شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_27 من قوله وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ عَنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ - إلى الرَّابِعُ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمُسْتَلْزِمَ لِعَمَلِ الْقَلْبِ أَكْمَلُ مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ عَمَلَهُ

شرح كتاب الإيمان الكبير_27 من قوله وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ عَنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ - إلى الرَّابِعُ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمُسْتَلْزِمَ لِعَمَلِ الْقَلْبِ أَكْمَلُ مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ عَمَلَهُ

00:00
00:00
تحميل
22

(المتن)

توقفنا عن قول المؤلف رحمه الله:

وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ عَنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.

ثُمَّ قَالَتْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ مَجْمُوعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ؛ قَالُوا: فَإِذَا ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ صَاحِبِهِ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ فَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ.

وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ: لَا تُذْهِبُ الْكَبَائِرُ وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ شَيْئًا مِنْ الْإِيمَانِ؛ إذْ لَوْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَنُصُوصُ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ؛ كَقَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([1]).

وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَتَفَاضَلُ وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَزِيدُ وَلَا يَقُولُ: يَنْقُصُ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَتَفَاضَلُ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ ثَبَتَ لَفْظُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ فَرَوَى النَّاسُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَدِّهِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ الخطمي؛ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَا زِيَادَتُهُ وَمَا نُقْصَانُهُ؟ قَالَ: إذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ وَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَتِلْكَ زِيَادَتُهُ؛ وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسِينَا فَتِلْكَ نُقْصَانُهُ. ([2]) وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ([3]).

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ بيَّن فيما سبق شناعة قول الخوارج والمعتزلة بتخليد العُصاة في النار، ثم بيَّن الشُبهة التي يتفق عليها جميعُ أهلِ البِدع في الإيمان؛ الخوارج والمعتزلة والمُرجئة بجميع طوائفهم، وهي أن الإيمان شيءٌ واحد إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه؛ لأن الإيمان حقيقةٌ مُركبة، والحقيقةُ المُركبة تزولُ بزوال بعض أجزائها، هذه الشبهة تعلَّق بها جميعُ أهل البدع، حتى مُرجئة الفقهاء.

ولم ينفصل عن هذه الشبهة إلا جمهور أهل السنة والجماعة؛ وذلك أن الجهمية يقولون: إن الإيمان هو معرفة الرب في القلب، فإذا زالت المعرفة زال الإيمان.

وكذلك الكَرامية يقولون: الإيمان هو قولُ اللسان، فإذا زال، زال الإيمان.

وكذلك مُرجئة الفقهاء يقولون الإيمان شيئان؛ قول اللسان، وتصديق القلب، فإذا زال أحدهما زال الإيمان.

وكذلك الخوارج والمعتزلة يقولون: الإيمان.. مُسمى الإيمان -كما يقول أهل السُّنَّة- مُسمى الإيمان: قول اللسان، وتصديق القلب، وعملُ القلب، وعملُ الجوارح، لكن إذا زال شيءٌ منها زال الإيمان بالكلية. لا يمكن أن يذهب البعض ويبقى البعض، بل إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه.

أما جمهور أهل السُّنَّة فإنهم قالوا: إن الإيمان يتبعض ويزيد وينقص ويقوى ويضعف ويذهبُ بعضه، ويبقى بعضه، لم يقل بهذا إلا أهل السنة، جمهور أهل السنة.

فالمؤلف رحمه الله بيَّن الشبهة التي اتفق عليها أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والمُرجئة، فقال: "وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْإِيمَانَ إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ عَنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ".

هو الأصل، الأصل الذي تفرع عنه جميع البدع في الإيمان بدعة الخوارج، وبدعة المعتزلة، وبدعة المُرجئة من الجهمية، الكرامية، وبدعة مُرجئة الفقهاء، كلهم تفرعت بدعتهم عن هذا الأصل، قالوا: الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه، فلا يمكن أن يذهب البعض ويبقى البعض.

يقول المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ قَالَتْ " الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ ": هُوَ مَجْمُوعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ" يعني مُسمى الإيمان هو مجموع ما أمر الله به ورسوله يعني من الأقوال، والاعتقاد، والاعتقادات، والأعمال، " كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ؛ قَالُوا: فَإِذَا ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ صَاحِبِهِ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ فَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ" يعني هم وافقوا أهل الحديث في أن مُسمى الإيمان مجموع ما أمر الله به ورسوله، لكن خالفوهم أنه إذا ذهب شيءٌ منه لم يبق مع صاحبه شيء من الإيمان فيُخلد في النار.

"وَقَالَتْ " الْمُرْجِئَةُ " عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ:" سواء مُرجئة الفقهاء، أو المُرجئة المحضة، أو كَرامية كلهم يقولون: "لَا تُذْهِبُ الْكَبَائِرُ وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ شَيْئًا مِنْ الْإِيمَانِ" لأن الإيمان هو في القلب،و التصديق في القلب، فلو فعل الكبائر وترك الواجبات فلا يذهب شيءٌ من الإيمان.

يقول: " إذْ لَوْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ شَيْئًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ" وكل هذا ناشئ عن الشُبهة وهو أن الإيمان شيءٌ واحد، إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه.

ثم يردُ المؤلف رحمه الله بهذه الشبهة، ويقول: هذه الشبهة باطلة، يقول: إذا ذهب البعض ذهب الجميع هذا باطل.

النصوص تدلُ على أنه يذهب البعض ويبقى البعض، فقال: "وَنُصُوصُ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ؛ من النصوص كَقَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([4])"، والنصوص هنا متواترة، فالذي يبقى بقلبه ذرةٌ من إيمان معناه أن ذهب بعضه، وبقى شيءٌ يسير، بقي شيءٌ قليل خرج به من النار، والمعاصي مهما عَظُمت ولو كثُرت لا تقضي على الإيمان، بل تضعه، تضعف المعاصي الإيمان حتى لا تبقى مثقال ذرة، لكنها لا تقضي عليها إلا جاء الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، فإنه يقضي على الإيمان ولا يبقى منه شيئًا، أما المعاصي وإن عظمت ولو كثرت فإنها لا تقضي على الإيمان، بل تُضعفه حتى لا يبقى إلا مثقال ذرة من إيمان.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا كَانَ " أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ " عَلَى أَنَّهُ يَتَفَاضَلُ" يعني الإيمان، يرون أنه يتفاضل، ونصَّ على هذا الأئمة، ونقل العلماء في مؤلفاتهم ذلك كما ذكر، كما نقل ذلك ابن مندة في كتابه الإيمان، وإليك ابن بطة في كتابه الإيمان، وفي معالم السنة للخطابي، وغيرها تعظيم قدر الصلاة، فالعلماء نقلوا ذلك عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الإيمان يتفاضل.

قال المؤلف: "وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَزِيدُ وَلَا يَقُولُ: يَنْقُصُ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ"أنه يزيد ولاينقص" وفي رواية أخرى روي عنه أنه يزيد وينقص،وافق الجمهور" وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَتَفَاضَلُ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ، ثَبَتَ لَفْظُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ عَنْ الصَّحَابَةِ" أنه يزيد وينقص، " وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ".

فكما سيأتي أن الزيادة، زيادة الإيمان في القرآن الكريم في الآيات متعددة، ولهذا قال: "ثَبَتَ لَفْظُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ فَرَوَى النَّاسُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَدِّهِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ الخطمي؛ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَا زِيَادَتُهُ وَمَا نُقْصَانُهُ؟ قَالَ: إذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ وَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَتِلْكَ زِيَادَتُه" يعني يزيد بالعمل، "وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسِينَا فَتِلْكَ نُقْصَانُهُ([5]). وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ"([6]). والنصوص في هذا على الصحابة كثيرة، سيذكرها المؤلف رحمه الله، نعم.

(المتن)

وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْت أَشْيَاخَنَا أَوْ بَعْضَ أَشْيَاخِنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: إنَّ مِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَاهَدَ إيمَانَهُ وَمَا نَقَصَ مَعَهُ وَمِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَيَزْدَادُ الْإِيمَانُ أَمْ يَنْقُصُ؟ وَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ أَنَّى تَأْتِيهِ([7]).

وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ([8]).

وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: هَلُمُّوا نَزْدَدْ إيمَانًا فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ ([9]).

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: إنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتْ اللُّمْظَةُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْجُمَلِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ اللُّمْظَةُ: مِثْلُ النُّكْتَةِ أَوْ نَحْوُهَا.

وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عكيم قَالَ: سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا([10]).

وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِرَجُلِ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَرَوَى أَبُو الْيَمَانِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنْ شريح بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ كَانَ يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: قُمْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً فَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ([11]).

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَثْبَتَهَا الصَّحَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ.

وَصَحَّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ؛ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِم ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ([12]) وَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إيمَانًا"([13]) وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ رَوَاهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ.

(الشرح)

نعم، هذه النصوص نقلها المؤلف رحمه الله عن الصحابة في أن الإيمان يزيد وينقص، وهي نصوصٌ كثيرة، وتُفيد العلم، والجزم بأن الصحابة يعتقدون أن الإيمان يزيد وينقص، بل القرآن الكريم دل على الزيادة كما سيذكر المؤلف رحمه الله: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4]، فالإيمان يزيد وينقص، والكفر يزيد وينقص، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 125]، فالإيمان يزيد وينقص، والكفر يزيد وينقص.

قال المؤلف رحمه الله: "وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْت أَشْيَاخَنَا أَوْ بَعْضَ أَشْيَاخِنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: إنَّ مِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَاهَدَ إيمَانَهُ وَمَا نَقَصَ مَعَهُ وَمِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَيَزْدَادُ الْإِيمَانُ أَمْ يَنْقُصُ؟([14])" هذا نص أبي الدرداء أن الإيمان يزيد وينقص، يتعهَّد إيمانه، وما ينقص، يعني يتعهد إيمانه بالعمل الصالح، والبعد عن الغفلة، والبعد عن المعاصي، يتعهد إيمانه، يعني لا يُهمل؛ لأنه إذا غفل وأعرض نقص إيمانه.

ومن فقهِ العبد أنْ يَعْلَمَ أن يزداد إيمانه أو ينقص، يعني يزداد إيمانه بالعمل الصالح، بتلاوة القرآن، بذكر الله، بحضور مجالس الذكر، أو ينقص؛ بالإعراض والغفلة.

قال: "وَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ أَنَّى تَأْتِيهِ" يعني من أين تأتيه نزغات الشيطان تأتيه من، من الغفلة، فإن المؤمن إذا ذكر الله خرج الشيطان، وإذا غفل أتى يوسوس، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس: 4]، يعرف نزغات الشيطان من أين تأتيه، تأتيه إذا وقعت المعاصي في الإعراض عن ذكر الله، تأتيه في مخالطة من يُظهر قلبه، ويؤثر عليه من قرناء السوء.

"وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ"([15]) نص الصحابي.

ثم نقل النص عن عمر بن الخطاب  وقال: "وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: هَلُمُّوا نَزْدَدْ إيمَانًا فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ "([16]).

إذا ذكر المسلم ربه زاد إيمانه، إذا تلا القرآن زاد إيمانه، فإذا صلى الليل، صلاة الليل، أو صلى الضُحى زاد إيمانه، إذا صام تطوع زاد إيمانه، وإذا غفل وأعرض نقص إيمانه، ولهذا قال عمر: "هَلُمُّوا نَزْدَدْ إيمَانًا فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ ".

القارئ: ذر بن عبد الله تصح روايته عن عمر؟ لاقاه يا شيخ؟

الشيخ: نعم.

القارئ: ذر بن عبد الله، هل تصح روايته عن عمر بن الخطاب ؟

الشيخ: ما أدري، يحتاج إلى مراجعة، مراجعة كتبُ الرجال، هو من الثقات، وذكر عنه أنه يميل إلى الإرجاء لكن على كل حال لو هذا النص أو هذا عن عمر بن الخطاب ، له شواهد من النصوص الأخرى، يُضم بعضها إلى بعض، ويشهد بعضها لبعض، والآية الكريمة كافية في القرآن.

"وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْغَرِيبِ " فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: إنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً" يعني شيءٌ يسير، " الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتْ اللُّمْظَةُ" اللمظة مثل الشعلة، شعلة النار التي تكون في القلب شيئًا، أول ما يبدأ، "يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْجُمَلِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ اللُّمْظَةُ: مِثْلُ النُّكْتَةِ أَوْ نَحْوُهَا"، نكتة في القلب، يعني أولُ بدء، أولُ ما يقع في القلب، نكتة لفظة، ثم تزداد.

ثم نقل أيضًا عن ابن مسعود قال: "وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عكيم قَالَ: سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا"([17])، فهذا الدعاء يدل على أن الإيمان يزيد، واليقين يزيد، والفقه يزيد.

قال أيضًا عن معاذ: "وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِرَجُلِ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى"([18]) اجلس بنا نؤمن يعني يزداد إيماننا.

ثم أيضًا نقل عن عبد الله بن رواحه: "وَرَوَى أَبُو الْيَمَانِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنْ شريح بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ كَانَ يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: قُمْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً فَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ"([19]) يعني فيزداد الإيمان، هذه الزيادة أثبتها الصحابة.

يقول المؤلف: "وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَثْبَتَهَا الصَّحَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ" يعني الرد على من قال إن الزيادة إنما هي في وقت نزول القرآن، كلما نزل شيء آمنوا به، فزاد، قال: "وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَثْبَتَهَا الصَّحَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ" بعد أن كمل التشريع.

ثم قال: " وَصَحَّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ؛ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ ذَكَرَهُ، وهذا التعليق ذكره عن عمار روه البخاري رحمه الله، وعلقه مجزومًا به، رواه البخاري معلقًا مجزومًا به، وقال وصح عن ابن عمار، وهو أثرٌ عظيم لو تأمله المسلم، " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ" يعني يكون الإنسان يُنصف من نفسه، يقول الحق ولو عليه، من الذي يُنصف من نفسه؟ هذا قليل في الناس، انصف من نفسك، تقر بالحق ولو كان عليك، قل الحق ولو كان مُرًا، هذه خصلة.

والخصلة الثانية: "وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ" يعني الإنفاق مع العُسر، يكون الإنسان يده، يعني عنده ضيقُ ذات اليد، ومع ذلك يُنفق، يضغط على نفسه ويُنفق مثلما كان الصحابة رضوان الله عليهم لما حثَّ النبي على الصدقة وليس عنده شيء، كان يُحامل، الواحد يُحامل، يعني يحمل، يكون حمال يحمل، فإذا كسب درهمين أنفق على أهله درهمًا، وتصدق بدرهم، هذا الإنفاق مع الإقتار، مما جاء في الحديث: سبق درهمٌ ألف درهم([20])، يعني شخص عنده مال كثير وأنفق ألف درهم، وبقي آلاف، وهذا شخص ما عنده غير درهمين؛ أنفق درهم وبقي درهم، أنفق نصف ماله، فسبق درهم ألف درهم، هذا إنفاق مع الإقتار.

والثاني: "وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ" لجميع الناس، بعض الناس ما يبذل السلام إلا لمن يعرف، من يعرف يُسلم عليه، من لا يعرف لا يُسلم عليه، فكل الذي يبذل السلام لجميع من لقى إلا إذا عرف أنه من اليهود أو النصارى، كما قال النبي ﷺ: لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ([21])، إذا عرف أنه غير مسلم، فلا يبدأُه بالسلام، لكن إذا لم يعلم فإنه يبذلُ السلام لكل من لقي.

فهذه الثلاث إذا يعني من تحققت فيه، فإنه يستكملُ الإيمان.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إيمَانًا"([22]) يعني تعلم الإيمان، ثم تعلم القرآن، تعلم، تعَلُم العلم الشرعي، التفقه في الدين كل هذا يزيد الإيمان.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ رَوَاهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ" وسيذكر المؤلف رحمه الله الأدلة من كتاب الله تعالى في زيادة الإيمان، نعم.

القارئ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ.

الشيخ: قل زيادة، وزيادة قد نطق بها القرآن،

القارئ: عفوًا يا شيخ، نحن ذكرنا ما صح عن عمر.

الشيخ: ...

القارئ: نترك الآثار؟

الشيخ: انتهينا، "والزيادة قد نطق بها القرآن"، قرأناها وشرحناها، "والزيادة".. سطرين أو ثلاثة، "والزيادة قد نطق بها القرآن في عدة آيات".

القارئ: ما عندنا.

الشيخ: بعد ما صح عن عمر، بعدها بسطرين أو ثلاثة، "والزيادة قد نطق بها القرآن".

القارئ: عندي بعدها: " قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: الْإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلًا كَالْبَقْلَةِ" هذا بعدها عندي في نسختنا.

الشيخ: بعد ايش.

القارئ: هذه نسختنا، ونسخة الإخوة كذلك. بعد هذا الكلام بعد: "رَوَاهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ"، والإخوة موجودة عندهم في نسختهم، قال مالكُ بن دينار.

الشيخ: قال مالكُ بن دينار ايش؟

(المتن)

قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: الْإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلًا كَالْبَقْلَةِ؛ فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَّغَلَ فَأَضْعَفَهَا أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا كَذَلِكَ الْإِيمَانُ.

(الشرح)

كما سبق في حديث علي أنه قال عن أبو عُبيد إنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً، يعني يبدأ شيئًا فشيئًا ثم يزداد، إذا تعاهد بالعمل الصالح ازدادَ ونمى، وإذا أهمل..

القارئ: إحنا عندنا ثلاث صفحات يا شيخ قبل النسخة التي لديك، "والزيادة قد نطق بها القرآن"، ثلاث صفحات، فلعل الإخوة يتابعوننا من هذه النسخة أيضًا.

الشيخ: هذه النسخة..

القارئ: نعم نسخة الفتاوى أيضًا.

(المتن)

وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي.

الشيخ: قال ايش؟

(المتن)

وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي. وَقِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ: يَزْدَادُ الْإِيمَانُ وَيَنْقُصُ؟ قَالَ نَعَمْ يَزْدَادُ حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ وَيَنْقُصُ حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْهَبَاءِ.

(الشرح)

هذه كلها نصوص تدل على زيادة الإيمان ونقصانه، "وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ" كما هي بهيمة الأنعام حين تسمن في الخصب، "وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ" يعني إذا عمل صالحًا هذا هو الخصب، الخصب المعنوي، والخصب الحسي الخضرة والربيع، تراها الدواب، "وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ" فالخصب خصب الإيمان العمل الصالح، والجدب هي الذنوب والمعاصي، "وَقِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ: يَزْدَادُ الْإِيمَانُ وَيَنْقُصُ؟ قَالَ نَعَمْ يَزْدَادُ حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ وَيَنْقُصُ حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْهَبَاءِ" يزداد بالعمل الصالح، وينقص بالغفلة والإعراض والمعاصي نعم.

(المتن)

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الصَّحِيحِ: حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ؛ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ([23]).

وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ؛ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ: مربادا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ هَوَاهُ([24])

وَفِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كِفَايَةٌ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَزِيَادَتِهِ فِي تِلْكَ الْخِصَالِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ إيمَانِهِمْ؛ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ فِي أُمُورِهِمْ كُلِّهَا.

(الشرح)

نعم، وهذه الأحاديث كلها صريحة في زيادة الإيمان، ونقصانه، "وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الصَّحِيحِ: «حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ؛ "وهذا بعد تغير الزمان هذا قاله حذيفة في الأصل الاول وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ([25])، يقول وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان هذا دليل على أن الإيمان يتفاوت حتى لا يبقى إلا مثقال حبة من خردل.

وكذلك الحديث الآخر: "وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ؛ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ([26]) فهذا الذي نُكتت فيه نكتة سوداء يضعف الإيمان، وينقص بقدر النُكتة، والقلب الذي يُنكت فيه نُكتةٌ بيضاء يزيد إيمانه، حتى تكون أَبْيَضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ بقوة إيمانه، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ: مربادا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ هَوَاهُ لضعف إيمانه، أو ذهابه.

ثم قال: "وَفِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كِفَايَةٌ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَزِيَادَتِهِ فِي تِلْكَ الْخِصَالِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ إيمَانِهِمْ" وهو أن النبي ﷺ قال: هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

يعني بقوة إيمانهم صاروا يتركون الأعمال الشركية، ويتركون أيضًا الأعمال المكروهة، ويتركون ما هو خلاف الأولى، يتركون الشرك فـ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، التطير هو التشاؤم، هذا من الشرك، ولاَ يَسْتَرْقُونَ هذه يتركون ما هو خلافُ الأولى، وَلاَ يَكْتَوُونَ، يتركون الأعمال المكروهة؛ لأن الكي مكروه، فهذا يدل على قوة إيمانهم، الشرك، وتركوا الأعمال المكروهة، وتركوا ما هو خلافُ الأولى، وتوكلوا على الله في أمورهم كلها، وهذا كما قال المؤلف رحمه الله من أعظم الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه، نعم.

(المتن)

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليزني «عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْإِيمَانِ فَقَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ أُخْبِرَك بِصَرِيحِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إذَا أَسَأْت أَوْ ظَلَمْت أَحَدًا عَبْدَك أَوْ أَمَتَك أَوْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَزِنْت وَسَاءَك ذَلِكَ. وَإِذَا تَصَدَّقْت أَوْ أَحْسَنْت اسْتَبْشَرْت وَسَرَّك ذَلِكَ([27]).

وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ يَزِيدَ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ وَنُقْصَانِهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ثَنَا هَانِئُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: ثلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَوْجَبَ الثَّوَابَ وَاسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ خُلُقٌ يَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ وَوَرَعٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَحِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ([28]).

وَأَرْبَعٌ مِنْ الشَّقَاءِ: جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا([29]). فَالْخِصَالُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَقُوَّتِهِ وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَنُقْصَانِهِ.

(الشرح)

وهذه الأدلة واضحة في زيادة الإيمان ونقصانه، الدليل في الأول "وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليزني «عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْإِيمَانِ فَقَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ أُخْبِرَك بِصَرِيحِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إذَا أَسَأْت أَوْ ظَلَمْت أَحَدًا عَبْدَك أَوْ أَمَتَك أَوْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَزِنْت وَسَاءَك ذَلِك، هذا يدل على أن الإيمان ينقص، إذا ظلم أحد وأساء إليه ظلم، ولهذا حَزِنْت وَسَاءَك ذَلِكَ. وَإِذَا تَصَدَّقْت أَوْ اسْتَبْشَرْت وَسَرَّك ذَلِكَ([30])".أَحْسَنْت

معناه بسبب زيادة الإيمان، ثم أيضًا: "وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ يَزِيدَ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ وَنُقْصَانِهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ" ثم ذكر أيضًا حديث أنس مرفوعًا الذي هو عن البزار قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ثَنَا هَانِئُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَوْجَبَ الثَّوَابَ وَاسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ خُلُقٌ يَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ هذا أحسن خلقًا زاد إيمانه، وَوَرَعٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّه يحجزه عن المعصية؛ لأن المعاصي تنقصُ الإيمان، وَحِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ([31])، هذا يدلُ على قوة الإيمان.

أَرْبَعٌ مِنْ الشَّقَاءِ: جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا([32])" هذه تدلُ على ضعف الإيمان ونقصانه؛ جُمُودُ الْعَيْنِ ليس عنده لا تدمع عينه، وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ، فالقسوة التي في القلب معناها يكون عنده، يكون، سبب المعاصي والإعراض، وَطُولُ الْأَمَلِ كذلك والحرص على الدنيا؛ فالأولى تدلُ على زيادة الإيمان ونقصانه، والأربعة تدلُ على ضعفه ونقصانه.

هذه الأدلة كلها واضحة في زيادة الإيمان ونقصانه، وفيها ردًا على المُرجئة الذين يقولون أن الإيمان لا يزيدُ ولا ينقص، وهي من، وهي أدلة كثيرة، وتبلغ، يعني قد تبلغُ حدُ التواتر، والآيات الكريمة كافية، والأحاديث كافية، والآثار عن الصحابة كذلك، وكلها يعني يقوي بعضها بعضًا، وكما يُقال: من باب تضافر الأدلة وتناصرها، كلها تدل على، على مذهب أهل السنة والجماعة هو الحق، وأن مذهب المُرجئة مذهبٌ باطل في أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، نعم.

(المتن)

فَقَالَ لِبَعْضِ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: سَمِعْته يَقُولُ: الْإِسْلَامُ بَدَأَ جِذْعًا؛ ثُمَّ ثَنِيًّا؛ ثُمَّ رُبَاعِيًّا؛ ثُمَّ سُدَاسِيًّا؛ ثُمَّ بَازِلًا. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا بَعْدَ الْبُزُولِ إلَّا النُّقْصَان كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِ عُمَرَ وَفِي مُسْنَدِ هَذَا الصَّحَابِيِّ الْمُبْهَمِ ذِكْرُهُ أَوْلَى: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِئَ فِي نَهَارِهِ وَمَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِئَ فِي لَيْلِهِ.

(الشرح)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المؤلِّف رحمه الله لا يزال يذكر الأدلة ويسرد الأدلة التي تدلُّ على زيادة الإيمان ونقصانه للرد على المُرجئة الذين يقولون: إن الإيمان شيءٌ واحد، لا يزيدُ ولا ينقص.

قد سبق أن ذكر المؤلف رحمه الله أدلة من أحاديث عن رسول الله ﷺ، وآثار عن الصحابة، وهذه بقيتها، قال: "وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الموصلي: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ القواريري وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ" إلى آخر السند، إلى أن قال: " كُنْت بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ لِبَعْضِ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: سَمِعْته يَقُولُ: الْإِسْلَامُ بَدَأَ جِذْعًا؛ ثُمَّ ثَنِيًّا؛ ثُمَّ رُبَاعِيًّا؛ ثُمَّ سُدَاسِيًّا؛ ثُمَّ بَازِلًا. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا بَعْدَ الْبُزُولِ إلَّا النُّقْصَانُ" وهذا فيه دليل على أن الإيمان يزيدُ وينقص.

ومُسمى الإسلام هو مُسمى الإيمان، فالإسلام إذا أُطلق يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك الإيمان إذا أُطلق فإنه يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، فإذا كان الإسلام يزيد وينقص، فكذلك الإيمان، فهو بَدَأَ جِذْعًا؛ ثُمَّ ثَنِيًّا يعني زاد، أكبر، ثُمَّ رُبَاعِيًّا، أكبر زاد، ثُمَّ سُدَاسِيًّا؛ ثُمَّ بَازِلًا.، ثم قال: "فَمَا بَعْدَ الْبُزُولِ إلَّا النُّقْصَانُ"، هذا صريح في أنه يزيدُ وينقص.

ثم قال: "قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِئَ فِي نَهَارِهِ وَمَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِئَ فِي لَيْلِهِ"، يعني أنه أن مَن أحسن في ليله زاد إيمانه، كافأه الله ويثيبه على عمله الصالح، ويجازيه، كافأه وجازاه، ومَن أحسن في نهاره كُوفئ في ليله، والذي يُحسن يزيدُ إيمانه، كما أن الذي يُسيء ينقصُ إيمانه، نعم.

القارئ: من هنا يعني تبدأ في النسخ الأخرى، يزول النقص اللي في النسخ الأخرى يا شيخ.

الشيخ: نعم.

(المتن)

 قال رحمه الله:

"وَالزِّيَادَةُ قَدْ نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2].

وَهَذِهِ زِيَادَةٌ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ الْآيَاتُ أَيَّ وَقْتٍ تُلِيَتْ لَيْسَ هُوَ تَصْدِيقُهُمْ بِهَا عِنْدَ النُّزُولِ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ زَادَ فِي قَلْبِهِ بِفَهْمِ الْقُرْآنِ، وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ مِنْ عِلْمِ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ؛ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْآيَةَ إلَّا حِينَئِذٍ، وَيَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالرَّهْبَةِ مِنْ الشَّرِّ مَا لَمْ يَكُنْ؛ فَزَادَ عِلْمُهُ بِاَللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لِطَاعَتِهِ وَهَذِهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ.

وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ تَخْوِيفِهِمْ بِالْعَدُوِّ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ آيَةٍ نَزَلَتْ فَازْدَادُوا يَقِينًا وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ وَثَبَاتًا عَلَى الْجِهَادِ وَتَوْحِيدًا بِأَنْ لَا يَخَافُوا الْمَخْلُوقَ؛ بَلْ يَخَافُونَ الْخَالِقَ وَحْدَهُ وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 124، 125].

وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا بَلْ زَادَتْهُمْ إيمَانًا بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا بِالْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ ازْدَادُوا رَغْبَةً وَإِنْ كَانَتْ نَهْيًا عَنْ شَيْءٍ انْتَهُوا عَنْهُ فَكَرِهُوهُ وَلِهَذَا قَالَ: وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ  [التوبة: 124] وَالِاسْتِبْشَارُ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ.

وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ [الرعد: 36] وَالْفَرَحُ بِذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ قَالَ تَعَالَى: قلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس: 58].

وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۝ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم: 4، 5]، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31]، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4] وَهَذِهِ نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَجَعَلَ السَّكِينَةَ مُوجِبَةً لِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ. وَالسَّكِينَةُ طُمَأْنِينَةٌ فِي الْقَلْبِ غَيْرُ عِلْمِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ وَلِهَذَا قَالَ يَوْمَ حنين: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [التوبة: 26].

وَقَالَ تَعَالَى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة: 40]، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ يَوْمَ حنين قُرْآنٌ وَلَا يَوْمَ الْغَارِ؛ وَإِنَّمَا أَنْزَلَ سَكِينَتَهُ وَطُمَأْنِينَتَهُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمَزِيدَ حَالٌ لِلْقَلْبِ وَصِفَةٌ لَهُ وَعَمَلٌ مِثْلُ طُمَأْنِينَتِهِ وَسُكُونِهِ وَيَقِينِهِ وَالْيَقِينُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَمَلِ وَالطُّمَأْنِينَةِ كَمَا يَكُونُ بِالْعِلْمِ وَالرَّيْبُ الْمُنَافِي لِلْيَقِينِ يَكُونُ رَيْبًا فِي الْعِلْمِ وَرَيْبًا فِي طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ.

وَلِهَذَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِك مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيك، وَمِنْ طَاعَتِك مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَك، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا([33]).

(الشرح)

قال المؤلِّف رحمه الله، ذكر في هذا المقطع الآيات الكريمة التي تدلُ على زيادة الإيمان، ونقصانه، ووجه الدلالة، والرد على المُرجئة، والمؤلف رحمه الله ترقى في الاستدلال، بدأ أولًا بآثار الصحابة، آثار الصحابة، الآثار التي تدل على زيادة الإيمان ونقصانه، ثم ذكر الأحاديث أحاديث النبي ﷺ التي تدلُ على زيادة الإيمان، ثم ذكر الآيات الكريمة التي تدلُ على زيادة الإيمان، فترقى من الأقل إلى ما هو أعلى منه استدل بآثار الصحابة، ثم بالأحاديث، ثم بالآيات الكريمة.

قال المؤلف رحمه الله: "وَالزِّيَادَةُ قَدْ نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ" اللي هي زيادةُ الإيمان، " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2]" بين وجه الدلالة.

بيّن المؤلف رحمه الله: "وَهَذِهِ زِيَادَةٌ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ الْآيَاتُ أَيَّ وَقْتٍ تُلِيَتْ لَيْسَ هُوَ تَصْدِيقُهُمْ بِهَا عِنْدَ النُّزُولِ" يُشير بهذا إلى الرد على المُرجئة، المرجئة يقولون: الزيادة إنما هي التصديق، التصديق عند النزول.

قال المؤلف رحمه الله: لا، هذه ليست زيادة التصديق، وإنما هي زيادة وقت تلاوة الآيات، غير التصديق، التصديق يصدق ذلك، فالمؤمن يصدق، ثم إذا تُليت عليه الآية زاد إيمانه.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ زَادَ فِي قَلْبِهِ بِفَهْمِ الْقُرْآنِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ مِنْ عِلْمِ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ؛ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْآيَةَ إلَّا حِينَئِذٍ" يعني الإنسان يُحس بهذا من نفسه، فيجدُ ويجد في نفسه أنه إذا تُليت الآيات على الإنسان، زاد في قلبه فهم القرآن، ومعرفة معانيه، وصار عنده رغبة في فعل الخير، ورهبة من فعل الشر، هذا هو ما يزيدُ الإيمان، وهذا غير التصديق.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَيَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالرَّهْبَةِ مِنْ الشَّرِّ مَا لَمْ يَكُنْ؛ فَزَادَ عِلْمُهُ بِاَللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لِطَاعَتِهِ وَهَذِهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ".

ثم ذكر الدليل الثاني: قال:"وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]"، قال المؤلف في بيان وجه الدلالة: " فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ تَخْوِيفِهِمْ بِالْعَدُوِّ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ آيَةٍ نَزَلَتْ فَازْدَادُوا يَقِينًا وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ".

يشير إلى الرد على، يشير المؤلف رحمه إلى الله إلى الرد على المُرجئة، يقولون: إن الزيادة إنما تكون، الزيادة تكون عند نزول القرآن، إذا نزل القرآن آمنوا به، إذا نزلت الآية آمنوا بها فازداد إيمانهم.

قال المؤلف رحمه الله: هذا ما فيه نزول آية، إنما فيه لما خُوفوا من العدو زاد إيمانهم، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. قال: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]، فهذه الزيادة عند تخويفهم بالعدو، لم تكن عند آيات نزلت كما يقول المُرجئة، فالمرجئة يقولون إذا نزلت الآية صدقوا بها فزاد إيمانهم.

هنا الآية ما في نزول آية، الزيادة عند التخويف من العدو، إذا خُوفوا قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل زادهم إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، "فَازْدَادُوا يَقِينًا وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ وَثَبَاتًا عَلَى الْجِهَادِ وَتَوْحِيدًا بِأَنْ لَا يَخَافُوا الْمَخْلُوقَ؛ بَلْ يَخَافُونَ الْخَالِقَ وَحْدَهُ".

ثم ذكر الدليل الثالث، قال: "وقال تعالى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 124، 125]، . وَهَذِهِ "الزِّيَادَةُ " لَيْسَتْ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا" كما يقول المُرجئة.

المُرجئة يقولون الزيادة معناها التصديق، إنما هي بالتصديق، إذا صدقوا فالزيادة بالنسبة إلى المؤمن به، لا بالنسبة إلا الإيمان، المُرجئة يقولون أن النسبة الزيادة نسبة إلى المؤمن به، إذا نزل آية آمنوا به فزاد الإيمان بالنسبة للمؤمن به، لا بالنسبة إلى الإيمان الذي في القلب، فالمؤلف يردُ عليهم، ويقول: وَهَذِهِ " الزِّيَادَةُ " لَيْسَتْ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا بَلْ زَادَتْهُمْ إيمَانًا بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا بِالْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ ازْدَادُوا رَغْبَةً وَإِنْ كَانَتْ نَهْيًا عَنْ شَيْءٍ انْتَهُوا عَنْهُ فَكَرِهُوهُ وَلِهَذَا قَالَ: وَهَذِهِ " الزِّيَادَةُ " لَيْسَتْ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا بَلْ زَادَتْهُمْ إيمَانًا بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا بِالْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ ازْدَادُوا رَغْبَةً وَإِنْ كَانَتْ نَهْيًا عَنْ شَيْءٍ انْتَهُوا عَنْهُ فَكَرِهُوهُ وَلِهَذَا قَالَ: وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124] وَالِاسْتِبْشَارُ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ وَالِاسْتِبْشَارُ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ" فالاستبشار شيء، والتصديق شيء آخر.

ثم قال المؤلف رحمه الله: " وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ [الرعد: 36]" ثم بيَّن وجه الدلالة، فقال: " وَالْفَرَحُ بِذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ قَالَ تَعَالَى: قلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس: 58]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۝ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم: 4، 5]" يدل المؤلف على أن الفرح من زيادة الإيمان.

" وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً [المدثر: 31]" الدليل الآخر أيضًا.

الرابع والخامس قال: " وَقَالَ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31]" والآيةُ السابقة هي أن الإيمان يزيد وكذلك الكفر والنفاق يزيد، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 124، 125].

وفي هذه الآية، قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31]، صريح بأن الإيمان يزداد، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4].

يقول المؤلف: "وَهَذِهِ نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَجَعَلَ السَّكِينَةَ مُوجِبَةً لِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ. وَالسَّكِينَةُ طُمَأْنِينَةٌ فِي الْقَلْبِ غَيْرُ عِلْمِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ"، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 4]، ليس هناك شيء نزل من القرآن، حتى يقول المُرجئة إن الزيادة في، الزيادة في الإيمان بالنسبة للآية التي نزلت يؤمنون بها، فيكون بالنسبة للمؤمن به، إنما هنا زيادة سكينة، لما أنزل الله السكينة في قلوب المؤمنين زاد إيمانهم.

فليس هناك شيء يُؤمن به كما يقوله المُرجئة، فدلَّ على بطلان قولهم، وهذه نزلت لما رجع النبي ﷺ وأصحابه من الحُديبية، نزلت السكينة موجبة لزيادة الإيمان، والسكينة طمأنينة في القلب، يعني وطمأنينة في القلب غيرُ علم القلب وتصديقه، ولهذا قال يوم حنين، قال الرب سبحانه: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [التوبة: 26]، السكينة، الطمأنينة.

وقال تعالى، في وصف النبي مع صاحبه في الغار: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة: 40]، ولم يكن قد نزل يوم حنين القرآن، ولا يوم الغار القرآن.

يعني المؤلف يشير إلى الرد على المُرجئة الذين يقولون إن الإيمان إنما هو بالنسبة للمؤمن به، إذا نزل القرآن آمنوا فزاد إيمانهم، فزاد الإيمان ليس كالإيمان الذي في القلوب، وإنما بالنسبة إلى المؤمن به.

قال المؤلف رحمه الله: هنا في يوم حُنين هل في قرآن نزل؟ و يوم الغار هل فيه قرآن نزل؟ لا ما فيه، إنما فيه طمأنينة، زاد الإيمان بالطمأنينة، أنزل الله سكينته، أنزل الله سكينته على رسوله يوم حُنين، وفي الغار فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة: 40]، ولم يكن.

ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: "وَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ يَوْمَ حنين قُرْآنٌ وَلَا يَوْمَ الْغَارِ؛ وَإِنَّمَا أَنْزَلَ سَكِينَتَهُ وَطُمَأْنِينَتَهُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرْجِعَهُمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمَزِيدَ حَالٌ لِلْقَلْبِ وَصِفَةٌ لَهُ وَعَمَلٌ".

 الآيات فيها دليل على أن الإيمان حالٌ للقلب، وصفة للقلب، وعملٌ في القلب، وليس بالنسبةِ إلى المؤمن به كما يقوله المُرجئة، مثل ما يقول المؤلف: "مِثْلُ طُمَأْنِينَتِهِ وَسُكُونِهِ وَيَقِينِهِ" كما أن الزيادة تكونُ وصفًا للقلب، وعملًا للقلب، كذلك الطمأنينة والسكون واليقين يكون في القلب، "وَالْيَقِينُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَمَلِ وَالطُّمَأْنِينَةِ كَمَا يَكُونُ بِالْعِلْمِ" يعني اليقين يكونُ بالعلم، ويكون بالعمل والطمأنينة.

"وَالرَّيْبُ الْمُنَافِي لِلْيَقِينِ يَكُونُ رَيْبًا فِي الْعِلْمِ وَرَيْبًا فِي طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ" يعني كما أن الريب المنافقين يكون ريبًا في العلم، يكون ما عنده علم ويقين، ويكون ريبًا في طمأنينة القلب، يعني هذا تنظير لهذا.

قال المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِك مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيك وَمِنْ طَاعَتِك مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَك وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وهذا الحديث رواه الترمذي في كتابه الدعوة، نعم.

(المتن)

وَفِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِي وَغَيْرُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ؛ فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ؛ فَسَلُوهُمَا اللَّهَ تَعَالَى([34]).

فَالْيَقِينُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهَا سَكِينَةَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11].

قَالَ عَلْقَمَةُ: وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ وقَوْله تَعَالَى يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11] هُدَاهُ لِقَلْبِهِ هُوَ زِيَادَةٌ فِي إيمَانِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [محمد: 17] وَقَالَ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13].

(الشرح)

نعم، هذا أيضًا بقية الأدلة التي تدل، المؤلف رحمه الله على أن اليقين من تمام الإيمان بالقدر، وأن الطمأنينة يزيدُ بها الإيمان، ولهذا قال: وإن لم تكن شيئًا نزل من النصوص، قال: "وَفِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِي وَغَيْرُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ؛ فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ؛ فَسَلُوهُمَا اللَّهَ تَعَالَى([35])" فهذا رواه الإمام أحمد في المسند عن أبي بكر الصديق، والترمذي في كتاب الدعوات، والشاهد من الحديث: أن اليقين عند المصائب بعد العلم بأن الله قدرها، تكون سكينة في القلب، وطُمأنينة.

فاليقين عند المصائب.. المصائب إذا نزلت يجب على المسلم أن يصبر، وأن يحبس نفسه عن الجزع، ولسانه عن التشكي، وجوارحه عما يغضبُ الله، فإذا صبر الإنسان على المصيبة، فإن الله تعالى يرزقه اليقين، "فَالْيَقِينُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهَا سَكِينَةَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" فيكون بذلك يزدد إيمانه كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11] قَالَ عَلْقَمَةُ: وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ".

فهذا الآية، ولكن نقلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمها الله في كتاب التوحيد، الصبر على المصائب، فقال: "وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ" فإذا رضي وسلم هدى الله قلبه.

ولهذا قال المؤلف: "وقَوْله تَعَالَى يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11] هُدَاهُ لِقَلْبِهِ هُوَ زِيَادَةٌ فِي إيمَانِهِ" إذا هدى الله قلبه زاد إيمانه، " كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [محمد: 17] وَقَالَ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13]، يبين أن زيادة الهدى هي زيادة الإيمان، نعم.

(المتن)

وَلَفْظُ الْإِيمَانِ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ مُقَيَّدًا؛ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ بَلْ يُجْعَلُ مُوجِبًا لِلَوَازِمِهِ وَتَمَامِ مَا أَمَرَ بِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْمُطْلَقُ قَالَ تَعَالَى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ۝ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الحديد: 7 - 9] وَقَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: 28].

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إنَّهَا خِطَابٌ لِقُرَيْشِ؛ وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّهَا خِطَابٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقُلْ قَطُّ لِلْكُفَّارِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد: 29] وَهَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ لَمْ يُخَاطِبْ بِهَا الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ.

وَقَدْ قَالَ: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 8]، وَهَذَا لَا يُخَاطَبُ بِهِ كَافِرٌ؛ وَكُفَّارُ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ وَإِنَّمَا أَخَذَ مِيثَاقَ الْمُؤْمِنِينَ بِبَيْعَتِهِمْ لَهُ.

فَإِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا كَانَ يُبَايِعُ النَّبِيَّ ﷺ كَمَا بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَتَكْمِيلِهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ مِنْ تَمَامِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَمَا نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ هَدَى الْمُؤْمِنِينَ لِلْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ جُمْلَةً لَكِنَّ الْهِدَايَةَ الْمُفَصَّلَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ لَمْ تَحْصُلْ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ الْمُفَصَّلَةِ هِيَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

وَبِذَلِكَ يُخْرِجُهُمْ اللَّهُ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ.

(الشرح)

نعم، هذه الأدلة كلها تقرر أن الإيمان يزيدُ وينقص، قال المؤلف رحمه الله: "وَلَفْظُ " الْإِيمَانِ " أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ مُقَيَّدًا؛ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ بَلْ يُجْعَلُ مُوجِبًا لِلَوَازِمِهِ وَتَمَامِ مَا أَمَرَ بِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْمُطْلَقُ" الاسمُ المطلق هو الذي، والعام الذي يتناول الأقوال والأفعال، أما إذا كان مقيد، فإنه يكون مقيدًا بما قُيد به.

قال المؤلف: "قَالَ تَعَالَى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ۝ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الحديد: 7 - 9]" الله تعالى أمر بالإيمان بالله ورسوله، ثم عطف الانفاق، فقال: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد: 7]. قيد بالإنفاق

"ثم قال: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 8]، " وَقَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: 28]".

ثم ذكر المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إنَّهَا خِطَابٌ لِقُرَيْشِ؛ وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّهَا خِطَابٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ" فقال إن هذا ليس بالصحيح، فبيَّن وجه الخطأ، فقال: "فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقُلْ قَطُّ لِلْكُفَّارِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، فكلٌ من الآيتين فيه نداء للمؤمنين، وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 8]، فلا يمكن أن يُخاطب بها كفار قريش، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ لا يمكن أن يُخاطب بها اليهود والنصارى، وهم ليسوا مؤمنين، إنما يُخاطب بها المؤمنون؛ ولهذا قال المؤلف: " فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقُلْ قَطُّ لِلْكُفَّارِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد: 29] وَهَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ"، وهذه سورة الحديد، " وَهَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ لَمْ يُخَاطِبْ بِهَا الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ" إنما المشركين بمكة يُخاطبون بالسور المكية.

"وَقَدْ قَالَ: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 8]" هذا خطاب المؤمنين، يخاطب المؤمنين، لا يمكن أن يُخاطب الكافر، وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 8]، ما أُخذ الميثاق على الكافر.

ولهذا قال المؤلف: "وَهَذَا لَا يُخَاطَبُ بِهِ كَافِرٌ؛ وَكُفَّارُ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ وَإِنَّمَا أَخَذَ مِيثَاقَ الْمُؤْمِنِينَ بِبَيْعَتِهِمْ لَهُ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا كَانَ يُبَايِعُ النَّبِيَّ ﷺ كَمَا بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَتَكْمِيلِهِ" لأن المؤمنين آمنوا بالله ورسوله، وأخذ الرسول عليهم البيعة، والله تعالى قال آمنوا بالله ورسوله تأكيد لهذه البيعة، وتحقيق لها، والالتزام بأداءِ ما توجبه.

ولهذا قال: "وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَتَكْمِيلِهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ مِنْ تَمَامِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا"، كما أن المسلم شرع له ربه سبحانه أن يسأله هداية الصراط المستقيم في كل ركعة من ركعات الصلاة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6، 7]، وإن كان قد هُدي، وإن كان قد هدى المؤمن للإقرار بما جاء به الرسول جملة، لكن الهداية المفصلة في جميع ما يقولونه، ويفعلونه في جميع أمورهم لم تحصل؛ لأن المؤمن بحاجة إلى هذا الدعاء، هذا الدعاء العظيم في سورة الفاتحة أنفع دعاء، وأجمع دعاء، وأعظم دعاء، وحاجة المسلم إليه، بل ضرورته إلى أشد من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أشد من ضرورته إلى النفس الذي يترددُ بين جنبيه؛ لأنه إذا فقد الطعام والشراب، وفقد النفس مات، والموت لابد منه، ولا يضر الإنسان الموت إذا مات وهو مستقيم على طاعة الله، وتوحيده، لكن إذا فقد الهداية فقد قلبه وروحه، وصار إلى النار أعوذ بالله.

وبهذا يتبين أن حاجة المسلم إلى الهداية أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، ولا يقول الإنسان كما بيَّن المؤلف إنَّه قد هُدي الصراط المستقيم ... الهداية، بل هو محتاج، محتاج إلى أن يهديه الله لما لمْ يَعْلَمْ، هناك أمورٌ لم يعلمها، فيحتاج إلى الهداية، وهناك أمورٌ قد علمها، ويحتاج إلى أن يهديه الله للعمل، وهناك أمورٌ مُجملة فيحتاج إلى بيانها.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "لَكِنَّ الْهِدَايَةَ الْمُفَصَّلَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ لَمْ تَحْصُلْ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ الْمُفَصَّلَةِ هِيَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَبِذَلِكَ يُخْرِجُهُمْ اللَّهُ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ"، نعم.

(المتن)

فَصْلٌ: وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاَلَّذِي يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: الْإِجْمَالُ وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ الْتِزَامُ مَا يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُهُمْ مُجْمَلًا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا وَجَبَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ غَيْرُهُ فَمَنْ عَرَفَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَمَعَانِيَهَا لَزِمَهُ مِنْ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ بِذَلِكَ مَا لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَلَوْ آمَنَ الرَّجُلُ بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ شَرَائِعَ الدِّينِ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا مَا وَقَعَ عَنْهُ مِثْلَ إيمَانِ مَنْ عَرَفَ الشَّرَائِعَ فَآمَنَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا؛ بَلْ إيمَانُ هَذَا أَكْمَلُ وُجُوبًا وَوُقُوعًا فَإِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَكْمَلُ وَمَا وَقَعَ مِنْهُ أَكْمَل.

الشيخ: هذه ما وقع منه، وليس ما وجب عليه.

القارئ: "إِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَكْمَلُ وَمَا وَقَعَ مِنْهُ أَكْمَلُ".

الشيخ: السطر السابق.

(المتن)

وَلَيْسَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا مَا وَقَعَ عَنْهُ مِثْلَ إيمَانِ مَنْ عَرَفَ الشَّرَائِعَ فَآمَنَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا؛ بَلْ إيمَانُ هَذَا أَكْمَلُ وُجُوبًا وَوُقُوعًا فَإِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَكْمَلُ وَمَا وَقَعَ مِنْهُ أَكْمَلُ. وقَوْله تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3]؛ أَيْ فِي التَّشْرِيعِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ.

بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ وَصَفَ النِّسَاءَ بِأَنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ»([36])، وَجُعِلَ نُقْصَانُ عَقْلِهَا أَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَنُقْصَانُ دِينِهَا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَهَذَا النُّقْصَانُ لَيْسَ هُوَ نَقْصٌ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ؛ فَلَا تُعَاقَبُ عَلَى هَذَا النُّقْصَانِ لَكِنْ مَنْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَفَعَلَهُ كَانَ دِينُهُ كَامِلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ النَّاقِصَةِ الدِّينِ.

(الشرح)

نعم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المؤلف رحمه الله يبينُ في هذا الفصل الوجوه التي يزيد بها الإيمان، والزيادة التي يُعرف، أو الوجوه التي يُعرف بها زيادةُ الإيمان، فقال رحمه الله: "وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاَلَّذِي يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ"، هذه الوجوه التي يُعرف بها زيادةُ الإيمان، والذي، والذي يكون من المؤمنين، الزيادة التي تكون من المؤمنين.

"وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاَلَّذِي يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ" فإن من آمن إيمانًا مُجملًا ليس كمَن آمن إيمانًا مُفصلًا، فالذي آمنَ إيمانًا مُفصلًا يزيد إيمانه، فكلُّ مُسْلِم يُؤْمِن إيمانًا مجملًا، كل مُوحِّد يؤمن بالله ورسوله، يؤمن بما جاء عن الله وعن رسوله، كلُّ مسلم يشمل العوام، كل عامي يقول: آمنتُ بالله ورسوله، آمنت بالله وما جاء عن الله، وصدَّق به.

لكن العالم الذي يعرف تفاصيل الشريعة، يعرف أسماء الله الحسنى، وصفاته العُلا، ويعرفُ معانيها، كذلك يعرف تفاصيل شرائع الإيمان، وكذلك أيضًا ما أوجب الله عليه من أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وما وجب عليه من الإيمان بمراتب القدر، وغيره؛ الإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، وتفاصيل الملائكة، وأحوالهم، وأعمالهم، وكذلك أيضًا تفاصيل الإيمان باليوم الآخر.

فالذي يؤمن هذا الإيمان التفصيلي ليس كالذي يؤمن إيمانًا مُجملًا، يكون أقوى إيمانًا، أقوى إيمانًا، ففرقٌ بين الإيمان المُجمل، والإيمانُ المفصل، هذه من الزيادات، زيادة الإيمان التي تُعرف، من الوجوه التي يُعرف بها زيادةُ الإيمان، الإجمال والتفصيل، فالإيمان التفصيلي، فالإيمان التفصيلي يزيد من الإيمان، على الإيمان الإجمالي.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "الْإِجْمَالُ وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ الْتِزَامُ مَا يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُهُمْ مُجْمَلًا" هذا الإيمان المُجمل، على كلُ أحد، كلُ مؤمن، لا يصف الإيمان إلا به، كل أحد، كل مسلم يجب عليه إيمانه مُجملًا، ولا أحد يُنكر هذا، كلُ مسلم، أي مسلم سواء مؤمنًا، أو مؤمنًا بالله ورسوله، أنا أؤمن بما جاء عن الله، كل ما جاءعن الله فأنا مؤمن به، كل ما جاءعن رسول الله، فأنا مؤمن به، هذا إيمانٌ مجمل.

هذا عام مشترك بين المؤمنين، لكن التفاصيل، التفاصيل ما جعل الله ورسوله ﷺ إذا آمن بها الإنسان وعرفها زاد إيمانه، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا وَجَبَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ" فمثلًا في أول الأمر أوجب الله، قال بأن يؤمنوا، ولم يوجب الله مثلًا قبل أن تنزل فرضية الصلاة، فرضية الزكاة، فرضية الحج، والحدود، والآذان، وصلاة الجماعة.

في أول الأمر يجب على الإنسان أن يؤمن بما يؤمن إيمانًا مُجملًا، فلما نزلت التشريع، وفُرضت الصلوات الخمس، وفُرضت الزكاة، وفُرض الحج، والحدود يجب على المسلم أن يؤمن بها، فيزيد إيمانه، فإذا، ففي أول الأمر، ففي أول الأمر كان يؤمن إيمانًا مُجملًا، ثم بعد ذلك لما، بعد نزول القرآن كله صار يؤمنُ إيمانًا مُفصلًا، وكذلك أيضًا من إجمال التفصيل أنه "وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ غَيْرُهُ فَمَنْ عَرَفَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَمَعَانِيَهَا لَزِمَهُ مِنْ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ بِذَلِكَ مَا لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ".

يعني إن الناس يختلفون في هذا، فمن علم شيئًا مما جاء به الرسول من التفاصيل، يجبُ عليه أن يؤمن، وأما العامي يكفيه الإيمانُ المُجمل، وهذا يختلفُ الإيمان بالتفصيل، ثم يقول المؤلف رحمه الله: "وَلَوْ آمَنَ الرَّجُلُ بِاَللَّهِ وَبِالرَّسُولِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ شَرَائِعَ الدِّينِ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا مَا وَقَعَ عَنْهُ مِثْلَ إيمَانِ مَنْ عَرَفَ الشَّرَائِعَ فَآمَنَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا".

يعني لو آمن شخص إيمانًا مُجملًا؛ آمن بالله وبرسوله باطنًا وظاهرًا، ثم مات توفاه الله قبل أن يعرف شرائع الدين مات مؤمن، قدم عليه، ثم، وهذا ليس كمن عرف شرائع الدين، ثم آمن بها، فرق بين هذا وهذا؛ الأول يكفيه الإيمان المُجمل؛ لأن هذا هو الذي يمكنه، والثاني الذي بلغ تفاصيل شرائع الدين، يجوز عليه أن يؤمن إيمانًا مُفصلًا، فيختلف الوجوب من شخصٍ لآخر.

ولهذا قال المؤلف: "وَلَيْسَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا مَا وَقَعَ عَنْهُ مِثْلَ إيمَانِ مَنْ عَرَفَ الشَّرَائِعَ فَآمَنَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا؛ بَلْ إيمَانُ هَذَا أَكْمَلُ وُجُوبًا وَوُقُوعًا " الإيمان الذي عرف تفاصيل شرائع الدين، يجبُ عليه من الإيمان ما لا يجب من لم يعلم ذلك، وقوع هذا بالنسبه للوقوع، وبالنسبة للوجوب، وبالنسبة للوقوع أيضًا، هذا وقع منه الإيمان أكثر مما وقع من الأول.

ولهذا قال المؤلف: "فَإِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ أَكْمَلُ وَمَا وَقَعَ مِنْهُ أَكْمَلُ"؛ لأن هذا عرف التفاصيل، وذاك لم يعرف، "وقَوْله تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] أَيْ فِي التَّشْرِيعِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ" يعني استكمال الدِّين بالنسبه لؤلتشريع، الأوامر والنواهي، وليس المراد أن كل واحدٍ من الناس يجبُ عليه ما يجبُ على غيره، لا، يختلف باختلاف أحوال الناس.

"لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ".

واستدل المؤلف رحمه الله: "بَلْ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " «عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ وَصَفَ النِّسَاءَ بِأَنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ»([37]) وَجُعِلَ نُقْصَانُ عَقْلِهَا أَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَنُقْصَانُ دِينِهَا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَهَذَا النُّقْصَانُ لَيْسَ هُوَ نَقْصٌ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ"، لم تُؤمر بشيء، قال: فلم تؤمن، فصارت تُعاقب، لا، لكن الشيء هذا نقصان يخصها، نقصان يخصها، غيرها أكمل منها، فالرجل أكمل منها، وهي لم تعمل، لا تعتمد، لكن هذا هو الذي، هذا هو الذي شرع الله لها هذا، أن شهادتها بنصف شهادة الرجل، أن شهادة امرأتين بشهادة رجل، وأنها لا تصوم ولا تصلي وقت الحيض.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا النُّقْصَانُ لَيْسَ هُوَ نَقْصٌ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ؛ فَلَا تُعَاقَبُ عَلَى هَذَا النُّقْصَانِ لَكِنْ مَنْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَفَعَلَهُ كَانَ دِينُهُ كَامِلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ النَّاقِصَةِ الدِّينِ"، فالرجل الذي يُصلي ويصوم أكمل من المرأة التي لا تصلي ولا تصوم، وإن كانت هي ليست آثمة، نعم.

(المتن)

الْوَجْهُ الثَّانِي: الْإِجْمَالُ وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُمْ فَمَنْ آمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُطْلَقًا فَلَمْ يُكَذِّبْهُ قَطُّ لَكِنْ أَعْرَضَ عَنْ مَعْرِفَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْهُ؛ بَلْ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَآخَرُ طَلَبَ عِلْمَ مَا أُمِرَ بِهِ فَعَمِلَ بِهِ وَآخَرُ طَلَبَ عِلْمَهُ فَعَلِمَهُ وَآمَنَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْوُجُوبِ لَكِنْ مَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّفْصِيلِ وَعَمِلَ بِهِ فَإِيمَانُهُ أَكْمَلُ بِهِ.

فَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَرَفَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَهُ وَأَقَرَّ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَهَذَا الْمُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ الْخَائِفُ مِنْ عُقُوبَةِ رَبِّهِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ أَكْمَلُ إيمَانًا مِمَّنْ لَمْ يَطْلُبْ مَعْرِفَةَ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا عَمِلَ بِذَلِكَ؛ وَلَا هُوَ خَائِفٌ أَنْ يُعَاقَبَ؛ بَلْ هُوَ فِي غَفْلَةٍ عَنْ تَفْصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مَعَ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِنُبُوَّتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.

فَكُلَّمَا عَلِمَ الْقَلْبُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ فَصَدَّقَهُ وَمَا أُمِرَ بِهِ فَالْتَزَمَهُ؛ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي إيمَانِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْتِزَامٌ عَامٌّ وَإِقْرَارٌ عَامٌّ.

وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَمَعَانِيَهَا فَآمَنَ بِهَا؛ كَانَ إيمَانُهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ بَلْ آمَنَ بِهَا إيمَانًا مُجْمَلًا أَوْ عَرَفَ بَعْضَهَا؛ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ مَعْرِفَةً بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَآيَاتِهِ كَانَ إيمَانُهُ بِهِ أَكْمَلَ.

(الشرح)

نعم، هذا الوجه الثاني من أوجه زيادة الإيمان، وهو الإجمال والتفصيل فيما وقع من العباد، والوجه الأول: الإجمال والتفصيل فيما أُمروا به، والوجه الأول من وجوه زيادة الإيمان الإجمال والتفصيل فيما أُمر به العباد، وهذا الوجه الثاني الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم، فيما وقع من العباد.

فالناس لهم أحوال، وأقسام، يقول: "فَمَنْ آمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُطْلَقًا فَلَمْ يُكَذِّبْهُ قَطُّ لَكِنْ أَعْرَضَ عَنْ مَعْرِفَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْهُ؛ بَلْ اتَّبَعَ هَوَاهُ"، هذا شخص، يعني علم، علم ولكن لم يعمل. والشخص الثاني: "وَآخَرُ طَلَبَ عِلْمَ مَا أُمِرَ بِهِ فَعَمِلَ بِه" وشخصٌ آخر علم وعمل، والشخص الثالث: "وَآخَرُ طَلَبَ عِلْمَهُ فَعَلِمَهُ وَآمَنَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ".

فهؤلاء يختلف الإيمان الإجمال والتفصيل، فالذي علم ولكنه أعرض عن معرفة الأمر والنهي، والخبر وطلب العلم الواجب، فلم يعلم، ولم يعمل هذا لا شك أن إيمانه ضعيف، وقد يكون معدوم، والآخر طلب العلم، فعلم وعمل، وآخر طلب العلم، فعلم ولم يعمل، هذه ثلاثة أقسام، هل يكون إيمانهم واحد؟ يختلف الإيمان؟

فالذي يعلم ولا يعمل هذا ليس عنده، عنده تصديق فقط في قلبه، لكنه لم يعمل، والثاني علم وعمل هذا عنده، عنده عمل، علمٌ وعمل، والثالث ليس عنده علمٌ ولا عمل، أعرض يعني، لكن عنده معرفة فقط، هذا قد يكون الإيمان مفقود من قلبه.

فالمقصود أن المؤلف رحمه الله بيَّن أن الإيمان يختلف بالإجمال والتفصيل فيما وقع من العباد، قال فهؤلاء الثلاثة "وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْوُجُوبِ"، لكن اختلف الإيمان بالنسبة لهم بالزيادة والنقصان، "لَكِنْ مَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّفْصِيلِ وَعَمِلَ بِهِ فَإِيمَانُهُ أَكْمَلُ بِهِ؛ فَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَرَفَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَهُ وَأَقَرَّ بِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ كُلِّهِ"

فرقٌ بين من علم وعمل، وبين من علم ولم يعمل، ثم قال: "وَهَذَا الْمُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ الْخَائِفُ مِنْ عُقُوبَةِ رَبِّهِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ أَكْمَلُ إيمَانًا مِمَّنْ لَمْ يَطْلُبْ مَعْرِفَةَ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا عَمِلَ بِذَلِكَ؛ وَلَا هُوَ خَائِفٌ أَنْ يُعَاقَبَ؛ بَلْ هُوَ فِي غَفْلَةٍ عَنْ تَفْصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مَعَ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِنُبُوَّتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا".

فرقٌ بين الإنسان الذي يُقر ثم ويعترف، ويكون عنده خوفٌ من الله، خوفٌ من العقوبة، وبين شخص لا يكون عنده خوف، بل يكون عنده غفلة وإعراض، لا شك أن الأول أفضل إيمانًا، فدلَّ على أن الإيمان يختلف في الإجمال والتفصيل فيما وقع من العباد.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فكل ما....

القارئ: مفصولة عندك يا شيخ؟ فكل ما

الشيخ: أي نعم.

القارئ: في نسخنا فكلما.

الشيخ: لا فكلُ

القارئ: فكلما علم القلب

(الشرح)

"فَكُل مَا عَلِمَ الْقَلْبُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ فَصَدَّقَهُ وَمَا أُمِرَ بِهِ فَالْتَزَمَهُ"؛ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي إيمَانِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ" يعني فالذي يكون عنده علمٌ بقلبه فيما أخبر به الرسول، فيصدق، ويكون علمه، ويكون عنده علمٌ بما أمر به الرسول ﷺ، فيلتزمه، يكون هذا زيادةً في إيمانه على من لم يحصل له ذلك، يعني يزيدُ إيمانه على من لم يعلم، ويزيد إيمان من عمل على من لم يعمل، وإن كان معه التزامٌ عام، وإقرارٌ عام، يعني الأول يكون عنده التزامٌ عام، وإقرارٌ عام، لكن الفرق بين مَن علمَ وعملَ، بين مَن علمَ ومَن لمْ يعلم، وبين مَن عملَ ومن لم يعمل.

فيكون الناس أربع أقسام؛ قسمٌ علم وقسمٌ لم يعمل، فالذي علم أقوى إيمًا، وقسمٌ علم وعمل، وقسمٌ علم ولم يعمل، وقسمٌ لم يعلم، ولم يعمل، فالذي يعلم أقوى إيمانًا من الذي لا يعلم، والذي يعمل أقوى إيمانًا من الذي لا يعمل، وإن كان كلٌ من هؤلاء معه التزامٌ عام، وإقرارٌ عام.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَمَعَانِيَهَا فَآمَنَ بِهَا؛ كَانَ إيمَانُهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ بَلْ آمَنَ بِهَا إيمَانًا مُجْمَلًا أَوْ عَرَفَ بَعْضَهَا"، وهذا واضح الذي يعرف أسماء الله الحسنى، ويتأمل معانيها، الرحيم، بالعليم، اسم القدير، اسمُ السميع، اسمُ البصير، اسم الغفور، اسم الودود، اسم المؤمن، المهيمن، من يعلم معاني ويتوسل إلى الله بها كما ﷺ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ليس كمن علمها علم المجمل، ما عرفها آمن بها إيمانًا مُجملًا، ولم يعرف معانيها.

يقول المؤلف: "وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ مَعْرِفَةً بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَآيَاتِهِ كَانَ إيمَانُهُ بِهِ أَكْمَلَ" استدل بهذا على أن الناس يتفاوتون بالإيمان والتصديق، وأن الإيمان يزيدُ وينقص، وأنه يختلف بالإيمان، الزيادة تختلف بالإجمال والتفصيل فيما وقع من العباد، نعم.

(المتن)

الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالتَّصْدِيقَ نَفْسَهُ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ وَأَبْعَدَ عَنْ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ وَهَذَا أَمْرٌ يَشْهَدُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِهِ؛ كَمَا أَنَّ الْحِسَّ الظَّاهِرَ بِالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِثْلَ رُؤْيَةِ النَّاسِ لِلْهِلَالِ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِيهَا فَبَعْضُهُمْ تَكُونُ رُؤْيَتُهُ أَتَمَّ مِنْ بَعْضٍ؛ وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الصَّوْتِ الْوَاحِدِ وَشَمُّ الرَّائِحَةِ الْوَاحِدَةِ وَذَوْقُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ الطَّعَامِ فَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ يَتَفَاضَلُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَالْمَعَانِي الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا مِنْ مَعَانِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَكَلَامُهُ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهَا أَعْظَمَ مِنْ تَفَاضُلِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ غَيْرِهَا"

(الشرح)

هذا الوجه الثالث من وجوه زيادة الإيمان أن، أنه يزيد في القوة والضعف، نفس الإيمان، كما أنه يزيد وينقص، وهنا يقوى ويضعف بحسب أحوال الناس، وما وقر في قلوبهم من التصديق، والعلم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالتَّصْدِيقَ نَفْسَهُ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ وَأَبْعَدَ عَنْ الشَّكِّ".

فالمؤمنون الراسخون في العلم إيمانهم أقوى من غيرهم، من غيرهم، تجدهم لا يكون عندهم شك، ولا عندهم ريب، عندهم إيمان بسبب معرفتهم بالله وأسمائه، وصفاته، ومعرفته بما أخبر الله به عن اليوم الآخر، وعلى الجنة والنار بخلاف الإنسان العادي الذي لا يعلم ذلك إلا إجمالًا.

فرق، والمؤلف ضرب بهذا أمثلة، قال: "أَنَّ الْعِلْمَ وَالتَّصْدِيقَ نَفْسَهُ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ وَأَبْعَدَ عَنْ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ وَهَذَا أَمْرٌ يَشْهَدُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِهِ؛ كَمَا أَنَّ الْحِسَّ الظَّاهِرَ بِالشَّيْءِ الْوَاحِدِ" يتفاوت الناس فيه، فالناس يتفاوتون في رؤية الهلال، ضرب المثال: "مِثْلَ رُؤْيَةِ النَّاسِ لِلْهِلَالِ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِيهَا" كلهم يرى الهلال، أربعة أو خمسة، ولكن بعضهم تكون رؤيتهم أفضل من بعض، قد تكون رؤية واضحة، وبعضهم يراها رؤية غير واضحة، ثم الذي يراه رؤية واضحة تتفاوت الوضوح، يختلفون وإن كانوا يشتركوا في الرؤية.

وكذلك سماع الصوت الواحد، سماع الدرس العلمي من المعلم يختلفون في الصوت، بعضهم يسمعه أقوى من بعض، كشم الرائحة، يختلفُ الناس في الشم، لو النوع الواحد من الطعام يختلفُ الناس في الذوق، أيضًا أنا أقول كذلك ما يحس به الإنسان في نفسه من الخوف، والوجل، والجوع، والظمأ، يختلفُ الناس فيه، أنا أحس بالظمأ، وأنت تحس بالظمأ، لكن هل احساسي بالظمأ مثل إحساسك؟ لا، قد يكون أنا أشد منك، وقد تكون أنت أشد مني جوعًا، أو عطشًا، أو خوفًا، أو وجلًا، أو قوةً، وهكذا,

القارئ: المؤثرات الخارجية؛ كالحر والبر ونحو ذلك؟

الشيخ: كلها كذلك، التصديق، الإيمان والتصديق قوةً وضعفًا يختلف الناس فيه، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ يَتَفَاضَلُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَالْمَعَانِي الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا مِنْ مَعَانِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَكَلَامُهُ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهَا أَعْظَمَ مِنْ تَفَاضُلِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ غَيْرِهَا". هذا واضح الذي يعرف أسماء الله وصفاته ويعرف معانيها، ليس كالإنسان الذي يؤمنُ بها إيمانًا مُجملًا.

(المتن)

الرَّابِعُ: أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمُسْتَلْزِمَ لِعَمَلِ الْقَلْبِ أَكْمَلُ مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ عَمَلَهُ؛ فَالْعِلْمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ صَاحِبُهُ أَكْمَلُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِهِ وَإِذَا كَانَ شَخْصَانِ يَعْلَمَانِ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَرَسُولَهُ حَقٌّ وَالْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَهَذَا عِلْمُهُ أَوْجَبَ لَهُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَخَشْيَتَهُ وَالرَّغْبَةَ فِي الْجَنَّةِ وَالْهَرَبَ مِنْ النَّارِ وَالْآخَرُ عِلْمُهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ؛ فَعِلْمُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ؛ فَإِنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ دَلَّ عَلَى قُوَّةِ السَّبَبِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ نَشَأَتْ عَنْ الْعِلْمِ فَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَهُ؛ وَالْعِلْمُ بِالْمَخُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْهَرَبَ مِنْهُ؛ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ اللَّازِمُ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْمَلْزُومِ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايِنِ([38]) فَإِنَّ مُوسَى لَمَّا أَخْبَرَهُ رَبُّهُ أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا الْعِجْلَ لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ. فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ عَبَدُوهُ أَلْقَاهَا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشَكِّ مُوسَى فِي خَبَرِ اللَّهِ لَكِنَّ الْمُخْبِرَ وَإِنْ جَزَمَ بِصِدْقِ الْمُخْبَرِ فَقَدْ لَا يَتَصَوَّرُ الْمُخْبَرَ بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَتَصَوَّرُهُ إذَا عَايَنَهُ؛ بَلْ يَكُونُ قَلْبُهُ مَشْغُولًا عَنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُخْبِرِ فَهَذَا التَّصْدِيقُ أَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ.

(الشرح)

نعم، هذا الوجه الرابع من وجوه زيادة الإيمان ونقصانه، وكل هذه وجوه يردُ بها المؤلف رحمه الله على المُرجئة الذين يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، بل هو شيءٌ واحد، الوجه الرابع أن التصديق الذي يستلزم العمل في القلب أكمل من التصديق الذي لا يستلزم العمل، فرقٌ بين تصديق ليس معه عمل، وتصديقٌ معه عمل.

فالتصديق الذي معه عمل، عمل القلب خوف من الله ووجل، ورجاء ورغبة، ورهبة، ووجل ورغبة ورهبة وتوكل، ومحبة، وصدق، غير التصديق الذي، المجرد، فالتصديق الذي معه عمل أفضل من التصديق المجرد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "الرَّابِعُ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمُسْتَلْزِمَ لِعَمَلِ الْقَلْبِ أَكْمَلُ مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ عَمَلَهُ؛ فَالْعِلْمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ صَاحِبُهُ أَكْمَلُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِهِ".

وهذا واضح الإنسان إذا علم مثلًا، علم أن شرعية صلاة الضُحى، ثم صار يصلى الضُحى، أو استحباب صلاة الليل، ثم يصلى الليل، صار يصلي الليل، فرقٌ بينه وبين من لا يعمل، هذا علمه أقوى، وإيمانه أقوى وأتم.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَإِذَا كَانَ شَخْصَانِ يَعْلَمَانِ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَرَسُولَهُ حَقٌّ وَالْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَهَذَا عِلْمُهُ أَوْجَبَ لَهُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَخَشْيَتَهُ وَالرَّغْبَةَ فِي الْجَنَّةِ وَالْهَرَبَ مِنْ النَّارِ وَالْآخَرُ عِلْمُهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ؛ فَعِلْمُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ"، وهذا واضح.

الشخص الذي يعلم أن الله حق والرسول حق والجنة حق، ثم يُوَرِّث له هذا العلم الخشية من الله، والخوف، والرغبة، والرهبة، غير الشخص الذي يعلم، ولكنه لم يكن في قلبه شيء من ذلك، ولهذا قال المؤلف: " فَإِنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ دَلَّ عَلَى قُوَّةِ السَّبَبِ" يعني: قوة هذا العلم إذا قوي في القلب أثمرالخشية والخوف، وإذا ضعُف تخلف.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ دَلَّ عَلَى قُوَّةِ السَّبَبِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ نَشَأَتْ عَنْ الْعِلْمِ فَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَهُ؛ وَالْعِلْمُ بِالْمَخُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْهَرَبَ مِنْهُ" فالعلم بالمحبوب الإنسان علم ثواب الله وما أعده الله للمؤمنين من الجنة وأحبها، يستلزم الطلب، العمل الصالح، والعلم بالمخوف؛ إذا علم أن النار أعدَّها الله للعُصاة، وصار العلم قويًا في قلبه يستلزم أن يهربَ منها بالبعد عن أسبابها.

" فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ اللَّازِمُ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْمَلْزُومِ" إذا لم يحصل اللازم في القلب، اللازم الخوف مثلًا طلب المحبوب، والهرب من المخوف، إذا لم يحصل هذا دلَّ على ضعف الملزوم، وهو العلم الذي في القلب، العلم بالمحبوب يلزم ايه؟ الطلب، فإذا لم يحصل الطلب دلَّ على ضعف العلم، والعلم بالمخوف يستلزم الهرب، فإذا لم يهرب عن النار وأسبابها -أسباب النار-، دلَّ على ضعف هذا العلم.

" وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَيْسَ الْمخَبَرُ كَالْمُعَايِنِ([39])"، وهذا الحديث ذكره أحمد  في المسند عن ابن عباس، بلفظ ليس الخبر كالمعاينة، نعم فرق بين المخبر والمعاين، فإن المُخبر وإن كان عنده يقين إلا أن يقين المعاين أكبر، واستدل على ذلك بما حصل .

"فَإِنَّ مُوسَى لَمَّا أَخْبَرَهُ رَبُّهُ أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا الْعِجْلَ لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ. فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ عَبَدُوهُ أَلْقَاهَا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشَكِّ مُوسَى فِي خَبَرِ اللَّهِ لَكِنَّ الْمُخْبِرَ وَإِنْ جَزَمَ بِصِدْقِ الْمُخْبَرِ فَقَدْ لَا يَتَصَوَّرُ الْمُخْبَرَ بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَتَصَوَّرُهُ إذَا عَايَنَهُ؛ بَلْ يَكُونُ قَلْبُهُ مَشْغُولًا عَنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُخْبِرِ فَهَذَا التَّصْدِيقُ أَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ".

موسى أخبره الله بأن بني إسرائيل عبدوا العجل، وموسى متيقن عنده علم، عنده يقين أنهم عبدوا العجل، لكن لم يفعل شيئًا، فلما جاء وشاهدهم وعاينهم يعبدون العجل غضب، واشتد غضبه حتى ألقى الألواح التي هي كلامُ الله فتكسرت، وعفا عنه ربه؛ لأنه، لأنه غضبان، ولأن غضبه لله ، وذلك لأن المعاين انتقل من رتبة إلى رتبة؛ لأن مراتب اليقين كما هو معلوم ثلاث؛ المرتبة الأولى: اليقين الذي يحصل بالخبر الجازم بالعلم.

المرتبة الثانية: اليقين الذي يحصل بالمشاهدة والرؤية.

المرتبة الثالثة: اليقين الذي يحصل بالملامسة، مثل ما يحصل للإنسان حينما يخبره إنسان بأن الوادي سالَ، يخبره ثقة بأن الوادي سالَ، ثقات، فيُكْثِر، ثم بعد ذلك يذهب ويشاهد الوادي سال، انتقل من رتبة إلى رتبة، ثم إذا نزل بالوادي وشرب منه حصل له يقين الرتبة الثالثة، فكذلك موسى عليه الصلاة والسلام أخبره ربه وهو متيقن، لكن لما عاينهم انتقل من رتبة إلى رتبة أعلى منها.

ولذلك ألقى الألواح لما حصلت الرتبة الثانية، وتكسرت، وفي الأول، وفي الرتبة الأولى لم يلق الألواح، والكلام، والتوضيح هذا قد يحتاج إلى وقتٍ أكثر، لكن


([1]) – أخرجه الترمذي رقم (2598) وقال حسن صحيح من حديث أبي سعيد الخدري .

([2]) – أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (30327)، والطبري في صريح السنة (28) والبيهقي في شعب الإيمان (55)

([3]) – أخرجه الخلال في السنة رقم (1161).

([4]) – سبق تخريجه (...)

([5]) –. سبق تخريجه (...)

([6]) – سبق تخريجه (...)

([7]) – أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1710)

([8]) – أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1711)

([9]) – أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1700)

([10]) – أخرجه الخلال في السنة (1704)،واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1704)

([11]) – أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1708)

([12]) – أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (28)، ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه (30440) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1713)

([13]) – أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم (1708)

([14]) – سبق تخريجه (000)

([15]) – سبق تخريجه (000)

([16]) – سبق تخريجه (000)

([17]) – سبق تخريجه (000)

([18]) – سبق تخريجه (000)

([19]) – سبق تخريجه (000)

([20]) –

([21]) – أخرجه مسلم رقم (2167) من حديث أبي هريرة .

([22]) – سبق تخريجه (...).

([23]) – أخرجه مسلم رقم (143).

([24]) –أخرجه مسلم رقم (144) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أيضًا.

([25]) – سبق تخريجه(...)

([26]) – سبق تخريجه(...)

([27]) – أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة رقم (7293)، والحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث رقم (10) وقال الحافظ  البوصيري كما في إتحاف الخيرة المهرة (1/ 84):"هذا إسناد فيه مقال، ابن أبي رافع إن كان هو عبد الرحمن بن رافع الراوي عن عمته سلمى وعبد الله بن جعفر، وعنه حماد بن سلمة، قال ابن معين: صالح. وإلا فما علمته، وباقي رجال الإسناد رجال الصحيحين".

([28]) – أخرجه البزار في مسنده (6443) قال الحافظ الهيثمي كما في مجمع الزوائد(1/57):" وفيه عبد الله بن سليمان، قال البزار: حدث بأحاديث لا يتابع عليها".

([29]) – أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/175) من حديث أنس بن مالك . قال الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة (صـ243): في إسناده: وضاعان.

([30]) – سبق تخريجه (...)

([31]) – سبق تخريجه (...)

([32]) – سبق تخريجه (...)

([33]) – أخرجه الترمذي رقم (3502) وقال حسن غريب من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([34]) – أخرجه أحمد  رقم ( (6) والبزار 34) بلفظ : سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى قال الحافظ البزار :" وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رفاعة بن رافع، عن أبي بكر، إلا من هذا الوجه، ولا روى رفاعة، عن أبي بكر، إلا هذا الحديث

 "وأخرجه الترمذي رقم (3558) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه عن أبي بكر من حديث أبي بكر .بلفظ" اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/711) بلفظ" سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مَا أُوتِي الْعَبْدُ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ وقال :هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه

([35]) –

([36]) – سبق تخريجه (...)

([37]) – سبق تخريجه (...)

([38]) – أخرجه أحمد رقم (1842) والبزار في مسنده رقم (5062) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.قال الحافظ البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى عن النبي ﷺ إلا من رواية ابن عباس عنه بهذا الإسناد.

([39]) – سبق تخريجه (...)

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد