شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_41 من قوله قُلْت مَقْصُودُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي - إلى وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْت...

شرح كتاب الإيمان الكبير_41 من قوله قُلْت مَقْصُودُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي - إلى وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْت...

00:00
00:00
تحميل
24

(المتن)

قُلْت: مَقْصُودُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَمْدُوحَ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمَمْدُوحُ؛ وَأَنَّ الْمَذْمُومَ نَاقِصُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَكُلَّ مُسْلِمٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إيمَانٌ وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ وَمَقْصُودُهُ أَنَّ مُسَمَّى أَحَدِهِمَا هُوَ مُسَمَّى الْآخَرِ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ.

وَإِنْ قِيلَ: هُمَا مُتَلَازِمَانِ. فالمتلازمان لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى هَذَا هُوَ مُسَمَّى هَذَا، وَهُوَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ أَنَّهُ قَالَ: مُسَمَّى الْإِسْلَامِ هُوَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ كَمَا نصر؛ بَلْ وَلَا عَرَفْت أَنَا أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ.

وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُسْتَحِقَّ لِوَعْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُسْلِمُ الْمُسْتَحِقُّ لِوَعْدِ اللَّهِ فَكُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى مَعْنَاهُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بَلْ وَبَيْنَ فِرَقِ الْأُمَّةِ كُلِّهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي وُعِدَ بِالْجَنَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَالْمُسْلِمُ الَّذِي وُعِدَ بِالْجَنَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ.

(الشرح)

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، صلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فقد سبق في الحلقة الماضية أن شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي -رحمه الله- ما قرره من أن مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان، وأنه لا فرق بينهما ونقل أدلةً من الكتاب استدل بها على هذا على ما قرره.

والمؤلف رحمه الله تعقبه، وبين ما أتفق عليه من ذلك وما اختلف فيه وأن هذا ليس وأن القول بأن مسمى الإسلام ليس مسمى الإيمان ليس متفق عليه وإنما فيه نزاع لفظي بين أهل السنة فقال المؤلف رحمه الله: " قُلْت ": مَقْصُودُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَمْدُوحَ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمَمْدُوحُ؛ وَأَنَّ الْمَذْمُومَ نَاقِصُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ" يعني مقصوده المسلم الممدوح يعني ممدوح في الكتاب والسنة، هو المؤمن الممدوح في الكتاب والسنة.

المسلم الممدوح هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، والمؤمن الممدوح هو الذي ادي الواجبات وترك المحرمات.

والمسلم المذموم هو الذي قصر في بعض واجباته، أو فعل بعض المحرمات؛ هذا هو المذموم، وناقص الإسلام، وناقص الإيمان.

قال: " وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكُلَّ مُسْلِمٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إيمَانٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ"

يعني  إلى هذا الذي قره الإمام محمد المروزي يقول المؤلف-رحمه الله-: "إلى هذا الحد متفق عليه" هذا يعني هذه الأمور التي قرها هذه الجمل التي ذكرها  متفق عليها من أهل السنة، وهم متفقون على أن المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، ويتفقون على أن المسلم والمؤمن المذموم هو ناقص الإسلام والإيمان، ويتفقون -يعني أهل السنة- يتفقون على أن كل مؤمن هو مسلم، ويتفقون على أن كل مسلم فلابد أن يكون معه إيمان، يعني يصح إسلامه.

قال: " وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".

قال المؤلف رحمه الله: " وَمَقْصُودُهُ أَيْضًا -يعني مقصود الإمام مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي-، أَنَّ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ".

هذا مختلف فيه، فالإمامُ محمد بن نصر المروزي قرَّرَ ما قرَّره البخاري رحمه الله بأنَّ مَن أُطلق عليه الإسلام أُطلق عليه الإيمان، وهذا فيه نزاع لفظي بين أهل السنة، قال: " وَمَقْصُودُهُ أَنَّ مُسَمَّى أَحَدِهِمَا هُوَ مُسَمَّى الْآخَرِ" يعني مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان، ومسمى  الإيمان هو مسمى الإسلام.

قال المؤلف رحمه الله -متعقبًا الإمام محمد بن النصر المروزي-: " وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنْ قِيلَ: هُمَا مُتَلَازِمَانِ. "

يعني الإسلام يلزم منه الإيمان، والإيمان يلزم منه الإسلام، وَإِنْ قِيلَ: هُمَا مُتَلَازِمَانِ، فالمتلازمان لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى هَذَا هُوَ مُسَمَّى هَذَا".

يعني لا يجب أن يكون مسمى اللازم هو مسم الملزوم، ولا يجب أنْ يكون مسمى الملزوم هو مسمى اللازم.

قال: " وَهُوَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ أَنَّهُ قَالَ: مُسَمَّى الْإِسْلَامِ هُوَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ كَمَا نصره"

يعني الإمام محمد بن نصر المروزي لم ينقل عن أحد من الصحابة ولم ينقل عن أحد من التابعين ولم ينقل عن أحد من الأئمة، أنَّه قال: مسمى الإيمان هو مسمى الإسلام كما نصره، يعني: كما نصر هذا القول، كما نصر محمد بن نصر المروزي هذا القول؛ وهو القول بأنَّ مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان.

قال المؤلف -رحمه الله-: " بَلْ وَلَا عَرَفْت أَنَا أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ" ما عرفت أن أحدًا قال من السلف أن مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان، يعني بينهما فرق، مسمى الإسلام عند الأطلاق غير مسمى الإيمان ، مسمى الإسلام عند الاجتماع والاقتران غير المسمى عند الاقتران، فإذا اقترن الإسلام بالإيمان صار لكل واحد منهما مسمى، وإذا أفرد أحدهما صار له مسمى أخر.

قال المؤلف -رحمه الله-: " وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُسْتَحِقَّ لِوَعْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُسْلِمُ الْمُسْتَحِقُّ لِوَعْدِ اللَّهِ"

هذا متفق عليه  المؤمن المستحق لوعد الله هو الذي أدى الوجبات وترك المحرمات والمسلم المستحق لوعد الله بالجنة هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فكل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، يعني بهذا المعنى وهذا متفق على معناه بين السلف والخلف بل وبين فرق الأمة كلهم، يعني اتفقوا على هذا أن المسلم، أن المسلم الموعود بالجنة هو الذي ادى الواجبات وترك المحرمات، والمؤمن الموعود بالجنة هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، هذا ما اتفقوا عليه ، متفق عليه بين أهل السنة، بل هو متفق عليه بين فرق الأمة؛ حتى الخوارج والمعتزلة يقولون هذا:

أن الذي أدي الواجبات وترك المحرمات هذا موعود بالجنة، ويسمى مسلم ويسمى مؤمن هذا متفق عليه، كُلِّهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي وُعِدَ بِالْجَنَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَالْمُسْلِمُ الَّذِي وُعِدَ بِالْجَنَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ" هذا أمر متفق عليه.

نعم.

(المتن)

ثُمَّ إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ: الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَعَهُمْ بَعْضُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي إطْلَاقِ الِاسْمِ فَالنُّقُول مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ السَّلَفِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ.

وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ لَيْسَ هُوَ الْكَلِمَةَ فَقَطْ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا هِيَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا هِيَ مِنْ الْإِيمَانِ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَلَيْسَ إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ دَاخِلًا فِيهِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ إيَّاهُ.

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنْ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ أَوْ كَمَالَ الْإِيمَانِ؟

فِيهِ نِزَاعٌ وَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَاكَ عَنْهُمْ.

فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ مُؤْمِنُونَ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ كَانُوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ.

وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ فَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَكُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ.

وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إذَا أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يُثَابُ عَلَى عِبَادَتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ إلَّا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي نَفَاهُ النَّبِيُّ ﷺ عَمَّنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَعَمَّنْ يَفْعَلُ الْكَبَائِرَ وَعَنْ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ.

(الشرح)

نعم المؤلف رحمه الله يبين وجه الاتفاق والافتراق بين أهل السنة، في نزاعهم اللفظي فإن أهل السنة متفقون على أن المسلم الذي يصح إسلامه و يدخل في بالجنة لابد أن يكون إيمانه صحيح، وكذلك متفقون على أن الإيمان الذي ساقه إلى الدخول في الجنة، والنجاة من النار لابد أن يكون معه إسلام هو العمل الذي هو اداء الوجبات و ترك المحرمات، هذا أمرٌ متفق عليه.

ولكن النزاع بين أهل السنة هو في الإطلاق والتجرد والاقتران، فمسمى الإسلام عند الإطلاق غير مسماه عند الاقتران، فإذا اقترن الإسلام بالإيمان، صار لكل منهما معنى، وإذا انفرد أحدهما صار له معنى  هذا هو محل النزاع بين أهل السنة.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " ثمَّ إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَعَهُمْ بَعْضُ ذَلِكَ" يعني معهم بعض الإيمان وهو الإيمان الوجب الذي يصح به الإسلام، ولو لم يكن معهم الإيمان الواجب لما خرجوا من النار ولما دخلوا الجنة.

قال: " وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي إطْلَاقِ الِاسْمِ" هل يطلق على العاصي مؤمن، أو لا يطلق؟ هذا النزاع. جماهير السنة يقولون: لا يطلق على العاصي اسم الإيمان، وأما من يقول أن الإيمان هو الإسلام، وأن الإسلام هو الإيمان يقول: يطلق يطلق عليه لا  فرق بينهما، لهذا قال المؤلف رحمه الله: "وإنما النزاع في إطلاق الإسم، فَالنُّقُول مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ السَّلَفِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ" ما قالوا الإسلام قول وعمل، فدل علي الفرق عند السلف بين الإسلام والإيمان فالإيمان قول وعمل وأما الإسلام فإنه إذا نقص شيء من العمل أو إذا نطق بالشهادتين فإنه يسمى مسلم.

فلهذا قال المؤلف رحمه الله: فَالنُّقُول مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ السَّلَفِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ لَيْسَ هُوَ الْكَلِمَةَ فَقَطْ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ([1])"

الزهري رحمه الله نقل عنه أنه قال: الإسلام كلمة والإيمان العمل، الإسلام كلمة والإيمان العمل، الإسلام الكلمة؛ يعني المراد بها الشهادتان، كلمة التوحيد، أشهد أن لا إله إلا الله، والإيمان العمل ومقصود الزهري  -رحمه الله- أن من نطق بالشهادتين حكم بإسلامه، وليس مقصودة أن الأعمال ليست غير مكتوبة لا، يرى أن العمل مكتوبة ولكنه يرى أن أنه إذا نطق بالشهادتين حكم بإسلامه وأن الإيمان لابد فيه من العمل، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:  خلاف ظاهر ما نقل عنه " فَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا هِيَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا هِيَ مِنْ الْإِيمَانِ"

هذا هو قول الجماهير؛ جمهو السلف،  يقولون أن الصلاة والزكاة والحج هي من الإسلام كما هي من الإيمان، لما كانوا يقولون ذلك ظن بعض الناس ظن بعضهم أنهم يجعلونهما شيئًا واحدًا، لما كان جماهير السلف يقولون: "إنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ هي من الإسلام وهي من الإيمان ظن بعضهم أنهم يجعلونهما شيئًا واحدًا وليس كذلك، ليس الأمر كذلك"

المؤلف: "فأن الإيمان مستلزم الإسلام باتفاقهم" الإيمان مستلزم الالتزام، المراد بالإسلام العمل فالإيمان المطلق لابد فيه من عمل، فمن لم يعمل لا يسمى مؤمنا، من لم يؤد الواجبات ويترك المحرمات لا يسمى مؤمنا بإطلاق، وليس إذا كان الإسلام داخلا فيه يلزم أن يكون هوإياه، يعني الإسلام داخل في الإيمان، الإسلام هو العمل، فهو داخل في الإيمان إذًا لابد فيه من العمل فيكون الإسلام داخل في الإيمان.

وإذا كان الإسلام داخل في الإيمان لا يلزم أن يكون الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَلَيْسَ إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ دَاخِلًا فِيهِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ إيَّاهُ؛ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ"

الإسلام لا يستلزم الإيمان عند الإطلاق فإذا قيل مسلم بالإطلاق ما يلزم أن يكون أدى الواجبات وترك المحرمات بل حتى لو كان عاصيا يسمى مسلمًا بإطلاق.

 فالعاصي الذي فعل بعض الكبائر، وترك بعض الواجبات يسمى مسلمًا بإطلاق، ولكن لا يسمى مؤمنا بإطلاق، هذا هو الذي دلت عليه النصوص، هذا ما يقول المؤلف: " وأما الإسلام ليس مع؛ يعني مع محمد بن نصر المروزي في تقريره أن الإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام قال: " وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنْ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ أَوْ كَمَالَ الْإِيمَانِ؟ فِيهِ نِزَاعٌ"

يعني الإسلام يستلزم هل الإيمان يستلزم الواجب أويستلزم كمال الإيمان؟ من يقول إنهما شيء واحد يقول: يستلزم كمال الإيمان ومن يقول أنهما ليسا شيء واحد قال: يستلزم الإيمان الواجب يعني لابد في الإسلام من إيمان يصححه، هذا لابد منه، وإلا فلا ينفع، لأنه إن لم يكن معه ما يصححه فهو كإسلام المنافقين.

وقال المؤلف رحمه الله: " وَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ؟ يعني ليس مع محمد بن نصر المروزي دليل على أن الإسلام يستلزم الإيمان ولكن الأنبياء الذين وصفهم الله بالإسلام كلهم كانوا مؤمنين، هذا لاشك لأن المؤمنين، لأن الأنبياء أكثر الناس إيمانًا وهم معصومون عن الشرك ومعصومون عن الكبائر، فالأنبياء يصفون بالإسلام والإيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلكَ عَنْهُمْ فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ مُؤْمِنُونَ"

نعم بلا شك لأن الأنبياء أكمل الناس ولأن الله عصمهم من الشرك ومن الكبائر.

قال المؤلف رحمه الله: " وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ كَانُوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ" السابقون الأولون من الصحابة والتابعين والأئمة لأنهم بعيدون عن الكبائر والمعاصي ولأن لهم قدم صدق، فهم السابقون للخيرات، فليسوا عصاة ولذلك يصفون بالإسلام والإيمان ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ كَانُوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ فَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ" إذا قيل أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب الذي يصحُ به فغاية ما يقال أنهما متلازمان فَكُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ؛ يعني الإيمان الواجب، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ لأن المؤمن بإطلاق لابد أن يأتي بالعمل.

قال: " وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ." هذا لابد منه.

إذا قيل أن كل مسلم الجنة لابد أن يكون معه الإيمان الواجب الذي يصح به إسلامه، قال: " وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إذَا أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يُثَابُ عَلَى عِبَادَتِهِ" بعد كذلك هذا أمر متفق عليه، إذا قيل: إن كل مسلم مثاب على عبادته فالمراد بالمسلم الذي يثاب على عبادته هو المؤمن الي معه إيمان واجب، هذا أمران متفق عليهما، الأمر الأول: إذا قيل أن مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب هذا لابد منه، هذا متفق عليه وكذلك إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته لابد أن يكون معه الإيمان الواجب.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ إلَّا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" يعني الإيمان الذي يصحح إسلامه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي نَفَاهُ النَّبِيُّ ﷺ يعني وإن لم يكن هو الإيمان الكامل، عَمَّنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَعَمَّنْ يَفْعَلُ الْكَبَائِرَ وَعَنْ الْأَعْرَابِ".

يعني: المسلم معه الإيمان الواجب الذي يصح به إسلامه، وإنْ لم يكن معه الإيمان الكامل الذي نفاه النبي ﷺ في قوله لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ([2]) هذا نفى الإيمان الكامل، ونفاه النبي ﷺ عن الزاني، وعن الشارب لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([3]) ، وعن الشارب..

ونفاه عن الأعراب في قوله: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، يعني: لم تؤمنوا الإيمان الكامل وإنْ كان معهم أصل الإيمان الذي يصح به إسلامهم، نعم.

(المتن)

فَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ التَّامَّ مُتَلَازِمَانِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ كَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَنَا رُوحٌ إلَّا مَعَ الْبَدَنِ وَلَا يُوجَدُ بَدَنٌ حَيٌّ إلَّا مَعَ الرُّوحِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَالْإِيمَانُ كَالرُّوحِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ بِالرُّوحِ وَمُتَّصِلٌ بِالْبَدَنِ وَالْإِسْلَامُ كَالْبَدَنِ وَلَا يَكُونُ الْبَدَنُ حَيًّا إلَّا مَعَ الرُّوحِ.

بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ لَا أَنَّ مُسَمَّى أَحَدِهِمَا هُوَ مُسَمَّى الْآخَرِ؛ وَإِسْلَامُ الْمُنَافِقِينَ كَبَدَنِ الْمَيِّتِ جَسَدٌ بِلَا رُوحٍ فَمَا مِنْ بَدَنٍ حَيٍّ إلَّا وَفِيهِ رُوحٌ وَلَكِنَّ الْأَرْوَاحَ مُتَنَوِّعَةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ([4]).

وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ صَلَّى بِبَدَنِهِ يَكُونُ قَلْبُهُ مُنَوَّرًا بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْخُشُوعِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ يُثَابُ عَلَيْهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهَكَذَا الْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِيمَانُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ حِينَ الصَّلَاةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ وَالْخُشُوعِ وَتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ فَكُلُّ مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ وَلَا يَنْعَكِسُ.

وَلِهَذَا قِيلَ: إيَّاكُمْ وَخُشُوعَ النِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَسَدُ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعِ فَإِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَلَيْسَ إذَا كَانَ الْجَسَدُ فِي عِبَادَةٍ يَكُونُ الْقَلْبُ قَائِمًا بِحَقَائِقِهَا.

(الشرح)

نعم، المؤلف رحمه الله بين الفرق بين الإسلام والإيمان بعد أن بين الاتفاق؛ الأمر الذي اتفق عليه السلف والأئمة في مسمى الإسلام والإيمان وان الإسلام لابد فيه من  إيمان يصححه وكذلك المؤمن لابد أن يكون معه عمل، هذا أمر متفق عليه، وكذلك أيضًا الإسلام الذي يثاب عليه فاعله لابد أن يكون معه إيمان، وكذلك أيضًا الإسلام الذي يدخل الجنة لابد أن يكون معه إيمان يصححه.

هذا أمر متفق عليه، أما الافتراق بين الإسلام والإيمان يقول المؤلف رحمه الله: "فَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ التَّامَّ مُتَلَازِمَانِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَر"

الإسلام والإيمان التام متلازمان الإسلام التام والإيمان التام وجهان متلازمان، فالمسلم الإسلام التام هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، والمؤمن الإيمان التام هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات هما متلازمان، هنا في هذه الحالة متلازمان أمر متفق عليه أيضًا فالإسلام والإيمان، الإسلام التام والإيمان التام متلازمان، لكن كون الإسلام التام والإيمان التام متلازمان لا يلزم بذلك ان يكون احدهما هو الآخر.

والمؤلف ضرب مثل بالروح والبدن فالروح غير البدن، والبدن غير الروح، والبدن لا حياة له إلا بالروح، والروح لابد لها من بدن يحملها ومع ذلك فهما شيآن، هما متلازمان ليس هناك بدن حي إلا بالروح، والروح لابد لها من بدن يحملها، فهما متلازمان لكن لا يلزم ذلك أن يكونا شيئا واحدا فالروح غير البدن، والبدن الروح، وكذلك الإسلام التام والإيمان التام متلازمان ولا يلزم من تلازمهما أن يكون أحدهما هو الأخر، وهذا مثل  واضح.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ التَّامَّ مُتَلَازِمَانِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ كَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَنَا رُوحٌ إلَّا مَعَ الْبَدَنِ وَلَا يُوجَدُ بَدَنٌ حَيٌّ إلَّا مَعَ الرُّوحِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ"

كما أنهما متلازمان فليس أحدهما هو الآخر، فكذلك الإسلام التام والإيمان التام متلازمان ولا يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَالْإِيمَانُ كَالرُّوحِ وَالْإِسْلَامُ كَالْبَدَنِ" لهذا المؤلف رحمه الله شبه الإسلام بالروح وشبه الإسلام بالبدن ومثلًا المنافقون مسلمون في الظاهر لكن ما عندهم إيمان فهم جسد بلا روح، وأما المؤمن فإن إسلامه صحيح لأن إيمانه صحيح فبدنه حي، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَالْإِيمَانُ كَالرُّوحِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ بِالرُّوحِ وَمُتَّصِلٌ بِالْبَدَنِ وَالْإِسْلَامُ كَالْبَدَنِ وَلَا يَكُونُ الْبَدَنُ حَيًّا إلَّا مَعَ الرُّوحِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ([5])".

يلزم من البدن الحي أن يكون معه الروح، ويلزم من الروح أن يكون معه الجسد يحمله، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر.

قال المؤلف: " وَإِسْلَامُ الْمُنَافِقِينَ كَبَدَنِ الْمَيِّتِ جَسَدٌ بِلَا رُوحٍ فَمَا مِنْ بَدَنٍ حَيٍّ إلَّا وَفِيهِ رُوحٌ وَلَكِنَّ الْأَرْوَاحَ مُتَنَوِّعَةٌ، متفاوتة، كما قال النَّبِيُّ ﷺ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ([6])".

والحديث رواه الإمام مُسْلِم رحمه الله عن أبي هريرة في كتاب: البر والصِّلة، ورواه أبو داود في كتاب الأدب، وأحمد في المسند، ورواه الإمام البخاري في كتاب الأنبياء.

قال المؤلف رحمه الله: " وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ صَلَّى بِبَدَنِهِ يَكُونُ قَلْبُهُ مُنَوَّرًا بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْخُشُوعِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ يُثَابُ عَلَيْهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا" وهذا الصحيح ليس كل من صلى ببدنه يكون قلبه منورا بذكر الله والخشوع فيه وفهم القرآن بل قد يصلي وقلبه غافل، وعنده وساوس، وعنده خواطر ترد عليه ولكن صلاته يثاب عليها، فلا يقال: أنه من كثرت وساوسه وخواطره أن عليه أن يعيد الصلاة وأنه لا تصلح صلاته، فصلاته صحيحة.

ولذلك قال المؤلف رحمه الله: "وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ يُثَابُ عَلَيْهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهَكَذَا الْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ الظَّاهِرَةِ وَالْإِيمَانُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ حِينَ الصَّلَاةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ وَالْخُشُوعِ وَتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ".

فالإسلام الظاهر بمنزلة الصلاة الظاهرة، والإيمان بمنزلة ما يكون في القلب حين الصلاة من المعرفة بالله والخشوع وتدبر القرآن.

قال المؤلف: "فَكُلُّ مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ خشَعَتْ جَوَارِحُهُ ولا ينعكس" إذا خشع القلب خشعت الجوارح، وإذا خشعت الجوارح لا يلزم أن يخشع القلب.

ذكر المحقق ما وردَ في ذلك من آثار عن حذيفة بن اليمان، وعن سعيد بن المسيب، أنَّه رأى رجلًا يصلي يعبث بلحيته فقال: «لو خشع قلبُ هذا، سكنت جوارحه» ([7]) وذكرها الإمام محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وذكره ابن المبارك في كتاب الزهد، والبيهقي في سننه.

إذًا إذا خشعَ القلبُ؛ فإن الجوارح تخشع؛ لأن القلب هو المؤثر وهو المحرك، أما إذا خشعت الجوارح فلا يلزم أنْ يكون القلب خاشعًا، قد يكون القلبُ خاشعًا، وقد لا يكون.

ولهذا قال المؤلف: "وَلِهَذَا قِيلَ: إيَّاكُمْ وَخُشُوعَ النِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَسَدُ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعِ، لا حول ولا قوة إلا بالله، فَإِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ لأن القلب هو الملك الأعظم  وَلَيْسَ إذَا كَانَ الْجَسَدُ فِي عِبَادَةٍ يَكُونُ الْقَلْبُ قَائِمًا بِحَقَائِقِهَا([8])."

لا بل يكون قد يكون الجسد للعابدة وقد يكون القلب مشغول، وقد يكون قلب حاضر، فالناس يختلفون في هذا، وكذلك الروح والجسد وكذلك الإسلام والإيمان.

(المتن)

وَالنَّاسُ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمُقْتَصِدٌ وَسَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ.

فَالْمُسْلِمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا كَانَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إيمَانٌ؛ وَلَكِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَلَا يَنْعَكِسْ وَكَذَلِكَ فِي الْآخَرِ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَالْآيَاتُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ دِينُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ غَيْرَهُ وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِيمَانُ؛ بَلْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حُجَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْوَعْدَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ وَحِينَئِذٍ فَمَدْحُهُ وَإِيجَابُهُ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لَهُ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْإِيمَانِ؛ وَأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ كُلِّهِمْ يَقُولُونَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ فَقَدْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ لَكِنَّ النِّزَاعَ فِي الْعَكْسِ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِهَا وَيُوجِبُهَا وَيُثْنِي عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ثُمَّ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الصَّلَاةِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ بَلْ الصَّلَاةُ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُصَلٍّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ صَلَّى وَأَتَى الْكَبَائِرَ مُؤْمِنًا.

وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُجَّةِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّ فِيهَا التَّفْرِيقَ بَيْن مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ إذَا ذُكِرَا جَمِيعًا كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ دَخَلَ فِيهِ الْإِسْلَامُ.

(الشرح)

إنَّ المُؤلِّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بيَّن في هذا المقام مراتب الناس في الإيمان والإسلام، وردَّ على بعض أهل السنة والإمام محمد بن نصر المروزي في تقريره أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وبيَّن أن النصوص دلت على أن الإسلام والإيمان يختلف مسماهما في الاقتران والإفراد، وأنه إذا أُطلق أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا أُطلق أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما مسمى.

فقال رحمه الله: " وَالنَّاسُ فِي " الْإِيمَانِ " وَ "الْإِسْلَامِ " عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمُقْتَصِدٌ وَسَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ([9])"

يشير المؤلف رحمه الله إلى هذه المراتب الذي ذكرها الله تعالى في سورة فاطر في قوله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]. ثم قال جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:33]

فذكر الله تعالى أقسام المؤمنين، وكلهم موعودون بالجنة فالظالم لنفسه هو الذي هو المؤمن، الذي صح إيمانه وإسلامه، ولم يعمل ولم يأتي شيئاً من الشرك الأكبر ولا الكفر الأكبر ولا النفاق الأكبر، لكنه ظلم نفسه بفعل بعض المحرمات أو ترك بعض الواجبات.

وأما المقتصد فهو المؤمن الذي أدى الواجبات وترك المحرمات فاقتصر ووقف عند هذا الحد ولم يكن عنده نشاط في فعل النوافل والمستحبات، ولا في ترك المكروهات وهو المباحات.

وأما السابق في الخيرات فهو المؤمن الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، وفعل المستحبات والنوافل، أدى الوجبات وفعل المستحبات والنوافل، وترك المحرمات وترك مع ذلك المكروهات والتوسع في المباحات،  هؤلاء الأقسام الثلاثة كلهم مؤمنون.

قال المؤلف رحمه الله: " فَالْمُسْلِمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا كَانَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إيمَانٌ" فَالْمُسْلِمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا كَانَ ظَالِمًا إذا كان بفعل بعض المحرمات أو ترك بعض الواجبات فلابد أن يكون معه إيمان، يعني يصحح هذا الإسلام، لابد منه هوالإيمان الواجب، ولكنه لم يأت بالواجب، لم يأتي بالواجب، لم يأتي بالإيمان الواجب الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة، يأتي ولا يلج النار، يأتي بالإيمان الكامل.

قال المؤلف: " وَلَكِنْه لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَلَا يَنْعَكِسْ" ولا ينعكس يعني المؤمن التام الذي معه الظالم، المؤمن التام، الذي أدى الواجبات وترك المحرمات لا يجب أن يكون مسلمًا، لا يجب أن يكون، يعني يجب أن يكون مسلمًا ولكن لا يجب أن يكون مسلمًا يعني المؤمن الذي أدى الواجبات وترك المحرمات هذا يكون مؤمنًا بإطلاق، ويكون مسلما بإطلاق ولا ينعكس، فلا يكون مسلم الذي أدى الواجبات وفعل بعض المحرمات وترك بعض الواجبات لا يكون مؤمنًا بإطلاق، لا يلزم أن يكون مؤمنًا بإطلاق، فالمسلم إذا كان معه الإيمان الذي يصحح إسلامه يسمى مسلمًا ولا يلزم من هذا أن يكون معه الإيمان الكامل، بخلاف المؤمن بإطلاق، فيجب أن يكون أدى الواجبات وترك المحرمات، أما المسلم فانه يكون مسلما بإطلاق وإن كان معه تقصير في بعض الواجبات أو فعل المحرمات.

ثم تعقب المؤلف رحمه الله الإمام محمد بن محمد بن نصر المروزي في تقريره أن الإسلام والإيمان شيء واحد فقال: " وَالْآيَاتُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ"يعني في كتاب تعظيم قدر الصلاة([10]) "تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ دِينُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ غَيْرَهُ وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ"

هذا كما سبق، المؤلف ساق المؤلف نقل عنه من الآيات في قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]

وقال تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22]

وقال عن إبراهيم وربه: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة:128]

وقال عن يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]

وقال عن إبراهيم وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]

وقال تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا [آل عمران:20]

يقول هذه الآيات التي استدل بها محمد بن نصر لا تدل على الإيمان والإسلام شيء واحد، بل تدل على وجوب الإسلام، وتدل على أن الإسلام دين الله، وتدل على أن الإسلام يحبه الله ويرضاه، وتدل على أنه ليس لله دين غيره، هذا كله حق.

لكن ليس في هذا ما يدل على أنه هو الإيمان بل يدل على أنه بمجرد الإسلام يكون الرجل من أهل الجنة، لأن الإسلام لابد معه من إيمان يصححه، فإذا كان الإنسان مسلمًا حقًا فلابد أن يكون معه إيمان يصحح هذا الإسلام وحينئذ يكون من أهل الجنة إن كان عاجلًا أو أجلًا، فإن كان معه الإيمان التام دخل الجنة من أول وهلة، وإذا كان معه الإيمان ناقص فهو على خطر قد يدخل الجنة من أول وهله ويعفى عنه وقد يعذب قبل ذلك، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِيمَانُ؛ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّه بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حُجَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ([11]) فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ فِي غَيْرِ آيَةٍ"

كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التوبة:72]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8]

فالوعد بالجنة لأهل الإيمان بخلاف الإسلام، ولهذا قال: " وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْوَعْدَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ وَحِينَئِذٍ فَمَدْحُهُ"؛ يعني مدح الإسلام، فمدحه في النصوص نصوص الكتاب والسنة جاء فيها مدح الإسلام، " فَمَدْحُهُ وَإِيجَابُهُ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لَهُ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْإِيمَانِ" مدح الإسلام وإيجاب الإسلام ومحبة الله للإسلام تدل على دخوله في الإيمان، وَأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ كُلِّهِمْ يَقُولُونَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ([12]) وَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ فَقَدْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ لَكِنَّ النِّزَاعَ فِي الْعَكْسِ، فليس كل مسلم مؤمنًا بل قد يكون المؤمن مسلم بإطلاق وقد يكون مؤمن بتقيد.

قال المؤلف رحمه الله: ثم ذكر المؤلف تنظير فقال: "ونظير ذلك الصلاة فالصلاة من الإيمان فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُصَلٍّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ صَلَّى مؤمنًا قد يكون منافقًا"

ولهذا قال المؤلف رحمه الله ذكر التنظير قال: " وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِهَا وَيُوجِبُهَا وَيُثْنِي عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ثُمَّ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الصَّلَاةِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ؛ يختلف المسمى، بَلْ الصَّلَاةُ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُصَلٍّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ صَلَّى وَأَتَى الْكَبَائِرَ مُؤْمِنًا." يعني بإطلاق.

ثم قال المؤلف رحمه الله: " وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُجَّةِ يعني ما ذكر محمد بن نصر المروزي عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّ فِيهَا التَّفْرِيقَ بَيْن مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ إذَا ذُكِرَت جَمِيعًا" يعني جميع الأدلةو التي استدل بها محمد بن نصر المروزي فيها التفريق بين مسمى الإيمان والإسلام عند الإجماع، والاقتران كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ لأن جبريل فسر الإسلام بالأعمال  الظاهرة وفسر الإيمان  بالأمور الباطنة.

قال: " وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ دَخَلَ فِيهِ الْإِسْلَامُ."

وهذا أمرٌ متفق عليه.

(المتن)

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي " أُصُولِ الدِّينِ ": قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَكَلَامُ أَحْمَد يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْإِيمَانِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ.

وَهُوَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِسْلَامَ قَوْلٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ، إذْ النَّصُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ.

قَالَ: وَقَدْ قَضَيْنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ اسْمَانِ لِمَعْنَيَيْنِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ اسْمَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَشَرِيكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُمَا اسْمَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ: وَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ تَنْتَفِي عَنْهُ تَسْمِيَتُهُ مَعَ بَقَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِإِتْيَانِ الْكَبَائِرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْخَبَرِ فَيَخْرُجُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِذَا تَابَ مِنْ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ.

وَلَا تَنْتِفِي عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ مِنْ الذُّنُوبِ بَلْ الِاسْمُ بَاقٍ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّةَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ: الْإِسْلَامُ مُجَرَّدُ الْكَلِمَةِ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْكَثِيرَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ.

بَلْ النُّصُوصُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ التَّصْدِيقِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ الدِّينُ كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنْ يُسْلِمَ وَجْهَهُ وَقَلْبَهُ لِلَّهِ فَإِخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ إسْلَامٌ وَهَذَا غَيْرُ التَّصْدِيقِ ذَاكَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ عِلْمِ الْقَلْبِ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن أبي عبد الله بن حامد -من علماء الحنابلة- أقوال الأئمة في الإيمان والإسلام، علَّق عليه، فقال: " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي " أُصُولِ الدِّينِ " هذا كتاب صنفه أبو عبد الله بن حامد من علماء الحنابلة، سمَّاه أصول الدين، وذكر المحقق أنه لا يزال مخطوطًا، أنه رأى نسخةً منه.

يقول أبو عبد الله بن حامد رحمه الله في كتابه أصول الإيمان: "قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَكَلَامُ أَحْمَد يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْإِيمَانِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ. وَهُوَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ([13])"

هذا إسماعيل بن سعيد السالنجي أبو إسحاق من أصحاب الإمام أحمد، وأكثر من الرواية عنه.

قَالَ: "وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِسْلَامَ قَوْلٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ إذْ النَّصُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ"

أبو عبد الله بن حامد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله قال: إنَّ كلام أحمد يحتمل الروايتين، إحداهما أنه كالإيمان، يعني أنَّ الإسلام كالإيمان، وأنهما مترادفان.

والرواية الثانية: أن الإسلام قولٌ بلا عمل يعني سيكون موافقًا للزهري يقول: أن الإسلام هو الكلمة.

قولٌ بلا عمل، ليس المراد أن العمل ليس داخلًا في مسمى الإيمان، المقصود: أنه إذا نَطق بالشهادتين حُكِمَ بإسلامه، قال: وهو نصه في رواية إبراهيم بن سعيد السالنجي.

قال: " وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ" يعني الإيمان قولٌ وعمل، وهذا قول الجماهير.

قال: " وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِسْلَامَ قَوْلٌ" يعني في قول الزهري: الإسلام قول، والإيمان قولٌ وعمل، يحتمل أن الإسلام قول يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ؛ يعني يريد به أن الإسلام قول يعني أن لا يجب في الإسلام العمل؛ أن يعمل ويؤدي الواجبات ويترك المحرمات بل يسمى مسلمًا ولو كان عاصيًا.

قال: " لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ"؛ ليست من شرط الإسلام يعني؛ "إذْ النَّصُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاة" يعني -على هذه الرواية- أنَّ ترك الصلاة ليس بكفر، والصواب: أنَّ تركها كفرٌ، وأنه لا يصلح الإيمان بدونها، الصواب الذي تدل عليه النصوص.

لكن على هذه الرواية أن العمل لا يُشترط في الإسلام وأنه يكفي نطْقُ الشهادتين، فإذا نطقَ بالشهادتين فهو مسلم ولو لم يصلِّ على هذه الرواية، والصواب: أنَّ مَن تركَ الصلاة يكفر، والأدلة في هذا صريحة.

قال أبو عبد الله بن حامد: "وَقَدْ قَضَيْنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ اسْمَانِ لِمَعْنَيَيْنِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ".

فأبو عبد الله بن حامد قرر أن الإسلام والإيمان يختلفان، فالإسلام له معنيان، قال: "وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ" يدلُّ على أنَّ الفقهاء مختلفون في هذا، لا كما قرَّره الإمام محمد بن نصر المروزي أنهما شيءٌ واحد.

قال: "وَقَدْ ذُكِرنا قبل ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ اسْمَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ" يعني عند الاقتران فالإسلام مسماه الأعمال الظاهرة، الإيمان مسماه الأمور الباطنة، "وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَشَرِيكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ([14])"

كلُّ هؤلاء ذهبوا إلى أن الإسلام والإيمان اسمان لمعنيين مختلفين.

قال: "وبِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ"؛ يعني ذهبوا للتفرقة بين الإسلام والإيمان، قال: "وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُمَا اسْمَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ([15])" هذا القول الثاني، قال: "إنَّهُمَا اسْمَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ".

وهذا يدل على أن الخلاف مشهور والنزاع بين أهل السُّنَّة، لكنه نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة.

قال أبو عبد الله بن حامد: " قَالَ: وَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ تَنْتَفِي عَنْهُ تَسْمِيَتُهُ مَعَ بَقَاءِ الْإِسْلَامِ" يعني يفيد هذا أنَّ المؤمن الذي فعل الكبائر، ينتفي عنه اسم الإيمان بإطلاق ولكنَّ يبقى عليه اسم الإسلام.

ولهذا قال المؤلف: "قَالَ: وَيُفِيدُ هَذَا؛ -نقلًا عن أبي عبد الله بن حامد- أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ تَنْتَفِي عَنْهُ تَسْمِيَتُهُ مَعَ بَقَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِإِتْيَانِ الْكَبَائِرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْخَبَرِ".

ففي الحديث: لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([16])، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ([17]) لا يؤمن مَن لا يأمن جاره بوائقه»([18]). فهذه الأخبار كلها دلت على أن الإيمان ينتفي عن العاصي، والمراد به الإيمان الكامل.

قال: " فَيَخْرُجُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّهُ مُسْلِمٌ" فَيَخْرُجُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْإِيمَانِ يعني بإطلاق، إلا أنه مسلم ولو كان عاصيًا بإطلاق ثم مسلم بإطلاق ولا يسمى مؤمن بإطلاق.

قال: " فإذا تَابَ مِنْ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ" إذا تاب من المعاصي وأدى الواجبات وترك المحرمات عاد إليه أسم الإيمان بإطلاق، قال: " وَلَا تَنْتِفِي عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ مِنْ الذُّنُوبِ"

لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، وأداء الفرائض فضلًا من الله وإحسان، كما قال الله  في كتابه العزيز إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31] يعني الصغائر.

قال عليه -الصلاة والسلام- الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَت الْكَبَائِرُ ([19])

رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَا تَنْتِفِي عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْإِيمَانِ؛ نقلًا عن أبي عبد الله بن حامد، وَلَا تَنْتِفِي عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ مِنْ الذُّنُوبِ بَلْ الِاسْمُ بَاقٍ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّةَ ذَلِكَ"؛ يعني ذكر أبوعبد الله بن حامد.

 قال: " وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ: الْإِسْلَامُ مُجَرَّدُ الْكَلِمَةِ" يعني فيه رد على من يقول إن  الإسلام مجرد كلمة وهذا المقولة عن الزهري أنه قال الإسلام كلمة هو كلمة والإيمان العمل، ومقصود الزهري أنه إذا نطق بالشهدتين حكم بإسلامه ولو لم يعمل، لكن الأدلة دلت على أن لا يعمل لا يصح إسلامه، لابد أن يؤدي الصلاة، الذي لا يصلي ليس بمسلم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْكَثِيرَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ؛ بَلْ النُّصُوصُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ  ثم قال: فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ التَّصْدِيقِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْإِسْلَامِ" لأن التصديق إيمان فالإيمان هو التصديق بالقلب، فالأعمال داخل المسمى أما الإيمان التصديق في الباطل هذه تسمى إيمان كما تدل عليه كما تدل عليه اللغة، وليس في النصوص أهمية التصديق بالباطن إسلام إنما هو الإيمان.

قال: " وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ الدِّينُ" استدل على الإسلام الدين كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فسر النبي الإسلام، كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنْ يُسْلِمَ وَجْهَهُ وَقَلْبَهُ لِلَّهِ فَإِخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ إسْلَامٌ وَهَذَا غَيْرُ التَّصْدِيقِ"

التصديق هو الإيمان في الباطن وأما الإسلام فهو إسلام الوجه، والقلب، والدين لله هذا هو الإسلام، والتصديق، هو الإيمان في الباطن،  ولذلك قال: " وَهَذَا غَيْرُ التَّصْدِيقِ ذَاكَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ عِلْمِ الْقَلْبِ."

ذَاكَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَلْبِ؛ يعني إسلام الوجه والقلب لله، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ عِلْمِ الْقَلْبِ الذي هو التصديق.

فالقلب له علم وله عمل، فالقلب له علم وهو التصديق في الوقت، وله عمل وهو خشي والإنابة، والرهبة فإسلام الوجه والقلب لله هذا عمل، هذا عمل من جنس عمل القلب.

وأما الإيمان في الباطن والتصديق فهذا علم، علم القلب.

(المتن)

وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةُ فَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ اتَّبَعَ هنا الزُّهْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إنَّهُ بِالْكَلِمَةِ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا قَرِيبٌ.

وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِجَمِيعِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَهَذَا غَلَطٌ قَطْعًا بَلْ قَدْ أَنْكَرَ أَحْمَد هَذَا الْجَوَابَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُطْلِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ مُتَابَعَةً لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ أَحْمَد جَمِيعِهِ.

قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَد فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فَقَالَ: " الْإِيمَانُ " قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْإِسْلَامُ الْإِقْرَارُ.

وَقَالَ: وَسَأَلْت أَحْمَد عَمَّنْ قَالَ فِي الَّذِي قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ إذْ سَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَيْضًا؟ فَقَالَ: هَذَا مُعَانِدٌ لِلْحَدِيثِ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يناقش قول الزهري، أن الإسلام هو الكلمة وأن الإمام أحمد رحمه الله في رواية قال: تابع الزهري في ذلك، فيقول: ويبين وجه يقول: " وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةُ؛ يعني متابعة للزهري فَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ اتَّبَعَ هنا الزُّهْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ".

اتبع الزهري رحمه الله، والمؤلف رحمه الله يبين الاحتمالات قال: " فَإِنْ كَانَ مُرَادُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ من قال أن الإسلام هو الكلمة أن فَإِنْ كَانَ مُرَادُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إنَّهُ بِالْكَلِمَةِ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ولم يأت بتمام الإسلام، فهذا قريب".

يعني المراد: إذا تكلم هذا دخل في الإسلام، ولم يأت بالإسلام فهذا قريب، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذا نطق بالشهادتين أنه أتى بجميع الإسلام فهذا غلط قطعا لأن من أتى بالشهادتين لم يأت بالإسلام كله.

ولهذا قال المؤلف: " بَلْ قَدْ أَنْكَرَ أَحْمَد هَذَا الْجَوَابَ" أَنْكَرَ أَحْمَد هَذَا الْجَوَابَ قال إن الإسلام كلمة وقصده من ذلك أنه أتى بجميع الإسلام؛ وهو قول من قال: يطلق عليه الإسلام وإن لم يعمل.

يعني من قال أن الإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام، يلزمه ذلك انه نطق بالشهادتين يسمى مؤمن ولو لم يعمل، متابعة لحديث جبريل وهذا غلط فكان ينبغي أن يذكر قول أحمد جميعه، يعني ينبغي أن يذكر قول أحمد كاملًا لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه حتى يتبين مراده.

ثم نقل المؤلف رحمه الله عن إسماعيل بن سعيد السالنجي كما في كتاب "تعظيم قدر الصلاة([20])  " قال: «سألت أحمد عن الإسلام والإيمان، فقال الإيمان قولٌ وعمل والإسلام الإقرار، قال: وسألت أحمد عن من قال،في الذي قال جبريل: للنبي ﷺ  إذ سأله عن الإسلام فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم، فقال نعم فقال قائل وإن لم يفعل ذلك، قال جبريل للنبي ﷺ فهو مسلم أيضًا فقال: هذا معارض للحديث([21])»

ثم علق المؤلف على ذلك على هذا النقض.

(المتن)

وَقَالَ: وَسَأَلْت أَحْمَد عَمَّنْ قَالَ فِي الَّذِي قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ إذْ سَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَيْضًا؟ فَقَالَ: هَذَا مُعَانِدٌ لِلْحَدِيثِ.

فَقَدْ جَعَلَ أَحْمَد مَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَمْسِ مُعَانِدًا لِلْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْإِسْلَامَ الْإِقْرَارُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَاكَ أَوَّلُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْخَمْسِ وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ مَشْرُوطٌ بِهَا فَإِنَّهُ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ حَدِيثَ جِبْرِيلَ. وَأَيْضًا فَهُوَ فِي أَكْثَرِ أَجْوِبَتِهِ يُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ؛ بَلْ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِلَا عَمَلٍ.

وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ فَهَذَا يَكُونُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْمَبَانِي الْأَرْبَعَةِ. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ لَا يَكْفُرُونَ مِنْ تَرْكِ هَذِهِ الْمَبَانِي يَجْعَلُونَهَا مِنْ الْإِسْلَامِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ فَكَيْفَ لَا يَجْعَلُهَا أَحْمَد مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ فِي دُخُولِهَا فِي الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ حَدِيثَ سَعْدٍ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عُمَرَ وَرَجَّحَ حَدِيثَ سَعْدٍ.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَأَلْت أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِيمَانِ أَوْكَدُ أَوْ الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: جَاءَ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَحَبُّ إلَيَّ، كَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ مُسَمَّى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسَمَّاهُ أَفْضَلَ.

وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلُ وَلَكِنْ حَدِيثُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ إلَّا الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ فَقَطْ وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إيمَانًا إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بَعْضُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.

(الشرح)

فإن المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرر ما قرره جمهور العلماء من أن الإسلام والإيمان ليسا شيئًا واحدًا، وإنما الإسلام إذا أطلق وحده دخل في الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل في الإسلام، وإذا اجتمعا فسّر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، كما دلَّت عليه الأحاديث.

كحديث جبريل، فإنه لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأمور الباطنة، ولما أطلق الإيمان وحده دخلت فيه الأعمال الظاهرة والباطنة كما في حديث وفد بني عبد القيس، فإنه لما سألوه عن الإيمان قال: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ([22]). ففسر الإيمان بالأعمال الظاهرة لما أطلق.

وقد ذكر المؤلف رحمه الله القول الثاني لأهل السنة وهو أن الإسلام والإيمان شيء واحد، كما ذهب إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وذهب إليه الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة.

فهذا قولٌ لطائفة من السنة ولكنه قولٌ مرجوح، ولهذا نقل كلامهم المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب كما نقل عن أبن عبد الله بن حامد أيضًا كلام الإمام أحمد رحمه الله في مسمى الإيمان ومسمى الإسلام.

والمؤلف رحمه الله لا يزال ينقل عن العلماء والعلماء ونقل عن الإمام أحمد كثيرا يقرر فيه أن الإسلام والإيمان ليسا  شيئًا واحدًا كما قال الإمام محمد بن نصر المروزي الإمام محمد بن نصر المروزي فهو يناقشه في هذا.

ولهذا نقل المؤلف رحمه الله  هذا النقل عن الإمام أحمد قال: " قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ" قال إسماعيل بن سعيد وهو السالنجي نقل عنه الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب "عظيم قدر الصلاة" قال: " سَأَلْت أَحْمَد؛ يعني الإمام أحمد رحمه الله عن الإسلام والإيمان فقال: فَقَالَ: " الْإِيمَانُ " قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْإِسْلَامُ الْإِقْرَارُ"

فقال الإيمان قولٌ وعمل لابد فيه من القول وهو إقرار القلب والتصديق وقول الإنسان، وعمل الجوارح، والإسلام هو الإقرار ، هذا أحد الرواياتين عن الإمام أحمد الإقرار يعني الإقرار بالشهادتين، والمعنى أنه إذا نطق بالشهادتين دخل في الإسلام.

وقال: " وَقَالَ: وَسَأَلْت أَحْمَد عَمَّنْ قَالَ فِي الَّذِي قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ إذْ سَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ" لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام ففسر بالأعمال الظاهرة، كالشهادتين، الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج.

قال: " فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ."

يعني الإمام أحمد قال نعم إذا فعلت ذلك، فقال: " فَقَالَ قَائِلٌ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك" يعني إن لم يأت بالمباني قال جبريل للنبي ﷺ فهو مسلم أيضا يعني لو لم يأت بذلك لو لم يفعل ذلك قال: جبريل للنبي ﷺ فهو مسلم أيضًا.

فقال: يعني الإمام أحمد " : هَذَا مُعَانِدٌ لِلْحَدِيثِ"

يعني الذي يقول أن الذي لا يفعل لا يأتي بالمباني هذا معاند الحديث، يعني مخالف للحديث، فإن الحديث فيه أنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، لما قال عن الإسلام قال: "الإسلام الشهادتان، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج"

فقال: "فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ" نعم هذا مسلم لأنه أتى بما دل عليه الحديث، أما الذي لا يفعل ذلك ويقال أنه مسلم، من قال أنه مسلم قال الإمام أحمد: " هَذَا مُعَانِدٌ لِلْحَدِيثِ"

علق المؤلف رحمه الله شيخ الإسلام على هذا الأثر قال: " فَقَدْ جَعَلَ أَحْمَد مَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَمْسِ مُعَانِدًا لِلْحَدِيثِ"

جعل الإمام أحمد من جعله مسلمًا إذا لم يأتي بالخمس معاند للحديث؛ يعني الذي لا يأتي بالمباني الخمس وهي الشهادتان، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج.

من قال من لم يأتي بهذه المباني مسلم فقال الإمام أحمد هذا معارض للحديث، مع قول الإمام أحمد أن الإسلام هو الإقرار هذا قاله في إحدى الروايات.

قال: " أن الإسلام هو الإقرار" لكن وجه شيخ الإسلام رحمه الله قوله قول الإمام أحمد أن الإسلام هو الإقرار وجه ذلك على أن ذاك أول الدخول في الإسلام.

يعني الإمام أحمد لما قال أن الإيمان المقصود منها مقصوده أن هذا في أول دخوله في الإسلام، حينما ينطق بالشهادتين وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْخَمْسِ.

إذًا الإمام أحمد حين سأل فقال الإسلام الإقرار مقصوده أن هذا في أول، في أول دخوله في الإسلام، لكن لا يكون قائمًا بالإسلام حتى يأتي بالخمس؛ يعني الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.

بدليل أنه لما قيل له أن لم يفعل ذلك فهو مسلم أنه مسلم قال: "هذا معاند للحديث".

قال المؤلف رحمه الله: " وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ مَشْرُوطٌ بِهَا"  الإسلام مشروطٌ بها، يعني: بالإتيان بالمباني الخمسة؛ وهي الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. لمَّا سُئل عن الإسلام، قال: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ([23]).

قال: " فَإِنَّهُ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ حَدِيثَ جِبْرِيلَ" يعني الإمام أحمد ذمَّ مَن لم يتبع حديث جبريل، حيث قال: إنه معاند للحديث، فقال: إنَّ الَّذِي لا يأتي بالخمسة مُسْلِم؟ قال: إنه معاند للحديث.

"فَذَمَّ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ حَدِيثَ جِبْرِيلَ"، قال المؤلف رحمه الله: " َأَيْضًا فَهُوَ فِي أَكْثَرِ أَجْوِبَتِهِ يُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ" فهو أي الإمام أحمد في أكثر أجوبته يكفِّر مَن لم يأتِ بالصلاة.

"بَلْ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي"؛ لأن الإمام أحمد في أكثر أجوبته يكفِّر مَن لم يأتِ بالصلاة، بل ويكفِّر مَن لم يأتِ بالزكاة، ومَن لم يأتِ بالصوم، ومَن لم يأتِ بالحج، والإمام أحمد له رواية كما سبق، له رواية: أنَّ مَن لم يأتِ بواحدة من المباني الخمس يَكْفُر.

مَن لم يأتِ بالصلاة، أو بالزكاة، أو بالصوم، أو بالحج، يعني وإنْ لم يجحد وجوبها.

ورواية ثانية: أنَّ هذا خاصٌّ بالصلاة، فمن لم يأت بالصلاة يكفر، ومَن لم يأت بالزكاة أو الصوم أو الحج، فإنه لا يكفر إذا كان مُقرًّا، فله أجر رحمه الله.

فالمؤلف يقول: إن الإمام أحمد في أكثر أجوبته يكفر من لم يأت بالصلاة "بَلْ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي"، وعلى ذلك فـ "الْكَافِرُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ".

يعني القول: بأنَّ الإسلام هو الإقرار فقط، على أكثر أجوبة الإمام أحمد؛ أن من لم يأتِ بالصلاة يكون كافرًا، على هذا يكون مَن أقرَّ بالشهادتين واكتفى بذلك لا يكون مسلمًا، لأنه لم يأت بالصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: " فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِلَا عَمَلٍ" علم يعني الإمام أحمد حينما قال الإسلام هو الإقرار لم يرد أن الإسلام هو القول بلا عمل وإنما أراد كما سبق أن ذاك أن الإقرار هو أول الدخول في الإسلام، ثم لابد أن يأتي بالمباني الخمس، فإن لم يأتي بها لا يكون قائمًا بالإسلام.

قال المؤلف رحمه الله: " وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ"؛ لو قدر أنه أراد أن الإسلام مجرد القول فهو على الرواية التي رويت عنه بأن من ترك الصلاة لا يكفر.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ فَهَذَا يَكُونُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْمَبَانِي الْأَرْبَعَةِ" يعني على الرواية التي رُويت عن الإمام أحمد أنه لا يكفر بشيءٍ من ذلك، لا يكفر بترك الصلاة، ولا بترك الزكاة، ولا بترك الصوم، ولا بترك الحج؛ لأن الإمام أحمد له رواياتٌ كما سبق أربع روايات أو خمس روايات.

قال المؤلف رحمه الله: " وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ" أكثر الروايات عن الإمام أحمد بخلاف ذلك، يعني بخلاف القول بأن ترك الصلاة ليس بكفر، فأكثر الروايات على أنَّ ترك الصلاة كفرٌ.

وكذلك تكفير مَن لم يأتِ بواحدة من المباني الأربعة: الصلاة والزكاة والصوم والحج، قال المؤلف رحمه الله: "وَاَلَّذِينَ لَا يَكْفُرُونَ مِنْ تَرْكِ هَذِهِ الْمَبَانِي يَجْعَلُونَهَا مِنْ الْإِسْلَامِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ" يعني الذين لا يكفرون بواحدة من هذه الأربع من العلماء وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج مثل الإمام الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وغيرهم.

يجعلونها من الإسلام، هم لا يكفرون ولكن يجعلونها من الإسلام، ما يقول أنها ليست الإسلام، بل يقولون أن الصلاة من الإسلام، والزكاة من الإسلام، والصوم من الإسلام، والحج من الإسلام لكن لا يكفر  بترك واحدة منها إذا لم يجحد وجوبها هذا على هذا القول، فدل على أنها داخلة في مسمى الإسلام وأنه لا يكفي في الإسلام مجرد الإقرار وهو النطق بالشهادتين.

قال المؤلف رحمه الله: " فَكَيْفَ لَا يَجْعَلُهَا أَحْمَد مِنْ الْإِسْلَامِ" يعني إذا كان هؤلاء العلماء، كالشافعي ومالك وأبو حنيفة هؤلاء الأئمة لا يكفرون من ترك واحدة من المباني الأربعة ويجعلونها من الإسلام، كان من باب أولى أحمد أنه يجعلها من الإسلام، ولهذا قال المؤلف: " فَكَيْفَ لَا يَجْعَلُهَا أَحْمَد مِنْ الْإِسْلَامِ؟!" من باب أولى وحتى ولو لم يقل بتكفير بكفر من ترك واحدة من الأربعة.

قال المؤلف رحمه الله: " وَقَوْلُهُ فِي دُخُولِهَا فِي الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ" يعني قول الإمام أحمد في دخول المباني الأربعة وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج أقوى من قول غيره من العلماء، من قال بأن داخلة، فالإمام أحمد يعني قوله قوي في دخول هذه المباني الأربعة وأنه لا يكفي في الإسلام مجرد الإقرار بالشهادتين.

ثم نقل المؤلف رحمه الله عن الحسن بن علي فقال: " قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ" وهو من خلف البربهاري البغدادي شيخ الحنابلة في وقته، له شرح كتاب السنة.

قال: " سَأَلْت أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِيمَانِ أَوْكَدُ أَوْ الْإِسْلَامُ" يعني أيهما أوكد؟ قال: يعني الإمام أحمد " جَاءَ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَحَبُّ إلَيَّ([24])".

المقصود بحديث عمر: هو حديث جبريل، لما سأل عن الإسلام فسَّره بالمباني الخمسة، ولما سأل عن الإيمان فسَّره بالأمور الباطنة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ يعني: ففرَّق بين الإسلام والإيمان.

"وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَحَبُّ إلَيَّ"؛ حديث سعد المعروف -سعد بن أبي وقاص- أنَّ النبي ﷺ قَسَمَ في بعض الغنائم، على رجال وترك شخصًا هو أعجبهم إليَّ، فقلتُ: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا، فقال النبي ﷺ: أو مسلمًا، يعني: ما بلغَ درجةَ الإيمان.

قال: ثُمَّ سكتُّ فغلبني ما أجدُ، فقلتُ: مالك عن فلان؟ فواللهِ إني لأراه مؤمنًا، فقال: أو مسلمًا، كرَّر هذا ثلاثًا.

 ثم قال النبي ﷺ في الثالثة: أقتالًا يا سعد؟! إني لأعطي الرَّجل وغيره أحب إليَّ؛ مخافةَ أنْ يكبه اللهُ على وجهه في النار([25]).

يعني يعطيه من الغنائم؛ لتأليفه على الإسلام، لأنه لو لم يُعطَ ضعيفُ الإيمان لارتدَّ عنِ الإيمان، فكبَّهُ اللهُ على وجهه في النار. وأمَّا قوي الإيمان فإني أتركه لإيمانه ولا أعطيه.

فيقول المؤلف رحمه الله: إن الإمام أحمد لما سأله الحسن بن علي البربهاري: أيهما أوكد الإيمان أو الإسلام؟ قَالَ: "جَاءَ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَحَبُّ إلَيَّ".

حديث سعد؛ لأنَّه فرَّق بين الإسلام والإيمان وجعل الإيمان أقوى؛ لأنه لما قال: مالك عن فلان، فواللهِ إني لأراه مؤمنًا؟ قال: أو مسلمًا، يعني ما بلغ درجة الإيمان، فدل على أن الإيمان أقوى وأوكد.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله لما سأل الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ، عن الإيمان أوكد أو الإسلام؟ "قَالَ: جَاءَ حَدِيثُ عُمَرَ الآن في التفريق بين الإيمان والإسلام هَذَا وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَحَبُّ إلَيَّ"؛ حيث أنه جعل الإيمان أقوى.

قال المؤلف رحمه الله تعليقًا على قول الإمام أحمد: "لعله فهم أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ مُسَمَّى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسَمَّاهُ أَفْضَلَ وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلُ" يعني كأنه كأن الحسن بن على فهم أن حديث عمر يدل على أن الأعمال في مسمى الإسلام فيكون مسماه أفضل، فبين له الإمام أحمد أن مسمى الإيمان أفضل، ولهذا قال له: " وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلُ وَلَكِنْ حَدِيثُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ إلَّا الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ فَقَطْ" وهي الشهادتان والصلاة والزكاة.

قال المؤلف: " وَهَذِهِ" ؛ يعني الأعمال الظاهرة الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم والحج " وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إيمَانًا إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ  وَرُسُلِهِ"

المعنى أنها هذه من أتى بهذه المباني الخمسة، نطق بالشهادتين وصلى وزكى وصام وحج لا تكون إيمانًا إلا مع الإيمان الذي في القلب، إلا مع التصديق فانه لو لم يصدق لكان منافق في الدرك الأسفل من النار، فلا تَكُونُ إيمَانًا إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ، فتكون حينئذٍ بعض الإيمان، تكون المباني الخمس جزء من الإيمان وبقية الإيمان  ما هو؟ الإيمان الذي في القلب، التصديق الذي في القلب، والأعمال الأخرى، شرائع الإسلام.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إيمَانًا إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ  واليوم الآخر والقدر خيره وشره فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بَعْضُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلَ" لماذا يكون مسمى الإيمان أفضل؟

لأنه أعم لأنه يشمل الأعمال والأعمال الظاهرة فَيَكُونُ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ؛ لما قال مالك عن فلان قال والله أني لأراه مؤمنًا؟ فقال: أو مسلمًا، فهذا يبين أن الإيمان أفضل، أنه لا ما بلغ درجة الإيمان.

ولذلك قال المؤلف: " فَيَكُونُ مُسَمَّى الْإِيمَانِ أَفْضَلَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ" لا منافاة بين حديث جبريل وبين حديث سعد؛ حديث جبريل بين مسمى الإسلام ومسمى الإيمان عند الاجتماع.

وحديث سعد بين أن الإيمان أفضل فلا منافاة بينهما.

(المتن)

وَأَمَّا تَفْرِيقُ أَحْمَد بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فَكَانَ يَقُولُهُ تَارَةً وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَا يَجْزِمُ بِهِ.

وَكَانَ إذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا تَارَةً يَقُولُ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ، وَتَارَةً لَا يَقُولُ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ التَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الْمَبَانِي كَانَ تَارَةً يَكْفُرُ بِهَا حَتَّى يَغْضَبَ؛ وَتَارَةً لَا يَكْفُرُ بِهَا.

قَالَ الميموني: قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ: عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([26])، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: 14].

قَالَ: وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الخزاعي قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَشَرِيكٌ وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ وَقَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَرْقٌ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.

(الشرح)

نعم، المؤلف رحمه الله ينقل عن الإمام أحمد روايات في هذا، وأنه الإمام أحمد رحمه الله من سعة علمه يكون له روايات، حتى أنه قد ينقل عنه في المسألة الواحدة سبع روايات، وهذا يدل على سعة علمة ويدل على ورعه، فهو يقول القول ثم إذا بلغه حديث رجع عن الروايات الأولى وقال قولا أخر.

ولهذا المؤلف رحمه الله بينَّ كلام الإمام أحمد، والجمع بين رواياته فقال: " وَأَمَّا تَفْرِيقُ أَحْمَد بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ فَكَانَ يَقُولُهُ تَارَةً وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَا يَجْزِمُ بِهِ."

يعني الأمام قال رواية تارةً يفرق بين الإسلام والإيمان، وتارة يحكي الخلاف ولا يجزم به، وَكَانَ إذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا؛ إذا قرن بين الإسلام والإيمان " تَارَةً " يَقُولُ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ؛ والمراد بالكلمة الاستقرار في الشهادتين وهذا قول الزهري وَتَارَةً " لَا يَقُولُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ التَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الْمَبَانِي؛ ترك المباني الأربعة، الصلاة والزكاة والصوم الحج، كَانَ تَارَةً يَكْفُرُ بِهَا حَتَّى يَغْضَب َمثلا يقول من ترك الصلاة كفر، من ترك الزكاة كفر، من ترك الصوم كفر، من ترك الحج كفر، ؛ وَتَارَةً لَا يَكْفُرُ بِهَا.

المعنى أن للإمام أحمد روايات متعددة وهذا من سعة علمة، وكما سبق أنه نقل عنه خمس روايات، إحدى الروايات تقول يكفر بترك الصلاة ورواية تقول أنه لا يكفر، ورواية تقول يكفر بترك المباني الخمس ورواية تقول لا يكفر ورواية يقول يكفر بترك الصلاة والزكاة والصوم والحج لا يكفر وهكذا، فالإمام أحمد له روايات متعددة.

ثم نقل المؤلف قال رحمه الله: " قَالَ الميموني"؛ وهو عبد الملك الميموني نقل عنه هذا الإمام محمد بن نصر المروزي في هذا الكتاب تعظيم الصلاة، قال الميموني: " قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؛ يعني يسأل الإمام أحمد قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟"

أبو عبد الله هو الإمام أحمد كنيته أبو عبد الله." قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ: عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([27])".

يعني أن الحديث هذا فيه تفريق بين الإسلام الإيمان، فالنبي ﷺ نفى عن الزاني الإيمان، ولكن الإسلام ثابت له؛ بدليل أن الزاني لو كان كافرًا لقُتل، ولكنه لا يُقتل ويُقام عليه الحد ويرث ويورث..

ولو كان كافرًا لقُتل، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ فنفى عنه الإيمان ولكنَّ الإسلام ثابت له.

فالزاني يُقال: إنه مسلمٌ، ولكن لا يُقال: مؤمن بإطلاق، لابد من التقييد، الإيمان المطلق إنما يكون إذا أتى الإنسان بالواجبات وترك المحرمات، والزاني فعل بعض المحرمات فلا يُطلق عليه الإيمان، وإنما إلا بتقيد؛ فيُقال: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته.

فمقصود الإمام أحمد بالاستدلال بهذا الحديث، أن الزاني والسارق وكذلك شارب الخمر، نُفي عنه الإيمان ولكن الإسلام ثابت له، يعني ليس كافرًا؛ لأن الخوارج ينفون عنه الإيمان ويكفرونه، ولكن المراد بالنفي هنا نفي الكمال، وأما أصلُ الإيمان فهو باقٍ معه ويُطلق عليه الإسلام.

وقال: " وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا([28]) "، هذا دليل آخر، دليل آخر للإمام أحمد استدل بها على التفريق بين الإسلام والإيمان، ووجه الدلالة أن الله تعالى نفى الإيمان عن الأعراب وأثبت لهم الإسلام، فدل على الفرق بينهما، فلو كان الإيمان والإسلام شيء واحد لما فرق الله بينهما.

"قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا قَالَ: ؛ أي الأمام أحمد رحمه الله وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ."

وهذا ذكره الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة، وذكر بن ابن بطة في كتابه الإبانة([29]) ، قال: وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.

المعنى أن العلماء يعني جماهير العلماء يفرقون بينهما قال؛ يعني الإمام أحمد قَالَ: "وَحَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الخزاعي قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَشَرِيكٌ وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ وَقَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَرْقٌ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ"

يعني أنهم أن جمهور العلماء يفرقون بين الإسلام والإيمان، نعم، فدل على أن ما ذهب إليه الإمام محمد بن نصر المروزي و ما ذهب  إليه الإمام البخاري من أن الإسلام والإيمان شيء واحد قولٌ لطائفة قليلة من السنة وأن الصواب الذي تدل علىه النصوص وعلىه الجماهير هو القول بالتفريق بينهما، نعم.

(المتن)

قَالَ أَحْمَد: قَالَ لِي رَجُلٌ: لَوْ لَمْ يَجِئْنَا فِي الْإِيمَانِ إلَّا هَذَا لَكَانَ حَسَنًا. قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَتَذْهَبُ إلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ مَعَ السُّنَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْقَوْلُ. قَالَ: هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ. قُلْت: فَمِنْ هَاهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرْقَ مُطْلَقًا وَاحْتِجَاجُهُ بِالنُّصُوصِ.

(الشرح)

فإن المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قرر فيما سبق ما دلت عليه النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وما قرره جمهور العلماء من أن الإسلام والإيمان ليسا شيء واحد، وإنما الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر، إذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، وإذا أطلق الإيمان  وحده كذلك دخل فيه الأعمال الظاهر والأعمال الباطنة، وإذا أجتمعَا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال  الباطنة كما في حديث جبريل.

 فإنه لما سأل عن الإسلام فسر بالأعمال الظاهرة، ولما سأل عن الإيمان فسر بالأمور الباطنة، فدل على الفرق .

وذهبت طائفة من أهل السنة وعلى رأسهم الإمام البخاري والإمام محمد بن نصر المروزي إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وذهب إلى هذا أيضًا الخوارج والمعتزلة وأن لا فرق بينهما.

والمؤلف رحمه الله يقرر ما قرره جمهور العلماء وما دلت عليه النصوص ويناقش من يقول: إن الإسلام والإيمان شيء واحد، وقد نقل نقولًا عن الإمام محمد بن نصر المروزي ووافقه في بعضها وخالف في بعضها مبينًا الفرق.

وهو يتَّبِعُ في ذلك ما دلَّت عليه النصوص، ومن الأدلة التي نقلها عن الإمام أحمد في تفريقه بين الإسلام والإيمان، هذا الأثر الذي سمعناه، قال: " قَالَ أَحْمَد -يعني الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَالَ لِي رَجُلٌ: لَوْ لَمْ يَجِئْنَا فِي الْإِيمَانِ إلَّا هَذَا لَكَانَ حَسَنًا".

يعني: ما سبقَ من الأدلة التي تفرق بين الإيمان والإسلام، مثل: حديث سعد، قال: مالك عن فلان؛ فواللهِ إني لأراه مؤمنًا؟ فقال: أو مسلمًا.

قال: " لَمْ يَجِئْنَا فِي الْإِيمَانِ إلَّا هَذَا لَكَانَ حَسَنًا"، قال: "قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يعني الإمام أحمد-: فَتَذْهَبُ إلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ مَعَ السُّنَنِ؟"، يعني: في التفريق بين الإسلام والإيمان، "قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْقَوْلُ. قَالَ: هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ".

يعني المرجئة يقولون: الإسلام هو القول ، والإيمان هو القول، لا يفرقون بين الإسلام والإيمان، فيقولون: الإسلام والإيمان هو القول، يعني: قول القلب، وهو التصديق، وهذا قول عامة المرجئة؛ أنَّ الإيمان تصديقٌ بالقلب، ذهبَ إلى هذا الجهمية قالوا: إن الإيمان علمُ القلب وتصديقه، يعني المعرفة.

وذهب الماتريدية والأشعرية إلى أن الإيمان هو تصديق القلب فقط، وقالوا: إنَّ القول باللسان هذا ركن زائد، وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان.

وذهب مرجئة الفقهاء إلى أنَّ الإيمان شيئان: تصديق القلب والإقرارُ باللسان.

يقول الإمام أحمد رحمه الله لما سأل عن قول المرجئة: إن الإسلام هو القول. قال:" هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ"

لأنهم يقولون أن الإيمان هو التصديق، من صدق فهو مؤمن ومسلم، وإيمانه كإيمان جبريل وميخائيل، وكإيمان أبي بكر وعمر بل إن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد وهو مؤمن كامل الإيمان، حتى مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه ويقولون: الفرق بين الناس إنما هو في الأعمال، البر والتقوى، أما الإيمان شيء واحد.

فأفسق الناس وأعبد الناس إيمانهم واحد هو التصديق فمن صدق فهو كامل الإيمان و مسلم هو كامل الإسلام.

هذا قول الإمام أحمد قال: " هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ." إيمان كامل لأنه الأعمال عن مسمى الإيمان، وعلى ذلك فإن كل من صدق فهو مؤمن وكامل الإيمان، ولا فرق بين العابد وبين الفاسد وبين المطيع وبين العاصي، كلهم شيء واحد، والتفريق في الأعمال.

قال السائل للإمام أحمد: " قُلْت: فَمِنْ هَاهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ للإمام أحمد قَالَ: نَعَمْ"([30]) حجتنا عليهم أنهم خالفوا النصوص وأنهم قالوا قولًا شنيعًا حيث يكون أفجر الناس وأعبد الناس كلهم إيمانهم سواء.

قال المؤلف: " فَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرْقَ مُطْلَقًا وَاحْتِجَاجُهُ بِالنُّصُوصِ" فقد ذكر  في هذا الأثر ذكر عنه عن الإمام أحمد الفرق مطلقًا بين الإسلام والإيمان وذكر احتجاجه بالنصوص.

ولهذا قال: " : فَمِنْ هَاهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ" ذكر أنه يفرق بينهم ومع ذلك يفرق في النصوص.

(المتن)

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَد: سُئِلَ أَبِي عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْإِسْلَامُ: الْقَوْلُ وَالْإِيمَانُ: الْعَمَلُ. قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ غَيْرُ الْإِيمَانِ وَذَكَرَ حَدِيثَ سَعْدٍ وَقَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ([31])

فَهُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَخْتَرْ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْإِسْلَامُ: الْقَوْلُ؛ بَلْ أَجَابَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ الْإِيمَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَعَ الْقُرْآنِ.

(الشرح)

وهذا النقل صالح بن أحمد، هو صالح بن أحمد بن الإمام أحمد وهو ابو الفضل ولد ببغداد، وولي القوم بأصبهان وتوفي فيها وسمع أباه وتفقه عليه وهو صدوق ثقة.

قال صالح بن احمد: " سُئِلَ أَبِي" وهو الإمام عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فلما سأل أبنه صالح استدل نقل  أثر ابن أبي ذئب، قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ؛ وابي ذئب هذا محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة الحارث، ابي ذئب ابو الحارث القرشي المديني، الفقيه، كان من أوعية العلم وثقة ثبت وقوالا بالحق.

نقل عنه الأمام أحمد قال: " قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْإِسْلَامُ: الْقَوْلُ وَالْإِيمَانُ العمل" لما سأل الإمام أحمد أبنه صالح عن قال: سئل عن الإسلام والإيمان صالح بن الإمام أحمد، نقل عن أبيه قال سئل أبي عن الإسلام والإيمان قال فاستدل بقول ابن ابي ذئب قال: "قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْإِسْلَامُ: الْقَوْلُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ. قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ يعني أيها الإمام ، قال؛ الإمام أحمد قَالَ: الْإِسْلَامُ غَيْرُ الْإِيمَانِ" يعني أقول أنا الإسلام غير الإيمان، وذكر حديث سعد.

يعني استدل بحديث سعد في التفريق بين الإيمان والإسلام، حديث سعد كما سبق أن النبي ﷺ أعطى بعض الغنائم بعض الناس «قال سعدٌ وترك رجلا هو أعجبهم إلي فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله أني أراه مؤمنًا أو مسلمًا.([32])

فذكر حديث سعد في التفريق بين الإيمان والإسلام، وقول النبي  ﷺ، يعني قول النبي مسلمًا أو مؤمنًا.

قال المؤلف تعليقًا على ما نقل: " فَهُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَخْتَرْ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْإِسْلَامُ: الْقَوْلُ" يعني في هذا الحديث ما اختار القول بأن الإسلام هو القول كما روي عن الزهدي الإسلام هو مجرد النطق بالشهادتين، بل أجاب؛ يعني الإمام أحمد  بِأَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ الْإِيمَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَعَ الْقُرْآنِ؛ يعني في تصديقه.

مع ما دل عليه القرآن في قوله تعالى قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] فنفى عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام

فالإمام أحمد رحمه الله استدل بالقرآن والسنة على أن الإسلام غير الإيمان، فدل على أن قول الإمام محمد بن نصر المروزي وقول الإمام البخاري أن الإسلام والإيمان شيء واحد قول مرجوح.

 (المتن)

وَقَالَ حَنْبَلٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ بريدة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ([33]) . ... الْحَدِيثُ.

قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ. فَمَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ.

فَبَيَّنَ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُون وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَيِّتٌ يَشُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ([34])

(الشرح)

نعم، وهذا الناقل عن حنبل وحنبل هذا هو حنبل بن هلال الشيباني وهو ابن عم الإمام أحمد رحمه الله اشتغل بالحديث والتاريخ، نقل عن ابن عم الإمام احمد بن حنبل قال: "حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ بريدة «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ([35])".

فهذا الحديث فرق بين المسلمين والمؤمنين فعطف المسلمين على المؤمنين فقال بين المسلمين والمؤمنين، ففيه تفريق بين الإسلام والإيمان.

قال: "قَالَ:  يعني الإمام حنبل وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ"، حجة على من قال أن الإيمان قول؛ لأنه أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، والمسلمون يعملون لا يكتفون بالقول، فهذا الحديث حجة على من قال الإيمان قول.

يقول: يعني الأمام أحمد: "فَمَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ"؛ لأن الحديث فرقَ بينهم فبين فرق بينهم من قال أنا مؤمن فقد زكى نفسه لأن المؤمن بإطلاق هو الذي أدى الواجبات وترك المحرَّمات والنبي ﷺ فرق بين المؤمنين والمسلمين، فدل على أن الإنسان لا يزكي نفسه ولا يقول: أنا مؤمن، بل يزري بنفسه، ويقول إنه مقصر ولذلك النبي عطف المسلمين على المؤمنين.

قال المؤلف رحمه الله: "فَبَيَّنَ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ" رد عليهم بمن قال أنا مؤمن مستكمل الإيمان لأنه فرق بين الإسلام والإيمان، ولو  كان كل إسلام مستكمل الإيمان لما فرق النبي ﷺ بينهما.

قال: "وَقَوْلُهُ: يعني في هذا الحديث وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَيِّتٌ يَشُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ"

معني أن الاستثناء فيه شيء محقق قال وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ كلهم يعلم أنه ميت وأنه سيلحق الأموات فماذا أتى  بالاستثناء إن شاء الله؟

قال هذا يؤيد الاستثناء في هذا الموضع ويرد على المرجئة الذين يقولون من استثنى في الإيمان فقد شك في إيمانه، المرجئة يقولون قول أنا مؤمن أكذب كيف تشك في إيمانك؟

أنت تعلم انك مؤمن، كما تعلم أنك قرأت الفاتحة، كما تعلم أنك تحب الرسول صلى عليه الصلاة والسلام فلا تقول أنا مؤمن إن شاء الله، ولهذا قال المرجئة من يقول أنا مؤمن إن شاء الله يسمونهم الشكاكة، يقولون هذا شك في إيمانه، وجمهور العلماء يقولون: لا بأس بالاستثناء لأن الاستثناء راجع على الأعمال المتعددة والواجبات كثيرة، ولا يجزم الإنسان أنه  أدى ما عليه ولا يقول أنه أدي الواجبات وترك المحرمات، ولهذا يستثني يقول إن شاء الله.

المؤلف رحمه الله يقول: هذا الحديث يُؤَيِّد ما ذهبَ إليه جمهور العلماء من جواز الاستثناء في الإيمان.

قال: " وَقَوْلُهُ: وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَيِّتٌ"؛ يعني أمرٍ مُحَقَّق "يَشُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، وهم الجمهور الذين يرون الاستثناء في الإيمان، خلافًا للمرجئة، وهو القولُ في هذا الموضع؛ يعني حينما ينظر إلى الأعمال والواجبات والمحرمات وأنها كثيرة ولا يزكي نفسه، هو في هذا الموضع، يقول: إن شاء الله.

أمَّا إذا أراد الشكَّ في أصلِ الإيمان، فهذا ممنوع، لكن إذا أراد إلى أنَّ الأعمال متعددة والواجبات متعددة والإنسان لا يزكي نفسه، فلا بأس أنْ يستثني بالنظر إلى الأعمال المتعددة.

ولهذا قال المؤلف: إنَّ قول النبي: وإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ في أمرٍ محقَّق، يَشُدُّ؛ يعني يؤيِّد قوْلَ مَن قال: أنا مؤمنٌ إنْ شاء الله، بالاستثناء في هذا  الموضع.

(المتن)

وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ سَأَلْت: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْت: قَوْلُهُ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ([36]).

قَالَ: قَدْ تَأَوَّلُوهُ فَأَمَّا عَطَاءٌ فَقَالَ: يَتَنَحَّى عَنْهُ الْإِيمَانُ. وَقَالَ طَاوُوسٌ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إنْ رَجَعَ رَاجَعَهُ الْإِيمَانُ.

وَقَدْ قِيلَ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَرَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَالِحٌ فَإِنَّ مَسَائِلَ أَبِي الْحَارِثِ يَرْوِيهَا صَالِحٌ أَيْضًا. وَصَالِحٌ سَأَلَ أَبَاهُ عِن هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ فِيهَا: هَكَذَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ فَالْإِيمَانُ مَقْصُورٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِذَا زَنَى خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ - يَعْنِي - لِمَا رُوِيَ حَدِيثُ سَعْدٍ: أو مُسْلِمٌ فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ قَالَ أَحْمَد: وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَأَوِّلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

لِأَنَّ جَمِيعَ مَا قَالُوهُ حَقٌّ وَهُوَ يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا قَدْ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَحْمَد وَأَمْثَالُهُ مِنْ السَّلَفِ لَا يُرِيدُونَ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ بَلْ التَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ مِثْلُ التَّفْسِيرِ وَبَيَانِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ اللَّفْظُ كَقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ»([37]).

وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ التَّابِعُونَ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ بَلْ يُوَافِقُهُ وَقَوْلُ أَحْمَد يَتَأَوَّلُهُ أَيْ يُفَسَّرُ مَعْنَاهُ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُوَافِقُ ظَاهِرَهُ لِئَلَّا يَظُنَّ مُبْتَدِعٌ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ كَافِرًا لَا إيمَانَ مَعَهُ بِحَالِ؛ كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا.

وَاَلَّذِي نَفَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْإِيمَانَ كَانَ يَجْعَلُهُمْ مُسْلِمِينَ لَا يَجْعَلُهُمْ مُؤْمِنِينَ.

(الشرح)

نعم وهذا الناقل عن أبي حارث نقل هذا الأثر عن أبي الحارث هو أحمد بن الصالح من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله قد روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، كان الإمام أحمد يقدمه ويكرمه قال: " أبو الحارث وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ سَأَلْت: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْت: قَوْلُهُ: يعني النبي ﷺ  لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ([38])."

يعني ما معناه حينما نفى ﷺ الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، قال قَالَ: قَدْ تَأَوَّلُوهُ يعني الإمام أحمد قد تأولوه، يعني تأوله العلماء والمراد بتأولوه يعني فسروه بتفسيرات، ثم نقل أقوالًا للتابعين في تفسيره.

قال:  "فَأَمَّا عَطَاءٌ فَقَالَ: الإيمان الحديث يَتَنَحَّى عَنْهُ الْإِيمَانُ." ([39])

يعني لو فعل الزنا والسرقة والشرب الخمر والمراد يعني يتنحى عنه الإيمان الكامل، ليس المراد أنه يكفر، كامل الواجب.

وَقَالَ طَاوُوسٌ: "إذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ" يعني زال عنه الإيمان الكامل، الإيمان الكامل الواجب، أصل الأيمان معه.

وَقَالَ طَاوُوسٌ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ؛ الحسن البصري قَالَ: إنْ رَجَعَ رَجَعَلهُ الْإِيمَانُ؛ يعني رجع إسلامه، وَقَدْ قِيلَ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ "

يخرج من الإيمان إلى الإسلام؛ يعني بإطلاق لأن المؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فإذا فعل المحرمات انتقل عن الإسلام بإطلاق، انتقل عنه الإيمان بإطلاق وصار يطلق عليه الإسلام".

فيقال مسلم ولا يقال مؤمن، فالمسلم بإطلاق لأن الإسلام يطلق على العاصي أما الإيمان فلا يطلق على العاصي إلا بقيد، ولهذا قال: " وَقَدْ قِيلَ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ لماذا؟" لأن الإسلام يطلق على العاصي.

قال المؤلف رحمه الله: " وَرَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَالِحٌ" ([40])  يعني الإمام أحمد فَإِنَّ مَسَائِلَ أَبِي الْحَارِثِ يَرْوِيهَا صَالِحٌ ابن الإمام أحمد أَيْضًا. وَصَالِحٌ سَأَلَ أَبَاهُ عِن هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ فِيهَا: هَكَذَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ([41])([42]) الحديث يعني معناه في تفسيره؛ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ.

يخرج من الإيمان المطلق إلى الإسلام لأن الإيمان المطلق لا يصح على العاصي إلا بقيد، ولكنه يطلق علىه الإسلام بإطلاق، ولهذا قال: " يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ فَالْإِيمَانُ مَقْصُورٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِذَا زَنَى خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ  يعني المطلق إلَى الْإِسْلَامِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ الإمام الزهري –يعني لما روى حديث سعد أو مسلم حديث سعد أني لأراه مؤمنًا قال أو مسلمًا قال الزهري أنا أرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل، فيعني الزهري قال أن الإسلام هو الكلمة هوالنطق بالشهادتين إذا نطق بالشهادتين دخل في الإسلام العمل وليس مقصود الزهري كما سبق أن الأعمال ليس داخلة في مسمى الإيمان.

المقصود أنه إذا انطق بالشهادتين حكم بإسلامه ولهذا قال: "أرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل"

قال الإمام أحمد: "وهو حديث متأول والله أعلم([43])"

 يعني هذا حديث متأول ليس المراد المتأول أنه متأول كتأويل البدع وأنه مصروف عن ظاهرة، لا، بل المراد متأول يعني يعني مفسر لأن التأويل له معاني ، لأن التأويل عند السلف له معنيان.

المعنى الأول: وهو الحقيقة التي يؤل إليها الكلام.

والمعني الثاني: التفسير.

التأويل مع التفسير كما يقول الإمام جرير في تفسيره فالقول في تأويل قول الله تعالى يعني في تفسير قول الله تعالى.

والقول الثاني: أن التأويل معناه الحقيقة التي يؤل إليها الكلام، فمثلًا حقيقة الخبر، وقوع المخبر به، حقيقة الأمر حقيقة الأمر فعل، حقيقة الأمر فعل الأمر، حقيقة النهي ترك النهي.

لما نزل قوله تعالى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3] قالت عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ»([44])، يعني يعمل بالقرآن يمثل الأمر.

فالتأويل عنا هو فعل الأمر وفي قول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف:53] تأويله خبر وقوعه يوم القيامة، فتأويله خبر وقع المخبر به، تأويل الأمر فعل الأمر ، امتثال الأمر، هذا معنى التأويل عند السلف، والثاني أنه التفسير.

وهناك طبعًا الثالث عند المتأخرين وهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح المرجوح لدليل يقترن به.

فقول الأمام أحمد: " وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَأَوِّلٌ" يعني مفسر المقصود بالتأويل التفسير.

قال المؤلف شيخ الإسلام رحمه الله تعليقًا على ما نقل عن الإمام أحمد: "فقد ذكر يعني الأمام أحمد فَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا" ما رجح فيها هنا نقل أقوال التابعين.

ثم بين وجه ذلك، بين الإمام أحمد وجه ذلك، كون الإمام أحمد لما رجح قال: " وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا قَالُوهُ حَقٌّ وَهُوَ يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ" كل هذه الأقوال كلها حق، كلها تعود إلى شيء واحد، وهو أن المؤمن إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان إلى الإسلام، خرج من الإيمان بإطلاق ويمسى مسلم ولا يسمى مؤمن بإطلاق، لا يطلق الإيمان إلا بقيد، ولكن الإسلام يطلق عليه بإطلاق.

ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا قَالُوهُ حَقٌّ وَهُوَ يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا قَدْ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ" يعني العاصي إذا فعل الكبيرة خرج من الإسلام، خرج من الإيمان إلى الإسلام، خرج من الإيمان يعني بإطلاق ويسمى مؤمن بالقيد، يقال مؤمنٌ ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمان ليس بكبيرة، لكن المراد أن خرج من الإيمان بإطلاق إلى الإسلام، ونحو ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: " وَأَحْمَد وَأَمْثَالُهُ مِنْ السَّلَفِ لَا يُرِيدُونَ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ" يعني كما هو قول كثير من المتأخرين، التأويل صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى  الإحتمال المرجوح، بل التاويل عندهم مثل التفسير وبيان ما يؤل إليه اللفظ  كقول عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» الحديث ما روى الشيخان البخاري ومسلم([45])  وغيرهما ومعنى يتأول القرآن؛ يعني يفسر القرآن ويعمل به، يعني يعمل بالقرآن.

أمره الله بالتسبيح فامتثل هذا الأمر فتأويله فعل الأمر، امتثال الأمر، فقال فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] فنفذ الأمر وكان يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، هذا تأويل الأمر فعل الأمر، تأويل الخبر وقوع المخبر به.

قال المؤلف رحمه الله: " وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ التَّابِعُونَ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ بَلْ يُوَافِقُهُ" لا يخالف الحديث لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([46])

الحديث نفى عنه الإيمان الكامل وأصل الإيمان ثابت له والإسلام ثابت له، وأقول التابعين لا تنافي  الحديث بل توافقه، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ التَّابِعُونَ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ بَلْ يُوَافِقُهُ وَقَوْلُ أَحْمَد يَتَأَوَّلُهُ؛ أي قول متأول أَيْ يُفَسَّرُ مَعْنَاهُ"

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُوَافِقُ ظَاهِرَهُ؛ يعني وإن كان التفسير يوافق ظاهره في قوله خرج من الإيمان إلى الإسلام، يوافق ظاهر الحديث لكنه متأول بأنه خرج من الإيمان المطلق إلى الإسلام.

قال: "لماذا يتأول خرج من الإيمان إلى الإسلام؟" يقال خرج من الإيمان  المطلق إلى الإسلام قال: " لِئَلَّا يَظُنَّ مُبْتَدِعٌ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ كَافِرًا لَا إيمَانَ مَعَهُ بِحَالِ" يعني لئلا يظن أن قول الإمام أحمد يخرج من الإيمان إلى الإسلام أنه يكون كافرا فليس المراد هذا بل يتأول أنه يخرج من الإيمان المطلق إلى الإسلام المطلق وليس المراد أنه يخرج من الإيمان إلى الكفر لئلا يظن مبتدع أن معناه أنه صار كافرا لا  إيمان معه بحال كما تقوله الخوارج.

فإن الحديث لا يدل على هذا، الحديث لا يدل على مذهب الخوارج ان الزاني يكفر  وأن السارق يكفر، الحديث لا يدل على هذا يدل على أنه الإيمان المنفي عنه الإيمان الكامل الذي يستحق به دخول الجنة والنجاة من النار لكن ما هو أصل الأيمان؟

قال المؤلف رحمه الله: "وَاَلَّذِي نَفَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْإِيمَانَ كَانَ يَجْعَلُهُمْ مُسْلِمِينَ لَا يَجْعَلُهُمْ مُؤْمِنِينَ". الذين نفى عن هؤلاء الإيمان وهو الرسول عليه الصلاة والسلام يجعلهم مسلمين ولا يجعلهم مؤمنين، ولهذا فإن العصاة لا يقتلون بل تقام عليهم الحدود ولو كانوا كفار لقتلوا؛ لقول النبي ﷺ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ([47]).

ولهذا فإن العصاة أيضًا يتوارثون، يرثون ويورثون ولو كانوا كفارا لما حصل بينهم وبين أقربائهم المؤمنين توارث يقول النبي ﷺ : لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ.

ولهذا قال: " وَاَلَّذِي نَفَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْإِيمَانَ كَانَ يَجْعَلُهُمْ مُسْلِمِينَ لَا يَجْعَلُهُمْ مُؤْمِنِينَ"؛ لأنهم مسلمين ولا يجعلهم مؤمنين بإطلاق بل لابد من التقييد.


([1]) ينظر: "مسند الحميدي" (1/ 188)، و"تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 507)، و"السنة" لأبي بكر بن الخلال (3/ 607)، (4/ 10ـ 13، 44)، و"المسند" للشاشي (1/ 157)، و"الإيمان" لابن منده (1/ 311)، (1/ 316)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/ 893)، و"الإبانة الكبرى" لابن بطة (2/ 806،  876).

([2]) – سبق

([3]) – سبق

([4]) – أخرجه البخاري رقم (3336) من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم رقم (2638) من حديث أبي هريرة .

([5]) ينظر: "شرح الطحاوية" (2/ 490).

([6]) – سبق

([7]) – أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (150) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وأخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (1188)،والبيهقي في الكبرى رقم (3550) عن سعيد بن المسيب رحمه الله . وروي مرفوعًا عن أبي هريرة . قال الحافظ العراقي رحمه الله في تخريج أحاديث الإحياء (ص: 178) أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث أبي هريرة بسند ضعيف أنه من قول سعيد بن المسيب رواه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه رجل لم يسم.

([8]) ينظر: "الزهد والرقائق" لابن المبارك (1/ 46)، و"نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (2/ 172)، (3/ 210)، و"الفردوس بمأثور الخطاب" (2/ 49).

([9]) ينظر: "أمراض القلوب وشفاؤها" (ص: 36)، و"التحفة العراقية" (ص: 37)، و"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص: 38)، و"مجموع الفتاوى" (7/ 368، 485، 637)، (10/ 6)، (11/ 183)، "تفسير ابن رجب الحنبلي" (1/ 537).

([10]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 530).

([11]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 506).

([12]) ينظر: "شرح السنة" للبغوي (1/ 11)، و"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/ 241)، و"مجموع الفتاوى" (7/ 157، 158، 333، 361، 362، 368، 475)، (10/ 269)، و"المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/ 128)، و"مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 132،  586)، و"لوامع الأنوار البهية" (1/ 429).

([13]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 528)، و"السنة" لأبي بكر بن الخلال (4/ 14).

([14]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 512).

([15]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 529).

([16]) – سبق

([17]) – سبق

([18]) – سبق

([19]) – سبق

([20]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 528).

([21]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (4/ 14).

([22]) – سبق

([23]) – سبق

([24]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (3/ 606).

([25]) – سبق

([26]) – سبق

([27]) – سبق

([28]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 528).

([29]) ينظر: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 512)، و"الإبانة الكبرى" لابن بطة (2/ 806).

([30]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (3/ 605).

([31]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (3/ 604)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/ 895).

([32]) – سبق

([33]) – أخرجه مسلم رقم (249) من حديث أبي هريرة .

([34]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (3/ 607).

([35]) – سبق

([36]) – سبق

([37]) – أخرجه البخاري رقم(817) ، ومسلم رقم (484) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([38]) – سبق

([39]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (4/ 8)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (6/ 1090).

([40]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (4/ 10).

([41]) – سبق

([42]) – سبق

([43]) ينظر: "السنة" لأبي بكر بن الخلال (4/ 10).

([44]) – سبق

([45]) – سبق

([46]) – سبق

([47]) – أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد