شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_42 من قوله قَالَ المروذي قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ - إلى قَالَ المروذي: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ

شرح كتاب الإيمان الكبير_42 من قوله قَالَ المروذي قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ - إلى قَالَ المروذي: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ

00:00
00:00
تحميل
22

المتن:

قال: المؤلف رحمه الله:

قَالَ المروذي: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ؟ فَقَالَ: نَقُولُ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَقُولُ: إنَّا مُؤْمِنُونَ. قَالَ: وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّا مُسْلِمُونَ.

وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنَا بَرٌّ أَنَا تَقِيٌّ أَنَا وَلِيُّ اللَّهِ؛ كَمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَرْكَ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا أَرَادَ: إنِّي مُصَدِّقٌ فَإِنَّهُ يَجْزِمُ بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ؛ وَلَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِكُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ؛ وَكَمَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ يُبْغِضُ الْكُفْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي قَلْبِهِ؛ وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي الظَّاهِرِ؛ فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُجْزَمَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ؛ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَرِهَهُ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ إذْ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ شَيْءٌ مُتَمَاثِلٌ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ مِثْلَ كَوْنِ كُلِّ إنْسَانٍ لَهُ رَأْسٌ؛ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا وَأَنَا مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ: لِي رَأْسٌ حَقًّا وَأَنَا لِي رَأْسٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ حَقًّا: فَمَنْ جَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْأَعْمَالَ الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ عَنْهُ؛ وَهَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلِلنَّاسِ فِي " مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ " كَلَامٌ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ."

الشرح

فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين فيما سبق مسمى الإيمان ومسمى الإسلام، كما دلت عليه النصوص وأن مسمى الإيمان إذا أطلق ومسمى الإسلام إذا أطلق يختلف عن المسمى إذا قورن أحدهما بالآخر، فإذا أطلق الإسلام وحده، أو الإيمان وحده فإنه يدخل فيه الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، أما إذا اجتمعا فإنه يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، كما دل عليه حديث جبريل خلافًا لمن قال: وهذا ما دلت عليه النصوص من كتاب الله تعالى، وسنه رسوله ﷺ وهو قول جماهير أهل السنة خلافا لطائفة قليلة من أهل السنة على رأسهم الإمام البخاري رحمه الله والإمام محمد بن نصر المروزي فإنهما قررا أن الإيمان والإسلام شيء واحد.

والمؤلف رحمه الله بين قول الأكثرين الذي دلت عليه النصوص فيما سبق وكذلك المؤلف رحمه الله رد على المرجئة الذين يقولون: أن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، والذين يقولون: أن الإنسان لا يستثنى في الإيمان فلا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، بين المؤلف رحمه الله الأدلة في هذا ونقل عن الإمام أحمد ما يدل على ذلك.

نقل الإمام المروزي نقله عن الإمام أحمد فقال: "قَالَ المروزي: يعني محمد بن أبي بكر المروزي، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يعني الإمام أحمد رحمه الله، نَقُولُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ؟ فَقَالَ: نَقُولُ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. أيضًا يعني الإنسان يجزم أنه مسلم ولا يجزم بأنه مؤمن إلا بالإستثناء لأن الإنسان لا يزكي نفسه ولا يعلم أنه قدم ما وجب عليه، فلا بأس بأن يستثني في الإيمان، فلما قيل لأبي عبد الله: نحن مؤمنون، "قَالَ: وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّا مُسْلِمُونَ" قيل لأبي عبد الله: يعني الإمام أحمد، " نَقُولُ: إنَّا مُؤْمِنُونَ. قَالَ: وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّا مُسْلِمُونَ."

قال: " وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ" كما أقره أهل السنة، وهو قول: أنا مؤمن إن شاء الله، لماذا؟ لأن الواجبات متعددة وكثيرة وشعب الإيمان كثيرة فلا يجزم الإنسان بأنه أدى الواجبات كلها، بل يزري بنفسه و يعلم أنه عنده تقصير، فلا يقول: أنا مؤمن، بل يقول: أنا مؤمن إن شاء الله.

والمؤلف بين هذا فقال: " لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنَا بَرٌّ أَنَا تَقِيٌّ أَنَا وَلِيُّ اللَّهِ " يعني كما لا يجب أن يقول الإنسان أنا بر أنا تقي أنا ولي لله أنا مؤمن، لا يجزم بهذا، والإنسان يزري بنفسه ويعلم أنه مقصر والعبادات يدخلها شيء من التقصير من الغفلة ومن الوساوس، وكثير من التقصير فلهذا الإنسان لا يزكي نفسه فلا يقول: أنا بر، أنا تقي لله، أنا مؤمن هذا هو الذي أقره جمهور العلماء.

خلاف المرجئة، فالواحد يقول: أنا مؤمن، ويجزم أنه مؤمن، لأن المرجئة لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان،ويقولون أن الإيمان هو التصديق، فيقول أنا أجزم أنني مصدق، كما أني أجزم أني أحب الرسول عليه الصلاة والسلام وأنني أبغض اليهود، فأنا أقول: أنا مؤمن، ولذلك يمنعون، المرجئة يمنعون الاستثناء في الإيمان، يقول: من استثنى في إيمانه ويقول أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك، ويسمونهم المؤمنين الشكاكة الذين يستثنون في إيمانهم.

وأما الجمهور فيرون أنه لابأس في الاستثناء، إذا أراد أن الأعمال متشعبة لأنه تدخل الأعمال في مسمى الإيمان.

ولهذا بين المؤلف رحمه الله قال: من أصل الإمام أحمد الإستثناء في الإيمان لأنه لا يعلم أنه مؤد لجميع ما أمره الله به، فهو مثل قوله: " أَنَا بَرٌّ أَنَا تَقِيٌّ أَنَا وَلِيُّ اللَّهِ؛ كَمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ "، قال: " وَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَرْكَ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا أَرَادَ: إنِّي مُصَدِّقٌ فَإِنَّهُ يَجْزِمُ بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ؛" يعني إذا أراد إني مصدق هذا يجزم بأنه مصدق إذا أراد أصل الإيمان فهذا يجزم، إذا أراد أصل الإيمان فليس له أن يستثني، ولكن إذا أراد أن الاستثناء راجع إلى الأعمال فلا بأس.

لهذا قال المؤلف رحمه الله: " إذَا أَرَادَ: إنِّي مُصَدِّقٌ فَإِنَّهُ يَجْزِمُ بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ؛ وَلَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِكُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ؛ وَكَمَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ يُبْغِضُ الْكُفْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي قَلْبِهِ" يعني هذه الأمور لا استثناء فيها، الإنسان يعلم أنه مصدق وأنه يحب الله ورسوله وأنه يبغض الكفر، ونحو ذلك مما يعلم  أنه في قلبه ولكن الاستثناء إنما يرجع إلى الأعمال.

قال المؤلف: " وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي الظَّاهِرِ؛ فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُجْزَمَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ" يعني إذا أراد: أنا مؤمن في  الظاهر،يعني يؤدي الصلاة في الظاهر، ويؤدي الزكاة، ويؤدي الحج، هذا لا يمنع من الجزم بذلك، إنما الجزم يمنع إذا أراد الإنسان أن يزكي نفسه ويجزم بأنه أدى ما عليه.

قال: " وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَرِهَهُ من سَائِرُ الغالية مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ"  إنما يكره الإمام أحمد ما كرهه من سائر الغالية، مثل "قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ إذْ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ شَيْءٌ مُتَمَاثِلٌ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ"، هذا هو قول غلاة المرجئة، يقولون الإيمان شيء واحد إيمان أهل الأرض وأهل السماء شيء واحد، وإيمان أفسق الناس وأعبد الناس واحد، وإيمان جبريل وميكائيل، إيمان أبو بكر وعمر، وإيمان السكير العربيد شارب الخمر واحد، هكذا يقولون، لأن هكذا يقول المصدق، يقول كيف، كيف إيمان العربيد مثل إيمان أبي بكر وعمر؟ قالوا: لأن العربيد مصدق وأبي بكر وعمر مصدق، فإذا قيل أبي بكر الأعمال له أعمال عظيمة الأعمال نسميها بر ونسميها هدى ونسميها تقى، ولا نسميها إيمان، هذا هو المنكر، الذي يقوله المرجئة الذين يقولون: الإيمان شيء متماثل عند جميع أهله، في إيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء واحد، ومثلهم في ذلك: مثل كون كل إنسان له رأس، يعنى كل إنسان له رأس، هذا ما فيه إشكال، ما نقول  له رأس إن شاء الله، هذا عبارة له رأس فكذلك تقول: أنا مؤمن بدون استثناء.

فيقول واحدهم: أنا مؤمن حقًا وأنا مؤمن عند الله ونحو ذلك كما يكون الإنسان له رأس حقًا وأنا لي رأس في علم الله حقًا، يقول المؤلف: " فَمَنْ جَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْأَعْمَالَ الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ عَنْهُ؛ وَهَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ" هذا منكر لأنه مخالف ومصادم للنصوص، النصوص من كتاب الله وسنة رسوله دلت على أن الأعمال داخله في مسمى الإيمان، اقرأ قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4]، هذه الأعمال، أعمال القلوب وأعمال الجوارح كلها أدخلها الله في الإيمان، واقرأ قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] واقرأ قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].

وانظر إلى الحديث الذي رواه الشيخان عن النبي ﷺ قال: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ([1])  فقد جعل هذه الشعب كلها داخله في الإيمان بضع وسبعون وبضع ثلاثة إلى تسعة، وقد جمع البييهقي رحمه الله شعب الإيمان وتقصاها، واستخرجها من النصوص فبلغت إلى أعلى البضع وسمى الكتاب، شعب الإيمان، أوصل شعب الإيمان إلى تسع وسبعين شعبه كلها داخلة تحت مسمى الإيمان، هذه نصوص صريحة أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فقول المرجئة: أنها ليست داخلة في مسمى الإيمان، يصادم النصوص فلهذا فقولهم قول منكر وزور من القول وصادم للنصوص ومخالف لأقوال الصحابة والتابعين، ولهذا قال المؤلف: "وَهَذَا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلِلنَّاسِ فِي " مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ " كَلَامٌ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ" يعني المؤلف سيتكلم عن مسألة الإستثناء في الإيمان، في قوله: أنا مؤمن إن شاء الله، يأتي الكلام عليه.

المتن:

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ هُنَا قَوْلَيْنِ مُتَطَرِّفَيْنِ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الْإِسْلَامُ مُجَرَّدُ الْكَلِمَةِ وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْإِسْلَامِ وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مُسَمَّى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَاحِدٌ؛ وَكِلَاهُمَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَسَائِرِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَلِهَذَا لَمَّا نَصَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي الْقَوْلَ الثَّانِيَ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّتِهِ؛ وَلَكِنْ احْتَجَّ بِمَا يُبْطِلُ بِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ؛ فَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ "الْإِسْلَامَ " هُوَ الْإِيمَانُ.

فَيُقَالُ: بَلْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا؛ بَلْ قَالُوا: آمَنَّا وَاَللَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا ثُمَّ ذَكَرَ تَسْمِيَتَهُمْ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ: آمَنَّا وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِيمَانَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي قَوْلِهِمْ: أَسْلَمْنَا مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَيْ: يَمُنُّونَ عَلَيْك مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَاَللَّهُ تَعَالَى سَمَّى فِعْلَهُمْ إسْلَامًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ إسْلَامًا؛ وَإِنَّمَا قَالُوا: آمَنَّا ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمِنَّةَ تَقَعُ بِالْهِدَايَةِ إلَى الْإِيمَانِ فَأَمَّا الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا إيمَانَ مَعَهُ فَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ خَوْفًا مِنْ السَّيْفِ؛ فَلَا مِنَّةَ لَهُمْ بِفِعْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ كَانَ ذَلِكَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ. فَأَمَّا إذَا كَانُوا صَادِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: آمَنَّا فَاَللَّهُ هُوَ الْمَانُّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْإِيمَانِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ نَفَى عَنْهُمْ الْإِيمَانَ أَوَّلًا وَهُنَا عَلَّقَ مِنَّةَ اللَّهِ بِهِ عَلَى صِدْقِهِمْ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صِدْقِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمْ صَارُوا صَادِقِينَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقَالُ: الْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَيُقَالُ: لِأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ إيمَانٌ مَا. لَكِنْ مَا هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي وَصَفَهُ ثَانِيًا؟ بَلْ مَعَهُمْ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ.

الشيخ:

المؤلف رحمه الله يرد على قولين متطرفين، قول ما نقل عن الإمام الزهري أنه قال: الإسلام هو مجرد الكلمة والإيمان هو الأعمال، وكذلك قول من يقول: الإسلام والإيمان شيء واحد، ويقول: إن هذين القولين متطرفان، فقال: " وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ هُنَا قَوْلَيْنِ مُتَطَرِّفَيْنِ" يعني كلًا منهما في طرف، والحق القول الوسط.

القول الأول:  قول من يقول الإسلام مجرد الكلمة والأعمال الظاهرة ليست داخله في مسمى الإسم والمراد بمجرد الكلمة هي نطق الشهادتين، فيقول الإسلام هو مجرد الكلمة يعني بمجرد نطق الشهادتين، فبمجرد نطق بالشهادتين صار مسلما ولا يلزم بالعمل، فالأعمال الظاهرة ليست داخله في مسمى الاسم، هذا باطل.

لكن روي عن الإمام الزهري أنه قال: أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل وليس مقصود الإمام الزهري أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، مقصود الإمام الزهري حين قال الإسلام الكلمة، والإيمان الأعمال، مقصوده أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين دخل الإسلام وحكم بإسلامه، وليس المقصود أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإسلام بل هي داخله، والإيمان هو العمل يعني الإيمان هو العمل يعني إذا أدى الواجبات و ترك المحرمات، صار يطلق عليه اسم الإيمان صارمؤمنا بإطلاق، وأما إذا قصر في بعض الواجبات وترك بعض المحرمات، صار مؤمنا بقيد، ويطلق عليه الإسلام.

  ويقول المؤلف: هذا قول متطرف من يقول الإسلام مجرد النطق بالشهادتين والأعمال الظاهرة لا تدخل في مسمى الإيمان، هذا قول متطرف، خطأ.

والقول الثاني من يقول " مُسَمَّى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَاحِدٌ" سبق أن هذا هو قول الإمام البخاري كما قاله في صحيحه، وهو قول الإمام محمد المروزي، وهو قول طائفة من أهل السنة، وهو قول الخوارج و المعتزلة أيضًا، وأما جماهير العلماء كما أقره المؤلف رحمه الله شيخ الإسلام بن تيمية يقولون: إن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، إذا اجتمعا الإسلام والإيمان صار لكل واحد منهما معنى، الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الأمور الباطنة، كما في حديث جبريل فرق بينهما، وأما إذا أطلق أحدهما اجتمعا دخل أحدهما في الآخر، إن الدين عند الله الإسلام، الإيمان إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، صار كل واحد يشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة.

فذكر المؤلف رحمه الله القول الأول المتطرف فقال: " مَنْ يَقُولُ: مُسَمَّى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَاحِدٌ؛ وَكِلَاهُمَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ" كلً من القولين قول ضعيف مخالف لحديث جبريل وسائر أحاديث النبي ﷺ، يعني كلًا من هذين القولين مخالفًا لحديث جبريل.

وجه المخالفة في حديث جبريل([2])  أن حديث جبريل أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، لما سئل النبي ﷺ عن الإسلام، فسر بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، فقول من يقول الإسلام مجرد كلمة والأعمال ظاهرة داخلة منه، مخالف حديث جبريل، كما أن قول من يقول الإسلام والإيمان شيء واحد يخالف حديث جبريل فإن حديث جبريل فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وصور الإيمان بالأمور الباطنة، لما سأل عن الإسلام قال: الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج، ولما سئل عن الإيمان قال أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

قال المؤلف:" وَلِهَذَا لَمَّا نَصَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي الْقَوْلَ الثَّانِيَ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّتِهِ"

فسر القول الثاني، القول الثاني وهو القول بأن الإسلام والإيمان شيء واحد، هذا نصره الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه، تعظيم قدر الصلاة، ونصره  البخاري في كتابه الجامع الصحيح، قول طائفة من السنة وهو مرجوح، قال: " وَلَكِنْ احْتَجَّ بِمَا يُبْطِلُ بِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ" ولكن احتج يعني الإمام محمد بن نصر المروزي، احتج بما يبطل القول الأول وهو القول بأن الإسلام مجرد الكلمة والأعمال الظاهرة ليست داخلة فيه.

قال: "فَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

 قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ "الْإِسْلَامَ " هُوَ الْإِيمَانُ" حيث قال قبل هذه الآية يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، ثم قال: أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ [الحجرات:17]، يقول الإمام محمد بن نصر المروزي فدل على أن الإسلام والإيمان واحد هذا وجه الدلالة، على أن الإيمان والإسلام شيء واحد من الآية الدلالة محمد بن نصر المروزي قال: إن الله قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17] ذكر الإسلام، ثم قال بعد ذلك، أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ [الحجرات:17]، الذي يعلل هو الإسلام فدل على أن الإسلام والإيمان شيء واحد.

فقال رحمه الله في الرد عليه: "فَيُقَالُ: بَلْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ" والآية تدل على نقيض ذلك، تدل على أن الإسلام غير الإيمان والإيمان غير الإسلام، ووجه ذلك " لِأَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا؛" الأعراب ماذا قالوا؟ الأعراب قالوا: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، لأن القوم لم يقلوا أسلمنا بل قالوا آمَنَّا والله أمرهم أن يقولوا أسلمنا فدل على أن الإيمان والإسلام شيئان، لو كان الإسلام هو الإيمان لأقره الله عليهم قولهم : آمنا، والله أنكر عليهم، والله قال: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فدل على أن الإيمان غير الإسلام.

قال المؤلف: " ثُمَّ ذَكَرَ تَسْمِيَتَهُمْ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ: آمَنَّا وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِيمَانَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" هم كانوا صادقين في قولهم: أسلمنا، ولكن ليسوا صادقين في قولهم آمَنَّافلو كان الإيمان والإسلام شيء واحد لم يقل الله إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

قال: " فَإِنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي قَوْلِهِمْ: أَسْلَمْنَا مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا " مع أنهم لم يقولوا أسلمنا، ولكن الله قال: " وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَيْ: يَمُنُّونَ عَلَيْك مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْإِسْلَامِ".

قال المؤلف: "  فَاَللَّهُ تَعَالَى سَمَّى فِعْلَهُمْ إسْلَامًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ إسْلَامًا؛ وَإِنَّمَا قَالُوا: آمَنَّا، يعني في قولهم: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا [الحجرات:14]، ثم أخبر أن المنة تقع بالهداية إلى الإيمان يعني فدل على الإيمان والإسلام شيئان، قال المؤلف:" فَأَمَّا الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا إيمَانَ مَعَهُ" فهو إسلام المنافقين.

" فَأَمَّا الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا إيمَانَ مَعَهُ فَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ خَوْفًا مِنْ السَّيْفِ؛ فَلَا مِنَّةَ لَهُمْ بِفِعْلِهِ" يعني المنافقون في زمن النبي ﷺ عبدالله بن أبي وغيره دخلوا في الإسلام نفاقا، وليس معهم إيمان في الباطن، هذا إسلام في الظاهر خوفًا من السيف حتى تبقى دمائهم وأموالهم مصونة، لأنهم لو أظهروا ما يبطنوه من الكفر، لقتلوا.

قال: " فَأَمَّا الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا إيمَانَ مَعَهُ فَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ خَوْفًا مِنْ السَّيْفِ؛ فَلَا مِنَّةَ لَهُمْ بِفِعْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ كَانَ ذَلِكَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ" لأن الإسلام لابد له من إيمان صحيح وإذا لم يكن معه إيمان يصححة فيكون ذلك كإيمان المنافقين، وإذا لم يمن الله عليهم بالإيمان كان ذلك كإسلام المنافقين فلا يقبله الله منهم.

فقال المؤلف: " فَأَمَّا إذَا كَانُوا صَادِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: آمَنَّا فَاَللَّهُ هُوَ الْمَانُّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْإِيمَانِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ نَفَى عَنْهُمْ الْإِيمَانَ أَوَّلًا" يعنى في قولهم قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، قال: " وَهُنَا عَلَّقَ مِنَّةَ اللَّهِ بِهِ عَلَى صِدْقِهِمْ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صِدْقِهِمْ" بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]، " فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صِدْقِهِمْ.

وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمْ صَارُوا صَادِقِينَ بَعْدَ ذَلِكَ" يعني لما قوي الإيمان يعنى لما دخل الإيمان في قلوبهم صاروا صادقين، وقد قيل أنهم صاروا صادقين بعد ذلك وقد قيل: " الْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَلِكَ الشَّرْطِ" القاعدة: المعلق بالشرط لا يستلزم وقوع الشرط، مثل بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]، هذا شرط ومثل قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، هذا شرط لبيان مقادير الأعمال، والرسول معصوم من الشرك، فالشرط لا يلزم وقوعه.

لهذا قال المؤلف: " الْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَلِكَ الشَّرْطِ" يعني في قولهم إن كنتم صادقين بعد قوله: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ [الحجرات:17]، قال: " وَيُقَالُ: لِأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ إيمَانٌ مَا. " يعني يصح به إسلامهم، لكن ما هو الإيمان الذي وصفه ثانيًا قال: " بَلْ مَعَهُمْ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ"

المتن:

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْآيَةُ وَقَالَ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ فَسَمَّى إقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دِينًا قِيَمًا وَسَمَّى الدِّينَ إسْلَامًا فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ الدِّينِ الْقَيِّمِ - الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ الدِّينُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ - بَعْضًا. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ مُعَيِّنًا هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي فَرَّقَتْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَدْ سَمَّاهُمَا اللَّهُ دِينًا وَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ وَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ.

فَيُقَالُ: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنْ الدِّينِ وَالدِّينُ عِنْدَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ فَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَرَدِّهِ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْعَمَلَ خَارِجًا مِنْ الْإِسْلَامِ كَلَامٌ حَسَنٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ سَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَسَمَّى الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا قَالَ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِيمَانُ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الدِّينَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ إذَا كَانَ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ إيَّاهُ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلُهُ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقَوْلُهُ؛ وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لِهَذَا الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقُ مُلَازِمٌ لَهُ وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا إلَّا بِهِمَا. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلٍ وَالْعِلْمُ وَالتَّصْدِيقُ لَيْسَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ جِنْسُ التَّصْدِيقِ فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِعِلْمِ لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْمُفَصَّلَ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَقَوْلُهُ: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

الشرح

المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة، نقل عنه أنه بين بطلان القول بأن الإسلام مجرد الكلمة وأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإسلام، ونقل عنه تقرير أن الإسلام هو الإيمان وأن الإيمان هو الإسلام.

والمؤلف رحمه الله تعقبه بعد ذلك ووافقه في القول ببطلان قول من قال : إن الإسلام مجرد الكلمة والإيمان هو أن  الأعمال ليست داخلة فيه، وخالف في قوله إن الإسلام هو الإيمان وإن الإيمان هو الإسلام.

 قال: " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة:" وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]  الْآيَةُ وَقَالَ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ فَسَمَّى إقَامَة الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دِينًا قِيَمًا وَسَمَّى الدِّينَ إسْلَامًا" فمقصود الإمام محمد ابن نصر المروزي رحمه لله، إن مسمى الدين هو مسمى الإسلام شيء واحد وهذا صحيح.

فقال: فاستدل بقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال إن الدين عند الله الإسلام، فسمى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة دينًا قيمًا، وذلك في قوله: وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " فَسَمَّى إقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دِينًا قِيَمًا وَسَمَّى الدِّينَ إسْلَامًا" في قوله: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ فدل على أن الدين ومسمى الدين ومسمى الإسلام واحد وهذا صحيح كما سيبين المؤلف رحمه الله.

قال: " فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ الدِّينِ الْقَيِّمِ - الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ الدِّينُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ - بَعْضًا." يعني من لم يؤد الزكاة ترك بعض الإسلام، ترك بعض الدين.

قال:" قَالَ: وَقَدْ جَاءَ مُعَيِّنًا هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي فَرَّقَتْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ" يعني وهي المرجئة، التي فرقت بين الإسلام والإيمان، "عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَدْ سَمَّاهُمَا اللَّهُ دِينًا" يعني أن الإيمان هو قول وعمل والصلاة والزكاة من الإيمان وقد سماهما الله دينًا وأخبر أن الدين عنده الإسلام، يعني يقول إن الإيمان قول وعمل، والصلاة والزكاة من الأعمال وسماها الله دينًا كلها فأدخلها في مسمى الدين كقوله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، سماه الله دينًا وأخبر أن الدين عند الله الإسلام.

قال: فدل على أن الإيمان هو الإسلام وأن الإسلام هو الإيمان، وجه ذلك أن الله تعالى في آية البينة أدخل الصلاة والزكاة في مسمى الإيمان والصلاة و الزكاة من الإيمان، وسماها كلها دين، فدل على أن الصلاة والزكاة التي هي من الإيمان داخلة في مسمى الدين فدل على أن الصلاة والزكاة التي هي من الإيمان داخلة في مسمى الدين وهو الإسلام والدين و الإسلام والإيمان شيء واحد، هذا  استدلال الإمام محمد بن نصر المروزي.

ولهذا قال: " وَقَدْ سَمَّاهُمَا اللَّهُ دِينًا وَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ وَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛" يعني من قال إن الإسلام هو كلمة والعمل لا يدخل في مسمى الإيمان هذا خارج الكتاب والسنة هذا صحيح.

وقال: " وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ." يعني لا فرق بين من قال: الإسلام هو كلمة والعمل ليس داخلًا فيه لا فرق بينه وبين المرجئة الذين يقولون أن الإيمان هو الإقرار بالقلب والتصديق وليس بالعمل.

المتن:

فَيُقَالُ: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنْ الدِّينِ وَالدِّينُ عِنْدَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ فَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَرَدِّهِ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْعَمَلَ خَارِجًا مِنْ الْإِسْلَامِ كَلَامٌ حَسَنٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ سَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَسَمَّى الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا قَالَ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِيمَانُ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الدِّينَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ إذَا كَانَ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ إيَّاهُ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلُهُ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقَوْلُهُ؛ وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لِهَذَا الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقُ مُلَازِمٌ لَهُ وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا إلَّا بِهِمَا.

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلٍ وَالْعِلْمُ وَالتَّصْدِيقُ لَيْسَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ جِنْسُ التَّصْدِيقِ فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِعِلْمِ لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْمُفَصَّلَ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَقَوْلُهُ: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

الشرح:

فإن المؤلف رحمه الله نقل فيما سبق في الحلقة الماضية عن الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله في كتابه تعظيم قدر الصلاة، أنه أنكر على من قال: بأن الإسلام مجرد الكلمة وأن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان وكذلك أيضًا قرر أن الإسلام والإيمان شيء واحد.

والمؤلف رحمه الله تعقبه ووافقه في إنكار من قال: إن الإسلام مجرد كلمة وأن العمل ليس داخل في مسمى الإيمان، وكذلك في قوله: إن الإسلام هو الدين ولكنه خالفه في قوله: إن مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان، وأن مسمى الإيمان هو مسمى الإسلام، فقال:" فَيُقَالُ: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنْ الدِّينِ وَالدِّينُ عِنْدَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ فَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ" يعني إن قول الإمام: محمد بن نصر المروزي، إن الله جعل الصلاة والزكاة من الدين والدين هو الإسلام فهذا صحيح.

ومقصوده بهذا الاستدلال بقول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] فسمى إقام الصلاة والتوحيد وإيتاء الزكاة، هو الدين، والله سمى في آية أخرى سمى الدين الإسلام قال: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19].

فالمؤلف يقول هذا كلام حسن لأنه موافق النصوص، وكذلك رده على من جعل العمل خارجًا من الإسلام كلام حسن، يعني رده على من يقول: إن الإسلام هو الكلمة والأعمال ليست داخله في مسمى الإسلام كلام حسن.

ثم خالف المؤلف رحمه الله، الإمام محمد بن نصر، في قوله إن مسمى الإيمان والإسلام شيء واحد قال:" وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ سَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَسَمَّى الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ" لأن الله تعالى فرق بينهما في آيات، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]، وكذلك حديث جبريل، وكذا في حديث سعد: «والله إني أراه مسلما»([3])  قال: أو مؤمنا، وفي حديث جبريل فرق بين الإسلام والإيمان.

قال المؤلف: " إنَّ اللَّهَ سَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَسَمَّى الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا قَالَ: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" يعني  فسمى الله الدين إسلامًا ولم يقل قط، إن الدين عند الله الإيمان، حتى  تحتج أيها الإمام على  أن الإيمان والإسلام شيء واحد، لم يقل الله إن الدين عند الله الإيمان  بل قال: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" ولكن هذا الدين من الإيمان، هذا الدين الذي هو العمل الإسلام جزء من الإيمان، والإيمان أوسع، يشمل العمل ويشمل التصديق في الباطن والإقرار.

ولهذا قال المؤلف: " وَلَكِنَّ هَذَا الدِّينَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ إذَا كَانَ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ إيَّاهُ؛" العمل هو الإسلام وهو الدين وهو جزء من الإيمان وليس إذا كان جزءا منه يكون هو إياه، يكون مسماه لا بل يكون الإيمان أوسع، فكون الإيمان أوسع ليس معناه أنه مطابق للإسلام، بل هو أوسع من الإسلام فإذا فعل الإنسان بعض الواجبات وترك بعض المحرمات سمي مسلم بإطلاق، لكن لا يسمى مؤمنا بإطلاق حتى يؤدي الواجبات ويترك المحرمات، والتصديق في الباطن والعلم في الباطن هذا يسمى إيمان ولا يسمى إسلام فدل على  أن الإيمان أوسع.

ولذلك قال المؤلف: " وَلَيْسَ إذَا كَانَ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ إيَّاهُ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلُهُ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقَوْلُهُ" هذا هو الإيمان، أصله معرفه القلب، وتصديقه وقوله يعني إقراره والاعتراف، قول القلب إقراراه، أقر بقلبه، يقر بالله ويؤمن بالله مصدق عارف، هذا هو الإيمان.

والعمل تابع لهذا العلم إذا أقر وصدق وعمل وآمن، والعمل تابع لهذا العلم، والتصديق ملازم له، ولا يكون لعبد مؤمن إلا بهما، يعني التصديق والعمل لابد من الأمرين، التصديق لابد له من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، والعمل كالصلاة والزكاة والصوم والحج لابد له من إيمان يصححة، وإلا صار كإسلام المنافقين يعملون بدون الإيمان، ولذلك يقول المؤلف: ولايكون العبد مؤمنا إلا بهما بالأمرين، العمل والتصديق.

قال: " وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلٍ" يبقى الإسلام عمل محض، مع قول يعني وهو النطق بالشهادتين، والعلم والتصديق ليس جزء مسمى الإسلام ولكنه جزء مسمى الإيمان، العلم والتصديق في القلب هذا جزء الإيمان ولا يسمى جزء الإسلام، وإن كان الإسلام لابد له من إيمان يصححه.

ولهذا قال: " وَالْعِلْمُ وَالتَّصْدِيقُ لَيْسَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ جِنْسُ التَّصْدِيقِ" جنس التصديق يلزم المسلم حتى يصح إسلامه، ولو لم يصدق صار منافق، جنس التصديق لابد منه، لكن نفس العلم ونفس التصديق هذا جزء من الإيمان، وليس جزء الإسلام، الإسلام هو العمل لكن هذا العمل لابد له من إيمان يصححه وهو جنس التصديق، أما أصل التصديق والعلم والمعرفة فهذا من الإيمان لذلك.

قال المؤلف: لكن يلزمه جنس التصديق كمسلم فلا يكون عمل إلا بعلم، لكن لا يلتزم الإيمان المفصل، الإيمان المفصل هذا شيء والإيمان المجمل لابد منه في الإسلام، ولهذا قال المؤلف: " فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِعِلْمِ لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ الْمُفَصَّلَ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"

هذا الإيمان المفصل يسمى إيمانًا أما الإيمان المجمل فهو أن المسلم لابد له من تصديق في الباطن حتى يصح عمله، وكما قال تعالى: في الإيمان المفصل: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4] هذا هو الإيمان المفصل .

المتن:

"وَسَائِرُ النُّصُوصِ الَّتِي تَنْفِي الْإِيمَانَ عَمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَعَهُ تَصْدِيقٌ مُجْمَلٌ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهَذَا الْإِيمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَقَالَ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَتَصْدِيقًا وَإِيمَانًا وَلَا قَالَ: رَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَامَ تَصْدِيقًا وَعِلْمًا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ جِنْسِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ وَالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ؛ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مَعَهُ وَالْإِيمَانُ طُمَأْنِينَةٌ وَيَقِينٌ أَصْلُهُ عِلْمٌ وَتَصْدِيقٌ وَمَعْرِفَةٌ وَالدِّينُ تَابِعٌ لَهُ يُقَالُ: آمَنْت بِاَللَّهِ وَأَسْلَمْت لِلَّهِ. قَالَ مُوسَى: يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ مُسَمَّاهُمَا وَاحِدًا كَانَ هَذَا تَكْرِيرًا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا قَالَ: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّابِرِينَ وَالْخَاشِعِينَ: فَالْمُؤْمِنُ مُتَّصِفٌ بِهَذَا كُلِّهِ لَكِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَا تُطَابِقُ الْإِيمَانَ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت، وَبِك آمَنْت، وَعَلَيْك تَوَكَّلْت، وَإِلَيْك أَنَبْت، وَبِك خَاصَمْت، وَإِلَيْك حَاكَمْت.

  كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ([4]) " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت وَفِي الرُّكُوعِ يَقُولُ: لَك رَكَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت([5]).

وَلِمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خَاصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمَّنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ([6]) وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ غَيْرُ كَوْنِهِ مَأْمُونًا عَلَى الدَّمِ وَالْمَالِ فَإِنَّ هَذَا أَعْلَى وَالْمَأْمُونُ يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ ظُلْمِهِ وَلَيْسَ مَنْ سَلِمُوا مِنْ ظُلْمِهِ يَكُونُ مَأْمُونًا عِنْدَهُمْ".

الشرح:

المؤلف رحمه الله لا يزال يذكر النصوص والأدلة التي تفرق بين الإيمان و الإسلام وأنهما ليسا شيئا واحدا  كما قرره الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره وإنما النصوص فرقت بينهما، فقال: " وَسَائِرُ النُّصُوصِ الَّتِي تَنْفِي الْإِيمَانَ عَمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا ذَكَرَهُ" يعني كلها تدل على أن الإسلام والإيمان شيئان مختلفان عند الاجتماع، والافتراق.

   قال:" فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَعَهُ تَصْدِيقٌ مُجْمَلٌ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهَذَا الْإِيمَانِ" يعني ليس معه الإيمان المفصل، كثير من المسلمين مسلم في الباطن والظاهر، ومعه تصديق مجمل يعني مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر ومؤد  للواجبات ولأركان الإسلام، لكن لم يتصف بالإيمان المفصل، يعني لم يتصف بكلام الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، ما يزيد إيمانه عند تلاوة القرآن، والذين يقيمون الصلاة لا يقيمها كما ينبغي بل يقصر ويأتون الزكاة، كثير من المسلمين مسلم باطنًا وظاهرًا ومعه الإيمان المصدق لكن ليس معه الإيمان الكامل، لم يتصف بالإيمان المفصل فلهذا يدل على أن الإيمان والإسلام ليسا شىء واحد كما قرره من قرره.

قال: " وَاَللَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَقَالَ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" فالله تعالى أخبر أن من ابتغى غير الإسلام فلا يقبل منه وأخبر أنه رضي الإسلام دينًا هذا الإسلام، هذا عام في جميع المسلمين والمؤمنين، لكنه لم يقل: ومن يبتغ غير الإسلام علمًا ومعرفة، وتصديقًا وإيمانا، لأن هذا خاصة الإيمان العلم والتصديق والإيمان، ولا قال: رضيت لكم الإسلام تصديقًا وعلمًا.

قال المؤلف فإن الإسلام من جنس الدين، والعمل والطاعة والانقياد والخضوع، هذه كلها إسلام. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ يعني من لم يعمل، ولم يطع الله ورسوله ومن لم ينقد ويخضع لله فليس بمسلم.

"فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ جِنْسِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ وَالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ؛ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مَعَهُ وَالْإِيمَانُ طُمَأْنِينَةٌ وَيَقِينٌ أَصْلُهُ عِلْمٌ وَتَصْدِيقٌ وَمَعْرِفَةٌ وَالدِّينُ تَابِعٌ لَهُ" فالطمأنينة والعلم واليقين والتصديق من القلب يتبعه العلم والمعرفة، إذا صدق الإنسان وآمن ودخل قلبه الإيمان عمل والدين تابع له فيقال: آمنت بالله ويقال: أسلمت لله، فرق بين الأمرين، آمنت بالله يعني صدقت بالباطن، وأسلمت يعني عملت.

ثم سرد المؤلف رحمه الله الأدلة التي فرقت بين الإسلام والإيمان، وهي تدل على أنهما شيئان فقال: قَالَ الله عن مُوسَى: يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84] فَلَوْ كَانَ مُسَمَّاهُمَا وَاحِدًا كَانَ هَذَا تَكْرِيرًا، كان موسى كرر، قال: يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84] لو كان الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان كان كرر، سيقول إيه: يا قومي إن كنتم أسلمتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، أو يا قومي إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مؤمنين، يعنى التكرار، فلما أخبر الله عن موسى أنه فرق بين الإسلام والإيمان دل ذلك على أنهما شيئان وليس شيئا واحدا.

قال: دليل آخر، قال: قوله: إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ[الأحزاب:35] إلى آخر الآية قال: هذا عطف الله المؤمنين على المسلمين فدل على أنه ليس شىء واحد، لو كان الإسلام هو الإيمان لاكتفى بأحدهما، إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] كَمَا قَالَ: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّابِرِينَ، يعني كما قال: الصدق شيء والصبر شيء فكذلك الإسلام شيء  والإيمان شئ كما أنه قال: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّابِرِينَ وَالْخَاشِعِينَ كذلك قال: والمسلمين والمؤمنين، قال:" فَالْمُؤْمِنُ مُتَّصِفٌ بِهَذَا كُلِّهِ" المؤمن متصف بهذه الصفات، بالإسلام والإيمان والصدق والصبر والخشوع والصيام، فالمؤمن متصف بهذا كله.

قال: " كُلِّهِ لَكِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَا تُطَابِقُ الْإِيمَانَ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ" بينهما عموم وخصوص فالإيمان أوسع من دائرة الإسلام لأن كل مسلم فهو مؤمن ولكن ليس كل مؤمن فهو مسلم، كل مسلم كل من وحد الله وأخلص له العبادة فهو مسلم سواء كان مؤدي الواجبات تارك المحرمات أو فاعل بعض المحرمات ومقصر في بعض الواجبات، يسمى مسلم، لكن الإيمان أخف، فلا يسمى مؤمن إلا إذا أدى الواجبات وترك المحرمات، فإن قصر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات لا يطلق عليه الإيمان، إلا بقيد فلا يقال مؤمن، بل يقال مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه وفاسق بكبيرته.

قال المؤلف رحمه الله:  " فَالْمُؤْمِنُ مُتَّصِفٌ بِهَذَا كُلِّهِ لَكِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَا تُطَابِقُ الْإِيمَانَ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَإِلَيْك أَنَبْت وَبِك خَاصَمْت وَإِلَيْك حَاكَمْت" وهذا الحديث رواه الشيخان([7])وهذا الدعاء فيه التفريق بين الإسلام والإيمان، فقال: لَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت ويقول المؤلف: كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "([8]) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ" إذا قام تهجد قال الإستفتاحات كثيرة منها الإستفتاح لقيام الليل.

قال: "وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت" وهذا الحديث رواه النسائي([9]) وغيره وفيه تفريق بين الإسلام والإيمان، قال وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، كان يقول هذا في السجود، " وَفِي الرُّكُوعِ يَقُولُ: لَك رَكَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت" أيضًا هذا فيه التفريق بين الإسلام والإيمان، يقول في الركوع: لَك رَكَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت وهذا رواه الإمام مسلم في صحيحة ورواه الترمذي ([10]) وفيه تفريق بين الإسلام والإيمان.

قال المؤلف:" وَلِمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خَاصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا" لما أراد أن يبين خاصية الإسلام وخاصية الإيمان، خاصية الإسلام العمل وخاصية الإيمان أعمال القلوب وتصديق القلوب،و أعمال الجوارح هي خاصية الإسلام، قال: " وَلِمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خَاصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ([11]) ، اللسان واليد هذه أعمال، وأما المؤمن قال:  وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمَّنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ([12])  دمائهم يعني في باطن أنفسهم في باطن أمرهم، فالمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، هذه النصوص فيها التفريق بين الإسلام والإيمان، الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ([13])  فهذه الأدلة كلها تدل على أن الأعمال والإيمان شيئان.

قال المؤلف رحمه الله: " وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ غَيْرُ كَوْنِهِ مَأْمُونًا عَلَى الدَّمِ وَالْمَالِ" فرق، فقال: " فَإِنَّ هَذَا أَعْلَى" يعني الثاني الذي هو آمن الناس على دمائهم وهو أعلى، "وَالْمَأْمُونُ يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ ظُلْمِهِ وَلَيْسَ مَنْ سَلِمُوا مِنْ ظُلْمِهِ يَكُونُ مَأْمُونًا عِنْدَهُمْ". فرق بينهم، فالمأمون يسلم الناس من ظلمه وعدوانه ومن سلم الناس من ظلمه وعدوانه ومن سلمه الناس من ظلمة وعدوانه قد لا يأمنه الناس فدل على الفرق بين الأمرين.

المتن:

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.

وَهَذَا صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ.

قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ.

فَيُقَالُ: بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالزُّهْرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ: الْأَعْمَالُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامُ عِنْدَهُمْ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ أَكْمَلُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَيَقُولُونَ: النَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ بَعْضُ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ أَفْضَلُ: وَيَقُولُونَ إيمَانُ النَّاسِ مُتَسَاوٍ فَإِيمَانُ الصَّحَابَةِ وَأَفْجَرُ النَّاسِ سَوَاءٌ وَيَقُولُونَ: لَا يَكُونُ مَعَ أَحَدٍ بَعْضُ الْإِيمَانِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

الشرح

الإمام شيخ الإسلام نقل عن الإمام محمد بن نصر المروزي، أيضًا كلامه في الإسلام وإنكاره لمن قال: إن الإسلام هو الإقرار والعمل وقوله: إنه لا فرق بينه وبين المرجئة.

تعقبه المؤلف رحمه الله قال: " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَهَذَا صَحِيحٌ؛ " الذي يقول: أن الإسلام هو الإقرار النطق بالشهادتين والعمل ليس داخلًا منه هذا مخالف الكتاب والسنة، النصوص دلت على أن العمل داخلا في مسمى الإسلام قال: " وَهَذَا صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِسْلَامِ. الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ([14]) " 

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المروزي: " وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ." يعني يقول لا فرق بين من قال الإسلام هو الإقرار والعمل ليس منه لا فرق بينه وبين المرجئة الذين زعموا أن الإيمان إقرار بلا عمل.

والمؤلف تعقبه فقال: " فَيُقَالُ: بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ" وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالزُّهْرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ: الْأَعْمَالُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامُ عِنْدَهُمْ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ أَكْمَلُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ." يعني الزهري رحمه الله نقل عنه أنه قال: الإسلام هو الكلمة والإيمان العمل هذا النقل عن الإمام الزهري لا يوافق المرجئة، لماذا؟ لأن الإمام الزهري حين قال الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل لا يقصد أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، لا يقصد هذا وإنما يقصد أنه إذا نطق بالشهادتين حكم بإسلامه ولكن الأعمال داخلة في الإيمان والإسلام عندهم جزء من الإيمان، الإيمان أوسع، لأن الإيمان يشمل فعل الواجب وترك المحرمات، والإسلام لو فعل بعض الواجبات وترك المحرمات سمي مسلما.

قال: " وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ أَكْمَلُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ" وأيضًا يقولون، يعني الزهري ومن وافقه:" : النَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ بَعْضُ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ أَفْضَلُ" يعني عكسوا، المرجئة عكسوا، فأهل السنة يقولون الإسلام بعض الإيمان والإيمان أعلى، والمرجئة يقولون الإيمان بعض الإسلام والإسلام أفضل.

ويقولون: يعني المرجئة، "وَيَقُولُونَ إيمَانُ النَّاسِ مُتَسَاوٍ فَإِيمَانُ الصَّحَابَةِ وَأَفْجَرُ النَّاسِ سَوَاءٌ " لماذا لأنهم يقولون الإيمان هو التصديق فقط، ولهذا قالوا إن الإيمان متساوي ويقولون أن الإيمان لا يتبعض ولا يتجزأ، ولكن إذا بقي بقي جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه، لأنه التصديق إما أن يصدق وإما أن لا يصدق، قال: " وَيَقُولُونَ: لَا يَكُونُ مَعَ أَحَدٍ بَعْضُ الْإِيمَانِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ." التي دلت على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الإنسان إذا ترك بعض العمل لا يخرج من الإيمان بل يتبعض الإيمان ويتجزأ.

القارئ: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ نرجو منكم وقد ذكرتم في شرحكم في هذا الحلقة وبيانكم لحديث وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَإِلَيْك أَنَبْت([15])  لعلكم في دقيقتين أو ثلاث فضيلة الشيخ تبينون فضل التوكل على الله جل وعلا والإنابة إليه.

الشيخ: التوكل على الله من أفضل القربات وأجل الطاعات، وهو من أعمال القلوب.

والتوكل يجمع الشيئين:

الأمر الأول فعل الأسباب التي أمر الله بفعلها.

والأمر الثاني الإعتماد على الله في حصول النتيجة.

والله تعالى جعل التوكل شرط في الإيمان قال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].

فالتوكل هو أن يفعل الإنسان وهو أن يفعل المسلم أو الإنسان الأسباب المشروعة ثم يتوكل على الله في حصول النتيجة، أما من ترك الأسباب كما يفعل بعض الصوفية ويزعم أنه متوكل فهذا ليس متوكل، وإنما متواكل، فالإنسان يفعل من الأسباب المشروعة مثلًا، الزارع الذي يحرث الأرض ويبذرها ويزرعها ويسقيها، ثم يتوكل على الله في حصول النتيجة، يتوكل على الله في حصول النتيجة وأن تثمر أرضه وتخرج، بعد فعل الأسباب، وكذلك الإنسان الذي يبيع ويشتري فيفعل الأسباب ويتوكل على الله في حصول النتيجة، وكذلك الإنسان يطلب العلم ويتعلم ثم يتوكل على الله في حصول النتيجة، كذلك الإنسان يتزوج ويفعل أسباب ثم يتوكل على الله في ويرزقه الأولاد، وهكذا.

  فالأسباب لابد منها في التوكل أما من زعم أن التوكل ترك الأسباب فهذا باطل.

وهذا ما عليه الصوفيه الذين يتركون الأسباب ويزعمون أنهم يعتمدون على الله فهذا باطل.

فالمسلم يتوكل على الله ويعتمد عليه ويفوض أمره إليه بعد أن يفعل الأسباب المشروعة والأسباب النافعة، وبهذا يكون متوكلًا حقًا فلا يجعل توكله عجزًا ولا يجعل عجزه توكلًا، بل يفعل ا لأسباب النافعة والمشروعة ثم يتوكل على الله.

فالتوكل فالأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل ومن ذلك أن المؤمنين يعملون يوحدون الله ويخلصون له العبادة ويؤدون الواجبات ويتركون المحرمات فهذا سبب عظيم في دخول الجنة، الإيمان والتوحيد سبب عظيم في دخول الجنة، فلابد من فعله.

فمن ترك الأسباب زعم أن التوكل لابد فيه من ترك الأسباب وأن الإنسان يدخل الجنة بدون الإيمان هذا فهو كافر بالله لأنه مخالف للنصوص.

والله تعالى أخبر أن الإيمان، أن الجنة لا يدخلها إلا النفس المؤمنة، وقد أمر النبي ﷺ  في بعض الغزوات أمر منادي ينادي أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة.

فلابد من الأخذ بالأسباب والمؤمن يفعل الأسباب يوحد الله ويخلص له العبادة ويؤدي الواجبات ويترك المحرمات ويكون هذا سبب في دخول الجنة، يقول الله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].

المتن:

قال المؤلف رحمه الله:

"وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَد عَنْ هَذَا السُّؤَالِ كَمَا قَالَهُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَإِنَّهُ تَارَةً يُوَافِقُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَتَارَةً لَا يُوَافِقُهُ بَلْ يَذْكُرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ الْإِيمَانِ؛ فَلَمَّا أَجَابَ بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيَّ: قُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قُلْت: بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ: عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([16]).

وَقَالَ تَعَالَى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا قُلْت لَهُ: فَتَذْهَبُ إلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ مَعَ السُّنَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْمُرْجِئَةُ تَقُولُ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْقَوْلُ قَالَ: هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ؛ قُلْت: فَمِنْ هَهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ أَجَابَ أَحْمَد: بِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْفَاسِقَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الدِّينُ وَالْإِيمَانُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَالْإِسْلَامُ هُوَ الدِّينُ فَيَجْعَلُونَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا؛ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ فِيمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَعَ هَؤُلَاءِ يُنَاظِرُونَ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْمُرْجِئَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَيَقُولُونَ: الْإِسْلَامُ بَعْضُهُ إيمَانٌ وَبَعْضُهُ أَعْمَالٌ وَالْأَعْمَالُ مِنْهَا فَرْضٌ وَنَفْلٌ.

وَلَكِنَّ كَلَامَ السَّلَفِ كَانَ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ وَيَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا تَجِدُهُمْ فِي الْجَهْمِيَّة؛ إمَّا يَحْكُونَ عَنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كالنجارية وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَأَمَّا جُمْهُورُ نُظَّارِهِمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ والضرارية وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا يَقُولُونَ: هُوَ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا هُوَ فَوْقَ الْعَالَمِ."

الشرح:

فإن المؤلف شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله نقل فيما سبق عن الإمام محمد بن نصر المروزي، قول من زعم أن الإسلام هو الإقرار وأن العمل ليس منه أنه مخالف للكتاب والسنة.

والمؤلف رحمه الله أيده على ذلك فقال وهذا صحيح، فإن النصوص كلها تدل على أن الأعمال من الإسلام، وقال ثم نقل عنه أنه قال:" وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ" لا فرق بين من زعم أن الإسلام هو الإقرار وبين المرجئة إذ زعمت أن الإيمان إقرار بلا عمل.

ثم بين المؤلف رحمه الله أن بينهما فرق وذلك أن الذين قالوا من أهل السنة كالزهري ومن وافقه، من قال: إن الإسلام هو الكلمة والإيمان الأعمال، يقولون: الأعمال داخلة في الإسلام والإيمان، والإسلام عندهم جزء من الإيمان، والإيمان عندهم أكمل وهذا موافق للكتاب والسنة، ويقولون أيضًا: الناس يتفاوتون في الإيمان وهذا موافق للكتاب والسنة، أما المرجئة يقولون أن الإيمان بعض الإسلام، والإسلام أفضل، ويقولون أيضًا: إن إيمان الناس متساو، وأن إيمان الصحابة وإيمان أكثر الناس سواء، ويقولون أيضًا: لا يكون معه بعض الإيمان دون بعض، وهذا مخالفًا للكتاب والسنة.

ثم علق المؤلف رحمه الله وأجاب  بكلام الإمام أحمد وقالوا: قد أجاب أحمد على هذا السؤال: " إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْكَلِمَةُ. كما قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَإِنَّهُ تَارَةً يُوَافِقُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَتَارَةً لَا يُوَافِقُهُ " يعني الإمام أحمد رحمه الله له روايات متعددة ففي بعض الروايات قال إن الإسلام هو الكلمة كما قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَإِنَّهُ تَارَةً يُوَافِقُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَتَارَةً لَا يُوَافِقُهُ بَلْ يَذْكُرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ الْإِيمَانِ؛ فَلَمَّا أَجَابَ بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيَّ: قُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قُلْت: بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ: عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ([17]) " فالحديث نفى فيه الإيمان عن الزاني والسارق، لأن كلًا منهما قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب والمراد بها نفي كمال الإيمان الواجب.

فدل على أن الإيمان ينفى عن صاحب الكبيرة، ولا ينفى عنه الإسلام، صاحب الكبيرة يطلق عليه الإسلام يقال مسلم، ولكنه ينفى عنه الإيمان فلا يقال مؤمن بإطلاق، لابد من القيد.

وكذلك أيضًا استدل بقول الله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فإن هذه الآية الكريمة نفى فيها الإيمان عن الأعراب الذين دخلوا في الإسلام جديد وأثبت لهم الإسلام فدلل لهم على أن الإيمان أكمل من الإسلام وأفضل وذلك أن العاصي يثبت له الإسلام ولا يثبت له الإيمان بإطلاق.

ثم قال له ميمون: " قُلْت لَهُ: فَتَذْهَبُ إلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ مَعَ السُّنَنِ؟ " أي تستدل بظاهر أدلة الكتاب مع السنن "قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْمُرْجِئَةُ تَقُولُ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْقَوْلُ" الإسلام هو القول يعني قول القلب تصديق ومرجئة الفقهاء يضيفون إلى ذلك  قول اللسان مع تصديق القلب، فقال الإمام أحمد قال: " هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ" يعني إن المرجئة لا يفرقون بين الإسلام والإيمان يجعلون المصدق يجعلونه مسلما ومؤمنا ويجعلون الإيمان شيئا واحدا، إيمان سائر الناس سواء فإيمان أعبد الناس وإيمان الفاسق سواء، كلهم إيمانهم كإيمان جبريل.

ولهذا قال: " هُمْ يُصَيِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ وَمُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ" يعني يجعلون كل من صدق وكل من أقر يجعلونه مؤمنا ويجعلوه مسلما، لأن الإيمان شيء واحد، ويجعلون إيمان الناس سواء على إيمان جبريل ويجعلونه مستكمل الإيمان ولو كان فاسقًا.

فقال مأمون: " قُلْت: فَمِنْ هَهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ." حجتنا عليهم أنهم خالفوا النصوص فجعلوا الإيمان هو التصديق والإقرار والنصوص دلت وأخرجوا الأعمال عن مسمى الأيمان والنصوص دلت على إدخال الأعمال في مسمى الإيمان، وكذلك جعلهم الإسلام والإيمان شيء واحد خالفوا فيها النصوص، فإن العاصي ينفى عنه الإيمان ويثبت له الإسلام وهم جعلوا الإيمان والإسلام شيئا واحدا، وكذلك دلت النصوص على أن الإيمان يتفاضل وليس إيمان الناس سواء وهم جعلوا إيمان الناس سواء جعلوا جميع من أقر بقلبه وصدق جعلوا إيمانهم على إيمان جبريل وجعلوا كل واحد مستكمل الإيمان، لأن الأعمال ليست داخلة تحت مسمى الإيمان.

فقال الميموني: " قُلْت: فَمِنْ هَهُنَا حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ."

قال المؤلف رحمه الله تعليقًا على ما نقل عن الإمام أحمد قال: "فَقَدْ أَجَابَ أَحْمَد: بِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْفَاسِقَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ عَلَى إيمَانِ جِبْرِيلَ." وهذا مخالف للنصوص، قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الدِّينُ وَالْإِيمَانُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَالْإِسْلَامُ هُوَ الدِّينُ فَيَجْعَلُونَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا؛ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ فِيمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ" يعني يقول المؤلف رحمه الله: قول الإمام أحمد " يَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَمُؤْمِنًا شَيْئًا وَاحِدًا" يعني يجعلون من أقر وصدق ولو فعل بعض المحرمات أو ترك بعض الواجبات يسمونه مسلما ومؤمنا بإطلاق شيء واحد، هذا قول من يقول الدين والإيمان الإسلام شيء واحد، الدين والإيمان والإسلام، فالإسلام عندهم هو الدين فيجعلون الإسلام والإيمان شيئا واحدا قال: وهذا القول قول المرجئة فيما يذكره كثير من الأئمة كالشافعي وأبي عبيد وغيرهما، ومع هؤلاء يناظرون، يعني الأئمة  يناظرون هؤلاء، والصواب أن الإسلام والإيمان ليس شيئا واحدا.

بل الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأمور الباطنة.

قال: المؤلف رحمه الله: " فَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْمُرْجِئَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَيَقُولُونَ: الْإِسْلَامُ بَعْضُهُ إيمَانٌ وَبَعْضُهُ أَعْمَالٌ وَالْأَعْمَالُ مِنْهَا فَرْضٌ وَنَفْلٌ" يقول: إنهم يفرقون بين الدين والإيمان سبق الإمام أحمد نقل عنهم، أنهم يجعلونه مسلما ومؤمنا شيئا واحدا مستكمل الإيمان، وهنا ذكر أنهم يفرقون بين لفظ الدين والإيمان، والفرق بين الإسلام والإيمان، ويقولون الإسلام بعضه إيمان وبعضه أعمال، والأعمال منها فرض، ونفل، لعل العبارة المعروفة من كلام الأئمة والعلماء بأن سبق لفظ المرجئة، سبق أن نقل عن المرجئة أنهم يجعلونه مسلما ومؤمنا شيئا واحدا، فالمعروف من كلام الأئمة، الفرق بين لفظي الدين والإيمان، والفرق بين الإسلام والإيمان.

القارئ: إذًا تغير العبارة من كلام

الشيخ: نعم، هذا معروف من كلام الأئمة والعلماء أنه معروف الفرق بين لفظ الدين والإيمان، سبق أن نقل عن  المرجئة كلام الميموني، أنهم يجعلونه شيئا واحدا، والمعروف من كلام الأئمة الفرق بين لفظ الدين والإيمان، الدين والإسلام بمعنى واحد، لكن الإسلام والإيمان هناك فرق بينهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، ونقول الإسلام بعضه إيمان وبعضه أعمال والأعمال منها فرض ونفل، ويقول المؤلف ولكن كلام السلف كان فيما يظهر لهم ويصل إليهم من كلام أهل البدع، يعني أن كلام السلف يصل إليهم ويظهر لهم عام من كلام أهل البدع، فهم في الجهمية يحكون عنهم يعنى ينقلون عنهم، أن الله في كل مكان، يقول المؤلف: " وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كالنجارية وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّهِمْ وَعُبَّادِهِمْ"

والنجارية هم أتباع الحسن محمد النجار، وهم يرون أن الإيمان المعرفة بالله ورسله وفرائضه المجمع عليها، والخضوع له في جميع ذلك والإقرار باللسان وهو لا يتبعض، قال: " وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كالنجارية وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَأَمَّا جُمْهُورُ نُظَّارِهِمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ والضرارية وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا يَقُولُونَ: هُوَ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا هُوَ فَوْقَ الْعَالَمِ."

الضرارية نسبة إلى ضرر بن عمرو، وهم يرون أن أعمال العباد مخلوقه فالخلق لله والحساب للعبد، ويؤمنون برؤية الله في الآخرة يوصفون في حاسة سادسة يخلقها الله للمؤمن.

المعنى أن الجهمية طائفتان، الطائفة الأولى وهو المتقدم وهو متقدم الجهمية وقول عوامهم وعبادهم يقولون أن الله في كل مكان، أعوذ بالله، حتى إنهم قالوا: أنهم لا ينزهون الرب حتى في بطون السباع وأجواف الطيور وغيرها في كل مكان، هذا قول العوام والجهمية الأولى.

وأما الجهمية المتأخرون وهو قول نظارهم وعلمائهم، يقولون الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وهذا ينتج العدم بل ينتج الامتناع، هذا هو الممتنع وهذا تشبيه بالمستحيل، وهو أشد من المعدوم والعياذ بالله.

فكل من الطائفتين كافرة، كل من الطائفتين الجهمية كافرة، عبادهم وعلمائهم، كلهم كفرة، والطائفة الأولى والطائفة الثانية، إلا أن الكفر بعضه أشد من بعض،  الذين يقولون أنه في كل مكان والعياذ بالله كفار لكن الذين يثبتون النقيضين  أشد منهم كفرًا  لأن الذين قالوا أنه في كل مكان أثبتوا وجود أما من ثبت النقيضين فهذا لم يثبت لم يثبت شيئا بل شبهه بالممتنع والمستحيل والعياذ بالله، أسأل الله السلامة والعافية.

المتن:

وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي " الْقَدَرِيَّةِ " يَحْكُونَ عَنْهُمْ إنْكَارَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَدَرِيَّةُ الَّذِينَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِيهِمْ: إذَا لَقِيت أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ وَنَهَاهُمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِمَّنْ يَدْخُلُ النَّارَ حَتَّى فَعَلُوا ذَلِكَ فَعَلِمَهُ بَعْدَ مَا فَعَلُوهُ وَلِهَذَا قَالُوا: الْأَمْرُ أُنُفٌ أَيْ: مُسْتَأْنَفٌ؛ يُقَالُ: رَوْضٌ أُنُفٌ إذَا كَانَتْ وَافِرَةً لَمْ تَرْعَ قَبْلَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ مُسْتَأْنَفُ الْعِلْمِ بِالسَّعِيدِ وَالشَّقِيِّ وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَ بِذَلِكَ عِلْمٌ وَلَا كِتَابٌ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى مَا قَدْ قُدِّرَ فَيَحْتَذِي بِهِ حَذْوَ الْقِدْرِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَأْنَفٌ مُبْتَدَأٌ وَالْوَاحِدُ مِنْ النَّاسِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ عَمَلَهُ ثُمَّ عَمِلَهُ كَمَا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ وَرُبَّمَا أَظْهَرَ مَا قَدَّرَهُ فِي الْخَارِجِ بِصُورَتِهِ وَيُسَمَّى هَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي فِي النَّفْسِ خُلُقًا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْــت وبعضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

يَقُولُ: إذَا قَدَّرْت أَمْرًا أَمْضَيْتَهُ وأنفذته بِخِلَافِ غَيْرِك فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إمْضَاءِ مَا يُقَدِّرُهُ.

الشرح

المؤلف رحمه الله هنا بحث في القدر ونقل كلام أهل البدع في القدر، ونقل مذهب القدرية الأولى، إن القدرية طائفتان:

الطائفة الأولى وهم القدرية الذين ظهروا في أواخر عهد الصحابة الذين أنكروا العلم والكتابة، الذين أنكروا علم الله في الأشياء قبل كونها، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، وهؤلاء هم كفار هم الذين كفرهم الأئمة لأنهم نسبوا الله إلى الجهل، وهم الذين قال فيهم الشافعي رحمه الله: نَاظَرُوا الْقَدَرِيَّةَ بِالْعِلْمِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ خَصَمُوا وَإِنْ جَحَدُوهُ كَفَروا".

وذلك أن الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة، التي لا يصح الإيمان إلا بها، من لم يؤمن بالقدر فإنه كافر، كما جاء في حديث جبريل  أنه جعل لما سأل عن الإيمان، قال: الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

وهم الذين ظهروا في أواخر عهد الصحابة، وهم الذين تبرأ منهم ابن عمر وذكر هذا الإمام  مسلم في أول حديث في صحيحة لما ذكر عن حميد الطويل، ويحيى بن يعمر، أنهم أنكروا كلام القدرية الذين ظهروا في البصرة وأنكروا علم الله ، فأنكر عليهم علماء أهل البصرة وسئلوا الصحابة وابن عمر وقالوا لو وفق لنا بعض الصحابة، فخرجا حاجين معتمرين فلقيا ابن عمر وسألاه وقالا له: أبا عبدالرحمن ظهر لنا قبلنا قومًا يتقفرون العلم ويزعمون أن الأمر أنف يعني مستأنف  جديد و ليس في علم الله فقال: « إذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ»([18]) ثم ساق حديث جبرائيل الذي رواه عمر في أصول الإيمان الستة.

وكذلك جاء في الحديث: من يؤمن بالقدر أحرقه الله بالنار([19]).

وذلك أن الإيمان بالقدر له مراتب أربعة من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر:

المرتبة الأولى العلم علم الله بالأشياء قبل كونها، علم الله الأزلي وهو الإيمان بأن الله علم الأشياء قبل كونها، علم كونها في الماضي وعلم ما يكون في الحاضر وعلم ما يكون في المستقبل وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، .

المرتبة الثانية الإيمان بالكتابة، وأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، والأدلة على هذا كثيرة، في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ، في إثبات العلم والكتاب، قال : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22]، وهو اللوح المحفوظ.

وقال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12]، وهو اللوح المحفوظ، وقال : وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].

وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ([20]) ذكره في اللوح المحفوظ، وقال عليه الصلاة والسلام كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ رواه الإمام مسلم في صحيحة من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما([21])، وقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ([22]) وفي  رواية أنه جرى في تلك الساعة بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ومن الأدلة على أن الله يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، قول الله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] علم الله ما لم يكن لوكان كيف يكون قال سبحانه في الكفار الذين سألوا الرجعة إلى الدنيا: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، لو ردوا لعلم الله ماذا يعلمون.

وقال سبحانه في المنافقين، الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47]، قد علم الله ما لم يكن لو كان كيف يكون.

فمن لم يؤمن بهاتين المرتبتين العلم والكتابة فهو كافر.

وهو قول القدرية الأولى الذين خرجوا في عهد الصحابة، كفرهم الصحابة لأنهم نسبوا الله إلى الجهل أنكروا العلم والكتابة.

وأما عامة القدرية الذين جاءوا بعد ذلك هم أثبتوا العلم والكتابة، ولكن أنكروا عموم المرتبتين الأخريين وهما المشيئة والخلق، أنكروا عموم مشيئة الله في الأشياء قبل كونها وعمومة خلقه، فأخرجوا أعمال العباد فقالوا إن الله شاء كل شيء في هذا الوجود إلا أفعال العباد، وخلق كل شيء في هذا الوجود إلا أعمال العباد، فأنكروا عموم المشيئة وعموم الخلق حتى لا تشبه أعمال العباد لشبهة عرضت لهم، وظنوا أنه يلزم من ذلك، أن يكون الله خلق المعاصي وعذب عليها ففرارًا من ذلك  وتنزيههم لله بزعمهم حتى لا يكون ظالما أنكروا عموم المشيئة وعموم الخلق، وقالوا: أن الله ما شاء عموم العباد ولا خلقها بل العباد هم الذين شاءوا أعمالهم من طاعتهم ومعاصيهم وخلقوها استقلالًا لشبهة حصلت لهم فهم مبتدعه.

بخلاف الطائفة الأولى فهم كفار، كفرهم الأئمة.

والمؤلف رحمه الله ذكر الطائفة الأولى وأن العلماء كفروهم، ثم ذكر بعد ذلك الطائفة الثانية فقال: " وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي " الْقَدَرِيَّةِ " يَحْكُونَ عَنْهُمْ إنْكَارَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ" يعني علم الله وكتابه، والكتابة كتب في اللوح المحفوظ، " وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَدَرِيَّةُ الَّذِينَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِيهِمْ: إذَا لَقِيت أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي".

قال المؤلف: " وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ وَنَهَاهُمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِمَّنْ يَدْخُلُ النَّارَ حَتَّى فَعَلُوا ذَلِكَ فَعَلِمَهُ بَعْدَ مَا فَعَلُوهُ" يعني أنكروا علم الله بالأشياء قبل كونها، " وَلِهَذَا قَالُوا: الْأَمْرُ أُنُفٌ أَيْ: مُسْتَأْنَفٌ " يعني ليس به علم الله وتقديره، في صحيح مسلم، لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف يعني لا يثبت به قدر ولا علم الله تعالى، إنما يعلمه بعد وقوعه.

وسيأتي المؤلف أول من قال ذلك، سوسن القدري ثم أخذها معبد الجهني.

قال المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا قَالُوا: الْأَمْرُ أُنُفٌ أَيْ: مُسْتَأْنَفٌ يُقَالُ: رَوْضٌ أُنُفٌ إذَا كَانَتْ وَافِرَةً لَمْ تَرْعَ قَبْلَ ذَلِكَ " يعنى مادة أنف تدل على الشيىء المستأنف والجديد.

قال: " أَنَّهُ مُسْتَأْنَفُ الْعِلْمِ بِالسَّعِيدِ وَالشَّقِيِّ وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَ بِذَلِكَ عِلْمٌ وَلَا كِتَابٌ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى مَا قَدْ قُدِّرَ فَيَحْتَذِي بِهِ حَذْوَ الْقِدْرِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَأْنَفٌ مُبْتَدَأٌ" هكذا كلام القدرية أنهم أنكروا علم الله، قالوا لا يعلم الله بالأشياء حتى تقع ثم يعلمها والعياذ بالله، هذا كفر؛ لأنهم نسبوا الله للجهل.

قال المؤلف رحمه الله ردًا عليهم: " وَالْوَاحِدُ مِنْ النَّاسِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ عَمَلَهُ ثُمَّ عَمِلَهُ كَمَا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ" يعني إذا كان واحد من الناس الآن يقدر  الأشياء قبل أن يعملها فكيف يقول هؤلاء القدرية: أن الله لم يعلم بالأشياء حتى تقع، ولا يقدرها قبل ذلك، جعلوا المخلوقات أفضل من الخالق والعياذ بالله، فالواحد من الناس إذا أراد أن يعمل عملا قدره في نفسه ما يريد عمله، ثم عمله كما قدرة في نفسه.

ثم قال:" وَرُبَّمَا أَظْهَرَ مَا قَدَّرَهُ فِي الْخَارِجِ بِصُورَتِهِ" يعني الإنسان ربما يظهر الشيء الذي قدرة في نفسه بصورته ويسمى هذا التقدير الذي في النفس خلقًا، يعني الخلق يطلق على الشيء الأمر الأول التقدير في النفس يسمى خلق، والأمر الثاني إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، هذا خلق وهذا خلق، فالخلق التقدير والتصويب هذا يطلق على المخلوق، وأما التقدير بمعنى إخراج الشيء من عدم الوجود فهذا خاص بالله، هو الخالق الله خالق كل شيء.

فالخلق نوعان، تقدير وتفصيل هذا يطلق على المخلوق، والشيء الثاني هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود هذا خاص بالله.

المؤلف رحمه الله يقول: " وَالْوَاحِدُ مِنْ النَّاسِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ عَمَلَهُ ثُمَّ عَمِلَهُ كَمَا قُدِّرَ فِي نَفْسِهِ وَرُبَّمَا أَظْهَرَ مَا قَدَّرَهُ فِي الْخَارِجِ بِصُورَتِهِ وَيُسَمَّى هَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي فِي النَّفْسِ خُلُقًا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَلَأَنْتَ تَفْرِي" وهذا البيت لزهير بن أبي سلمى، ومعنى تفري تنفذ ما عزمت عليه وتقدره، يعني أنت تنفذ الشيء الذي تقدره، وبعض الناس تقدر الشيء ولا ينفذه، فهو يمدح ويقول أنه يقدر الشيء وينفذه، وبعض الناس يقدر الشيء ولا ينفذه، يقول: ولأنت تفري ما خلقت، يعني تنفذ ما قدرت، خلقت وقدرت،

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وبعضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

فأطلق على التقدير خلق، فدل على أن التقدير خلق.

يقول المؤلف رحمه الله مفسرًا للبيت: " إذَا قَدَّرْت أَمْرًا أَمْضَيْتَهُ وأنفذته بِخِلَافِ غَيْرِك فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إمْضَاءِ مَا يُقَدِّرُهُ." ومن هذا النوع وهو إغلاق القدر على التقدير قوله تعالى: أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49]، عيسى يقدر ويصور يخلق من الطين كهيئة الطير، يعني يقدر ويصور ثم ينفخ فيه، فيخلق الله الروح فيخرج طيرًا، عيسى يخلق بما يقدر ليس المقصود أنه يخلق الشيء من العدم بلا وجود هذا خاص بالله، لكن عيسى يقدر ويصور من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيخلق الله الروح ويكون طائرًا بإذن الله.

المتن:

  وَقَالَ تَعَالَى إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّ مَا سَيَكُونُ وَهُوَ يَخْلُقُ بِمَشِيئَتِهِ فَهُوَ يَعْلَمُهُ وَيُرِيدُهُ وَعِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

 وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَتَبَ مَا يُقَدِّرُهُ فِيمَا يَكْتُبُهُ فِيهِ كَمَا قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ ثُمَّ قَالَ لِعِلْمِهِ: كُنْ كِتَابًا؛ فَكَانَ كِتَابًا ثُمَّ أَنْزَلَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

 وَقَالَ تَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَقَالَ: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ وَقَالَ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

 وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.  فَالْمَلَائِكَةُ قَدْ عَلِمَتْ مَا يَفْعَلُ بَنُو آدَمَ مِنْ الْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ سَوَاءٌ عَلِمُوهُ بِإِعْلَامِ اللَّهِ - فَيَكُونُ هُوَ أَعْلَمَ بِمَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:- أَوْ قَالُوهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ كَمَا قَالَهُ: طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ وَمَا أَوْحَاهُ إلَى أَنْبِيَائِهِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا سَيَكُونُ هُوَ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءِ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَقَبْلَ أَنْ يَمْتَنِعَ إبْلِيسُ؛ وَقَبْلَ أَنْ يَنْهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَكُونُ أَكْلُهُ سَبَبَ إهْبَاطِهِ إلَى الْأَرْضِ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيَسْتَخْلِفُهُ مَعَ أَمْرِهِ لَهُ ولإبليس بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُمَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ وَيَكُونُ الْخِلَافُ سَبَبَ أَمْرِهِ لَهُمَا بِالْإِهْبَاطِ إلَى الْأَرْضِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ مِنْهُمَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَإِنَّ إبْلِيسَ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ وَأَبْغَضَهُ فَصَارَ عَدُوَّهُ فَوَسْوَسَ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَيُذْنِبُ آدَمَ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ تَأَلَّى إنَّهُ لَيُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى إغْوَاءِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ لَكِنَّ آدَمَ تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَهَدَاهُ بِتَوْبَتِهِ فَصَارَ لِبَنِي آدَمَ سَبِيلٌ إلَى نَجَاتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ مِمَّا يُوقِعُهُمْ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِالْإِغْوَاءِ وَهُوَ التَّوْبَةُ قَالَ تَعَالَى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.

وَقَدَرُ اللَّهِ قَدْ أَحَاطَ بِهَذَا كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَإِبْلِيسُ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ لِيُهْلِكَ غَيْرَهُ وَآدَمُ تَابَ وَأَنَابَ وَقَالَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ وَأَنْزَلَهُ إلَى الْأَرْضِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ؛ فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ وَيَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ هَذَا أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ وَكَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ كَسَائِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ.

وَمَنْ اتَّبَعَ مِنْهُمْ إبْلِيسَ فَأَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَأَرَادَ أَنْ يُغْوِيَ غَيْرَهُ كَانَ مِنْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

الشرح:

فإن المؤلف شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله بحث في هذا المقطع، مبحث القدر وبين فيما سبق أن القدر أصل من أصول الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.

والقدرية الذين أنكروا القدر طائفتان:

الطائفة الأولى الذين أنكروا المرتبة الأولى والمرتبة الثانية من مراتب القدر.

وذلك أن مراتب القدر أربعة:

المرتبة الأولى الإيمان بعلم الله الشامل، وأن الله علم الأشياء قبل كونها علم في الأزل ما كان في الماضي وما يكون في الحاضر وما يكون في المستقبل وما لم يكن لو كان كيف يكون.

والمرتبة الثانية الإيمان أن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، كتب الذوات والصفات والأفعال والأقوال والحركات والسكون والآجال والأرزاق والسعادة والشقاوة، كل شيء علمه الله وكتبه، حتى العدد والكيف  لابد من الإيمان بهذا.

والمرتبة الثالثة الإيمان بأن الله شاء كل شيء في هذا الوجود وأراد وجوده فإنه لا يقع إلا ما يريد.

وكذا المرتبة الرابعة، الإيمان بأن الله خلق كل شيء.

هذه المراتب الأربع مراتب القدر الأربع من آمن بها فقد آمن بالقدر، ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

والقدرية طائفتان:

الطائفة الأولى أنكروا المرتبتين الأوليين أنكروا العلم والكتابة أنكروا علم الله بالأشياء قبل كونها، وقالوا إن الله لا يعلم بالشيء حتى يقع والعياذ بالله، وأنكروا الكتاب السابق وهو اللوح المحفوظ.

والأدلة على هذا على الإيمان بعلم الله وكتابته كثيرة سبق شيء منها من الأدلة في الحلقة الماضية.

وأما عامة القدرية فآمنوا بالعلم والكتاب، ولكنهم أنكروا عموم المشيئة وعموم الخلق والإيجاد، حتى أخرجوا أفعال العباد من عموم المشيئة وحتى أخرجوا أفعال العباد من عموم الخلق، فقالوا إن أفعال العباد لم يشأها الله ولم يردها ولا خلقها بل العباد هم الذين شاؤها وأوجدوها  لشبهة عرضت لهم؛ ظنوا أنه لو قيل: إن الله خلق أفعال العباد وعذب عليها لصار ظالما.

هذه الشبهة عرضت لهم فلهذا لم يكفرهم العلماء وقالوا إن عامة القدرية مبتدعه بخلاف القدرية الأولى، الذين أنكروا العلم و الكتابة، فهؤلاء كفار كفرهم الصحابة، رضوان الله عليهم وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي رحمه الله: نَاظَرُوا الْقَدَرِيَّةَ بِالْعِلْمِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ خَصَمُوا وَإِنْ جَحَدُوهُ كَفَروا" إن أقروا بالعلم لزمهم  إذا علم  الله الأشياء وكتبها فلابد أن يكون خلقها وشاءها، وإن أنكروا العلم والكتاب كفروا.

والمؤلف رحمه الله ذكر الطائفتين، ذكر الطائفة الأولى ثم سرد الأدلة الكثيرة للاستدلال بالقدر أن الله علم الأشياء وكتبها في اللوح المحفوظ ردًا على الطائفة الأولى.

ثم ذكر بعد ذلك ردًا على الطائفة الثانية فقال رحمه الله في ذكر الأدلة التي تدل على أن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها في اللوح المحفوظ، قال: وَقَالَ تَعَالَى إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ففي الآية فيها إثبات كل شيء وكل تفيد العموم، يعني كل شيء خلقه الله بقدر، خلقه الله وشاءه وعلمه وكتبه.

قال المؤلف رحمه الله تعليقًا على هذه الآية: " وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّ مَا سَيَكُونُ" يعني يعلم في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ ثم شاء كل شيء في هذا الوجود في الوقت الذي قدر الشيء وخلقه.

قال المؤلف رحمه الله : "يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّ مَا سَيَكُونُ وَهُوَ يَخْلُقُ بِمَشِيئَتِهِ فَهُوَ يَعْلَمُهُ وَيُرِيدُهُ وَعِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ" علمه وإرادته قائم بنفسه، قال: "وَقَدْ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُ بِهِ" ثم مثل بما يخبر به الرب ويخبر به من القدر، فقال: "كَمَا فِي قَوْلِهِ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:85]" هذا تكلم به وأخبر أنه سيملأ جهنم من إبليس ومن تبعه، وعلم ذلك في الأزل وكتبه ثم تكلم به وأخبر به، وقال سبحانه مما تكلم به وأخبر به وقدره، "وَقَالَ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه:129]، هذا هو القدر، سبق به علمه وكتابته، "وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ  " دليل على سبق القدر، القدر هو العلم والكتابة.

وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [فصلت:45] والشاهد قوله وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، علم الله وكتابته.

قال: " وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَتَبَ مَا يُقَدِّرُهُ فِيمَا يكتبه فيه" يعني كتب ما يقدره وما علمه في الأزل كتبه في اللوح المحفوظ ثم استدل على العلم و الكتابة وقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70] فهذه الآية فيها إثبات العلم والكتاب، الكتاب هو اللوح المحفوظ.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:رضي الله عنهما، إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ ثُمَّ قَالَ لِعِلْمِهِ: كُنْ كِتَابًا؛ فَكَانَ كِتَابًا ثُمَّ أَنْزَلَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، وذلك قول ابن عباس ذكره الطبري في تفسيره، وابن كثير. ([23])

قال المؤلف رحمه الله: وَقَالَ تَعَالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، هذه الآية في إثبات الكتابة، في كتابه وهو اللوح المحفوظ كل ما يحصل، من مصيبة في الأرض أو في الأنفس مكتوب في اللوح المحفوظ.

قال سبحانه : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، الذكر اللوح المحفوظ، هذا مكتوب في اللوح المحفوظ ومكتوب في الزبور، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، وَقَالَ تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" قال العلماء في هذا الآية يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ من كتب الحفظة ليوافق اللوح المحفوظ الذي يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، يمحو الله ما في كتب الحفظة ليوافق اللوح المحفوظ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ"، فالله يمحوا ما يشاء ويثبت ما نسخته الحفظة وكتبته ليوافق ما في اللوح المحفوظ، لأن الكلام في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل ولذلك قال سبحانه: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] الذي في الأصل هو اللوح المحفوظ.

وقال المؤلف: وقال الرب لِلْمَلَائِكَةِ: إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

قال المؤلف رحمه الله: "فَالْمَلَائِكَةُ قَدْ عَلِمَتْ مَا يَفْعَلُ بَنُو آدَمَ مِنْ الْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ" إذا كانت الملائكة علمت فكيف لا يعلمه الله، كيف تقول القدرية الأولى أن الله لا يعلم الشيء حتى يقع، إذا كانت الملائكة تعلم، الملائكة تقول: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] فكيف لا يعلمه الله وقد علمته الملائكة، يقول: "سَوَاءٌ عَلِمُوهُ بِإِعْلَامِ اللَّهِ - فَيَكُونُ هُوَ أَعْلَمَ بِمَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:- أَوْ قَالُوهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ كَمَا قَالَهُ: طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ" يعني الملائكة علموا ما يفعله بنو آدم، من الفساد بماذا علموا؟ علموا بإعلام الله كما قال أكثر المفسرين، أو قالوه بالقياس على من كان  قبلهم أو غير ذلك، فإذا كانوا علموا ذلك فيكون ربهم هو أعلم بما علمهم أيها،" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ" هذا كله رد على الطائفة القدرية الذين يقولون إن الله لا يعلم بالشيء حتى يقع، والله أعلم بما سيقع من مخلوقاته الذين لا علم لهم إلا ما  علمتهم، "وَمَا أَوْحَاهُ إلَى أَنْبِيَائِهِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا سَيَكُونُ هُوَ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يعنى المخلوقون،  لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءِ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ.".

قال المؤلف رحمه الله من الأدلة أن الله علم الأشياء قبل كونها للرد على القدرية النفاه قال: وهو قال للملائكة يعني الرد  إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] يعني يخلفون من سبقهم، إني جاعل في الأرض خليفة قبل أن يأمرهم بالسجود لآدم وقبل أن يمتنع إبليس من السجود، وقبل أن ينهي آدم من أكله من الشجرة، وقبل أن يأكل منها كل هذا علمه الله قبل ذلك، وقبل أن يأكل منها ويكون أكله سبب إهباطه إلى الأرض.

قال المؤلف رحمه الله: "عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيَسْتَخْلِفُهُ مَعَ أَمْرِهِ لَهُ ولإبليس بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُمَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ وَيَكُونُ الْخِلَافُ سَبَبَ أَمْرِهِ لَهُمَا بِالْإِهْبَاطِ إلَى الْأَرْضِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ" المعنى أن الله تعالى أن علمه متقدم سابق، فكيف يقول هؤلاء القدرية: أن الأمر مستأنف وجديد.

قال المؤلف رحمه الله: " وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ مِنْهُمَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ" يعني علم أن ما سيكون منهما من إبليس وآدم من مخالفة الأمر،  "فَإِنَّ إبْلِيسَ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ وَأَبْغَضَهُ فَصَارَ عَدُوَّهُ" أي فصار إبليس عدو آدم  "فَوَسْوَسَ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَيُذْنِبُ آدَمَ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ تَأَلَّى" يعني إبليس قد تألى يعني يقسم، " قَدْ تَأَلَّى إنَّهُ لَيُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" حلف قال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، "وَقَدْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" وفي قول الإنظار عن إبليس: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

قال: "فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى إغْوَاءِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ لَكِنَّ آدَمَ تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ وَهَدَاهُ بِنوْبَتِهِ" هذه الكلمات بينها الله أنه قال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

قال: "فَصَارَ لِبَنِي آدَمَ سَبِيلٌ إلَى نَجَاتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ مِمَّا يُوقِعُهُمْ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِالْإِغْوَاءِ وَهُوَ التَّوْبَةُ" يعني لما وقع آدم في الخطيئة وتلقى من ربه كلمات وتاب، تاب الله عليه فصار لبني آدم سبيل إلى النجاة والسعادة إذا وقعوا في المعاصي وهو التوبة، والحمد لله، قَالَ تَعَالَى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. بين أن الله يتوب عليهم وقال: "وَقَدَرُ اللَّهِ قَدْ أَحَاطَ بِهَذَا كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ".

قال: " وَإِبْلِيسُ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ لِيُهْلِكَ غَيْرَهُ" يعني يبين الفرق بين إبليس وآدم، قال: إبليس أصر على الذنب واحتج بالقدر قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]، وسأل الإنظار ليهلك غيره.

وأما آدم فقال: "وَآدَمُ تَابَ وَأَنَابَ وَقَالَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ وَأَنْزَلَهُ إلَى الْأَرْضِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ؛ فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ وَيَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ هَذَا أَكْمَلَ والحمد لله.

قال: "مِمَّا كَانَ فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا" هذا من فضل الله وإحسانه، "وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ"

من تاب فإن التوبة تجب الذنوب السابقة وإذا أتبع التوبة بعمل صالح بدلت السيئة حسنات، وهذا من فضل الله وإحسانه إلى عباده، أن فتح لهم باب التوبة، فإن الإنسان محل الخطأ والنسيان والغلط، وقد قال عليه الصلاة والسلام: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ([24]) فالإنسان إذا وقع في الذنب فإن الله فتح له باب التوبة، إذا حقق التوبة بشروطها فإن التوبة تهدم ما قبلها وتجب ما قبلها ويسلم من شرها في الدنيا والآخرة فإن الشرور التي في الدنيا والآخرة سببها الذنوب والمعاصي، والمصائب والنكبات التي تحصل في الدنيا وكذلك عذاب النار وعذاب القبر كلها من المعاصي، فإذا تاب المسلم الإنسان توبة نصوح فإنه يسلم من هذا الذنب يسلم في الدنيا والآخرة.

لكن لابد أن يأتي بشروط التوبة المعروفة التي أقرها العلماء وأخذوها من النصوص وهي أن تكون التوبة لله لأن التوبة عبادة ما تكون لغيره،بل لابد أن يصرف العبادة لله، التوبة عبادة كالسجود والركوع والصلاة، لابد أن تكون لله يريد بها وجه الله والدار الآخرة لا رياء ولا سمعة ولا يقصد بها شيء آخر من مقاصد الدنيا ولابد أن يقلع عن المعاصي ويتخلى عنها ولابد أن يندم على ما مضى ويكون في قلبه ندم حتى لا يكون مستغنيا عن المعصية ولابد أيضا أن يعزم عزمًا جازمًا أن لا يعود للمعصية مرة أخرى، ولابد أن تكون أيضًا أن يرد المظلمة إلى أهلها إذا كانت بينه وبين الناس سواء كان يتعلق بالبدن أو بالمال أو بالعرض ولابد أن تكون قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان.

فإذا وجدت هذه الشروط تكون توبة نصوح يمحوا الله بها الذنب في الدنيا والآخرة وإذا أتبع التوبة بالعمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات، كما قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70].

وقد بين المؤلف رحمه الله هذا ولهذا قال المؤلف رحمه الله : " فمن تاب فقد اقتدى بأبيه آدم" فآدم تاب الله عليه فاجتباه وهداه، وأنزله إلى الأرض ليعمل فيها بطاعته، فيرفع الله بذلك درجته ويكون دخوله الجنة بعد هذا أكمل مما كان، " فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ وَكَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ كَسَائِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ."

قال المؤلف رحمه الله: " وَمَنْ اتَّبَعَ مِنْهُمْ إبْلِيسَ فَأَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَأَرَادَ أَنْ يُغْوِيَ غَيْرَهُ كَانَ مِنْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ." يعنى كان مستحقًا للنار من اتبع إبليس وأصر على الذنب واحتج بالقدر فهو من الهالكين وهو من أهل النار إذا كان هذا الذنب الذي أصر عليه كفرًا فهو مخلد في النار وإن كان معصية  دون الكفر فهو تحت مشيئة الله.

نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم  للتوبة النصوح والعمل الصالح إنه جواد كريم، ونصلي ونسلم على عبد الله رسوله.


([1]) – سبق

([2]) – سبق

([3]) – سبق

([4]) – أخرجه البخاري رقم (7385)، ومسلم رقم (769) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([5]) – أخرجه مسلم رقم (771) من حديث علي بن أبي طالب .

([6]) – سبق

([7]) – سبق

([8]) – سبق

([9]) – سبق ورواية الترمذي رقم (3422) والنسائي رقم (1128)

([10]) – سبق

([11]) – سبق

([12]) – سبق

([13]) – سبق

([14]) – سبق

([15]) – سبق

([16]) – سبق

([17]) – سبق

([18]) – سبق

([19]) – سبق

([20]) – أخرجه البخاري رقم (3191) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما.

([21]) – رقم (2653)

([22]) – أخرجه أحمد رقم (22707)، وأبو داود رقم (4700)، والترمذي رقم (2155) من حديث عبادة بن الصامت . قال الحافظ الترمذي : وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

([23]) – سبق

([24]) – سبق

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد