شعار الموقع

شرح كتاب الحج من عمدة الأحكام_6 بابُ فَسْخِ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ

00:00
00:00
تحميل
43

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم..

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ولوالديه يارب العالمين..

بابُ فَسْخِ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ

246 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيُّ مِنْ الْيَمَنِ. فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَأَمَرِ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ: أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى «مِنىً» وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ. وَحَاضَتْ عَائِشَةُ. فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ: أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ .

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

 أما بعد..

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب فسخ الحج إلى العمرة ذكر حديث جابر عن النبي ﷺ أهل النبي ﷺ وأصحابه بالحج وليس مع أحدٌ منهم هديٌ غير النبي ﷺ وطلحة، فيه أن النبي ﷺ أهل بالحج، وجاء في الحديث أيضاً أنه أهل أيضا بالحج والعمرة، وأنه كان قارناً وأكثر الصحابة ليس معهم هدي والنبي ﷺ معه الهدي وطلحة،  وقدم علي من اليمن فقال: أهللت بما أهل به النبي ﷺ فلما وصلوا إلى مكة أمر النبي ﷺ أصحابه أن يجعلوها عمرة، يعني: يفسخوا إحرامهم بالحج إلى العمرة، فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على احرامه حتى يذبح هديه ، وهو النبي ﷺ وطلحة وعلي ومن كان معهم ، فلما أم النبي ﷺ أصحابه أن يجعلوها عمرة ويفسخوا احرامهم بالحج إلى العمرة استنكروا ذلك لأنهم كانوا في الجاهلية لا يرون فسخ الحج إلى العمرة، ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ولا يرون أن العمرة يؤتى بها في أشهر الحج، شوال وذي القعدة وذي الحجة ومحرم كل هذه خاص بالحج، ويقولون قولتهم المشهورة: (إذا عفا الدبر وانسلخ شهر صفر حلت العمرة لمن اعتمر)، فلذلك استنكروا ذلك فقالوا يا رسول الله ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، المعنى نتحلل من العمرة ثم نجامع النساء ثم نحرم بعد ذلك بالحج ونحن قريبوا.. حديثوا عهد بالنساء؟!، لأنهم قدموا في الرابع من ذي الحجة.

ولذلك قالوا في بعض الرويات: قالو ما بيننا وبين عرفة إلا ثلاث ليال كيف نتحلل فقال النبي ﷺ افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَأَحلَلَتُ مَعَكُم، وقالوا: أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، يعني لقرب عهدهم بجماع النساء وتحللهم قريب ثم احرموا للحج، يعني: فيكون التحلل قريب من الإحرام، وهم استنكروا هذا لأنهم في الجاهلية لا يرون العمرة في أشهر الحج فلما بلغ النبي ﷺ ذلك استنكرهم، تمنى عليه الصلاة والسلام أنه لم يسق الهدي حتى يتحلل بالفعل ويقتدوا به، فقال لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ يعني: حتى أتحلل بمعنى أن النبي ﷺ تمنى قال لو.. معنى كلامه لو علمت أن أصحابي سوف يتلكؤون ويحصل عندهم حرج في تفوسهم ما سقت الهدي ولأحللت معهم حتى يتأسوا بي.

وفيه جواز لو في استعمال الخير، وإنما استعمال لو منهي عنه في الاعتراض على القدر، قول النبي فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ هذا فيه اعتراض على القدر، لكن في تمني الخير لا بأس به.

وعائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرت ولكنها حاضت ولم.. قبل أن تطوف بالبيت، وجاءها النبي ﷺ وهي تبكي، قال لها مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ قالت نعم، قال ذَلِكَ أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، دَعِي العُمرَةَ وَانسُكِي مَنَاسِكَ الحَجِّ يعني ارفضي أعمالها أدخلي الحج على العمرة، وأتت بأعمال الحج وصارت قارنة فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت وطافت بالبيت قالت: يا رسول الله تنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج، وفي لفظ أنها تريد.. قالت تنطلق صواحبي بحج وعمرة وأنطلق بحج؟، هي حصل لها عمرة وحج ولكنها عمرة داخلة بالحج، ولكنها تريد عمرة مستقلة مفردة كما فعل صواحباتها، وكان النبي ﷺ هيناً ليناً فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج عمرة ثانية عمرة مستقلة.

فهذا الحديث فيه دلالة على جواز فسخ الحج إلى العمرة واستدل بذلك الجمهور على جواز فسخ الحج بالعمرة.

وذهب الشيخ الإسلام -رحمه الله- إلى أن الوجوب خاص بالصحابة، وغير الصحابة يستحب في حقهم الفسخ، وذهب الإمام أحمد في رواية.. ذهب ابن عباس والإمام أحمد في رواية وابن حزم وابن القيم والشيخ ناصر الدين الألباني إلى وجوب فسخ الحج إلى العمرة وأنه إلى وجوب العمرة لمن لم يسق الهدي، وأن الحديث فيه وجوب فسخ الحج إلى العمرة عام.

والجمهور على أنه جائز وليس بواجب وأن الوجوب خاص بالصحابة ويدل ذلك على أن الخلفاء الثلاثة أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانوا بعد وفاة النبي ﷺ يأمرون الناس بالإفراد، ولذلك اختلف علي وعثمان ورأى علي أن عثمان لا يوافقه فأهل بهما.

واشتد ابن عباس لمن خالفه لأنه يأمر بوجوب فسخ الحج إلى العمرة فقال: لمن قال له، قال: يا ابن عباس أنت تأمر النا بالفسخ وأبو بكر وعمر يأمرون الناس بالإفراد فاشتد عليه قال توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر، يعني تعارضونني أنا آت بالسنة وتعارضونني بقول أبو بكر وعمر.

هذا فيه وجوب العمل بالكتاب والسنة، إذا كان الذي يعارض الكتاب والسنة أبو بكر وعمر وهما من هما يخشى عليه من العقوبة، فكيف بمن عارض السنة بقول من هو بعيد عنهما.

وفيه دليل على ان من أراد العمرة من أهل مكة فإنه لا بد أن يخرج إلى التنعيم.. أن يخرج إلى الحل التنعيم أو غيره كما أمر النبي ﷺ عائشة بذلك، وأما الحج فإن أهل مكة يحرمون ببيوتهم ،كما دل على ذلك الحديث الذي فيه توقيت المواقيت وأن النبي ﷺ وقت المواقيت قال هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ.

وفيه من الأحداث و الأحوال أن من ساق الهدي.. أحرم ومعه الهدي فهو قارن.

وفيه أن علي أحرم بإحرام النبي ﷺ فبقي على إحرامه، قال أحرمت بما أحرم به النبي ﷺ.

وفيه جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير.

وفيه أن النبي ﷺ أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يفسخوا إحرام حجهم إلى العمرة ثم يحلوا ففعلوا كلهم، وهذا على سبيل الوجوب بالنسبة للصحابة، وأما غيرهم فالصواب أنه على الاستحباب للأحاديث الكثيرة.

وفيه أن الحائض تفعل المناسك كلها ما عدا الطواف بالبيت.

وفيه أن السعي لا يكون إلا بعد الطواف.

وفيه أن الإحرام بالعمرة لا بد أن يكون من خارج الحرم..

نعم.. الذي بعده..

(المتن)

247 - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً.

(الشرح)

نعم هذا الحديث.. حديث جابر فيه أن الصحابة لبوا بالحج ومنهم من لبى بالعمرة، فلما وصلوا إلى مكة أمرهم النبي ﷺ أن يفسخوا الحج إلى عمرة إلا من ساق الهدي فغنه بقي على إحرامه، فمن كان قارناً بقي على إحرامه، ومن كان أحرم بالحج أو بالحج والعمرة فإنه يفسخ إحرامه بالحج والعمرة ويجعلها عمرة.

وهذا الحديث من أدلة من يرى فسخ الحج إلى العمرة على الوجوب بالنسبة للصحابة وعلى الاستحباب لمن بعدهم.. نعم..

(المتن)

248 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث حديث ابن عباس فيه أن النبي ﷺ الصحابة قدموا صبيحة رابع ذي الحجة فنزلوا في الأبطح فلما جاء اليوم الثامن انتقلوا إلى منى وهم محرمون مهلون بالحج، ومنهم من أهل بالحج والعمرة، فأمر النبي ﷺ من أهل بالحج والعمرة أن يجعلوها عمرة يفسخوا إحرامهم بالحج إلى عمرة إلا من ساق الهدي فإنه بقي على إحرامه فكبر ذلك عليهم ورأوا أنه أمر عظيم أن يتحللوا فلذلك قالوا:  يا رسول الله أي الحل قال الْحِلُّ كُلُّهُ. التحلل كامل يباح فيه للمتحلل لبس المخيط والطيب وقص الشعر وجماع الزوجة ثم بعد ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة يحرمون بالحج، ولهذا سألوا رسول الله ﷺ: أي الحل؟ قال: الْحِلُّ كُلُّهُ. فيباح لهم ما حرم عليهم قبل الإحرام فامتثلوا ، وهذا من أدلة القائلة بالفسخ.. فسخ الحج إلى العمرة..نعم..

الحديث الذي بعده..

(المتن)

249 - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - وَأَنَا جَالِسٌ - كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ.
العَنَقُ: انبساطُ السَّيرِ، و «النَّصُّ» فوق ذلكَ. أهـ

(الشرح)

نعم هذا الحديث حديث عروة بن الزبير قال: سئل أسامة بن زيد ، قال عروة: وأنا جالس كيف كان رسول الله ﷺ يسير حين دفع، يعني حين دفع من عرفة لأن النبي ﷺ لما دفع من عرفة أردف أسامة بن زيد إلى مزدلفة، ثم أردف من مزدلفة إلى منى الفضل بن عباس، سأله كيف كان يسير النبي ﷺ، قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص، والعنق والنص نوعان من السير.. نوعان من السير.. ضربان من السير.. والنص أسرع، وذلك أن النبي ﷺ يمشي بين الناس وهم مزدحمون على الإبل فكان يسير العنق يعني سيراً منبسطاً ليس سريعاً، وكان يشير بيده في رواية اخرى للحديث السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ،  السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ فالبر ليس بالإسراع فإذا وجد فجوة متسع أرخى للناقة الزمام حتى تسرع، وهذا معنى قول أسامة كان يسير العنق يعني سيراً منبسطاً فإذا وجد فجوة نص يعني أسرع بالسير.

وهكذا ينبغي الآن للناس في السيارات أن يرفقوا بالمارة وأن يسيروا سيراً ليس سريعاً حتى لا يشقوا على المارة، فإذا كان هناك متسع ولم يكن هناك زحام ولا أذية للمارة فإنهم يسرعون شيئاً اقتداءً بالنبي ﷺ وتأسياً به عليه الصلاة والسلام، وكان النبي ﷺ يشد الزمام إذا كان هناك.. إذا لم يكن هناك متسع يشد الزمام حتى لا تسرع الناقة.

وفيه جواز الدفع على الدابة إن كانت تطيع.

وفيه أن كثيراً من الناس قد يغلب عليه العجلة والخفة والسرعة، فلا بد من تعليم الناس السنة حتى يقتدوا بالنبي ﷺ، وحتى لا يضر الحجاج بعضهم بعضاً.. نعم..

(حديث عبد الله بن عمر..)

(المتن)

250 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: فَقَالَ: رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ. اذْبَحْ وَلا حَرَجَ. وَجَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلا حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلا حَرَجَ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فيه بيان أعمال الحج.. أعمال الحاج ووظائف اليوم العاشر وهو يوم العيد وهو يوم الحج الأكبر وأنها أربعة:

أولاً: رمي الجمار، ثانياً: نحر الهدي، ثالثاً: حلق الرأس أو تقصيره، رابعاً: الطواف بالبيت ثم السعي.

فهذه هي وظائف يوم الحج يستحب ترتيبها كما فعلها النبي.. كما رتبها النبي ﷺ.. النبي ﷺ رتبها ولكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج كما دل عليه هذا الحديث لا سيما إذا كان الإنسان ناسياً أو جاهلاً، والنبي ﷺ وقف للناس عليه الصلاة والسلام يسألونه، فجعلوا يسألونه فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح.. قدم الحلق على الذبح والأفضل أن يقدم الذبح على الحلق، فقال اذْبَحْ وَلا حَرَجَ. وقال الآخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي.. الرمي هو الأول هنا قدمه، فقال ارْمِ وَلا حَرَجَ. فما سئل يومئذ عن شيء قُدم ولا أُخر إلا قال افْعَلْ وَلا حَرَجَ.

 فدل ذلك على التوسعة وأنه لا حرج في التقديم والتأخير في هذه الأربعة، الأفضل أن يرتبها كما سبق أولا الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف والسعي، لكن لو قدم بعضها على بعض لا سيما نسياً أو جاهلاً إن كان ناسياً أو جاهلاً.. ناسياً لقوله لم أشعر.. لم أشعر.. يدل على أنه فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا حرج، والصواب أنه حتى لو كان عالماً لا حرج.. لا حرج عليه.

وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى وجوب الترتيب وأنه إذا لم يرتب وجب عليه هدي، والصواب أنه لا حرج ولكن الأفضل الترتيب.

فيه هذا الحديث أنه ينبغي للعالم أن يجيب على مشاكل الناس ويفتيهم، لا سيما في أيام المناسك ويرشدهم.

وفيه من الفوائد جواز تقديم هذه الأمور بعضها على بعض، وأنه لا حرج للناسي والجاهل والعامد على الصحيح.. نعم..

( الحديث الذي بعده..)

(المتن)

251 - عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَآهُ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ﷺ .

(الشرح)

هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود والراوي عبد الرحمن بن يزيد النخعي من أصحابه أنه حج مع ابن مسعود فرآه يرمي الجمر الكبرى بسبع حصيات يعني: يوم العيد، فجعل البيت عن يساره، ومنىً عن يمينه، و قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ﷺ..

هذا فيه دليل على أن الأفضل أن يكون موقف الإنسان حين يرمي جمرة العقبة هكذا، أن يجعل البيت عن يساره وأن يجعل منى عن يمينه، ورمي جمرة العقبة يوم العيد ترمى وحدها، يكون هذا يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ويرميها بسبع حصيات واحدة بعد أخرى، ولا يجزء رميها دفعة واحدة، فإن فعل فإنها تحسب حجراً واحداً، والأفضل أن يرميها يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ولو رماها من أي مكان ووقعت في الحوض أجزأه ذلك، لكن الأفضل أن يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه.

وفيه أيضاً أن هذا هو موقف النبي ﷺ لقول ابن مسعود: هذا مقام الذي أنزلت عليه سور البقرة ﷺ.

وفيه جواز إضافة السورة إلى البقرة، قوله هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة.

 وفيه رد على الحجاج بن يوسف القائل بأنه لا تقولوا سورة البقرة قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة، فعبد الله ابن مسعود قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، فلا حرج أن يقال سورة البقرة، وأما تورع الحجاج فلا وجه له، الحجاج تورع من قول سورة البقرة لكن لم يتورع من إراقة الدماء فكان فاسقاً ظالماً وقد قدم على ما قدم نسأل الله تعالى أن يحكم بينه وبين خصمه بحكمه العدل .

ولا يشرع على الإنسان أن يرميها بالحجارة الكبيرة بل يرميها حصى الخذف؛ كما جاء في الحديث الصحيح بقدر حبة الفول.. بقدر بعرة الغنم .. أما الرمي بالأحجار الكبيرة وبالنعال كل هذا منافً للأدب، وفيه غلو وجفاء ومخالفة للشرع..

وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه...

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد