شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_35 من قوله وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا - إلى وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ فِي مَالِهِ

شرح كتاب الإيمان الكبير_35 من قوله وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا - إلى وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ فِي مَالِهِ

00:00
00:00
تحميل
18

(المتن):

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا؛ وَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَرْتَبْ وَجَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ تَقُمْ بِقَلْبِهِ الْأَحْوَالُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِيمَانِ فَهُوَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ الرَّسُولُ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّصْدِيقِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَإِلَّا فَالتَّصْدِيقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إيمَانًا الْبَتَّةَ بَلْ هُوَ كَتَصْدِيقِ فِرْعَوْنَ وَالْيَهُودَ وَإِبْلِيسَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَى الْجَهْمِيَّة.

(الشرح):

فإن المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرر ما قرره أهل السنة والجماعة مِن أن الإيمان ينقص ويضعف بالمعاصي، وإن المعاصي وإن عظُمَت، وإن كثرت، لا تُخرج الإنسان مِن دائرة الإيمان، بل يبقى معه أصل الإيمان، ولكن يزول عنه كمال الإيمان، ولهذا فإنه لا يُطلق عليه اسم الإيمان إلا بقيد، وذكر المؤلف وغيره أدلةً كثيرة لهذا، سبق شيءٌ منها فيما ما مضى مِن الحلقات.

 يقول المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا" يعني لا يكون مؤمنًا حقًّا، "وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا" يعني مؤمنًا حقًّا، يعني مؤمنًا كامل الإيمان، وإلا فإنه يكون، يدخل في دائرة الإيمان وإن حصل عنده ضعف في محبة الله ورسوله، "وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا" يعني حقًّا "حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا" يُشير إلى حديث أنس رحمه الله مُخرَّج في الصحيحين، وهو قوله ﷺ: ثَلاثٌ مِنْ كُنَّ فِيه وَجَدَ حَلاَوَةَ الْإيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيه مِمَّا سَوَّاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْه، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ([1])

 يقول المؤلف رحمه الله: "وَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَرْتَبْ وَجَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" يعني وإنما المؤمن كامل الإيمان، المؤمن حقًّا، "الْمُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَرْتَبْ" يعني مَن لم يكن عنده ريب وشك في إيمانه، "وَجَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ" هذا هو المؤمن حقًّا، يشير إلى آية الحجرات، وهي قول الله، يشير المؤلف رحمه الله إلى آية الحجرات وهي قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15]، هؤلاء هم الصادقون في إيمانهم، أما مَن لم تتوفر فيه هذه الصفات، فهو ليس صادقًا في إيمانه ولكن عنده أصل الإيمان.

 قال المؤلف رحمه الله: "فَمَنْ لَمْ تَقُمْ بِقَلْبِهِ الْأَحْوَالُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِيمَانِ فَهُوَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ الرَّسُولُ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْإِيمَانِ" يعني يقول المؤلف مَن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة وهي كمال المحبة لله ورسوله، والإخلاص، حق الإخلاص، والتوكل على الله، مَن لم تقم بقلبه هذه الحقائق، هذا يُنفى عنه الإيمان، يعني يُنفى عنه كمال الإيمان الواجب، وإن كان معه أصل الإيمان.

 كما نفى النبي ﷺ الإيمان عن الزاني والسارق، لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([2]) ، كما نُفي الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ([3])  كما نُفي الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه، وهكذا، فهؤلاء نُفي عنهم الإيمان وإن كان معهم التصديق.

 قال المؤلف رحمه الله: "وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّصْدِيقِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَإِلَّا فَالتَّصْدِيقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إيمَانًا الْبَتَّةَ" يعني لا يكفي مجرد التصديق، لابد أن يكون معه، لابد أن يكون مع التصديق شيء مِن حب الله ورسوله، وخشية الله، وإذا وُجد شيءٌ مِن محبة الله ورسوله وخشية الله، فإن، فإن هذه حركة في القلب تبعث على العمل، لابد مِن هذا، أما التصديق المجرد فقط، هذا هو الإقرار، وهذا هو قول الجهمية، وهو باطل.

فالمؤلف رحمه الله يُقرر ما دلت عليه النصوص، مِن أن التصديق في الإيمان لا يكون مجردًا، بل لابد أن يكون معه شيءٌ مِن محبة الله ورسوله وخشيته، وإذا كان معه شيءٌ مِن محبة الله ورسوله فلابد أن يحركه حركه عن العمل، يعمل، أما إذا لم يكن معه شيءٌ مِن حب الله ورسوله، فإنه يكون تصديقًا مجردًا وهذا لا يكون إيمانًا، إلا عند الجهم، وهذا مذهبٌ باطل، مِن أفسد ما قيل في تعريف الإيمان قول الجهم: أنه مجرد التصديق، أو مجرد المعرفة، ومجرد التصديق ومجرد المعرفة موجودٌ عند اليهود، وعند النصارى، وعند إبليس، وهؤلاء رؤوس الكفَرة نعوذ بالله.

 ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَمَنْ لَمْ تَقُمْ بِقَلْبِهِ الْأَحْوَالُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِيمَانِ فَهُوَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ الرَّسُولُ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّصْدِيقِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَإِلَّا فَالتَّصْدِيقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إيمَانًا الْبَتَّةَ" يعني ليس إيمانًا شرعيًا، "بَلْ هُوَ كَتَصْدِيقِ فِرْعَوْنَ وَالْيَهُودَ وَإِبْلِيسَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَى الْجَهْمِيَّة" يعني التصديق المجرد.

 فالمؤلف رحمه الله يبين أن الإيمان ليس تصديقًا مجردًا، بل لابد أن يكون معه شيءٌ في القلب مِن حب الله ورسوله وخشيته، وهذا الحب والخشية لابد أن يحركه على العمل، فالمؤلف رحمه الله يرى أنه لابد مِن التلازُم بين ما في القلب وما في الجوارح، الشخص الذي ليس عنده، ليس عنده حركةٌ في القلب، وليس عنده شيءٌ مِن العمل لا يكون مؤمنًا، لأن مجرد التصديق ومجرد الإقرار لا يكون إيمانًا، بل هذا هو تصديق فرعون، وتصديق إبليس، وتصديق الجهمية،  وتصديق اليهود والعياذ بالله، نعم.

(المتن):

قَالَ الحُمَيْدِيّ: سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ: أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ. وَالْجَهْمِيَّة يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: وَهَذَا كُفْرٌ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الكلابي: سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ: الْجَهْمِيَّة شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ: الْمُرْجِئَةُ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْإِقْرَارُ يُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ؛ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ هَلَكَ؛ وَمَنْ قَالَ: النِّيَّةُ تُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ فَهُوَ كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ جَهْمٍ وَكَذَلِكَ قَال أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ.

وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ شَعَائِرِ السُّنَّةِ، وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي " الْأُمِّ ": وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِالْآخَرِ.

وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ - فِي " مَنَاقِبِهِ " -: سَمِعْت حَرْمَلَةَ يَقُولُ: اجْتَمَعَ حَفْصٌ الْفَرْدُ وَمِصْلَان الإباضي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي دَارِ الجروي فَتَنَاظَرَا مَعَهُ فِي الْإِيمَانِ فَاحْتَجَّ مِصْلَان فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وخالفه حَفْصُ الْفَرْدُ فحمي الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قولٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَطَحَنَ حَفْصًا الْفَرْدَ وَقَطَّعَهُ.

 وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الطلمنكي بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ قَالَ: أَمْلَى عَلَيْنَا إسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا وَإِنَّمَا عَقِلْنَا هَذَا بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ الْعَامَّةِ الْمُحْكَمَةِ؛ وَآحَادِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّابِعِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ الأوزاعي بِالشَّامِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِالْعِرَاقِ؛ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِالْحِجَازِ وَمَعْمَرٍ بِالْيَمَنِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

(الشرح):

نعم، المؤلف رحمه الله نقل نقول عن العلماء والأئمة في بيان مذهب أهل لسنة والجماعة في الإيمان، وأن الإيمان لا يكفيه مجرد التصديق بالقلب، وأنه لابد فيه مِن قولٍ وعمل، وأن القول بأن الإيمان هو مجرد الإقرار أو مجرد التصديق أن هذا قول الجهمية، وأن السلف أنكروه عليه.

فنقل: قال: "قَالَ الحُمَيْدِيّ: سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ: أَهْلُ السُّنَّةِ" وكيع هذا شيخ الإمام الشافعي وشيخ الإمام أحمد بن حنبل، "يَقُولُ: أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ. وَالْجَهْمِيَّة يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: وَهَذَا كُفْرٌ" فالحُميدي رحمه الله نقل عن الوكيع أنه قال: أهل السنة يقولون: الإيمان قولٌ وعمل، الإيمان قولٌ وعمل، والمرجئة يقول: الإيمان قول، يعني قول القلب وتصديقه فقط.

 والجهمية يقولون: الإيمان معرفة، المعرفة: يعني مجرد المعرفة، الجهمية يقولون: مَن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، فالمعرفة، الإيمان، معرفة الرب بالقلب، والكفر: جهل الرب بالقلب، وهذا مِن أفسد ما قيل، والمرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق لكن قد يضمون إلى هذا قول اللسان، وهم مرجئة الفقهاء، قد بين رحمه، المؤلف رحمه الله أن، في موضعٍ آخر أنه يَعسُر التفريق بين مَن قال: الإيمان هو التصديق المجرد، وبين المعرفة.

فالتصديق المجرد هو المعرفة، لا فرق بينهما، كما بيَّن المؤلف رحمه الله، وفي هذه ونقل، "وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ" قال: "وَهَذَا كُفْرٌ" هذا في تكفير وكيع للجهمية الذين يقولون: الإيمان هو المعرفة، والمرجئة الذين يقولون: هو الإيمان، هو مجرد القول.

ثم نقل أيضًا عن وكيع، "قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الكلابي: سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ" يقول: يعني نقل آخر عن وكيع أنه قال: "الْجَهْمِيَّة شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ" الجهمية الذين يقولون: الإيمان مجرد المعرفة، شرٌّ مِن القدرية الذين يقولون: إن العباد خالقون يخلقون أفعالهم، لأن القدرية معظمون للشريعة، ويقولون: أن الأعمال لابد منها، وأن العمل لابد منه، وأن الإنسان يُجازى بعمله.

 فلهذا قال وكيع رحمه الله: إن "الْجَهْمِيَّة شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ" فالجهمية يقولون: الإيمان هو مجرد المعرفة في القلب، ولا يوجبون شيئًا مِن الأعمال، ولا يدخلونه في مسمى الإيمان، بخلاف القدرية، فإنهم وإن كان قولهم خطأ في قولهم: إن العباد، إن العباد خالقون لأفعالهم إلا أن هم يقولون: إن الأعمال لابد منها في الإيمان، وأن العمل لابد منه، ثم أيضًا نقَل نقْل آخر، نقَل نقلًا آخر، فقال: " قَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ: الْمُرْجِئَةُ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْإِقْرَارُ يُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ؛ وَمَنْ قَالَ هَذَا" هلك.

 يعني بين وكيع رحمه الله أن المرجئة هم الذين يقولون: الإقرار يجزئ عن العمل، يكفي الإقرار الذي في القلب، الإقرار هو التصديق بالقلب، يكفي عن العمل، يُجزئ عن العمل، يقول: مَن قال هذا فقد هلك، ثم قال: "وَمَنْ قَالَ: النِّيَّةُ تُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ فَهُوَ كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ جَهْمٍ وَكَذَلِكَ قَال أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ" يعني مَن قال: النية تكفي عن، تجزئ عن العمل، يكفي بالنية، يعني يكفي أنه، أن، النية يعني أنه مصدق، مصدقٌ بقلبه ونيته الإيمان والتصديق، ويكتفي بذلك عن العمل، يقول: هذا "كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ جَهْمٍ"، الجهم يكتفي بالنية، وهي التصديق، مجرد الإقرار.

 ثم قال: إن هذا القول: القول بأنه " كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ جَهْمٍ" هذا أيضًا رُوي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

 ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ شَعَائِرِ السُّنَّةِ" يعني أن أهل السنة الذي قولهم في الإيمان يمتازون به عن أهل البدع، وهو أنهم يقولون: الإيمان قولٌ وعمل، أنهم يدخلون الأعمال في مُسمى الإيمان، هذا من قول أهل السنة ومن شعائر أهل السنة.

 قال المؤلف: "وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ".

قال: "وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي " الْأُمِّ ": وَكَانَ الْإِجْمَاعُ" قال الشافعي: "وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِالْآخَرِ"، فالشافعي نقل في كتابه الأم إجماع العلماء على أنه لابد مِن الأمور الثلاثة في الإيمان: القول، وهو قول القلب وقول اللسان، والعمل، والنية، "لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِالْآخَرِ".

ثم ذكر المؤلف رحمه الله، نقل عن بن أبي الحاتم في مناقبه انه يقول: "سَمِعْت حَرْمَلَةَ يَقُولُ: اجْتَمَعَ حَفْصُ الْفَرْدُ" حفص الفرد هذا مِن الذين يقولون: بالجبر، مِن المجبرة، "وَمِصْلَاق الإباضي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي دَارِ الجروي فَتَنَاظَرَا مَعَهُ فِي الْإِيمَانِ فَاحْتَجَّ مِصْلَاق" في الزيادة والنقصان ،يعني مصلاق أحسن مِن حفص الفرد، احتج على حفص الفرد في الزيادة والنقصان، وأن الإيمان يزيد وينقص.

 وأما حفص الفرد يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإنما هو قول، مجرد القول، واحتج حفص الفرد في أن الإيمان، قول، "فعلا حفصٌ مصلاق وقوي عليه" يعني أنه انتصر عليه في الحجة، انتصر حفص الفرد على مصلاق، مصلاق يقول: بأن الإيمان يزيد وينقص، وحفص يقول: الإيمان قول فقط، لا يزيد ولا ينقص، فلما انتصر حفص الفرد على مصلاق، وضعُف مصلاق عن دفع حجة حفص الفرد، قام الشافعي رحمه الله، وانتصر لمصلاق.

 وتقلد المسألة، ثم قرر أن الإيمان يزيد وينقص، يعني قرر بالأدلة مِن الكتاب والسنة، حتى غلب حفصًا، وغمره، غلبه بالحجة فسقط، ولذلك قال: عبًر قال: "فَطَحَنَ حَفْصًا الْفَرْدَ وَقَطَعَهُ"، يعني انتصر عليه وغلبه، ولم تقم لقوله قائمة، وليس له حجةٌ معروفة.

 ثم أيضًا روى المؤلف رحمه الله أيضًا، عن الإسحاق بن راهُويَة قال: "وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الطلمنكي بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ قَالَ: أَمْلَى عَلَيْنَا إسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه" وهو الإمام المحدث المعروف، وهو قرين الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه قال: "أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا" فهذا بيان مِن هذا الإمام رحمه الله إسحاق بن راهوية أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة قاطبة.

قال: "وَإِنَّمَا عَقَلْنَا هَذَا بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ الْعَامَّةِ الْمُحْكَمَةِ"، يعني إنما قلنا أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، وذلك عملًا بالأدلة والنصوص مِن الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

قال: "وَآحَادِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّابِعِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا عَلَى ذَلِكَ" يعني آحاد الصحابة، أفراد الصحابة والتابعين كلهم على هذا، كلهم يقررون أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، "وَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ" كذلك أيضًا العلماء والأئمة بعد التابعين كلهم يقررون الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

 قال المؤلف رحمه الله: "وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ الأوزاعي بِالشَّامِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِالْعِرَاقِ؛ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِالْحِجَازِ وَمَعْمَرٍ بِالْيَمَنِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ" يبين المؤلف رحمه الله أن هذا هو ما قرَّه أهل السنة وما قرَّه الأئمة بعد التابعين، في جميع الأمصار، في الشام في عهد الأوزاعي إمام أهل الشام قرر أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وكذلك سفيان الثوري في العراق قرر أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، ومالك بن أنس في الحجاز إمام دار الهجرة قرر أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، ومعمر كذلك في اليمن قرر أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فدل على أنه هذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

(المتن):

"وَقَالَ إسْحَاقُ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى الْمَغْرِبِ، وَالْمَغْرِبِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ تَرْكُهَا لَا يَكُونُ كُفْرًا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ - يَعْنِي تَارِكَهَا. وَقَالَ ذَلِكَ - وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَقَالَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ قَالَ: وَاتَّبَعَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ عَصْرِنَا هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ إلَّا مَنْ بَايَنَ الْجَمَاعَةَ وَاتَّبَعَ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ لَمَّا بَايَنُوا الْجَمَاعَةَ".

(الشرح):

وهذا نقل أيضًا عن إسحاق بن راهوية رحمه الله، وهو إمام كما سبق في الحديث وفي الفقه، قال: "مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُها فهو كافر" ترك الظهر إلى المغرب، لأن الظهر تُجمع مع العصر فيكون وقتهما واحدًا للمسافر والمريض، وكذلك المغرب والعشاء وقتهما واحد للمسافر والمريض، فقال: " مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُها" يعني وقت الظهر وإلى ما يُضم، يُجمع إليها وهي العصر، إلى المغرب، والمغرب إلى نصف الليل فإنه كافرٌ بالله العظيم، يُستتاب ثلاثًا فإن لم يرجع وقال: تركها لا يكون كفرًا ضُربت عنقه، يعني تاركها، وهذا دليلٌ على أي شيء؟

دليلٌ على أن العمل لابد منه، وهو خلاف قول الجهمية الذين يقولون: أن العمل ما يؤثر، الجهمية يقولون: لو ترك الصلاة فلا يؤثر في إيمانه، الإيمان هو التصديق، وإسحاق، الإمام إسحاق بن راهوية يقول: مَن ترك، لابد مِن العمل، فالذي يدَّعي أنه مصدقٌ بقلبه ولكنه لا يصلي يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل، يُقتل؛ لأنه أخل بالإيمان الذي هو تصديقٌ وعمل، ولهذا قال إسحاق رحمه الله: "يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ تَرْكُهَا لَا يَكُونُ كُفْرًا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ - يَعْنِي تَارِكَهَا. وَقَائلَ ذَلِكَ".

 يقول المؤلف: "وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَقَالَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ" يعني إذا قال ذلك وصلى، قال: الصلاة، ترك الصلاة لا يكون كفرًا إذا كان مصدقًا فهذه مسألة اجتهادية، مسألة اجتهاد، لأن كثيرًا مِن الفقهاء المتأخرين يرون أن ترك الصلاة لا يكون كفرًا إذا كان يصلي، هو لا يترك الصلاة، لكن يصلي ولكن يرى أن تركها ليس كفرًا أكبر، ولكنه كفر أصغر، فهذه قول في العلماء المتأخرين، وإن كان الصواب انه يكون كفرًا وإن لم يجحد وجوبها كما نقل إجماع الصحابة على ذلك عبد الله بن الشقيب العقيلي، التابعي الجليل، قال: كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا تركه كفر غير الصلاة.

 هذا، وكذلك نقل هذا ابن حزم، ونقله أيضًا إسحاق، إسحاق بن راهوية أيضًا، هذا ادَّع مِن الصحابة، أما المتأخرون فإنهم اختلفوا في هذا، فذهب بعضهم إلى مَن كفَر تكون كفرًا أكبر، كونه مشهور مِن مذهب الإمام أحمد والشافعي وأبي حنيفة، والقول الثاني أنه يكون كفرًا أكبر، كما أجمع عليه الصحابة وهو رواية عن الإمام أحمد وأحد الوجهين في المذهب الشافعي، وقول يزيد بن حبيب مِن المالكية، وغيرهم مِن أهل العلم.

 والمؤلف رحمه الله يفرق بين مَن ترك الصلاة، وبين مِن فعلها ثم قال: إنها لا، إن تركها لا يكون كفرًا، قال: فمن ترك الصلاة هذا يكون كافرًا؛ لأنه ما عمل، واكتفى بمجرد التصديق، والإيمان ليس هو التصديق؛ لأنه زال عنه الإيمان، وأما مَن صدق وصلى ولكن قال: أن ترك الصلاة لا يكون كفرًا، هذه مسألة اجتهادية، لأن العلماء والفقهاء المتأخرون اختلفوا في كفر تارك الصلاة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ قَالَ: وَاتَّبَعَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ عَصْرِنَا هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ إلَّا مَنْ بَايَنَ الْجَمَاعَةَ وَاتَّبَعَ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ لَمَّا بَايَنُوا الْجَمَاعَةَ" مَن خالف المسلمين، وخالف جماعة المسلمين، واتبع الأهواء والبدع المختلفة ف هؤلاء لا عبرة بهم.

(القارئ): شيخ عبد العزيز فيما يلي تسمية للقائلين بالإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، هل ترون أن قراءة الأسماء كاملةً يا شيخ عبد العزيز؟

(الشيخ): إي نعم نفصلها نعم.

(المتن):

"قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْإِمَامُ - وَلَهُ كِتَابٌ مُصَنَّفٌ فِي الْإِيمَانِ قَالَ -: هَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ كَانَ يَقُولُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عُبَيْدُ بْن عُمَيْرٍ الليثي ،عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ؛ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ؛ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جَرِيحٍ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ".

(الشرح):

المؤلف رحمه الله نقل عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام والإمام له كتاب في الإيمان، وله كتاب في الأموال، ولهذا قال المؤلف: "وَلَهُ كِتَابٌ مُصَنَّفٌ فِي الْإِيمَانِ" سمَّى مَن قال: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، يعني سرد أسماء مَن قال: بأن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، مِن جميع الأمصار، مِن أهل مكة ومِن أهل المدينة ومِن أهل اليمن، مِن أهل مصر، مِن أهل الشام، مِن أهل الكوفة، مِن أهل البصرة، مِن أهل واسط، مِن أهل المشرق، نقل ليبين أن العلماء مِن جميع الأمصار كلهم مجمعون على أن العمل لابد منه في مسمى الإيمان وأن الإيمان قولٌ وعمل، فنقل عن أهل مكة، نقل أسماء التي سمعناها عبيد بن عمير وعطاء ومجاهد وعمرو بن دينار وأبو نجيح وغيرهم، ثم سيسرد أيضًا أسماء أهل العلم مِن أهل المدينة.

 (المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزَّهْرِيُّ، رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ ،سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف، يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمْرِي،ُّ مَالِكُ بْنُ أَنَس، مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْب ،سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَال، عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الماجشون - ،عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ".

(الشرح):

هذه أسماء العلماء مِن أهل المدينة الذين يقولون: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، سردها أبو عبد القاسم بن سلَّام رحمه الله في كتابه الإيمان.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: طَاوُوسٌ الْيَمَانِيُّ، وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد، عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ".

(الشرح):

هؤلاء مِن أهل اليمن الذين قالوا: إن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، ما هو طاووس اليماني، هذا ابن كيسان التابعي الجليل، وهب بن منبه ومعمر بن راشد وعبد الرزاق بن همام رحمه الله المصنف المعروف نعم.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْل مِصْرَ وَالشَّامِ: مَكْحُولٌ ،الأوزاعي، سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ،يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأيلي ،يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، يَزِيدُ بْنُ شريح، سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، حيوة بْنُ شريح، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ".

(الشرح):

هذا، هؤلاء العلماء مِن أهل مصر والشام على رأسهم مكحول والأوزاعي وهما معروفان، مكحول تابعي معروف والأوزاعي إمام معروف، وكذلك مِن بعدهم كل هؤلاء يقولون: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

المتن

"وَمَنْ سَكَنَ الْعَوَاصِمَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْجَزِيرَةِ: مَيْمُونُ بْنُ مهران، يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرقي، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَالِكٍ، المعافي بْنُ عِمْرَانَ، مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِي، أَبُو إسْحَاقَ الفزاري، مخلد بْنُ الْحُسَيْنِ، عَلِيُّ بْنُ بكار، يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ".

(الشرح):

هذه أسماء العلماء الذين سكنوا العواصم وغيرها مِن الجزيرة، جزيرة في العراق، الذين يقولون: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

عبيدُ الله بن عمرو، القاعدة أن اللام، لام لفظ الجلالة إذا سبقها ضمة، أو فتحة تُفخم، عبيد الله، وإذا سبقها كسرة ترقق، ابن عبدِ الله، نعم، عبيدُ الله بن عمرو.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: عَلْقَمَةُ، الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو وَائِلٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْم ،عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي، الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، سَلَمَةُ بْنُ كهيل، مُغِيرَةُ الضبي، عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، أَبُو حَيَّانَ، يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، سُلَيْمَانُ بْنُ مهران الْأَعْمَشُ، يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ، أَبُو الْمِقْدَامِ، ثَابِتُ بْنُ الْعَجْلَانِ، ابْنُ شبرمة، ابْنُ أَبِي لَيْلَى، زُهَيْرٌ، شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، أَبُو الْأَحْوَصِ، وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَبُو أُسَامَةَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ، زَيْدُ بْنُ الحباب، الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الجعفي، مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العبدي، يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَمُحَمَّدٌ وَيَعْلَى وَعَمْرُو بَنُو عُبَيْدٍ".

(الشرح):

هذه أسماء العلماء مِن أهل الكوفة وعلى رأسهم علقمة المعروف تابعوه، وأبو وائل، ثم سرد المؤلف رحمه الله أسماء العلماء كل هؤلاء يقولون: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

وهذا كله يدل على بطلان مذهب المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو مجرد التصديق، وأنه لم يوافقهم على ذلك أحدٌ مِن أهل العلم.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ ،مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِين، قتادة ابْنُ دِعَامَةَ ،بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المزني، أَيُّوبُ السختياني، يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، سُلَيْمَانُ التيمي، هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ الدستوائي، شُعْبَةُ ابْنُ الْحَجَّاجِ، حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو الْأَشْهَبِ، يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَبُو عَوَانَةَ، وهيب بْنُ خَالِدٍ، عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التيمي، يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، يَزِيدُ بْنُ زريع، الْمُؤَمِّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي".

(الشرح):

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن المؤلف رحمه الله قرر فيما سبق مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وقال: إن هذا هو مذهب أهل السنة قاطبة، ونقل عن العلماء نقولًا كثيرة.

 ومن ذلك ما نقله عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام في كتابه الإيمان، فإن أبا عبد القاسم بن سلام سمى مَن كان يقول: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص، سبق في الحلقة الماضية سرد أسماء مَن يقول ذلك مِن أهل مكة، ومن أهل المدينة، ومن أهل اليمن، ومن أهل مصر، وممن سكن العواصم مِن أهل الكوفة، وهنا أيضًا نقل عن أهل البصرة، نقل منهم قتادة بن دعامة السدوسي التابعي الجليل مِن أهل البصرة، ومنهم شعبة بن الحجاج كذلك أيضًا أمير المؤمنين في المحدثة، في المحدثين، ومنهم عبد الرحمن بن مهدي الإمام المشهور، وغيرهم مِن أهل البصرة كلهم يقولون: أن الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ وَاسِطٍ: هشيم بْنُ بَشِيرٍ، خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ،عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، صَالِحُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ".

(الشرح):

فهؤلاء علماء أهل واسط، يقولون: الإيمان قولٌ وعمل يزيد وينقص.

(المتن):

"وَمِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ: الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ، أَبُو جَمْرَةَ، نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، النَّضْرُ بْنُ شميل، جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضبي".

(الشرح):

هؤلاء مِن علماء أهل المشرق يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

(المتن):

"قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَنَا".

(الشرح):

صدق أبو عبيد رحمه الله، أن هؤلاء كلهم جمعًا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهو قول أهل السنة، المعمول به قديمًا وحديثًا، أهل السنة كلهم على هذا، وهم أتباع الرسل مِن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

(المتن):

"قُلْت: ذَكَرَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلًا فِيهِمْ أَكْثَرَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَاحْتَاجَ عُلَمَاؤُهَا أَنْ يُظْهِرُوا إنْكَارَ ذَلِكَ فَكَثُرَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ كَمَا أَنَّ التَّجَهُّمَ وَتَعْطِيلَ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهِ مِنْ خُرَاسَانَ كَثُرَ مِنْ عُلَمَاءِ خُرَاسَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الْجَهْمِيَّة مَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي بَلَدِهِ وَلَا سَمِعَ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ: إنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ يَكَادُ بِهَا الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِعَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ؛ فَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْمَجَالِسَ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى أَهْلِهَا([4])  أَوْ كَمَا قَالَ".

(الشرح):

المؤلف رحمه الله عقَّب ما ننقله من، عن أبي عبيد القاسم بن سلام مِن العلماء، علماء الأمصار المختلفة، أهل الكوفة، أهل البصرة، أهل واسط، ومن أهل المدينة، ومن أهل مكة وغيرهم، عقَّب المؤلف شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله قال: "قُلْت: ذَكَرَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلًا فِيهِمْ أَكْثَرَ" يعني شيخ الإسلام يقول: إن عبيد القاسم بن سلام ذكر مِن أهل الكوفة مِن العلماء الذين يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص أكثر مما ذكر مِن غيرهم، أكثر مما نقل عن أهل البصرة، وأكثر مما نقل أهل المدينة، وأكثر مما نقله مِن أهل مصر، وأكثر مما نقل ممن سكن العواصم.

 لأنه نقل عددا كبيرا، لو عدنا نعده وجدناه يقرب مِن الثلاثين، والسبب في ذلك، بيَّن المؤلف السبب، السبب أن الإرجاء كان في أهل الكوفة، كان أول مَن قال: أول مَن قال: الإيمان تصديٌ وقول هو حماَّد بن أبي سليمان، وهو شيخ الإمام أبي حنيفة هو أول مَن قال: بالإرجاء، فلما كان أو ل مَن قال بذلك مِن أهل الكوفة، نقل مِن أهل الكوفة مِن العلماء أكثر مِن غيرهم، حتى يبينوا إنكار هذا الذي ابتدعه أهل الكوفة.

 بعض أهل الكوفة ممن يقولون بالإرجاء، وإن كانوا مِن أهل السنة ويوافقوا أهل السنة في المعنى، إلا أن موافقة النصوص في اللفظ والمعنى ينبغي، أولى مِن موافقتها في المعنى فقط؛ لأنه يجب التأدب مع النصوص، فحماد بن أبي سليمان، شيخ الإمام أبي حنيفة، وأبو حنيفة كلهم يقولون: الإيمان قولٌ وتصديق، تصديقٌ وقول، تصديق وإقرار باللسان، ولم يدخلوا الإيمان في مسمى الإيمان لكن يقولون: إن الأعمال مطلوبة، فهم يوافقون جمهور أهل السنة في المعنى.

 لكن مع ذلك ينبغي موافقة النصوص في اللفظ والمعنى، ولهذا أبو عبيد القاسم بن سلام نقل عن أهل الكوفة مِن العلماء العدد الكثير، أكثر مما نقله عن أهل البصرة، وأهل الشام، وأهل مصر، وأهل المدينة، ليبين، يقول المؤلف: " قُلْت: ذَكَرَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلًا فِيهِمْ أَكْثَرَ" ونظير ذلك، ذكر المؤلف لذلك نظير، قال: ونظير ذلك: "كَمَا أَنَّ التَّجَهُّمَ وَتَعْطِيلَ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهِ مِنْ خُرَاسَانَ كَثُرَ مِنْ عُلَمَاءِ خُرَاسَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الْجَهْمِيَّة مَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي بَلَدِهِ وَلَا سَمِعَ بِهَا".

 يعني لما حدثت هذه البدعة، وإن كانت بدعة في اللفظ، بدعة القول بالإرجاء، لما ظهرت في أهل الكوفة، احتاج العلماء إلى أن يظهروا الإنكار عليهم أكثر مِن غيرهم، "كَمَا أَنَّ التَّجَهُّمَ وَتَعْطِيلَ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهِ مِنْ خُرَاسَانَ" احتاج علماء خراسان وكثُر فيهم مَن ينكر على الجهمية.

ثم نقل المؤلف رحمه الله: " كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ: إنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ يَكَادُ بِهَا الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِعَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ؛ فَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْمَجَالِسَ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى أَهْلِهَا([5])  أو كما قال".

 هذا الحديث ذكر المحقق أنه رواه يحيى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وأن في سنده شيخ زكريا عبد السلام بن صالح، قال الحافظ العراقي: لمن أراد أن يتكلم في زكريا بالضعف، وإنما الآفة مِن شيخه عبد السلام بن صالح، وإن كان في سند هذا المقال، إلا أن معناه صحيح، وقد يكون له شواهد.

والمؤلف رحمه الله إمام، شيخ الإسلام ابن تيمية إمام، ما ذكره في كتاب الإيمان إلا أنه يرى أنه، أنه يحتج به، فيحتمل أن المؤلف رحمه الله إنما ذكره لأن بعضه صحيح أو لأن له شواهد، يتقوى بها فلهذا ذكره المؤلف رحمه الله.

(المتن):

"وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ، لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] قَالُوا: كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ".

(الشرح):

يقول المؤلف إذا كان مِن قول السلف إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم إنه يكون فيه إيمان وكفر، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، يعني السلف يقولون: إن الإنسان يجتمع فيه الإيمان والنفاق، والمراد بالنفاق: النفاق العملي، وليس النفاق الاعتقادي، النفاق الاعتقادي لا يجتمع معه إيمان، لا يمكن، النفاق الأكبر، لا يمكن أن يجتمع معه الإيمان، إذا وجد الإيمان انتفى النفاق الأكبر، وإذا وجد النفاق الأكبر انتفى الإيمان.

 كما أن الإيمان لا يجتمع مع الكفر الأكبر ولا يجتمع مع الشرك الأكبر، لا يمكن هذا، إذا وجد الإيمان انتفى الكفر، فإذا وجد الكفر انتفى الإيمان، إذا وجد الإيمان انتفى الشرك، وإذا وجد الشرك انتفى الإيمان، المراد الشرك الأكبر والكفر الأكبر، أما الشرك الأصغر والنفاق الأصغر والكفر الأصغر فهذه معاصي يمكن أن تكون مع الإيمان، كبائر الذنوب، وإن كانت أشد مِن الكبائر؛ لأنها سميت كفرًا وشرطًا ونفاقًا لكنها تجتمع مع الإيمان، أما النفاق الأكبر، والكفر الأكبر والشرك الأكبر، لا يمكن أن يجتمع مع الإيمان، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ" يعني نفاق عملي، مثل الكذب في الحديث، ومثل خلف الوعد، ومثل الفجور في الخصومة ومثل الغدر في العهود، وما أشبه ذلك، "فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ".

 مثل الطعن في النسب والنياحة على الميت هذه سُميت في الحديث كفرًا، تجتمع مع الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ([6])، هذا كفر يجتمع مع الإيمان وإن سُمي كفرًا؛ لأنه كفر عملي لكن الأصل أنه لا يخرج مِن الملة.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] . قَالُوا: كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ" يعني كفرٌ دون كفر، يعني، يعني إذا حكم بغير ما أنزل الله في قضيةٍ مِن القضايا، طاعةً للهوى والشيطان، لشهوة ويعلم مِن نفسه أنه عاصي، ولا يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، لكن غلبه الهوى والشهوة فحكم بغير ما أنزل الله لأجل رشوة، ولأجل أن ينفع المحكوم عليه ولأجل أن يضر المحكوم له، أو لأجل أن يضر المحكوم عليه، الهوى والشهوة، ولم يستحل ذلك، هذا يكون كفرا أصغر، كفرٌ دون كفر، كما قال ابن عباس: كفرٌ لا ينقل عن الملة، قال: "وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ" نعم.

(المتن):

"قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي فِي كِتَابِ " الصَّلَاةِ ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ جبرائيل هَذَا فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ([7])  وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ كَلَامٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ لَهُ غَوْرٌ وَقَدْ أوْهَمَتْ الْمُرْجِئَةُ فِي تَفْسِيرِهِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ قِلَّةٌ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَغَوْرُ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَاخْتُصِرَ لَهُ الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا . أَمَّا قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ فَأَنْ تُوَحِّدَهُ وَتُصَدِّقَ بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَتَخْضَعَ لَهُ وَلِأَمْرِهِ بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَافِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ لَزِمْت مُحَابَّهُ وَاجْتَنَبْت مساخطه".

(الشرح):

المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه الصلاة، وهوكتابٌ عظيم للإمام بن نصر المروزي، يُسمى كتاب تعظيم قدر الصلاة، نقل الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن محمد بن نصر اختلاف الناس في تفسير حديث جبريل، وحديث جبريل حينما جاء إلى النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب وشديد سواد الشعر، وسأله أولًا عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان، ثم عن الساعة ثم عن أماراتها.

 لما سأل عن الإيمان، قال: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ ومَلَائكَتِه وكُتبِه ورُسلِه واليَومِ الآخِر وَتُؤمنَ بالقَدَر خَيرهِ وَشرِّه([8]) ، فالإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله شرح أصول الإيمان الستة التي ذُكرت في حديث جبريل، ويبين فيها غلط المرجئة وتوهمهم، فشرح كل أصل على حدة، فنقله المؤلف، نقله المؤلف رحمه الله ها هنا، وبيَّن فيه غلط المرجئة الذين يظنون أن الإيمان هو مجرد التصديق.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي فِي كِتَابِ " الصَّلَاةِ ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ جبرائيل هَذَا فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ كَلَامٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ لَهُ غَوْرٌ".

يعني كلام النبي ﷺ له غور، له معاني عميقة، ما يصل، ما وصل إلى المرجئة، المرجئة أخذوا بالظاهر فقط، قال: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ مجرد التصديق، هذا عن المرجئة، ولكن في الواقع أن كلام النبي ﷺ، كلامٌ جامع، وإن كان مختصر لكن له غور، وله عمق، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ أوْهَمَتْ الْمُرْجِئَةُ فِي تَفْسِيرِهِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ" يعني توهموا، توهموا في تفسيره غير الحق وغير الواقع، فتوهموا أن معنى قول النبي ﷺ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ مجرد التصديق، هذا توهم منهم، والسبب في ذلك، بيَّن المؤلف قال: "قِلَّةٌ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَغَوْرُ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَاخْتُصِرَ لَهُ الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا ﷺ".

 إذًا السبب أن المرجئة ما فهموا كلام النبي ﷺ، وظنوا أن قوله "الإيمان بالله مجرد التصديق" وسبب ذلك، وتأولوه على غير تأويله، سبب ذلك: أنهم لا يعرفون لسان العرب، وأنهم ليس عندهم غور على، ومعرفة، ومعرفة عمق كلام النبي ﷺ، " الَّذِي قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَاخْتُصِرَ لَهُ الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا ".

ثم شرح محمد بن نصر المروزي، شرح الحديث شرحًا مختصرًا جيدًا، بيَّن فيه ما دل عليه الحديث وأنه يخالف تأويل المرجئة، فبدأ بالأصل الأول، وهو الإيمان بالله، فقال: " أَمَّا قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، المرجئة ماذا يقولون؟

يقولون، تصدق، تصدق بالقلب فقط، بيَّن الإمام محمد بن نصر المروزي انه ليس هذا، ليس معنى أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، مجرد التصديق، فقال: "الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، فَأَنْ تُوَحِّدَهُ وَتُصَدِّقَ بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَتَخْضَعَ لَهُ وَلِأَمْرِهِ بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَافِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ لَزِمْت محبته ﷺ  وَاجْتَنَبْت مساخطه" وهو قال: "لَزِمْت مُحَابَّهُ" يعني محاب الله ومحاب رسوله، "وَاجْتَنَبْت مساخطه".

 هذا هو معنى الإيمان بالله، ففسره بأي شيء؟ بتوحيد القلب، وتصديقه، القلب وتصديق القلب واللسان، وخضوع القلب لله ولأمر الله، "بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَافِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ" يعني يعمل ما يستكبر عن عبادة الله، لأن إبليس استكبر، لما أمره الله استكبر وعاند، والمسلم لابد أن يستجيب لأمر الله وأمر رسوله، ولهذا قال: "بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَافِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ لَزِمْت مَحابَّه وَاجْتَنَبْت مساخطه".

 فبين أن معنى قوله: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، يعني بالقلب وباللسان وخضوع الجوارح للأوامر والبعد عن الاستنكاف والاستكبار ولزوم محابّ الله ورسوله، واجتناب مساخطه، هذا هو الإيمان بالله. المرجئة أوهموا، غفلوا عن هذا، وتأولوا غير تأويله لقلة معرفتهم للنصوص، وضعف معرفتهم بكلام النبي ﷺ.

(المتن):

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَلَائِكَتِهِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَنْ سَمَّى اللَّهُ لَك مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سِوَاهُمْ لَا يَعْرِفُ أَساميهُمْ وَعَدَدَهُمْ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُمْ".

(الشرح):

فسر الإيمان بالملائكة، قال: (الإيمان بالملائكة) أن تؤمن بمن سمى الله لك منهم في كتابه، الذي سُموا تؤمن بهم بأعيانهم، جبريل وميكائيل وإسرافيل، الذين سُموا في الكتاب والسنة، جبريل وميكائيل في الكتاب، وإسرافيل جاء في السنة، اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ وملك الموت يعني سُمي بملك الموت، هذا نؤمن بهم بأعيانهم، وأما مَن لم يُذكر فإننا نؤمن بهم إجمالًا، نؤمن بأن لله ملائكةً كثيرين سواهم لا يحصيهم إلا الله، ولا يعرف أساميهم وعددهم إلا الذي خلقهم.

 هناك ملائكة حفظة، يحفظون الإنسان، وهنالك كتبة عن اليمين وعن الشمال، وهناك ملائكة موكلون بتدبير أمر النطفة حتى يتم خلقها، وملائكة موكلون بقبض الروح، وملائكة موكلة بالمطر والقطر، وملائكة موكلة بالنجوم، ملائكة موكلة بالجنة ولإعداد الكرامة لأهلها، ملائكة موكلة بالنار وإعداد العذاب لأهلها، وهكذا، كل حركةٍ في السموات والأرض فهي ناشئة عن الملائكة بأمر الله الكوني القدري، فهم المرسلات عرفًا، والناشطات نشطًا، والفارقات، وهم النازعات غرقًا، والناشطات نشطًا، كما قال: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ۝ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ۝ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات: 1 - 3].

وهم الصافات صفًّا والزاجرات زجرًا، والنازعات غرقًا والناشطات نشطًا والسابحات سبحًا والملقيات، وهم المرسلات عرفًا والعاصفات عصفًا، والملقيات ذكرًا، هذه كلها مِن أسمائهم وأوصافهم، فالمسلم بمن سمى الله منهم بأعيانهم، ومن لم يُسمّ يؤمن به إجمالًا ويعتقد أن لله ملائكة كثيرين لا يعرف أسماءهم وعددهم إلا الله، وهم وُكِّلوا بأعمال ووظائف ومنهم ملائكة وُكِّلوا بعمارة السماوات بالعبادة بالتسبيح والتقديس ومنهم ملائكة وُكِّلوا بحمل العرش، ومنهم الكروبيون وغيرهم، وهم الملأ الأعلى، إلى غير ذلك مِن أنواع الملائكة.

(المتن):

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكُتُبِهِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَا سَمَّى اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ خَاصَّةً؛ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ لِلَّهِ سِوَى ذَلِكَ كُتُبًا أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ لَا يَعْرِفُ أَسْمَاءَهَا وَعَدَدَهَا إلَّا الَّذِي أَنْزَلَهَا وَتُؤْمِنَ بِالْفُرْقَانِ وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الْكُتُبِ. إيمَانُك بِغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ إقْرَارُك بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَإِيمَانُك بِالْفُرْقَانِ إقْرَارُك بِهِ وَاتِّبَاعُك مَا فِيهِ".

(الشرح):

بيَّن الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله معنى قول النبي ﷺ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، الإيمان بكتبه قال: أن تؤمن بالكتب، أن تؤمن بالكتب إجمالًا وتفصيلًا، تؤمن بالكتب التي سمَّاها الله بأعيانها وهي أربعة، التوراة والإنجيل والزبور والقرآن.

 التوراة التي أنزلها الله على موسى، والإنجيل الكتاب الذي أنزله الله على عيسى، والزبور الكتاب الذي أنزله الله على داود، هذه تؤمن بها بأسمائها.

وتؤمن بأن لله سوى ذلك كتبًا كثيرة أنزلها على أنبيائه لا يعلم أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها، فهذه التي سُميت لابد أن تؤمن بها بأعيانها، الزبور، التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وصحف موسى.

أما القرآن فلابد مِن الإيمان به إيمانًا خاصًّا، قال: "وَتُؤْمِنَ بِالْفُرْقَانِ" والفرقان هو القرآن، القرآن له أسماء، مِن أسمائه الفرقان؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل.

 "وَتُؤْمِنَ بِالْفُرْقَانِ" يعني القرآن، "وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الْكُتُبِ. إيمَانُك بِغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ" فرق، إيمانك بغيره مِن الكتب إقرارك به بالقلب واللسان، يعني إيمانك بالتوراة والإنجيل والزبور، إقرارك بالقلب واللسان، وإيمانك بالقرآن، إقرارك به واتباعك ما فيه، يعني الإيمان بالقرآن تؤمن، تقر به، وتتبه ما فيه، تمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وتصدق أخباره، وتقف عند حدوده، تزدجر بزواجره ومواعظه، وتعمل بما فيه.

(المتن):

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرُسُلِهِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ رُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ سَوَّاهُمْ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ لَا يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ إلَّا الَّذِي أَرْسَلَهُمْ وَتُؤْمِنَ بِمُحَمَّدِ ﷺ وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الرُّسُلِ. إيمَانُك بِسَائِرِ الرُّسُلِ إقْرَارُك بِهِمْ وَإِيمَانُك بِمُحَمَّدِ إقْرَارُك بِهِ وَتَصْدِيقُك إيَّاهُ دائبًا على مَا جَاءَ بِهِ فَإِذَا اتَّبَعْت مَا جَاءَ بِهِ أَدَّيْت الْفَرَائِضَ وَأَحْلَلْت الْحَلَالَ وَحَرَّمْت الْحَرَامَ وَوَقَفْت عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَسَارَعْت فِي الْخَيْرَاتِ".

(الشرح):

هذا بيَّن الإمام محمد بن نصر رحمه الله معنى الإيمان بالرسل، وهو أن يكون فيه إجمالًا وتفصيلًا، وهو أن يؤمن المسلم بالرسل بأسمائهم الذين سماهم الله في القرآن أو في السنة، فما ذكر الله ذلك في سورة النساء وفي سورة الأنعام خمسًا وعشرين، فأسماء الرسل، فيؤمن بهم بأسمائهم، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۝ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 163، 164].

 وقال في سورة الأنعام لما ذكر نوح قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام: 84 - 86]، ومنهم شعيب، نؤمن بهم بأسمائهم الذين سمَّاهم الله نؤمن بهم بأسمائهم، ونؤمن بأن لله رسلًا كثيرين لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله.

وأما الإيمان بمحمدٍ ﷺ فهو الإيمان به تفصيلًا كما بيَّن المؤلف رحمه الله.

 فقال: "وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرُسُلِهِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ رُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ سَوَّاهُمْ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ لَا يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ إلَّا الَّذِي أَرْسَلَهُمْ وَتُؤْمِنَ بِمُحَمَّدِ ﷺ وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الرُّسُلِ" يعني إيمان، الإيمان بالرسل مجمل، والإيمان بمحمدٍ ﷺ مُفصل، فقال: "إيمَانُك بِسَائِرِ الرُّسُلِ إقْرَارُك بِهِمْ وَإِيمَانُك بِمُحَمَّدِ إقْرَارُك بِهِ وَتَصْدِيقُك إيَّاهُ واتباعك مَا جَاءَ بِهِ فَإِذَا اتَّبَعْت مَا جَاءَ بِهِ أَدَّيْت الْفَرَائِضَ وَأَحْلَلْت الْحَلَالَ وَحَرَّمْت الْحَرَامَ وَوَقَفْت عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَسَارَعْت فِي الْخَيْرَاتِ" فلابد مِن تصديق النبي ﷺ في أخباره، ولابد مِن اجتناب وفعل أوامره واجتناب نواهيه والتعبد لله بما شرعه، وحينئذٍ يؤدي الإنسان الفرائض ويجتنب المحرمات ويحل الحلال ويحرم الحرام ويقف عند الشبهات، ويسارع في الخيرات.

(المتن):

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

(الشرح):

هذا الإيمان باليوم الآخِر وهو الأصل الخامس مِن أصول الإيمان، قال: "أَنْ تُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ" أن الله يبعث الأجساد ويعيدها مِن الذرات التي استحالت؛ لأن الله تعالى عالم بذرات وهو قادر، فهو يعيدها مِن الذرات التي استحالت، وقد ثبت أن ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، وهو العُصعُص، وهو آخر فقرة في العموم الفقري، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([9]).

 فتؤمن، يؤمن المسلم بأن الله يبعث الأجساد ويعيدها خلْقًا جديدًا فإذا تكامل خلقها يُنزِل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس فإذا تكامل خلقها، أذن الله لإسرافيل في النفخ في الصور فعادت الأرواح إلى أجسادها، والأرواح باقية بعد خروجها إما في عذاب وإما في نعيم، المؤمن روحه تُنقل إلى الجنة، ولها صلة بالجسد، والكافر تُنقل إلى النار ولها صلةٌ بالجسد، ثم تعود الأرواح إلى أجسادها فيقف الناس، يخرج الناس مِن قبورهم ويقفون بين يدي الله للحساب.

لابد مِن الإيمان بهذا، الإيمان بالبعث بعد الموت، والإيمان بالحساب والميزان، وزن الأعمال، ووزن الأشخاص، حساب، ويُحاسَب الإنسان، فالمؤمن يُحاسَب حسابًا يسيرًا، وكذلك الثواب والعقاب والجنة والنار، بكل ما وصف الله في القيامة كله يؤمن به المسلم، كل هذا داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر.

(المتن):

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَأَنْ تُؤْمِنَ بِأَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك وَأَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك وَلَا تَقُلْ: لَوْ كَانَ كَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَلَوْلَا كَذَا وَكَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ".

(الشرح):

بيَّتن الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله الإيمان بالقدر، فقال: الإيمان بالقدر خيره وشره أن تؤمن بِأَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك وَأَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك هذا مِن الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أوسع مِن هذا، كما قال النبي ﷺ، سُمِّي بالقدر خيره وشرِّه، تؤمن بأن الله علم الأشياء قبل كونها، فعلم ما كان في الماضي وما يكون في الحاضر والمستقبل وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن الله يعلم الحركات والسكنات والصفات والذوات والرطب واليابس كما قال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  [الأنعام: 59].

 وتؤمن بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ الذوات والصفات، وتؤمن بالإرادة والمشيئة وأنه لا يقع شيءٌ في هذا الكون إلا ما أراده الله، وتؤمن بالخلق والإيجاد، وأن الله خلق كل شيءٍ في هذا الوجود، الذوات والصفات، وأنه لا يقع في ملك الله ما لا يريد، هذا هو الإيمان بالقدر، ومن ذلك، أن تؤمن بِأَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك وَمَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك ([10])كما جاء في الحديث، الذي حديث عبادة بن الصامت، وفي حديث ابن الدَّيلمي: لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه([11]).

 هذا تفسيرٌ للقدر ببعضه، بجزءٍ منه، وهذا معروف عند السلف يُفسَّر الشيء ببعضه، هذا مِن القدر أَنْ تُؤْمِنَ بِأَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك وَأَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك وَلَا تَقُلْ: لَوْ كَانَ كَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَلَوْلَا كَذَا وَكَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَكَذَا. لأن الله تعالى قدَّر كل شيء، وكتب كل شيءٍ في اللوح المحفوظ، وكل شيءٍ مُقدَّر، فلا تقل إن هذا لو كان كذا ما حصل كذا، أو لو لم يكن كذا لما حصل كذا، لا تقل هذا، لأن كل شيءٍ محفوظ، كل شيء مكتوب، كل شيء مُقدر، القدر تام، علم الله بالأشياء، وكتابته وإرادته وخلقه وإيجاده في الوقت الذي قدَّر الله أن يوجد.

قال المؤلف رحمه الله: "قَالَ" يعني محمد بن نصر المروزي الإمام، "فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" يعني والقدر خيره وشره.

(المتن):

فصلٌ

"وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ؛ فَلِمَاذَا قَالَ: الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْخَمْسُ وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ هَذِهِ أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَأَعْظَمُهَا وَبِقِيَامِ الْعَبْدِ بِهَا يَتِمُّ اسلامه وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِانْحِلَالِ قَيْدِ انْقِيَادِهِ.

 وَ " التَّحْقِيقُ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ الدِّينَ الَّذِي هُوَ اسْتِسْلَامُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا الَّذِي يَجِبُ لِلَّهِ عِبَادَةً مَحْضَةً عَلَى الْأَعْيَانِ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ ليعْبُدَ اللَّهَ بِهَا مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ.

وَهَذِهِ هِيَ الْخَمْسُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَسْبَابِ لِمَصَالِحَ فَلَا يَعُمُّ وُجُوبُهَا جَمِيعَ النَّاسِ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إمَارَةٍ وَحُكْمٍ وَفُتْيَا؛ وَإِقْرَاءٍ وَتَحْدِيثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِسَبَبِ حَقٍّ لِلْآدَمِيِّينَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَقَدْ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ.

وَإِذَا حَصَلَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْإِبْرَاءُ إمَّا بِإِبْرَائِهِ وَإِمَّا بِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ فَحُقُوقُ الْعِبَادِ مِثْلُ قَضَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الغصوب وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِنْصَافِ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ؛ إنَّمَا هِيَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَإِذَا أُبْرِئُوا مِنْهَا سَقَطَتْ.

وَتَجِبُ عَلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَمْ تَجِبْ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَادِرٍ؛ وَلِهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِخِلَافِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ الْمُسْلِمِينَ".

(الشرح):

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد  وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن المؤلف رحمه الله بيَّن في هذا الفصل سؤالًا، وأجاب عنه، أتى بسؤالٍ وأجاب عنه، فقال: "وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ؛ فَلِمَاذَا قَالَ: الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْخَمْسُ؟"

هذا السؤال يقول: إن الله تعالى أوجب على المسلم واجبات كثيرة، وفي الحديث لما سأل، حديث جبرائيل، لما سأل النبي، جبرائيل النبي ﷺ فقال: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ([12])  هذه خمس، خمس شعائر، والواجبات أكثر، فلماذا قال النبي ﷺ الإسلام هذه لخمس، مع أن الإسلام صلة الرحم، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجيران.

وكذلك رد الأمانات إلى أهلها، وغير ذلك مِن الواجبات، والنفقات على الزوجات والأقارب، وغير ذلك مِن الواجبات، والجهاد مثلًا في سبيل الله وقد يكون واجبًا أحيانًا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم، قد، وإبراء القسم وإجابة الدعوة إلى غير ذلك مِن الواجبات والشعائر، فلماذا لم يذكرها النبي ﷺ في مُسمَّى الإسلام، وإنما قال: "الإسلام خمسة" خمسة أركان، خمس شعائر، الشهادتان: الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمدٍ ﷺ بالرسالة، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام، فلماذا اقتصر على الخمس مع أن شعائر الإسلام أكثر مِن هذه الخمس، وهناك واجبات كبر الوالدين وصلة الرحم وغيرها لم تُذكَر، المؤلف رحمه الله أجاب جوابين، جواب قال: إنه قاله بعض الناس ولم يرتضه، وجوابٌ اختاره.

الجواب الذي قاله بعض الناس، قال: خلاصته: أن هذه الخمس هي أظهر شعائر الإسلام، وأعظمها، وإذا قام العبد بها، واستقام عليها فلابد أن يدفعه ذلك للقيام ببقية شعائر الإسلام، وإذا تركها هذه الخمس، فهذا يدل على أنه منحلّ، منحل يعني انقياده، فكفى، فلما كانت هذه الخمس هي أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وأن مَن قام بها لابد أن يقوم ببقية شعائر الإسلام، مَن قام بها لابد أن يدفعه ذلك إلى القيام بغيرها، ومن تركها دلّ على انحلال انقياده وأنه لا يقوم بغيرها، فلهذا اقتصر على هذه الخمس.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ هَذِهِ أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَأَعْظَمُهَا وَبِقِيَامِ الْعَبْدِ بِهَا يَتِمُّ استسلامه وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِانْحِلَالِ قَيْدِ انْقِيَادِهِ" لم يرتض المؤلف رحمه الله هذا الجواب، وإنما أجاب بجوابٍ آخر، فقال: الجواب الصحيح، أن هذه الخمس التي ذكرها النبي ﷺ في حديث جبرائيل هي العبادة المحضة، التي تجب على جميع الأشخاص إذا لم يكن هناك مانع، تجب على كل قادر، وهي التي تدل على استسلام العبد لربه مطلقًا، فهي العبادة المحضة الواجبة على كل شخص، واجبة على الأعيان، وواجبة على كل قادر.

 وأما ما سواها فإنه إنما يجب بأسباب، ولا يجب على كل أحد، وإنما يجب على بعض الناس دون بعض، ولهذا اختلف، ولهذا فُرق بين هذه الخمس، هذه الخمس واجبةٌ على كل أحد، كل واحدٍ بعينه إذا كان قادرًا، وهي عبادة محضة، وفيها استسلام العبد لربه مطلقًا، ما عداها، ما عدا هذه الخمس، فيجب بأسباب، ويجب على بعض الناس دون بعض، ولهذا، ومنها مثلًا، الـ، وقد يكون بعضها واجبًا على الكفاية، بعضها واجبًا عيني، ومنها الجهاد، الجهاد لا يجب على كل أحد، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد، بل يجب على القادر.

 ومنها أيضًا الإمارة والحكم والفتيا وغيرها مثلًا: النذر، إنما يجب على الناذر دون غيره، كذلك أيضًا الديون، وكذلك النفقات، مَن عنده زوجة تجب عليه النفقة، ومن ليس عنده زوجة ولا أولاد لا يجب عليه النفقة، كذلك النفقة على البهائم، مَن كان عنده بهائم يجب عليه أن ينفق عليها، ومن لم يكن فلا، كذلك مَن غصب شيئًا يجب عليه أن يرد الغصب، والعواريّ، مَن كان عليه عواري يردها، والودائع يرد، وكذلك الإنصاف مِن المظالم مِن الدماء والأموال والأراضي يجب على الإنسان الإنصاف، ومن لم يظلم أحد في ماله ولا دمه ولا عرضه لا يجب عليه.

 فهذه حقوقٌ تجب على شخصٍ دون شخص، وفي حالٍ دون حال، بخلاف الخمس فإنها هي العبادة المحضة لله، هذا هو الجواب الذي ارتضاه المؤلف.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَ " التَّحْقِيقُ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ الدِّينَ الَّذِي هُوَ اسْتِسْلَامُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مُطْلَقًا" وهي الخمسة، "الَّذِي يَجِبُ لِلَّهِ عِبَادَةً مَحْضَةً عَلَى الْأَعْيَانِ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أن يعْبُدَ اللَّهَ بِهَا مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَهَذِهِ هِيَ الْخَمْسُ" الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، "وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَسْبَابِ لِمَصَالِحَ فَلَا يَعُمُّ وُجُوبُهَا جَمِيعَ النَّاسِ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إمَارَةٍ وَحُكْمٍ وَفُتْيَا؛ وَإِقْرَاءٍ وَتَحْدِيثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِسَبَبِ حَقٍّ لِلْآدَمِيِّينَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَقَدْ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ" مثل الديون والعواريّ والودائع كما مثَّل المؤلف، ويقول: "وَإِذَا حَصَلَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْإِبْرَاءُ إمَّا بِإِبْرَائِهِ وَإِمَّا بِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ فَحُقُوقُ الْعِبَادِ مِثْلُ قَضَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الغصوب وَالْعَوَارِيّ" يعني جمع عارية، "وَالْوَدَائِعِ وَالْإِنْصَافِ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ؛ إنَّمَا هِيَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَإِذَا أُبْرِئُوا مِنْهَا سَقَطَتْ. وَتَجِبُ عَلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَمْ تَجِبْ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَادِرٍ" يعني مثل أركان الإسلام الخمسة، "وَلِهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى" مثل العارية ورد المظالم، تردها على المسلم وغير المسلم، ترد المظلمة، ليس لك أن تظلمه، ترد العارية على المسلم وعلى الكافر، ترد الدين على المسلم وعلى الكافر، "بِخِلَافِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ الْمُسْلِمِينَ".

(المتن):

"وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ، وَالْأَوْلَادِ وَالْجِيرَانِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْفُقَرَاءِ. وَمَا يَجِبُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَارَه وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادِ؛ كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ بِأَسْبَابِ عَارِضَةٍ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ الناس لِجَلْبِ مَنَافِعَ وَدَفْعِ مَضَارَّ لَوْ حَصَلَتْ بِدُونِ فِعْلِ الْإِنْسَانِ لَمْ تَجِبْ؛ فَمَا كَانَ مُشْتَرِكًا فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا كَانَ مُخْتَصًّا فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو لَا يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي وُجُوبِ عَمَلٍ بِعَيْنِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَادِرٍ سِوَى الْخَمْسِ؛ فَإِنَّ زَوْجَةَ زَيْدٍ وَأَقَارِبِهِ لَيْسَتْ زَوْجَةَ عَمْرٍو وَأَقَارِبِهِ فَلَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَى هَذَا مِثْلَ الْوَاجِبِ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَالِيًّا فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلَّهِ؛ وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ مَصَارِفُهَا؛ وَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا الْغَيْرُ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ وَلَمْ تُطْلَبْ مِنْ الْكُفَّارِ.

وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ وَلَوْ أَدَّاهَا غَيْرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَيُطَالَبُ بِهَا الْكُفَّارُ وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالْكَفَّارَاتِ هُوَ بِسَبَبِ مِنْ الْعَبْدِ وَفِيهَا شَوْبُ الْعُقُوبَاتِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ": عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَوَاتِ وَعُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْحُدُودِ وَمَا يُشْبِهُهَا كَالْكَفَّارَاتِ".

(الشرح):

المؤلف رحمه الله لازال يقرر ما ارتضاه مِن الفرق بين أركان الإسلام الخمسة والواجبات الأخرى، وأن الأركان الخمسة واجبةٌ على كل أحد قادر، وهي عبادةٌ لله محضة، وما عداه فإنه يجب بأسباب، قال: " وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْجِيرَانِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْفُقَرَاءِ" كل هذه تجب بأسباب، تجب، هذا، كل إنسان يصل رحمه، والرحم يختلف، هذا قد يكون له أرحام كثيرون، وهذا يكون له أرحام عدد قليل.

 وكذلك حقوق الزوجة والأولاد، تجب على المتزوج ليقوم بحقوق الزوجة، والذي لم يتزوج ليس عليه حق، وكذلك الأولاد، مَن كان عنده أولاد وجلب عليه أن يؤدي حقهم، ومن لم يكن عنده أولاد لم يكن عليه هذا الواجب، وكذلك الجيران، والشركاء والفقراء، وكذلك ما يجب مِن أداء الشهادة، والفتيا والقضاء والإمارة، مَن كان عنده شهادة يجب عليه أن يؤديها، ومن لم يكن عنده شهادة ليس عليه هذا الواجب، وكذلك الفتيا، مَن كان يستطيع الفتيا يجب عليه أن يجيب إذا سُئل والسائل بحاجة إلى ذلك، ومن لم يكن مِن أهل الفتيا لا يجب عليه.

 وكذلك القضاء، القاضي يجب عليه أن يقضي إذا تراجع إليه الخصمان، ومن لم يكن قاضيًا لا يجب عليه هذا الواجب، وكذلك الإمارة، الأمير يجب عليه ما لا يجب على غيره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مَن استطاع وقادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجب عليه، ومن لم يستطع سقط عنه.

وكذلك أيضًا الجهاد، يقول المؤلف: "كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ بِأَسْبَابِ عَارِضَةٍ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لِجَلْبِ مَنَافِعَ وَدَفْعِ مَضَارَّ لَوْ حَصَلَتْ بِدُونِ فِعْلِ الْإِنْسَانِ لَمْ تَجِبْ" يعني إذا زال المنكر مثلًا وحصل المعروف بدون فعل الإنسان ما وجب عليه، لأن حصل المطلوب، قال: "فَمَا كَانَ مُشْتَرِكًا فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا كَانَ مُخْتَصًّا فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو" ما كان مشتركًا فهو واجبٌ على الكفاية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل إنسان مطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا واجبٌ على الكفاية، إذا قام به ما يكفي سقط عن الباقين.

 وما كان مختصًّا فهو مختص بمن يجب عليه، مثل: زيد يجب عليه أن ينفق على أهله وأولاده بينما عمرو لا يجب عليه أن ينفق على أهل زيد وأولاده، هذا واجبٌ مختص، إنما يجب على زيد دون عمرو، "لَا يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي وُجُوبِ عَمَلٍ بِعَيْنِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَادِرٍ سِوَى الْخَمْسِ" الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج هذا واجبة على كل أحد، كل قادر، قال: "فَإِنَّ زَوْجَةَ زَيْدٍ وَأَقَارِبِهِ لَيْسَتْ زَوْجَةَ عَمْرٍو وَأَقَارِبِهِ فَلَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَى هَذَا مِثْلَ الْوَاجِبِ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ" هذه الأمور الخمسة أو الأركان الخمسة تجب على كل أحد.

 قال: "فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَالِيًّا فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلَّهِ؛ وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ مَصَارِفُهَا" الأصناف الثمانية التي ذكرهم الله في سورة براءة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة: 60] هذه مصاريف الزكاة، قال: "وَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا الْغَيْرُ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ وَلَمْ تُطْلَبْ مِنْ الْكُفَّارِ. وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ وَلَوْ أَدَّاهَا غَيْرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَيُطَالَبُ بِهَا الْكُفَّارُ".

 المؤلف رحمه الله يُبين الفرق بين الخمسة، أركان الإسلام الخمسة وبين غيرها، فمثلًا الزكاة مِن الأركان الخمسة، الزكاة حقٌّ ماليّ واجبةٌ لله، ولهذا تجب فيها النية ولا يجوز أن يفعلها غيره بلا إذنه ولا تُطلب مِن الكفار، الزكاة لابد أن ينوي، فلو كان إنسانٌ عليه زكاة ثم أخرج بمقدارها ولم ينوِ، نواها صدقة، صدقة التطوع فإنها لا تجزئ، حتى ينوي، لقول النبي ﷺ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ([13]).

 وكذلك لو أخرج إنسان عن شخص، عرف عمرو أن زيد عليه، عنده، عليه زكاة، عليه زكاة ومقدارها مائة، فأخرج عنه مائة دون أن يخبره، ما تجزئ، لابد أن يُخبره حتى ينيبه، فلابد مِن النية، وكذلك أيضًا الزكاة لا يُطالب بها الكفار؛ لأنها لا تصح منهم في حال كفرهم حتى يوحدوا الله ويدخلوا في الإسلام، وإن كان الكافر يُعذَّب على ترك الإسلام وترك التوحيد وترك الزكاة والصوم والحج والصلاة، لكنها لا تصح منه في حال كفره، فهذه ثلاث فروق إي نعم، فالزكاة لابد فيها مِن النية، ولا يجوز أن يفعلها غيره عنه بلا إذنه، ولا يطالب بها الكفار.

 أما حقوق العباد لا تُشترط لها، حقوق العباد مثل الدين، إذا كان لك دين، زيد له دين على عمرو، لا يُشترط النية، لو جاء إنسان وأخرج الدين عنك ولم تعلم برئت ذمتك ولو لم تنوِ، لا يحتاج نية، حقوق العباد ما يُشترط لها النية، فإذا كان زيد يطلبه عمرو مائة، فجاء بكر وقضاها عنه ولم يخبره برِئت ذمته، وكذلك النجاسة لا يُشترط لها النية، لو كانت هنا نجاسة في الثوب، ثم نزل المطر وغسلها وأزالها، صح، ولا يُشترط النية، وكذلك أيضًا لا يُطالب بها الكفار، الزكاة لا يُطالب بها الكفار.

 وأما حقوق الآدميين يُطالب بها الكفار، هذه فروقٌ ثلاثة بين الزكاة التي هي مِن الأركان الخمسة، وبين حقوق الآدميين، أنه لابد فيها ِمن النية، ولا يجوز أن يفعلها الغير إلا بإذنه، ولا يُطالب بها الكفار، وحقوق العباد لا يُشترط لها النية، ولو أداها غيره عنه بغير إذنه برئت منه ذمته كالدَّين، ويُطالب بها الكفار، وما يجب حقًّا، يقول المؤلف رحمه الله: "الْكُفَّارُ وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالْكَفَّارَاتِ هُوَ بِسَبَبِ مِنْ الْعَبْدِ وَفِيهَا شَوْبُ الْعُقُوبَاتِ".

يقول: وأما الكفارات، مثل كفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، هذا وجب، وجبت بسببٍ مِن العبد، وفيها شوب العقوبة، يعني في ضمنها العقوبة، لأن أمرين: الأمر الأول: بسبب العبد، والثاني: في ضمنها العقوبة.

ثم بيَّن المؤلف رحمه الله أن "الْوَاجِبَ لِلَّهِ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ": عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَوَاتِ وَعُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْحُدُودِ" وعقوباتٌ مشوبة كالكفارات.

(المتن)

"وَكَذَلِكَ كَفَّارَاتُ الْحَجِّ وَمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ بِسَبَبِ فِعْلٍ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ.

وَأَمَّا " الزَّكَاةُ " فَإِنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ فِي مَالِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَفِيهِ وَاجِبَاتٌ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمَالِ كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ لِلْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ وَيَجِبُ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ وَيَجِبُ قَضَاءُ الدُّيُونِ وَيَجِبُ الْإِعْطَاءُ فِي النَّائِبَةِ وَيَجِبُ إطْعَامُ الْجَائِعِ وَكُسْوَةُ الْعَارِي فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ. لَكِنْ بِسَبَبِ عَارِضٍ وَالْمَالُ شَرْطُ وُجُوبِهَا كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْبَدَنَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ وَالْمَالُ فِي الزَّكَاةِ هُوَ السَّبَبُ وَالْوُجُوبُ مَعَهُ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا حَمَلَهَا إلَى بَلَدة أُخْرَى وَهِيَ حَقٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَأَمَّا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فَأَوْجَبُوهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ مَالَهُمَا مِنْ جِنْسِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَوَلِيُّهُمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا بِخِلَافِ بَدَنِهِمَا. فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِعَقْلِهِمَا؛ وَعَقْلُهُمَا نَاقِصٌ. وَصَارَ هَذَا كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِهِمَا مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الثَّمَانِيَةُ.

وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِمَا. وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ إنَّمَا تَسْقُطُ لِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ الْإِيجَابِ لَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَى عَجْزِ الْبَدَنِ كَالصَّغِيرِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْمَالِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَامَ مَقَامَهُمَا فِي الْفَهْمِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ فِي الْمَالِ وَأَمَّا بَدَنُهُمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِيهِ شَيْءٌ".

(الشرح):

المؤلف رحمه الله لايزال يقرر الفرق بين أركان الإسلام الخمسة، وبين بقية الواجبات، وأن الأركان الخمسة هي واجبة لله، عبادةٌ محضة، وهي واجبةٌ على كل أحد، على كل قادر، بخلاف ما عداها مِن الواجبات، فإنها ليست واجبة ً على الأعيان، وإنما يختلف، يختلف وجوبها مِن شخصٍ إلى شخص، وفي حالٍ دون حال، وتجب بأسباب.

 وقال: ومن ذلك كفارة الحج، قال: "وَكَذَلِكَ كَفَّارَاتُ الْحَجِّ" الكفارة التي نكون في الحج عندما يكون الإنسان محرمًا ثم يفعل محظور مِن محظورات الإحرام كأن يحلق رأسه مثلًا لمداواة جروحٍ في رأسه، فإنه يجب عليه الكفارة، والكفارة أن يذبح شاةً أو يُطعم مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، كما قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].

 وقد بيَّن النبي ﷺ أن النسك هي ذبح شاة، وأن الصيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة: إطعام ستة مساكين، وكذلك ما يجب بالنذر، إذا نذر الإنسان طاعة فإنه يجب عليه أن يفي بنذره، لقول النبي ﷺ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ([14]) ، يقول: "فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ بِسَبَبِ فِعْلٍ مِنْ الْعَبْدِ" فالكفارة التي تجب في الحج، تجب بفعل العبد، بفعل العبد الذي حلق رأسه، أو الذي فعل محظور.

 أو الذي قلَّم أظافره، فإنه يجب عليه الكفارة، أو تطيب، وكذلك الناذر، إنما وجب عليه الوفاء بالنذر بسبب فعله هو، قال: "فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ بِسَبَبِ فِعْلٍ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ.

وَأَمَّا الزَّكَاةُ " التي هي أحد أركان الإسلام الخمسة، فإنها تختلف عن ذلك، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا " الزَّكَاةُ " فَإِنَّهَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ فِي مَالِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَفِيهِ وَاجِبَاتٌ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمَالِ".

 يعني الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام الخمسة، تختلف عن الواجبات الأخرى، فالزكاة تجب حقًّا لله في مال المسلم، ولهذا يُقال: ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة، وهذا القول: روِي مرفوعًا عن فاطمة بنت قيس بلفظ: لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ([15])  رواه ابن ماجه سننه كما ذكر في الحاشية في كتاب الزكاة، لكن في سنده مقال، ولهذا المؤلف رحمه الله قال: "يُقَالُ" الزَّكَاةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ" لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ لكن يجب فيه حقوقٌ أخرى بغير سبب المال، "لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ" يعني بسببه، بسبب المال.

 قال: "وَإِلَّا فَفِيهِ وَاجِبَاتٌ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمَالِ كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ لِلْأَقَارِبِ" تجب في المال النفقة لكن بغير سبب المال، يجب النفقات للأقارب، والنفقات للزوجة، "وَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ" كل هؤلاء يجب أن ينفق عليهم مِن المال، لكن هذا الواجب ليس بسبب المال، "وَيَجِبُ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ" يعني الإنسان إذا قتل خطأً تكون الدية على العاقلة، وهم عصباته، مِن آبائه وأجداده وأبنائه، وإخوانه، العصبة، فوجب عليهم بسبب، بسبب أنهم كانوا عصبةً لهذا الجاني.

وكذلك يجب قضاء الديون، قال: يجب قضاء الدّين بسبب أنه تحمَّل الدّين، وكذلك "يَجِبُ الْإِعْطَاءُ فِي النَّائِبَةِ" النوائب التي تنزل بالإنسان والمسلمين، كذلك يجب إطعام الجائع وكسوة العاري، فرضًا على الكفاية، لا يُترك، لو وجد شخص جائع لا يُترك حتى يموت، بل يجب على الكفاية، يجب على المسلمون أن يطعموه، فإن لم يطعموه حتى مات أثموا كلهم، وإذا أطعمه بعضهم سقط الواجب، وكذلك كسوة العاري، يقول المؤلف: "إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ. لَكِنْ بِسَبَبِ عَارِضٍ وَالْمَالُ شَرْطُ وُجُوبِهَا".

 يعني يجب على الذي عنده مال، لكن هذا الواجب ليس بسبب المال، كالاستطاعة الحج، يقول: "فَإِنَّ الْبَدَنَ سَبَبُ الْوُجُوبِ" بسببٍ عارض، والمال شرط وجوبها، وإن كانت الاستطاعة في الحج فإن البدن سبب الوجوب والاستطاعة شرط، إذا كان الإنسان يستطيع ببدنه أن يحجّ، وعنده مال وجب، فالاستطاعة شرط.

" وَالْمَالُ فِي الزَّكَاةِ (يقول): هُوَ السَّبَبُ وَالْوُجُوبُ مَعَهُ"، المال في الزكاة هو السبب والوجوب معه: أي مع المال، " حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا حَمَلَهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَهِيَ حَقٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى" لأن الزكاة واجبة على كل حال بسبب المال، " حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزكاة يحملها إلَى بَلَدٍ آخر.

 قال، يقول المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ" هذا قول الأحناف، الأحناف يقولون: لا تجب الزكاة في مال الصبي، ولا يُطالب وليه بإخراجها مِن ماله؛ لأنها عبادةٌ محضة، والصبي لا يُخاطب بها، هذا كلام الأحناف، ويفرق بينه وبين الغرامات والنفقات.

قال: وإنما وجب في ماله الغرامة والنفقات؛ لأنها مِن حقوق العباد، لكن هذا خلاف الصواب، خلاف ما عليه جمهور العلماء.

 فالذي عليه الجمهور، مِن الصحابة والتابعين ومن بعدهم والأئمة أنها تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ويخرجها عنه وليهما.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فَأَوْجَبُوهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ مَالَهُمَا مِنْ جِنْسِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَوَلِيُّهُمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا" فالمال مِن جنس ...، سواءٌ كان للصبي أو لغير الصبي، الحكم واحد، فالزكاة تتعلق بعين المال، وكون الصبي والمجنون ليس عنده قدرة على إخراجها فالولي يقوم مقامها.

 يقول: بخلاف ما يتعلق بالبدن، ما يتعلق بالبدن مِن الصلاة، مِن الصلاة والحج هذا خاصٌّ بالبدن، فالصغير والمجنون والصبي لا يجب عليه، ولهذا قال: "بِخِلَافِ بَدَنِهِمَا. فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِعَقْلِهِمَا؛ وَعَقْلُهُمَا نَاقِصٌ" فلا يجب عليه الصلاة ولا الصوم ولا الحج، أما المال يتعلق بـ، الزكاة تتعلق بالمال.

قال المؤلف رحمه الله: "وَصَارَ هَذَا كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِهِمَا" إذا كان له أرض الصبي والمجنون وزرعها حبوب وثمار فإنه يجب العُشْر.

 يقول المؤلف: "مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الثَّمَانِيَةُ" يعني يستحق العشر الثمانية، الأصناف الثمانية الذين، الأصناف الثمانية الذين ذكرهم اله في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 60].

يقول المؤلف: "وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِمَا" إذا وجبت الكفارة تكون في المال، والولي يقوم مقامهما، أما الصلاة والزكاة فإنها تتعلق، الصلاة والصيام تتعلق بالبدن، فتسقط عن الصغير والمجنون.

 ولهذا قال المؤلف: "وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ إنَّمَا تَسْقُطُ لِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ الْإِيجَابِ لَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَى عَجْزِ الْبَدَنِ كَالصَّغِيرِ" إذا كان عاجز ببدنه وهو صغير أيضًا اجتمعا، فصار لا يجب عليه الصلاة، ولا يجب عليه الصيام، لكونه صغيرًا غير بالغ، قال المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْمَالِ" يعني العجز، عجز البدن منتفي في المال، لأن الزكاة تتعلق بالمال والولي يقوم مقامهما.

 ولهذا قال المؤلف: "فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَامَ مَقَامَهُمَا فِي الْفَهْمِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ فِي الْمَالِ وَأَمَّا بَدَنُهُمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِيهِ شَيْءٌ." فظهر الفرق بين ما يتعلق بالبدن، وما يتعلق بالمال، وما يتعلق بالمال تجب فيه الزكاة، ويخرجها الولي، وما يتعلق بالبدن هذا يسقط عن الصغير والمجنون.


([1]) –  أخرجه البخاري رقم (16) ومسلم (43) من حديث أنس بن مالك .

([2]) –  سبق تخريجه (...)

([3]) –  سبق تخريجه (...)

([4]) – أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/400) من حديث أبي هريرة . وفي سنده عبد الغفار المدني قال العقيلي في الضعفاء (3/ 100) عبد الغفار المديني عن سعيد بن المسيب، مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به.

([5]) –  سبق تخريجه (...)

([6]) – أخرجه البخاري رقم (3850) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومسلم رقم (67) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما.

([7]) –  سبق تخريجه (...)

([8]) –  سبق تخريجه (...)

([9]) –  أخرجه البخاري رقم (4935)، ومسلم رقم (2955) من حديث أبي هريرة .

([10]) – أخرجه أبو داود رقم (4700) من حديث عباده بن الصامت .

([11]) – أخرجه أحمد رقم (21589).

([12]) –  سبق تخريجه (...)

([13]) –  أخرجه البخاري (1) واللفظ له ، ومسلم رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب .

([14]) – أخرجه البخاري رقم (6696) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([15]) – أخرجه الترمذي (659-660) وابن ماجه (1789) واللفظ له من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. قال الحافظ الترمذي " هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف» وروى بيان، وإسماعيل بن سالم، عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح"

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد