شعار الموقع

شرح كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان_4 من بيان تفاضل الناس في الإيمان والتقوى إلى الرد على المعتزلة والمرجئة في حكم أهل الكبائر

00:00
00:00
تحميل
82

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين..

(المتن)

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ كُلَّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ.

 فَقَدْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ إلَى الْكُفْرِ أَقْرَبَ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مخلطون وَكُفْرُهُمْ أَقْوَى وَغَيْرُهُمْ يَكُونُ مُخَلِّطًا وَإِيمَانُهُ أَقْوَى.

وَإِذَا كَانَ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " هُمْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ فَبِحَسَبِ إيمَانِ الْعَبْدِ وَتَقْوَاهُ تَكُونُ وِلَايَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ إيمَانًا وَتَقْوَى كَانَ أَكْمَلَ وِلَايَةً لِلَّهِ. فَالنَّاسُ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَكَذَلِكَ يَتَفَاضَلُونَ فِي عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ. وَقَالَ تَعَالَى: إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا.

فَبَيَّنَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا وَقَالَ تَعَالَى لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد..

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وذكر البخاري عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه.. تمام هذا مثله في البخاري ما منهم من أحد من يقول إن إيمانه مثل إيمان جبريل وميكائيل..

ابن أبو مليكة من التابعين يقول أدرك ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه، وهذا فيه دليل على أن الإيمان يتفاوت، والكفر يتفاوت، هل هذا النفاق الذي يخافه أصحاب النبي ﷺ هل هو نفاق أكبر أم هو نفاق أصغر، يعني ابن أبي مليكة كما ذكر البخاري قال أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه.

هل يخافون النفاق الأكبر أم يخافون النفاق الأصغر. معروف النفاق نوعان: النفاق الأكبر مخرج من الملة وهو نفاق الكفر والتكذيب، والثاني نفاق المعصية.. فهل الصحابة يخافون النفاق الأكبر أو يخافون النفاق الأصغر؟!..

الأقرب و الأظهر للصحة المراد النفاق الأصغر، لأنهم لا يخافون التكذيب ويعلمون من أنفسهم  أنهم ليسوا مكذبين بل إنهم مصدقون، لكنهم يخافون النفاق الأصغر، يخافون النفاق الأصغر لأنه يضعف الإيمان، ولهذا في تكملة الأثر: ما منهم من أحد يقول إنه على إيمان جبريل و ميكائيل.

 والمرجئة يقولون : الإيمان واحد في الناس، المرجئة يقولون.. العاصي السكير العربيد يقول إيماني كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قيل له أبو بكر وعمر لهم أعمال عظيمة، قال ليس لنا علاقة في الإيمان، وليس لنا علاقة بالأعمال، الأعمال صحيح تفاضل في الأعمال لكن الإيمان واحد، إيمان أفجر الناس وأفسق الناس سواء عندهم..عند المرجئة.. وهذا باطل.

 وهذا فيه الرد على المرجئة، هذا الأثر فيه الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان واحد لا يتفاضل في القلوب..

فهؤلاء الصحابة يخافون النفاق الذي يضعف الإيمان، ولكنهم لا يخافون التكذيب.. كفر التكذيب يعلمون من أنفسهم أنهم ليسوا مكذبين.. أنهم آمنوا بالله ورسوله، المنافقون مكذبون.. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يعني قلوبهم مكذبة.. إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ هذا لا يخافه الصحابة من أنفسهم يعلمون من أنفسهم أنهم مصدقون ليسوا مكذبين، لكن يخافون النفاق الأصغر الذي يضعف الأعمال.

 وهذا فيه الرد على المرجئة الذين يقولون إن الإيمان شيء واحد، المرجئة يقولون إيمان أفجر الناس وأتقى الناس واحد.. إيمان جبريل وميكائيل وأبو بكر وعمر مثل إيمان السكير العربيد الذي يفعل الفواحش والمنكرات..هكذا يقولون لأن الإيمان هو التصديق عندهم والتصديق واحد!، فيأتي السكير العربيد يقول انا إيماني كإيمان أبو بكر وعمر،  لهم أعمال عظيمة قال لا علاقة لنا بالأعمال، الأعمال شيء ولكن التصديق واحد.. أنا مصدق وأبو بكر مصدق.

فهذا من أبطل الباطل. الإيمان يتفاوت وبتفاضل والتصديق يتفاوت كما أن النور يتفاوت.. النور هل هو شيء واحد؟!.. كلٌ يسمى نور، من الناس مَن إيمانه مثل نور الشمس والقمر ومنهم من هو إيمانه مثل السراج الضعيف الذي لايكاد يبصر ما تحته، ومنهم من أقوى من ذلك يرى من مسافة.. فكذلك الإيمان في القلوب يتفاوت..

 وقد قال تعالى وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ.

المؤلف رحمه الله علق على هذه الآية قال: قد جعل إلى الكفر هؤلاء أقرب منهم إلى الإيمان، فعُلِم أنهم مخلطون، معنى مخلطون يعني يعملون سيئات وحسنات، كما قال الله تعالى وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. فعُلِم أنهم مخلطون وكفرهم أقوى وغيرهم يكون مخلطاً وإيمانه أقوى، إذاً مخلطون عندهم حسنات وسيئات، لكن الحسنات أقوى..بعضهم الحسنات أقوى والإيمان أقوى، وهناك شخص آخر مخلط حسنات وسيئات لكن الكفر أقوى..شعب الكفر أقوى.

قال المؤلف رحمه الله: وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون والمتقون فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى.. نعم يعني يكون الإنسان ولياً لله بحسب مافيه من الإيمان والتقوى، فمن كان إيمانه أقوى وتقواه أتقى كانت ولايته أقوى، ومن كان إيمانه أقل .. إيمانه ضعيف وتقواه ضعيف فولايته ضعيفة أيضاً، فالولاية تابعة للإيمان والتقوى، ولاية الله العبد تابعة للإيمان والتقوى، فمن كان أتقى لله وأقوى إيماناً كانت ولايته أقوى، ومن كان دون ذلك فولايته دون ذلك، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: فمن كان أكمل إيماناً وتقوى كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.

وهذا فيه الرد على المرجئة الذين يقولون إن الناس لايتفاضلون، المرجئة يقولون الناس لايتفاضلون.. لا يوجد تفاضل ولا يوجد قسم ثالث.. الناس قسمان مؤمن كامل الإيمان وكامل الولاية سواء كان مطيع أو عاص، وكافر كامل الكفر والعداوة، وليس هناك قسم ثالث عندهم.

والصواب كما سبق الناس يتفاضلون في ولاية الله ويتفاضلون في عداوة الله، ولهذا صاروا ثلاثة أقسام.. قسم مؤمن تقي لم يخلط إيمانه بكبائر ومعاصي.. هذا كامل.. مؤمن أدى الواجبات وترك المحرمات هذا كامل الولاية، وكافر هذا كامل العداوة، ومؤمن عاص ولي لله بحسب مافيه من الإيمان وشعبه الإيمان والطاعات وعدو لله بحسب مافيه من المعاصي وشعب الكفر والنفاق.

ومن الأدلة على هذا أن الناس يتفاضلون هذه الآيات التي ساقها المؤلف..قال المؤلف: وقال الله تعالى وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ.

إذاً الناس يتفاضلون في الإيمان، فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا هذا فيه دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المرض هنا مرض النفاق والشك.. مرض النفاق والشك فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ. الكفر يزيد وينقص والإيمان يزيد وينقص وهذا فيه الرد على المرجئة.

وقال تعالى إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ  الشاهد زيادة في الكفر.. إذا الكفر يزيد..يزيد وينقص ويضعف ويقوى.

قال تعالى في آية أخرى لم يذكرها المؤلف الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ، إذاً الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كفرهم.. كفرهم الآن أشد من غيرهم.. كفروا صدوا أنفسهم عن الإيمان وصدوا غيرهم عن الإيمان، فصار عذابهم مضاعف..الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ، إذاً الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.

وقال تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ. هذا فيه إثبات للزيادة..زيادة الإيمان والهدى.

وقال تعالى في المنافقين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هذا مرض النفاق والشك فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا. إذاً المرض يزيد..الكفر يزيد والمرض يزيد.

قال فبيّن الله أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه، وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه..هذا في الآية السابقة قال هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ. أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب مافيه من الإيمان وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب مافيه من شعب الكفر والنفاق.

 قال تعالى وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا  وجه الدلالة أن.. أن الآية دلت على أن الإيمان يزداد، وإذا ازداد الإيمان زادت الولاية لله.

وقال تعالى لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ. وكل هذه النصوص فيها رد على المرجئة الذين يقولون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والكفر لا يزيد ولا ينقص، بل هو شيء واحد فالناس متساوون في الإيمان والكفار متساوون في الكفر، وهذا باطل..

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:
 

فَصْلٌ:

وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى " طَبَقَتَيْنِ " سَابِقُونَ مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ مُقْتَصِدُونَ. ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَآخِرِهَا وَفِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ؛ وَالْمُطَفِّفِينَ وَفِي سُورَةِ فَاطِرٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَةِ الْقِيَامَةَ الْكُبْرَى فِي أَوَّلِهَا وَذَكَرَ الْقِيَامَةَ الصُّغْرَى فِي آخِرِهَا فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا إذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۝ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ۝ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ۝ إذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ۝ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ۝ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ۝ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ۝ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۝ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ۝ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ فَهَذَا تَقْسِيمُ النَّاسِ إذَا قَامَتْ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى الَّتِي يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهَا الْأَوَّلِينَ والآخرين كَمَا وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ: فَلَوْلَا أَيْ: فَهَلَّا إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ۝ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ فَلَوْلَا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ۝ تَرْجِعُونَهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ۝ وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ۝ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ۝ إنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ۝ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ.

(الشرح)

نعم هذا الفصل عقد المؤلف رحمه الله انقسام أولياء الله على طبقتين.. أو على قسمين.. القسم  الأول السابقون المقربون، القسم الثاني أصحاب اليمين المقتصدون..

السابقون المقربون وصفهم وأنهم مؤمنون موحدون يتقربون إلى الله بالفرائض والواجبات فيؤدونها ثم يزيدون على ذلك فيتقربون إلى لله تعالى بالنوافل والمستحبات ويسابقون للخيرات، ويتقربون لله بترك المحرمات والمنهيات، ترك المحرمات والكبائر، ثم يتقربون إلى لله بترك المكروهات كراهة تنزيه، وأيضاً ترك التوسع بالمباحات، هؤلاء يسمون السابقون المقربون، وهؤلاء يدخلون الجنة ومنزلتهم عالية.

الطبقة الثانية أصحاب اليمين المقتصدون.. أصحاب اليمين المقتصدون هؤلاء مؤمنون موحدون أدوا الواجبات والفرائض فقط ووقفوا عند هذا الحد.. ما كان عندهم نشاط في أداء المستحبات والنوافل، وتركوا المحرمات والكبائر ووقفوا عند هذا الحد، ولم يكن لهم نشاط في ترك المكروهات كراهة تنزيه،قد يفعلون المكروهات كراهة تنزيه ويتوسعون في المباحات أيضاً.

وكل من الصنفين يدخل الجنة من أول وهلة فضلاً من الله تعالى وإحساناً لأنهم أدوا ما عليهم، كل من النصفين أدى الواجبات وترك المحرمات، لكن السابقون المقربون زادوا على المقتصدين بفعل ماذا؟ بفعل النوافل والمستحبات.. أكثروا من النوافل والمستحبات بعد أداء الفرائض، ومن جهة الترك زادوا على ترك المحرمات فتركوا المكروهات كراهة تنزيه وتركوا التوسع في المباحات، فصارت منزلتهم أعلى ودرجاتهم أعلى من درجات أصحاب اليمين المقتصدين.

 وإن كان كل منهما يدخل الجنة من أول وهلة، والجنة درجات.. نسألها الله تعالى، فكل درجة عليا أعظم نعيم من الدرجة التي تحتها، والنار -والعياذ بالله- دركات، كل دركة سفلى أشد عذاباً من الدركة التي فوقها، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، أشد الدركات عذاباً.. في الحديث إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَعدَّهَا اللَّهُ للمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ.

إذاً هؤلاء الصنفان من أولياء الله.

 هناك صنف ثالث من أهل الجنة ذكرهم الله تعالى في سورة فاطر وهم مؤمنون موحدون قصروا في بعض الواجبات، فعلوا الواجبات لكن قصروا في بعض الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات، من ناحية الواجبات يقصرون في بعض الواجبات، ومن ناحية المحرمات قد يفعلون بعض المحرمات، لكنهم ماتوا على التوحيد والإيمان، وما وقعوا في عمل الشرك، فهؤلاء على خطر منهم من يُعفى عنه.. يعفو الله عنه فيدخل الجنة من أول وهلة، إذاً تحت المشيئة فهم من أهل المعاصي داخلون في قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، ومنهم من لا يُعفى عنه، من عفى الله عنه فقد طهر.. طهر من الذنوب والمعاصي فدخل الجنة، ومنهم من لا يعفو الله عنه، منهم من يعذب في قبره فيُطهر ، كما في قصة الرجلين الذين مر بهما النبي ﷺ في حديث ابن عباس فقال إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين  وغرز في كل قبر واحدة و قال : لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا، ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد يوم القيامة، ومنهم من يستحق دخول النار ثم يُشفع فيه ويشفع الله به الشفعاء فلا يدخل النار، ومنهم من يدخل النار.

بل تواترت الأخبار بأنه يدخل النار جملة من المصلين المؤمنين الموحدين ولا تأكل النار مواضع السجود.. هؤلاء دخلوها بمعاصي من غير توبة.. هذا دخل النار لأنه مات على الزنا من غير توبة.. هذا مات على السرقة من غير توبة.. هذا مات على عقوق الوالدين.. هذا مات على قطيعة الرحم.. هذا مات على التعامل بالربا.. هذا مات على أكل الرشوة.. وهكذا.. بالمعاصي دخلوها من غير توبة، فهؤلاء يُطهرون في النار، يطهرهم الله في النار حتى يزول عنهم الخبث.. لأن المعاصي خبث مثل النجاسة التي تصيب الثوب فلا بد من غسله.. تغسله.. إذا أصاب ثوبك نجاسة تغسلها  فيطهر.. وكذلك هؤلاء أصابهم الخبث من المعاصي فيطهرون، منهم من يعفو الله عنه فيطهر ومنهم من لا يعفو عنه فيدخل النار، ومنهم من يطهر بعذاب القبر ، ومنهم من يطول مكثه أيضاً في النار بسبب كثرة الجرائم أوفحشها وغلطها مثل القاتل أخبر الله أنه يخلد والخلد هو المكث الطويل والعرب تقول أقام.. تقول أخلد إذا أقام مدة طويلة.

والخلود خلودان: خلود مؤبد لا نهاية له هذا خلود الكفرة، وخلود مؤمد له نهاية وهو خلود بعض العصاة الذين كثرت معاصيهم وجرائمهم أو غلظت وفحشت كالقاتل.. فهؤلاء يشفع فيهم الشفعاء، ونبينا ﷺ يشفع أربع شفاعات.. أربع شفاعات.. أربع مرات.. كل مرة يحد الله له حداً فيدخلهم الجنة بالعلامة، جاء في الأحاديث أن النبي ﷺ يقال له في بعض المرات أَخرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وفي المرة الرابعة الأخيرة يقال له أَخرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ثلاث مرات، وهذا يدل على أن الإيمان يضعف في القلب حتى يكون ما يبقى فيه إلا أدنى أدنى من ذرة، فيخرج به من النار.

وهذ يدل أيضاً على أن الإيمان لا ينتهي بالمعاصي ولو كثرت ولو غلظت.. المعاصي لا تقضي على الإيمان ولو كثرت ولو غلظت، بل لا بد أن يبقى بقية يخرج بها من النار.. متى ينتهي الإيمان؟.. إذا جاء الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر أو الفسق الأكبر أو الظلم الأكبر أو الجهل الأكبر الذي يخرج من الملة ينتهي الإيمان.

وهذه الأدلة.. والشفاعة.. شفاعة الشفعاء تواترت بها الأخبار وفيها رد على المرجئة أيضاً.. من أقوى الأدلة في الرد على المرجئة.. يقال للنبي ﷺ أَخرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. إذا الإيمان قليل.. والمؤمن المطيع إيمانه أقوى إذا يتفاضل الناس بالإيمان.

وهذا فيه الرد على المرجئة الذين يقولون أن الإيمان شيء واحد، المرجئة يقولون إيمان أهل الأرض وأهل السماء سواء.. إيمان أفجر الناس وأتقى الناس واحد،وهذا من جهلهم وضلالهم ومخالفتهم للنصوص..

هؤلاء الأصناف الثلاثة من أهل الجنة.. السابقون المقربون.. أصحاب اليمين المقتصدون.. والقسم الثالث الظالمون لأنفسهم، كلهم أورثهم الله الكتاب وكلهم اصطفاه الله، حتى العاصي؟..حتى العاصي..العاصي اصطفاه الله فسلم من الشرك ومات على التوحيد.. هذا نوع من الاصطفاء، وأورثه الله القرآن، والله نص في القرآن على أنهم مصطفون وورثوا الكتاب، قال الله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا كلهم أورثهم الله الكتاب واصطفاهم.. فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ هذا واحد.. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا كل الأصناف الثلاثة، لكن الظالمون لأنفسهم قد يدخلونها من أول وهلة وقد يتأخر دخولهم.

فالمؤلف رحمه الله قال هنا أولياء الله على طبقتين.. يعني أولياء الله الذين يدخلون الجنة من أول وهلة وبغير قيد، وهناك قسم ثالث عنده نوع ولاية، أولياء الله ليسوا.. القسم الثالث ظلموا أنفسهم.. أولياء لله من جهة وأعداء لله من جهة، فهم أولياء لله بحسب مافيهم من الإيمان والتوحيد وشعب الإيمان، وهم أعداء لله بحسب ما فيهم من المعاصي وشعب الكفر والنفاق، أما أولياء الله بإطلاق فهم طبقتان.. هم على طبقتين.. السابقون المقربون.. وهنالك طبقة ثالثة أولياء لله من وجه دون وجه وهم الظالمون لأنفسهم ومصيرهم ومآلهم إلى الجنة.

المؤلف يقول رحمه الله يقول هؤلاء الصنفان ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه، في أول سورة الواقعة وفي آخرها.. قال الله تعالى في أول سورة الواقعة إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وهي القيامة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ۝ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ۝ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا هذا يوم القيامة  وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ۝ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا المخاطب من؟ الناس.. المخاطب بنو آدم والجن وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً أزواج يعني أصناف.. (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ماهم؟ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هذا الصنف الأول.. وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، والصنف الثاني وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ هؤلاء هم الكفار، والسابقون المقربون هذا الصنف الثالث.

 إذا كم صنف الآن؟ ثلاثة، وفي سورة فاطر جعلهم أربعة أصناف، هنا جعل أهل الجنة صنفان وفي سورة فاطر جعلهم ثلاثة أصناف والصنف الثالث الذين ظلموا أنفسهم، وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، هؤلاء المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركو المحرمات ولم يكن عندهم نشاط في فعل النوافل والمستحبات، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هؤلاء الكفار، والسابقون المقربون هؤلاء المؤمنون الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض وبترك المكروهات بعد ترك المحرمات.. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ۝ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ هذا بدأ بالصنف الثاني.. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ إذاً ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. عدد.. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ .

والصنف الثاني. قال الله بعدها وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ۝ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ۝ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ۝ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ۝ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ۝ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ۝ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ۝ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ۝ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ۝ عُرُبًا أَتْرَابًا ۝ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ  أصحاب اليمين كثير من الأولين والآخرين.. لكن السابقون ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ۝ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قليل من الآخرين من يصل لماذا؟  إلى أن يكون من السابقين المقربين.

ثم الصنف الثالث قال الله تعالى وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ثلاثة أصناف في أولها، وفي آخر السورة قسمهم تعالى.

قال المؤلف رحمه الله فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين، كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع، إذا قامت القيامة فالناس على هذه الأصناف.

قال.. ثم قال تعالى في آخر السورة، المؤلف يقول إنه سبحانه ذكر القيامة.. القيامة الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في أولها، القيامة الصغرى هي الموت.. موت كل إنسان هذه قيامة، مات فقد قامت قيامته، الموت.. القيامة الصغرى موت كل شخص هذه قيامة كل شخص، إن مات فقد قامت قيامته، وأما الموتة الكبرى.. القيامة الكبرى فهي القيامة حين يموت الناس ويأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور هذه هي القيامة الكبرى، ويقوم الناس بين يدي الله للحساب.. هذه القيامة الكبرى، أما القيامة الصغرى خاصة بكل إنسان .. لكل إنسان له قيامة خاصة من جاءه الموت قامت قيامته.

يقول المؤلف ذكر الله تعالى القيامة الصغرى في آخر سورة القيامة، قال تعالى فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ فلولا يعني فهلّا، إِذَا بَلَغَتِ ماهي ؟ الروح.. الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ أنتم تنظرونه، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ بملائكتنا.. المراد بالملائكة.. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ  بملائكتنا وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ الملائكة. قال العلماء بمعنى أن الملائكة أقرب إلى الإنسان من عنقه ولكن لاتبصرون الملائكة.

ثم قال فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ۝ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ هلا إن كنتم تزعمون أنكم غير محاسبين في الدنيا ردوا الروح فيها.. أرجعوها.. لا تستطيعون، إذا كنتم تزعمون أنكم لا تحاسبون ولا تجازون ردوا الروح.. ردوها كما كانت.. لا تستطيعون، فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ يعني غير محاسبين أو مجزيين تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

ثم قال فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ماهو جزاؤه؟.. قال فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ هذا ثواب من؟ المقربين وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ۝ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ وهم الكفرة فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ثم قال الله تعالى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ۝ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ۝ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ: إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ۝ إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ۝ إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ۝ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ۝ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ۝ إنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ۝ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ۝ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا الْآيَاتِ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ

(الشرح)

نعم هنا ذكر .. المؤلف يقول إنه سبحانه ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في آخرها، وقبل ذلك قال ذكرهم الله في أول سورة الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان.. سورة الإنسان أين السابقون ؟ قال عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ هذا السابقون المقربون، ثم ذكر أوصافها إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ۝ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ذكر أوصافها، حسناً أين الطبقة الثانية.. المقتصدون.. أين ذكرهم؟.. المؤلف يقول ذكر الصنفين في أي سورة؟ في سورة الإنسان، هل هذه الآيات فيها وصف مَن؟ فيها وصف المقربين أم فيها وصف أصحاب اليمين؟ إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ثم ذكر أوصافهم.

ثم قال بعد ذلك عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ۝ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا هل هذه الآية فيها ذكر الصنفين أو صنف واحد؟.. نعم.. إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا في سورة المطففين انظر هنا ظاهر أنه ذكر الصنفين.

نعم..

(المتن)

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ۝ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ۝ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ

هذا وصف الكفرة المكذبين..نعم..

الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ۝ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ۝ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ۝ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۝ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ۝ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ

هذا وصف الكفرة نعم..

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ۝ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ

نعم هذا وصف المقربون.. السابقون المقربون كتابهم في عليين..نعم..

إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۝ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ۝ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ۝ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ۝ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ 

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ قَالُوا يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا وَيَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا

(الشرح)

نعم.. إذاً هنا أولياء الله على طبقتين المقربون يشربون صرفاً يعني خالصاً غير ممزوج، وأما أصحاب اليمين فيُمزج لهم مزجاً فيكون أقل، وقال في المطففين وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ .  إذا وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ أشار هذا أن أصحاب اليمين يمزج لهم مزجاً وأن المقربون يشربون صرفاً خالصاً ، لكن في سورة الإنسان كذلك وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ .

ثم بعد ذلك قال إِنَّ الَّذِينَ، قال ابن عباس يمزج لأصحاب اليمين مزجاً ويَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ  صرفاً، وفي الآية وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ، وكذلك في سورة ماذا؟ في سورة الإنسان إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا مزج.. فهذا المزج لأصحاب اليمين وأما المقربون فيشربون صرفاً خالصاً من دون مزج، نعم.. فهذا فيه إشارة.. قوله مزاجه إشارة إلى الصنفين..

نعم..

(المتن)

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ قَالُوا يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا وَيَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا.

 وَهُوَ كَمَا قَالُوا؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ يَشْرَبُ بِهَا وَلَمْ يَقُلْ: يَشْرَبُ مِنْهَا لِأَنَّهُ ضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلَهُ يَشْرَبُ يَعْنِي يُرْوَى بِهَا فَإِنَّ الشَّارِبَ قَدْ يَشْرَبُ وَلَا يُرْوَى فَإِذَا قِيلَ يَشْرَبُونَ مِنْهَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّيِّ فَإِذَا قِيلَ يَشْرَبُونَ بِهَا كَانَ الْمَعْنَى يَرْوُونَ بِهَا فَالْمُقَرَّبُونَ يَرْوُونَ بِهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهَا إلَى مَا دُونَهَا؛ فَلِهَذَا يَشْرَبُونَ مِنْهَا صِرْفًا بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مُزِجَتْ لَهُمْ مَزْجًا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا.

فَعِبَادُ اللَّهِ هُمْ الْمُقَرَّبُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي تِلْكَ السُّورَةِ

(الشرح)

نعم إذاً أصحاب اليمين يمزج لهم مزجاً لأنهم لم يتقربوا بالنوافل، وأما السابقون فيشربون صرفاً خالصاً عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، إذا قيل يشرب بها يروى منها وإذا قيل يشرب منها لم يدل على الري، لم يقل عيناً يشرب منها عباد الله.. قال عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا دل على الري.. دل على ماذا؟ قال عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا

نعم..

(المتن)

فَعِبَادُ اللَّهِ هُمْ الْمُقَرَّبُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي تِلْكَ السُّورَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السِّكِّينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ

وَقَالَ ﷺ.

(الشرح)

وهذا فيه الجزاء من جنس العمل كما عنون له أن الجزاء من جنس العمل، قال فعباد الله هم المقربون المذكورون في تلك السورة عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، عباد الله هم المقربون.. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، فقال يَشْرَبُ بِهَا ولم يقل يشرب منها فدل على أن المراد السابقون المقربون.

فعباد الرحمن هم المقربون وهم المذكورون في السورة وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر كما قال النبي ﷺ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الجزاء من جنس العمل.. العمل نفس عن مؤمن كربة.. الجزاء ينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، من يسر على معسر.. الجزاء من جنس العمل.. يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.. من جنس العمل، من ستر مسلماً جزاؤه الستر يستره الله في الدنيا والآخرة.

وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السِّكِّينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ  المعنى من أخره العمل فكان عمله قليل أو ضعيف لا يرفعه النسب لايرفعه النسب.. النسب لا يقدم ولا يؤخر، وكما قال الله تعالى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا لا لتفاخروا، فإذا كان نسيباً وكان قرشياً.. حراً قرشياً وعمله سيء ما ينفعه النسب، ولهذا ما نفع أبو لهب نسبه قرشي عربي قرشي قح.. في أعلى درجات الأأصالة في النسب لكن لا ينفع، كما قال الشاعر ووضع الشارع الشقي أبا لهب.. وضعه.. جعله وضيعاً وإن كان حراً قرشياً، وسلمان وبلال وصهيب رفعهم الإسلام وإن كانوا موالي، هذا معنى قوله وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. يعني من أخره العمل لم يرفعه النسب.. من أخره العمل فكان عمله سيء لم يرفعه النسب.. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.

 فقوله في سورة الإنسان يَشْرَبُ بِهَا يعني يروى بها.. هذا إشارة إلى المقربين وفي ضمن ذلك أن غير المقربين يشربون منها لا يشربون بها، ففرق بين هؤلاء وهؤلاء، وكذلك في سورة المطففين قال يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ وقال يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ۝ خِتَامُهُ مِسْكٌ وبذلك وقال وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ هذا إشارة إلى أن غير المقربين أصحاب اليمين يمزج لهم، وأما المقربون فيشربون صرفاً خالصاً.

نعم وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ. فيه فضل الاجتماع والتدارس في المساجد..

نعم..

(المتن)

قال رحمة الله عليه:

وقال ﷺ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 

(الشرح)

نعم هذا الحديث كما قال الترمذي صحيح، وذكر المحققين أنه رواه أبو داود والشيخان والترمذي وأحمد والحميدي والبخاري والحاكم في المستدرك (42:51) والرامهرمزي في المحدث الفاصل والحاكم في المستدرك والخطيب بتاريخه.. إلى آخره.. هو حديث ثابت.

 والشاهد أن الجزاء من جنس العمل، الراحمون يرحمهم الله.. العمل الرحمة.. الجزاء يرحمهم الله.. الجزاء من جنس العمل.. الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ 

نعم..

(المتن)

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي السُّنَنِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْت الرَّحِمَ، وَشَقَقْت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ وَقَالَ وَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.

(الشرح)

نعم ويقول في الحديث الآخر ،الذي في السنن.. يقول الله تعالى.. هذا حديث قدسي من كلام الله تعالى لفظاً ومعنىً أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْت الرَّحِمَ، وَشَقَقْت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي فالله تعالى الرحمن وهي الرحمة. وَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ.  هذا فيه دلالة على وجوب صلة الرحم..

نعم..

(المتن)

وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَمَلَ الْقِسْمَيْنِ فِي حَدِيثِ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا.

فَالْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ هُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ يَفْعَلُونَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيَتْرُكُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُكَلِّفُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمَنْدُوبَاتِ؛ وَلَا الْكَفِّ عَنْ فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ. وَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ فَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ فَفَعَلُوا الْوَاجِبَاتِ والمستحبات وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.

فَلَمَّا تَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَحْبُوبَاتِهِمْ أَحَبَّهُمْ الرَّبُّ حُبًّا تَامًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ يَعْنِي الْحُبَّ الْمُطْلَقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ أَيّ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ الْإِنْعَامَ الْمُطْلَقَ التَّامَّ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فَهَؤُلَاءِ الْمُقَرَّبُونَ صَارَتْ الْمُبَاحَاتُ فِي حَقِّهِمْ طَاعَاتٍ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إلَى اللَّهِ فَكَانَتْ أَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا عِبَادَاتٍ لِلَّهِ فَشَرِبُوا صِرْفًا كَمَا عَمِلُوا لَهُ صِرْفًا.

وَالْمُقْتَصِدُونَ كَانَ فِي أَعْمَالِهِمْ مَا فَعَلُوهُ لِنُفُوسِهِمْ فَلَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَشْرَبُوا صِرْفًا؛ بَلْ مُزِجَ لَهُمْ مِنْ شَرَابِ الْمُقَرَّبِينَ بِحَسَبِ مَا مَزَجُوهُ فِي الدُّنْيَا.

(الشرح)

نعم.. يعني المؤلف رحمه الله تعالى هنا بيّن الطائفتين، وقال وأولياء الله نوعين مقربون وأصحاب يمين كما سبق، وقد ذكر النبي ﷺ عمل القسمين في حديث الأولياء، حديث الأولياء هو الحديث القدسي مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ثم قال وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِ هذا عمل أصحاب اليمين أداء الفرائض، ثم ذكر عمل السابقين المقربين وأنه النوافل بعد الفراض فقال وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ هذا عمل السابقون.. فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلئنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ.

قال المؤلف رحمه الله فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض.. الأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إلى الله بالفرائض فقط والواجبات وترك المحرمات، قد يفعلون ما أوجب الله تعالى عليهم ويتركون ماحرم الله عليهم فقط ويقفون عند هذا الحد، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات أي المستحبات والنواهي.. ولا يكلفون أنفسهم أيضاً الكف عن فضول المباحات، واضح الفرق بينهم؟

المقربون.. أصحاب اليمين وقفوا عند هذا الحد فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات، أما السابقون فزادوا عليهم ففعلوا المستحبات والنوافل وتركوا ماذا؟ المكروهات كراهة تنزيل وتركوا فضول المباحات، فلذلك صارت درجاتهم عالية، وأما السابقون المقربون فتقربوا إلى الله.. إليه يعني بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات.

قال فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباته.. لما تقربوا إليه بجميع مايقدرون عليه من محبوباته أحبهم حباً تاماً.. كما قال تعالى وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ يعني الحب المطلق كقوله تعالى اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. هنا السابقون المقربون أحبهم الله حباً تاماً كما في هذا الحديث وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ يعني الحب المطلق.. كقوله تعالى اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، معنى أنعمت عليهم يعني أنعم الله عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، فهؤلاء المقربون يقول المؤلف صارت المباحات في حقهم طاعات. 

المقربون تكون المباحات في حقهم طاعات، كيف ذلك؟ قال يتقربون إلى الله بها.. ينام وينوي التقوي على صلاة الفجر، يأكل وينوي التقوي على الصيام فتكون المباحات طاعات، هؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله تعالى، فكانت أعمالهم كلها عبادة لله حتى المباحات صارت عبادة.. فكانت أعمالهم كلها عبادة لله فشربوا صرفاً خالص.. شربوا شراباً صرفاً خالص.. شربوا صرفاً كما عملوا صرفاً.. هؤلاء من؟ السابقون المقربون شربوا صرفا كما عملوا لله صرفاً.

والمقتصدون كان من أعمالهم ما فعلوه لأنفسهم فلا يعاقبون عليها وهي المباحات ولا يثابون عليها، فلم يشربوا صرفاً بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.. المقتصدون يمزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا..

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَنَظِيرُ هَذَا انْقِسَامُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ إلَى عَبْدٍ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ مَلِكٍ وَقَدْ خَيَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّدًا ﷺ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا فَالنَّبِيُّ الْمَلِكُ مِثْلُ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَنَحْوِهِمَا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ الَّذِي قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ۝ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ۝ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ۝ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ۝ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَيْ أَعْطِ مَنْ شِئْت وَاحْرِمْ مَنْ شِئْت لَا حِسَابَ عَلَيْك فَالنَّبِيُّ الْمَلِكُ يَفْعَلُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَخْتَارُ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ الرَّسُولُ فَلَا يُعْطِي أَحَدًا إلَّا بِأَمْرِ رَبِّهِ وَلَا يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَحْرِمُ مَنْ يَشَاءُ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنِّي وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا إنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت.

وَلِهَذَا يُضِيفُ اللَّهُ الْأَمْوَالَ الشَّرْعِيَّةَ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وقَوْله تَعَالَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وقَوْله تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ

وَلِهَذَا كَانَ أَظْهَرُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ تُصْرَفُ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَيُذْكَرُ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد وَقَدْ قِيلَ فِي الْخُمُسِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَعْرُوفِ عَنْهُ وَقِيلَ: عَلَى ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَ " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ الْمَلِكِ كَمَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ يُوسُفَ ودَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَمَا أَنَّ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُقَرَّبِينَ سَابِقِينَ.

فَمَنْ أَدَّى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَفَعَلَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا يُحِبُّهُ فَهُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَنْ كَانَ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَقْصِدُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَا أُبِيحَ لَهُ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أُولَئِكَ.

(الشرح)

نعم..

بيّن المؤلف رحمه الله كما أن الأولياء انقسموا إلى قسمين أصحاب اليمين والسابقون المقربون، كذلك الأنبياء ينقسمون إلى قسمين .. إلى رسول عبد، وإلى نبي ملك، من النبي الملك؟ من داود نبي وملك، وسليمان نبي وملك، وأما نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد هؤلاء كل منهم رسول و عبد.. ، قال الله تعالى في قصة سليمان قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ قال الله فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ۝ وَالشَّيَاطِينَ فتسخير الريح والشياطين خاص بمن؟ بسليمان.. استجاب الله دعوته.

ولهذا لما اعترض الشيطان للنبي ﷺ، وجاء إليه بشهاب.. بشهاب من نار يريد أن يحرق وجهه سمعه أبو هريرة  يقول: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ، أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ فقيل يا رسول الله سمعتك تقول كذا وكذا، قال إِنَّ الشَّيطَانَ جَاءَ بِشِهَابٍ لِيُحرِقَنِي وقال كِدتُّ آخُذَهُ بِيَدِي حَتَّى وَجَدتُّ بَردَهُ .. برده أي لعابه فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حتى يلعب به صبيان أهل المدينة ثم ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَأَطلَقتُهُ والشاهد قوله ذكرت قول أخي هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وهي تسخير الريح والشياطين وهذا خاص بسليمان، فالنبي ﷺ خشي أن يكون هذا مشاركة للنبي سليمان.. لو أخذ هذا الشيطان وربطه خشي أن يكون هذا مشاركة لسليمان فلهذا تركه وأطلقه.

فهذا سليمان نبي ملك قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فاعتقت الخيل.. الخيل لما فوتته الصلاة قتلها فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ وسأل ربه أن يعوضه خيراً منها فعوضه عنها الريح.. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ۝ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ۝ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ۝ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ الشياطين منهم ماذا؟ منهم البنّاء ومنهم الغوّاص ومنهم مقرن في الأصفاد، يعني مربوط يده إلى عنقه.. معاقب يعاقبه.. واستمرت الشياطين هكذا تسعى الليل والنهار حتى مات سليمان وهم لا يشعرون، كان متكئاً على عصاه ومات ولم يعلم الجن بموته.. ويشتغلون يوم.. يومين.. ثلاثة.. الله أعلم بمدة بقائه حتى جاءت الأرضة وأكلت طرف العصا فسقط سليمان فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ . فالمهين أشغال.. أشغال شاقة يشتغلون فيها.. يشتغلون وسليمان ميت ما علموا عنه حتى سقط، فلما خرّ.. فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ لأن الناس كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب فلما حصلت هذه القصة وأنهم يشتغلون في العذاب المهين مدة وسليمان قد توفي تبين للناس أن الجن لا يعلم الغيب.

قوله هَذَا عَطَاؤُنَا. قال هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ  هنا يقول الله تعالى لسليمان هَذَا عَطَاؤُنَا أي أعط من شئت واحرم من شئت لا حساب عليك فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ. امنن: أعط من شئت.. أو أمسك: احرم من شئت، لا حساب عليك.

قال المؤلف رحمه الله فالنبي الملك يفعل ما فرض الله تعالى عليه ويترك ما حرم الله عليه، ويتصرف في الولاية والمال مايحبه ويختاره من غير إثم عليه، هذا النبي الملك، وأما العبد الرسول فلا يعطي أحداً إلا بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، بل يعطي من أمره ربه بإعطائه ويولي من أمره ربه بتوليته.

 إذا هناك فرق بين من؟ بين العبد الرسول والعبد الملك، العبد الملك يتصرف في المال كيف يشاء أعطاه الله التصرف، قال تعالى هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. أعط من شئت واحرم من شئت وافعل في المال ما تحب وليس عليه اثم، تصرف في المال، أما العبد الرسول فلا يعطي أحد ولا يمنع أحد إلا بأمر ربه، فلا يعطي أحد إلا بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم من يشاء بل يعطي من أمره ربه بإعطائه ويولي من أمره ربه بتوليته فأعماله كلها عبادات لله كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال إنِّي وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا إنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت.

هذا الفرق من الفروق بين النبي والرسول ولهذا قال يضيف الله الأموال الشرعية إلى الله تعالى والرسول كقوله تعالى قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِوقوله تعالى مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وقوله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ.

قال المؤلف ولهذا كان أظهر قولي العلماء ان هذه الأموال تصرف فيما يحبه الله ورسوله بحسب اجتهاد ولي الأمر قال كما هو مذهب مالك وغيره من السلف، ويُذكر هذا عن رواية عن أحمد، هذه الأموال تصرف في ماذا ؟ يقول المؤلف أظهر الأقوال أن هذه الأموال تصرف فيما يحبه الله ورسوله بحسب اجتهاد ولي الأمر..

وقد قيل في الخمس إنه يقسم على خمسة كقول الشافعي وقيل على ثلاثة كقول أبي حنيفة يعني الخمس يقسم على خمسة يعني كما قال الله تعالى في سورة الأنفال وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ. إذا لله خمسه ولرسوله هذا واحد وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، خمسه لله ورسوله واحد.. لله ولرسوله.. فلله خمسه وللرسول، هذا الخمس وهي الغنيمة التي يغنمهما المؤمنين بعد قتال الكفار وقيل يقسم على ثلاثة..

قيل.. قال الخلاصة.. خلاصة هذا البحث يقول المؤلف الخلاصة أن العبد الرسول أفضل من النبي الملك، كما أن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أفضل من يوسف وداود وسليمان، كما أن المقربين السابقين.. يعني يقول المؤلف إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد هؤولا أنبياء ورسل وليسو ملوكاً، فهم أفضل من الأنبياء الملوك أفضل من يوسف الذي تولى خزائن مصر ومن داود وسليمان، كما أن المقربين السابقين أفضل من الأبرار وأصحاب اليمين.. المقربين السابقين أفضل من الأبرار وأصحاب اليمين الذين ليسوا مقربين سابقين.

فمن أدى ما أوجب الله عليه وفعل من المباحات مايحبه هو فهو من هؤلاء، ومن كان إنما يفعل مايحبه الله ويرضاه ويقصد أن يستعين بما أبيح له على ذلك.. ومن كان إنما يفعل مايحبه الله ويرضاه ويقصد أن يستعين بما أبيح له على ما أمره الله فهو من أولئك، يعني يقول المؤلف من أدى الفرائض التي أوجبها الله عليه وفعل المباحات فهو من هؤلاء، ومن كان إنما يفعل ما يحبه الله ويرضاه ويقصد أن يستعين بما أبيح له على ذلك.. من كان إنما يفعل ما يحبه الله ويرضاه ويقصد ان يستعين بالمباح على ما أمره الله فهو من أولئك السابقين المقربين، يعني يفعل الأوامر ويستعين بالمباحات على تنفيذ الأوامر هذا من السابقين المقربين، أما الذي يفعل المباحات لمصلحة نفسه ولا يؤدي النوافل والمستحبات فهذا من أصحاب اليمين والمقتصدين.

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

فَصْلٌ:

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى " أَوْلِيَاءَهُ " الْمُقْتَصِدِينَ وَالسَّابِقِينَ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ فِي قَوْله تَعَالَى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۝ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۝ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ.

 لَكِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ خَاصَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ هُمْ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ بَعْدَ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِحُفَّاظِ الْقُرْآنِ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ فَهُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَسَّمَهُمْ إلَى ظَالِمٍ لِنَفْسِهِ وَمُقْتَصِدٍ وَسَابِقٍ.

بِخِلَافِ الْآيَاتِ الَّتِي فِي الْوَاقِعَةِ وَالْمُطَفِّفِينَ وَالِانْفِطَارِ فَإِنَّهُ دَخَلَ فِيهَا جَمِيعُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَافِرُهُمْ وَمُؤْمِنُهُمْ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَ " الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ " أَصْحَابُ الذُّنُوبِ الْمُصِرُّونَ عَلَيْهَا وَمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ تَوْبَةً صَحِيحَةً لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ السَّابِقِينَ وَ " الْمُقْتَصِدُ " الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبُ لِلْمَحَارِمِ. وَ " السَّابِقُ لِلْخَيْرَاتِ " هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ كَمَا فِي تِلْكَ الْآيَاتِ.

وَمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ تَوْبَةً صَحِيحَةً لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ السَّابِقِينَ وَالْمُقْتَصِدِينَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۝ وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.

وَ " الْمُقْتَصِدُ " الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبُ لِلْمَحَارِمِ وَ " السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ " هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ كَمَا فِي تِلْكَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ.

وَأَمَّا دُخُولُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ النَّارَ فَهَذَا مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ وَشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ فِي أَهْلِ الْكَبَائِر وَإِخْرَاجِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا ﷺ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ.

فَمَنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ

(الشرح)

نعم..

هذا الفصل بيّن فيه المؤلف رحمه الله انقسام الأولياء إلى مقتصدين وسابقين وأن معهم قسما ثالثاً أيضاً وهم الظالمين لأنفسهم فصار أهل الجنة ثلاثة أقسام.. سابقون، مقتصدون، ظالمون لأنفسهم، وأما الكفرة فهم قسم واحد، ولهذا قال المؤلف وقد ذكر الله أولياءه المقتصدين والسابقين في سورة فاطر فقال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا وكل من هذه الأصناف مصطفى وورث الكتاب فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد.. فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ هذا القسم الأول، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ هذا الثاني، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا كل الأقسام الثلاثة، يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ هذا جزاء السابقين والمقربين.. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۝ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا فالسابقون المقربون والظالمون لأنفسهم والمقتصدون كلهم قال الله فيهم جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا دل على أن كلهم من أهل الجنة، ووصف.. جزاؤهم يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۝ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ إلى آخر الآيات.

كل هذا في الأصناف الثلاثة، قال المؤلف لكن هذه الأصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد ﷺ خاصة، يعني كأن.. يعني خاصة بأمة محمد والأمم السابقة ليسهم فيهم إلا صنفان، هذه الأصناف الثلاثة.. لكن هذه الأصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد ﷺ خاصة كما قال تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا وأمة محمد هم الذين أورثهم.. أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة.. أمة محمد هم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وليس ذلك مختصاً بحفاظ القرآن بل كل من آمن بالقرآن فهو من هؤلاء، فقسمهم إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات، بخلاف الآية التي في الواقعة والمطففين والإنسان فإنه قد دخل فيها جميع الأمم المتقدمة كافرهم ومؤمنهم، وهذا التقسيم لأمة محمد ﷺ.

إذاً على هذا الأمم السابقة ينقسمون إلى قسمين مقتصدون وسابقون ذكرهم الله في سورة الإنسان والمطففين والواقعة وأما هذه الأمة فجعلها الله ثلاثة أقسام ذكرها الله تعالى في سورة فاطر.

وقال.. وهذا التقسيم لأمة محمد فالظالمون لأنفسهم أصحاب الذنوب المصرون عليها.. هذا الظالم.. والمقتصد هو المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم، والسابق بالخيرات هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في هذه الآية، وم تاب من ذنبه أي ذنب كان لم يخرج بذلك عن السابقين والمقتصدين كما في قوله تعالى وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ إلى آخر الآيات.

وقوله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا مما يستدل به أهل السنة على أنه لا يخلّد في النار أحد من أهل التوحيد.

قال المؤلف وأما دخول كثير من أهل الكبائر النار فهذا ما تواترت به السنن عن النبي ﷺ.. كما تواترت بخروجهم من النار.. كما تواترت بخروجهم من النار وشفاعة نبينا ﷺ في أهل الكبائر وهي إخراج من يخرج من النار بشفاعة نبينا ﷺ، يعني يقول المؤلف دخول أهل الكبائر النار هذا متواتر وخروجهم متواتر، قصده في ذلك الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون.. ينكرون الشفاعة في إخراج العصاة من النار.. لأنهم مكفرون بالمعاصي.. الخوارج يقولون إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ودخل في الكفر فيسحتلون دمه وماله يخلدون في النار، والمعتزلة يقولون يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر لا يسمى مؤمن.. ماذا يسمى؟ المعتزلة يقولون ماذا؟ إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فيصير في منزلة من المنزلتين لا مؤمن ولا كافر ولكنهم مخلّدون في النار.

فهذه النصوص مع أن النصوص متواترة بخروجهم من النار.. متواترة بخروجهم من النار ومع ذلك خالف هؤلاء النصوص المتواترة لأنهم لا يرون أن نصوص السنة قطعية.. كما تواترت بخروجهم من النار وشفاعة نبينا محمد ﷺ في أهل الكبائر وهي إخراج من يخرج من النار بشفاعة نبينا ﷺ..

(المتن)

قال رحمه الله:

فَمَنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّ السَّابِقِينَ هُمْ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا وَأَنَّ الْمُقْتَصِدَ أَوْ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ لَا يَدْخُلُهَا كَمَا تَأَوَّلَهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ مُقَابَلٌ بِتَأْوِيلِ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ لَا يَقْطَعُونَ بِدُخُولِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ النَّارَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ قَدْ يَدْخُلُ جَمِيعُهُمْ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ.

وَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَلِإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ " الطَّائِفَتَيْنِ " قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَهُ لِمَنْ يَشَاءُ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ التَّائِبُ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الشِّرْكَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ تَابَ وَمَا دُونُ الشِّرْكِ يَغْفِرُهُ اللَّهُ أَيْضًا لِلتَّائِبِ فَلَا تَعَلُّقَ بِالْمَشِيئَةِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْمَغْفِرَةَ لِلتَّائِبِينَ قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

فَهُنَا عَمَّمَ الْمَغْفِرَةَ وَأَطْلَقَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلْعَبْدِ أَيَّ ذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ فَمَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْكِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَيُّ ذَنْبٍ تَابَ الْعَبْدُ مِنْهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.

فَفِي آيَةِ التَّوْبَةِ عَمَّمَ وَأَطْلَقَ وَفِي تِلْكَ الْآيَةِ خَصَّصَ وَعَلَّقَ فَخَصَّ الشِّرْكَ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ وَعَلَّقَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ.

وَمِنْ الشِّرْكِ التَّعْطِيلُ لِلْخَالِقِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَجْزِمُ بِالْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ مُذْنِبٍ.

وَنَبَّهَ بِالشِّرْكِ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَتَعْطِيلِ الْخَالِقِ أَوْ يَجُوزُ أَلَّا يُعَذَّبَ بِذَنْبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ ظَالِمٍ لِنَفْسِهِ مَغْفُورًا لَهُ بِلَا تَوْبَةٍ وَلَا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ لَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِالْمَشِيئَةِ.

وقَوْله تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَغْفِرُ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَبَطَلَ النَّفْيُ وَالْوَقْفُ الْعَامُّ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يبين أن دخول كثير من أهل الكبائر في النار هذا متواتر تواترت به عن النبي ﷺ، كما أن خروجهم من النار متواتر، وشفاعة النبي ﷺ في أهل الكبائر، وإخراج من يخرج بشفاعة نبينا ﷺ وشفاعة غيره أيضاً متواتر، والخوارج والمعتزلة ينكرون هذه النصوص المتواترة.. فالخوارج والمعتزلة ينكرون خروج العصاة من النار يقولون لا يخرج منها.. قالوا من دخل النار لا يخرج منها كما أن من دخل الجنة لا يخرج منها مع أن هذا متواتر.

 نقول لهم هذه النصوص متواترة في أنهم يخرجون، وكذلك خروج العصاة من النار هذا متواتر أنهم يخرجون من النار بشفاعة نبينا ﷺ وبشفاعة غيره، تارة النبي ﷺ يشفع أربع مرات كل مرة يحد لهم حداً بالعلامة، ويشفع بقية الأنبياء ويشفع الملائكة ويشفع الأفراد ويشفع الشهداء والصالحون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته فيقول الرب شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيُخْرِجُ قَوْمًا مِن النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ يعني زيادة على التوحيد وهذا ثابت في الحديث الصحيح.

فالمؤلف  قال فمن قال أن أهل الكبائر مخلدون في النار وتأول الآية على أن السابقين هم الذين يدخلونها وأن المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها كما تأوله من تأوله من المعتزلة فهو مقابل بتأويل المرجئة، يعني يقول المؤلف إن تأويل المرجئة وتأويل المعتزلة والخوارج باطل، تأويل المرجئة يبطل تأويل الخوارج والمعتزلة وتأويل الخوارج والمعتزلة يبطل تأويل المرجئة، تعارضا فتساقطا وبقي مذهب أهل السنة هو الحق، نصوص المرجئة التي ردوا بها على المعتزلة أخذ بها أهل السنة، ونصوص الخوارج والمعتزلة التي ردوا بها على المرجئة أخذ بها أهل السنة، واستدلوا بها من الجانبين فخرج قول أهل السنة مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ.

يقول المؤلف فمن قال أن أهل الكبائر مخلدون في النار وهم الخوارج والمعتزلة.. قال من هم السابقون الأولون على هذا.. يقول أن هذا خاص أن السابقين هم الذين يدخلون فقط وأما المقتصد والظالم لنفسه لا يدخل الجنة.. لا يدخلها، كما تأوله من تأوله من المعتزلة، فهو مقابل بتأويل المرجئة الذين لا يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر في النار، المرجئة لا يقطعون يقولون الكل يدخل الجنة من أول وهلة، ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جميعهم الجنة بلا عذاب، وكلاهما مخالف للسنة المتواترة عن النبي ﷺ ولإجماع سلف الأمة وأئمته، إذاً الخوارج والمعتزلة يقولون الكبائر.. أصحاب الكبائر يدخلون النار ولا يخرجون منها يخلدون.

والمرجئة يقولون أهل الكبار يدخلون الجنة ولا يعذبون.. كلهم.. تعارضا فتساقطا.

وأهل السنة يقولون تواترت الأخبار بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين.

المؤلف يقول مذهب المرجئة فاسد ومذهب الخوارج والمعتزلة فاسد، الدليل على فساد قول الطائفتين قال وقد دل على فساد قول الطائفتين قول الله تعالى في آيتين من كتابه إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  ماهو وجه الدلالة.. قال المؤلف فأخبر تعالى أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه لمن يشاء،  ولايجوز أن يراد بذلك.. هل يراد بذلك التائب؟ كما يقوله من يقوله من المعتزلة.. التائب انتهى من تاب تاب الله عليه.. لكن هذا في غير التائب، يعني أن المعتزلة يقولون إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  يقول هذه في التائبين.. يقول هذه في التائبين.. نقول لا ليست بصحيح،لماذا؟.. لأن الشرك يغفره الله لمن تاب وما دون الشرك يغفره الله أيضاً للتائب وغير التائب قد يغفر لغير التائب، قد يغفر الله للتائب وغير التائب غير الشرك، أما الشرك فلا يغفر إلا للتائب، قال ولهذا لما ذكر المغفرة للتائيبين قال الله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. المؤلف جمع بين آيتين آية الزمر وآية النساء، آية الزمر فيها قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ انظر الآن ترى دقيقة ومهمة وفائدة هذه.. كيف الجمع بين الآيتين.. آية النساء إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. آيتين.. في موضعين.. آية الزمر قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. أخبر أنه يغفر الذنوب جميعاً.. عمم وأطلق فدل على أنه في التائبين، آية الزمر في التائبين، لأن الله عمم وأطلق، قال إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لمن تاب، وأما آية النساء فإنه خصّ وعلق.. خصّ الشرك بأنه لا يغفر وعلق مادونه بالمشيئة فدل على أنه في التائبين.

فالخلاصة أن آية الزمر في التائبين وآية النساء في غير التائبين، وهنا غلط الخوارج يقولون هذه في التائبين إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وهذا خطأ نقول لأن الله خص وعلق.

المؤلف هنا قال فهنا عمم المغفرة وأطلقها يعني آية الزمر، فإن الله يغفر للعبد أي ذنب تاب منه فمن تاب من الشرك غفر الله له ومن تاب من الكبائر غفر الله له، وأي ذنب تاب العبد منه غفره الله له، إن الله عرض التوبة على المثلثة الذين من النصارى، قال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، التوبة مقبولة من كل أحد، الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم قتل العابد وكمل به المائة له توبة.. له توبة أخذته ملائكة الرحمة لما نأى بصدره إلى الأرض.. إلى أرض الطاعة بسبب ماقام بقلبه من حقائق الإيمان التي جعلته  وهو في سكرة الموت يزحف ينوء بصدره حتى صار أقرب إلى أرض الصلاح بشبر فأخذته ملائكة الرحمة وأما آية النساء فهي في غير التائبين.

قال المؤلف ففي آية التوبة عمم وأطلق يعني آية الزمر وفي تلك الآية خصص وعلق يعني آية النساء، هذه لو تعلق عليها سأوضح لك توضيح.. ففي آية التوبة عمم وأطلق تقول أي آية الزمر وفي تلك الآية خصص وعلق أي آية النساء، فخصّ الشرك بأنه لا يغفره هذا في آية النساء وعلق ما سواه على مشيئته.

قال المؤلف رحمه الله ومن الشرك التعطيل للخالق هذا أعظم الشرك التعطيل للخالق وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل ذنب وهؤلاء مَن هم؟ المرجئة.. المرجئة يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل ذنب وهم المرجئة.

ونبّه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل الخالق.. هذا فيه زيادة، أو يجوّز ألا يعذب بذنب، فإنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر للبعض دون البعض.. يجوّز أن لا يعذب بالذنب يعني يجوز أن لا يعذب بالذنب وأنه يدخل يعني بدون مغفرة فإنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر للبعض دون البعض وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  ولو كان كل ظالم لنفسه مغفوراً له بلا توبة ولا حسنات ماحية لم يعلق ذلك بالمشيئة وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  فدل على أنه لا بد أنهم يدخلون الجنة.

وقوله تعالى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  دليل أنه يغفر للبعض دون البعض، فبطل النفي العام والعفو العام، النفي العام من الذي يقول به؟ الخوارج والمعتزلة يقولون لا يعفى عن أحد أبداً لا بد أن يخلّد في النار أبداً ، والعفو العام يقول به المرجئة، فبطل النفي العام هذا رد على من؟ الخوارج والمعتزلة، والعفو العام رد على المرجئة.. واضح الآن؟

شيخ الإسلام رحمه الله في هذا دقيق، فبطل النفي العام الذي هو مذهب الخوارج والمعتزلة قالوا لا يغفر للعاصي بل لابد أن يخلد في النار، والعفو العام يقولون العاصي معفو له على كل حال ويدخل الجنة من أول وهلة هذا مذهب المرجئة وكل من المذهبين باطل.

والله أعلم..

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد