شعار الموقع

شرح كتاب الوصية الكبرى_7

00:00
00:00
تحميل
58

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, قال المصنف رحمه الله تعالى:

(المتن)

فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي أَوْ قرفندي، فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي.

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:..

ذكر المؤلف رحمه الله فيما سبق الكلام على الصحابة، وأنه يجب على المسلم الاقتصاد والاعتدال في الصحابة، وليس له أن يغلو في الصحابة ولا في آل البيت فيرفعهم عن مقامهم إلى مقام النبوة أو الألوهية، وليس له أن يجفو الصحابة ويسبهم، بل يقتصد ويعتدل.

ثم قال المؤلف: (وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي، أَوْ قرفندي) هذه أسماء كأنها ألقاب أو فرق كانت موجودة عندهم في ذلك الوقت، ولذا قال (فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم) يعني مثل الفرق والطوائف ينبغي للإنسان المسلم أن يكون انتسابه إلى الإسلام وأن يجتمع المسلمون تحت فرقة لواء واحدة، يقول: أنا من أهل السنة أنا مسلم، مثل ما هو موجود في هذا العصر، هذا يسمى إخواني وهذا يسمى سروري وهذا يسمى سلفي.

كل هذه الأسماء مفرِّقة فالواجب على الإنسان المسلم اتباع الكتاب والسنة، وأن ينضووا تحت الإسلام، تقول: أنا مسلم، أنا متبع للكتاب والسنة، أنا من أهل السنة والجماعة، أنا متبع لآثار السلف من أهل السنة والجماعة، ولما حصل خلاف في بعض الغزوات لما كسع رجل من المهاجرين أو الأنصار المهاجري الأنصار أو الأنصار المهاجري فنادى الأنصاري: يا آل الأنصار، ونادى المهاجري: يا آل المهاجرين.

فلما تنادوا فيما يفيد التفرقة، غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة» وهما اسمان إسلاميان اسمان، لأن في تحزب لما كان في تحزب، المهاجرون هذا اسم إسلامي وهم المؤمنون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وتركوا أموالهم, والأنصار الذين أووا المهاجرين أسماء إسلامية أليس كذلك؟, لكن لما كان في تحزب قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة»، أي: لا تتحزبوا وإنما اجتمعوا.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن اسمين إسلاميين: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» فكيف بغيرها من الأسماء؟! كيف يتفرق المسلمون؟! أنت إخواني وأنت كذا, يجب على كل مسلم أن يحكم الكتاب والسنة، وينظر إن كانت موافقة للكتاب والسنة فهي حق، وإن كانت مخالفة للكتاب والسنة فهي باطل، وإن كان فيها حق وفيها باطل فيأخذ الحق ويرد الباطل.

ولا ينبغي التحزب، بعض الشباب الآن يتحزبون، صار بعضهم ينشغل بهذا، فتراه يسأل: أنت تنتسب إلى الإخوان؟ أنت سروري؟ أنت سلفي؟ وصار بينهم تحزبات وعداوات ومشاحنات، وتركوا العلم.

الواجب على الشاب طالب العلم أن يقبل على العلم، ويترك هذه النعرات وهذه التحزبات والعصبيات ويكون همه الكتاب والسنة اعمل بالكتاب والسنة، وأما الانتساب إلى هذه الفرق فهذه الفرق، فهذه الفرق يجب أن تجتمع وأن تتحد وأن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله، ومن خالف الكتاب والسنة ينكر سواء كان في العقيدة أو في العبادة (...).

ولهذا المؤلف رحمه الله أنكر على التحزبات في زمانه: كأن يقال: أنت شكيلي أو أنت قرفندي، هذه تحزبات كانت موجودة في زمانه، ونحن في زماننا تحزبات، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) بعض الناس يقول: أنت سروري أو أنت إخواني أو أنت من أهل كذا، أو أنت من جماعة التبليغ، أنت من كذا هذه كلها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، الواجب الانتساب إلى الكتاب والسنة، وهذه التحزبات فيها الحق وفيها الباطل بعض التبليغيين فرقة صوفية, وبعضهم فيه أخطاء وأغلاط أنت من جماعة كذا, أنت من جماعة التكفير والهجرة, هذه التحزبات والواجب تركها وعدم الانتساب إليها والانتساب إلى الإسلام وإلى الكتاب والسنة فقط وسلف الأمة وأئمتها.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله (هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي, وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ) إذا قال لك: أنت إخواني ولا سلفي ولا سروري ولا تبليغي فقل له: أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله، أنا من أهل السنة والجماعة، أعمل بكتاب الله وسنة رسوله، وحينئذ تلقمه حجراً وتقطع باب الجدال بينك وبينه.

تقول: ما أنت؟ أنا مسلم متبع للكتاب والسنة أنا من أهل السنة والجماعة، لا أنا إخواني ولا سروري ولا من جماعة التكفير والهجرة، ولا من جماعة التبليغ، إنما أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله، من أهل السنة والجماعة.

وما يفعله بعض الشباب من الانشغال وإضاعة الأوقات والعداوات والتحزبات، ويصنفون الناس إلى كذا وإلى كذا، وينشغلون عن طلب العلم، كل هذا من مكر الشيطان وتسويله وخداعه، حتى يفرق الناس، وهذه من دسائس الكفرة وأهل البدع الذين يريدون أن يفرقوا بين المسلمين، وأن يفسدوا على الشباب التزامهم واتباعهم للكتاب والسنة، وأن يقطعوا عليهم طلب العلم، والطريق الموصل إلى العلم؛ بهذه التحزبات وهذه الحزازات والعداوات، فالواجب على طالب العلم أن يقبل على طلب العلم، ويدع هذه التحزبات.

(المتن)

وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ معاوية بن أبي سفيان أَنَّهُ سَأَلَ عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ علي أَوْ مِلَّةِ عثمان؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَلَى مِلَّةِ علي وَلَا عَلَى مِلَّةِ عثمان، بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.

(الشرح)

انظر إلى البصيرة إذا كانت عنده بصيرة هكذا عنده بصيرة وعنده علم ألقم هذا القائل حجرًا, (وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ معاوية بن أبي سفيان أَنَّهُ سَأَلَ عبد الله بن عباس) ابن عباس حبر هذه الأمة، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل، وقال: «اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل»، فـ معاوية لما سأل عبد الله بن عباس قال له: (أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ علي أَوْ مِلَّةِ عثمان؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَلَى مِلَّةِ علي وَلَا عَلَى مِلَّةِ عثمان، بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ).

يعني علي ما هو معصوماً وعثمان ما هو معصوماً فكلاهما يخطئ ويصيب، وكل الصحابة يخطئ ويصيب، لكن ملة النبي صلى الله عليه وسلم الرسول معصوم عن الخطأ فيما يبلغ عن الله، قال عز وجل: )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)([النجم/3-4].

فقال: (بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ).

(المتن)

وَكَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ السَّلَفِ يَقُولُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي النَّارِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَي؟ أَنْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي هَذِهِ الْأَهْوَاءَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ، فَلَا نَعْدِلُ عَنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّانَا اللَّهُ بِهَا إلَى أَسْمَاءٍ أَحْدَثَهَا قَوْمٌ وَسَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وَكَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ السَّلَفِ يَقُولُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي النَّارِ) المراد بالأهواء البدع، كل هذه الأهواء في النار، (وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ عَلَي؟ أَنْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي هَذِهِ الْأَهْوَاءَ)

  • يعني كلاهما نعمتان:

النعمة الأولى: أن هداك الله للإسلام.

والنعمة الثانية: أن جنبك الله البدع، وجنبك هذه الأهواء.

ثم يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ، فَلَا نَعْدِلُ عَنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّانَا اللَّهُ بِهَا إلَى أَسْمَاءٍ أَحْدَثَهَا قَوْمٌ وَسَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) فإذا قيل لك: ما أنت؟ تقول: أنا مسلم أنا مؤمن أنا من عباد الله، أنا من أهل السنة والجماعة، فإذا قال: أنت سروري؟ أنت سلفي؟ أنت إخواني؟ أنت من جماعة الهجرة والتكفير؟ ماذا تجيبه؟ إن قلت أنا سروري، قال: أنت فيك كذا وكذا وكذا، وإن قلت: أنا إخواني، قال فيك: أنت فيك كذا وكذا وكذا، وأنت تغلو في الحاكمية وتترك العبادة وهكذا، وصار الجدال بينك وبينه ثم هذه الأسماء محدثة، فتقول: لا أنا سروري ولا إخواني، ولا أنا من جماعة التكفير والهجرة، بل أنا مسلم من المسلمين المؤمنين من عباد الله، من أهل السنة والجماعة.

فتقطع عليه الطريق وتقطع الجدال بينك وبينه، وتنتهي الخصومة وتشتغل بما ينفعك، فتقول: هذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها أصل في الكتاب والسنة، فأنا لا أعترف بها ولا انتسب إليها.

(المتن)

بَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا مِثْلُ انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، أَوْ إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ، أَوْ مِثْلُ الِانْتِسَابِ إلَى الْقَبَائِلِ كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ، وَإِلَى الْأَمْصَارِ كَالشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْمِصْرِيِّ.

فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا، وَلَا يُوَالِيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُعَادِيَ عليها، بَلْ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ كَانَ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا)، مثل أن يقول: أنا حنفي، أو مالكي، أو شافعي، أو حنبلي، فهذه أسماء من أسماء الأئمة الفقهاء في الفروع يجوز الإنسان أن ينتسب إليها، إذا كان ما يضره أي انتساب يعمل بالدليل, إذا كان ليس عنده أهلية أن يأخذ بالأدلة يقلد إماماً من الأئمة، وإذا كان عنده أهلية للنظر فلا يقلد، بل يعمل بالأدلة ولا يضره كونه يوافق الإمام في الأصول، مثل: شيخ الإسلام حنبلي، لكن ليس مقلداً للإمام، لكن المعنى أنه يوافقه في الأصول: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والعمل بقول الصحابي.

وكذلك ابن القيم وغيره يسمون حنابلة، ولكن ليس معنى ذلك أنه يأخذ بأقوال الإمام أحمد بغير دليل، لا، قد يوافقه في الأصول ما يضر هذا، ومع ذلك يجوز للإنسان أن ينتسب ويقول: أنا حنبلي أو حنفي، لكن لا يجوز لأحد أن يمتحن الناس ويوالي ويقول: أنت حنبلي فأوالي الحنبلي، أما الحنفي والشافعي هذا أبغضهم، أو يقول: أنا حنفي ويوالي الأحناف أو يقول: شافعي يُعادى والمالكي يُعادى، فهذا غلط لا يوالي ولا يُعادي من أجل أحد الأسماء.

وكذلك أيضاً الانتساب إلى شيخ كالقادري والعدوي، أو الانتساب إلى القبائل كالقيسي واليماني، أو إلى الأمصار كالشامي والعراقي والمصري، كل هذه أسماء لا يجوز أن يوالى عليها ولا يعادى عليها.

قال الله تعالى في كتابه: )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)([الحجرات/13].

قال: )يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ([الحجرات/13].

لأي شيء؟ )لِتَعَارَفُوا([الحجرات/13].

فلا يجوز للإنسان أن يوالي هذا الشخص؛ لأنه من قبيلته، أو يوالي هذا الشخص؛ لأنه من أهل بلده، أو يوالي هذا الشخص؛ لأنه يوافقه على المذهب، فالموالاة والمعاداة في الله، فيوالي في الله ويعادي في الله، فمن كان مستقيماً على أمر الله نواليه ولو كان من أقصى الدنيا، ولو كان بعيداً، سواء كان من العرب أو من العجم.

ومن كان مخالفاً لأمر الله يُعادى ولو كان من أقرب الناس إليك، ولو كان أخوك لأبيك وأمك، تعاديه عداوة دينية، أما الموالاة لأجل القبائل أو لأجل الانتساب إلى المذهب، أو لأجل الانتساب إلى البلد كل هذا ما أنزل الله به من سلطان.

(المتن)

وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ: هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُتَّقِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة:177]، وَالتَّقْوَى: هِيَ فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ: هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) إذًا ولي الله من هو؟ هو المؤمن التقي.

  • له وصفان:

الوصف الأول: الإيمان.

والوصف الثاني: التقوى.

فمن كان مؤمناً تقياً فهو ولي الله، وولي الله هو المؤمن التقي، ولي الله هو الذي يوافق الله في محابه ومساخطه، فيفعل ما يحبه الله، ويترك ما يسخطه الله، هذا هو ولي الله.

ليس ولي الله كما يزعم بعض الصوفية أن الولي هو الذي يتصرف في الكون، هذا كفر وردة، من ادعى أن أحداً يتصرف في الكون فهو كفر وردة، ومن يسمونهم أولياء يشرعون لهم تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، ويرون أن بعض الأولياء الصوفية تسقط عنهم التكاليف، وأنه لا يُسأل عن شيء، وأنك تكون بين يدي شيخك وإمامك كالميت بين يدي المغسل، فالصوفية لهم أفاعيل قبائح، فهم يزعمون أن أولياءهم ترفع عنهم التكاليف، يدخل بعض الصوفية في بيت تلميذه ولا يمنعه من شيء، فيدخل على زوجته ويفعل بها الفاحشة ما ينهاه، تكون بين يديه كالميت بين يدي الغاسل لا يتحرك ولا تسأل, هذا ولي هكذا يقولون والعياذ بالله.

هذا من أولياء الشيطان ليس من أولياء الرحمن، بعضهم يزعم أن الولي هو الذي يتصرف في الكون، وأن له تدبير مع الله، وهذا شرك أكبر أعظم من شرك كفار قريش، يقول بعض الأولياء يتصرف في هذا الكون، ويقولون: هناك (...) أربعة ويرى بعضهم أنه يكون ولي وأنت ما تعلم عنه؛ قد يتصرف في الكون وأنت تراه وعليه ثياب مخرقة ومرمي على زبالة وشعوره وأظافيره طويلة ولا يؤبه له، وكل هذا من الكفر والضلال نعوذ بالله، ولي الله هو المؤمن التقي.

الدليل قول الله تعالى: )أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)([يونس/62] .

من هم؟ )الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)([يونس/63].

ما ثوابهم؟ )لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)([يونس/63].

ولي الله هو المؤمن التقي، وليس الولي كما يزعم الصوفية هو الذي رُفعت عنه التكاليف ويفعل الكبائر والكفر ولا يُسأل، يزعمون أنه يتصرف في الكون، فهذا كفر وضلال.

قال المؤلف رحمه الله: (فقد أخبر الله أن أولياءه هم المؤمنون المتقون -كما سمعت في الآية- وقد بين المتقين في قوله تعالى في آية البر تسمى آية البر فيها خصال التقوى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ)) هذه خصال المتقين انظر عدها ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة:177]).

هؤلاء هم الصادقون وهم المتقون وهذه تسمى آية البر؛ لأن الله تعالى جعل خصال البر في هذه الآية، هؤلاء هم المتقون الذين يفعلون هذه الخصال وتنطبق عليهم هم أهل التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه, وأصلها توحيد الله عز وجل، وفعل الأوامر، وترك النواهي، هذه هي التقوى.

(المتن)

وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمَا صَارُوا بِهِ أَوْلِيَاءَ، فَفِي صَحِيحِ البخاري عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عليه، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.

فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَرَجَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ.

وَالثَّانِيَةُ: هِيَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ.

فالْأُولَى دَرَجَةُ الْمُقْتَصِدِينَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.

وَالثَّانِيَةُ دَرَجَةُ السَّابِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين:22 - 26].

قَالَ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا وَيَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقَى اللَّهَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ.

(الشرح)

بيّن المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن حال أولياء الله وما صاروا إليه، وذكر الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ)، هذا حديث قدسي منسوب إلى قدسية الله، يعني هو من كلام الله لفظاً ومعنى كالقرآن، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه فيقول: يقول الله تعالى.

فهو من كلام الله لفظاً ومعنى مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف كما سبق عن القرآن، بخلاف الحديث غير القدسي فهو من النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً ومن الله معنى، أما الحديث القدسي فهو من الله لفظاً ومعنى، ولهذا يرويه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (يقول الله تعالى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ)، فهذا الحديث القدسي بين فيه الرب سبحانه وتعالى حال الأولياء ومنزلتهم، فقال: (يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ).

وفي لفظ: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»، وهذا فيه الوعيد الشديد على من عادى أولياء الله، والولي كما سبق من هو؟ هو المؤمن التقي، من عادى المؤمن التقي فقد بارز الله بالمحاربة، وفي لفظ: «فقد آذنته بالحرب»، وهذا وعيد شديد لمن آذى المؤمنين المتقين، وأن من آذاهم فهو على خطر عظيم؛ لأنه محارب لله ومن حارب الله فهو هالك, إذًا هذا فيه التحذير من إيذاء أولياء الله ومعاداتهم من آذى أولياء الله المؤمنين المتقين فإنه على خطر من العقوبة العاجلة؛ لأنه مبارز لله بالحرب.

 (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) هذه بشارة أيضا للمؤمن التقي، وهي أن الله يدفع عنه.

قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا([الحج/38]؛ لأن من عادى ولي الله فهو مبارز لله بالحرب، ثم يقول الرب سبحانه: (وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه) المعنى: يقول الله تعالى أن أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله أن يؤدي الفرائض، والفرائض هي: الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وبر الوالدين فرض وصلة الرحم فرض وهكذا.

ثم قال الرب سبحانه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) يعني: فيه أن العبد إذا تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض صار من أحباب الله، مثلاً: يتقرب إلى الله أولًا بالصلوات الخمس ثم يتقرب إلى الله بأداء السنن الرواتب، وهي: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، ويتقرب إلى الله بصلاة الضحى هذا نافلة، ويتقرب إلى الله بصلاة الليل، وسنة الوضوء، وتحية المسجد، كل هذه من النوافل.

كذلك يتقرب إلى الله بالصدقة بعد أداء الزكاة, الزكاة فرض ثم تتصدق النافلة كذلك تتقرب إلى الله بعد صيام رمضان بصيام التطوع صيام الاثنين والخميس صيام أيام البيض, صيام ست من شوال, صيام تسع من ذي الحجة صيام التاسع والعاشر من شهر محرم, كذلك الحج تؤدي الفريضة ثم تحج نافلة.

إذاً إذا تقرب العبد إلى الله بالنوافل بعد الفرائض صار من أحباب الله، وإذا صار من أحباب الله فماذا يحصل له؟ قال الله سبحانه: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَني لَأُعِيذَنَّهُ) هذه كلها آثار ناتجة عن كون العبد محبوباً لله.

قوله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي) المعنى: أن الله يسدده في جوارحه: في سمعه وبصره ويده ورجله، فلا ينظر بعينيه إلى ما حرم الله؛ لأن الله سدده، ولا يسمع بأذنه ما حرم الله، ولا يتناول بيده ويبطش بيده ما حرم الله، ولا يمشي برجله إلى ما حرم الله؛ لأن الله سدده ووفقه، وليس كما يظن بعض الاتحادية الملاحدة، بعض الاتحادية الملاحدة استدلوا بهذا قالوا: إن الله حل في العبد (فبي يسمع وبي يبصر) «كنت سمعه الذي يسمع به» قالوا: إن الله حل في العبد فصار سمعه، هذا قول الملاحدة الاتحادية وهذا من أبطل الباطل.

المعنى: أن الله يسدده في جوارحه، فلا يعمل بجوارحه ما يغضب الله، وإنما يستعملها في طاعة الله، وأيضاً مع ذلك: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) المعنى: أن الله يجيب سؤاله ويعطيه سؤله ويعيذه مما استعاذ.

ثم قال الرب سبحانه: (وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) هذا التردد ليس كتردد المخلوق، المخلوق يتردد في الشيء لضعفه وجهله وعدم علمه بالنتائج، أما هذا التردد فهو وصف يليق بالله وجلاله وعظمته ليس فيه نقص، وإنما هو شيء يليق بجلال الله وعظمته، لا يشابه فيه أحداً من خلقه، وصف يليق بالله ليس كتردد المخلوق الذي يدل على ضعفه وجهله وعدم علمه بالنتائج أو بالعاقبة.

وذلك أن العبد يكره الموت والله تعالى يكره ما يكره عبده المؤمن، ولكن هذا التردد لا يمنع من تغليب إحدى الإرادتين، فتُغلب الإرادة التي قدرها الله، ولهذا قال: (ولا بد له منه) فالعبد يكره الموت والله تعالى يكره ما يسيء للعبد، ولكن لابد من تغليب إحدى الإرادتين، فالله تعالى يريد للعبد الموت؛ لأنه قدره له، ويريد ما يريده عبده وهو كراهة الموت؛ لأن العبد يكره الموت، لكن لا بد من تغليب إحدى الإرادتين وهو الموت؛ لأنه مقدر ولا بد له منه.

يقول المؤلف رحمه الله: (ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَرَجَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ) هذه عرفناها (وَالثَّانِيَةُ: هِيَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، فَالْأُولَى دَرَجَةُ الْمُقْتَصِدِينَ وَالثَّانِيَةُ دَرَجَةُ السَّابِقِينَ).

الدرجة الأولى: درجة المقتصدين الذين تقربوا إلى الله بالفرائض فقط، والمقتصدون وهم أصحاب اليمين الأبرار؛ لأنهم تقربوا إلى الله بالفرائض وهي الواجبات ووقفوا عند هذا الحد، ما كان عندهم نشاط لفعل النوافل يؤدي الواجبات فقط: الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان لكن ليس عنده نشاط لأداء النوافل ويترك المحرمات فقط لكن ليس عنده نشاط أن يترك المكروهات كراهة تنزيه بل يفعلها ويتوسع في المباحات هؤلاء يسمونهم المقتصدون، فهؤلاء يسمون المقتصدين الذين يدخلون الجنة لأول وهلة.

الدرجة الثانية: درجة مَن؟ درجة السابقين المقربين، وهم الذين أدوا الفرائض، وكان معهم نشاط وفعلوا المستحبات والنوافل، وتركوا المحرمات وكان معهم نشاط فتركوا أيضاً المكروهات كراهة تنزيه، وتركوا التوسع في المباحات حتى لا يقعوا في المكروهات، هذه درجة عالية، فالسابقون هم أعلى درجة من القسم الأول، وكل من الصنفين يدخل الجنة من أول وهلة.

وهناك درجة ثالثة للمؤمنين: وهم الظالمون لأنفسهم، الذين يقصرون في بعض الواجبات ويفعلون بعض المحرمات، فهؤلاء على خطر ما فعلوا الشرك لكن فعلوا بعض المعاصي، فهؤلاء على خطر من دخول النار، وعلى خطر من عذاب القبر، فقد يعذبون في قبورهم، وقد تصيبهم الأهوال والشدائد، وقد يُسلمون وقد يعفى عنهم، وقد يدخلون النار وقد يمكثون فيها مدة طويلة، لكن في النهاية لا بد أن يدخلوا الجنة، وهؤلاء يسمون الظالمين لأنفسهم؛ لأنهم ظلموا أنفسهم بالمعاصي.

وكل من الأصناف الثلاثة من أهل الجنة، لكن الصنفان الأول والثاني وهم المقتصدون والسابقون يدخلون الجنة من أول وهلة ولا يدخلون النار، أما الظالمون فهم على خطر فقد يعفو الله عنهم، وقد يعذبون في قبورهم، وقد تصيبهم أهوالا وشدائد وقد يشفع فيهم فلا يدخلون النار وقد يدخلون النار, وكلٌ من الأصناف الثلاثة مصطفون, وأورثهم الله الكتاب قال الله تعالى: )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا([فاطر/32-33].

كلهم يدخلون الجنة لكن المقتصدون السابقون يدخلون من أول وهلة, والظالمون قد يتأخر قد يعفو الله عنهم فيدخلون من أول وهلة وقد لا يعفو عنهم فيُطهرون في النار يُعذبون على قدر جرائمهم.

الصنف الرابع: الكفرة, الذين هم أهل النار المخلدين فيها نعوذ بالله, والكفرة على طبقات: منهم الملحد, منهم الزنديق, (...) الوثني, اليهودي, النصراني, ومنهم المجوسي, كلهم من أهل النار مخلدون فيها نعوذ بالله يدخلون النار ولا يخرجون منها أبدًا, نسأل الله السلامة والعافية.

يقول المؤلف رحمه الله في بيان السابقين: ((إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين:22 - 26]).

كلهم يسقون المؤمنون الذين يدخلون الجنة المقتصدون والسابقون, لكن فرقٌ بين شراب المقتصدين وشراب المقربين, فالمقربون يشربون هذا الرحيق صِرفًا, وأما أصحاب اليمين فإنه يُمزج لهم مزجا على حسب الأعمال؛ لأن هؤلاء أصحاب اليمين لم يفعلوا النوافل الذين لم يأتوا بالمستحبات وفعلوا بعض المكروهات فيُمزج لهم الماء على حسب أعمالهم, مزجوا أعمالهم ببعض المكروهات فمُزج لهم الماء يوم القيامة مُزج لهم في الجنة.

وأما السابقون المقربون فإنه يشربونه صرفًا فيكون ألذ؛ لأنهم لم يمزجوا أعمالهم بشيء من المكروهات وفضول المباحات.

(المتن)

واَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَأَوْجَبَ عليهمْ مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عليمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة:51 - 56].

فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِ هُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ نِسْبَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة:71] وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[الأنفال:72] إلَى قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ)[الأنفال:75] وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات:9 - 10].

(الشرح)

في هذا البحث بين المؤلف رحمه الله أن الله تعالى أوجب على المؤمن أن يوالي أخاه المؤمن، وأن المؤمنين يجب أن يوالي بعضهم بعضاً، ومعنى موالاة المؤمن: يعني ينصره ويؤيده ويحبه ويدافع عنه ويكون معه في السراء والضراء، وأوجب الله على المؤمن موالاة المؤمنين ومعاداة الكفار، ومعاداتهم يعني بغضهم والبعد عنهم، وبغض دينهم، وعدم مصادقتهم ومخاللتهم، فلا يتخذ الكافر صديق ولا يركن إليه ويُبغضه ويُبغض دينه, لابد من هذا .

واجب على المؤمن أن يوالي المؤمنين، أي: ينصرهم ويحبهم ويواليهم ويدافع عنهم، ويعادي الكفار ويبغضهم ولا يتولاهم ولا يحبهم ولا يوافقهم فيما هم عليه ولا يعاشرهم ولا يصادقهم، وإنما إذا عاملهم تكون معاملة دنيوية على حسب الحاجة من البيع والشراء معهم إذا احتاج ما يلزم منه موالاة، فقد أوجب الله على المؤمنين موالاة المؤمنين ومعاداة الكفار.

ولهذا قال المؤلف: (واَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَأَوْجَبَ عليهمْ مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ) ثم سرد المؤلف رحمه الله الآيات التي في سورة المائدة والتي نهى الله فيها عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، فقال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ)[المائدة:51]) يعني أيها المسلمون! ((فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة:51]).

تولي الكفار الردة ومعنى التولي محبتهم لدينهم, محبتهم ونصرتهم وإعانتهم على المسلمين ردة: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة:51]) فتولي الكفرة ردة وكفر, أما الموالاة فهي معصية وكبيرة، والموالاة هي: المعاشرة والمخالطة بدون حاجة لا لبيع ولا لشراء ولا لأجل الدعوة إلى الله فيتخذ الكافر صديقاً، أما التولي فهو: محبتهم بالقلب، وينشأ عن ذلك نصرتهم وإعانتهم على المسلمين، فهذا ردة، فمن أحب الكافر بقلبه وأعانه على المسلمين بالسلاح أو بالرأي أو بالمال فهو كافر مرتد مثله؛ ولهذا قال الله سبحانه: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة:51]) فالتولي ردة والموالاة كبيرة.

ثم قال الله: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم)[المائدة:51 - 52]) من الذين في قلوبهم مرض؟ المنافقون، ((يُسَارِعُونَ فِيهِم)[المائدة:52]) يوالون اليهود والنصارى، ويقولون: ((نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)[المائدة:52]) يقولون: نتحد يد مع اليهود ونتحد يد مع المسلمين، فإن انتصر المسلمون قالوا لهم: نحن معكم فأعطونا من الغنائم، وإن انتصر اليهود صاروا معهم وقالوا: نحن معكم، وإنما نظهر لهم أننا منهم ونحن معكم، ولهذا كان عبد الله بن أبي يوالي بعض اليهود فإذا قيل له: لماذا؟ قال: أنا أخشى الدوائر, أخشى أن تكون الدائرة لليهود فيكون لي معهم يد.

قال الله تعالى: ((فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)[المائدة:52 - 54])، هذا هو وصف المؤمنين وصفهم أنهم يحبون الله ويحبهم الله.

((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[المائدة:54]) يعني يعطفون على إخوانهم، ويرقون لهم، ويخضعون الجناح لهم، لكنهم على الكفار أعزة وأقوياء: ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)[المائدة:54 - 55])، فهذا هو الإيمان، فولي المؤمن الله ورسوله والمؤمنون.

من هم المؤمنون؟ قال: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة:55 - 56]).

ثم علق المؤلف على الآية قال: (فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِ هُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) كل مؤمن فهو ولي الله ورسوله والمؤمنون سواء كان منتسباً إلى حرفة، أو كان جزار، أو خياط، أو بناء أو مزارع، أو تاجر، أو موظف، أو عربي، أو عجمي، سواء كان منتسب إلى نسبة معينة، أو بلدة من البلدان سواءً كانت في المشرق أو في المغرب، أو مذهب الشافعي أو كان مالكي أو حنفي، أو طريقة (...) فكل من اتصف بهذه الصفات فهو ولي المؤمن، لا تنظر إلى حرفته ولا إلى بلده ولا نسبته.

 كل مؤمن تقي متصف بهذه الصفات يجب أن تتولاه, سواء كان عربي، أو عجمي وسواء كان ذكرًا أو أنثى وسواءٌ كان قريبًا أو بعيدًا وسواء صنعته حرفة تجارة أو زراعة أو حدادة أو نجارة أو بناء أو مبلط أو مزارع أو حمال ما يهمنا الأعمال والأعمال ما ننظر إليها, لا ننظر إلى الحرفة ولا ننظر إلى البلدة ولا ننظر إلى النسبة ولا ننظر إلى المذهب, المهم هذه الصفات, إذا كان مؤمن بالله تقي نتولاه بقطع النظر عن الحرفة ولا عن النسبة ولا البلدة ولا الطريقة.

قال الله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)[التوبة:71])، فالمؤمن ولي أخيه ينصره ويؤيده مهما كان.

وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[الأنفال:72])، فهذه أوصافهم، فمن اتصف بهذه الصفات فهو ولي، فيجب على المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضاً، فإذا كان مؤمناً مهاجراً مجاهداً آوى ونصر فهذا هو المؤمن الذي يتولى, إلى قوله: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ)[الأنفال:75]).

وقال سبحانه: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[الحجرات:9]) لماذا نصلح بينهما؟ جاء الجواب قال: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[الحجرات:10]) إنما المؤمنون: هذا عام كل مؤمن أصلح بينهم, ولو كان عربي أو عجمي, ولو كان بعيد ولو كنت أنت في أعلى قمة عندك شهادات عالية وهو ما عنده شيء من الشهادات, لو كان فراش أو كناس وأنت معك أعلى الشهادات فهو أخوك تواليه ولا تتعالى عليه, ولو كان عنده أي حرفة ولو كان عنده مهنة أو حرفة صغيرة وأنت عندك حرفة عالية أو مرتب عالي كل هذا ما يُنظر إليه المؤمن ولي أخيه المؤمن: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10]).

(المتن)

وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

وفي الصحاح أيضاً أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه).

وفي الصحاح أيضاً أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يظلمه).

وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله سرد الأدلة من الكتاب على أن المؤمن ولي أخيه المؤمن ينصره ويتولاه، ثم سرد الأدلة من السنة المطهرة، وقوله: في الصحاح، يعني: من الأحاديث الصحيحة الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

كما أن الجسد الآن الواحد إذا آلمك عضو تألم الجسد كله فينبغي كذلك أنه إذا تألم مؤمن أن يتألم المؤمنون كلهم؛ لأنهم كالجسد الواحد والأمة الإسلامية جسد واحد، يشترك أفرادها في السراء والضراء، في الآلام والآمال، فما يحزن أخاك يجب أن يحزنك وما يؤلمه يؤلمك، وما يفرحه يفرحك، هكذا يكون الإيمان التام.

وفي الصحاح أيضاً أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه).

وفي الصحاح أيضاً أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهذا حديث عظيم، لو تدبر وفكر الإنسان في هذا الحديث وطبقه على نفسه ما وُجد حزازات ولا عداوات ولا خصومات ولا نزاع بين المسلمين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، يحب في أمور الدين وفي أمور الدنيا، فأنت تحب لنفسك أن يوفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح، وأن تكون من المحافظين على الصلوات الخمس، ومن المؤدين للواجبات، ومن المنتهين عن المحرمات، فأنت تحب هذا أليس كذلك؟ فيجب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.

تحب لنفسك في الدنيا أن يرزقك الله مالاً حلالاً فيجب أن تحب لأخيك هذا، وتحب أن يرزقك الله زوجة صالحة فتحب لأخيك ذلك، فإذا كنت تحب لنفسك هذا ولا تحبه لأخيك فأنت لم تأتِ بالإيمان الواجب بل إيمانك ناقص فكر في نفسك، فإذا كنت تحب لنفسك شيئاً ولا تحبه لأخيك في أمر الدين أو في أمر الدنيا فاعلم أن إيمانك ناقص ولم تؤدِ الإيمان الواجب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم)، وليس هذا من باب الاستحباب بل (لا يؤمن أحدكم) يعني الإيمان الواجب الكامل، وهذا واجب وليس مستحب.

(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) تحب لنفسك أن يوفقك الله للعلم فيجب أن تحبه لأخيك، فإن لم تحبه لأخيك فلم تأتي بالإيمان الواجب، وإيمانك ناقص وعليك أن تحاسب نفسك, تحب لنفسك في أمور الدنيا أن ييسر الله أمورك وأن يرزقك الله مالًا حلالًا تحب لأخيك كذلك, فإن لم تحب لأخيك فاعلم أن إيمانك ناقص ولم تؤدي الإيمان الواجب: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يظلمه)، وفي لفظ له: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه» لا تظلمه لا في مال، ولا في عرض ولا في أي أمر من أمور الدنيا، ولا تسلمه للعدو بل تدافع عنه، ولا تخذله بل تدافع عنه, ومثل هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة.

 (المتن)

وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:103].

وقال: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ)[الأنعام:159].

فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى، وبلا برهان من الله تعالى؟! وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان هكذا، فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم, وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه وإن كان غيره أتقى لله منه.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وقد جعل الله في عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض) يعني جعل الله في هذه النصوص عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالمؤمن ولي أخيه قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮬ)[التوبة/71].

(وجعلهم إخوة وجعلهم متناصرين) ينصر بعضهم بعضاً، (متراحمين) يرحم بعضهم بعضاً، متعاطفين يعطف بعضهم على بعض، وهكذا هو حال المؤمنين.

(وأمرهم سبحانه بالائتلاف) فيجب أن يأتلفوا ويتفقوا ويتحدوا وأن تكون كلمتهم واحدة وقلوبهم متفقة، (ونهاهم عن الافتراق والاختلاف فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ)[آل عمران:103]) وحبل الله دينه وكتابه: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:103]).

(وذم المتفرقين فقال عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الأنعام:159])، هذا تهديد لهم.

يقول المؤلف: (فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة) مثل ما يفعل بعض الناس من الفرق الموجودة عند بعض المسلمين الشباب، فهذا الشاب يوالي هذا الطائفة طائفة الإخوان ويعادي الطائفة السلفية، أو هذا الشاب يوالي طائفة السلفيين ويعادي طائفة الإخوان.

الموالاة والمعادة إنما تكون في الله، وهذه الطائفة إذا كان عندها أخطاء تُبين أخطاؤها فإن رجعوا يعني عندهم شيء من البدع يُنهون عن البدع فإن رجعوا وإلا يُهجروا، أما أن يوالي لأجل الطائفة فقط، فهذا لا يجوز، بل يجب عليك أن تنظر إلى الطائفة التي تريد أن تواليها، فإن كانت على الباطل، وإن كان فيها بدع فيجب ألا يواليها المسلم أما أن يوالي الطائفة فقط, لا انظر لهذه الطائفة إن كانت على الباطل وكان فيها بدعم نعم اهجر عن البدع, أما توالي من أجل الطائفة فقط أو لأنهم من أهل بلدك، أو لأن هواك يميل معم, لا.

ولهذا قال المؤلف: (كيف يجوز مع هذا لأمة محمد أن تفترق وتختلف حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى؟) لكن إذا كان في برهان لا بأس، وإذا كانت هذه الطائفة عندها بدع اهجرها وابتعد عنها ويتبرأ إلى الله منها وانصحهم فإن قبلوا وإلا فاهجروهم, (وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان هذا) يعني من الانصراف الاختلاف والافتراق.

(فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم) لأن الخوارج يوالون ويعادون لأجل اعتقادهم الفاسد، ويكفرون الناس بالمعاصي، فمن عصى أو من فعل كبيرة كفروه، وإذا كفروه عادوه واستحلوا دمه وماله وخلدوه في النار، فهؤلاء يوالون ويعادون بالهوى.

(وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله, وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه وإن كان غيره أتقى لله منه) يعني هذا أقل ما يكون من الخلاف والفرقة (أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه)، فإذا وجد أحداً يوافقه على هواه والاه.

(وإن كان غيره أتقى منه) فالأتقى لله لا يواليه؛ لأنه خالف هواه، وهذا يواليه؛ لأنه وافق هواه، فهذا أقل ما في الخلاف، والواجب أن تكون الموالاة لله لا للهوى.

(المتن)

وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله ويؤخر من أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغض الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله، وأن يكون المسلمون يداً واحدة، فكيف إذا بلغ الأمر ببعض الناس إلى أن يضلل غيره ويكفره وقد يكون الصواب معه وهو الموافق للكتاب والسنة، ولو كان أخوه المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين فليس كل من أخطأ يكون كافراً ولا فاسقاً، بل قد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد قال تعالى في كتابه في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة:286].

وثبت في الصحيح أن الله قال: (قد فعلت) لاسيما وقد يكون من يوافقكم في أخص من الإسلام مثل أن يكون مثلكم على مذهب الشافعي أو منتسباً إلى الشيخ عدي.

(الشرح)

الآن وجه الخطاب إلى طائفة عدي بن مسافر الأول، فقوله: (أن يكون مثلكم).

يعني: شافعي؛ لأنهم كانوا شافعية.

(المتن)

ثم بعد هذا قد يخالف في شيء وربما كان الصواب معه، فكيف يستحل عرضه ودمه وماله مع ما قد ذكر الله من حقوق المسلم والمؤمن؟.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (الواجب على المسلم أن يقدم ما قدمه الله ورسوله، ويؤخر ما أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، ويرضى بما رضي الله به ورسوله) هذا هو المؤمن، هذه صفة المؤمن وهذه صفة الولي، الولي يقدم ما قدمه الله ورسوله ويؤخر ما أخره الله ورسوله.

(ويحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، ويرضى بما رضي الله به ورسوله) هذا هو التقي المؤمن الذي يوافق ربه فيرضى لرضا الله ويغضب لغضب الله، ويوالي في الله ويعادي في الله، ويحب في الله ويبغض في الله، ويكون خوفه ورجاءه من الله، وعطاءه لله ومنعه لله.

هذا هو الولي الموافق لربه, سبق غير مرة أن الولي هو المؤمن التقي وأن الولاء هي موافقة الولي الحبيب في محابه ومساخطه, والولي هو الذي يوافق الله ورسوله في محبوباته ومكروهاته, وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه هذا هو الولي, وأن يكون المسلمون يداً واحدة, يقول: (فكيف إذا بلغ الأمر إلى ببعض الناس إلى أن يضلل غيره ويكفره) بعض الناس من خالفه فيقول: ضال أو كافر، وقد يكون الصواب معه هو وليس معك ولكن لأنه خالفه قال: هذا ضال، وهذا كافر، وهذا فاسق، لكن لو حققت ودققت وجدت الصواب معه وهذا الذي يضلله ويفسقه هو المخطئ.

فيجب على الإنسان أن يتورع ويحبس لسانه عن صغير التكفير، ويتأمل ويتدبر الأمر، فقد يكون هو المخطئ، ولهذا قال المؤلف: (وقد يكون الصواب معه وهو الموافق للكتاب والسنة، ولو كان أخوه المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين فليس كل من أخطأ يكون كافراً ولا فاسقاً) يعني حتى لو أخطأ أخوك المسلم لا تضلله ولا تكفره, فمن أخطأ هل هذا يجوز تقول: كافر؟ ما يجب, أو تقول: فاسق؟! إذا كان ما تعمد قد يُعفى عنه وإذا كان ناسي معفو عنه, وكذلك المخطئ.

ولهذا قال المؤلف: (وقد عفا الله لهذه الأمة الخطأ والنسيان، وقد قال تعالى في كتابه في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة:286], وثبت في الصحيح أن الله قال: (قد فعلت))

يعني في صحيح مسلم, الحديث في صحيح الإمام مسلم، أنه لما نزل قوله تعالى: )لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ([البقرة/284].

فخاف الصحابة وشق على هذا وجثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله! أُمرنا بالصلاة والصيام والحج وهذه نطيقها وقد نزلت عليك هذه الآية ونحن لا نطيقها، وهي: )وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ([البقرة/284].

يعني: ما تبديه لنفسك أو تخفيه فالله يحاسبك به، فمن الذي يستطيع أن يمنع الوساوس في الصلاة.

فجثوا على الركب وقالوا: «يا رسول الله! ما نطيق هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا» فلما اقترأ القوم وذلت بها ألسنتهم نسخها الله وأنزل في إثرها: )آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)([البقرة/285].

لما قالوا: سمعنا، أنزل الله في إثرها آية تنسخها وهي: )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا([البقرة/286] قال الله: قد فعلت.

)رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا( [البقرة/286] قال الله: قد فعلت.

)رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)( [البقرة/286] قال الله: قد فعلت.

هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه.

يقول المؤلف: (لاسيما وقد يكون من يوافقكم في شيء أخص من الإسلام) يخاطب عدي بن مسافر، مثل أن يكون مثلكم على منهج الشافعي؛ لأنه شافعي أو منتسب إلى الشيخ عدي، ثم بعد هذا قد يخالف في شيء وربما كان الصواب معه.

يعني يقول: إن بعض الناس يعادي الشخص الذي يخالفه حتى قد يكون موافقاً له في المذهب يكون شافعي مثله أو منتسب إلى الطائفة التي ينتسب إليها، لكنه يخالف في شيء من الأمور فيبدعه أو يكفره أو يفسقه وقد يكون الصواب معه لا معك أنت، ثم تجد بعض الناس يستحل دمه وماله وعرضه، فيغتابه أو يأخذ ماله، أو يستحل دمه وجسده بالضرب، أو بالسجن، أو بالقتل من أجل أنه خالفه وقد يكون الصواب معه، فكيف يكون هذا يصدر من المسلم مع ما قد ذكر الله تعالى من حقوق المسلم والمؤمن على أخيه.

(المتن)

وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا التفريق الذي حصل من الأمة: علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)[المائدة:14].

فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب.

(الشرح)

هذا كلام عظيم يكتب بماء الذهب، هذه الجمل التي قرئت كلمات عظيمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب لعظم شأنها، وليس المراد أن تكتب بماء الذهب فقط للتجمل، بل لما اشتملت عليه من العلم العظيم المأخوذ من الكتاب والسنة، فجدير بطالب العلم أن يتأمل هذه العبارات ويعمل بها.

يقول المؤلف: (كيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم) مثل ما سبق المؤلف عنده في زمنه يقول: شُكيلي, مثل هذه الأسماء التفريق بين الأمة بأسماء؛ لأن هذا ينتسب إلى بلد، أو هذا ينتسب إلى مذهب، أو لأنه ينتسب إلى فرقة، أو هذا ينتسب إلى قبيلة، ويفرق كل التفريق بين الناس في هذه الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان.

التفريق بين الناس يكون بالإيمان والكفر والسنة والبدعة، هذا الميزان، الموالاة والمعاداة تكون على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الأسماء المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان تفرق بين الناس لأن هذا موافق لك؛ لأنه من أهل بلدك وتواليه، وإذا كان من غير بلدك تعاديه، أو إذا كان يوافقك في المذهب تواليه وإذا خالفك تعاديه، أو من أهل فرقتك، هذه ما أنزل الله بها من سلطان.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وهذا التفريق الذي حصل من علمائنا ومشايخنا وأمرائنا وكبرائنا هو الذي أوجب تسلط الأعداء علينا، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله)

يعني: تفرق الأمة وتفرق علمائها وأمرائها وكبرائها أوجب تسلط الأعداء عليهم؛ لأنهم إنما تفرقوا بالباطل لا بالحق، حيث أنهم تركوا العمل بطاعة الله ورسوله، ومن ترك طاعة الله ورسوله وفرق بين الناس في أمور ما أنزل الله بها من سلطان فهو عاصِ، وإذا عصى الله سلط الله عليه الأعداء وحلت به العقوبات والنكبات، قال الله تعالى: ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[المائدة:14]).

انظر: ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ)[المائدة:14]) أخذ الله عليهم الميثاق والعهد، والميثاق ذكره الله في قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮤ)[المائدة/12].

 انظر الميثاق:)لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا([المائدة/12] هذا الميثاق، والجزاء هو: )لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)([المائدة/12].

((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ)[المائدة:14]) ولكنهم هل التزموا ولا ما لم يلتزموا؟: ((فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)) تركوا العمل ماذا حصل ما هي عقوباتهم؟ ((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)[المائدة:14]).

هل هذا ظلمٌ من الله؟ تعالى الله بل بسبب معصيتهم لأنهم نسوا حظا مما ذُكروا به, ثم جاء التهديد أيضاً: ((وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[المائدة:14]).

إذاً الأمر جد خطير، التفريق بين الأمة في أمور ما أنزل الله بها من سلطان، والموالاة والمعاداة من أجلها، تركٌ للعمل بطاعة الله وهذا يسبب العداوة والبغضاء وتسليط الأعداء، كما أن بني إسرائيل النصارى لما أخذ الله منهم الميثاق ولم يعملوا به جعل الله بأسهم بينهم، وجعل الله بينهم العداوة والبغضاء.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء) فإذا ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وتركوا العمل بطاعة الله وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا وقعت العداوة والبغضاء تفرقوا، وإذا تفرقوا فسدوا وهلكوا، قال تعالى: )وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)([آل عمران/105].

وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب؛ ولهذا بين الله سبحانه وتعالى: )وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)([يونس/19].

في آخر سورة هود ذم الله فيها المختلفين: )وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ([هود/118-119]، فاستثنى أهل الرحمة من أهل الاختلاف، إلا من رحم الله فليسوا مختلفين.

)وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ( [هود/118-119] إذاً: فالفرقة زيغ وعذاب، والجماعة رحمة وصواب, ثم قال المؤلف ما هو الشيء الذي يجمع هذا؟ بين المؤلف بعد ذلك.

(المتن)

 وجماع ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:102 - 103] إلى قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104]، فمن الأمر بالمعروف: الأمر بالائتلاف والاجتماع والنهي عن الاختلاف والفرقة، ومن النهي عن المنكر: إقامة الحدود على من خرج من شريعة الله تعالى.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: هذا الأمر الذي سبق أن ذكرته له شيء يجمعه، ما هو؟ يعني السلامة من تسليط الله الأعداء على الناس والسلامة من العداوة والبغضاء التي تكون بين الناس لها أمرٌ يجمعها, ما هو؟ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الذي يجمعها، فإذا أمر الناس بالمعروف ونهوا عن المنكر صلحت أحوالهم واستقامت أمورهم، واستقاموا على دين الله وزالت الفرقة والخلاف، وسلموا من العقوبات والنكبات والهلاك في الدنيا والآخرة.

ولهذا قال المؤلف: (وجماع ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:102 - 103] إلى قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104]).

تقول: كيف يكون جماع ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ بين قال: (فمن الأمر بالمعروف الأمر بالائتلاف والاجتماع) إذا أمر الناس بالمعروف ائتلفوا هذا من المعروف, (ومن النهي عن المنكر النهي عن الاختلاف والفرقة، ومن النهي عن المنكر كذلك إقامة الحدود على من خرج عن شريعة الله).

إذاً يجمع هذا الأمر الذي هو سببه استقامة الناس وصلاحهم وسلامتهم من الفرقة والاختلاف والعذاب والنكبات, ما هو؟ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن من الأمر بالمعروف الأمر بالائتلاف والاجتماع، ومن النهي عن المنكر إقامة الحدود على من خرج عن شريعة الله، فإذا أقام الناس الحدود على من خرج عن شريعة الله وأمروا بالائتلاف والاجتماع سلموا من العداوة والبغضاء والفرقة والاختلاف ثم يسلمون من العقوبات والنكبات وتسليط الأعداء.

(المتن)

فمن اعتقد في بشر أنه إله، أو دعا ميتاً، أو طلب منه الرزق والنصر والهداية، وتوكل عليه أو سجد له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

ومن فضل أحداً من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وكذلك من اعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه؛ لأن الخضر لم يكن من أمة موسى عليه السلام ولا كان يجب عليه طاعته بل قال له: (إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وكان مبعوثاً إلى بني إسرائيل كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة).

ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين إنسهم وجنهم، فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله.

(الشرح)

هذه كلها التي ذكرها المؤلف كلها أعمال شركية كفرية تخرج الإنسان عن الإسلام نعوذ بالله، وتجعله في عداد الوثنية، ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها وأن يرقمها ويجعل تحتها خط.

الأمر الأول من الأعمال الكفرية: (من اعتقد في بشر أنه إله فهو كافر)، فمن اعتقد في أي بشر أنه إله يستحق العبادة فهذا كافر بإجماع المسلمين دون خلاف، وإذا مات على هذا الاعتقاد فهو من أهل النار خالداً مخلداً في النار، وكفره أعظم من كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى أهل كتاب خص كفرهم وهذا وثني.

ثانياً: (من دعا ميتاً فإنه يكون كافراً)، ومن قال للميت: يا فلان، ودعاه، وناجاه: أن اشفع لي، حتى ولو نادى الرسول صلى الله عليه وسلم الرسول ميت {إنك ميت وإنهم ميتون}، فإذا قال: يا رسول الله! اشفع لي، فهذا كفر وردة، أو قال: أغثني، أو طلب منه الرزق أيضاً، من طلب من شخص الرزق قال: ارزقني يا فلان يكون كافراً، أو طلب من الميت أن ينصره على عدوه قال انصرني على عدوي يكون كافراً, أو طلب منه أن يهديه قال اهدني حتى الحي، فإذا قال له: اهدني يعني هداية التوفيق والتسديد فقد كفر، أما إذا قال: اهدني إلى الحي يعني اهدني هداية الإرشاد فلا بأس بذلك.

ثالثًا: (وكذلك من توكل على المخلوق أو على ميت يكون كافراً).

رابعًا: (أو سجد لحي أو ميت هذا كفر وردة وكل واحد منهم يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه) ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، وإذا مات على ذلك فهو من أهل النار.

أيضا ومن أنواع الكفر أيضاً: (من فضل أحداً من المشايخ على النبي صلى الله عليه وسلم).

فمن فضل أحداً على النبي صلى الله عليه وسلم من شيوخ الصوفية وغيرهم واعتقد أنه أفضل من محمد فهذا مرتد كافر إن تاب وإلا قتل، (أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم) يقول: ما حاجة لي لطاعة الرسول، فأنا أستغني عن طاعة الرسول.

وإذا قال شخص: أنا أستغني عن طاعة الرسول بطاعة شيخ الطريقة، أو بطاعة ملك من الملوك، أو بطاعة فيلسوف فهذا يصير مرتداً فإن تاب وإلا قتل؛ لأن لا أحد يستغني عن طاعة الرسول؛ لأن طاعة الرسول طاعة لله.

وكذلك من الأعمال الكفرية: (من اعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى، فهذا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً) كيف يعتقد أن أحداً من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى؟ كيف كان الخضر مع موسى؟ موسى عليه الصلاة والسلام من أنبياء بني إسرائيل وهو من أولي العزم الخمسة.

كان يحدث يوما بني إسرائيل كما ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً سأل موسى فقال: «من أعلم الناس؟ فقال: أنا يعني في زمانه فعتب الله عليه؛ لأنه لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: بلى عبدنا خضر أعلم منك، فقال: يا رب! أين أجده؟ قال: بمجمع البحرين».

وجعل الله له علامة وهي أن يفقد الحوت فإذا فقده وجده، فسافر وذهب معه فتاه يوشع بن نون الذي كان نبياً بعد وفاته، وفتح يوشع بن نون بيت المقدس.

وأخذ معه حوت مشوي ثم ذهبوا فجلسوا مجلساً ونسوا الحوت وذهبوا، ثم أحس موسى بالجوع قال: )آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)([الكهف/62] فلما بحث عن الحوت وجده تركه, فقال: (إني نسيت الحوت)، فقال له موسى: )قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ([الكهف/64]، فلما ذهب ورجع وجد رجلاً مسجى وسلم عليه، فرفع رأسه وقال: «وأنى بأرضك السلام؟!» يخاطب موسى؛ قال: أنت في أرض ما فيها سلام.

«قال: من أنت؟ قال: أنا موسى, قال: أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، فقال: لم جئت؟ قال: جئت أتعلم ولتعلمني مما علمك الله».

فقال كما في بعض الروايات: «أو لم تكفك التوراة التي أنزلها الله عليك؟» ثم جلس معه وتعلم، وهذا يدل على فضل العلم، موسى كليم الله ومن أولي العزم الخمسة ومع ذلك ذهب يتعلم من الخضر وهو أقل منه فضلاً، لكن الله أعطاه علماً ليس عند موسى، فجلس موسى يتعلم، قال له الخضر: ما تستطيع, قال: أتعلم منك, قال: ما تستطيع, قال: ما تصبر سأفعل أشياء ما تصبر عليها, قال: )قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)([الكهف/69].

فذهبا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة فأشار لها الخضر وهم يعرفونه، فوقفت وركبوا فركبا في السفينة، فلما ركبا جاء الخضر بالقدوم وجعل يكسر السفينة، لقد أركبوهم بدون أجرة؛ لأنهم يعرفون الخضر، فجعل يكسر السفينة حتى خرق السفينة ودخل الماء، فصاح موسى: سبحان الله! ناس أحسنوا إلينا وأركبونا بدون أجرة وتخرب سفينتهم؟ )قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)([الكهف/71-73].

فسمح له، ثم جاءت المسألة الثانية وهي أعظم وأعظم، فجعلا يمشيان فمر بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر رأسه حتى قلعها ورماه في الشارع، فصاح موسى: )قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)([الكهف/74].

هذا أمر عظيم كيف يصبر عليه، فشدد عليه الخضر قال: )قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)([الكهف/75] الأولى قال: )أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ(وهذه أكدها بـ (لك)، )قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)([الكهف/75] قال: خلاص هذه آخر مرة، فإن اعترضت عليك بعد هذه المرة نتفارق.

فلما ذهبا إلى بلدة واستضافوا جماعة صاروا لؤماء ردوهم ولم يعطوهم حق الضيافة، فجاء على جدار يكاد أن يسقط فجعل يشتغل يبنيه، بدون أجرة وعمله قال له موسى: هؤلاء قومٌ لؤماء ما أعطونا القرى تشتغل عندهم بالمجان فقال: ألم أقل لك لن تستطيع )قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)([الكهف/78] كما قص الله علينا في القرآن.

والشاهد أن موسى يتعلم ممن هو أقل منه الخضر أقل الخضر مختلف فيه هل هو نبي أو عبدٌ صالح، والصواب أنه نبي، والجمهور على أنه عبد صالح, لكن من موسى من أولي العزم الخمسة, الخضر قال: «هل أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم» الخضر الآن هل عمل بشريعة موسى؟ ولا ما عمل ولا له شريعة مستقلة؟

والخضر له شريعة؛ لأنه يوحى إليه، وموسى له شريعة، إذاً هل الخضر مأمور باتباع موسى في شريعته ولا غير مأمور؟ غير مأمور, لماذا؟ لأن موسى لم يُرسل إلى الخضر وإنما أُرسل إلى بني إسرائيل أرسل إلى قومه والخضر له شريعة مستقلة، إذًا الخضر خرج عن شريعة موسى ولا ما خرج؟ خرج, يجوز ولا ما يجوز؟ يجوز؛ لأن شريعة موسى ليست عامة.

يقول المؤلف رحمه الله وانظر الآن بعد هذه التفرقة حتى تفهم العبارة: (كذلك من اعتقد أن أحداً من الأولياء يكون مع محمد عليه الصلاة والسلام كما كان الخضر مع موسى يعني: يخرج عن شريعته فإنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه), لماذا؟

لو قال شخص: أنا ما ألتزم بشريعة محمد كما أن الخضر ما التزم بشريعة موسى، نقول: أنت كافر مرتد, قال: لماذا لم يكفر الخضر والخضر خرج عن شريعة موسى ولم يكفر وهذا الشخص يريد أن يخرج عن شريعة محمد فكيف يكفر؟ هناك فرق بين حالك مع محمد وبين حال الخضر مع موسى.

فالأمر الأول: موسى ليست شريعته عامة إلى الثقلين بل هي خاصة لبني إسرائيل، ومحمد شريعته عامة، فليس لك أن تخرج عنه.

ثانياً: الخضر نبي يوحى إليه، وأنت لست نبياً، فمن زعم أنه يجوز له الخروج عن شريعة محمد كما أنه جاز للخضر الخروج عن شريعة موسى فهو مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً.

ولهذا بين المؤلف ذلك قال: (لأن الخضر لم يكن من أمة موسى عليه الصلاة والسلام ولا كان يجب عليه طاعته بل قال الخضر لموسى: إني على علم من الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه).

وكان موسى مبعوثاً إلى بني إسرائيل كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة).

(ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين إنسهم وجنهم، فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله).

(المتن)

وكذلك من كفر المسلمين أو استحل دماءهم وأموالهم ببدعة ابتدعها ليست في كتاب الله ولا سنة رسوله فإنه يجب نهيه عن ذلك وعقوبته بما يزجره ولو بالقتل أو القتال، فإذا عوقب المعتدون من جميع الطوائف، وأُكرم المتقون من جميع الطوائف كان ذلك من أعظم الأسباب التي ترضي الله ورسوله وتُصلح أمر المسلمين، ويجب على أولي الأمر وهم علماء كل طائفة وأمراؤها ومشايخها أن يقوموا عامتهم ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر، فيأمرونهم بما أمر الله به ورسوله، وينهونهم عما نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (كذلك من كفر المسلمين أو استحل دماءهم وأموالهم ببدعة) مثل ما يفعل الخوارج فهم يكفرون الناس بالمعاصي وبالكبائر ففي اعتقادهم أن من زنى كفر، ومن شرب الخمر كفر، ومن عق والديه كفر، فهذا يجب نهيه عن ذلك وعقوبته بما يزجره، فإن لم ينزجر إلا بالقتل قتل، وإن كانت طائفة يقاتلون حتى يتوبوا من هذه البدعة.

قال المؤلف: (إذا عوقب المعتدي وأكرم المتقون من جميع الطوائف كان هذا من أعظم الأسباب التي ترضي الله ورسوله، ويجب على أولي الأمر وهم علماء كل طائفة وأمراؤها ومشايخها أن يُقوموا عامتهم ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر، ويأمرونهم بما أمر الله به ورسوله، وينهونهم عما نهى الله ورسوله) فهذا واجب عليهم، فيجب أن توجد طائفة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فإن تركت الأمة هذا أثمت, قال الله تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى([آل عمران/104] يعني طائفة.

)وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)( [آل عمران/104] ما هي الأمور التي يأمر بها الإنسان؟ وما هي الأشياء التي ينهى عنها؟ وما هو المعروف؟ المعروف: كل ما أمر الله به ورسوله يؤمر به سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب، والمنكر: كل ما نهى الله عنه نهي تحريم أو تنزيه يُنهى عنه, والمؤلف سرد لنا أمثلة للمعروف وأمثلة للمنكر.

(المتن)

فالأول مثل شرائع الإسلام وهي الصلوات الخمس في مواقيتها، وإقامة الجمعة والجماعات من الواجبات والسنن الراتبات كالأعياد وصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح وصلاة الجنائز وغير ذلك, وكذلك الصدقات المشروعة، والصوم المشروع، وحج البيت الحرام.

ومثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.

ومثل الإحسان وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

(الشرح)

يعني كل هذه الأمور المعروفة من المعروف تأمر بها, (صلاة الجمعة والسنن الرواتب والأعياد والكسوف والاستسقاء والتراويح وصلاة الجنائز وحج البيت) كلها معروفة، وهذه كلها يأمر بها المسلم لأنها من الدين وقد أمر الله بها ورسوله.

(المتن)

ومثل سائر ما أمر الله به ورسوله من الأمور الباطنة والظاهرة، ومثل إخلاص الدين لله، والتوكل على الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، والرجاء لرحمة الله، والخشية من عذابه، والصبر لحكم الله، والتسليم لأمر الله.

ومثل صدق الحديث، والوفاء بالعهود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والتعاون على البر والتقوى، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين، وابن السبيل والصاحب والزوجة والمملوك والعدل في المقال والفعال، ثم الندب إلى مكارم الأخلاق مثل: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى:40 - 43].

(الشرح)

كل هذه أمثلة للأمر بالمعروف، وإذا عرف الإنسان القاعدة خلاص, القاعدة: كل ما أمر الله به ورسوله (...) سواء أمر وجوب أو أمر استحباب، وسواء كان من الأمور الباطنة أو الأمور الظاهرة.

فالأمور الباطنة: مثل إخلاص الدين، والتوكل على الله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، والرجاء لرحمة الله، والخشية من عذابه، والصبر لحكمه والتسليم لأمره.

والأمور الظاهرة: مثل صدق الحديث، والوفاء في العهود وأداء الأمانات إلى آخر الأمثلة وهي واضحة.

بعد ذلك يريد المؤلف أن يذكر لنا المنكر ما هو المنكر, إذًا القاعدة: كل ما نهى الله عنه ورسوله هذا منكر, ما نهى الله عنه أو نهى عنه رسوله منكر تنهى عنه وأمثلته ستأتي.

(المتن)

وأما المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله فأعظمه الشرك بالله وهو: أن يدعو مع الله إلهاً آخر إما الشمس وإما القمر، أو الكواكب، أو ملكاً من الملائكة، أو نبياً من الأنبياء، أو رجلاً من الصالحين، أو أحداً من الجن، أو تماثيل هؤلاء أو قبورهم أو غير ذلك مما يدعى من دون الله أو يستغاث به أو يسجد له، فكل هذا وأشباهه من الشرك الذي حرمه الله على لسان جميع رسله.

(الشرح)

هذا هو أعظم المنكرات, والمنكر القاعدة: (كل ما نهى الله عنه ورسوله، وأعظم المنكرات الشرك بالله) كما أن أعظم الأوامر توحيد الله, أعظم الواجبات توحيد الله وأعظم المنكرات الشرك بالله.

ثم يلي أعظم الأوامر بعد التوحيد الصلوات الخمس، وأعظم المنهيات الشرك ويليه قتل النفس، ولهذا بين المؤلف أن أعظم المنكرات الشرك الذي نهى الله عنه ورسوله، وله أمثلة: (أن يدعو الإنسان مع الله إلهاً آخر، كأن يدعو الشمس أو القمر أو الكواكب، أو يدعو ملكاً أو نبياً أو رجلاً صالحاً أو جنياً أو تماثيل أو قبور يدعوها من دون الله أو يسجد لها أو يستغيث بها كل هذا من الشرك) ثم يليه بعد ذلك قتل النفوس.

(المتن)

وقد حرم الله قتل النفس بغير حقها، وأكل أموال الناس بالباطل إما بالغصب وإما بالربا، أو الميسر كالبيوع والمعاملات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وتطفيف المكيال والميزان، والإثم والبغي بغير الحق.

(الشرح)

فكل هذه أمثلة للمنكر، وأعظمها بعد الشرك قتل النفس، ثم أكل المال بالباطل عن طريق الغصب أو الربا أو الميسر أو كذلك الغش أو الخداع وتنفيق السلعة بالحلف الكاذب أو جحد الدين والحق فكل هذا من المنكرات، كالبيوع والمعاملات التي نهى الله عنها ورسوله، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وتطفيف المكيال والميزان، والإثم والبغي بغير الحق فكل هذه أمثلة للمنكرات.

(المتن)

وكذلك مما حرمه الله تعالى أن يقول الرجل على الله ما لا يعلم، مثل أن يروي عن الله ورسوله أحاديث يجزم بها وهو لا يعلم صحتها، أو يصف الله بصفات لم ينزل بها كتاب من الله ولا أثارة من علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت من صفات النفي والتعطيل مثل قول الجهمية: إنه ليس فوق العرش ولا فوق السماوات، وإنه لا يرى في الآخرة، وإنه لا يتكلم ولا يحب، ونحو ذلك مما كذبوا به الله ورسوله، أو كانت من صفات الإثبات والتمثيل مثل من يزعم أنه يمشي في الأرض أو يجالس الخلق أو أنهم يرونه بأعينهم، أو أن السماوات تحويه وتحيط به، أو أنه سار في مخلوقاته إلى غير ذلك من أنواع الفرية على الله.

 

(الشرح)

وهذه كذلك من الأمثلة للمنكر، وأكثر هذه التي ذكرها المؤلف هنا تعتبر من الكفريات، مثل أن يقول على الله ما لا يعلم جعلها الله فوق الشرك: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)([الأعراف/33].

فالقول على الله بلا علم جعله الله فوق الشرك؛ لأنه يدخل فيه الشرك وغيره.

(ومن يروي أحاديث يجزم بها وهو لا يعلم صحتها) فهذا من الكذابين هذا أحد الكذابين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين أو الكذابين».

(كذلك من وصف الله بصفات لم ينزل بها كتابه) وسواء كانت من صفات النفي أو التعطيل مثل قول الجهمية: إنه ليس فوق العرش ولا فوق السماوات إله! فهذا كفر وردة، فقد كفر العلماء من أنكر علو الله على خلقه، وكذلك من قال: إن الله لا يُرى في الآخرة، كفره الأئمة.

ومن صفات الإثبات والتمثيل مثل من يزعم أن الله يمشي في الأرض، أو أن الله يجالس الخلق، أو أنهم يرونه بأعينهم أو أن السماوات تحويه وتحيط به، أو أنه سارٍ في المخلوقات مثلما يقوله الاتحادية، يقولون: إن الله سارٍ في المخلوقات مثل ما يسري الدهن ويسري الماء في العود، ومثل ما تسري النار في الفحم! هكذا يقولون فهذا كفر وردة، وكلها هذه أعمال كفرية نعوذ بالله وهي من أعظم الفرية على الله.

(المتن)

وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى:21]، فإن الله شرع لعباده المؤمنين عبادات فأحدث الشيطان عبادات ضاهاها بها مثل أنه شرع لهم عبادة الله وحده لا شريك له، فشرع لهم شركاء وهي عبادة ما سواه والإشراك به، وشرع لهم الصلوات الخمس وقراءة القرآن فيها والاجتماع له، والاجتماع لسماع القرآن خارج الصلاة أيضاً فأول سورة أنزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)[العلق:1]، أمر في أولها بالقراءة وفي آخرها بالسجود بقوله: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق:19].

(الشرح)

وهذه أيضاً أمثلة للعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله، البدعة والمنكر قد يكون أمرًا مبتدعًا مثل العبادات التي لم يشرعها الله ولا رسوله كما قال تعالى: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى:21]) فلو شرع الإنسان يتعبد لله بزيادة ركعة في الصلوات ففي الرباعية صلى خمساً، أو في الثلاثية في المغرب صلى أربعاً، أو وجد صلاة سادسة في الضحى، كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان وقد تكون كفراً وضلالاً.

قال: (ثم أن الله شرع لعباده المؤمنين عبادات، فأحدث لهم الشيطان عبادات ضاهاها بها) يعني: ماثلها، فالله تعالى شرع لعباده عبادات، والشيطان أحدث لأوليائه عبادات يماثلون ويضاهون بها ما شرع الله، ومثال ذلك: (أنه شرع لهم عبادة الله وحده لا شريك له، وشرع الله لهم أن يعبدوه ويخلصوا له العبادة، فشرع الشيطان لهم شركاء وهي عبادة ما سواه والإشراك به).

(وشرع الله للمسلمين الصلوات الخمس وقراءة القرآن فيها والاستماع للقرآن خارج الصلاة أيضًا) فأول سورة أنزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)[العلق:1]، أمر الله في أولها بالقراءة وفي آخرها: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق:19]) فالشيطان يشرع لهم عبادات تضاهي هذه العبادات حتى تُخرجهم من السنة إلى البدعة, كل هذه أمثلة للمنكرات.

ونقف على هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد