شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_13 من قوله وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا - الى قوله وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ بَيَانَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ

شرح كتاب الإيمان الكبير_13 من قوله وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا - الى قوله وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ بَيَانَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ

00:00
00:00
تحميل
24

(المتن)

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا، وَلَكِنْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَأَرَادَ بِهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيَّ، ثُمَّ شَاعَ الِاسْتِعْمَالُ، فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ.

وَلِهَذَا زَادَ مَنْ زَادَ مِنْهُمْ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا التَّخَاطُبُ، ثُمَّ هُمْ يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ أَشْهَرَ فِيهِ، وَلَا يَدُلُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَيْهِ، فَتَصِيرُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ نَاسِخَةً لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ.

وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ لِلْعُرْفِيِّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ ذَلِكَ تَقَدُّمُ وَضْعٍ، فَعُلِمَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْحَقِيقَةِ بِهَذَا لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالُوا: نَعْنِي بِمَا وُضِعَ لَهُ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ أَوَّلًا؛ فَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَخَاطَبُ بِهَا عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَبْلَهُ لَمْ تُسْتَعْمَلْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى شَيْءٍ آخَرَ.

وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا هَذَا النَّفْيَ؛ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا خِلَافُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُقْطَعَ بِشَيْءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ.

 

 

(الشرح)

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فإن المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ لا يزال يرد على أهل البدع الذين يقولون: إن الأعمال لا تدخل في مُسمى الإيمان، وأن إدخال الأعمال في مُسمى الإيمان مجاز، ولا يزال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن يرد على مَن قال إن اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز، وأنه لا دليل على هذا التقسم، وأنه تقسيمٌ حادث بعد القرون المفضلة، ولم يتكلم بها أهل اللغة، ولم يتكلم، ولم يتكلم بالصحابة ولا التابعون، ولا أهل القرون المفضلة، وإنما هو اصطلاحٌ حادث.

ويبينُ رَحِمَهُ اللهُ أن قولهم إن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وُضع له، والمجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له غير صحيح، وأنه ليس هناك وضعٌ متقدم، والمؤلف رَحِمَهُ اللهُ تحداهم أن يأتوا بدليل يدلُ على أن هناك وضعٌ سابق، وأن هناك وضعٌ سابق، ثم اسْتُعمل اللفظ في هذا الوضع السابق، ثم اسْتُعِمل في غير ما وُضع له.

وكذلك يبين رَحِمَهُ اللهُ أن، أن تقسيمهم الحقيقة إلى لغوية، وعُرفية، وشرعية أنه، أن هذا التقسيم أيضًا كذلك لا يدل على أن هناك وضعٌ ثابت، ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: " وَ " الْمَقْصُودُ " أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا" سبق أن، بيان أن الحقيقة اللغوية ما صار اللفظ دالًا عليها فيها على، على المعنى في اللغو، والحقيقة العرفية ما صار اللفظ دالًا عليها في العُرف.

والحقيقة الشرعية ما صار اللفظ دالًا على المعنى بالشرع، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: لا يستطيع هؤلاء أن يُثبتوا أن، أن هناك جماعة تواطئوا على وضعِ معنىً للفظ، ثم تواطئوا على نقلها مِن، مِن اللغةِ إلى العرف، ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَ " الْمَقْصُودُ " أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا وَلَكِنْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ وَأَرَادَ بِهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيَّ ثُمَّ شَاعَ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ".

المعنى أن، أنه ليس هناك وضعٌ سابق، ولكن تكلم بها بعض الناس لما تصوروا ما يحتاجون إليه، وأحسوا به، ألهمهم الله فتكلموا اللفظ بهذا المعنى، ثم شاع الاستعمال، فصار حقيقةً عُرفية بهذا الاستعمال.

يقول: "وَلِهَذَا زَادَ مَنْ زَادَ مِنْهُمْ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا التَّخَاطُبُ ثُمَّ هُمْ يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى بَعْضِ الْأَلْفَاظِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ أَشْهَرَ فِيهِ وَلَا يَدُلُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ نَاسِخَةً لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ لِلْعُرْفِيِّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ ذَلِكَ تَقَدُّمُ وَضْعٍ"

المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبين أنه ليس هناك وضعٌ متقدم، الحقيقة العُرفية، وهي ما صار اللفظ دالًا عليها، ما صار اللفظُ دالًا فيها على المعنى بالعُرف، قد يغلب على استعمالها على بعض الألفاظ، سيكون المعنى العرفي، العرفي الشرطي، ولا يدل عند الإطلاق إلا عليها، فتصير الحقيقة العرفية ناسخةً للحقيقة اللغوية، واللفظ اُستعمل في هذا الاستعمال الحادث العرفي، يعني اللفظ اُسْتُعمل في هذا الاستعمال الذي تعارف عليه الناس، فهو حادث، وهو حقيقة من غير أن يكون هناك وضعٌ سابق.

ولهذا قال المؤلف: "مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ ذَلِكَ تَقَدُّمُ وَضْعٍ، فَعُلِمَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْحَقِيقَةِ بِهَذَا لَا يَصِحُّ" وأنه ليس هناك تفسير للحقيقة بأن هناك وضعٌ متقدم، يعني هذا وضعٌ متقدم لهذا اللفظ يُسمى حادثة لغوية، ثم نُقل إلى الحادثة العرفية، يقول: ليس، هذا لا يصح؛ لأن هناك وضعٌ سابق.

"وَإِنْ قَالُوا: نَعْنِي بِمَا وُضِعَ لَهُ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ أَوَّلًا" هذا اعتراض، يكابر المؤلف عن اعتراضهم يقول: "وَإِنْ قَالُوا: نَعْنِي بِمَا وُضِعَ لَهُ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ أَوَّلًا؛ فَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَخَاطَبُ بِهَا عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَبْلَهُ لَمْ تُسْتَعْمَلْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى شَيْءٍ آخَرَ" لا تستطيعون أن تثبتوا أن هذه الألفاظ التي كان العرب تتخاطب بها، لم تُسْتعمل قبل ذلك بمعنىً آخر، بل هي، بل العرب وضعوها واستعملوها في هذا المعنى الذي وضعوه له، ولا يُسبق لها استعمالٌ سابق.

يقول: لا تستطيعوا أن تثبتوا هذا، ولا تستطيعون أن تنفوا استعمالًا سابقًا، وإذا لم تستطيعوا ذلك فلا يصح لكم أن تقولوا إن، إن هناك حقيقة لغوية، وهناك مجاز، وهناك مجاز، ولهذا قال المؤلف: "وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا هَذَا النَّفْيَ؛ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا خِلَافُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُقْطَعَ بِشَيْءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ".

ما معنى هذا؟ إنه أي بعض الألفاظ، الألفاظ التي يستعملها الناس يحتمل أنها حقيقة إذا كانت الألفاظ بعضها حقيقي، وبعضها مجاز يلزم من هذا أنه لا يُقطع بشيءٍ من الألفاظ أنه حقيقة؛ لاحتمال أنه يكون مجاز، فكل لفظ يستعمله الإنسان يقول لعل هذا مجاز، لعله اُستُعمل قبل ذلك في الحقيقة، لعله له قبل ذلك وضعٌ سابق هو حقيقةٌ لغويةٌ فيه، ثم نُقِل، ثم نقله الاستعمال إلى معنىً آخر، فأصبح مجازًا، ويلزم من هذا أنه لا يقطع شيءٍ من الألفاظ أنه حقيقة، وهذا لا يقوله عاقل.

لو قال الإنسان لا نلزم بأن هناك لفظ، بأن هناك لفظٌ حقيقة لاحتمال أن يكون مجاز، هذا كلام لا يقوله عاقل، معنى ذلك إنه جميع ما يتكلم به الناس ما يُلزم بأنه حقيقة، كله مجاز، وهذا لا يقوله عاقل، نعم.

(المتن)

ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا، نَجِدُ أَحَدَهُمْ يَأْتِي إلَى أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ إلَّا مُقَيَّدَةً، فَيَنْطِقُ بِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَتُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا نُطِقَ بِهَا مُجَرَّدَةً، وَلَا وُضِعَتْ مُجَرَّدَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: حَقِيقَةُ الْعَيْنِ هُوَ الْعُضْوُ الْمُبْصِرُ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ عَيْنُ الشَّمْسِ وَالْعَيْنُ النَّابِعَةُ وَعَيْنُ الذَّهَبِ؛ لِلْمُشَابَهَةِ.

لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ فَيُمَثِّلُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ لَفْظِ الرَّأْسِ.

يَقُولُونَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ.

ثُمَّ قَالُوا: رَأْسُ الدَّرْبِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ لِمَنْبَعِهَا وَرَأْسُ الْقَوْمِ لِسَيِّدِهِمْ وَرَأْسُ الْأَمْرِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْحَوْلِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ تِلْكَ الْمَعَانِي؟

(الشرح)

نعم، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: هؤلاء الذين يُقسمون الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، إلى حقيقة لغوية ومجاز، يقول: "نَجِدُ أَحَدَهُمْ يَأْتِي إلَى أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيَنْطِقُ بِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَتُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا نُطِقَ بِهَا مُجَرَّدَةً وَلَا وُضِعَتْ مُجَرَّدَةً".

إن هؤلاء الذين يُقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز يأتي بعضهم إلى لفظٌ مستعمل، يأتي لفظٌ مستعمل ذو قيود، ثم يُجرده عن القيود، وينطق به مُجردًا عن جميع القيود، ثم يدَّعي أن هذا هو الحقيقة، وأنه إذا جُرد عن القيود صار حقيقة، وإذا قُيد صار مجازًا، وقوله هذا ليس عليه دليل، ليس عنده دليل على هذا، على هذا القول، ليس عنده دليل يستدل به على أن العرب نطقوا به مُجردة، أو أنها وُضعت مجردة عن القيود؛ لأنها، لأنها الآن الاستعمال، إنما استعمالٌ مقيد، لا تستعمل إلى مقيدة.

فكونه يأتي ويجرده عن القيود، ويدَّعي أنها إذا جُردت عن القيود صارت حقيقة، هذا ليس عليه دليل، هذا من كيسه؛ لأنه ما عنده دليل يدل على أن العرب نطقوا بها مُجردة، مثالُ ذلك، والمؤلف، مثالُ ذلك: أن يقول شخص، أن يقول إنسان "مِثْلُ أَنْ يَقُولَ حَقِيقَةُ الْعَيْنِ هُوَ الْعُضْوُ الْمُبْصِرُ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ عَيْنُ الشَّمْسِ وَالْعَيْنُ النَّابِعَةُ وَعَيْنُ الذَّهَبِ؛ لِلْمُشَابَهَةِ".

يقول: العين، العين يُجردها مثلًا عين يُجردها ويدَّعي أنها إذا جُردت فهي حقيقة لغوية كالعين المبصرة، ثم تُقيد إذا قُيدت يُسمى بعين الشمس، لكن العين انصرف إلى العين المبصرة، ثم تُقيد، ويقال عين الشمس، عين نابعة، عين الذهب، فهذا، فهذا ليس عليه دليل أن يقول أن الأصل إنها وُضعت في العين المجردة، ثم سُمى بعين الشمس، قال عين الشمس، يقول هذا بخير، ويُسمى عين نابعة إلى الماء، نبع الماء في القيد، وعين الذهب كذلك، وعين جاسوس؛ الجاسوس أيضًا كذلك.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ" صحيح هذا من باب المشترك اللفظي؛ كلفظ العين، هذا يقول هذا من باب المشترك اللفظي، لفظ العين يُطلق على عينٍ باصرة، ويُطلق على عين الشمس، ويُطلق على العين النابعة من الماء، ويُطلق على عين الذهب، ويُطلق على عين الجاسوس، ويُطلق على العين التي يصيب بها الإنسان غيره فيمرض.

ستة أشياء تُطلق عليها لفظُ العين، اللفظ مشترك والمعاني مختلفة، وهو -- ((@ كلمة غير مفهومة- 12:23)) – المتواطئ، المتواطئ هو المعنى متفق، أو المترادف المعنى متفق، واللفظ مختلف، والمشترك، يكون لفظًا واحدًا والمعاني مختلفة.

ولهذا يمثل، يمثلون بغير العين، فيمثلون بلفظ الرأس، فيقولون: "يَقُولُونَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ" حقيقة يعني إذا جُرد عن القيود فهو حقيقة في رأس الإنسان، فيقول: هذا حقيقة، ثم إذا قُيد صار مجازًا، فيقال مثلًا: " رَأْسُ الدَّرْبِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ لِمَنْبَعِهَا وَرَأْسُ الْقَوْمِ لِسَيِّدِهِمْ وَرَأْسُ الْأَمْرِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْحَوْلِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ".

فهذا من أمثلته يقول: لفظ الرأس إذا جُرد عن القيود، فهو حقيقةٌ لغوية في رأس الإنسان مثلًا، وإذا أضيف صار مجازًا، يضاف يقال رأس الإنسان، وجذع الإنسان، رأس الدرب لأوله، رأس العين، يقول المؤلف رحمه العين: "وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا" حتى يتم لهم ما ادّعوه، يدَّعون أن لفظ الرأس إذا أُطلق فهو حقيقة لغوية في رأس الإنسان، وإذا قُيد كان مضاف مثلًا فإنه يكون مجازًا في رأس الإنسان، وفي رأس الدرب.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ" هذا اللفظ لابد، لابد له من قيد ما يُستعمل إلا مقيدًا، فلا يتم لهم ما ادَّعوه، ولهذا قال: "وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].

 هنا قال امسحوا برءوسكم هو مضاف مقيد، مضاف إلى الإنسان، "وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ تِلْكَ الْمَعَانِي" هذا القيد هو رءوسكم أُضيف الكاف إلى الإنسان يمنع أن يدخل فيه رأس الإنسان، ورأس الدرب، ورأس العين؛ لأنه أُضيف. إذًا الرأس لم يُستعمل إلا، إلا مُقيدًا، فلا يتم لهم ما ادّعوه من أنه إذا أُطلق فهو حقيقة، وإذا قُيد كان مجازًا، نعم.

(المتن)

فَإِذَا قِيلَ: رَأْسُ الْعَيْنِ وَرَأْسُ الدَّرْبِ وَرَأْسُ النَّاسِ وَرَأْسُ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ الدَّالِّ، وَمَجْمُوعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَا غَيْرُ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَاكَ؛ لَكِنْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكِ كُلِّ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَصَوَّرُ رَأْسُهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ أَوَّلًا هُوَ عَمَّا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا.

فَالنُّطْقُ بِهَذَا الْمُضَافِ أَوَّلًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ فَإِذَا قِيلَ: ابْنُ آدَمَ أَوَّلًا؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: ابْنُ الْفَرَسِ وَابْنُ الْحِمَارِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: بِنْتُ الْفَرَسِ مَجَازًا.

وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: رَأْسُ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: رَأْسُ الْفَرَسِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ إذَا قِيلَ: يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ.

(الشرح)

نعم، المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ لا يزال يبيِّن أن مَن يدَّعي أن الألفاظ المطلقة هي مُستعملة في غير ما وُضعت، استعمالها يكون حقيقة، وإذا قُيدت صارت مجازًا، يرد عليهم ويقول: "فَإِذَا قِيلَ: رَأْسُ الْعَيْنِ وَرَأْسُ الدَّرْبِ وَرَأْسُ النَّاسِ وَرَأْسُ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ الدَّالِّ".

هذا المقيد هنا مقيد رأس العين قُيد بالعين، رأس الدرب قُيد بالدرب، فهذا المقيد غير ذلك المقيد؛ لأن ذلك المقيد يقول وامسحوا برءوسكم، هذا مقيد، مقيد لأنه إلى رأس الإنسان، وهذا مُقيد لأنه رأس العين، أو رأس الدرب.

"فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ الدَّالِّ، وَمَجْمُوعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَا غَيْرُ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَاكَ"؛ فمجموع اللفظ في وامسحوا على رءوسكم غير مجموع اللفظ الدال قال رأس العين ورأس الدرب، ولكن اشتركا في بعض اللفظ؛ لفظ الرأس، وامسحوا برءوسكم، رأس الإنسان، رأس الدرب اشتركا في بعض اللفظ، هو لفظ الرأس.

"كَاشْتِرَاكِ كُلِّ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ" (ال)، (ال) لام التعريف مشتركة، الكتاب، الباب، الرجل، الشمس، القمر، كلها اشتركت في لفظ التعريف، لكنها مختلفة، فكذلك هنا، رءوسكم رأس الإنسان، رأس الدرب، رأس كلها هذه اشتركت في بعض الأشياء، ولا يُقال أنه إذا جُردت صار بعضها حقيقة، إذا جُردت صارت حقيقة، وإذا قُيدت صارت مجاز.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَصَوَّرُ رَأْسُهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ أَوَّلًا هُوَ عَمَّا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا، فَالنُّطْقُ بِهَذَا الْمُضَافِ أَوَّلًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ثَانِيًا"، يعني: لو قُدر، المؤلف يقول: لو قُدر يعني فرضًا، لو قُدر فرضًا يعني، والتقدير ما هو؟ هذا لا يكون، التقدير ليس لشيءٍ واقع، بل هذا من باب، من باب التقدير لبيان بطلان ما يدَّعيه الخصم.

فقال: "وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا" ثم نطق ثانية برأس العين، ورأس الدرب، ولأن الإنسان يتصور الرأس قبل غيره، فالنطق بهذا المضاف أولًا لا يمنع أن ينطق به مضافًا إلى غيره ثانية، ولو قُدر أنه نطق أولًا برأس الإنسان، لا يمنع أن ينطق به في المرة الثانية رأس العين، رأس الدرب، ولا يكون هذا من المجاز كما في -- ((@ كلمة غير مفهومة- 18:35)) --، هذا مضاف وهذا مضاف، ليس بأحدهما بأولى من الآخر.

فإذا قيل: هذا حقيقة، وهذا مجاز، يُقال: ليست بأحدهما بأولى من الآخر، هذا مُقيد، وهذا مُقيد، ولا تستطيع أن تثبت أن هذا وُضع قبل هذا، كما في سائر المضافات، فإذا قيل، فمثلًا يقول المؤلف: " فَإِذَا قِيلَ: ابْنُ آدَمَ أَوَّلًا؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: ابْنُ الْفَرَسِ وَابْنُ الْحِمَارِ مَجَازًا ".

إذا قيل ابن آدم، لو قال شخص نطق به، لو فرضنا أنه نطقه أولًا ابن آدم، ثم نطقه ثانيًا، فقالوا ابن الفرس، وابن الحمار، فلا يُقال إن الثاني مجاز، والأول حقيقة، لأن نطق بهذا عند الحاجة، ونطق بالثاني عند الحاجة، ولا تستطيعون أن تثبتوا وضعًا متقدمًا.

يقولون: "وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ" إذا نطق العرب أولًا وقالوا بنت الإنسان، ثم نطقوا ثانية وقالوا: بنت الفرس، فلا يُقال إن الثاني مجازًا، نطقوا بهذا عند الحاجة، ونطقوا بهذا عند الحاجة، فليس هناك حقيقة، وليس هناك مجاز، بل كلهم، بل كلها استعمالٌ واحد.

"وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: رَأْسُ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: رَأْسُ الْفَرَسِ مَجَازًا" لأن هذا استعمال، وهذا استعمال، " وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ إذَا قِيلَ: يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ" يعني الإنسان أو للحيوان، أو لغيره فليس لأحدُ الاستعمالين حقيقة والآخر مجازًا، بل كلها اُستُعملت كلها حقيقة، نعم، كلها استعمالها على حسب الحاجة، استعملت العرب على حسب الحاجة، وحسب تصورها، وإحساسها فيما تحتاج إليه، نعم.

(المتن)

فَإِذَا قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيمَا أُضِيفَ إلَى الْحَيَوَانِ؛ قِيلَ: لَيْسَ جَعْلُ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةَ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ مَا أُضِيفَ إلَى الْإِنْسَانِ رَأْسٌ ثُمَّ قَدْ يُضَافُ إلَى مَا لَا يَتَصَوَّرُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ عَامَّةِ النَّاطِقِينَ بِاللُّغَةِ.

فَإِذَا قِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي هَذَا فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي رَأْسِ الْجَبَلِ وَالطَّرِيقِ وَالْعَيْنِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُضَافُ إلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمَسَاكِنِهِ؛ يُضَافُ مِثْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُضَافُ ذَلِكَ إلَى الْجَمَادَاتِ؛ فَيُقَالُ: رَأْسُ الْجَبَلِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ وَخَطْمُ الْجَبَلِ أَيْ أَنْفُهُ وَفَمُ الْوَادِي وَبَطْنُ الْوَادِي وَظَهْرُ الْجَبَلِ وَبَطْنُ الْأَرْضِ وَظَهْرُهَا، وَيُسْتَعْمَلُ مَعَ الْأَلِفِ وَهُوَ لَفْظُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ أَنَّ الظَّاهِرَ لِمَا ظَهَرَ فَتَبَيَّنَ وَالْبَاطِنَ لِمَا بَطَنَ فَخَفِيَ.

الشيخ: يستعملُ ايش؟

القارئ: وَيُسْتَعْمَلُ مَعَ الْأَلِفِ.

الشيخ: ألف الجبل..

(المتن)

وَيُسْتَعْمَلُ مَعَ الْأَلِفِ وَهُوَ لَفْظُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ: أَنَّ الظَّاهِرَ لِمَا ظَهَرَ فَتَبَيَّنَ، وَالْبَاطِنَ لِمَا بَطَنَ فَخَفِيَ، وَسُمِّيَ ظَهْرُ الْإِنْسَانِ ظَهْرًا؛ لِظُهُورِهِ، وَبَطْنُ الْإِنْسَانِ بَطْنًا؛ لِبُطُونِهِ.

(الشرح)

نعم، المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يجيب عن اعتراضٍ مُقدر تقدير، وهو أنه "فَإِذَا قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيمَا أُضِيفَ إلَى الْحَيَوَانِ"؛ يعني حقيقةٌ فيما أضيف إلى الحيوان أي هو مجازًا فيما أضيف إلى غير الحيوان، فمثلًا إذا قيل رأسُ، رأسُ الإنسان، رأسُ، أو مثلًا مثل المسألة السابقة الابن، ابن آدم، ابن فرس، ابن الحمار.

إذا قيل: إنه حقيقةً فيما أضيف إلى الحيوان، ومجازًا مثلًا فيما أُضيف إلى الجماد يقال "لَيْسَ جَعْلُ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةَ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ مَا أُضِيفَ إلَى الْإِنْسَانِ رَأْسٌ" فرأسُ الإنسان ورأس الحيوان، ورأس الدرب، ورأس الحول، فإذا قال قائل هو حقيقة  إذا أضيف  إلى الحيوان، رأس الإنسان، رأس الحيوان، ومجاز إذا أُضيف إلى الشخص، رأس الشخص، أو غيره.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: إذا اُعتُرض وقيل إن رأس الإنسان، ورأس الحيوان حقيقة إذا أُضيف إلى الحيوان صار حقيقة رأس الإنسان، ورأس الحيوان، وإذا أُضيف إلى الجماد رأس الحول مثلًا، ورأس الشهر، ورأس الدرب، فهو مجاز، يقول: ليس جعل أحدهما حقيقة بأولى من جعل الآخر هو الحقيقة " لَيْسَ جَعْلُ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةَ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ مَا أُضِيفَ إلَى الْإِنْسَانِ رَأْسٌ" لأنه ليس هناك دليل يدل على أن هناك وضعٌ سابق. وإذا لم يكن هناك دليل على أن هناك وضعٌ سابق، فجَعْلُ أحدهما حقيقة، والآخر لاستحقَّ -- ((@ كلمة غير مفهومة- 23:20)) –.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "ثُمَّ قَدْ يُضَافُ إلَى مَا لَا يَتَصَوَّرُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ عَامَّةِ النَّاطِقِينَ بِاللُّغَةِ. فَإِذَا قِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي هَذَا فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي رَأْسِ الْجَبَلِ وَالطَّرِيقِ وَالْعَيْنِ" الحيوانات، الحيوانات والصغار وبعض هكذا هذه يقال حقيقة وفي الحيوانات الكبار التي لم تخطر ببال عامة الناطقين.

فإذا قيل أنه حقيقة في هذا الحيوانات الصغار، والكبار، فلماذا لا يكون حقيقةً في رأس الجبل، والطريق والعين؟ وكذلك سائر ما يُضافُ إلى الإنسان من أعضائه وأولاده ومساكنه؟ يُضاف مثله إلى غيره، يُضاف إلى مثلًا يد الإنسان تقال له يد، ويقال: فلانٌ له يد، يعني يد ويقال: فلان له يد عضد، ويقال فلان له يد: يعني النعمة.

القارئ: مراده أحسن الله إليك في ما مضى بالنسبة للحيوانات الصغار، ممكن أن يقال مثلًا رأس النملة؟ لا يريد هذا هو.

الشيخ: نعم، الصغار الحيوانات مِن بهيمة الأنعام، يقال: إذا قيل من الحقيقة في الكبار، وليست، الحقيقة في الكبار والصغار إذا كان كلها كبار وصغار كلها حقيقة، فلماذا لا يكون حقيقةً في رأس الجبل والعين؟

القارئ: هذا مراده يعني؟

الشيخ: نعم، وكذلك فإن ما يُضاف إلى الإنسان من أعضاء أولاده، ومساكنه، يضافُ إلى الإنسان اليد، فيقال: اليد الإنسان له يد، يعني عضد، وله يد يعني نعمة، فإذا أضيف إلى الإنسان صار حقيقة، وإذا لم يضف إليه صار مجازًا، يقول هذا تحكم، لا فرق بين هذا وهذا، ويضاف، فإذا أُضيف مثلًا اليد، يدُ الإنسان، يدُ الحيوان، يدُ الكريم، وما أشبه ذلك، فإذا أضيف إلى، فإذا أُضيف إلى الإنسان من أعضائه وأولاده ومساكنه أُضيف مثله إلى غيره، ويُضاف إليك مجاز فلا فرق بين هذا، وهذا، فيقال رأس الجبل، ورأس العين، وخطم الجبل أي أنفه، وفم الوادي، وبطن الوادي، وظهر الجبل، وظهر الإنسان، وظهر الجبل، وبطن الوادي، وبطن الأرض، وظهرها.

استعمل مع الألف، ومع العين، الألف ال أقصد الظاهر والباطن، مع العين استعمال الألف فيقال لفظ الظاهر والباطن في أمورٍ كثيرة، والمعنى في الجميع أن الظاهر ما ظهر فتبين، والباطن لما بطن فخفي، يعني المعنى واحد في استعمال اللفظ الظاهر والباطن؛ فالظاهر لما ظهر، والباطن لما بطن، عامٌ في الإنسان وفي غيره، وسُمى ظهرُ الإنسان ظهرًا لظهوره، وبطن الإنسان بطن لبطونه، فيقول معنى الاستعمال واحد في اللسان وفي غيره.

فالظاهر استعمل في الإنسان؛ لأنه ظاهر، والباطن استعمل في الباطنة لأنه خفي، وكذلك أيضًا ظهرُ الوادي، وبطن الوادي، ظهر الوادي لما ظهر، وبطن الوادي لما خفي، فالمقصود أن الاستعمال واحد، ليس هناك حقيقة ومجاز، بل استعماله واحد، والمؤلف رَحِمَهُ اللهُ، فالمؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبين أن هؤلاء الذين يقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز، ثم يقولون إن آيات الصفات فيها أنها مجاز، وأن إدخال الأعمال في مُسمى الإيمان مجاز..

كلُّ هذا باطل، يتمشى مع مذهبهم في إنكارهم لصفات الله عز وجل، أو تأويلهم لها، وإنكارهم لدخول الأعمال في مُسمى الإيمان الذي دلَّ عليه الشرع في هذا الوضع، بهذا التقسيم الذي ليس عليه دليل، وهو تقسيمُ اللفظ إلى حقيقة ومجاز. نعم.

(المتن)

توقفنا عند قول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: إنَّ هَذَا حَقِيقَةٌ وَذَاكَ مَجَازٌ؛ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَأَيْضًا مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ مُفْرَدًا كَلَفْظِ الْإِنْسَانِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ: إنْسَانُ الْعَيْنِ وَإِبْرَةُ الذِّرَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ؛ فَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ؛ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَجَازَ: هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَهُنَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ؛ بَلْ رُكِّبَ مَعَ لَفْظٍ آخَرَ فَصَارَ وَضْعًا آخَرَ بِالْإِضَافَةِ.

فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ مُضَافًا فِي مَعْنًى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ فِي غَيْرِهِ كَانَ مَجَازًا بَلْ إذَا كَانَ بَعْلَبَكُّ وَحَضْرَمَوْتُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَزْجٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِضَافَةَ؛ لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَجَازٌ. فَمَا لَمْ يُنْطَقْ بِهِ إلَّا مُضَافًا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا.

(الشرح)

فإن المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ لا يزال يرد على أهل البِدع الجَهمية، والمُرجئة والكرامية الذين يقولون إن مُسمى الإيمان لا يدخل فيه، لا تدخل فيه الأعمال، وإنما هو اسمٌ، وإنما هو حقيقةٌ في الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأما دخول الأعمال في مُسمى الإيمان فإنه مجاز.

رد عليهم المؤلف رَحِمَهُ اللهُ كما سبق في الحلقات السابقة بأن، رد عليهم بردين، أو أجاب عن هذه الشبهة، أو هذا الاعتراض بجوابين؛ جوابٌ عام في الحقيقة والمجاز، وجوابٌ خاص، وبيَّن في الجواب العام أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز استعمالٌ حادث، قولٌ حادث، لم يُعرف عند أهل اللغة، ولا عند الصحابة والتابعين، لم يتكلم به أهل اللغة ولا الصحابة، ولا التابعين، ولا أهل القرون المفضلة، وإنما أول من تكلم به هو أبو عبيدة أبو عمرو المثنى، تكلم بلفظ المجاز، ولم يعني به المجاز قسيم الحقيقة.

وكذلك تكلم به الإمام أحمد، ولم يعني به أيضًا المجاز الذي وقع في الحقيقة، وبيَّن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن، أن الذين يقسمون الحقيقة إلى، يقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز أنه لا دليل عندهم؛ لأنهم يقولون إن الحقيقة هو اللفظ المستعمل فيما وُضع له، والمجاز هو المستعمل، هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له، وليس هناك دليل يدل على أنه هناك وضعٌ متقدم سابق، وإذا لم يكن هناك دليل يدل على أن هناك وضعٌ سابق، فتقسم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، تقسيمٌ باطن.

ومن ذلك قولهم إن رأس الإنسان، ورأس الحيوان، ورأسُ الشهر، ورأسُ الحول، فقد يقولون إن، إنه إذا أُضيف الرأس إلى الحيوان، فهو حقيقة، وإذا أُضيف مثلًا إلى الجماد، فهو مجاز. يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: الرأس لم يُستعمل إلا مضافًا، ولم يُستعمل مُجردًا، فالقول أن أحدهما حقيقة، والآخر مجاز لا دليل عليه، وليس أحدهما بأولى من الآخر.

فإذا قيل إن هذا حقيقة، وذاك مجاز، لم يكن هذا بأولى من العكس، فالقول بأنه الرأس إذا أُضيف إلى الإنسان حقيقة، وإذا أُضيف إلى الجماد مجاز لا دليل عليه، كما لو قال إنسانٌ إنه إذا أُضيف إلى الجماد فهو حقيقة، وإذا أُضيف إلى الإنسان فهو مجاز، ليس أحدهما بأولى من الآخر، كما أن هذا لا دليل عليه، فالأصل لدينا أن...

فإذا قيل إن هذا حقيقة، وهذا مجاز، وذاك مجاز لن يكون هذا اولى من العكس، ثم يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: " وَ " أَيْضًا " مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ مُفْرَدًا" يعني لم يُقيد بشيء، " كَلَفْظِ " الْإِنْسَانِ " وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ" فمن أهل اللغة من يستعمله مفردًا مثل لفظ الإنسان، وقد يستعملونه مُقيدًا فيضيفونه، يقول: إنسان العين، وكذلك الذراع، قد يضاف، مضاف إليه فوق الإبرة الذراع.

فلا يُقال إن أحدهما حقيقة، والآخر مجاز، ولكن بتقدير أن يكون في اللغة حقيقة ومجاز، فدعوى بعضهم أن هذا من المجاز غلط؛ لأن المجاز عندهم على التنزل، فإن تنزلنا معهم، فالمجاز عند مَن يقول في المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له أولًا، والحقيقة هو اللفظ هو اللفظُ المستعمل فيما وُضع له، ولفظُ الإنسان، وإنسان العين ليس أحدهما بأولى من الآخر، كل هذا استعمال، وهذا استعمال، وليس هناك دليل يدل على أن هناك وضعٌ سابق للفظ الإنسان مطلقًا، ثم إذا أُضيف يكون مجازًا، فلا يقال أن أحدهما مجاز، والآخر حقيقة؛ لأن لفظ الإنسان مطلق، ثم رُكب مع لفظٍ آخر، فصار وضعًا آخر بالإضافة، فيقال إنسان العين، وإبرة الذراع.

"فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ مُضَافًا فِي مَعْنًى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ فِي غَيْرِهِ كَانَ مَجَازًا بَلْ إذَا كَانَ بَعْلَبَكُّ وَحَضْرَمَوْتُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَزْجٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِضَافَةَ؛ لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَجَازٌ".

مثلًا بعلبك، حضرموت مثلًا إذا قيل أنها في الأصل مضاف ومضاف إليه، ثم رُكب تركيبًا مزجًا، فلا يُقال: أنه حينما رُكِّب تركيبًا مزجيًّا، مجاز والأول حقيقة؛ لأنه فإذا كان، لو يعني لو قُدِّر أن، أن بعلبك وحضرموت كانت في الأول مستعملة، كانت مضافة، مضاف ومضاف إليه، ثم اُستعملت تركيبًا مزجيًا بعد أن كانت مضافة، فلا يُقال إن الثاني مجاز، والأول حقيقة، فمن باب أولى أن يكون ما لم ينطق به العرب إلا مضافًا، أو ألا يكون مجازًا.

إذا كان، لو قُدر أن حضرموت مثلًا كانت مضافة، ثم اُستعملت استعمالا، ثم رُكبت تركيبًا مزج، فلا يُقال إن الثاني مجاز، والآخر حقيقة، مع أن كلًا منهما فيه، فيه مركب من كلمتين، فالذين لم ينطق به العرب إلا مضافٌا، أولى بألا يكون مجازًا، فكما أنه لو كان مركبًا تركيب مزج، لو كان مضافًا، لو كان مركبًا، مضاف ومضاف إليه، لو كان من كلمتين، ثم اُستعمل، ثم رُكب تركيبًا، تركيب مزج، فلا يقال إن الأول حقيقة والآخر مجاز، مع أن كل منهما مركب. فالذي لا، لم يُنطق به إلا مضافًا، ولم يُنطق به مفردًا أولى بألا يكون مجازًا، نعم.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا يُفِيدُ الْمَعْنَى مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ، وَالْمَجَازَ مَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ: مَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. وَالْمَجَازُ: مَا لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ.

أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَالْمَجَازُ مَا لَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ.

أَوْ قَالَ: الْمَجَازُ مَا صَحَّ نَفْيُهُ وَالْحَقِيقَةُ مَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ: مَا تَعْنِي بِالتَّجْرِيدِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَالِاقْتِرَانِ بِالْقَرَائِنِ؟

إنْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْقَرَائِنُ اللَّفْظِيَّةُ مِثْلُ كَوْنِ الِاسْمِ يُسْتَعْمَلُ مَقْرُونًا بِالْإِضَافَةِ أَوْ لَامِ التَّعْرِيفِ وَيُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَمُبْتَدَأً وَخَبَرًا فَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ اسْمٌ إلَّا مُقَيَّدًا.

وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ إنْ عُنِيَ بِتَقْيِيدِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ وَقَدْ يُقَيَّدُ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَظَرْفَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَفْعُولِ لَهُ وَمَعَهُ وَالْحَالِ فَالْفِعْلُ لَا يُسْتَعْمَلُ قَطُّ إلَّا مُقَيَّدًا وَأَمَّا الْحَرْفُ فَأَبْلَغُ فَإِنَّ الْحَرْفَ أُتِيَ بِهِ لِمَعْنَى فِي غَيْرِهِ.

فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُوجَدُ قَطُّ فِي كَلَامٍ تَامٍّ اسْمٌ وَلَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ إلَّا مُقَيَّدًا بِقُيُودِ تُزِيلُ عَنْهُ الْإِطْلَاقَ.

فَإِنْ كَانَتْ الْقَرِينَةُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِطْلَاقَ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ لَفْظٌ مُطْلَقٌ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجُمْلَةُ اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً وَلِهَذَا كَانَ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْكَلِمَةِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ اسْمِيَّةً كَانَتْ أَوْ فِعْلِيَّةً أَوْ نِدَائِيَّةً إنْ قِيلَ إنَّهَا قِسْمٌ ثَالِثٌ.

(الشرح)

المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يرد ما يزال يرد على الذين يقسمون الكلام إلى حقيقة ومجاز، الذين يقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز، ويرد على التقديرات التي يمكن أن يعترضون بها، فيقول: "وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ"؛ يعني مِن قسم اللفظ إلى حقيقة ومجاز وفرق بينهما بان الحقيقة ما يفيد المعنى مجردة عن القرائن، والمجاز ما لا يفيد ذلك إلا مع قرينة.

"أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ: مَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. وَالْمَجَازُ: مَا لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ. أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْمَجَازُ مَا لَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ. أَوْ قَالَ: الْمَجَازُ مَا صَحَّ نَفْيُهُ وَالْحَقِيقَةُ مَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهَا".

كل هذه التعريفات، أو التفريقات الأربعة بين الحقيقة والمجاز كلها ليست صحيحة، وذلك أن، أن هذه التعريفات فيها التقييد فيها التفريق بين الحقيقة والمجاز بالاقتران والتجرد، فالحقيقة ما يفيد المعنى مُجردة عن القرائن بلا قرينة، والمجاز ما لا يفيد المعنى، ذلك المعنى إلا مع قرينة.

"أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ: مَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. وَالْمَجَازُ: مَا لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ. أَوْ قَالَ: الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْمَجَازُ مَا لَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ"، كل هذه التفريقات باطلة؛ لأنه ليس هناك لفظٌ إلا وهناك قرينة معه، ليس هناك لفظٌ إلا، ليس هناك لفظٌ مطلق، لابد، لابد لكل لفظ من قرينة؛ إما قرينة لفظية، أو مُقدرة.

ولذلك بيَّن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ وقال: "إنْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْقَرَائِنُ اللَّفْظِيَّةُ مِثْلُ كَوْنِ الِاسْمِ يُسْتَعْمَلُ مَقْرُونًا بِالْإِضَافَةِ أَوْ لَامِ التَّعْرِيفِ وَيُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَمُبْتَدَأً وَخَبَرًا فَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ اسْمٌ إلَّا مُقَيَّدًا. وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ".

يعني يقول المؤلف هذه التفريقات كلها باطلة، لأن هذه التفريقات، هذه الأقوال في الفرق بين الحقيقة والمجاز مبنية على أن هناك بعض الألفاظ تستعمل بلا قرينة، وبعضها تُستعمل بقرينة، وهذا باطل، فليس هناك لفظ يُستعمل، لفظٌ مفيد إلا ومعه قرينة، فاللفظ المطلق المجرد عن القرائن لا يفيد أبدًا.

ولهذا بيَّن المؤلف، وقال: "إنْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْقَرَائِنُ اللَّفْظِيَّةُ مِثْلُ كَوْنِ الِاسْمِ يُسْتَعْمَلُ مَقْرُونًا بِالْإِضَافَةِ أَوْ لَامِ التَّعْرِيفِ وَيُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَمُبْتَدَأً وَخَبَرًا فَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ اسْمٌ إلَّا مُقَيَّدًا"، لا يوجد لفظٌ مفيدٌ مجردًا عن جميع القرائن، أبدًا.

"وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ إنْ عُنِيَ بِتَقْيِيدِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ وَقَدْ يُقَيَّدُ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَظَرْفَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَفْعُولِ لَهُ وَمَعَهُ وَالْحَالِ فَالْفِعْلُ لَا يُسْتَعْمَلُ قَطُّ إلا مقيدًا" لا يمكن أن يكون هناك فعل مجرد، الفعل لابد له من فاعل.

وكذلك أيضًا الفعل لابد له من فاعلٍ ومفعول، وكذلك لابد له من زمان، الفعل لابد له من زمان، ولابد له من مكان، هذه قيود لابد منها، لا يمكن نفيها، وبهذا فإن التفريق بين الحقيقة والمجاز، بأن الحقيقة اُستعملت مُجردةً عن القرائن، اللفظ المُستعمل مجردٌ عن القرائن، والمجاز هو اللفظُ المقيد في القرينة، لا وجه له؛ لأنه ليس هناك لفظٌ مفيد يُستعمل مجرد عن القرائن، بل لابد من قيد، وإلا فلا يفيد، لا يمكن أن يكون الكلام مفيدًا إلا بقيد. وبهذا يكون التفريق بين الحقيقة والمجاز بهذه التفريقات باطلة، وبالتالي يبطل تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، نعم.

(المتن)

 قال رَحِمَهُ اللهُ: "فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنَى لَيْسَ بِاسْمِ وَلَا فِعْلٍ فَهَذَا"

(الشرح)

قبل هذا، المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أتى بخلاصة قال: "فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُوجَدُ قَطُّ فِي كَلَامٍ تَامٍّ اسْمٌ وَلَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ إلَّا مُقَيَّدًا بِقُيُودِ تُزِيلُ عَنْهُ الْإِطْلَاقَ".

هذه الخلاصة في الرد، أنه لا يوجد كلامٌ تام، لا يوجد قط في كلامٌ تام في اسم ولا فعل ولا فعل إلا مقيدًا بقيودٍ تزيل عنه الإطلاق؛ حتى يفيد، وإلا فلا يفيد.

ما يمكن يوجد فعل مجرد، الفعل لابد له من فاعل، وكذلك الاسم محمد مثلًا، إذا جرد تماثل، لابد له من قيد، محمدٌ قائم، وكذلك الحرف إن وعن وعلى لابد له من قيود، وإلا فلا يفي، فالمؤلف رَحِمَهُ اللهُ يقول في الخلاصة في الرد: " فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُوجَدُ قَطُّ فِي كَلَامٍ تَامٍّ اسْمٌ وَلَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ إلَّا مُقَيَّدًا بِقُيُودِ تُزِيلُ عَنْهُ الْإِطْلَاقَ فَإِنْ كَانَتْ الْقَرِينَةُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِطْلَاقَ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ".

فهذا لا يوجد لو قُدر أن القرينة هي التي تمنع التقييد، فقرينة مما يمنعُ الإطلاق عن كل قيد، يعني القرينة مقابل الكلام الذي، المطلق عن القيود، فيقال ليس في الكلام الذي يتكلم به جميع الناس لفظٌ مطلق عن كل قيد، يعني إن قلتم إن الفرق بين اللفظ المقيد بالقرينة، واللفظ في المقيد بالقرينة أن اللفظ الذي لم يُقيد بقرينة لفظٌ مطلق عن جميع القرائن، فهذا باطل؛ لأنه لا يوجد في الكلام الذي يتكلم به جميع الناس لفظٌ مطلق على كل قيد.

سواء كانت الجملة اسمية، أو فعلية يقول المؤلف: "وَلِهَذَا كَانَ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْكَلِمَةِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمُفَيَّدِ"؛ لكن في المقيد،  في المفيد، لا تُستعمل إلا في الكلام المفيد، "وَلِهَذَا كَانَ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْكَلِمَةِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمُفَيَّدِ وَهُوَ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ اسْمِيَّةً كَانَتْ أَوْ فِعْلِيَّةً أَوْ نِدَائِيَّةً إنْ قِيلَ إنَّهَا قِسْمٌ ثَالِثٌ".

القارئ: وفي نسختنا إلا المقيدة، ولا تستعمل إلا في المقيدة.

الشيخ: حتى في النسخة هذه، لكن في آخر الكلام اختلف أن يكون في الكلام المفيد، والكلام المفيد هو الذي، هو المقيد بقيود، ولذلك جُرد الكلام أو اللفظ عن الإفادة فصار، ليس له معنى، نعم.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ: فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنَى لَيْسَ بِاسْمِ وَلَا فِعْلٍ فَهَذَا لَا يُسَمَّى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَطُّ كَلِمَةً وَإِنَّمَا تَسْمِيَةُ هَذَا كَلِمَةً اصْطِلَاحٌ نَحْوِيٌّ كَمَا سَمَّوْا بَعْضَ الْأَلْفَاظِ فِعْلًا وَقَسَّمُوهُ إلَى فِعْلٍ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ، وَالْعَرَبُ لَمْ تُسَمِّ قَطُّ اللَّفْظَ فِعْلًا؛ بَلْ النُّحَاةُ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا فَسَمَّوْا اللَّفْظَ بِاسْمِ مَدْلُولِهِ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَمَّوْهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا. وَكَذَلِكَ حَيْثُ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ لَفْظُ كَلِمَةٍ؛ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ.

الشيخ: المفيد هذه -- ((@ كلمة غير مفهومة- 43:42)) --.

(المتن)

ما يدل على أنه المفيد، فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّحَاةُ جُمْلَةً تَامَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} [الكهف: 4، 5]. وقَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]، وقَوْله تَعَالَى { تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]، وَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28]. وَقَوْلِهِ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26].

وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ»، وَقَوْلِهِ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ».

وَقَوْلِهِ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وَقَوْلِهِ: «لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْته مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ».

وَإِذَا كَانَ كُلُّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَرْفٍ يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لَا مُطْلَقٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ مَا دَلَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنْ كُلِّ قَرِينَةٍ تُقَارِنُهُ.

(الشرح)

نعم، والمؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبيِّن أنَّ الكلام المفيد لابُدَّ أن يكون مقيَّدًا، فأمَّا إذا جُرد عن القرائن، فإنه لا يُسمى، لا يكون كلامًا مفيدًا، وبهذا يبطل تفريق من فرق بين الحقيقة والمجاز؛ بأن الحقيقة ما جُردت، اللفظ المجرد عن القرائن، والمجاز ما اقترن بالقرائن، اللفظ الذي اقترن، الذي وُجد معه قرينة.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: كل لفظٍ لابد له من قرينة حتى يكون مفيدًا، "فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنَى لَيْسَ بِاسْمِ وَلَا فِعْلٍ فَهَذَا لَا يُسَمَّى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَطُّ كَلِمَةً"؛ يعني إذا جِيء باسم أو فعل أو حرف بغير معنى، ولم يكن مفيدًا، فهذا لا يُسمى في كلام العرب، لا يُسمى في كلام العرب بالكلمة، لكن يُسمى في اصطلاح النحويين، يُسمى كلمة.

فالنحويون يسمون بعض الأفعال فعلًا، ويقسمون الفعل إلى ماضٍ ومضارع وأمر، لكن هذا اصطلاحٌ حادث للنحويين، اصطلاح النحويين، لكن في اللغة العربية لا يُسمى، وفي كلام الله، في كلام العرب لا يُسمى النص المجرد عن القرينة الذي لا يفيد معنىً كلمة، ولا كلام.

ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَالْعَرَبُ لَمْ تُسَمِّ قَطُّ اللَّفْظَ فِعْلًا؛ بَلْ النُّحَاةُ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا فَسَمَّوْا اللَّفْظَ بِاسْمِ مَدْلُولِهِ" إذا كان يدل على فعله سموه فعلًا، إذا كان يدل على اسم يسموه اسمًا.

"فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَمَّوْهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا" هذا اصطلاح، يعني هذا اصطلاحٌ للنحاة، والاصطلاح اصطلاح النحاة لا يكونُ مغيرًا للفظ المستعمل، لا يكونُ مغيرًا لاستعمال العرب للألفاظ، ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَكَذَلِكَ حَيْثُ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ لَفْظُ كَلِمَةٍ؛ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّحَاةُ جُمْلَةً تَامَّةً".

يعني يبين المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن، أنه لا يمكن أن يوجد كلامٌ مفيد مقيد عن القرائن، بل لابد له من قرينة، وهذا هو الكلامُ المفيد في كلام الله وكلام رسوله، وفي كلام العرب، فلا يوجد في الكتاب ولا في السنة، ولا في كلام العربِ نظمًا أو نثرًا، نظمُ كلمة إلا وأن يُراد بها معنىً مفيد، تريد معنىً مفيد، وتسميها النحاة، وهي التي تسميها النحاة جملة تامة.

مَثَّل المؤلف رَحِمَهُ اللهُ بقول الله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} [الكهف: 4، 5]، فسماها كلمة، وهي جملة، وهي قولهم اتخذ الله ولدًا، هذه الجملة اتخذ الله ولدًا، وهو قول المشركين والعياذُ بالله اتخذ الله ولدًا سماها الله تعالى سماها كلمة.

قال: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5]، وقول الله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]، {َ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]، كلمة الله هي التوحيد لا إله إلا الله، وكلمة الكفار الشرك، فجعل، فالشرك وقولهم بالشرك، ونُطقهم بالشرك، واعتقادهم الشرك سماه كلمة، وكلمة التوحيد، وهي كلمة -- ((@ كلمة غير مفهومة- 49:19)) – هي العليا، فسماها كلمة، وهو مفيد، وهو كلامٌ مفيد.

وقول الله تعالى: { تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]، ثم فسر الكلمة: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64]، سمى هذا كلمة مفيدة.

وقوله سبحانه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28]، والضمير يعود إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، جعلها كلمة التوحيد يعني، ويقول: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26، 27]، سماها كلمة.

وقال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26]، كلمة التقوى هي لا إله إلا الله، كلمة التوحيد سماها كلمة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ»، وهذا الشطر به شطر البيت سماه كلمة، «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ»، ويُطلق الكلمة على الخطبة الطويلة، يُقال فلان ألقى كلمة، يعني خطب خطبة موعظة طويلة.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، سبحان الله وبحمده سماها كلمة، سبحان الله العظيم سماها كلمة، فإذًا الكلمة، الكلام ما يُطلق إلا على الشيء المفيد، الكلام المفيد، على اللفظ المفيد، واللفظُ المفيد لابد له من قرينة حتى يكون مفيدًا.

فالقول بأن الحقيقة ما تجردت عن القرينة والمجاز ما اقترن بالقرينة هذا باطل؛ لأنه ليس هناك كلام إلا مُقيدًا بقرينة، وقوله أيضًا، ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ هذه الأدلة مِن السنة، وقوله: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، ومعلوم أنها الكلمة التي يتكلم بها مِن رضوان الله لابد أن تكون مفيدة، تتكلم بكلمة ليس لها معنى ما حَصَلَ له هذا الفضلَ.

وكذلك الذي تكلم بكلمة من سخط الله كلمة مفيدة، والكلام المفيد لابد له من قيد، مقيد، تتكلم بكلمة من رضوان الله، يدعو إلى الله، يدعو إلى التوحيد، يوحدُ الله، والذي يتكلم بالكلمة من سخط الله، يتكلم بكلامٍ، بكلامٍ، كلامٍ يُسخطه الله عز وجل من الشرك، فما دونه، ويكون هذا من باب الوعيد.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْته مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ» قاله النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية بنت الحارث، وقد جلست في مصلاها بعد الفجر تُسبح، فقال عليه الصلاة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: ما زلتِ على الحال التي أنتِ عليها؟ قد جاءها وقد كذا، سمع أنها قالت: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات لو وُزنت بما قلته منذ اليوم لوزنتهن، ثم بيَّن الكلمات سبحان الله عدد خلقه هذه كلمة، وسبحان الله زنة عرشه هذه الكلمة الثانية، وسبحان الله رضا نفسه هذه الكلمة الثالثة، وسبحان الله ميزان كلماته وهذه الكلمات، وكلها مفيدة، وكلها مقيدة ومضافة ليست مجردة.

"وَإِذَا كَانَ كُلُّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَرْفٍ يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لَا مُطْلَقٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ"

القارئ: يعني هنا مفيد ولا مقيد يكون أحسن يا شيخ؟

الشيخ: نعم.

القارئ: هنا يقول قال مقيد أو مفيد أفضل؟

الشيخ: هو يصلح هذا هذا، لكن الأفضل قد يقال أنه مقيد، وإذا كان كلُ اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ يوجد في الكلام فإنه مقيد، فإنه مقيد يعني لما قال، لما أتى بقول الله مطلق، لم يجز، هذا الخلاصة.

الخلاصة  أنه "وَإِذَا كَانَ كُلُّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَرْفٍ يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لَا مُطْلَقٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ مَا دَلَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنْ كُلِّ قَرِينَةٍ تُقَارِنُهُ" يعني إذا كان كلُ اسمٍ وفعلٍ وحرف لابد له من قيد، لم يجز أن يقال إن، إن اللفظ، إن الحقيقة هي اللفظ المطلق على القرينة، والمجاز هو اللفظ المقيد بالقرينة، نعم.

(المتن)

توقفنا عند قول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: فَإِنْ قِيلَ: أُرِيدَ بَعْضُ الْقَرَائِنِ دُونَ بَعْضٍ قِيلَ لَهُ: اُذْكُرْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا حَقِيقَةٌ وَالْقَرِينَةَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا مَجَازٌ وَلَنْ تَجِدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا تَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَقْسِيمٍ صَحِيحٍ مَعْقُولٍ.

 وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ هَلْ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَقِيَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْأَمْرِ إذَا أُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ هَلْ يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟

وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِأَكْثَرِ الطَّوَائِفِ: لِأَصْحَابِ أَحْمَد قَوْلَانِ وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَوْلَانِ.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَطَّرِدُ فِي التَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ كَالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْبَدَلِ، وَجَعَلَ يَحْكِي فِي ذَلِكَ أَقْوَالَ مَنْ يَفْصِلُ، كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ فَجُعِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ الْمُقَيَّدُ فِي الصِّفَاتِ وَالْغَايَاتِ وَالشُّرُوطِ مَجَازًا، بَلْ لَمَّا أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا خُصَّ يَصِيرُ مَجَازًا؛ ظَنَّ هَذَا النَّاقِلُ أَنَّهُ عَنَى التَّخْصِيصَ الْمُتَّصِلَ، وَأُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، إلَّا إذَا خُصَّ بِمُنْفَصِلِ.

وَأَمَّا الْمُتَّصِلُ؛ فَلَا يُسَمُّونَ اللَّفْظَ عَامًّا مَخْصُوصًا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ إلَّا مُتَّصِلًا وَالِاتِّصَالُ مَنَعَهُ الْعُمُومُ وَهَذَا اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الصَّوَابُ.

لَا يُقَالُ لِمَا قُيِّدَ بِالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَنَحْوِهِمَا: أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا خُصَّ مِنْ الْعُمُومِ وَلَا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ؛ لَكِنْ يُقَيَّدُ فَيُقَالُ: تَخْصِيصٌ مُتَّصِلٌ وَهَذَا الْمُقَيَّدُ لَا يَدْخُلُ فِي التَّخْصِيصِ الْمُطْلَقِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَيُقَالُ: إذَا كَانَ هَذَا مَجَازًا؛ فَيَكُونُ تَقْيِيدُ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَبِظَرْفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَجَازًا: وَكَذَلِكَ بِالْحَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُيِّدَ بِقَيْدِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ كُلُّهُ مَجَازًا فَأَيْنَ الْحَقِيقَةُ؟

(الشرح)

إنَّ المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ لا يزال يردُّ على أهل البدع الذين يقولون: إنَّ الأعمال لا تدخل في مُسمى الإيمان إلا مجازًا، وأنَّ اللفظ ينقسم إلى حقيقةٍ ومجاز، يرد عليهم رَحِمَهُ اللهُ، رد عليهم بجوابين، أجاب عنهم بجوابين؛ جواب عام، وهو: القول: بأن اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز، أن هذا قولٌ باطل، وأنه لا دليل عليه؛ لأنه لفظٌ حادث لأنه تقسيم حادث، لم تعرفه العرب في كلامها، وليس، ولا يوجد ذلك في كلام الله ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما تكلم به المتأخرون.

والقول بأن الحقيقة هي اللفظ المُستعمل فيما وُضع له، والمجاز هو المُستعمل في غير ما وُضع له لا دليل عليه، وليس هناك دليل يدل على أن هناك وضعٌ سابق للكلام، وإنما الكلامُ مستعمل، فليس، فليس هناك حقيقةٌ ولا مجاز، فالقول بأن المجاز هو، هو المستعمل في قرينه، والحقيقة هو المستعمل بدون قرينة، هذا باطل؛ لأنه ليس هناك فرعٌ للكلام سابقًا.

ثم يجيب على اعتراض للقائلين بالمجاز، يقول: "فَإِنْ قِيلَ: أُرِيدَ بَعْضُ الْقَرَائِنِ دُونَ بَعْضٍ قِيلَ لَهُ: اُذْكُرْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا حَقِيقَةٌ وَالْقَرِينَةَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا مَجَازٌ" إذا اعترض الذي يقسم اللفظ إلى حقيقة ومجاز من أهل البدع وغيرهم بأن، بأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل بدون قرينة، والمجاز هو اللفظ المستعمل بقرينة، وقيل لا إن هذا باطل، فإذا اعترض وقال: أريد بعض القرائن دون بعض، يقال له: اذكر الفصل بين القرينة التي يكون معها حقيقة، والقرينة التي يكونُ معها مجاز.

ما هي القرينة التي إذا قُرن بها الكلام صار حقيقة، والقرينة التي قُرن بها الكلام صار مجازًا؟ ولن تجد إلى ذلك سبيلًا تقدر به على تقسيم الصحيح المعقول، لا تستطيع، لا تستطيع أن تفرق بين القرائن، وتقول: هذه القرينة  إذا اتصلت بهذا اللفظ صار حقيقة، وهذه القرينة إذا اتصلت بهذا اللفظ صار مجازًا، لن تجد ذلك إلى ذلك سبيلًا تقدر به على تقسيمٍ صحيحٍ معقول.

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي " الْعَامِّ " إذَا خُصَّ هَلْ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَقِيَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟" وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: 173]، هذه نزلت في بعد  غزوة أُحد لما، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سُفيان وما قالوا: إننا سوف نأتي ونستأصل البقية الباقية من المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله ونعم الوكيل، هو الذي قاله في نفس العام في جمع من الناس، لكنه عامٌ مخصوص مرادٌ به بعض الناس.

فهذا عامٌ مخصوص، فالعام إذا خُص هذا يكون استعماله فيما بقي حقيقةً أو مجاز؟ استعماله فيما بقي، يعني فيما بقي بعد، بعد التخصيص، فمنهم من قال أنه حقيقة، ومنهم من قال إنه مجاز، وكذلك اللفظ الأمر إذا وجد به الندر، يعني لفظ الأمر الأصل أنه للوجوب، فإذا وُجد به الندر، هل يكون حقيقة، أو يكون مجاز؟

منهم من قال إذا وُجد به الندر يبقي حقيقة، ومنهم من يقول يبقى مجازًا، ولهذا قال المؤلف: "وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِأَكْثَرِ الطَّوَائِفِ: لِأَصْحَابِ أَحْمَد قَوْلَانِ وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَوْلَانِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَطَّرِدُ فِي التَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ كَالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْبَدَلِ وَجَعَلَ يَحْكِي فِي ذَلِكَ أَقْوَالَ مَنْ يَفْصِلُ كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ".

يعني يقول بأن العام إذا خُص سواءٌ كان التخصيص متصلًا، أو منفصلًا يقول بأنه يبقى مجاز، يعني استعماله فيما بقي حقيقة أو مجاز كل هذا لا دليل عليه، ولا يُعرف أن، أن أحدًا قال تخصيص المتصل إن الباقي بعده، إن ماعدا إذا خرج من هذا اللفظ ما خُص به إن الباقي يكونُ مجازًا، لا يوجد في كلامه أحد، أن أحدًا قال إن هذا، إن فيه مجاز، بل كلام كله حقيقة.

"فَجُعِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ الْمُقَيَّدُ فِي الصِّفَاتِ وَالْغَايَاتِ وَالشُّرُوطِ مَجَازًا بَلْ لَمَّا أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا خُصَّ يَصِيرُ مَجَازًا؛ ظَنَّ هَذَا النَّاقِلُ أَنَّهُ عَنَى التَّخْصِيصَ الْمُتَّصِلَ وَأُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ عَامٌّ مَخْصُوصٌ إلَّا إذَا خُصَّ بِمُنْفَصِلِ".

يعني، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: التخصيص المتصل هذا لا يُقال إنه مجاز في الحقيقة هو مجاز، فالكلام المتصل شيءٌ واحد، فمثلًا في الحديث القدسي يقول الله تعالى: «عبدي جعتُ فلم تطعمني، قال: ربي كيف أطعمك وأنت ربُ العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا جاع، لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي مرضتُ فلم تعودني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض؟ فلو عدته لوجدت لك هذا عندي».

فلا يُقال، فلا يقول أحد أن الله هو الذي جاع، وأن الله هو الذي مرض؛ لأن الله تعالى في نفص الحديث القدسي أن الذي جاع هو العبد، والذي مرض هو العبد، فلا يقال إن هذا، إن هذا غير هذا، بل هو كلامٌ واحد، آخرُ الحديث بيَّن أول الحديث.

وكذلك اللفظ إذا خُص بتخصيصٍ متصل هذا التخصيص المتصل هو كلام واحد، فلا يقال إن بعضه حقيقة، وبعضه مجاز، وإنما، وإنما الخلاف فيما إذا خُص بمنفصل، إذا خص بمنفصل بمنفصل.

"وَأَمَّا الْمُتَّصِلُ؛ فَلَا يُسَمُّونَ اللَّفْظَ عَامًّا مَخْصُوصًا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ إلَّا مُتَّصِلًا" لأنه كلامٌ واحد "وَالِاتِّصَالُ مَنَعَهُ الْعُمُومُ وَهَذَا اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الصَّوَابُ. لَا يُقَالُ لِمَا قُيِّدَ بِالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَنَحْوِهِمَا: أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا خُصَّ مِنْ الْعُمُومِ وَلَا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ؛ لَكِنْ يُقَيَّدُ فَيُقَالُ: تَخْصِيصٌ مُتَّصِلٌ وَهَذَا الْمُقَيَّدُ لَا يَدْخُلُ فِي التَّخْصِيصِ الْمُطْلَقِ".

فالمقصود، فالمقصود والخلاصة في هذا أن، أن القول بأن بعض القرائن دون بعض القرائن يكون معها حقيقة، وبعض القرائن حقيقة، وبعض القرائن لا يكون معها حقيقة، فيكون في بعض القرائن حقيقة، وفي بعضها مجاز، هذا قولٌ باطل، ولا دليلَ يدلُ عليه، ولن يجد القائل إلى ذلك سبيلًا يقدر به على التفريق.

ولهذا قال المؤلف: "وَبِالْجُمْلَةِ فَيُقَالُ: إذَا كَانَ هَذَا مَجَازًا؛ فَيَكُونُ تَقْيِيدُ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَبِظَرْفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَجَازًا: وَكَذَلِكَ بِالْحَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُيِّدَ بِقَيْدِ" يعني يلزم هؤلاء يُلزمون بأن، بأن يتقيد الفعل المُطلق بالمفعول به مجاز، وتقييد الفعل بظرف الزمان مجاز، وتقييد الفعل بظرف المكان مجاز، تقييد الفعل بالحال مجاز، وكذلك كل ما قُيد بقيد، فيلزم على هذا أن يكون الكلام كله مجاز، فأين الحقيقة، يلزم على قول هؤلاء أن يكون الكلام كله مجاز، وليس هناك حقيقة؛ لأنه لا يوجد لفظٌ إلا مقيدًا، لا يوجد لفظ أو كلامٌ مفيد إلا وقد قُيد بقيد.

وعلى هذا ستكون الألفاظ كلها مجاز، فالقول بأن الحقيقة اللفظ المطلق والمجاز هو المقيد بقيد يلزم منه أن يكون كل الكلام مجازًا؛ لأنه لا يوجد كلام إلا قد قُيد بقيد، وأما اللفظ المطلق الذي لم يقيد بقيد، فإنه لفظٌ لا يفيد، ولا معنى له، ولا يُسمى كلامًا، نعم.

(المتن)

فَإِنْ قِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فَمَا كَانَ مَعَ الْقَرِينَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَمَا كَانَ مَعَ الْمُنْفَصِلَةِ كَانَ مَجَازًا؛ قِيلَ: تَعْنِي بِالْمُتَّصِلِ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ، أَوْ مَا كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْخِطَابِ؟

فَإِنْ عَنَيْت الْأَوَّلَ؛ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُسْتَمِعِ أَوَّلًا قَرِينَةً مُنْفَصِلَةً، فَمَا اُسْتُعْمِلَ بِلَامِ التَّعْرِيفِ لِمَا يَعْرِفَانِهِ، كَمَا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ الصِّدِّيقُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ إلَى الْأَمِيرِ، أَوْ الْقَاضِي، أَوْ الْوَالِي يُرِيدُ مَا يَعْرِفَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى مَعْلُومٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ؛ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [يوسف: 2]، وَقَوْلِهِ: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} [ص: 32]، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَجَازًا؛ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ.

وَأَيْضًا فَإِذَا قَالَ لِشُجَاعِ: هَذَا الْأَسَدُ فَعَلَ الْيَوْمَ كَذَا، وَلِبَلِيدِ: هَذَا الْحِمَارُ قَالَ الْيَوْمَ كَذَا، أَوْ لِعَالِمِ أَوْ جَوَادٍ: هَذَا الْبَحْرُ جَرَى مِنْهُ الْيَوْمَ كَذَا؛ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَلَا يَبْقَى قَطُّ مَجَازًا.

وَإِنْ قَالَ: الْمُتَّصِلُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْخِطَابِ. قِيلَ لَهُ: فَهَذَا أَشَدُّ عَلَيْك مِنْ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِالْمَجَازِ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ حَالَ الْخِطَابِ مَا يُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّكَلُّمُ بِهِ.

(الشرح)

قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبيِّن أنَّ القول: بأن التفريق بين القرائن المتصلة والمنفصلة لا وجه لها، ولا يفيد هذا القائل شيئًا، فإن قيل، قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "فإن قيل: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فَمَا كَانَ مَعَ الْقَرِينَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَمَا كَانَ مَعَ الْمُنْفَصِلَةِ كَانَ مَجَازًا".

لهذا هذا القائل يفرق بين القرائن المتصلة، والمنفصلة، فما كان.. فالكلامُ الذي معه قرينة متصلة يقول هو حقيقة، والكلامُ الذي معه قرينة منفصلة، يكونُ هو مجازًا، يُستفسر ويقال له: ما تعنى بالقليل المتصل؟ ما تعني بالمتصل؟

هل "تَعْنِي بِالْمُتَّصِلِ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ أَوْ مَا كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْخِطَابِ؟ فَإِنْ عَنَيْت الْأَوَّلَ"؛ يعني وهو ما كان في اللفظ، "لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُسْتَمِعِ أَوَّلًا قَرِينَةً مُنْفَصِلَةً"؛ لأنه القرينة هي ما عُلمت من حاله، عُلمت من حاله، من حال المتكلم، والمستمع، وليست متصلة بالكلام.

فتكون هذه قرينة منفصلة، فيكون، فيكون مجازًا، وهذا باطل، فما اُستعمل مثلًا "فَمَا اُسْتُعْمِلَ بِلَامِ التَّعْرِيفِ لِمَا يَعْرِفَانِهِ كَمَا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ الصِّدِّيقُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ إلَى الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي" يعني المعروف عند المخاطب، " يُرِيدُ مَا يَعْرِفَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا".

وهذا لا يقوله-- ((@ كلمة غير مفهومة- 01:07:18)) --، هذا الكلام معروف، "وَكَذَلِكَ الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى مَعْلُومٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ. كَقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [يوسف: 2]" الضمير يعود إلى القرآن، وقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} [ص: 32]، تعود إلى الشمس، "وهذه القرينة ليست متصلة بالكلام، هل يُقال إن هذا مجاز؟ يلزم أن يكون هذا مجاز.

ولهذا قال المؤلف: "وَأَمْثَالِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَجَازًا؛ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ" فالقول بأن القرينة المتصلة، المتصلة باللفظ، وما يتصل باللفظ يكونُ مجاز، يكون منفصلًا يكون مجاز هذا باطل.

ومثله: "فَإِذَا قَالَ لِشُجَاعِ: هَذَا الْأَسَدُ فَعَلَ الْيَوْمَ كَذَا" الأسد الآن يُرادُ به الحيوان المفترس، ويُراد به الشجاع، فإذا قال الشجاع هذا الأسد فعل اليوم كذا وكذا وكذا، وهو لا يريد حيوان، وإنما يُريد الشجاع، هل يقال إن هذا مجاز؟ لأنه قرينة منفصلة؟ وكذلك إذا قال: "وَلِبَلِيدِ: هَذَا الْحِمَارُ قَالَ الْيَوْمَ كَذَا، أَوْ لِعَالِمِ أَوْ جَوَادٍ: هَذَا الْبَحْرُ جَرَى مِنْهُ الْيَوْمَ كَذَا؛ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَلَا يَبْقَى قَطُّ مَجَازًا".

يعني لو قال إن قوله إذا قال للشجاع هذا الأسد فعل اليوم كذا وكذا، أو كأنه يقول فعل اليوم كذا وكذا، مما يفعله الإنسان، ولا يفعله الحيوان، أو قال هذا الحمار قال اليوم كذا وكذا، هذا مرادٌ به، هذه قرينة، قرينة لفظية، لأن الحمار لا يتكلم، إذا قال الحمار، قال كذا وكذا، فاتصلت به قرينةٌ لفظية، فيلزم أن يكون هذا مجاز، الحقيقة هذا؛ لأنه اتصلت به قرينةٌ لفظية.

فعلى هذا لا يبقى هناك كلامٌ يُقال إنه مجاز؛ لأنه ما من لفظ إلا ولابد أن تتصل به قرينة، إما لفظية، وإما، إما متصلة، أو غير متصلة، فالمتصلة تقولون إنه حقيقة، والمنفصلة تقولون إنه مجاز، وهذا لا يستقيم لكم لأن هذه الألفاظ الآن واضحٌ أنها يعني أنها تُطلق على هذا، وعلى هذا.

فالشجاع، الأسد يُطلق على الرجل الشجاع، ويُطلق على الحيوان، وإذا قُرن في قرينة لفظية تدل على أن المراد به الشجاع، هذه قرينةٌ لفظية، على هذا لا يبقى هناك كلام يُقال أنه مجاز؛ لأن هذه الألفاظ من يقول، من يقسم اللفظ إلى حقيقة ومجاز يقولون إنها مجاز، والقول بالتفريق بين القرينة المتصلة والمنفصلة يُلغي المجاز على هذا، كما أنه في الأمثلة الأولى يُلغي الحقيقة.

وبهذا يبطل هذا الاعتراض، أو يبطل هذا الاعتراض وهو التفريق بين القرائن المتصلة والمنفصلة، وأن اللفظ إذا اتصل بقرينةٍ منفصلة كان حقيقة، وإذا اتصل بقرينة منفصلة كان مجازًا، نعم.

"وَإِنْ قَالَ: الْمُتَّصِلُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ" إذا قال أنا أعني بالقرينة المتصلة، أو أعمُ من ذلك، "وَهُوَ مَا كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْخِطَابِ قِيلَ لَهُ: فَهَذَا أَشَدُّ عَلَيْك مِنْ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِالْمَجَازِ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ حَالَ الْخِطَابِ مَا يُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّكَلُّمُ بِهِ".

إذا قال نعرف المتصل، يعني القرينة المتصلة أعم من ذلك، وهو ما كان موجودًا حين الخطاب، يقال له: كل متكلمٍ بالمجاز لابد أن يقترن بحال الخطاب، فعلى هذا لا يبقى هناك مجاز، بل يكون اللفظ كله حقيقة، وبهذا يبطل التقسيم إلى حقيقة ومجاز، في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، نعم.

(المتن)

فَإِنْ قِيلَ: أَنَا أُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ مَوْرِدِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، قِيلَ: أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يُجَوِّزُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلَفْظِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى، وَهُوَ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، إلَّا إذَا بَيَّنَ؛ وَإِنَّمَا يُجَوِّزُونَ تَأْخِيرَ بَيَانِ مَا لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ كَالْمُجْمَلَاتِ.

ثُمَّ نَقُولُ: إذَا جَوَّزْت تَأْخِيرَ الْبَيَانِ، فَالْبَيَانُ قَدْ يَحْصُلُ بِجُمْلَةِ تَامَّةٍ، وَبِأَفْعَالِ مِنْ الرَّسُولِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ الْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ إلَّا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، لَا يَكُونُ مِمَّا يَجِبُ اقْتِرَانُهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ جَعَلْت هَذَا مَجَازًا؛ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا يَحْتَاجُ فِي الْعَمَلِ إلَى بَيَانٍ مَجَازًا كَقَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: 103].

ثُمَّ يُقَالُ: هَبْ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عَقْلًا لَكِنْ لَيْسَ وَاقِعًا فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلًا وَجَمِيعُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: الظَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُرَدْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ قَدْ يُؤَخَّرُ بَيَانُهُ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، وَادَّعَوْا أَنَّهَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَأُخِّرَ بَيَانُ التَّعْيِينِ.

وَهَذَا خِلَافُ مَا اسْتَفَاضَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ مِنْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِبَقَرَةِ مُطْلَقَةٍ فَلَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً مِنْ الْبَقَرِ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

وَالْآيَةُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ سِيَاقُهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ذَمَّهُمْ عَلَى السُّؤَالِ بِمَا هِيَ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُعَيَّنًا لَمَا كَانُوا مَلُومِينَ.

ثُمَّ إنَّ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادِهِ بِشَيْءِ مُعَيَّنٍ وَيُبْهِمَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَا يَذْكُرُهُ بِصِفَاتِ تَخْتَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: إذا اعترض من يُفرق بين القرائن المنفصلة والمتصلة، وإن اللفظ إذا اقترن بقرينةٍ متصلة كان حقيقة، وإذا اقترن بقرينةٍ منفصلة كان مجازًا، إذا قال: " أَنَا أُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ مَوْرِدِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ" وهي القرينة، وإذا القرينة المنفصلة.

فإذا اللفظ أكثر الناس لا يجوزون أن يتكلم، أن يتكلم بلفظٍ يدلُ على معنى، وهو لا يريدُ ذلك المعنى إلا إذا بين، وإنما يجوزون تأخير بيان، تأخير  بيان ما لم يدل اللفظ عليه كالمُجملات.

يقول: "يجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ مَوْرِدِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ. قِيلَ: أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يُجَوِّزُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلَفْظِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى إلا وَهُوَ يُرِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى" يعني إذا تكلم -- ((@ كلمة غير مفهومة- 01:13:59)) – ولا يمكن ألا يريد ذلك المعنى، إلا إذا بيَّن، إذا بيَّن فيكون البيان مقترنًا غير مُؤَخَّر.

أما إذا تكلم بلفظٍ يدل على معنى، فلابد أن يورد ذلك المعنى، لكن يؤخر البيان، بيان ما لم يدل عليه اللفظ، إنما الذي يُجوز تأخير بيان ما لم يُدل، ما لم يدل عليه اللفظ؛ كالمُجمل، كاللفظ المجمل.

أما اللفظ الذي يدلُ على معنى، فهذا لابد من بيانه، اللفظ الذي يدل على معنى مادام يريد ذلك المعنى، فذلك المعنى لابد أن يُبَيَن، أما الذي يُؤخر عن البيان هو ما لم يدل عليه اللفظ؛ كاللفظ المجمل، أما اللفظ الواضح الذي ليس مُجملًا، إذا تكلم به الإنسان، وهو يريد معنىً، فلابد أن يتبين ذلك المعنى، أما الذي يراد تأخيره هو الذي، الذي يجوز تأخيره البيان هو اللفظُ المُجمل الذي لا يدلُ عليه اللفظ.

ثم يقال له: "إذَا جَوَّزْت تَأْخِيرَ الْبَيَانِ فَالْبَيَان" بماذا يحصل؟ "قَدْ يَحْصُلُ بِجُمْلَةِ تَامَّةٍ وَبِأَفْعَالِ مِنْ الرَّسُولِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ الْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ إلَّا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ" البيان الذي يُبين به الكلام السابق هو كلام مستقل بنفسه، كلام مفيد مستقلًا بنفسه، لا يكون مما يجب اقترانه بغيره، يعني البيان المُجملات التي أُخر بيانها إنما تُبين بكلام مستقل، كلامٍ مفيد.

فإذا جعلت هذا مجازًا لزم أن يكون ما يحتاج في العمل إلى بيان مجاز، يعني إذا قلت إن هذا مجاز، المُجمل مثلًا إذا بُين فيما بعد، المُجمل الذي يحتاج إلى بيان يكون مجاز يلزمك أن يكون كل ما يحتاج العمل فيه إلى بيان مجاز، مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها} [التوبة: 103]، فتكون الصدقة مُجملة ولا تكون هذا مجاز، وهذا باطل.

ثم يُقال: "هَبْ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عَقْلًا" يعني افرض، هذا فرض أن هذا جائزٌ في العقل أن يُؤخر البيان، إذا أُخر البيان بيان المُجمل يكون، فيكون البيان الذي يأتي فيما بعد مجاز، فافرض أن هذا جائزٌ عقلًا، لكن لم يقع فيه فرض.

لو سلمنا جدلًا أن هذا يجوزه العقل، وهو أن يكون البيان المؤخر بيان مجمل ومؤخر مجازًا، لو سلمنا جدلًا أنه جائزٌ عقلًا لكن لا نُسَلِّم أنه واقع شرعًا، فلمْ يقع في الشريعة هذا.

وجميع ما يُذكر من ذلك باطل، ثم يقول رَحِمَهُ اللهُ: "الظَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُرَدْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ قَدْ يُؤَخَّرُ بَيَانُهُ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . وَادَّعَوْا أَنَّهَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَأُخِّرَ بَيَانُ التَّعْيِينِ.".

يقول هذا باطل، هذا القول باطل، فهذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، ليس المراد بها بقرة معينة، وإنما المراد بها أي بقرة، "وَهَذَا خِلَافُ مَا اسْتَفَاضَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ مِنْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِبَقَرَةِ مُطْلَقَةٍ"، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67].

" فَلَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً مِنْ الْبَقَرِ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَالْآيَةُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ "، بخلاف النكرة في سياق النفي، هنا الآن نكرة في سياق، في سياق الإثبات، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، بقرة نكرة، ولمْ يسبقها نفيٌ.

"وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ سِيَاقُهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ذَمَّهُمْ عَلَى السُّؤَالِ بِمَا هِيَ"، سألوا: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة: 68]، ثم لما بُيِّن لهم قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة: 69]، ثم لما بُيِّن لهم لونها، قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70]. فشددوا، -- ((@ كلمة غير مفهومة- 01:18:28)) – كلها تقييد بهذه البقرة، كلُّ ما جاء وصفٌ، قَيَّد وصار فيه مشقة عليهم في البحث عن البقرة الموصوفة بهذه الصفات.

"وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُعَيَّنًا لَمَا كَانُوا مَلُومِينَ" حينما سألوا، لو كان المراد بقرة المعينة بعينها، لما، لما كانوا ملومين حينما سألوا ما هي، وما لونها، يقول: "ثُمَّ إنَّ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادِهِ بِشَيْءِ مُعَيَّنٍ وَيُبْهِمَهُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَا يَذْكُرُهُ بِصِفَاتِ تَخْتَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً".

نقول: هذا لا يوجد في كلام الله وكلام رسوله لو سُلم جدلًا أنها، أنه جائزٌ عقلًا أن يؤخر البيان أو الحاجة، ويكون هذا المُبين، أو هذا البيان مجازًا، لو سُلم أن هذا جائزٌ عقلًا فإنه لا يُسلم أنه واقع في الشريعة.

(المتن)

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ بَيَانَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَهَا مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ بِخِلَافِ الشَّرْعِ؛ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ عَرَفُوا الْمَأْمُورَ بِهِ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَلَمْ يُؤَخِّرْ اللَّهُ قَطُّ بَيَانَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ.

(الشرح)

نعم، وهذا احتج من يقول بأن، بأن البيان إذا أخره وقت الحاجة، ثم جاء الكلامُ مُبينًا هذا مجاز، احتجوا، يعني من قال إن البيان المؤخر عن المورد الخطابي لوقت الحاجة، ثم يأتي البيان من بعد ذلك لأنه الكلام المبين يكون مجازًا "وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ بَيَانَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَهَا مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ بِخِلَافِ الشَّرْعِ".

يقول المؤلف: "وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ" لم يأمرهم بالصلاة التي تدلُ عليها اللغة، الصلاة التي هي الدعاء، والزكاة الطهارة والحج الذي هو القصد، "اللَّهَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ عَرَفُوا الْمَأْمُورَ بِهِ"، بعد أنْ عرفوا الصلاة.

الصلاة: الهيئة المعروفة المُفتتحة بالتكبير، والمُختتمة بالتسليم، وكذلك الزكاة، أمرهم بالزكاة التي يعرفونها، وهي: إخراج المال، وكذلك الحج، لم يأمرهم بالحج بالمعنى اللغوي الذي هو القصد، وإنما المرادُ: قصدُ مكة في وقتٍ معين لأداء أفعال مخصوصة في وقتٍ مخصوص، وهي متعمدة في الحج، وبهذا لمْ يُؤَخِّرِ اللهُ قط بيان شيءٍ من هذه المأمورات، نعم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد