شعار الموقع

شرح كتاب الإيمان الكبير_36 النقل عن محمد بن نصر من كتاب تعظيم قدر الصلاة

00:00
00:00
تحميل
17

(المتن)

فصل:

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ([1]): وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا ذَكَرَوهُ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ إيمَانًا وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ إبَاءِ إبْلِيسَ حِينَ عَصَى رَبَّهُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ أَنْ يَسْجُدَهَا لِآدَمَ فَأَبَاهَا، فَهَلْ جَحَدَ إبْلِيسُ رَبَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39] وَيَقُولُ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر: 36] إيمَانًا مِنْهُ بِالْبَعْثِ وَإِيمَانًا بِنَفَاذِ قُدْرَتِهِ فِي إنْظَارِهِ إيَّاهُ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

وَهَلْ جَحَدَ أَحَدًا مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَوْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ سُلْطَانِهِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِعِزَّتِهِ؟

وَهَلْ كَانَ كُفْرُهُ إلَّا بِتَرْكِ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ بِهَا فَأَبَاهَا؟

قَالَ: وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ نَبَأِ ابْنَيْ آدَمَ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ [المائدة: 27] إلَى قَوْلِهِ: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30] قَالُوا: وَهَلْ جَحَدَ رَبَّهُ؟ وَكَيْفَ يَجْحَدُهُ وَهُوَ يُقَرِّبُ الْقُرْبَانَ؟

 قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15] وَلَمْ يَقُلْ: إذَا ذُكِّرُوا بِهَا أَقَرُّوا بِهَا فَقَطْ.

وَقَالَ: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: 121] يَعْنِي يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ.

 (الشرح)

فإن المؤلِّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الفصل نقل عن محمد بن نصر المروزي في كتابه العظيم تعظيم قدر الصلاة([2]) أدلة أهل السُنَّة والجماعة في أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، والرد على المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو مجرد التصديق وأن الكفر هو الجحود فقط.

هذه الأدلة التي نقلها عن الإمام من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فيها بيان أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان تصديقٌ بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالجوارح، كما أن الكفر ليس هو الجحود فقط، بل الكفر يكون جحودًا ويكون عملًا ويكون أيضًا قولًا باللسان.

قد يَكْفُر الإنسان بالجحود، وقد يَكْفُر بكلمة الكفر، وقد يكفر بعمل الكفر، فإذا جحدَ عملًا معلومًا من الدِّين بالضرورة؛ كفر، وإذا فعل الشرك وسجد للصنم واختار الكفر؛ كَفَر وإذا تكلم بكلمة الكُفْر؛ كَفَر.

فليس الإيمان مجرد التصديق، ولا الكفر مجرد الجحود، بل الإيمان يكون تصديقًا بالقلب وعملًا بالقلب وعملًا بالجوارح، كما أن الكفر يكون جحودًا ويكون شكًّا ويكون فعلًا كالسجود للصنم، ويكون قولًا كأن يتكلم بكلمة كُفر مختارًا، وأن الإيمان مرتبطٌ بالعمل، وكذلك الكفر مرتبطٌ بالعمل.

فهذا الفصل فصلٌ عظيم نقله المؤلف رحمه الله من الإمام محمد بن نصر في كتابه: تعظيم قدر الصلاة.

فقال المؤلِّف رحمه الله: " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ" في كتابه تعظيم قدر الصلاة، "وَاسْتَدَلُّوا" يعني أهل السنة والجماعة، " عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا ذَكَرَوهُ" يعني من أنه قولٌ وعمل، " بِالْآيَاتِ" وبالأحاديث، يعني أهل السنة والجماعة استدلوا على أن الإيمان قولٌ وعمل بالآيات، واستدلوا أيضًا بالسنة، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا ذَكَرَوهُ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ إيمَانًا" وإسلامًا ودينًا، يعني من الأدلة التي استدلوا بها على أن الإيمان شكر وعملًا أن الله تعالى سمى الصلاة إيمانًا، من الأدلة التي تدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان الصلاة، سماها الله إيمانًا في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] ([3])

والمراد بالإيمان هنا الصلاة إلى بيت المقدس، لما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة وجهه الله إلى بيت المقدس يستقبله في صلاته ستة عشر شهرُا أو سبعة عشر شهرًا ثم حُوِّلَت القبلة إلى الكعبة؛ فقال بعض الصحابة: كيف حال الذين ماتوا وهم يصلُّون إلى بيت المقدس قبل أن تتحول القبلة؟

 فأنزل الله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاةَ إيمانًا.

هذه معنى قول المؤلف رحمه الله:" بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ الصَّلَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ" تسمى إيمان وإسلام ودين كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 2 - 4]

فسمى هذه الأعمال إيمان، وجل القلب عند ذِكر الله هذا عملٌ قلبي وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن والتوكل على الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة: كل هذه تسمى إيمان، قال: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 4] فسماها الله إيمانًا ([4]).

وكذلك تسمى دين كما في حديث جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام فسره بالأركان الخمسة، وعن الإيمان فسره بالأصول الستة، وعن الإحسان، وعن الساعة وعن أماراتها، ثم قال: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ([5]) سمى هذا دينًا.

فديننا له ثلاث مراتب:

1- الإسلام                   2- الإيمان                  3- والإحسان

وكذلك قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85]

والإسلام هو الأعمال، فسمى الله الصلاة وسائر الطاعات إيمانًا وإسلامًا ودينًا؛ وهذا يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كما أن الأعمال داخلة في مسمى الكفر.

قال المؤلف رحمه الله نقلًا عن الإمام محمد بن نصر: " وَاسْتَدَلُّوا" يعني أهل السنة والجماعة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الأعمال داخلة في مسمى الكفر، " إيمَانًا وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ إبَاءِ إبْلِيسَ حِينَ عَصَى رَبَّهُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ أَنْ يَسْجُدَهَا لِآدَمَ فَأَبَاهَا" فسمى هذا كفر وإذا قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34]

الله تعالى حكم على إبليس بالكفر بأي شيء؟ هل بالجحود أو بترك العمل؟

بترك العمل، ما جحد إبليس ما جحد ربه، استكبر عليه؟

استكبر عن العمل، عن السجود، والسجود عمل؛ فدل على أن العمل داخل في مسمى الكفر وداخل في مسمى الإيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ إبَاءِ إبْلِيسَ حِينَ عَصَى رَبَّهُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ أَنْ يَسْجُدَهَا لِآدَمَ فَأَبَاهَ" يعني في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34] أبى عن السجود واستكبر؛ فحكم الله عليه بالكفر، فكان من الكافرين. ([6])

يقول المؤلف رحمه الله يعني بعد هذه الآية: " فَهَلْ جَحَدَ إبْلِيسُ رَبَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39]" هل جحدَ ربَّه؟ مُعْتَرِفٌ بربه، قال: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39] يخاطب ربه، إذًا ما جحدَ، كُفْرُه ليس بالجحود وإنما كفره بتركِ العمل.

فدلَّ على أن قول المرجئة: الكفر لا يكون إلا جحودًا، باطل، كما أن قولهم: الإيمان لا يكون إلا تصديقًا، باطل؛ فالإيمان يكون جحودًا، ويكون عملًا، ويكون قولًا، والكفر يكون جحودًا، ويكون شكًّا، ويكون عملًا، ويكون قولًا.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَهَلْ جَحَدَ إبْلِيسُ رَبَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39] وَيَقُولُ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر: 36] ماجحد ربه" قال: " إيمَانًا مِنْهُ بِالْبَعْثِ" مؤمن بالبعث إبليس، قال: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر: 36] أثبت البعث ومع ذلك كفر، كفر بالاستكبار عن العمل؛ فإبليس مقرٌ بالله بربوبيته ومقرٌ بالعبث؛ ومع ذلك صار كافرًا لأنه استكبر، كفره بالاستكبار عن العمل.

ويقول:" رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر: 36] ([7]) إيمَانًا مِنْهُ بِالْبَعْثِ وَإِيمَانًا بِنَفَاذِ قُدْرَتِهِ فِي إنْظَارِهِ إيَّاهُ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"، يعني إبليس يقول: آمن بالعبث وآمن بقدرة الله وأن الله قادر على أن ينظره إلى يوم يبعثون ومع ذلك كفر بالاستكبار عن العمل، قال: " وَهَلْ جَحَدَ أَحَدًا مِنْ أَنْبِيَائِهِ"، يعني هل إبليس جحد أحد أنبيائه، " أَوْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ سُلْطَانِهِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِعِزَّتِهِ؟" قال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82]

فإبليس ليس كفره بالجحود، هذا يرد به المؤلف على المرجئة الذين يقولون: الكفر ما يكون إلا جحود، قال: إبليس ما جحد، آمن بالبعث وآمن بقدرة الله، فهل جحد اللهَ أو ربوبية الله؟ لا، هل جحد البعث؟ ما جحد، هل جحد أحد أنبيائه؟ ما جحد، هل أنكر شيئًا من سلطانه؟ ما أنكر شيئًا من سلطانه وهو يحلف بعزته قال: فَبِعِزَّتِكَ [ص: 82].

قال المؤلف: " وَهَلْ كَانَ كُفْرُهُ إلَّا بِتَرْكِ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ بِهَا فَأَبَاهَا؟"

وهذا دليل على أن الكفر ليس خاصًا بالجحود، بل يكون الكفر بترك العمل، ويكون الكفر أيضًا بالقول، كما أن الإيمان يكون بالتصديق ويكون بالعمل ويكون بالقول.

قال نقلًا عن محمد بن نصر: " وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا"، يعني أهل السنة والجماعة على أن الإيمان يكون قولًا وعمل والكفر يكون قولًا وعمل، " وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ نَبَأِ ابْنَيْ آدَمَ" وهما قابيل وهابيل، لما قتل أحدها الآخر، وسبب ذلك أنهما قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ [المائدة: 27] إلَى قَوْلِهِ: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30]"

أصبح من الخاسرين لماذا؟ هل أصبح من الخاسرين بالجحود أم بالعمل؟

بالعمل وهو قَتْل أخيه، قَتْل أخيه عمل؛ أصبح خاسرًا وضعف إيمانه ونقص إيمانه؛ فدل على أن المعاصي تنقص الإيمان وتضعفه.

بخلاف المرجئة الذين يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الأعمال لا تؤثر وإيمان أهل السماء وأهل الأرض سواء وإيمان أفسق الناس وأعبد الناس سواء، هذا باطل يقولون: والأعمال لا تؤثر، هذا باطل، من أبطل الباطل، بل الطاعات تزيد في الإيمان والمعاصي تنقصه.

ولهذا قال الله في أحد ابني آدم لما قتل أخاه، قال: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30] لضعف إيمانه ونقص إيمانه حيث قتل أخاه بغير حق؛ فدل على أن الأعمال تؤثر في الإيمان وأن المعاصي والكبائر تنقِص الإيمان وتضعِفه.

قال المؤلف رحمه الله: " قَالُوا: وَهَلْ جَحَدَ رَبَّهُ؟"، يعني هل قابيل حينما قتل أخاه هابيل هل كفره بالجحود كما تقولون أيها المرجئة: إن الكفر لا يكون بالجحود، هل قابيل جحد؟ ما جحد.

قال:"  وَهَلْ جَحَدَ رَبَّهُ؟ وَكَيْفَ يَجْحَدُهُ وَهُوَ يُقَرِّبُ الْقُرْبَانَ؟"

ثم قال المؤلف رحمه الله: " قَالُوا"، يعني من أدلة أهل السنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الأعمال تزيد في الأعمال قال: قَالُوا"، يعني من أدلتهم، ": قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15]".

فبيَّن أن إيمانهم بالعمل وهو السجود لله والتسبيح بحمده وعدم الاستكبار وليس إقراربالقلب فقط كما يقول المرجئة، يقولون: الإيمان هو الإقرار والتصديق بالقلب.

يقول المؤلف رحمه الله من أدلة هذه الآية: " وَلَمْ يَقُلْ: إذَا ذُكِّرُوا بِهَا أَقَرُّوا بِهَا فَقَطْ"، وإنما قال: إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا [السجدة: 15]

إذًا فعلوا، فعل هذا، فعل وعمل، " وَلَمْ يَقُلْ: إذَا ذُكِّرُوا بِهَا أَقَرُّوا بِهَا فَقَطْ، وَقَالَ: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: 121] يَعْنِي يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ"([8])..

يعني قال: قال الله تعالى في وصف المؤمنين أو وصف المؤمنين من أهل الكتاب قال: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ  [البقرة: 121] وفُسِّر يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ: يتبعونه حق اتباعه يعني يعملون به، وأثبت لهم الإيمان باتباع الكتاب بالعمل، اتباع الكتاب عمل وليس إقرارًا؛ فدل على بطلان قول المرجئة: إن الإيمان هو التصديق والإقرار وإن الكفر هو الجحود فقط.

(المتن)

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مَعَ مَا ذَكَرْت مِنْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ عَامَّةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ تَنْطِقُ بِذَلِكَ مِنْهَا حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَذَكَرَ حَدِيثَ شُعْبَةَ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَفْظُهُ آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ([9])  وَذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً تُوجِبُ دُخُولَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ  لَمَّا سُئِلَ ﷺ([10]).

(الشرح)

المؤلف أورد اعتراض وكأنه  لايزال ينقل عن محمد بن نصر، أورد اعتراض الإمام محمد بن نصر نقل عنه المؤلف اعتراض سؤال وجواب.

قال:" فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مَعَ مَا ذَكَرْت مِنْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ؟".

يعني يقول المؤلف: إنك ذكرتَ فيما سبق الأدلة من الكتاب العزيز، على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فهل هناك أدلة من السُّنَّة تدل على أن العمل داخلٌ في مسمى الإيمان؟

قال نعم، قال:" فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مَعَ مَا ذَكَرْت مِنْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ عَامَّةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ تَنْطِقُ بِذَلِكَ".

يعني: الأدلة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان من الكتاب ومن السنة، وليس خاصًّا بأدلة الكتاب، بل الأدلة متضافرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان،" مِنْهَا حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ"، وَذَكَرَ حَدِيثَ وفد عبد القيس أن النبي ﷺ  قال: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟([11])، ثم فسَّره بالشهادة، الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم وإعطاء الخمس، فسَّر الإيمان بالعمل، في أوضح مِن هذا؟

يعني فسَّر الإيمان، قال: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ ثم فسَّر الإيمان بأي شيء؟ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس، أليست هذه أعمال؟! أدخلها في مسمى الإيمان.

وكذلك أيضًا يقول: "حَدِيثَ شُعْبَةَ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ"، ذكره فيما تقدم، قال: عن رجلٍ من أهل الشام قال: عن النبي ﷺ، قال له: أَسْلِم تَسْلَم. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تُسلِم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، يعني: الهجرة من الإيمان، قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال: أن تجاهد أو تقاتل الكفار إذا لقيتهم ولا تغلل ولا تجبن، ثم قال رسول الله ﷺ: عملان هما أفضل الأعمال إلا مَن عمل بمثلهما -قالها ثلاثًا-: حجةٌ مبرورة أو عمرة([12]) ثم قال المؤلف هناك في ... الكتاب رواه أحمد ومحمد بن نصر المروزي.

فهذا الحديث واضح في أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، «قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ثم قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة جعلها من الإيمان، الهجرة عمل، قال: وما الهجرة؟ قال أن تهجر السوء فجعلها من الإيمان، قال فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد وهذا عمل، ولا تغلل ولا تجبن ثم قال: عملان هما أفضل الأعمال حجةٌ مبرورة أو عمرة([13]) أدخل الأعمال في مسمى الإيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "مِنْهَا حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَذَكَرَ حَدِيثَ شُعْبَةَ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَفْظُهُ"؛ يعني لفظ حديث وفد عبد القيس،  آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ -فسرها بأي شيء؟-: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ([14])"، فهذه الأعمال الخمسة فسر الإيمان بها؛ فدل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان.

قال المؤلف رحمه الله: " وَذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً"، يعني محمد بن نصر في كتابه تعظيم قدر الصلاة، " وَذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً تُوجِبُ دُخُولَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ذكر أحاديث كثيرة توجب دخول الأعمال في الإيمان مثل قوله في حديث. أبي ذر لما سُئل رسول الله ﷺ عن الإيمان فقرأ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177]".

هذه كلها خصال البِر داخلة في مسمى الإيمان؛ فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن النصوص متضافرة من الكتاب والسنة يُقوِّي  ، وينصر بعضها بعضا، ، ويزيدُ بعضها بعضًا؛ على أن الاعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهي صريحةٌ في بطلان مذهب المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان مجرد التصديق وأن الأعمال لا تدخل في مسماه، وأن  الكفر مجرد الجحود، وأن الأعمال لا تدخل في مسماه([15]).

 (المتن)

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ([16]): اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([17]) فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ إزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلَ عَنْهُ اسْمَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَقَالُوا: إذَا زَنَى فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَاحْتَجُّوا لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. بِقَوْلِهِ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا [الحجرات: 14] الْآيَةُ.

فَقَالُوا: الْإِيمَانُ خَاصٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالْعَمَلِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامُ عَامٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَذَكَرَهُ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَى رِجَالًا وَلَمْ يُعْطِ رَجُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْت فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَمْ تُعْطِ فُلَانًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أو مُسْلِمٌ أَعَادَهَا ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: أو مُسْلِمٌ ثُمَّ قَالَ: إنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا وَأَمْنَعُ آخَرِينَ وَهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ([18]) قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ([19]): وَاحْتَجُّوا بِإِنْكَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْإِيمَانِ فَقَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَجُلُّ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَخْرُجُ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ([20])  وَبِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: مُسْلِمٌ وَيَهَابَانِ: مُؤْمِنٌ.

(الشرح)

نعم، المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه: تعظيم قدر الصلاة، الخلاف في تفسير الحديث الصحيح: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([21]).

قال:" ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْر -يعني المروزي-: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا([22]) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ​​​​​​​([23]) فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ إزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلَ عَنْهُ اسْمَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ".

نعم، هذا قولٌ جيد وهو الصواب، قالوا في تفسير الحديث: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ​​​​​​​([24]) الإيمان الذي نُفِيَ عنه هو الإيمان الكامل، ولكن يثبت له اسم الإسلام، قالوا: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ​​​​​​​([25]) يعني: الإيمان الكامل، فيُنفى عنه الإيمان ويُثبَت له اسم الإسلام.

لأنَّ العاصي يُسمى مسلمًا ولا يُسمى مؤمنًا، وأما الذي أدَّى الواجبات، المؤمن الذي أدَّى الواجبات وتركَ المحرمات يُسمى مسلمًا ويسمى مؤمنًا بإطلاق، أما الزاني والسارق وشارب الخمر فلا يُطلَق عليه اسم الإيمان إلا بقيد، يُقال: مؤمنٌ ناقص الإيمان، مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، أو يُطلق عليه اسم الاسلام فقط، فيُقال: مسلم.

هذا القول نقله، قال الإمام محمد بن نصر: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ إزَالَةَ اسْمِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُزِيلَ عَنْهُ اسْمَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ"، نعم، قالوا الإسلام يُطلَق على العاصي والإيمان لا يُطلَق على العاصي إلا بقيد، " وَقَالُوا: إذَا زَنَى فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ وَهُوَ مُسْلِمٌ" صحيح ليس بمؤمن يعني الإطلاق، لكنه مسلم لأنه عنده أصل الإيمان الذي يصح به إسلامه فهو مؤمنٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، لكن ليس عنده الإيمان الكامل الذي يحمله على ترك الكبائر وأداء الواجبات.

قال: " وَاحْتَجُّوا لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. بِقَوْلِهِ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا [الحجرات: 14]" يعني هذه الآية آية الحجرات فرَّقت بين الإيمان والإسلام، قال الله تعالى:  قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14] ([26])

فالله تعالى نفى عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام، وهي في ضعفاء الإيمان، يعني لم تدخل حقيقة الإيمان في قلوبكم وإن كنتم مسلمين، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير جمهور أهل السنة لأن الله أثبت لهم عملًا أثبت لهم طاعة لله ورسوله فقال: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات: 14] وقال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات: 17] أثبت لهم الإسلام، وإن كان بعض العلماء وبعض أهل السنة قالوا: إنها في المنافقين وأنه ليس عندهم إيمان لنفاقهم، قال بهذا: الإمام البخاري وجماعة، لكن الصواب أنها في ضعفاء الإيمان، ولهذا هذه الآية فرَّقت بين الإيمان والإسلام([27]).

يقول المؤلف رحمه الله  نقلًا عن محمد بن نصر: " فَقَالُوا: الْإِيمَانُ خَاصٌّ يُثْبِتُ الاسم بِهِ بِالْعَمَلِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامُ عَامٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ"، نعم هذا الصحيح، يعني الإيمان يثبت لصاحبه بالتوحيد والعمل، "وَالْإِسْلَامُ عَامٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ"، يعني إذا وحَّد الله وخرج مِن مِلل الكفر ولم يفعل كفرًا نافضًا من نواقض الإسلام؛ فإنه يسمى مسلم ولو فعل المعاصي، فإذا وحَّد الله وخرج مِن مِلل الكفر؛ سُمِيَ مسلمًا ولو كان عاصيًا، بخلاف الإيمان فإنه لا يُطلَق على الإنسان إلا إذا وحَّد الله وأدى الواجبات وترك المحرمات، فإن ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات؛ خرج من مسمى الإيمان بإطلاق ولا يزال يُطلق عليه اسم الإسلام.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله : " فَقَالُوا: الْإِيمَانُ خَاصٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالْعَمَلِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامُ عَامٌّ يُثْبِتُ الِاسْمَ بِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَذَكَرَهُ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَى رِجَالًا"، يعني: في العطاء، في قسمة الغنيمة، أعطى رجالًا؛ يتألَّفهم على الإسلام، "أَعْطَى رِجَالًا وَلَمْ يُعْطِ رَجُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا" في الحديث عن سعد بن أبي وقاص: وكان أعجبهم إليَّ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْت فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَمْ تُعْطِ فُلَانًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ثم  في آخر الحديث أنه قال ما لك يا رسول الله عن فلان فواللهِ إني لأراه مؤمنًا، فَقَالَ النبي ﷺ: أو مسلمًا يعني: لا يُطلق عليه اسم الإيمان، ثم سكت سعد، ثُمَّ غلبه ما يجده منه، فقال: يا رسول الله، ما لكَ عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنًا. فقال النبي ﷺ: أو مسلمًا، ثم سكت، فغلبه ما يجده عنه، فقال: يا رسول الله، ما لكَ عن فلان، فواللهِ  إني لأراه مؤمنًا، فقال النبي ﷺ: أو مسلمًا، ثم قال النبي ﷺ أقتالًا يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ منه؛ مخافة أن يكبه الله على وجهه في النار([28]).

يعني: النبي ﷺ يعطي العطاء؛ ليتألف على الإسلام، يعطي الرجل وغيره أحب منه مخافة أن يكون هذا الذي لم يعطه، لو لم يعُطَ ارتد، فكبه الله على وجهه في النار لأنه إيمان ضعيف، كما أعطى في غزوة حنين رؤساء القبائل وصناديدهم، أعطى سفيان بن حرب مائة من الإبل وأعطى  عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل؛ لأن هؤلاء أسملوا حديثًا، ورؤساء قبائل، أعطاهم ولمْ يعطِ الأنصارَ شيئًا؛ لأن هؤلاء أسلموا حديثًا فهو يتألفهم على الإسلام حتى يتقوى إيمانهم، فهو يعطي الإنسان حتى يتقوى إيمانه، لأن بعضهم لو لم يُعطَ؛ ارتد فكبه الله على وجهه في النار، بخلاف قوي الإيمان فإنه يتركه لإيمانه.

هذا الحديث فيه أن النبي ﷺ  فرَّق بين الإسلام والإيمان، قال سعد: مؤمنًا، قال النبي ﷺ: أو مسلمًا ثلاث مرات؛ فدلَّ على الفرق بين الإيمان والإسلام، والنبي ﷺ  يقول: أو مسلماً، ثم قال: إني لأعطي الرجل وأمنع آخرين وهم أحب إليَّ منهم مخافة أن يكَبوا على وجوههم في النار([29]) يعني إذا لم يُعطَوا قد يرتدون بسبب أنهم دخلوا في الإسلام من جديد ولم يدخل الإيمان في قلوبهم.

"قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ"، يعني الزهري رحمه الله الإمام المشهور يقول: الإسلام هو كلمة، الكلمة المقصود الشهادتان، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، والإيمان العمل، هذا قول للعلماء، أحد القولين : أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل، وليس مقصود الزهري أن العمل لا يدخل في مسمى الإسلام، بل مقصوده أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين؛ سًمِّي مسلمًا ولا يُطلَق عليه الإيمان إلا إذا عَمِل، وأما الإسلام فإنه إذا نطق بالشهادتين وخرج من مِلل الكفر سًمي مسلمًا ولو قصَّر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات.

والقول الثاني: أن الإيمان والإسلام شيء واحد، ذهب إلى هذا بعض العلماء وهو قول الخوارج والمعتزلة.

والقول الثالث: أن الإسلام والإيمان يختلف باختلاف التجرد والاقتران، فإن اجتمعا؛ فسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أطلِق أحدهما؛ دخل فيه الآخر وهذا هو الصواب.

"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَاحْتَجُّوا بِإِنْكَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ"، يعني احتجَّ على السنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، "إِنْكَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْإِيمَانِ فَقَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ"، فعبد الله بن مسعود أنكر على مَن شهد لنفسه بالإيمان وقال: أنا مؤمنٌ بغير استثناء، يعني كيف تقول: أنا مؤمن ولا تستثني، وأنت لا تدري أنك أديت الواجبات وتركت المحرمات.

فلو كان الإيمانُ مجرد التصديق؛ لم يُنكِر عليه عبد الله بن مسعود؛ لأنه مُصدِّق يعلم من نفسه أنه مُصدِّق.

فلما أنكر عليه عبد الله بن مسعود قوله: أنا مؤمنٌ من غير استثناء، لم يقل: أنا مؤمن إن شاء الله؛ دلَّ على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، والاستثناء راجع إلى الأعمال.

يعني: يقول عبد الله بن مسعود: كيف تقول: أنا مؤمن ولا تستثني وأنت لا تدري ولا تجزم بأنك أديت الواجبات وتركت المحرمات؟! هل تعتقد أنك أديت ما عليك؟ قد تكون الواجبات فيها خَلل، وقد تكون فعلت بعض المحرمات، فكيف تقول: أنا مؤمن ولا تستثني، قل: أنا مؤمن إن شاء الله.

فلما أنكر عليه عبد الله بن مسعود؛ دلَّ على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

يقول المؤلف رحمه الله:" وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ"، يعني أصحاب عبد الله بن مسعود، "جُلُّ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ"، يعني كلهم على ذلك يعني يستثنون في الإيمان وهو أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، كما كان يقول عبد الله بن مسعود وجماعة من الصحابة منهم علقمة والأسود ومسروب ومغيرة والنخعي ومحمد بن زيد وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وهو قول جماهير أهل السنة القول بالاستثناء لأن الاستثناء راجعٌ إلى العمل.

وقال: "وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَخْرُجُ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ([30])"، يعني أن المسلم إذا فعل المعصية؛ خرج منه الإيمان، فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ، يعني الإيمان الكامل، وإلا أصل الإيمان فلا يخرج بالمعصية.

قال: "بِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: مُسْلِمٌ وَيَهَابَانِ: مُؤْمِنٌ"، يقولان للعاصي، ويهبان أن يقولا: مؤمن.

 (المتن)

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ فضيل بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([31]) فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا الْإِسْلَامُ وَدَوَّرَ دَارَةً وَاسِعَةً وَهَذَا الْإِيمَانُ وَدَوَّرَ دَارَةً صَغِيرَةً فِي وَسَطِ الْكَبِيرَةِ فَإِذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا الْكُفْرُ بِاَللَّهِ.

 وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([32]) حَدَّثَنَا بِذَلِكَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ِشْرَيح بْنِ هانئ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([33])

  وَذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَجَعَلَ الْإِيمَانَ خَاصًّا وَالْإِسْلَامَ عَامًّا. قَالَ: فَلَنَا فِي هَؤُلَاءِ أُسْوَةٌ وَبِهِمْ قُدْوَةٌ مَعَ مَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ الْمُؤْمِنِ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَمِدْحَةٍ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۝ حِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب 43، 44]

وَقَالَ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب: 47] وَقَالَ: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس: 2].

وَقَالَ: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد: 12].

وَقَالَ: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257].

وَقَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة: 72]

 قَالَ: ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَمَّنْ أَتَى كَبِيرَةً.

 قَالُوا: وَلَمْ نَجِدْهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى حَالِهِ وَاسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْهُ.

(الشرح)

فإن المؤلف رحمه الله نقل عن محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة أدلة أهل السنة والجماعة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان من الكتاب ومن السنة خلافًا للمرجئة القائلين بأن: الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، نقل عنه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ  كما سبق أنهم استدلوا على ذلك بما قص الله من نبأ إبليس حينما عصى ربه قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر: 39] وكذلك بما قص الله من نبأ ابني آدم: إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ [المائدة: 27] واستدل بقول الله تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15] وكذلك قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة: 121]

وكذلك أيضًا استدل بالسنة كحديث ابن عباس: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟([34]) حديث وفد بن عبد القيس: قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ.

ولا يزال المؤلف رحمه الله ينقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة عن أهل السنة استلالهم بالكتاب والسنة، قال:" وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ" الذي هو ابو جعفر الصادق وهو ابو جعفر محمد بن علي وهو جعفر الصادق، نقلوا بسنده قال:" وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ فضيل بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([35]) فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا الْإِسْلَامُ وَدَوَّرَ دَارَةً وَاسِعَةً وَهَذَا الْإِيمَانُ وَدَوَّرَ دَارَةً صَغِيرَةً فِي وَسَطِ الْكَبِيرَةِ فَإِذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا الْكُفْرُ بِاَللَّه".

المعنى: أن الإسلام أوسع دائرةً من الإيمان، فإن الإسلام يُطلق على مَن دخل في الإسلام وشهد لله تعالى بالوحدانية وشهد لنبيه ﷺ  محمدٍ بالرسالة وأتى ببعض الأعمال وإن قصَّر في بعض الأعمال، ولكنه لا يُطلَق عليه الإيمان إلا إذا أدى الواجبات وترك المحرمات؛ فلهذا دوَّر أبو جعفر دارةً واسعة وقال: هذا الإسلام، يعني أوسع، ودوَّر دائرةً صغيرة في وسط الكبيرة وقال: هذا الإيمان.

المعنى أن الإيمان أضيق دائرة من الإسلام والإسلام أوسع، فإن الإسلام يُطلَق على المؤمن العاصي وأما الإيمان فلا يُطلَق على المؤمن العاصي إلا بتقييد، فلا يُقال: هو مؤمن إلا من أدى الواجبات و ترك المحرمات، وإنما يُقَيَد يقال: مؤمن بإيمان فاسقٌ بكبيرته أو مؤمنٌ عاصي، بخلاف الإسلام فإنه أوسع دائرة.

قال: " وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([36])"، وذكر سند هذا الحديث، والسند الأول فيه بعض الضعف، وهذا السند أيضًا فيه ابن لهيعة وهو ضعيف عند أهل العلم، قال: " حَدَّثَنَا بِذَلِكَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَح بْنِ عاهان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([37])".

وهذا الحديث وهذه الآثار وإن كان في بعضه ضعف لكن يشُد بعضها بعضًا، وأدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان كثيرة لا حصر لها في الكتاب والسنة، والمؤلف رحمه الله يذكر بعض الأدلة -وإنْ كان فيها ضعف- من باب تقوية وتضافر الأدلة و تناصرها قال: أَسْلَمَ النَّاسُ، وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([38])، وَذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَجَعَلَ الْإِيمَانَ خَاصًّا وَالْإِسْلَامَ عَامًّا".

قوله: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([39])" فيه الفرق بين الإسلام والإيمان، فرَّق بين الإسلام والإيمان، قال: أَسْلَمَ النَّاسُ يعني الناس كلهم أسلموا، دخلوا في الإسلام يعني من شهد لله تعالى بالوحدانية والنبي ﷺ  بالرسالة؛ فإنه يكون مسلمًا وإن قصَّر في بعض الأعمال، وأما الإيمان فلا يُطلق إلا على من أدى الواجبات وانتهى عن المحرمات.

ولهذا قال: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العاص([40])، وَذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَجَعَلَ الْإِيمَانَ خَاصًّا وَالْإِسْلَامَ عَامًّا"، وهذا هو قول أهل السنة أن الإيمان خاص لا يطلق إلا على من أدى الواجبات وترك المحرمات، أما الإسلام فهو عام يُطلق على العاصي والمطيع.

" قَالَ فَلَنَا فِي هَؤُلَاءِ أُسْوَةٌ وَبِهِمْ قُدْوَةٌ"، يعني لنا في هؤلاء العلماء الذين نقل المؤلف رحمه الله  نقل عن محمد بن نصر أنه نقل عنهم الأدلة في أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الإسلام عام والإيمان خاص.

يقول: "قَالَ: فَلَنَا فِي هَؤُلَاءِ أُسْوَةٌ وَبِهِمْ قُدْوَةٌ مَعَ مَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ المؤمِن اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَمِدْحَةٍ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".

يعني يقول: إن الأدلة من الكتاب ومن السنة كلها تدل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وكلها تدل على أن الإسلام أوسع دائرة من الإيمان، والإيمان أضيَق في الدائرة، وأن الإيمان خاص والإسلام عام، مع الأدلة النظرية والأدلة العقلية في هذا، وذلك لأن النظر يقتضي هذا، "وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ المؤمِن اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَمِدْحَةٍ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، فلا يُطلق إلا على من أدى الواجب وترك المحرمات، بخلاف العاصي، العاصي مرتكب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار فلا يطلق عليه اسم الإيمان، وهو اسم الثناء والتزكية واسم مِدحة وعد الله عليه بالجنة؛ لا يطلَق على العاصي، العاصي مرتكب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار؛ فلهذا صار النظر أيضًا يقتضي ما تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة أن الإيمان خاص والإسلام عام وأن الإيمان لا يُطلق على العاصي مرتكِب الكبيرة وإن كان يُطلق عليه الإسلام.

ثم ذكر الأدلة التي فيها ثناء وتركية ومِدحة لأهل الإيمان " فَقَالَ: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۝ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب 43، 44]"، فالله تعالى أثنى على المؤمنين ووعدهم بالأجر الكريم.

" وَقَالَ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب: 47]" وهذا فيه بشارة للمؤمنين.

" وَقَالَ: بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يونس: 2]" بشارة للمؤمنين.

 وَقَالَ: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [الحديد: 12] وَقَالَ: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] وَقَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة: 72]"

دل على أن اسم الإيمان اسم ثناء وتزكية ومِدحة أوجب الله عليه الجنة؛ فلا يُطلَق على العاصي مرتكب الكبيرة؛ لأن مرتكب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار، والمؤمن متَوَعَّدٌ بالجنة؛ لا يُطلَق هذا على هذا؛ فدل على أن اسم الإيمان خاص واسم الإسلام عام.

" قَالَ: ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَمَّنْ أَتَى كَبِيرَةً".

يعني الله تعالى أوجب النار لمرتكب الكبيرة مثل قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا [النساء: 93] ومثل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء: 10]

فصاحب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار، والمؤمن بإطلاق موعودٌ بالجنة؛ فلا يمكن أن يُطلَق هذا على هذا؛ ولهذا فإن الإيمان لا يُطلَق إلا على من أدى الواجبات وترك المحرمات، بخلاف مرتكب الكبيرة فإنه متوعد بالنار، ولذلك صار اسم الإسلام عام واسم الإيمان خاص.

"قَالُوا: وَلَمْ نَجِدْهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى حَالِهِ وَاسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْهُ"، يعني لم نجد في النصوص أن الله أوجب الجنة على الإسلام على الإسلام المطلق وإنما أوجب دخول الجنة على الإيمان؛ فَثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ للعاصي،  عَلَى حَالِهِ  يعني على ما فيه "وَاسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْهُ"، واسم الإيمان منتفيٍ عن العاصي واسم الإسلام ثابتُ له؛ فدل على الفرق بين الإيمان والإسلام، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان لا يُطلَق إلا على من أدى الواجبات وترك المحرمات، وأما الإسلام فإنه يُطلَق على العاصي.

(المتن)

فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا: لَيْسَ الْإِيمَانُ ضِدُّ الْكُفْرِ قَالُوا: الْكُفْرُ ضِدٌّ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا وَفُرُوعًا فَلَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ حَتَّى يَزُولَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ، فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ؛ فَاَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَزَالَ عَنْهُمْ اسْمَ الْإِيمَانِ هَلْ فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ أَصْلُهُ ثَابِتٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَرُوا، أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أُنْكِرَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّا نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، يُخْبِرُك أَنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَدَّقَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَانْتَهَى عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُوجِبَاتِ لِلنَّارِ الَّتِي هِيَ الْكَبَائِرُ.

 قَالُوا: فَلَمَّا أَبَانَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ قَدْ اسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ، وَعَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ التصديق الا بالتَّكْذِيبِ وَلَسْنَا بِشَاكِّينَ وَلَا مُكَذِّبِينَ؛ وَعَلِمْنَا أَنَّا عَاصُونَ لَهُ مُسْتَوْجِبُونَ لِلْعَذَابِ وَهُوَ ضِدُّ الثَّوَابِ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ، عَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا وَأَمْسَكْنَا عَنْ الِاسْمِ الَّذِي أَثْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُزَكِّيَ أَنْفُسَنَا وَأَمَرَنَا بِالْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَوْجَبَ لَنَا الْعَذَابَ بِعِصْيَانِنَا فَعَلِمْنَا أَنَّا لِسْنَا بِمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْ نَتَسَمَّى مُؤْمِنِينَ إذْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ الثَّنَاءَ والبركة وَالرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ؛ وَأَوْجَبَ عَلَى الْكَبَائِرِ النَّارَ وَهَذَانِ حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن محمد بن نصر اعتراض أو اعتراضان، الاعتراض الأول: قال: "فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا: لَيْسَ الْإِيمَانُ ضِدُّ الْكُفْرِ"، يعني هذا الإيمان إذا قيل لهم في قولهم هذا:" قَالُوا: الْكُفْرُ ضِدٌّ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا وَفُرُوعًا"، يعني الإيمان ضد الكفر، والكفر ضد الإيمان، والمراد: الكفر الأكبر المخرِج من الملة هذا ضدٌ لأصل الإيمان.

أما الكفر العملي وهو الكفر الأصغر لا يكون ضدًا لأصل الإيمان ولكنه ضدٌ لكمال الإيمان؛ ولهذا ذكر رحمه الله تعالى: " فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا: لَيْسَ الْإِيمَانُ ضِدُّ الْكُفْرِ قَالُوا: الْكُفْرُ ضِدٌّ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا وَفُرُوعًا فَلَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ"، يعني الكفر الأكبر، " فَلَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ حَتَّى يَزُولَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ".

الاعتراض الثاني: قال: "فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ؛ فَاَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَزَالَ عَنْهُمْ اسْمَ الْإِيمَانِ هَلْ فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ أَصْلُهُ ثَابِتٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَرُوا".

يعني هذا الاعتراض فيما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي نفى الإيمان عن بعض العصاة، يقول: هل بقي عندهم شيء من الإيمان؟

الجواب: نعم، عندهم أصل الإيمان، ولكن الذي نُفِيَ عنهم كمال الإيمان؛ ولهذا " قَالُوا: نَعَمْ أَصْلُهُ ثَابِتٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَرُوا"، لولا أن عندهم أصل الإيمان لكفروا، "، أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ" ​​​​​​​" أُنْكِرَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ثُمَّ قَالَ"، " أُنْكِرَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ"، يعني أنكر عليه إطلاق الإيمان عليه، " ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّا نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ"، يعني العاصي مؤمن ليس بكافر مؤمنٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لكن يُنفى عنه كمال الإيمان، قال: "يُخْبِرُك أَنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَدَّقَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ"، فهو مؤمن من جهة أنه قد صدَّق بالله وملائكته وكتبه ورسله ولكن لا يستحق اسم المؤمن لكونه قصَّر في بعض الواجبات أو ارتكب بعض المحرمات، ولهذا قال: " يُخْبِرُك أَنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَدَّقَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَانْتَهَى عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُوجِبَاتِ لِلنَّارِ الَّتِي هِيَ الْكَبَائِرُ".

" قَالُوا "، يعني أهل السنة والجماعة في نفيهم الإيمان المطلق عن العاصي، " قَالُوا: فَلَمَّا أَبَانَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ"، يعني اسم الإيمان "يَسْتَحِقُّهُ مَنْ قَدْ اسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ"، يعني على الإيمان، " وَعَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ التَّكْذِيبِ بِالتَّصْدِيقِ، وَلَسْنَا بِشَاكِّينَ وَلَا مُكَذِّبِينَ؛ وَعَلِمْنَا أَنَّا عَاصُونَ لَهُ مُسْتَوْجِبُونَ لِلْعَذَابِ وَهُوَ ضِدُّ الثَّوَابِ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ عَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا"، يعني مصدقين، يعني أنهم مصدقين بالله وملائكته وكتبه ورسله، " وَأَمْسَكْنَا عَنْ الِاسْمِ الَّذِي أَثْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْجَنَّةِ"، وهو إطلاق الإيمان عليه، " وَأَمْسَكْنَا عَنْ الِاسْمِ الَّذِي أَثْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ"، يعني يقول: مؤمن: هذا اسم ثناء وتزكية فلا يُطلَق على العاصي، وإن كان العاصي عنده أصل الإيمان والتصديق.

" وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُزَكِّيَ أَنْفُسَنَا"، لأن الآية تقول: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم: 32]

"َأَمَرَنَا بِالْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَوْجَبَ لَنَا الْعَذَابَ بِعِصْيَانِنَا فَعَلِمْنَا أَنَّا لَسْنَا بِمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْ نَتَسَمَّى مُؤْمِنِينَ إذْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ الثَّنَاءَ والبركة".

يعني علمنا بأننا لسنا مستحقين بأن نتسمى مؤمنين على الإطلاق، "إذ"، يعني حيث، حيث "أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ الثَّنَاءَ والبركة وَالرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ؛ وَأَوْجَبَ عَلَى الْكَبَائِرِ النَّارَ وَهَذَانِ حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ".

حُكمان متضادان، مرتكب الكبيرة حكم الله عليه بالنار، والمؤمن وعده الله بالجنة؛ فالحُكمان متضادان.

فلا يُطلق اسم الإيمان على مرتكب الكبيرة، ولا يُطلَق على مرتكب الكبيرة اسم الإيمان، فمرتكب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار؛ فلهذا لا يُطلَق عليه اسم الإيمان، يُطلَق عليه اسم الإسلام، وإذا أطلِق عليه اسم الإيمان يُقَيَد يُقَال: مؤمنٌ بإيمانه، مؤمنٌ عاصٍ، أما إطلاق اسم الإيمان بدون تقييد فلا يُطلَق إلا على المؤمن الذي أدى الواجبات وترك المحرمات.

(المتن)

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَمْسَكْتُمْ عَنْ اسْمِ الْإِيمَانِ أَنْ تُسَمُّوا بِهِ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ؟

قَالُوا: إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْا الْأَشْيَاءَ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ فَسَمَّوْا الزَّانِيَ فَاسِقًا وَالْقَاذِفَ فَاسِقًا وَشَارِبَ الْخَمْرِ فَاسِقًا، وَلَمْ يُسَمُّوا وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَّقِي أَنْ يَكْفُرَ أَوْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا.

 وَكَذَلِكَ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يَتْرُكَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الصَّلَاةِ وَيَتَّقِي أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَّقٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا إذَا كَانَ يَأْتِي بِالْفُجُورِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ أَصْلَ التُّقَى وَالْوَرَعَ ثَابِتٌ فِيهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِيهِ فَرْعًا بَعْدَ الْأَصْلِ كَتَوَرُّعِهِ عَنْ إتْيَانِ الْمَحَارِمِ ثُمَّ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا مَعَ إتْيَانِهِ بَعْضَ الْكَبَائِرِ، بَلْ سَمَّوْهُ فَاسِقًا وَفَاجِرًا مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِبَعْضِ التُّقَى وَالْوَرَعِ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ التُّقَى اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ.

قَالُوا: فَلِذَلِكَ لَا نُسَمِّيه مُؤْمِنًا وَنُسَمِّيه فَاسِقًا زَانِيًا. وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَصْلُ اسْمِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ أَثْنَى اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَزَكَّاهُمْ بِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: مُسْلِمٌ وَلَمْ نَقُلْ: مُؤْمِنٌ.

(الشرح)

ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقل عن ين نصر المروزي اعتراض، قال: " فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَمْسَكْتُمْ عَنْ اسْمِ الْإِيمَانِ أَنْ تُسَمُّوا بِهِ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ؟"

هذا الاعتراض: يقول كيف لا تسمون أنفسكم مؤمنين وأنتم تزعمون أنكم مصدقون بقلوبكم، مصدقٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله، يعني كيف لا تسمون أنفسكم مؤمنين أو لا تسمون العاصي مؤمن معه أنه مصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله فهذان أمران متنافيان، يزعم العاصي مصدقٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا إ يمان، ثم لا يُطلَق عليه اسم الإيمان؟

أجاب المؤلف رحمه الله  فيما نقل عن محمد بن نصر المروزي بجوابين:

الجواب الأول: أن التسمية إنما هي لِمَا غلب، فالعاصي يغلب عليه العصيان، هو مصدقٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله لكن لَمَّا غلب عليه العصيان؛ لم يسمَ مؤمنًا وإنما سُمِي بما غلب عليه، فيُسمى الزاني: فاسق، ويُسمى القاتل: فاسق، ويُسمى شارب الخمر: فاسق ولا يُسمى مؤمن وإن كان عنده أصل الإيمان واصل التصديق.

والقول الثاني: الذي نقله كما سيأتي أنه: يُسمى مسلم ولا يُسمى مؤمن ولكن يُسمى مسلم ويسمى كافر بالعمل، كافرٌ بالعمل وهو المراد الكفر الأصغر؛ فلا يُسمى مؤمنًا ولكن يُسمى مسلمًا ويُسمى كافرًا بالعمل؛ لأنه لَمَّا نُفِي عنه اسم الإيمان؛ ثبت له اسم الكفر والمراد الكفر العملي الذي لا يُخرِج من المِلة كما سيأتي.

فالجواب الأول: يقول المؤلف رحمه الله:" قَالُوا: إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْا الْأَشْيَاءَ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ فَسَمَّوْا الزَّانِيَ فَاسِقًا وَالْقَاذِفَ فَاسِقًا وَشَارِبَ الْخَمْرِ فَاسِقًا"، لماذا؟

لأنه غلب عليه اسم الفسوق وإن كان مصدقًا بالله وملائكته وكتبه ورسله، " وَلَمْ يُسَمُّوا وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا"، وإن كان عنده أصل التُقى وأصل الورع لأنه لانسميه متقٍ ولا وَرِع لكنه قد تورع عن بعض الأشياء، تورع عن الشرك، تورع عن إتيان المحارم، لكن الذي يغلب عليه في كثيرٍ من الأشياء التي يواقعها من المعاصي لا يتورع؛ فلذلك لم نسميه متقٍ ولا وَرِعًا.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَّقِي أَنْ يَكْفُرَ أَوْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا".

يعني هو عنده نوع من التقى، كل مؤمن عنده نوع من التقوى، من التقوى لأنه اتقى الشرك والكفر، من التقوى: لأنه اتقى بعض المحرمات كإتيان المحارم.

" وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَّقِي أَنْ يَكْفُرَ أَوْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يَتْرُكَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الصَّلَاةِ"، هذا نوع من التقوى، هذا شيء من التقوى، يتقي الله فيغتسل من الجنابة ولا يصلي وهو جُنُب، يتقي الله فيؤدي الصلاة، لكنه لم يتق الله في الزنا ولا في شُرب الخمر ولا في التعامل بالربا ولا في أذية الجيران؛ فلذلك صار لا يُطلَق اسم التقي ولا الوَرِع وإن كان عنده شيءٌ من التقوى ومن الورع الذي لابد منه في إيمانه.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِيهِ أَصْلَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَّقِي أَنْ يَكْفُرَ أَوْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا.

 وَكَذَلِكَ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يَتْرُكَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الصَّلَاةِ وَيَتَّقِي أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَّقٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا إذَا كَانَ يَأْتِي بِالْفُجُورِ".

لأن العِبرة بالغلبة، والذي يغلب عليه الفجور، قال المؤلف: "فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ أَصْلَ التُّقَى وَالْوَرَعَ ثَابِتٌ فِيهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِيهِ فَرْعًا بَعْدَ الْأَصْلِ كَتَوَرُّعِهِ عَنْ إتْيَانِ الْمَحَارِمِ ثُمَّ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا وَلَا وَرِعًا مَعَ إتْيَانِهِ بَعْضَ الْكَبَائِرِ بَلْ سَمَّوْهُ فَاسِقًا وَفَاجِرًا مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِبَعْضِ التُّقَى وَالْوَرَعِ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ التُّقَى اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ".

يقول المؤلف رحمه الله: إن هذا العاصي وإن كان عنده أصل التقوى والورع؛ يتقي الشرك ويتقي ترك الغسل من الجنابة ويتقي ترك الصلاة ويتقي إتيان المحارم، ولا يُطلَق عليه اسم الإيمان ولا متقي ولا وَرِع لأن هذا اسم ثناء وتزكية وعد الله عليه بالجنة؛ ولهذا سموه باسم الفاسق والعاصي لأن العاصي لأن العاصي والفاسق مُتَوَعَّدٌ بالنار صاحب الكبيرة، ولا يُجمع له بين أمرين بين أسم الإيمان الذي وعد الله عليه بالجنة واسم العاصي الذي توعده الله عليه بالنار.

" قَالُوا: فَلِذَلِكَ لَا نُسَمِّيه مُؤْمِنًا وَنُسَمِّيه فَاسِقًا وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَصْلُ اسْمِ الْإِيمَانِ وهو الإيمان باله وملائكته وكتبه ورسله، " لِأَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ أَثْنَى اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَزَكَّاهُمْ بِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: مُسْلِمٌ وَلَمْ نَقُلْ: مُؤْمِنٌ".

هذا هو الجواب الأول، ومن ثَم يعني من أجل ذلك: "قُلْنَا: مُسْلِمٌ وَلَمْ نَقُلْ: مُؤْمِنٌ".

(المتن)

قَالُوا: وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَحِّدِينَ يَسْتَحِقُّ أَلَّا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ وَلَا إسْلَامٌ لَكَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ دَخَلُوهَا، فَلَمَّا وَجَدْنَا النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([41])؛ ثَبَتَ أَنَّ شَرَّ الْمُسْلِمِينَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ.

 وَلَمَّا وَجَدْنَا الْأُمَّةَ تَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُكَفِّرُونَهُمْ وَلَا يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ؛ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ إذْ أَجْمَعُوا أَنْ يُمْضُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُسَمَّوْا مُؤْمِنِينَ، إذْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُثْبِتُ لِلْمِلَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ فَتَزُولُ عَنْهُ أَسْمَاءُ الْمِلَلِ إلَّا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَتَزُولُ عَنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْمِلَلِ.

فَإِنْ قَالَ لَهُمْ قَائِلٌ: لِمَ لَمْ تَقُولُوا: كَافِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْكُفْرِ كَمَا قُلْتُمْ: مُؤْمِنُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْإِيمَانِ؟

 قَالُوا: لِأَنَّ الْكَافِرَ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ، وَالْمُؤْمِنَ أَصْلُ إيمَانِهِ الْإِقْرَارُ، وَالْإِنْكَارُ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ فَتُنْتَظَرُ بِهِ الْحَقَائِقُ، وَالْإِيمَانُ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَقَائِقُ الْأَدَاءِ لِمَا أَقَرَّ وَالتَّحْقِيقُ لِمَا صَدَّقَ.

 وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا حَقٌّ لِرَجُلِ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ فَقَالَ: لَيْسَ لَك عِنْدِي حَقٌّ فَأَنْكَرَ وَجَحَدَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَنْزِلَةٌ يُحَقِّقُ بِهَا مَا قَالَ إذَا جَحَدَ وَأَنْكَرَ، وَسَأَلَ الْآخَرُ حَقَّهُ فَقَالَ: نَعَمْ لَك عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، فَلَيْسَ إقْرَارُهُ بِاَلَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ بِذَلِكَ حَقُّهُ دُونَ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُ أَنْ يُحَقِّقَ مَا قَالَ بِالْأَدَاءِ وَيُصَدِّقَ إقْرَارَهُ بِالْوَفَاءِ، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ حَقَّهُ كَانَ كَمَنْ جَحَدَهُ فِي الْمَعْنَى إذْ اسْتَوَيَا فِي التَّرْكِ لِلْأَدَاءِ، فَتَحْقِيقُ مَا قَالَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ حَقَّهُ؛ فَإِنْ أَدَّى جُزْءًا مِنْهُ حَقَّقَ بَعْضَ مَا قَالَ وَوَفَى بِبَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَكُلَّمَا أَدَّى جُزْءًا ازْدَادَ تَحْقِيقًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْأَدَاءُ أَبَدًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ. فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ نَقُلْ: كَافِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(الشرح)

فإن المؤلف رحمه الله  نقل عن محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة مذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال داخلةٌ في مسمى الإيمان، وأن الأعمال اسم ثناءٍ وتزكية وهو خاص واسم الإسلام عام وهو أوسع من اسم الإيمان فيُطلق الإسلام على العاصي والمطيع، وأما المؤمن فلا يُطلَق إلا على المطيع.

 ونقل المؤلف بعد ذلك اعتراض ممن لم يُدخِل الأعمال في مسمى الإيمان، وقال:"  فَكَيْفَ أَمْسَكْتُمْ عَنْ اسْمِ الْإِيمَانِ أَنْ تُسَمُّوا بِهِ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ؟"

وقلنا كما في الحلقة الماضية إن المؤلف رحمه الله  أجاب بجوابين:

الحواب الأول: أن العاصي وإن كان مصدقًا بالله وملائكته وكتبه ورسله وإن كان عنده أصل التقوى وهو أن يتقي الشرك ويتقي المحارم ويتقي ترك الغسل من الجنابة ويتقي ترك الصلاة؛ إلا أنه لا يُطلَق عليه اسم الإيمان لأنه اسم ثناءٍ وتزكية وعد الله عليه بالجنة ولأن الأغلب عليه مواقعة المعاصي والفجور؛ فلذلك لا يُسمى مؤمن بإطلاق لأنه مرتكبٌ لكبيرة ومرتكب الكبيرة مُتَوَعَّدٌ بالنار، بخلاف المؤمن فإنه موعودٌ بالجنة.

والجواب الثاني: سيأتي أن المؤلف رحمه الله  أجاب بجوابين، الجواب الثاني سيأتي بعد ذلك.

يقول المؤلف رحمه الله في استكمال الجواب الأول: " قَالُوا: وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَحِّدِينَ يَسْتَحِقُّ أَلَّا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ وَلَا إسْلَامٌ لَكَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ دَخَلُوهَا"، يعني أن المسلم العاصي في قلبه إيمان، عنده أصل الإيمان؛ ولهذا فإنه إذا دخل النار يخرج من النار بالإيمان الذي في قلبه ولو كان قليلًا، كما ثبت في الأحاديث أنه يخرج من النار وتواترت الأخبار أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان.

يقول المؤلف رحمه الله :"وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَحِّدِينَ يَسْتَحِقُّ أَلَّا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ وَلَا إسْلَامٌ لَكَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ دَخَلُوهَا"، فكونهم دخلوا النار فمعهم أصل الإيمان، لأن المعاصي وإن عَظُمَت وإن كَثُرَت لا تقضي على الإيمان بل يبقى شيءٌ من الإيمان، إنما الذي يقضي على الإيمان هو الكفر، فأهل النار من العصاة الموحدين معهم أصل الإيمان، ولهذا فإنهم يُعَذَبُون في النار بما معهم من المعاصي ثم يخرجون منها إلى الجنة بما معهم من الإيمان.

يقول المؤلف رحمه الله :" فَلَمَّا وَجَدْنَا النَّبِيَّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([42])؛ ثَبَتَ أَنَّ شَرَّ الْمُسْلِمِينَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ"، شر المسلمين هم العصاة في قلوبهم إيمان.

" وَلَمَّا وَجَدْنَا الْأُمَّةَ تَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُكَفِّرُونَهُمْ وَلَا يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ؛ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ"، يعني: الأُمَّة المسلمة تحكم على العصاة بالأحكام التي ألزمها الله للمسلمين، يُخَاطَبون العصاة -وإن كانوا عصاة- يُخَاطَبون بخطابات موجهة للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282].

كل هذه الخطابات يدخل فيها العصاة، ويُحْكَم على العصاة بأنهم مسلمون وأنهم داخلون في هذه الخطابات، ويُحْكَم عليهم بالأحكام التي ألزم الله بها المسلمين، ولا يُكفِّرونهم، ومع ذلك لا يشهدون لهم بالجنة؛ فـ "ثبت أنهم مسلمون".

قال المؤلف رحمه الله: " ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ إذْ أَجْمَعُوا أَنْ يُمْضُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُسَمَّوْا مُؤْمِنِينَ"، يعني: جمعوا بين الأمرين؛ يمضون عليهم أحكام المسلمين ومع ذلك لا يطلقون عليهم اسم الإيمان، والسب في ذلك قال: " إذْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُثْبِتُ لِلْمِلَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْإِنْسَانُ"، الإسلام ثابت للملة التي يخرج بها الإنسان من جميع المِلل، " فَتَزُولُ عَنْهُ أَسْمَاءُ الْمِلَلِ إلَّا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَتَزُولُ عَنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْمِلَلِ"، فاسم الإسلام: إذا نطق بالشهادتين وشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمد ﷺ  بالرسالة؛ فإنه ثبت له اسم الإسلام وزالت عنه جميع أسماء المِلل، فإن كان يهوديًا؛ زال عنه اسم اليهودية قبل ذلك، وإن كان نصرانيًا؛ زال عله اسم النصرانية، وإن كان مشركًا؛ زال عنه اسم الشكر، فاسم الإسلام يثبت له لأنه دخل في ملة الإسلام وتزول عنه جميع أسماء الملل .

ثم ذكر المؤلف قال: " فَإِنْ قَالَ لَهُمْ قَائِلٌ: لِمَ لَمْ تَقُولُوا: كَافِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْكُفْرِ كَمَا قُلْتُمْ: مُؤْمِنُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْإِيمَانِ؟"

يعني المؤمن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، عند أهل السنة، وقصدهم من ذلك أنه لا يزَّكي نفسه وأن أعمال الإيمان متعددة وهو لا يزكي نفسه ولا يجوز لأنه أدى ما عليه، فيُقال: مؤمنٌ إن شاء الله.

فالمعترض يقول: لِمَا لا تقولون: كافرٌ إن شاء الله، " لِمَ لَمْ تَقُولُوا: كَافِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْكُفْرِ كَمَا قُلْتُمْ: مُؤْمِنُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْإِيمَانِ؟"

أجاب أنه قال والجواب قال: "قَالُوا: لِأَنَّ الْكَافِرَ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ، وَالْمُؤْمِنَ أَصْلُ إيمَانِهِ الْإِقْرَارُ، وَالْإِنْكَارُ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ فَتُنْتَظَرُ بِهِ الْحَقَائِق".

يعني فَرْق بين الإيمان، فالمؤمن يقول: أنا مؤمنُ إن شاء الله، وأما الكفر: ولا يقال: كافرٌ إن شاء الله، لماذا؟

"لِأَنَّ الْكَافِرَ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ"، والإنكار لا أول له ولا آخر، منكر: جاحد، ليس معه شيء حتى يُقال يستكمل كما ذكروا فهو منكِر فهو كافر منكِر للحق كله، فالكافر منكِر للحق والإنكار لا أول له ولا آخر فتنتظر به الحقائق، لو كان له أول وله آخر حتى تُتنظر به الحقائق؛ قيل: كافر إن شاء الله، لكن لا أول له ولا آخر.

بخلاف المؤمن، المؤمن أصل إيمانه الإقرار فإذا أقر؛ دخل في الإيمان، دخل في الإسلام وحينئذٍ تُتنَظر به الحقائق، يُنتظر أن يُكَمِّل.

ولهذا قال: " وَالْإِنْكَارُ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ فَتُنْتَظَرُ بِهِ الْحَقَائِقُ، وَالْإِيمَانُ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَقَائِقُ الْأَدَاءِ لِمَا أَقَرَّ وَالتَّحْقِيقُ لِمَا صَدَّقَ".

فرقٌ بينهما، الكفار جاحد، والجحود ليس له أول ولا آخر، وأما المؤمن فهو مصدق، والتصديق له أول وله آخر، أوله: الإقرار والتصديق وآخره العمل.

ثم ضرب المؤلف رحمه الله لذلك مثلًا:

قال: " وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا حَقٌّ لِرَجُلِ"، يعني هذا المثل: شخص يطلب رجلين شيئًا من الدين أحدهما جحد والآخر مُقر، فالذي جحد لا حيلةَ فيه، الجاحد يقول: ليس لك عندي حق؛ هذا لا حيلة فيه، ما يُنتَظر منه شيء جاحد.

أما المُقر: قال: لك عندي حق؛ فننتظر أن يحقق إقراره، فإذا أعطاه بعض الدين؛ يعني حقق بعض الإقرار؛ يُنتَظَر منه البقية وهكذا، وإذا أقر وامتنع؛ فلا فرق بينه وبين الجاحد.

وكذلك المؤمن: إذا صدَّق بقلبه ولم يعمل؛ فلا فرق بينه وبين الجاحد، هذا المثل مثلٌ واضح.

يقول المؤلف رحمه الله: " وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا حَقٌّ لِرَجُلِ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ فَقَالَ: لَيْسَ لَك عِنْدِي حَقٌّ فَأَنْكَرَ وَجَحَدَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَنْزِلَةٌ يُحَقِّقُ بِهَا مَا قَالَ إذَا جَحَدَ وَأَنْكَرَ"، خلاص، مادام أنكر؛ ما ننتظر شيء، لا حيلة فيه، "وَسَأَلَ الْآخَرُ حَقَّهُ فَقَالَ: نَعَمْ لَك عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، فَلَيْسَ إقْرَارُهُ بِاَلَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ بِذَلِكَ حَقُّهُ دُونَ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُ أَنْ يُحَقِّقَ مَا قَالَ بِالْأَدَاءِ وَيُصَدِّقَ إقْرَارَهُ بِالْوَفَاءِ، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ حَقَّهُ كَانَ كَمَنْ جَحَدَهُ فِي الْمَعْنَى إذْ اسْتَوَيَا فِي التَّرْكِ لِلْأَدَاءِ"، إذا أقر؛ هذا ننتظر أن يوفي، فإن وفَّى؛ فقد حقق ما عليه، وإذا امتنع؛ فلا فرق بينه وبين الجاحد.

يقول المؤلف رحمه الله: " فَتَحْقِيقُ مَا قَالَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ حَقَّهُ"، يعني هذا المقر، " فَإِنْ أَدَّى جُزْءًا مِنْهُ حَقَّقَ بَعْضَ مَا قَالَ وَوَفَى بِبَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَكُلَّمَا أَدَّى جُزْءًا ازْدَادَ تَحْقِيقًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْأَدَاءُ أَبَدًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ".

انتقل المؤلف رحمه الله إلى مَثَل المؤمن مُقِر؛ شاهدًا لله تعالى بالوحدانية، وشاهدًا للنبي ﷺ بالرسالة؛ فهو عليه الأجرُ بعد ذلك، حَقِّق هاتين الشهادتين، تشهد أن لا إله إلا الله إذًا ائتمرْ بأوامر الله، تشهد أن محمدًا رسول الله ائتمرْ بأوامر الرسول عليه الصلاة والسلام، عليكَ أنْ تُصَدِّقَ الأخبار، وتمتثل الأوامر.

ولذلك قال المؤلف: " وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْأَدَاءُ أَبَدًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ. فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، لأنه أقر ويحتاج إلى أن يحقق البقية بالعمل، " وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْأَدَاءُ أَبَدًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ. فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا: مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، لأن الكافر جاحد ولا تتنظر أن يحقق شيئًا.

(المتن)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَلِإِقْرَارِهِ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ، لَا كَافِرٌ بِاَللَّهِ؛ وَلَكِنْ كَافِرٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ، وَقَالُوا: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ.

 وَقَالُوا: مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([43]) وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ إلَّا وَاسْمُ الْكُفْرِ لَازِمٌ لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّ الْكُفْرَ كُفْرَانِ: كُفْرٌ هُوَ جَحْدٌ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ فَذَاكَ ضِدُّهُ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِمَا قَالَ، وَكُفْرٌ هُوَ عَمَلٌ فَهُوَ ضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ([44]).

قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَفَرَ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ إذْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ وَيَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ إلَّا مِنْ قِلَّةِ خَوْفِهِ، وَإِنَّمَا يَقِلُّ خَوْفُهُ مِنْ قِلَّةِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَوَعِيدِهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ التَّعْظِيمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْوَرَعُ ، فَأَقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

ثُمَّ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ([45]) وَأَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَاءَ بِالْكُفْرِ([46])،  فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقِتَالِهِ أَخَاهُ كَافِرًا وَبِقَوْلِهِ لَهُ: يَا كَافِرُ كَافِرًا، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ دُونَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة الجواب الثاني أو القول الثاني في عدم إطلاق اسم الإيمان على العاصي والفاسق.

القول الأول كما سبق أو الجواب الأول أو القول الأول: أن الفاسق والعاصي لا يسمى مؤمنًا لأن اسم الإيمان اسم تزكية وثناء ومدح ولأن العبرة بما غلب عليه، والفاسق غلب عليه الفسوق والعصيان.

والجواب الثاني: أن يقال: أن العاصي لا يُطلق عليه اسم الإيمان ولكن يُطلق عليه اسم الإسلام ويُطلق عليه اسم الكفر العملي الذي لا يُخرِج من الملة، لأمرين:

الأمر الأول: أن الرسول ﷺ  لما نفى عنه اسم الإيمان في قوله: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([47])؛ نفى عنه الإيمان؛ إذًا لابد أن نثبت له الكفر ولكن كفرٌ لا يخرِج من الملة، كفرٌ عملي.

والأمر الثاني: النصوص التي دلت على إطلاق الكفر أو على تسمية بعض المعاصي كفرًا كسباب المسلم وقتال المسلم كُفْر، وإذا قال لأخيه يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما.

ولهذا قال هؤلاء للعلماء: إن العاصي ومرتكب الكبيرة يُسمى مسلم ولا يُسمى مؤمن، يسمى مسلم ويسمى كافر إلا أن المراد بالكفر كفرٌ عملي لا يُخرِج من الملة.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَلِإِقْرَارِهِ بِاَللَّهِ"، هذا لأن دائرة الإسلام أوسع كما سبق، " سَمَّوْهُ مُسْلِمًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ وَلِإِقْرَارِهِ بِاَللَّهِ"، مادام صدَّق وهو مصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ فهو مسلم؛ خرج من جميع المِلل وصار مسلمًا؛ لإقراره بالله، " وَبِمَا قَالَ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ مُؤْمِنًا"، كما سبق لأن هذا الاسم للثناء وللتزكية، "وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَعَ تَسْمِيَتِهِمْ إيَّاهُ بِالْإِسْلَامِ كَافِرٌ، لَا كَافِرٌ بِاَللَّهِ؛ وَلَكِنْ كَافِرٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ، وَقَالُوا: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ". إذًا الكفر كفران:

 1)كفرٌ أكبر مخرِج من الملة، وهذا ضد الإيمان.    

 2) وكفرٌ عملي لا يخرِج من المِلَّة، هذه كبيرة من كبائر الذنوب.

"وَقَالُوا: مُحَالٌ -وهذا دليلهم- أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([48])" وهذا رواه الشيخان كما سبق، " وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ إلَّا وَاسْمُ الْكُفْرِ لَازِمٌ لَهُ"، لأنه قال: إن الرسول ﷺ  نفى عنه اسم الإيمان؛ إذًا يُثبَت له اسم الكفر إلا أنه كفرٌ لا يخرِج من المِلَّة.

"لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّ الْكُفْرَ كُفْرَانِ: كُفْرٌ هُوَ جَحْدٌ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ فَذَاكَ ضِدُّهُ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِمَا قَالَ"، هذا الكفر الأكبر؛ الذي يجحد باللهِ وبما قالَ "فَذَاكَ ضِدُّهُ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِمَا قَالَ، وَكُفْرٌ هُوَ عَمَلٌ فَهُوَ ضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ"، هذا هو الكفر الأصغر.

" أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ([49])": غوائِلَهُ وشرَّهُ، نفَى عنه الإيمان، قالوا: فيثبت له الكفر العملي.

" قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ كَفَرَ"، لكنه كفرٌ عملي كما أسلفنا، " وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَفَرَ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ إذْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ"، فالذي يُنفى عنه: الإيمان من جهة العمل وهو ...

كذلك نثبِت له الكفر من جهة العمل، قالوا: "لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ وَيَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ إلَّا مِنْ قِلَّةِ خَوْفِهِ، وَإِنَّمَا يَقِلُّ خَوْفُهُ مِنْ قِلَّةِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَوَعِيدِهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ التَّعْظِيمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْوَرَعُ عن الخوف، فَأَقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".

ثم ذكر الدليل الثاني قال: ثُمَّ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ([50])".

والشاهد أنه أثبت الكفر لقتال المسلم، وهذا كفرٌ لا يخرِج من الملة مادام أنه لم يستحله.

"وَأَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَاءَ بِالْكُفْرِ([51])،  فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقِتَالِهِ أَخَاهُ كَافِرًا وَبِقَوْلِهِ لَهُ: يَا كَافِرُ كَافِرًا، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ دُونَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ"، يعني كلمة، الكلمة قال: يا كافر لأخيه؛ سماه كافر، وهي أقل من الزنا والسرقة، الزنا والسرقة وشُرب الخمر أعظم، ومع ذلك إذا تكلم بكلمة قال لأخيه: يا كافر؛ سماه النبي ﷺ  كافرًا؛ فدل على أنه كفرٌ عملي وأنه يُطلَق على العاصي.

(المتن)

قَالُوا: فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ احْتَجَّ عَلَيْنَا فَزَعَمَ أَنَّا إذَا سَمَّيْنَاهُ كَافِرًا لَزِمَنَا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ فَنَسْتَتِيبَهُ وَنُبْطِلَ الْحُدُودَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَفَرَ فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَحُدُودُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ إسْقَاطُ الْحُدُودِ وَأَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً؛ فَإِنَّا لَمْ نَذْهَبْ فِي ذَلِكَ إلَى حَيْثُ ذَهَبُوا وَلَكِنَّا نَقُولُ: لِلْإِيمَانِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَضِدُّ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ فِي كُلِّ مَعْنًى.

 فَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَفَرْعُهُ إكْمَالُ الْعَمَلِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ وَتَرَكَ التَّصْدِيقَ بِهِ وَلَهُ وَضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ وَلَيْسَ هُوَ إقْرَارُ كُفْرٍ لَيْسَ بِكُفْرِ بِاَللَّهِ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ وَلَكِنْ كُفْرُ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ كَمَا كَانَ الْعَمَلُ إيمَانًا وَلَيْسَ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ بِاَللَّهِ.

 فَلَمَّا كَانَ مِنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ بِاَللَّهِ كَافِرًا يُسْتَتَابُ وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ مِثْلُ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَوْ تَرْكِ الْوَرِعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا قَدْ زَالَ عَنْهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِمَّنْ قَالَ: إنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ وَعَمَلٌ إلَّا الْخَوَارِجُ وَحْدَهَا.

 فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ بِقَوْلِنَا: كَافِرٌ مِنْ جِهَةِ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ أَنْ يُسْتَتَابَ وَلَا تَزُولُ عَنْهُ الْحُدُودُ وَكَمَا لَمْ يَكُنْ بِزَوَالِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اسْتِتَابَةٍ وَلَا إزَالَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ عَنْهُ إذْ لَمْ يَزَلْ أَصْلُ الْإِيمَانِ عَنْهُ.

 فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وَإِزَالَةُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ عَنْهُ بِإِثْبَاتِنَا لَهُ اسْمَ الْكُفْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَمَلِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَصْلِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ جَحْدٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا قَالَ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله ذَكَر اعتراض من بعض المخالفين قال: "قَالُوا: فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ احْتَجَّ عَلَيْنَا فَزَعَمَ أَنَّا إذَا سَمَّيْنَاهُ كَافِرًا لَزِمَنَا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ فَنَسْتَتِيبَهُ وَنُبْطِلَ الْحُدُودَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَفَرَ فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَحُدُودُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ إسْقَاطُ الْحُدُودِ وَأَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً؛ فَإِنَّا لَمْ نَذْهَبْ فِي ذَلِكَ إلَى حَيْثُ ذَهَبُوا"، هذا اعتراض على أهل القول الثاني: الذين قالوا: لَمَّا نُفِي اسم الإيمان عن مرتكب الكبيرة؛ نطلق عليه اسم الكفر لكنه كفرٌ علمي؛ اعتُرِض عليهم بأن قيل لهم: إذا سميته كافرًا؛ لزمكم أن تحكموا عليه بحكم الكفار فيستتاب فإن تاب وإلا قٌتِل، ويلزمكم على ذلك إبطال الحدود لأنه إذا كفر؛ زالت عنه أحكام المؤمنين وسقطت عنه الحدود، وسقطت أحكام المؤمنين على كل أتى كبيرة: الجواب:

قال المؤلف على لسانهم الجواب: "فَإِنَّا لَمْ نَذْهَبْ فِي ذَلِكَ إلَى حَيْثُ ذَهَبُوا وَلَكِنَّا نَقُولُ: لِلْإِيمَانِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَضِدُّ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ فِي كُلِّ مَعْنًى.

 فَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَفَرْعُهُ إكْمَالُ الْعَمَلِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ وَتَرَكَ التَّصْدِيقَ بِهِ وَلَهُ".

يقول المؤلف رحمه الله: لم نذهب إلى هذا إلى ما ذهبوا إليه، " وَلَكِنَّا نَقُولُ"،  الجواب: " لِلْإِيمَانِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَضِدُّ الْإِيمَانِ الْكُفْرُ فِي كُلِّ مَعْنًى، فَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَفَرْعُهُ إكْمَالُ الْعَمَلِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ"، والأصل له ضد والإكمال له ضد، قال: " فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ"، هذا يخرِج من الملة، " فَضِدُّ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ: الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَبِمَا قَالَ وَتَرَكَ التَّصْدِيقَ بِهِ وَلَهُ".

وأما ضد الإيمان الذي هو العمل ضده ترك العمل، " وَضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ وَلَيْسَ هُوَ إقْرَارُ كُفْرٍ لَيْسَ بِكُفْرِ بِاَللَّهِ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ وَلَكِنْ كُفْرُ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ".

الخلاصة: أن يُقال: الإيمان له أصلٌ وفرع، فأصل الإيمان التصديق والإقرار، هذا ضده الكفر بالله، كفرٌ أكبر يخرِج من الملة.

وفرعه: الأعمال: فتركه كفرٌ عملي، فإذا ترك أصل الإيمان؛ وصل إلى الكفر الذي يخرِج من الملة، , وإذا ترك فرع الإيمان؛ فإنه يكفر كفرًا لا يخرِج من الملة.

هذا هو الخلاصة في الجواب، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَضِدُّ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ وَلَيْسَ هُوَ إقْرَارُ كُفْرٍ لَيْسَ بِكُفْرِ بِاَللَّهِ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ وَلَكِنْ كُفْرُ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ كَمَا كَانَ الْعَمَلُ إيمَانًا وَلَيْسَ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ بِاَللَّهِ.

 فَلَمَّا كَانَ مِنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ بِاَللَّهِ كَافِرًا يُسْتَتَابُ وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ مِثْلُ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَوْ تَرْكِ الْوَرِعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا قَدْ زَالَ عَنْهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِمَّنْ قَالَ: إنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ وَعَمَلٌ إلَّا الْخَوَارِجُ وَحْدَهَا".

يعني يقول: هذا مُجمَع عليه بينه وبين مخالفيه أن  مَن تَرَك الإيمان الذي هو العمل؛ لا يُستتاب استتابة الكافر، وإن كان يُستتاب من البدع لكن لا يستتاب استتابة الكافر، بخلاف الجاحد الذي لم يؤمن فهذا يستتاب وإلا قُتِل، إلا الخوارج وحدها فإنهم يكفرونه، وهؤلاء خرجوا عن معتقد أهل السنة والجماعة، " إلَّا الْخَوَارِجُ وَحْدَهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ بِقَوْلِنَا: كَافِرٌ مِنْ جِهَةِ تَضْيِيعِ الْعَمَلِ أَنْ يُسْتَتَابَ وَلَا تَزُولُ عَنْهُ الْحُدُودُ وَكَمَا لَمْ يَكُنْ بِزَوَالِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اسْتِتَابَةٍ"؛ يعني إذا ترك العمل لا يستتاب استتابة الجاحد ولا تزال عنه الحدود، بخلاف الجاحد فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَكَمَا لَمْ يَكُنْ بِزَوَالِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اسْتِتَابَةٍ وَلَا إزَالَةِ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ عَنْهُ إذْ لَمْ يَزَلْ أَصْلُ الْإِيمَانِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وَإِزَالَةُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ عَنْهُ بِإِثْبَاتِنَا لَهُ اسْمَ الْكُفْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَمَلِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَصْلِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ جَحْدٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا قَالَ".

يعني المؤلف يفرق بين الأمرين، يقول: الجواب: هناك فرقٌ بين الأمرين فالذي ترك أصل الإيمان هذا يقع في الكفر الأكبر.

ولهذا فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، والذي ترك العمل لا يستتاب وإنما يستتاب من المعصية لكنه لا يكفر كفرًا يخرِج من الملة ولذلك تبقى عليه إثم الحدود ويبقى له اسم الإيمان.


([1]) –  تعظيم قدر الصلاة (1/394)

([2]) –  سبق

([3]) –  أنظر : تفسير الطبري (2/650)، وتفسير ابن كثير(1/452)، تعظيم قدر الصلاة (1/341).

([4]) –  أنظر : تفسير الطبري (11/30)، تفسير البغوي (3/326)، وتفسير ابن كثير(4/11 وما بعدها)، تعظيم قدر الصلاة (1/356).

([5]) –  سبق

([6]) –...

([7]) –أنظر تفسير الطبري (14/68)،

([8]) –أنظر في هذا المعنى :تفسير الطبري (2/487)،

([9]) –  أخرجه البخاري رقم (523)،ومسلم رقم (17) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([10]) –  تعظيم قدر الصلاة (1/398 وما بعدها).

([11]) –  سبق

([12]) –  سبق

([13]) –  سبق

([14]) –  سبق

([15]) –  ...

([16]) –  تعظيم قدر الصلاة (2/506 وما بعدها).

([17]) –  سبق

([18]) –  سبق

([19]) –  المرجع السابق.

([20]) –  سبق وهذا اللفظ أخرجه البزار(...) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 295) "رواه البزار، وفيه مبارك بن حسان، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أبو داود وغيره، وبقية رجاله ثقات".

([21]) –  سبق

([22]) –  انظر في هذا المعنى : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (47)، معالم السنن للخطابي (4/316)،التمهيد لابن عبد البر (4/236)،كشف المشكل لابن الجوزي (2/436)،تفسير بن كثير (6/418)، جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/105)......

([23]) –  سبق

([24]) –  سبق

([25]) –  سبق

([26]) –  أنظر في هذا المعنى : تفسير البغوي (1/60)، شرح ابن بطال على البخاري (1/80)، التمهيد لابن عبد البر (9/248)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (1/359)، الإفصاح لابن هبيرة (1/323)،جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/112)،

([27]) –  ...

([28]) –  سبق

([29]) –  سبق

([30]) –  سبق

([31]) –  سبق

([32]) –  أخرجه الترمذي رقم (3844)من حديث عقبة بن عامر الجهني .قال الحافظ الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن مشرح، وليس إسناده بالقوي»

([33]) –  سبق

([34]) –  سبق

([35]) –  سبق

([36]) –  سبق

([37]) –  سبق

([38]) –  سبق

([39]) –  سبق

([40]) –  سبق

([41]) –  سبق

([42]) –  سبق

([43]) –  سبق

([44]) –  سبق

([45]) –  أخرجه البخاري رقم (48)، ومسلم رقم (64) من حديث عبد الله بن مسعود .

([46]) –  أخرجه مسلم رقم (60) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([47]) –  سبق

([48]) –  سبق

([49]) –  سبق

([50]) –  سبق

([51]) –  سبق

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد