هذا الكتاب شرحه الإمام ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين)، وأبو إسماعيل الهروي له مواقف مشكورة ضد النفاة، لكن لما جاء في باب السلوك وقع فيما وقعت فيه الصوفية، ولما شرح ابن القيم هذا الكتاب بين ما فيه من الباطل، واعتذر له ودافع عنه، والمؤلف رحمه الله ذكره؛ لأنه معروف بإثبات الأسماء والصفات، فيحيى ابن عمار وصاحبه أبو إسماعيل الهروي تأولوا ما يروى على فرض صحته: (أَنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ فَإِذَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُنْكِرْهُ إلَّا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاَللَّهِ)(1) يعني لو صح هذا الحديث تؤولوه على ما جاء من الإثبات. وأهل العلم بالله هم الذي يثبتون الأسماء والصفات.

لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ الرَسُول وَالسَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ عَنْهُمْ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ[1] . وَقَدْ أجَمَعَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ فِي الْإِثْبَاتِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ[2] . وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ عَنْهُمْ فِي النَّفْيِ بِحَرْفِ وَاحِدٍ .

_______________________

[1] يقول رحمه الله: إن المعروف عن التابعين هو الإثبات وعلى ذلك تأولوا هذا الحديث (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله فإذا ذكروه لم ينكره إلا أهل الغرة بالله) تأولوه على أي شيء؟ تأولوه على الإثبات. (إن من العلم كهيئة المكنون) يعني إثبات الأسماء والصفات لله؛ لأن ذلك هو الثابت عن الرسول وهو الثابت عن السابقين والتابعين لهم بإحسان، بخلاف مذهب النفي فإنه لا يوجد عن الصحابة ولا عن التابعين ولا يمكن نقله عنهم .

وهذا الحديث باطل غير صحيح، في سنده رافضي خبيث فلا يقبل ولا كرامه، لكن مقصود المؤلف: أنه لو صح فهو محمول على الإثبات، ولكنه لم يصح.

ومقصود المؤلف رحمه الله: أن السلف والصحابة والتابعين على إثبات الأسماء والصفات لله خلافا لأهل البدع الذين ينفونها.

[2] علماء الحديث نقلوا وجمعوا من المنقول عن السلف والأئمة والتابعين والصحابة ومن وبعدهم من إثبات الأسماء والصفات نصوصهم وأدلتهم عدد كثير لا يحصيه إلا رب السماوات، ولم يقدر أحد أن يأتي عنهم في النفي بحرف واحد، ما تجد عنهم ولا حرف واحد فيه نفي الأسماء والصفات عن الله، بل كل النصوص التي وردت عنهم كلها في إثبات الأسماء والصفات لله، ولا تحصى كثرة، ولا يقدر أحد منهم أن يأتي بحر ف واحد يفيد النفي؛ إلا أن يكون من الأكاذيب .

 

إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَكاذيب المختلقةِ[1] الَّتِي يَنْقُلُهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ كَلَامِهِمْ[2]. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِمُجْمَلَاتِ سَمِعَهَا[3]، بَعْضُهَا كَذِبٌ وَبَعْضُهَا صِدْقٌ[4]. مِثْلُ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ e وَأَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثَانِ وَكُنْت كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا)(1) [5]. فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَثَرِ .

________________________

[1] أي المكذوبة .

[2] أي كلام السلف من الصحابة والتابعين .

[3] يتمسك بعمومات مجملة توضحها النصوص الأخرى .

[4] وهذا لا عبرة به، لكن المنقول عن علماء الحديث هو الإثبات.

[5] مثال المجملات التي هي كذب، هذا الحديث الذي ساقه المؤلف عن عمر t أَنَّهُ قال: (كَانَ النَّبِيُّ e وَأَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثَانِ وَكُنْت كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا). أي أنهما يتكلمان بنفي الأسماء والصفات عن الله، ولم أفهم كلامهما كأني زنجي بينهما، والزنوج أعاجم وليسوا بعرب.

 ويجاب عن هذا بأن نقول أولاً: أن هذا الحديث موضوع مكذوب، وقد ذكره المؤلف رحمه الله في الفتاوى، قال المؤلف في الأحاديث الموضوعة: هذا كذب ظاهر، ولا يرويه إلا جاهل أو ملحد .

وهذا غلط، فالرسول يتكلم بالعربية وأبو بكر يتكلم بالعربية، فكيف لا يفهم كلامهما عمر t! ولهذا قال المؤلف: (فهذا من الكذب باتفاق أهل العلم بالأثر)

 

 

وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِهِ فَهُوَ مُجْمَلٌ[1]، فإن قَالَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ[2] كَانَ مَا يَتَكَلَّمَانِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِمُوَافَقَتِهِ مَا نُقِلَ عَنْهُمَا، كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النفاة إنَّهُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِالنَّفْيِ[3] .

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جِرَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا قَالَ: حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e جِرَابَيْنِ :أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَبَثَثْته فِيكُمْ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْته لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْبُلْعُومَ(1)[4]. فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ لَكِنَّهُ مُجْمَلٌ[5].

______________________

[1] هذا هو الجواب الثاني، أي لو سلمنا جدلاً أنه صحيح، فهو مجمل تفسره النصوص الأخرى التي أثبتت الأسماء والصفات لله .

ونحن نسلم لهم من جهة حتى نرد عليهم من جهة أخرى، مثل الفارس الذي يكر على العدو والعدو في مكمنه، فيوهم أنه فر حتى يخرج عليه من مكمنه، فإذا خرج كر عليه وضربه وقاتله، فكذلك نحن نسلم من جهة حتى نضرب الخصم من جهة أخرى .

[2] لعل صواب العبارة: (فإن قول أهل الإثبات) وهو أحسن .

[3] هذا الحديث كذب ولو قدر صحته فيكون قول أهل الإثبات مقدم على قول أهل النفي، فيفسر بما يوافق قول النفاة ولا يفسر بما يقوله أهل النفي؛ لأنه يوافق ما نقل عن أهل الإثبات .

[4] هذا الحديث صحيح، وقد رواه البخاري في كتاب العلم .

[5] قوله: (أما وعاء بثثته فيكم)، أي حدثتكم به وأخبرتكم به، وأما الثاني كتمته (وأما الآخر لو فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم) أي أني كتمته، ولو أخبرتكم به لقتلت. يقول t: حفظت عن النبي e قسمين؛ قسم حدثتكم به وقسم سكت عنه، فالذي سكت عنه أخشى من القتل لو بثثته. قال العلماء: الذي بث فيهم هي أحاديث =

وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا: أَنَّ الْجِرَابَ الْآخَرَ كَانَ فِيهِ حَدِيثُ الْمَلَاحِمِ [1] ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ[2]؛ بَلْ الثَّابِتُ الْمَحْفُوظُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَحَدِيثِ إتْيَانِهِ سبحانه يَوْمَ الْقِيَامَةِ(1)، وَحَدِيثِ النُّزُولِ(2)، وَالضَّحِكِ(3) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كُلُّهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ[3] .

_______________________

=الأحكام والسنن، والذي سكت عنه هي أحاديث الملاحم وأمراء الظلمة في آخر الزمان، وهذه لا تتعلق بدين الناس في شيء .

[1] كما في صحيح البخاري وأحاديث الملاحم والفتن وأمراء الجور والظلم.

[2] لو قدر فرضاً أن فيه ما يتعلق بالصفات هذا الجراب لكان فيه ما يدل على الإثبات ولم يكن فيه ما يدل على النفي.

[3] لأن كل المحفوظ من حديث أبي هريرة كل الأحاديث التي حدث بها الإثبات دون النفي، كَحَدِيثِ"إتْيَانِهِ سبحانه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهو حديث الرؤية الطويل، وفيه: (يأتيهم الله في صورته التي يعرفون)([1]) فهذا الحديث فيه إثبات الاتيان لله عز وجل في يوم القيامة على ما يليق بجلال الله وعظمته، كما قال تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) [البقرة الآية: 210]، وقوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) [الفجرة الآية: 22]، (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) [البقرة الآية: 210]، فحديث إتيان الله جاء في القرآن والسنة .

وكذلك حَدِيثِ النُّزُولِ، وهو حديث متواتر رواه أهل السنن والمسانيد، وهو قوله e: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)([2]) حتى يطلع الفجر. وهذا النزول يليق بجلال الله وعظمته، فنؤمن بأن الله ينزل ولا نعلم كيف ينزل، وهو فوق العرش  =

 

 

 وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النفاة[1] .

________________________

وكذلك حديث الضَّحِكِ، وفيه: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الأخر يدخلان الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد)([3]) يعني اثنان كافر ومسلم، مسلم يقاتل الكفار في المعركة، فالكافر قتل المسلم فصار شهيدا، ثم من الله على الكافر بالإسلام فتاب الله على الكافر الذي أسلم واستشهد، فكلاهما يدخل الجنة .

وهذا الحديث فيه إثبات الضحك لله على ما يليق بجلاله وعظمته، وإثبات الضحك ورد في أحاديث كثيرة منها: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد)([4]).

[1] بل كل الذي نقل عن أبي هريرة هو الإثبات، فيحمل ما في الجراب لو كان فيه شيء من الصفات لحمل على الإثبات، وبهذا انتهى الرد على الجهمية المتفلسفة .

 

 

 

(1) النونية بشرح ابن عيسى (1/50) .

(3)     السير (6/26-27)، لسان الميزان (2/142)، الأعلام (2/141) .

(1)     حديث ضعيف جداً، بل موضوع؛ أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في خلاف الصوفية (ق 8/2)، وفيه عبدالسلام بن صالح وهو أبو الصلت الهروي، وقد كذب العقيلي، وابن طاهر واتهم بوضع أحاديث كما قال الشيخ الألباني، وانظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني (870).

2)      تقدم فيما قبله.

(1) حديث موضوع، انظر: مجموع الفتاوى (11/109)، والمنار المنيف (115) .

(1)     خبر صحيح؛ أخرجه البخاري (120).

(1)     حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182)، وأحمد في المسند (2/275- 276، 533-534)، وابن أبي عاصم في السنة (453، 475)، وابن حبان في صحيحه (7429) من طريق أبي هريرة t.

(2)     حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758)، وأبو داود (1315)، والترمذي (446)، وابن ماجة (1366)، وأحمد في المسند (2/267، 282، 419)، وابن أبي عاصم في السنة (492)، وابن حبان في صحيحه (920) كلهم من طريق أبي هريرة t.

(3)     حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (2826)، ومسلم (1890)، وابن ماجة (191)، وابن حبان في صحيحه (215) كلهم من طريق أبي هريرة t.

([1])   حديث صحيح تقدم برقم (1).

([2])   حديث صحيح تقدم برقم (2).

([3])   حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (2826) واللفظ له، ومسلم (1890)، وابن ماجة (191)، وابن حبان في صحيحه (215)، كلهم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه.

([4])   حديث صحيح تقدم فيما قبله.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد