شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_30 من قوله وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي الْإِسْلَامِ فَاتَّبَعَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ - إلى فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْإِيمَانَ خُصُوصًا فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامَ أَعَمَّ مِنْهُ

شرح كتاب الإيمان الكبير_30 من قوله وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي الْإِسْلَامِ فَاتَّبَعَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ - إلى فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْإِيمَانَ خُصُوصًا فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامَ أَعَمَّ مِنْهُ

00:00
00:00
تحميل
19

(المتن)

قال رحمه الله:

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي الْإِسْلَامِ فَاتَّبَعَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ حَيْثُ قَالَ: فَكَانُوا يَرَوْنَ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةَ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ بِتَوَابِعِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ([1]).

وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَامَ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إسْلَامُ الْأَعْرَابِ كَانَ مِنْ هَذَا فَيُقَالُ. الْأَعْرَابُ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا إذَا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ أُلْزِمُوا بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ الْكَلِمَةِ بَلْ كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَعْصِيَةَ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا.

وَأَحْمَد إنْ كَانَ أَرَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الشَّهَادَتَانِ فَقَطْ فَكُلُّ مَنْ قَالَهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا وَيُصَلِّيَ فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ كَانَ كَافِرًا.

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ كَافِرٌ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ أَيْضًا.

وَالرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّيهَا وَلَا أَدْفَعُهَا إلَى الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَكَذَلِكَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ إذَا عَزَمَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ أَبَدًا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِ تَارِكِ الْمَبَانِي يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ مُجَرَّدَ الْكَلِمَةِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالْكَلِمَةِ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَلَا يُسْتَثْنَى فِي هَذَا الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ، لَكِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْخَمْسِ كَمَا أُمِرَ بِهِ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ.

فَالْإِسْلَامُ الَّذِي لَا يُسْتَثْنَى فِيهِ الشَّهَادَتَانِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا. وَقَدْ صَارَ النَّاسُ فِي مُسَمَّى الْإِسْلَامِ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ": قِيلَ: هُوَ الْإِيمَانُ وَهُمَا اسْمَانِ لِمُسَمَّى وَاحِدٍ.

وَقِيلَ: هُوَ الْكَلِمَةُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَهُمَا وَجْهٌ سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ ابْتِدَاءً هُوَ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِيمَانَ بِالْإِيمَانِ بِالْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَلَيْسَ لَنَا إذَا جَمَعْنَا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ أَنْ نُجِيبَ بِغَيْرِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ.

وَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ اسْمُ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ؛ وَإِذَا أُفْرِدَ الْإِسْلَامُ؛ فَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِسْلَامِ مُؤْمِنًا بِلَا نِزَاعٍ؛ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ؛ وَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَلَا يُقَالُ لَهُ: مُؤْمِنٌ؟ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

(الشرح)

والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المؤلف رحمه الله يتحدث في هذا المقام عن مُسمى الإسلام، والإيمان وهل الإسلام والإيمان شيءٌ واحد، أو يفترقان، وأقوال العلماء في ذلك، سبق أن بيَّن رحمه الله وأطال النفس في أن الإسلام الذي أثبته الله تعالى للأعراب أنه إسلامٌ صحيح، وليس كإسلامِ المنافقين، واستدل في هذا بأدلةٍ كثيرة للرد على من قال إن الأعراب الذين نفى الله عنهم الإيمان أنهم منافقون، وبيَّن رحمه الله فيما سبق أن الزُهري يرى أن الإسلام هو الكلمة، وأن الإمام أحمد رحمه الله له روايةٌ بموافقته.

فقال رحمه الله: "وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي الْإِسْلَامِ فَاتَّبَعَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ حَيْثُ قَالَ: فَكَانُوا يَرَوْنَ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةَ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلَ"، فهذا أحد الأقوال في مُسمى الإسلام، أن الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، وهذا مروى عن الزُهري، وهو رواية عن الإمام أحمد، والمراد بالكلمة الشهادتان؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، والمعنى أنه إذا نطق بالشهادتين فقد دخل في الإسلام، والإيمان هو العمل.

يقول: " فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ"، حينما أعطى النبي ﷺ في بعض الغزوات رجلًا وقال ترك رجلًا هو أعجبهم إليه، فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فإني لأراه مؤمنًا، فقال: أو مسلمًا، وكرر هذا ثلاثة، فإن النبي ﷺ أثبت له الإسلام، ونفى عنه الإيمان، يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ بِتَوَابِعِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ".

يعني قول الإمام أحمد رحمه الله الإسلام هو الكلمة، والإيمان العمل يُخَّرج على وجهين؛ الوجه الأول أنه قد يُراد بالكلمة، قد يُرادُ به الكلمة بتوابعها من الأعمال الظاهرة، قد يُراد به الكلمة يعني كلمة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله بتوابعها من الأعمال الظاهرة، "وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ([2])". وهذا تفسير الإسلام لهذه المبادئ الخمس رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، بلفظ بُنى الإسلام على خمس وذكرها.

الوجه الثاني: وهي قول المؤلف رحمه الله في الوجه الثاني، قال: "وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَامَ"، يعني الوجه الثاني في قول الإمام أحمد وكذا الزُهري الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل قد يُراد به الكلمة فقط من غير فعل الواجبات الظاهرة، يقول المؤلف: "وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَامَ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إسْلَامُ الْأَعْرَابِ كَانَ مِنْ هَذَا"، إسلام الأعراب الذين نفى الله عنهم الإيمان في سورة الحُجرات قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: 14]، إسلام العرب كان من هذا

"فَيُقَالُ: الْأَعْرَابُ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا إذَا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ أُلْزِمُوا بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ الْكَلِمَةِ" يعني فهذه الرواية عن الإمام أحمد أن الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل هذا تخريج الوجه الثاني لتخريجها: أنه يُراد بها الكلمة من غير فعل الواجبات الظاهرة، بمعنى أنه إذا نطق بالشهادتين حُكم بإسلامه، ثم يُلزم بالأعمال الظاهرة.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ الْكَلِمَةِ" يعني على عهد النبي ﷺ لم يكن أحد يُترك بمجرد النطق بالكلمة، ولا يُلزم بالأعمال، بالواجبات، "بَلْ كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَعْصِيَةَ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا. وَأَحْمَد ـ رحمه الله ـ إنْ كَانَ أَرَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الشَّهَادَتَانِ فَقَطْ فَكُلُّ مَنْ قَالَهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ" فالإمام أحمد له روايات رحمه الله كثيرة تدل على سعة علمه، حتى أنه يُرى له في المسألة سبع روايات، في بعض المسائل، وهنا روايات متعددة هنا؛ هذه إحدى الروايات عنه، هذه  الرواية الأولى أن الإسلام هو الكلمة.

"وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا وَيُصَلِّيَ فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ كَانَ كَافِرًا. وَ " الثَّالِثَةُ " أَنَّهُ كَافِرٌ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ أَيْضًا. وَ " الرَّابِعَةُ " أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْهُ" ووجه هذه الرواية أن الصحابة حكموا بالرِدة على من منع الزكاة لما قاتلوا عليها.

 وعنه، هذه الرواية الخامسة أيضًا، "وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّيهَا وَلَا أَدْفَعُهَا إلَى الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَكَذَلِكَ عَنْهُ رِوَايَةٌ" هذه الرواية السادسة، "وَكَذَلِكَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ إذَا عَزَمَ على ألا يحج أبدًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِ تَارِكِ الْمَبَانِ" المراد بالمباني الأركان الخمسة؛ الشهادتان، والصلاة والزكاة، والصوم والحج، "وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِ تَارِكِ الْمَبَانِي يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ مُجَرَّدَ الْكَلِمَةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالْكَلِمَةِ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا صَحِيحٌ" يعني إذا أتى بالكلمة حُكم بإسلامه، ثم يُلزم بالصلاة والزكاة والصوم والحج.

قال المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ" يُشهد له بالإسلام؛ لأنه نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه، ولا يُشهد له بالإيمان الذي في القلب حتى يأتي بحقائق الإيمان، وهذا يحتاج إلى، إلى وقت، ويحتاج إلى من يبين له، ويحتاج أو من يخالطه، ويبين له محاسن الإسلام، ثم تدخل حقيقة الإيمان في قلبه، يقول المؤلف رحمه الله: "وَلَا يُسْتَثْنَى فِي هَذَا الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْهُود" يعني إذا نطق الإنسان، إذا قيل إن الإسلام هو الشهادتان، سيقول الإنسان هذا مسلم، أو يقول أنا مسلم ولا يستثني، ولا يقول إن شاء الله؛ لأن أمره شيءٌ واحد، وهو نطق الشهادتين، وقد عُلم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَلَا يُسْتَثْنَى فِي هَذَا الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْخَمْسِ".

القارئ: مشهود، ولا مشهور عندنا؟

الشيخ: ايه؟

القارئ: عندنا مشهور؟

الشيخ: لأنه أمرٌ مشهور، يصح، مشهور؛ لأنه أشتهر وأعلن إسلامه، ويصح مشهود؛ لأنه يشاهد، "لَكِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْخَمْسِ كَمَا أُمِرَ بِهِ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ" يعني إذا أريد بالإسلام الشهادتان وبقية الأركان الخمس، فهذا يُستثنى منه، يقول: أنا مسلم إن شاء الله؛ لأنه لا يجزم بأنه أدى الصلوات كما أمر، الصلوات ولم ينتقص منها شيئًا، والزكاة والصوم والحج. يقول المؤلف رحمه الله: "فَالْإِسْلَامُ الَّذِي لَا يُسْتَثْنَى فِيهِ الشَّهَادَتَانِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا" يعني إذا أريد بالإسلام الشهادتان لا يستثني فيه، وإذا أريد به المباني الخمس فإنه يُستثنى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله أقوال الناس في مُسمى الإسلام، فقال: "وَقَدْ صَارَ النَّاسُ فِي مُسَمَّى الْإِسْلَامِ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ": قِيلَ: هُوَ الْإِيمَانُ وَهُمَا اسْمَانِ لِمُسَمَّى وَاحِدٍ" يعني الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام، وهذا قول طائفة من أهل السنة، على رأسهم الإمام البخاري، ومحمد بن نصر المروزي، وهو قول الخوارج والمعتزلة أيضًا.

"وَقِيلَ: هُوَ الْكَلِمَةُ"، وهذا قول الزهريُ، الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، وهناك قول ثان قيل أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، وحجتهم حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام فإنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة.

قال المؤلف رحمه الله: "وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَهُمَا وَجْهٌ سَنَذْكُرُهُ" ثم بيَّن المؤلف ـرحمه الله ـ التحقيق في المسألة، فقال: "لَكِنَّ التَّحْقِيقَ ابْتِدَاءً هُوَ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِيمَانَ بِالْإِيمَانِ بِالْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَلَيْسَ لَنَا إذَا جَمَعْنَا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ أَنْ نُجِيبَ بِغَيْرِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ اسْمُ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ؛ وَإِذَا أُفْرِدَ الْإِسْلَامُ؛ فَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِسْلَامِ مُؤْمِنًا بِلَا نِزَاعٍ؛ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ".

يعني أن الصواب في مُسمى الإسلام والإيمان أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا اجتمعا فُسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا، وإذا افترقا ذُكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، وإذا ذُكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ اسْمُ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ؛ وَإِذَا أُفْرِدَ الْإِسْلَامُ؛ فَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِسْلَامِ مُؤْمِنًا بِلَا نِزَاعٍ" يقول مع الإسلام مؤمنًا يعني إذا أتى بالواجبات، أدى الواجبات، وترك المحرمات، وهذا هو الواجب.

"وَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَلَا يُقَالُ لَهُ: مُؤْمِنٌ؟ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ" تقدم أن فيه قولين لأهل العلم؛ القول الأول: أنه يُسمى مسلم، ولا يُسمى مؤمن إذا كان عاصيًا، قصر في بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات فإنه يُقال له مسلم، ولا يُقال له مؤمن، والقول الثاني: أنه يُسمى مسلم، وهذا قول لبعض أهل السُنة، وهو قول المعتزلة، نعم.

(المتن)

وَكَذَلِكَ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ لِلْإِيمَانِ؟ هَذَا فِيهِ النِّزَاعُ الْمَذْكُورُ وَسَنُبَيِّنُهُ وَالْوَعْدُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ بِالْجَنَّةِ وَبِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ إنَّمَا هُوَ مُعَلَّقٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا اسْمُ الْإِسْلَامِ مُجَرَّدًا فَمَا عَلَّقَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ.

وَبِالْإِسْلَامِ بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] وَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19].

(الشرح)

...، "لَكِنَّهُ فَرَضَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ".

القارئ: ما عندنا، أي نعم، "وَبِالْإِسْلَامِ بَعَثَ اللَّهُ الجَمِيعَ" ما فيه؟

الشيخ: "لَكِنَّهُ فَرَضَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ. وَبِالْإِسْلَامِ بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ" هذا عندكم؟ قرأته؟

القارئ: قرأته.

الشيخ: طيب، نعم.

(المتن)

"لَكِنَّهُ فَرَضَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ. وَبِالْإِسْلَامِ بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85]، وَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19] وَقَالَ نُوحٌ: يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ۝ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 71، 72].

وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40]، وَقَالَ: وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: 36]، وَقَالَ نُوحٌ: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود: 29].

وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ فَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 130 - 132].

وَقَالَ: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125].

وَبِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ عَلَّقَ السَّعَادَةَ فَقَالَ: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 112] كَمَا عَلَّقَهُ بِالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62].

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ إخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ مَعَ الْإِحْسَانِ وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ هُوَ وَالْإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ الْوَعْدَ عَلَى الْوَصْفَيْنِ وَعْدٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّوَابُ وَانْتِفَاءُ الْعِقَابِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْخَوْفِ عِلَّةٌ تَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يَخَافُهُ.

وَلِهَذَا قَالَ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لَمْ يَقُلْ: لَا يَخَافُونَ فَهُمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ وَنَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَحْزَنُوا لِأَنَّ الْحُزْنَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَاضٍ فَهُمْ لَا يَحْزَنُونَ بِحَالِ لَا فِي الْقَبْرِ وَلَا فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الْبَاطِنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62، 63].

(الشرح)

نعم، يقول المؤلف رحمه الله: "وَكَذَلِكَ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ لِلْإِيمَانِ؟ هَذَا فِيهِ النِّزَاعُ الْمَذْكُورُ"، يعني هل يستلزم الإسلام الإيمان، أو لا يستلزم؟ يعني فيه النزاع، كما أن هناك نزاع في، في كون الإنسان العاصي يُسمى مُسلمًا، ولا يُسمى مؤمنًا، أو يُسمى مؤمنًا فيه نزاع، فكذلك النزاع في التزام الإسلام للإيمان، هل يستلزم الإسلام الإيمان، أو لا يستلزم؟ والإسلام لابد له من إيمانٍ يصححه.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَالْوَعْدُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ بِالْجَنَّةِ وَبِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ إنَّمَا هُوَ مُعَلَّقٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ" يعني المدح والثواب إنما عُلق على اسم الإيمان، ولم يُعلق باسم الإسلام، فتجد الآيات التي فيها الثناء، إنما فيها ثناءٌ على المؤمنين، ولم يرد فيها الثناء على المسلمين، الثناء على أهل الإيمان.

وكذلك أيضًا الوعد بدخول الجنة والنجاة من النار إنما هو مُعلق باسم الإيمان، والإيمان إذا أُطلق -كما سبق- يستلزم أداءَ الواجبات، وترْكَ المحرمات.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَالْوَعْدُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ بِالْجَنَّةِ وَبِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ إنَّمَا هُوَ مُعَلَّقٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا اسْمُ الْإِسْلَامِ مُجَرَّدًا" يعني مُجرد لم يُقرن به الإيمان، " فَمَا عَلَّقَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ" يعني الإسلام المجرد هذا هو دين الله، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]، والدين دين الله في الأرض وفي السماء هو الإسلام، ولا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه، لكن هل يكون الوعد والثواب والمدح على الإسلام وحده؟ لم يرد، إنما ورد على الإيمان؛ لأن الإسلام إنما يُطلق قد يُطلق على العاصي، والعاصي قد يكون مُتوعد بالنار إذا كان مرتكب كبيرة، وإن كان لا يُخلد فيها.

ففرقٌ بين الإسلام والإيمان، اسمُ الإيمان هذا هو الذي يترتب عليه المدح، ويترتب عليه الوعد الذي في القرآن بالجنة، والنجاةِ من النار، أما اسمُ الإسلام فلا، فلا يترتب عليه المدح ولا الوعد، لكن الإسلام هو دينُ الله الذي فرضه، وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد دينًا سواه.

"وَبِالْإِسْلَامِ بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] وَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]" وهكذا الآيات العامة، دين الله الإسلام، لا يقبل الله دينًا غير الإسلام، دينُ الله هو دينُ الله في الأرضِ وفي السماء، الملائكة دينهم الإسلام، وبنو آدم دينهم الإسلام، وجميعُ الأنبياء دينهم الإسلام، وبالإسلام بعث الله جميع النبيين.

ثم سرد المؤلف رحمه الله النصوص التي تدلُ على ذلك، فالإسلام هو دينُ آدم ودينُ نوح، ودينُ هود، ودينُ صالح، ودينُ شُعيب، ودينُ لوط، ودينُ إبراهيم، ودينُ موسى، ودينُ عيسى، ودين نبينا محمد ﷺ، فالإسلام دينٌ معناه العام هو توحيدُ الله، وطاعة كلُ نبيٍ في زمانه، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وأما الإسلام بمعناه الخاص هي الشريعة الخاتمة التي جاء بها نبينا ﷺ، ولهذا فإن الله تعالى أخبر أن الإسلام هو دين الأنبياءِ جميعًا.

ذكر المؤلف رحمه الله الآيات في هذا، أخبر عن نوح أنه دينه الإسلام، فقال سبحانه: "وَقَالَ نُوحٌ: يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ۝ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 71، 72]" فدينُ نوح هو الإسلام، ويقول المؤلف: "

 وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40]" والشاهدُ من وآمن، فالذي ركب في السفينة والذي نجى هو المؤمن.

وقال عن نوح: "وَقَالَ: وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: 36] وَقَالَ نُوحٌ: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود: 29]" فوصفه بالإيمان.

" وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ فَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 130 - 132]" أمرهم بالإسلام، فالإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، هوتوحيد الله وطاعة كل نبي في زمانه.

وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] وَبِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ عَلَّقَ السَّعَادَةَ" والمراد بالوصفين هو إسلامُ الوجه والإحسان، وإسلام الوجه هو الإخلاص، إخلاص العمل لله، والإحسان هو كون العمل موافقًا للشريعة.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَبِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ عَلَّقَ السَّعَادَةَ فَقَالَ: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 112]" هذه الآية فيها أن الله تعالى علق السعادة على هذين الوصفين؛ الوصف الأول: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وهذا هو الإخلاص، والوجه الثاني قوله: وَهُوَ مُحْسِنٌ، وهذا هو إحسان العمل، وهو أداء العمل موافقًا للشريعة، وموافقًا على هدي رسول الله ﷺ.

"كَمَا عَلَّقَهُ بِالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62]" يعني في هذه الآية علق السعادة على الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح، وفي الآية السابقة علق السعادة على إسلام الوجه والإحسان، فدل على أن معناهما واحد.

ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ إخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ مَعَ الْإِحْسَانِ وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ " وهذا يدل على أن الإسلام الذي هو إخلاصُ الدين لله مع الإحسان هو العمل الصالح الذي أمر الله به، " هُوَ وَالْإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ مُتَلَازِمَانِ" هُوَ وَالْإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ مُتَلَازِمَانِ "، يعني ايه متلازمان؟ الإخلاص لدين الله مع الإحسان هو الإيمان المقرون بالعمل الصالح؛ لأن الله تعالى علق عليهما السعادة، كل من الوصفين؛ الوصف الأول قال: وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ والوصف الثاني قال: وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فعلق على نفي الخوف ونفي الحزن على إسلام الوجه والإحسان، وعلق نفي الخوف ونفي الحزن على الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح.

يقول المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّ الْوَعْدَ عَلَى الْوَصْفَيْنِ وَعْدٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّوَابُ وَانْتِفَاءُ الْعِقَابِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْخَوْفِ" وعدٌ واحد هو وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

" قال:  "فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْخَوْفِ عِلَّةٌ تَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يَخَافُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لَمْ يَقُلْ: لَا يَخَافُونَ فَهُمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ وَنَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَحْزَنُوا لِأَنَّ الْحُزْنَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَاضٍ فَهُمْ لَا يَحْزَنُونَ بِحَالِ لَا فِي الْقَبْرِ وَلَا فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ"

قد يحصل الخوف قبل أن توزن الأعمال، وفي موقف القيامة، والمرور على الصراط، قد يحصل لهم خوف، "وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الْبَاطِنِ" في الباطن لا خوفٌ عليهم " كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62، 63]"، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله:

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْمُطْلَقُ الْمُجَرَّدُ فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعْلِيقُ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِهِ كَمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعْلِيقُ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ الْمُجَرَّدِ كَقَوْلِهِ: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد: 21]، وَقَالَ: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس: 2].

وَقَدْ وَصَفَ الْخَلِيلَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ بِالْإِيمَانِ كَقَوْلِهِ: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت: 26] وَوَصَفَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام: 81، 82، 83]، وَوَصَفَهُ بِأَعْلَى طَبَقَاتِ الْإِيمَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالرِّزْقِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَقَالَ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 126] وَقَالَ: وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: 128] وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84] بَعْدَ قَوْلِهِ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس: 83] وَقَالَ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 87].

وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُشْرَى الْمُطْلَقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ السَّحَرَةَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مَعًا فَقَالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف: 121، 122] وَقَالُوا: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [الأعراف: 126] وَقَالُوا: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 51] وَقَالُوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف: 126].

وَوَصَفَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة: 44] وَالْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ.

وَوَصَفَ الْحَوَارِيِّينَ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة: 111] و قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52].

(الشرح)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فإن المؤلف رحمه الله يبيِّن الفرق بين الإسلام المُطلق، والإيمان المُطلق، فالإيمان المطلق يستلزم أداء الواجبات، وترك المحرمات، وهو الذي يترتبُ عليه المدح والثواب والوعد بالجنة، والنجاة من النار، وأما الإسلام المطلق فإنه لم يترتب عليه شيء من ذلك؛ لا المدح، ولا الوعد؛ لأنه يُطلق على العاصي، لأنه يُطلق على العاصي الذي قصر في بعض الواجبات، وفعل بعض المحرمات، وقد أيضًا يُطلق على المنافق الذي يستسلم وينقاد في الظاهر.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله مُبينًا الفرق بينهما فقال: "وَأَمَّا " الْإِسْلَامُ الْمُطْلَقُ الْمُجَرَّدُ"  "فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعْلِيقُ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِهِ كَمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعْلِيقُ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ الْمُجَرَّدِ" بمعنى أنه في الكتاب العزيز علق الله تعالى دخول الجنة بالإيمان المطلق، ولم يعلق دخول الجنة بالإسلام المطلق، والفرق أن الإيمان المطلق يستلزم أداء الواجبات وترك المحرمات، والإسلام لا يستلزم أداء الواجبات وترك المحرمات، بل الإسلام يُطلق على العاصي، ويُطلق على أيضًا على المنافق الذي استسلم وانقاد في الظاهر.

مثل المؤلف رحمه الله للإيمان المطلق الذي علق الله عليه دخول الجنة، فقال: "كَقَوْلِهِ: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد: 21]" الجنة أُعدت للذين آمنوا بالله ورسله، يعني الذين آمنوا حققوا إيمانهم بالعمل الصالح، أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، وقال: "وَقَالَ: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس: 2]" هذه بشرى للمؤمنين، "وَقَدْ وَصَفَ الْخَلِيلَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ بِالْإِيمَانِ" الخليل هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقوله هو خليل الله، كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو خليل الله، فهما خليلان.

وقد وصفَ الخليلَ ومَنِ اتَّبعه بالإيمان، "كَقَوْلِهِ: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت: 26] وَوَصَفَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام: 81- 83]".

هذا الشاهد: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا: يعني ولم يخلطوا. إِيمَانَهُمْ: توحيدهم. بِظُلْمٍ: بشِركٍ. أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:  82، 83].

"وَوَصَفَهُ بِأَعْلَى طَبَقَاتِ الْإِيمَانِ" يعني الخليل عليه الصلاة والسلام، "وَهُوَ أَفْضَلُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ" يعني إبراهيم أفضلُ الخلق بعد نبينا محمد ﷺ، أفضلُ الخلق نبينا ﷺ، ثم يليه جده إبراهيم، ثم موسى الكليم، ثم بقية أولى العزم الخمسة، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء.

وقال المؤلف رحمه الله: "وَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالرِّزْقِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَقَالَ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 126] وَقَالَ: وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: 128]" فوصفه بالإسلام والإيمان، وصف الخليل بالإسلام وبالإيمان، "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84] بَعْدَ قَوْلِهِ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس: 83]" فوصف موسى بالإسلام والإيمان، ولم يكتفِ بوصف أحدهما.

"وَقَالَ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 87]" قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وصفهم بالإيمان، " وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُشْرَى الْمُطْلَقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]" هذه بشرى للمسلمين عامة، والمراد بها المسلمون الذين حققوا إسلامهم بالإيمان، والعمل الصالح.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ السَّحَرَةَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مَعًا" السحرة الذين آمنوا ووعدوا بالثواب العظيم في سورة طه إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى [طه: 73 - 75]، وصفهم بالإسلام والإيمان معًا، ولم يكتفِ بوصفهم بالإسلام، بل وصفهم بالإيمان؛ لأنهم، لأنهم ترتب على وصفهم المدح، والثناء عليهم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ السَّحَرَةَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مَعًا فَقَالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف: 121، 122] وَقَالُوا: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [الأعراف: 126] وَقَالُوا: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 51] وَقَالُوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف: 126]" ففي الآية الأخيرة وصفهم بالإسلام، والشاهد أنه لم يكتفِ بوصفهم بالإسلام، بل وصفهم بالإيمان؛ لأن الإيمان هو الذي ترتب عليه المدح والثواب، "وَوَصَفَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة: 44].

 قال المؤلف ـ رحمه الله ـ وَالْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ" وصفوا بالإسلام والإيمان، "وَوَصَفَ الْحَوَارِيِّينَ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ" الحواريون هم أنصار عيسى ، هم الذين آمنوا به، "فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة: 111] و قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52]" فالشاهد هنا أنه وصفهم بالإيمان والإسلام، ولم يكتفِ بالإسلام؛ لأن المدح والوعد الكريم إنما يكونُ على الإيمان، نعم.

(المتن)

وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ. وَالدِّينُ مَصْدَرُ دَانَ يَدِينُ دِينًا: إذَا خَضَعَ وَذَلَّ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَحْدَهُ؛ فَأَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ.

فَمَنْ عَبَدَهُ وَعَبَدَ مَعَهُ إلَهًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ بَلْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَالْإِسْلَامُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَهُوَ الْخُضُوعُ لَهُ وَالْعُبُودِيَّةُ لَهُ هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَسْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اسْتَسْلَمَ.

فَالْإِسْلَامُ فِي الْأَصْلِ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ عَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَأَصْلُهُ تَصْدِيقٌ وَإِقْرَارٌ وَمَعْرِفَةٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُتَضَمِّنِ عَمَلَ الْقَلْبِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لَهُ.

فَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ الْقَلْبِ وَبِخُضُوعِهِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِاسْتِسْلَامِ مَخْصُوصٍ هُوَ الْمَبَانِي الْخَمْسُ.

وَهَكَذَا فِي سَائِرِ كَلَامِهِ ﷺ يُفَسَّرُ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ النَّوْعِ وَيُفَسَّرُ الْإِسْلَامُ بِهَذَا وَذَلِكَ النَّوْعُ أَعْلَى.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ([3])، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ يَرَاهَا النَّاسُ، وَأَمَّا مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ تَصْدِيقٍ وَمَعْرِفَةٍ وَحُبٍّ وَخَشْيَةٍ وَرَجَاءٍ فَهَذَا بَاطِنٌ؛ لَكِنْ لَهُ لَوَازِمُ قَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَاللَّازِمُ لَا يَدُلُّ إلَّا إذَا كَانَ مَلْزُومًا فَلِهَذَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ فَلَا يَدُلُّ.

القارئ: نقط بياض عندنا في الأصل.

الشيخ: لعل فلا يدل عليه إلا من خلال ملزومه.

القارئ: ما يدل عليه.

الشيخ: فلا يدل عليه إلا من خلال ملزومه.

(المتن)

فلا يدل عليه إلا من خلال ملزومه، فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ([4]).

فَفَسَّرَ الْمُسْلِمَ بِأَمْرِ ظَاهِرٍ وَهُوَ سَلَامَةُ النَّاسِ مِنْهُ وَفَسَّرَ الْمُؤْمِنَ بِأَمْرِ بَاطِنٍ وَهُوَ أَنْ يَأْمَنُوهُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَأْمُونًا سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَلِمُوا مِنْهُ يَكُونُ مَأْمُونًا فَقَدْ يَتْرُكُ أَذَاهُمْ وَهُمْ لَا يَأْمَنُونَ إلَيْهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ أَذَاهُمْ لِرَغْبَةِ وَرَهْبَةٍ؛ لَا لِإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ.

(الشرح)

نعم، نعم يقول المؤلف رحمه الله في الفرق بين الإسلام والإيمان، يقول: "وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ. وَ " الدِّينُ " مَصْدَرُ دَانَ يَدِينُ دِينًا: إذَا خَضَعَ وَذَلَّ"، يعني أن الإسلام أصله الخضوع والذل، فالمسلم يكون منقادًا، وأما الإيمان فإنه التصديق، التصديق يكون في القلب، فهذا الفرق بينهما؛ الإسلام دين، والدين مصدر دان يدين دينًا إذا خضع وذل، ومنه قولهم قد يكون مُعبد أي مذلل إذا وطأته الأقدام، مذلل إذا كان منقادًا، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَ "دِينُ الْإِسْلَامِ" الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَحْدَهُ" استسلام وانقياد؛ استسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة.

يقول: "فَأَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ" هذا هو الأصل، الأصل في المسلم هو الخاضع الذي خضع لله، وعبد الله وحده، أما من عبده وعبد معه إلهًا آخر هذا لا يكون مسلمًا، هذا ما هو مسلم، هذا مستسلم لله ولغير الله، يكون مشرك.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَأَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ. فَمَنْ عَبَدَهُ وَعَبَدَ مَعَهُ إلَهًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا" لم يكن مسلمًا لله وحده، لكنه استسلم لله ولغير الله، " وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ بَلْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا".

فإذًا الناس ثلاث طوائف؛ الطائفة الأولى مَن استسلم لله وحده هذا هو المسلم، الخاضع لله ، الاستسلام معناه هو الخضوع والذل، هذا أصل معناه اللغوي، فمن خضع لله وعبده وحده فهو مسلم، ومن خضع لله وخضع لغيره هو مشرك، ومن لم يخضع لله ولم ينقد فهو مستكبر، والمشرك والمستكبر كافران، كل منهما كافر، فيكون لها ثلاث حالات؛ المستسلم لله وحده هذا هو المسلم، والمستسلم له ولغيره هذا مشرك، والمستكبر عن عبادته هذا أيضًا كافر.

قال المؤلف رحمه الله: "وَالْإِسْلَامُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَهُوَ الْخُضُوعُ لَهُ وَالْعُبُودِيَّةُ لَهُ هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَسْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اسْتَسْلَمَ؛ فَالْإِسْلَامُ فِي الْأَصْلِ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ عَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَأَصْلُهُ تَصْدِيقٌ وَإِقْرَارٌ وَمَعْرِفَةٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُتَضَمِّنِ عَمَلَ الْقَلْبِ" هذا هو الفرق بينهما.

إذًا الإسلام هو الاستسلام، أصلُ الاستسلام هو يستسلم باسم العمل، وينقاد ويخضع يعمل بقلبه وجوارحه، وجوارحه منقادة وعمله منقاد، وأما الإيمان فأصله التصديق والإقرار، والتصديق والإقرار في القلب، لكنه يتضمن عمل القلب.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَأَصْلُهُ تَصْدِيقٌ وَإِقْرَارٌ وَمَعْرِفَةٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُتَضَمِّنِ عَمَلَ الْقَلْبِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لَهُ.

يقول المؤلف ـ رحمه الله ـ  فَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ " الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ الْقَلْبِ وَبِخُضُوعِهِ يعني في حديث جبريل لما سأله عن الإيمان فبيَّن له فقال: " وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَفَسَّرَ " الْإِسْلَامَ " بِاسْتِسْلَامِ مَخْصُوصٍ هُوَ الْمَبَانِي الْخَمْسُ" الشهادتان لابد منهما، المباني الخمس ظاهرة، النطق بالشهادتين، الشهادتان، الصلاة، الزكاة، والصوم، والحج.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَكَذَا فِي سَائِرِ كَلَامِهِ ﷺ يُفَسَّرُ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ النَّوْعِ وَيُفَسَّرُ الْإِسْلَامُ بِهَذَا". يُفسِّر الإسلام بذلك النَّوْع، يعني: بالإقرار والتصديق؛ الذي هو قول القلب، ويتضمن عمل القلب .

ويُفسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة؛ الذي هو خضوعٌ واستسلامٌ في الظاهر.

"وَذَلِكَ النَّوْعُ أَعْلَى"؛ الإشارة تعود إلى الإيمان، وذلك النوع أعلى.

"وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ([5])". هذا الحديث ضعيف، سبق أن الحديثُ فيه ضعف، ولكن له شواهد، شواهد يشهد لها  حديث جبريل، الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ([6]).

قال المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ يَرَاهَا النَّاسُ وَأَمَّا مَا فِي الْقَلْبِ" فلا يُرى، فإن الإعمال الظاهرة؛ كالنطق بالشهادتين، والصلاة والزكاة والصوم يراها الناس، "وَأَمَّا مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ تَصْدِيقٍ وَمَعْرِفَةٍ وَحُبٍّ وَخَشْيَةٍ وَرَجَاءٍ فَهَذَا بَاطِنٌ؛ لا يراه أحد ،لَكِنْ لَهُ لَوَازِمُ قَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَاللَّازِمُ لَا يَدُلُّ إلَّا إذَا كَانَ مَلْزُومًا فَلِهَذَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ" فلوازم الإيمان يعني إذا وُجد الإيمان، والتصديق والمعرفة ومحبة الله وخشيته في القلب، لابد أن تبعث الجوارح على العمل، فانبعاث الجوارح على العمل الصالح؛ بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى هذه ملزوم، ملزوم الإيمان لازم وهي ملزومه.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَاللَّازِمُ لَا يَدُلُّ إلَّا إذَا كَانَ مَلْزُومًا" يعني اللازم والملزوم لابد منهما جميعًا، فلهذا كان من لوازمه ما يفعله المؤمن والمنافق، من لوازم الإيمان ما يفعله المؤمن والمنافق، ما يفعله المؤمن من الأعمال الصالحة، وما يفعله المنافق من الأعمال السيئة، كل واحد يفعل ما كان في قلبه، فالمؤمن عنده تصديق ومحبة وخشية والمنافق ليس عنده تصديق ولا محبة ولا خشية.

لذلك المؤلف قال: "فلا يدل عليه إلا من خلال ملزومه، فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَـ رضي الله عنهم جَمِيعًاـ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ([7])".

يقول المؤلف رحمه الله: "فَفَسَّرَ الْمُسْلِمَ بِأَمْرِ ظَاهِرٍ وَهُوَ سَلَامَةُ النَّاسِ مِنْهُ" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، هذا شيءٌ ظاهر، الإنسان لا يتكلم، واليد، " وَفَسَّرَ الْمُؤْمِنَ بِأَمْرِ بَاطِنٍ وَهُوَ أَنْ يَأْمَنُوهُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ" هذه الصفة وهي صفة المؤمن أعلى من صفة المسلم، وهذه الصفة وهي أمن الناس على دمائهم وأموالهم أعلى من صفة المسلم وهي سلامة المسلمون من لسانه ويده.

يقول: "َإِنَّ مَنْ كَانَ مَأْمُونًا سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ" المؤمن الذي أمنه المسلمون على دمائهم وأموالهم، لكن لابد أن يسلموا منه، " وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَلِمُوا مِنْهُ يَكُونُ مَأْمُونًا" قد يسلمون منه؛ لأنه يخاف، الخوف من السلطان، خوف من الأمير، وإذا سنحت له الفرصة آذى، بخلاف الذي، المؤمن الذي يترك أذى الناس عن إيمان، عنده إيمان خوف من الله ، فهذا يصدر عن إيمان، لا عن خوف من الناس.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَلِمُوا مِنْهُ يَكُونُ مَأْمُونًا فَقَدْ يَتْرُكُ أَذَاهُمْ وَهُمْ لَا يَأْمَنُونَ إلَيْهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ أَذَاهُمْ لِرَغْبَةِ وَرَهْبَةٍ؛ لَا لِإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ"، نعم.

 (المتن)

وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عبسة عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: إطْعَامُ الطَّعَامِ. وَلِينُ الْكَلَامِ قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ قَالَ السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ([8]).

فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِمَقَاصِدَ مُتَعَدِّدَةٍ وَكَذَلِكَ لِينُ الْكَلَامِ وَأَمَّا السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ فَخُلُقَانِ فِي النَّفْسِ.

قَالَ تَعَالَى: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17]، وَهَذَا أَعْلَى مِنْ ذَاكَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَبَّارًا شَكُورًا فِيهِ سَمَاحَةٌ بِالرَّحْمَةِ لِلْإِنْسَانِ وَصَبْرٌ عَلَى الْمَكَارِهِ وَهَذَا ضِدُّ الَّذِي خُلِقَ هَلُوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا؛ فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ فِيهِ سَمَاحَةٌ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَلَا صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.

(الشرح)

نعم، المؤلف رحمه الله أيضًا يبين في هذا الحديث الفرق بين الإسلام والإيمان، قال: "وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عبسة عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ إطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ قَالَ السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ([9])" هنا فسر النبي ﷺ الإسلام بإطعام الطعام، ولين الكلام، وهما أمران ظاهران، إطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، أمران ظاهران، وفسر الإيمان بـ السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ، وهما خلقان باطنيان، في الباطن.

وبيَّن المؤلف رحمه الله الفرق بينهما، فقال: "فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِمَقَاصِدَ مُتَعَدِّدَةٍ" نعم، قد يفعله الإنسان يُطعمُ الطعام مثلًا كرمًا، أو مثلًا احتسابًا لوجه الله، وقد يفعله لمقاصد، يُطعم الطعام لهذا الشخص يجعل وليمة لشخص، لمسئول أو لكبير؛ لأجل يصل إلى مناصب دنيوية لا لله؛ لأنه تختلف أحوال الناس، فهما خلقان ظاهران، بخلاف السماحة والصبر، وكذلك لينُ الكلام، قد يلين الكلام لمقاصد خوفًا منه، أو لأجل مقاصد، ولكنه في الباطن يلين له الكلام في لسانه، وفي باطنه قد يلعنه، وهذا واضح ومُشاهد.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِمَقَاصِدَ مُتَعَدِّدَةٍ وَكَذَلِكَ لِينُ الْكَلَامِ وَأَمَّا السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ فَخُلُقَانِ فِي النَّفْسِ"يعني باطنيان، ".

قَالَ تَعَالَى: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17] وَهَذَا أَعْلَى مِنْ ذَاكَ" وهذا يعني السماحة والصبر أعلى من ذاك، أعلى من العمل الظاهر، وهو إطعامُ الطعام، ولينُ الكلام، "وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17] وَهَذَا أَعْلَى مِنْ ذَاكَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَبَّارًا شَكُورًا فِيهِ سَمَاحَةٌ" أن يكون صبارًا شكورًا هذا في الباطن، وهو أن يكون صبارًا شكورًا فيه سماحةٌ بالرحمة للإنسان، والصبر على المكاره، وهذا ضدُ الذي خُلق هلوعًا، يعني الصبار الشكور ضد الذي وصفه الله بأنه، بأنه هلوع، إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 19 - 21].

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا ضِدُّ الَّذِي خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ؛ فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ فِيهِ سَمَاحَةٌ عِنْدَ النِّعْمَةِ" يعني الَّذِي خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا؛ لَيْسَ فِيهِ سَمَاحَةٌ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَلَا صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ."، نعم.

 (المتن)

وَتَمَامُ الْحَدِيثِ: «فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إيمَانًا؟ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ مَنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَعَقَرَ جَوَادَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الَّذِينَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ. وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ تَارَةً يُرْوَى مُرْسَلًا وَتَارَةً يُرْوَى مُسْنَدًا وَفِي رِوَايَةٍ: «أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ.([10]).

وَقَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْإِيمَانِ السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ ([11])عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

(الشرح)

نعم، وهذا بقية الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وهذا الحديث كما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر بلفظ متقارب، وعن عمرو بن عبسة، يقول: "وَتَمَامُ الْحَدِيثِ: َأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. الإسلام يتفاضل.

" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إيمَانًا؟ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. ففسر، ففرقٌ بين تفسير الإسلام وتفسير الإيمان؛ فتفسير الإيمان أفضل وأعلى؛ لأنه أمرٌ باطن، أمرٌ في الباطن، ولهذا فسر الإسلام بأمر الظاهر، من سلم المسلمون من لسانه ويده، وفسر الإيمان بأمرٍ باطن.

قال: أحسنهم خُلقا، "قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ مَنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَعَقَرَ جَوَادَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الَّذِينَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ. يعني الذي تصدق من مالٍ قليل، هذا أفضل، ولهذا جاء في الحديث سبق درهمٌ ألف درهم([12])، فالذي عنده درهم، قد يكون ليس عنده إلا درهمين، تصدق بأحدهما وأبقى لأهله واحد، والذي عنده ألف قد يكون آخذه من آلاف.

ولهذا: "قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ تَارَةً يُرْوَى مُرْسَلًا وَتَارَةً يُرْوَى مُسْنَدًا وَفِي رِوَايَةٍ: «أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ.([13])" الليل الغابر الباقي، يعني النصف الأخير، " وَقَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْإِيمَانِ السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ وهذا هو الشاهد في الحديث، أفضل الإيمان السماحة والصبر، وهما خلقان في الباطن، "يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ" وهذا يدل على أن الإيمان أفضل وأعلى؛ لأنه خُلقٌ باطني يبعثُ على العمل الصالح، بخلاف الإسلام، فإنه أمرٌ ظاهر قد يكون الباعث له الإيمان، وقد يكون الباعث له غيرُ الإيمان؛ كالمنافقين، نعم.

القارئ: يعني هو أراد رحمه الله أن يثبت من هذا أنه استدل بالحديث أن بعض الأعمال التي في القلب وهي أعمال الإيمان أعظم درجة من أعمال الإسلام الظاهرة؟

الشيخ: أي نعم، نعم، ولأن الإسلام، لأن الأعمال الظاهرة قد يكون الباعث عليها على الإيمان، وقد يكون أمرٌ آخر، بخلاف الأعمال الباطنة، هي تبعث على العمل الصالح، لأنها تكون على إيمان الله ورسوله، نعم.

(المتن)

وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفَسَّرُ الْإِسْلَامُ بِالِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ مَعَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد: عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَتَيْتُك حَتَّى حَلَفْت عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ أَنْ لَا آتِيَك فَبِاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا بَعَثَك بِهِ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ. قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَك إلَى اللَّهِ وَأَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ أَشْرَكَ بَعْدَ إسْلَامِهِ.([14]).

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْت وَجْهِي لِلَّهِ وَتَخَلَّيْت وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ([15]).

وَفِي لَفْظٍ تَقُولُ أَسْلَمْت نَفَسِي لِلَّهِ وَخَلَّيْت وَجْهِي إلَيْهِ([16]).

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ معدان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتُسَلِّمَ عَلَى بَنِي آدَمَ إذْ لَقِيتهمْ فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْك رَدَّتْ عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْك رَدَّتْ عَلَيْك الْمَلَائِكَةُ وَلَعَنَتْهُمْ إنْ سَكَتَ عَنْهُمْ وَتَسْلِيمُك عَلَى أَهْلِ بَيْتِك إذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْ فَمَنْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ([17]).

(الشرح)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإن المؤلف رحمه الله لا يزال يذكر الأدلة والوجوه التي يستنبطها من الأحاديث في الفرق بين الإسلام والإيمان، وأن الإيمان أعلى من الإسلام، وأن الإسلام هي الأعمالُ الظاهرة، وأن العمل الظاهر قد يكون الباعث عليه الإسلام، والإيمان، وقد يكون الباعث عليه أمرٌ آخر بخلاف الإيمان، فإنه في الباطن أمرٌ في الباطن يبعث على العمل الصالح.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفَسَّرُ الْإِسْلَامُ بِالِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ مَعَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ" يعني هو فسر الإيمان بالأعمال الباطنة، بالأمر الباطن، "وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفَسَّرُ الْإِسْلَامُ بِالِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ مَعَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد «عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَتَيْتُك حَتَّى حَلَفْت عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ أَنْ لَا آتِيَك فَبِاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا بَعَثَك بِهِ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ. قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَك إلَى اللَّهِ وَأَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ" والشاهد في الحديث أنه فسر الإسلام بالأعمال المفروضة.

قال: قَالَ أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَك إلَى اللَّهِ يعني أصله في القلب، إسلام القلب لله بالأعمال.

قال: أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَك إلَى اللَّهِ وَأَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ والصلاة المكتوبة أمرُ الله، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ يعني الصلاة والزكاة لا يفترقان، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ أَشْرَكَ بَعْدَ إسْلَامِهِ([18]).

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْت وَجْهِي لِلَّهِ وَتَخَلَّيْت([19]) تتخلى عن الشرك، وعما ينافي الإسلام، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وكلُ مسلمٍ على مسلم مُحرم، يعني مُحرم عليه العدوان عليه في دمه وماله وعِرضه.

"وَفِي لَفْظٍ تَقُولُ أَسْلَمْت نَفَسِي لِلَّهِ وَخَلَّيْت وَجْهِي إلَيْهِ([20])" والشاهد من هذا أن النبي ﷺ فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ معدان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ([21])" والصُوى يعني الأعلام، له أعلام، أعلامًا تدل عليه، وأصل الصُوى هي أعلام من حجارة تُنصب في الصحاري، وفي طرق المسافرين تدلُ، يستدل بها على الطرق.

قال: إنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا([22])؛ يعني أعلام تدلُ على الإسلام، تدلُ عليه، فهذه الأعمال تدل على الإسلام، مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا. وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وهذه كلها من الأعمال الظاهرة وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتُسَلِّمَ عَلَى بَنِي آدَمَ إذْ لَقِيتهمْ. كل هذه أعمالٌ ظاهرة؛ الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والسلام على بني آدم، فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْك رَدَّتْ عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْك رَدَّتْ عَلَيْك الْمَلَائِكَةُ وَلَعَنَتْهُمْ إنْ سَكَتَ عَنْهُمْ وَتَسْلِيمُك عَلَى أَهْلِ بَيْتِك إذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْ يعني هذا عملٌ ظاهر أيضًا، فَمَنْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يعني: مَن تركَ جميعًا هذا نبذ الإسلام، إذا ترك عبادة الله، ... تعبد الله، إذا ترك عبادة الله، ترك الصلاة، ترك الزكاة، ترك الصوم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا نبذ الإسلام وراء ظهره، أمَّا مَن انتقص منها شيئًا فهو سهمٌ من الإسلام تركه، يعني ضاع عليه، نقص من إسلامه، نعم.

(المتن)

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة: 208]، قَالَ مُجَاهِدٌ: وقتادة: نَزَلَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ يَأْمُرُهُمْ بِالدُّخُولِ فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مَأْمُورُونَ أَيْضًا بِذَلِكَ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: فِي السِّلْمِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الطَّاعَةُ وَكِلَاهُمَا مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الطَّاعَةُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَافَّةً فَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ اُدْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ جَمِيعِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ادْخُلُوا خِطَابٌ لَهُمْ كُلِّهِمْ.

فَقَوْلُهُ كَافَّةً إنْ أُرِيدَ بِهِ مُجْتَمِعِينَ لَزِمَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ الْإِسْلَامَ حَتَّى يُسْلِمَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَأْمُورًا بِهِ إلَّا بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الْغَيْرِ لَهُ كَالْجُمُعَةِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِـ كَافَّةً: أَيْ اُدْخُلُوا جَمِيعُكُمْ فَكُلُّ أَوَامِرِ الْقُرْآنِ؛ كَقَوْلِهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء: 136]، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43] كُلُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمَا قِيلَ فِيهَا كَافَّةً.

وقَوْله تَعَالَى وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أَيْ قَاتِلُوهُمْ كُلَّهُمْ لَا تَدَعُوا مُشْرِكًا حَتَّى تُقَاتِلُوهُ فَإِنَّهَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ نَبْذِ الْعُهُودِ لَيْسَ الْمُرَادُ: قَاتِلُوهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ جَمِيعُكُمْ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجِبُ بَلْ يُقَاتِلُونَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا كَانَتْ فَرَائِضُ الْأَعْيَانِ لَمْ يُؤَكِّدْ الْمَأْمُورِينَ فِيهَا بِـ كَافَّةً  فَكَيْفَ يُؤَكِّدُ بِذَلِكَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَعْمِيمُ الْمُقَاتِلِينَ.

وَقَوْلُهُ: كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً فِيهِ احْتِمَالَانِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالدُّخُولِ فِي جَمِيعِ الْإِسْلَامِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَجَبَ الدُّخُولُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ اُعْتُقِدَ وُجُوبُهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ إذَا تَعَيَّنَ أَوْ أَخَذَ بِالْفَضْلِ فَفَعَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا اعْتَقَدَ حُسْنَهُ وَأَحَبَّ فِعْلَهُ.

وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْ لِي الْإِسْلَامَ، قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ قَالَ: أَقْرَرْت([23]) فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ فِيهَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَخَاقِيقِ جُرْذَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ وَكَانَ جَائِعًا وَمَلَكَانِ يَدُسَّانِ فِي شِدْقِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ.

فَقَوْلُهُ: وَتُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، هُوَ: الْإِقْرَارُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِذَلِكَ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله مُبينًا أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو ما يكونُ في الباطن، قال: "وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة: 208] قَالَ مُجَاهِدٌ: وقتادة: نَزَلَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ يَأْمُرُهُمْ بِالدُّخُولِ فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا" هذه الآية فيها أمرٌ للمسلمين بالدخول في شرائع الإسلام الظاهرة، ولهذا قال: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، السلم الإسلام، وهذا..

يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مَأْمُورُونَ أَيْضًا بِذَلِك" يعني لا منافاة بين القولين، فمن قال أنها نزلت في المسلمين يأمرهم الله بالدخول في الإسلام، في شرائع الإسلام، ومن قال نزلت في أهل الكتاب أو في غير المسلم، لا منافاة بينهما؛ لأن هؤلاء جميعًا كلهم مأمورون بالاستسلام والانقياد لشرع الله ودينه، وأن يسلم بالأعمال الظاهرة.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: فِي السِّلْمِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الطَّاعَةُ وَكِلَاهُمَا مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ" فلا منافاة، هذا من اختلاف التنوع، اختلاف النوع، اختلاف التضاد، هذا اختلافٌ ينافي بعض أحدهم الآخر، أما اختلاف التنوع فكلٌ منهم أحق، هذا من اختلاف التنوع، ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، في الإسلام أي في السلم أو الطاعة كلاهما حق.

يقول المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الطَّاعَةُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَافَّةً  فَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ اُدْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ جَمِيعِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ" يعني الصحيح القول الثاني، ادخلوا في الإسلام جميعه، وليس المراد به ادخلوا كلكم، يقول: وجه ذلك: "فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ادْخُلُوا خِطَابٌ لَهُمْ كُلِّهِمْ فَقَوْلُهُ كَافَّةً  إنْ أُرِيدَ بِهِ مُجْتَمِعِينَ لَزِمَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ الْإِسْلَامَ حَتَّى يُسْلِمَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَأْمُورًا بِهِ إلَّا بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الْغَيْرِ لَهُ كَالْجُمُعَةِ" هذا القول ليس بصحيح، هذا القول قيل: المراد به ادخلوا كلكم، المراد القول الأول الذي قال: ادخلوا كلكم، هذا ليس بصحيح، يعني ليس المراد مأمورًا بأن يدخل الإسلام مع غيره، يعني ما يُسلم إلا إذا أسلم غيره؛ كالجمعة مثلًا، لا تتمُ الجمعة إلا بالعدد.

يقول: "وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِـ كَافَّةً : أَيْ اُدْخُلُوا جَمِيعُكُمْ فَكُلُّ أَوَامِرِ الْقُرْآنِ" كذلك، يعني ليس خاصًا بهذا، كلُ أوامر القرآن كذلك، كَقَوْلِهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء: 136]" يعني كلكم، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43]" هذا أمرٌ للأمة كلها، "كُلُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمَا قِيلَ فِيهَا كَافَّةً ولم يقل فيها كافه وقَوْله تَعَالَى وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أَيْ قَاتِلُوهُمْ كُلَّهُمْ لَا تَدَعُوا مُشْرِكًا حَتَّى تُقَاتِلُوهُ فَإِنَّ هذه الآية نْزِلَتْ بَعْدَ نَبْذِ الْعُهُودِ" نزلت بعد نبذ العهود في السنة التاسعة، "لَيْسَ الْمُرَادُ: قَاتِلُوهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ جَمِيعُكُمْ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجِبُ بَلْ يُقَاتِلُونَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ" ليس المراد أن الأمة تقاتل، أو يقاتلون جميعًا، بل القتال حسب المصلحة.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ليس فرض على الأعيان فَإِذَا كَانَتْ فَرَائِضُ الْأَعْيَانِ لَمْ يُؤَكِّدْ الْمَأْمُورِينَ فِيهَا بِـ كَافَّةً فَكَيْفَ يُؤَكِّدُ بِذَلِكَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ" يعني إذا كانت فرائض ما كان فرضًا على العين، على كل إنسانٍ بعينه لم يؤكد بكلمة كَافَّةً، فمن باب أولى ألا تُؤكد فروض الكفايات.

يقول: "وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بقوله كافة ليس التأكيد وإنما ورد التعميم تَعْمِيمُ الْمُقَاتِلِينَ. وَقَوْلُهُ: كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً فِيهِ احْتِمَالَانِ".

ثم بيَّن المؤلف رحمه الله الخلاصة، فقال الخُلاصة: أن الله تعالى أمر المسلمين جميعًا بالدخول في الإسلام، ولهذا قال المؤلف: "وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالدُّخُولِ فِي جَمِيعِ الْإِسْلَامِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَجَبَ الدُّخُولُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ" إذا كان واجبًا على الأعيان، على كل فردٍ بعينه؛ كصلاة الجماعة فرضٌ عين وجب على كل إنسان أن يفعله، وإن كان واجب على الكفاية تغسيل الميت ودفنه والصلاة عليه هذا لا يجب على الأعيان، وإنما يجب فرض كفاية، اعتقد وجوبه وعزم عليه إذا تعين، أو أخذ بالفضل ففعله، يعني فرض العين يجب عليه أن يفعله، وفرض الكفاية يعتقد أنه واجب ويعزم عليه إذا تعين إذا لم يوجد غيره ،أو يأخذ بالفضل فيفعله .

"اُعْتُقِدَ وُجُوبُهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ إذَا تَعَيَّنَ أَوْ أَخَذَ بِالْفَضْلِ فَفَعَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا اعْتَقَدَ حُسْنَهُ وَأَحَبَّ فِعْلَهُ.

وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْ لِي الْإِسْلَامَ. قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ.([24])" والشاهد أنه فسره بالأعمال الظاهرة، قال: "قَالَ: أَقْرَرْت، فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ فِيهَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَخَافيق الجرذان" والمراد بأخاقيق شقوقٌ في الأرض، ومفردها أخقوق، والأخقوق كما ذكر ... قال ابن قتيبة في إصلاح الغلط، فيقول: إنما هي أخاقيق مفردها خق، وهو الجُحر، يُجمع فيقال: أخقاق، وخقوق، ثم يُجمع أخقاق فيُقال: أخاقيق، يعني أن هذا الرجل الذي آمن وقع في حفرة في الأرض، وسقط ومات.

ولهذا قال: "أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَخَاقِيقِ جُرْذَانَ" يعني حفرة في الأرض، الجرذان حفرتها، وكانت عميقة، فوقعت فيها راحلته، فسقط فمات.

"وَأَنَّهُ قُتِلَ وَكَانَ جَائِعًا" والنبي ﷺ أخبر أن مَلَكَانِ يَدُسَّانِ فِي شِدْقِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّة؛ لأنَّه مُؤمِن؛ ...

هذا الرجل قُتل وهو جائع، فالملائكة تطعمه، ورآهم النبي، هذا من علامات النبوة، "وَكَانَ جَائِعًا وَمَلَكَانِ يَدُسَّانِ فِي شِدْقِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ.

فَقَوْلُهُ: وَتُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. هُوَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِذَلِكَ"، نعم.

(المتن)

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو سُلَيْمَانَ الداراني: حَدِيثُ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ: فَمَا عَلَامَةُ إيمَانِكُمْ؟ قَالُوا: خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: خَمْسٌ أَمَرَتْنَا رُسُلُك أَنْ نَعْمَلَ بِهِنَّ وَخَمْسٌ أَمَرَتْنَا رُسُلُك أَنْ نُؤْمِنَ بِهِنَّ وَخَمْسٌ تَخَلَّقْنَا بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنَحْنُ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ تَكْرَهَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ رُسُلِي أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا؟ قَالُوا: أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَنَصُومَ رَمَضَانَ وَنَحُجَّ الْبَيْتَ، قَالَ: وَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا؟ قَالُوا أَمَرَتْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ: وَمَا الْخَمْسُ الَّتِي تَخَلَّقْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَثَبَتُّمْ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالُوا: الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالرِّضَى بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَالصِّدْقُ فِي مَوَاطِنِ اللِّقَاءِ وَتَرْكُ الشَّمَاتَةِ بِالْأَعْدَاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا مِنْ صِدْقِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَقَالَ ﷺ: وَأَنَا أَزِيدُكُمْ خَمْسًا فَتَتِمُّ لَكُمْ عِشْرُونَ خَصْلَةً: إنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ وَلَا تُنَافِسُوا فِي شَيْءٍ أَنْتُمْ عَنْهُ غَدًا تَزُولُونَ وَعَنْهُ مُنْتَقِلُونَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تَقْدُمُونَ وَفِيهِ تُخَلَّدُونَ([25]).

فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْخَمْسِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فَجَعَلُوهَا الْإِسْلَامَ؛ وَالْخَمْسِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا فَجَعَلُوهَا الْإِيمَانَ؛ وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله في هذا الحديث يبين الفرق بين الإسلام والإيمان، وأن الإسلام هو الأعمالُ الظاهرة، والإيمان هو الأمور الباطنة، وهذا الحديث رواه أبو نُعيم في الحِلية كما ذكر الحاشية وفي سنده علقمة بن يزيد بن سويد الأسدي، قال الذهبي في الميزان: علقمة لا يُعرف، وأتى بخبرٍ مُنكر، ولعل المؤلف رحمه الله حسن من شواهده، الحديث له شواهد، له شواهد، شواهد حديث جبريل الفرق بين الإسلام والإيمان.

القارئ: المؤلف؟

الشيخ: نعم المؤلف شيخ الإسلام رحمه الله حسَّن لشواهده.

القارئ: أين حسَّنها يا شيخ؟ أم هو مجرد..

الشيخ: لا ذكره، الأصل، أصل ذلك الحديث ضعيف، وشيخُ الإسلام معروف أنه له رحمه الله  عناية بالحديث، يقول المؤلف رحمه الله: "وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو سُلَيْمَانَ الداراني: حَدِيثُ: الْوَفْدِ الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ: فَمَا عَلَامَةُ إيمَانِكُمْ؟ قَالُوا: خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: خَمْسٌ أَمَرَتْنَا رُسُلُك أَنْ نَعْمَلَ بِهِنَّ وَخَمْسٌ أَمَرَتْنَا رُسُلُك أَنْ نُؤْمِنَ بِهِنَّ وَخَمْسٌ تَخَلَّقْنَا بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنَحْنُ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ تَكْرَهَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ رُسُلِي أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا؟ قَالُوا: أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَنَصُومَ رَمَضَانَ وَنَحُجَّ الْبَيْتَ" فهذه الخمس هي أركان الإسلام الظاهرة، فهي ظاهرة.

قال: "قَالَ: وَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا؟ قَالُوا أَمَرَتْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ" وهذا هو الشاهد من الحديث أن الخمس الأولى أعمالٌ ظاهرة، والخمس الثانية أمورٌ باطنة، فالأولى هي الإسلام، والثانية هي الإيمان، فدلَّ على أن الإسلام ما كان أعمالًا ظاهرة، هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة.

قال: "قَالَ: وَمَا الْخَمْسُ الَّتِي تَخَلَّقْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَثَبَتُّمْ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالُوا: الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالرِّضَى بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَالصِّدْقُ فِي مَوَاطِنِ اللِّقَاءِ وَتَرْكُ الشَّمَاتَةِ بِالْأَعْدَاءِ" وهذه لا شك أن هذه الأمور أمورٌ عظيمة، هذه الخمس داخلة في الإيمان، الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمُر القضاء هذه من علامات سعادة العبد؛ لأن الإنسان يتقلب بين هذه الأمور، بين إما أن يكون مُبتلى ويحتاج إلى الصبر، وإما أن يكونَ مُنعمٌ عليه بنعمة، فيحتاج إلى الشكر، وإما أن يكون مُبتلىً بذنب، فيحتاج إلى الاستغفار والتوبة، فهذه الثلاث عنوان السعادة؛ إذا كان الإنسان يصبر عند البلاء، ويشكر عند النعمة والرخاء، ويتوب عند الذنب، عند إلمامه بالذنب، فهذه علامات سعادته، وكذلك الرضا بمُر القضاء، والصبر والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء كل هذه أعمالٌ عظيمة من أعمال، من أعمال الإيمان.

ولهذا قال: "فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا مِنْ صِدْقِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ يعني هذه أعمال عظيمة، من يأتي بهذه الأعمال لا شك أنه، ويؤديها حق أدائها، فلا شك أن هذا يدلُّ على علمٍ وحكمة، ولهذا قال: عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا مِنْ صِدْقِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ.

فَقَالَ ﷺ وَأَنَا أَزِيدُكُمْ خَمْسًا فَتَتِمُّ لَكُمْ عِشْرُونَ خَصْلَةً: إنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ، يعني: الإنسان عليه أن يجمع كما جاء في الحديث: يا ابن آدم، إنك إنْ تُمسِك الفضلَ شرٌّ لكَ، وإنْ تنفقه خيرٌ لكَ([26]) أو كما قال عليه الصلاةُ والسلام.

فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ يعني يكون بقدر الحاجة، وَلَا تُنَافِسُوا فِي شَيْءٍ أَنْتُمْ عَنْهُ غَدًا تَزُولُونَ وَعَنْهُ مُنْتَقِلُونَ وهي الدنيا،  وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُرْجَعُونَ أصل التقوى توحيد الله وإخلاص الدين لله، وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تَقْدُمُونَ وَفِيهِ تُخَلَّدُون وهي الجنة، وثواب الله .

ثم بيَّن المؤلف رحمه الله الشاهد من الحديث، قال: "فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْخَمْسِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فَجَعَلُوهَا الْإِسْلَامَ؛ وَالْخَمْسِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا فَجَعَلُوهَا الْإِيمَانَ" ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا" كلها تدل على أن الأعمال الظاهرة هي الإسلام، والأعمال الباطنة هي الإيمان، نعم.

(المتن)

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَة عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ قَالَ: أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَيَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِك وَيَدِك قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْهِجْرَةُ قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ؟ قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْجِهَادُ قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: أَنْ تُجَاهِدَ الْكُفَّارَ إذَا لَقِيتهمْ وَلَا تَغُلَّ وَلَا تَجْبُنْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا قَالَهَا ثَلَاثًا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ: أَوْ عُمْرَةٌ» وَقَوْلُهُ: هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَيْ بَعْدَ الْجِهَادِ؛ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَمَلَانِ([27]).

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْإِيمَانَ خُصُوصًا فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامَ أَعَمَّ مِنْهُ كَمَا جَعَلَ الْهِجْرَةَ خُصُوصًا فِي الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانَ أَعَمَّ مِنْهَا وَجَعَلَ الْجِهَادَ خُصُوصًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْهِجْرَةَ أَعَمَّ مِنْهُ.

(الشرح)

نعم، وهذا الحديث يدلُ على ما دلت عليه الأحاديث السابقة كما ذكرها المؤلف، أن الإسلام هو الأعمالُ الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عمرو بن عبسة بلفظٍ مُقارِب.

وهنا يقول: "وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإمام أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَة عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ" فيه مُبهم، ولعل له طريق أخرى يُسمى فيها المبهم، وإن لم يعلم في سنده مبهم، فإنه يكون ضعيفًا.

"عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ قَالَ: أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَيَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِك وَيَدِك. فجعل الإسلام أعمالٌ ظاهرة، أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَك لِلَّهِ وَيَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِك وَيَدِك قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ جعل الإيمان هنا، جعل الإيمان خصوصًا بالإسلام، يعني أخص من الإسلام، ولهذا قال: "فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ففسر الإسلام بالأمور الباطنة، قال: قَالَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْهِجْرَةُ، فجعل الهجرة أخص من الإيمان، قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ؟ قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فجعل الجهاد أخص من الهجرة، قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: أَنْ تُجَاهِدَ الْكُفَّارَ إذَا لَقِيتهمْ وَلَا تَغُلَّ وَلَا تَجْبُنْ. لا تغل يعني لا تأخذ شيئًا من الغنيمة حفية قبل أن تُقسم، ولا تجبن يعني تتأخر عن، عن الإقدام.

"ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا قَالَهَا ثَلَاثًا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ: أَوْ عُمْرَةٌ، والشاهد من الحديث كما بيَّن المؤلف رحمه الله أنه جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، وجعل الإيمان أخص من الإسلام، والهجرة أخص من الإيمان، والجهاد أخص من الهجرة، فيكون الجهاد خصوصٌ من خصوصٌ من خصوص من خصوص.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَيْ بَعْدَ الْجِهَادِ" يعني يقصد الحج والعمرة، "لِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَمَلَانِ.

 فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْإِيمَانَ خُصُوصًا فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامَ أَعَمَّ مِنْهُ كَمَا جَعَلَ الْهِجْرَةَ خُصُوصًا فِي الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانَ أَعَمَّ مِنْهَا وَجَعَلَ الْجِهَادَ خُصُوصًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْهِجْرَةَ أَعَمَّ مِنْهُ" فيكون الجهاد أخص من الهجرة، والهجرة أخص من الإيمان، والإيمان أخص من الإسلام، نعم.


([1]) – جزء من حديث جبريل الطويل الذي أخرجه مسلم رقم (8) من حديث عمر .

([2]) – سبق تخريجه () .

([3]) – أخرجه أحمد رقم (12381) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 52):"رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون.

([4]) – سبق تخريجه () .

([5]) – سبق تخريجه () .

([6]) – سبق تخريجه () .

([7]) – سبق تخريجه () .

([8]) – أخرجه أحمد رقم (19435)،وعبد بن حميد رقم(300) والبيهقي في الشعب رقم (9262) وضعفه الحافظ السيوطي في الجامع الصغير رقم (1244). قلت :ولبعض الفاظه شواهد صحيحة.

([9]) – سبق تخريجه

([10]) – سبق تخريجه ()

([11]) – أخرجه من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده رقم (1854)،والبيهقي في الشعب رقم (9260) قال الحافظ العراقي  في تخريج أحاديث الإحياء (ص: 1148) فيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور.

([12]) – سبق

([13]) – سبق

([14]) – أخرجه أحمد رقم (20011) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (403)، وابن حبان "الإحسان" رقم (160) عن معاوية بن حيدة حديث حسن لأجل الكلام في بهز بن حكيم وقد توبع ، وصححه الحاكم في المستدرك 4/ 643 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .(يحرر)

([15]) –أخرجه من هذا الوجه النسائي رقم (2568)، وأحمد رقم (20043)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (401) عن معاوية بن حيدة .

([16]) – أخرجه من هذا الوجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (404) ، والطبراني في الأوسط (6402مطولًا) عن معاوية بن حيدة

([17]) – سبق تخريجه

([18]) – سبق

([19]) – سبق

([20]) – 0 سبق 0

([21]) – 0 سبق 0

([22]) – 00 سبق 0

([23]) – أخرجه محمد المروزي في تعظيم قدر الصلاة (406)،والبيهقي في الشعب(4009) 

([24]) – سبق

([25]) – أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/279)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/198 - 201) من طريق علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي، عن أبيه عن جده سويد بن الحارث. قال الذهبي في الميزان علقمة بن يزيد بن سويد عن أبيه عن جده لا يعرف أتى بخبر منكر لا يخبر به هـ " ميزان الاعتدال " (3/108)

([26]) – أخرجه مسلم رقم (1036) والترمذي رقم (2343) من حديث أبي أمامة   بلفظ يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ولفظه "

([27]) – أخرجه أحمد رقم (17027) ، وعبد بن حميد في مسنده رقم (301)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (392) عن عمرو بن عبسة . قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 207) "رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد