شعار الموقع

شرح كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان_7 من بيان عدم ثبوت حديث رجعنا من الحج الأكبر إلى الحج الأصغر إلى بيان أن الولاية لا تلزم العصمة وأحوال الناس في ذلك

00:00
00:00
تحميل
76

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد..

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين..

(المتن)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ ﷺ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: لَا تَسْتَطِيعُهُ أَوْ لَا تُطِيقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي بِهِ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ وَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ؟

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين..

المؤلف رحمه الله في هذا الحديث يبين فضل الجهاد في سبيل الله وأن منزلته.. منزلته في الإسلام منزلة عظيمة، فهو ذروة السنام الجهاد.. ذروة سنام الإسلام.. فهو في الذروة.

ولهذا في هذا الحديث في الصحيحين أن النبي ﷺ قال لما سُئل .. سأله رجل أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله، قال لَا تَسْتَطِيعُهُ أَوْ لَا تُطِيقُهُ، قال فأخبرني به، قال هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ وَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ؟، قال من يستطيع هذا؟.

وكذلك الحديث الذي قبله في الصحيحين أنه سئل أي الأعمال أفضل قال إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، جعله بعد الإيمان.. هو جزء من الإيمان لأن العمل كله داخل تحت مسمى الإيمان لكن نصّ عليه لأهميته ولعظم شأنه ولأنه ذروة سنام الإسلام.

وبين المؤلف رحمه الله بهذه الأدلة ضعف الحديث الذي فيه رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وأن هذا الحديث غير صحيح وأن الجهاد الأكبر هو.. هو الجهاد في سبيل لله، هو جاهد بالسلاح والسنان، يقدم الإنسان روحه.. كيف يكون هذا الجهاد الأصغر يقدم نفسه للقتل، هذا هو الجهاد الأكبر فهذا الحديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر لو صح سنده فإن لفظه شاذ ومنكر فيكون ضعيفاً، يعني لعدم توفر شروط صحة الحديث.

نعم.

(المتن)

وَفِي السُّنَنِ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ وَصَّاهُ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ. وَقَالَ: يَا مُعَاذُ إنِّي لَأُحِبُّك، فَلَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك.

(الشرح)

وهذا فيه بيان فضل التقوى وأن الناس يتفاضلون بالتقوى كما قال الله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

لهذا وصى النبي ﷺ معاذ بالتقوى، قال يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وهذه الوصية ليست خاصة بمعاذ بل هي عامة للأمة، لأن الشريعة عامة، فوصية لواحد وصية للجميع، قال يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ. هذا الحديث رواه الترمذي، وهذا الحديث يشتمل على ثلاث جمل، كل جملة من جوامع الكلم.. كل جملة من جوامع الكلم، التي أوتي نبينا ﷺ، والحديث أوتيت جوامع الكلم، واختصرت لي الحكمة اختصاراً.

قال يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت. اتق الله أي اجعل بينك وبين غضب الله وسخطه وقاية تقيك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وحفظ حدوده والقيام بأمره والبعد عن مساخطه ونواهيه.. اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت.، حيث ظرف مكان، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، اتق الله في البيت، اتق الله وأنت في المسجد، اتق الله وأنت في العمل، اتق الله وأنت في الطائرة، اتق الله وأنت في السيارة، اتق الله وأنت تمشي اتق الله وأنت نائم، اتق الله وأنت تتحدث مع أهلك، اتق الله مع جيرانك، مع من تعامله، عام،في أي حالة كنت ، في أي مكان.

ثم الجملة الثانية وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، أيضا هذه من جوامع الكلم، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا إذا وقعت في سيئة فأتبعها بحسنة تمحها، إذا وقعت في المعصية فأتبعها بحسنة التوبة والإقلاع عن المعصية، وهكذا.

وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ. أيضا من جوامع الكلم، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ. وبهذا يكون الإنسان يسع الناس بخلقه، في الحديث إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، والخلق الحسن هو بذل الندى وكف الأذى وبسط الوجه، بذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه، يجمع الخلق.

الخلق الحسن يجمع هذه الأمور الثلاثة، بذل المعروف ثانياً كف الأذى عن الناس، لا تعتدي على الناس بما.. فيما يتعلق بأجسامهم أو  بما يتعلق بدمائهم أو أعراضهم وبسط الوجه، إذا لقيت أخاك فالقاه بوجه منبسط، وبهذا يتبين أن هذا الحديث فيه من جوامع الكلم، اتَّقِ اللَّهَ.

يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وهذا النبي قاله لمعاذ، والله تعالى قال للنبي ﷺ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، بعض الناس يغضب إذا قيل له اتق الله، هذا خطأ، الله تعالى قال لنبيه:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، كلنا مأمورون بالتقوى، فالناس عمومهم مأمورون بالتقوى والمؤمنون مأمورون بالتقوى والنبي ﷺ مأمور بالتقوى، كل واحد مأمور بالتقوى.

والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ.

وأصل التقوى إخلاص الدين لله.. إخلاص الدين لله، هذا أصلها، إخلاص الدين، إخلاص العمل لله، وأداء الواجبات وترك المحرمات، والوقوف عند حدود الله.

نعم..

(المتن)

وَقَالَ: يَا مُعَاذُ إنِّي لَأُحِبُّك فَلَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك.

(الشرح)

وهذا فيه فضل معاذ وأن النبي ﷺ يحبه وهذا يدل على فضله، لأنه حبيب إلى النبي ﷺ.

وفيه وصية محب لمحبه، وهذه الوصية أيضاً ليست خاصة  بمعاذ كما سبق بل عامة الأمة، قال فَلَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك.

وهذا الحديث رواه أبو داوود والنسائي وأحمد والبخاري في الإمام المفرد و جمعه كما ذكر المحقق، اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك. يعني فهذا سؤال.. سؤال عظيم.. إذا أعانك الله على ذكره وشكره وحسن عبادته فقد حصلت الخير، جمعت الخير كله، تسأل الله أن يعينك على الذكر، والذكر عام، الذكر باللسان، والذكر بالقلب، والذكر بالجوارح، والذكر باللسان كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن، والذكر بالقلب من تعظيم الله وخشيته وخوفه ورجائه، والذكر بالجوارح الصلاة والصيام والزكاة والحج كل ذلك من الذكر، وشكرك يعني شكرك على نعمك.. أعني على أن أشكرك، والشكر هو الاعتراف بالنعمة بالقلب والتحدث بها باللسان واستعمالها في طاعة الله .

وَحُسْنِ عِبَادَتِك، سؤال لله في الإعانة على حسن العبادة، والعبادة الحسنة هي ما كانت موافقة للشرع وصوابا  على هدي رسول الله ﷺ، وبهذا يكون هذا الذكر يجمع الخير كله.

قال فَلَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، قال العلماء بعد دبر كل صلاة يعني بعد أن تسلم تقول هذا الذكر، وقال آخرون بل تقولها قبل أن تسلم لأن دبر الشيء آخره، ومنه دبر الحيوان جزء منه آخره، فتقولها في آخر التشهد وعلى كل حال هذا ذكر عظيم فيشرع أن تقوله في الصلاة داخل الصلاة وبعد السلام، لا مانع أن تقوله بعد الأذكار وفي آخر التشهد..نعم..

(المتن)

وَقَالَ لَهُ - وَهُوَ رَدِيفُهُ - يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْت اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ قُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ.

(الشرح)

وهذا فيه بيان حق الله وحق العباد، فحق الله على العباد إخلاص الدين لله.. أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، هذا حق الله عبادته بأي شيء بالأوامر والنواهي، العبادة تكون بالأوامر والنواهي بأداء الصلاة وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ بأداء الزكاة ،والانتهاء  عن المحرمات.. نهى الله عن عقوق الوالدين وعن قطيعة الرحم وعن الزنا وعن الربا وعن شرب الخمر وعن أكل المال بالباطل، أن تعبده يعني أن تترك هذه المحرمات خوفاً من الله خوفاً من عقابه وطمعا في ثوابه. وتؤدي الواجبات كذلك، هذا هو حق الله.

حق الله على عباده أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، عبادته بالأوامر.. تعبده بالصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام بالأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر، بالدعوة إلى الله، بالإحسان إلى الناس، تعبده بكف أذاك عنهم.. عن الناس فلا تعتدي على دمائهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، بهذا تكون قد عبدت الله.. بهذا تكون عبادة الله تكون بأداء الواجبات وترك المحرمات حق الله.

وفيه أن معاذ قال الله ورسوله أعلم، وهذا يقال للنبي ﷺ في حياته الله ورسوله أعلم وأما بعد وفاته فالله أعلم، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم أحوال أمته ولا يدري وأما حديث أن النبي ﷺ تعرض عليه أعمال أمته فيستغفر لسيئها ويستبشر بحسنها هو حديث لا يصح، حديث ضعيف يدل على بطلانه الحديث الصحيح عن النبي ﷺ حين يرد الناس على الحوض، فيرد عليه أناس وهذا ثبت في الصحيح.. بل في الصحيحين، قال لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ؛ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي، وفي لفظ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُم لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ.  فهذا الحديث في الصحيحين، يقال للنبي ﷺ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، الرسول لا يعلم أعمال أمته ، فلو كان تعرض عليه أعمالهم لكان يدري، هذا الحديث إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، دليل على أنه لا يعلم أعمال أمته، ولهذا يقال الله ورسوله أعلم في حياته، وبعد وفاته يقال الله أعلم. ثم قال أتدري.

 قال أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ، حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، ولكن هناك فرق بين الحقين، حق الله حق إلزام وإيجاب، فأنت عبد لله ليس لك الخيرة، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ليس لك الخيرة، يجب عليك أن تتبع الأوامر أنت عبد خلقك الله لعبادته ، ليس لك اختيار، فحق الله حق إلزام وإيجاب أنت مخلوق لعبادته، أما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم.. هذا حق تفضل وإكرام، تفضل وإكرام، حق أوجبه على نفسه ، لم يوجبه عليه أحد، بل هو الذي أحقه على نفسه، كما قال وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.

كما قال الناظم :

مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ كَلَّا وَلَا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ
إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ، أَوْ نُعِّمُوا فَبِفَضْلِهِ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الْوَاسِعُ

فعبادته هو الحق الواجب، وإنما حقهم هو حق تفضل وإكرام منه . نعم..

(المتن)

وَقَالَ أَيْضًا لِمُعَاذِ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(الشرح)

نعم وهذا أيضاً رَأْسُ الْأَمْرِ الذي جاء به النبي ﷺ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، إذا رأس الأمر الإسلام.

 والإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله.. براءة من الشرك وأهله، هذا هو رأس الأمر الذي جاء به النبي ﷺ.. التوحيد.. التوحيد بالإسلام والاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، هذا رأس الأمر الذي جاء به النبي ﷺ.

وعمود هذا الدين.. أي رأس الدين الإسلام وعموده الصلاة، فالصلاة هي عمود الإسلام، بمثابة العمود في وسط الخيمة، إذا سقط العمود سقطت الخيمة، فكذلك الصلاة إذا لم تصح الصلاة لم يصح الإسلا.

وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. هذا هو الشاهد.. ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله.

فدل على فضل الجهاد في سبيل الله، لا كما يدل عليه الحديث (رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر)، لا.. سمى الجهاد الأصغر  ليس هو أصغر بل هو أكبر، ولهذا قال وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. هذا شيء، أعلى شيء فيه هو الجهاد، فكيف يكون أصغر؟

نعم..

(المتن)

وَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَلَا أُخْبِرُك بِأَبْوَابِ الْبِرِّ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

(الشرح)

نعم وقال يَا مُعَاذُ، أَلَا أُخْبِرُك بِأَبْوَابِ الْبِرِّ؟ ثم ذكر هذا قال الصَّوْمُ جُنَّةٌ. جنة يعني وقاية، تقي صاحبها العذاب والنار كما أن الجنة التي يلبسها الرجل في الحرب تقيه وقع النبال، الصوم جنة، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ يعني تطفئ المعصية، فتكون له وقاية منه.. تكون له وقاية من العذاب تقيه العذاب وتطفئ الخطيئة وتزول آثارها كما يطفئ الماء النار ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، يعني وقيامه في منتصف الليل يطفئ الخطيئة.

فالذي يطفئ الخطيئة شيئان: الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقيام الرجل لم معطوف على الصدقة؟ التقدير الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، يعني يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، ثم قرأ الآية تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

نعم..

(المتن)

ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، أَلَا أُخْبِرُك بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْت بَلَى فَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْك لِسَانَك هَذَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.

(الشرح)

نعم.. وهذا فيه في بيان عظم شأن اللسان، وأن اللسان شأنه عظيم وخيره عظيم إذا استعمل في طاعة الله، وشره مستطير إذا استعمل في معصية الله، ولهذا قال .. ولهذا في وصية النبي ﷺ لمعاذ قال يَا مُعَاذُ، أَلَا أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَملَكَ مِن ذَلِكَ، قال أَمْسِكْ عَلَيْك لِسَانَك هَذَا. كفه.. لا تتكلم إلا بخير، يبرأ الرجل من جرح.. من عثرة الرجل ولا يبرأ من آفة اللسان.. أَمْسِكْ عَلَيْك لِسَانَك هَذَا. وبلفظ آخر كُفَّ عَلَيْك لِسَانَك هَذَا، فأخذ بلسانه.. فأمسك بلسانه، قال قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ، نتكلم كثير واللسان سريع الحركة، يعني كل شيء نتكلمه نؤاخذ به؟ فقال النبي ﷺ: ثَكِلَتْك أُمُّك يَا مُعَاذُ، يعني فقدتك أمك، وهذه كلمة تجري على اللسان من غير قصد أصلها دعاء عليه بأن تفقده أمه، ولكن ليس هذا مراده، وإنما مراده التأكيد.. تأكيد الكلام، ثَكِلَتْك أُمُّك يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ، يعني يقول إن كان.. كان يتعجب، كان النبي ﷺ يتعجب من كون معاذ لم يعلم شدة خطر اللسان.

نعم..

(المتن)

وَتَفْسِيرُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ فَالتَّكَلُّمُ بِالْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَالصَّمْتُ عَنْ الشَّرِّ خَيْرٌ مِنْ التَّكَلُّمِ بِهِ فَأَمَّا الصَّمْتُ الدَّائِمُ فَبِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَكَذَلِكَ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَكْلِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشُرْبِ الْمَاءِ فَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ أَيْضًا.

(الشرح)

نعم هو تفسير هذا ما ثبت في الصحيحين، يعني تفسير ماذا يعمل في حفظ اللسان، تفسير حفظ اللسان ما ثبت في الصحيحين عنه ﷺ قال مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، إذاً هذا تفسير.. في الحديث السابق أنه يكب الناس.. اللسان يكب الناس في النار على وجوههم.

وفي هذا الحديث بيان أن مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، يقول خير، يتكلم بالخير، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يدعو إلى الله، ينصح.. فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ  إذا لم يقل الإنسان خيرا اسكت لا تتكلم بالباطل، ولا تحمل الناس على فعل الباطل، التكلم بالخير.. نعم.. التكلم بالخير خير من السكوت.. نعم، يعني  أن يسكت أو يتكلم بالخير.. التكلم بالخير حسنات والصمت عن الشر خير من التكلم به، الصمت عن الشرور، الصمت عن الشر خير من التكلم به، يعني التكلم بالشر هذا معصية والسكوت خير منه، إذاً التكلم بالخير خير من السكوت.. واحد يتكلم بالخير يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يدعو إلى الله، يفعل المعروف فالتكلم بالخير هذا خير من السكوت، والسكوت عن الشر خير من التكلم به، فالتكلم بالخير خير من السكوت، نعم لأن هذا فيه.. التكلم بالخير معناه يتكلم بما يعتقده من الخير وبما دلت عليه النصوص، هذا خير من السكوت، كونه يسكت لا ينفع أحد وليس هناك نفع بخلاف التكلم بالخير فإنه نفعه متعدد، والصمت عن الشر خير من التكلم به، إذا دار الحديث بين أن يتكلم بالشر أو يسكت فيسكت، فالسكوت خير من التكلم به.

قال فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها، الصمت الدائم بدعة منهي عنها، يعني باستمرار لا يتكلم، يصلي في المسجد، الصمت الدائم بدعة منهي عنها، الصمت عن الشر خير من التكلم به، فالأحوال:

الحالة الأولى أن يتكلم بالخير هذا أعلى شيء.

الحالة الثانية أن يسكت عن الشر.

الحالة الثالثة الصمت الدائم، الصمت الدائم بدعة منهي عنها لأنه يفوت عليه الخير، كيف يصمت لا يتكلم ولا يسبح ولا يهلل ولا يقرأ القرآن.

وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء من البدع المنهي عنها، إذا كان يعتقد هذا أن فيه فضيلة أما إذا امتنع عنه لأنه لا يناسبه الأكل فلا بأس، لكن يمتنع يعتقد.. يعتقد أن هذا فيه فضيلة.. لا ليس فيه.. ليست فضيلة، بل هو من البدع المنهي عنها، وإذا كان يعتقد أنها غير مباحة أو أنه لا يجوز أكلها فهذا كره في الإسلام لأنه كذّب الله وكذّب رسوله، هذه من الأمور المعلومة بالدين بالضرورة، نعم يتمنع عن الأكل والشرب معتقد أنه لا يجوز تناوله.. هذا بدعة في الإسلام لأنه يحلل ويحرم من عند نفسه.

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله

كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ مُرُوهُ فَلْيَجْلِسْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ.

(الشرح)

نعم هذا الرجل نذر أشياء محرمة أو منهي عنها وأشياء مشروعة، نذر أن يصوم أمره النبي ﷺ أن يتم الصوم هذا مشروع، ونذر أن يقوم في الشمس.. يقف في الشمس ولا يجلس في الظل هذا تعذيب لنفسه فأمره النبي ﷺ أن يستظل كذلك نذر أن يجلس في الشمس، هذا الرجل نذر أن يقف في الشمس ونذر أن لا يتكلم وأن يصوم، فعل ثلاثة أشياء وقوفه في الشمس وعدم الكلام والصوم، أمران محرمان أو نهاه النبي ﷺ عنهما وهما أن يقف في الشمس ولا يتكلم والأمر الثالث وهذا مشروع ولهذا أمره النبي ﷺ أن يتم صومه.

نعم..

(المتن)

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رِجَالًا سَأَلُوا عَنْ عِبَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَأَنَّهُمْ تقالوها، فَقَالُوا: وَأَيُّنَا مِثْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. أَيْ سَلَكَ غَيْرَهَا ظَانًّا أَنَّ غَيْرَهَا خَيْرٌ مِنْهَا فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ بِذَلِكَ كُلَّ يَوْمِ جُمْعَةٍ.

(الشرح)

نعم وهذه القصة فيها أن نفر من شباب الصحابة جاؤوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ وسألوا أزواجه عن عبادته عن عبادة النبي ﷺ، كيف يعمل، كيف يصوم، كيف يصلي، ماذا يعمل ،هل يتناول مأكولات.. يأكل اللحم، وهؤلاء أرادوا أن يقتدوا بالنبي ﷺ.. هؤلاء الشباب، وأن يهتدوا بهديه، فلما سألوا عن النبي ﷺ وأخبرتهم أزواج النبي ﷺ قلوها قالوا هذه قليلة.. هذه قليلة ولكن الرسول مغفور له، فنحن نريد أن نزيد، الرسول يصوم ويفطر.. يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام، يصلي بعض الليل وينام بعض الليل، ويأكل اللحم ويتزوج النساء، فلما خرج هؤلاء الشباب قالوا الرسول مغفور له ما تقدم له وما تأخر.. لسنا مثله، لابد أن نزيد حتى يغفر لنا، فقال أحد هؤلاء الشباب أما أنا فأصوم ولا أفطر أصوم الدهر كله، وقال الآخر فأما أنا أقوم ولا أنام أصلي الليل كله ما أنام، وقال الثالث وأما أنا فلا آكل اللحم زهداً، فلما أخبر النبي ﷺ بمقالتهم قام وخطب الناس ولا يسمي أحدا ﷺ بعادته، ينهى عن الشيء الممنوع ولا يقول فلان فعله ، فخطب النبي ﷺ في الناس وقال مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ يعني يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.

 فالنبي ﷺ خطب الناس وأنكر عليهم هذا الفعل.. هذه المقالة، وبيّن لهم أن السنة أن المسلم يؤدي هذه العبادات، والإسلام نوّع العبادات حتى يؤدي المسلم هذه العبادات وتكون هذه العبادات المتنوعة تدل على رغبة الإنسان فيما عند الله ، وعلى امتثاله لأمر الله واجتناب نواهيه، إذا الإنسان إذا كان يطيع ربه في كل حال.. في الصوم يطيعه، في الصوم يمتنع عن المباحات، في الصلاة يحافظ عليها يؤديها في كل أوقاتها، في الحج يؤديه، في الجهاد.. في بر الوالدين، في صلة الأرحام.. ينوع، هذه العبادات المتنوعة تدل على عبودية العبد لربه وكونه يطلب مرضاة الله .

ولهذا النبي ﷺ قال مَا بَالُ رِجَالٍ، هذا من عادته لا يسميهم، وهم معروفون، جاء في التفسير أنهم الصحابة علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وقال بعضهم أبو ذر وجماعة، فالنبي ﷺ لا يسمي، قال مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ.

المؤلف فسر قوله فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. أي من سلك غيرها -غير السنة- ظاناً أن غيرها خير منها، فمن كان كذلك فهو بريء من الله ورسوله، يعني إذا ترك السنة عن قصد رغبة عنها معتقداً أن غيرها خيراً منها هذا هو الذي برئ منه الله ورسوله، قال الله تعالى وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. فمن يرغب عن سنة النبي ﷺ هو سفيه.

قال فيجب على كل مسلم أن يعتقد أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ، قال كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يخطب بذلك كل جمعة.. كل جمعة يقول للناس خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

نعم..

(المتن)

قال رحمه الله

فَصْلٌ

وَلَيْسَ مَنْ شَرْطِ وَلِيِّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لَا يَغْلَطُ وَلَا يُخْطِئُ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ بَعْضُ أُمُورِ الدِّينِ حَتَّى يَحْسَبَ بَعْضُ الْأُمُورِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ فِي بَعْضِ الْخَوَارِقِ أَنَّهَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ لَبَّسَهَا عَلَيْهِ لِنَقْصِ دَرَجَتِهِ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَـإِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۝ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

(الشرح)

نعم هذا الفصل عقده المؤلف لبيان أن الولي من أولياء الله والتقي، لا يشترط أن يكون معصوماً من الغلط والخطأ، قد يكون وليا لله وقد يخطئ ويغلط وقد يجهل شيئا من أمور الدين، فليس من شرط الولاية العصمة من الخطأ والغلط.. لا، فالمؤمن يغلط والتقي يغلط ولكن يبادر بالتوبة.. يبادر بالتوبة إذا زلت به القدم أو غلط.

ولهذا بين المؤلف رحمه الله في هذا الفصل ليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يخطئ ولا يغلط والمراد بالولي المطيع لله ، الولي المحب والمطيع، ليس من شرطه أن يكون معصوماً بل يخطئ ويغلط، ولكنه إذا غلط وزلت به القدم بادر بالتوبة ولا يسوّف كما بيّن الله تعالى في كتابه الكريم قال وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

ثم ذكر أوصاف المتقين قال الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۝ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ فبين أنه من أوصاف المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بادروا بالتوبة ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا، إذا ليس من شرط الولي  ألا يقع في الغلط أو في الخطأ، ولكن من شرطه أنه لا يصر على المعصية إذا وقع فيها بل يبادر بالتوبة، فليس من شرط الولي ألا يقع في الخطأ بل قد يقع، ولكن من شرطه ألا يسترسل في المعاصي بل يبادر بالتوبة، ولهذا قال ليس من شرط ولي الله أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، نعم لأن علم الشريعة واسع، والعلم شامل قد يخفى على بعض الأولياء وبعض الأتقياء شيء من علم الشريعة.

ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله تعالى به ويكون مما نهى الله عنه، يعني يجوز على الولي أن يخفى عليه بعض علم الشريعة يكون عنده نقص في العلم، ويجوز أن يشتبه عليه بعض الأمور حتى يظن أن بعضها هذه الأمور مما أمر الله به ويكون مما نهى الله عنه لغلطه، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله، خوارق.. الخوارق من كرامات الأولياء إذا وقعت على ولي.. رجل صالح، مثل ما حصل لعباد بن بشر وأسيد بن خضير خرجا من عند النبي ﷺ في ليلة مظلمة فأضاء لهما السوط فلما افترقا أضاء لكل واحد سوطه حتى وصل إلى بيته، هذه من كرامات الأولياء، كما سخر الأسد لبعض العبّاد يحمل عليه الحطب ثم يعود مكانه.. هذه من الكرامات وهو مفترس.

ويجوز على الولي أن يشتبه عليه بعض الأمور.. بعض أمور الدين حتى يظن الشيء الذي أمر الله به منهياً عنه ويظن أن الشيء المنهي عنه مأمور به لغلطه، ويجوز أن يظن ببعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته، فالولي قد يكون ولياً من المتقين ولكن درجته ناقصة يعني من المؤمنين لكن عنده نقص فلهذا يشتبه.. تشتبه عليه الأمور فيظن ببعض الخوارق أنها من كرامات الأولياء وقد تكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يكون من أولياء الشيطان ولم يخرج بذلك عن ولاية الله، نعم لا (41:24) أن يكون ولياً ولو غلط ببعض الأشياء ولو ارتكب بعض السيئات ولو اشتبهت عليه بعض الأمور لأنه مؤمن وكل مؤمن تقي، قاعدة هذه أن كل مؤمن تقي، فإنه الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان.

وهذا الحديث في الصحيحين، رواه البخاري في الصحيح ومسلم إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي.

بل في صحيح مسلم كما ذكر المؤلف أن الصحابة لما أنزل الله عليه هذه الآية وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ شق عليهم ذلك، يعني كيف.. أي شيء نبديه أو نخفيه في أنفسنا نحاسب عليه.. هذا أمر خطير.. نهلك، فقال لهم النبي ﷺ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فقالوا سمعنا وأطعنا فلم اقتنع القوم وذلت بها ألسنتهم نسخ الله الآية السابقة وأنزل في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فقال الله تعالى قَد عَفَوتُ، لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ قَالَ: قَدْ فَعَلْت، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قَالَ: قَدْ فَعَلْت، رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَالَ: قَدْ فَعَلْت، رواه مسلم في الصحيح.

نعم..

(المتن)

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ وَقَالَ: قَدْ فَعَلْت.

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْهَا قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. إلَى قَوْلِهِ: أَوْ أَخْطَأْنَا قَالَ اللَّهُ قَدْ فَعَلْت رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ: قَدْ فَعَلْت رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَالَ قَدْ فَعَلْت.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ

(الشرح)

نعم هذا فيه أن الله تعالى استجاب الدعاء وخفف على هذه الأمة لما استجاب وقالوا سمعنا وأطعنا، فامتلأت قلوبهم بإيمان بالله .

وأما قوله: قَدْ فَعَلْت، هذا يعني تابع أيضاً.. تابع للآية، قد فعلت يعني لا أحمل عليكم إصراً كما حُمل على من كان قبلكم، ولا أحمّل شخصاً ما لا يطيقه، وأعفو عنه وأغفر له، كل هذا استجاب الله الدعاء.

نعم..

(المتن)

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ.

(الشرح)

نعم، الله تعالى قال وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ يعني الشيء الذي يفعله الإنسان.. الخطأ عن غير قصد فإنه مرفوع عنه الجناح، ولهذا قال تعالى في قتل الصيد المحرم، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا دل على أنه المخطئ معفو عنه، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. صريح.. صريح في أن الذي يؤاخذ به ما تعمده وقصد عليه القلب، وأما الخطأ الذي يقع خطأً و غلطاً وسهواً فإنه لا يؤاخذ به الإنسان.. نعم..

(المتن)

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ فَلَمْ يُؤَثِّمْ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ؛ بَلْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا عَلَى اجْتِهَادِهِ وَجَعَلَ خَطَأَهُ مَغْفُورًا لَهُ وَلَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُصِيبَ لَهُ أَجْرَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة وعمر بن العاص أن النبي ﷺ قال إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ الحاكم يعني الحاكم الشرعي يعني القاضي الذي يحكم.. يحكم بين الناس إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، يجتهد في بعض المسائل التي ليس فيها نص، يقرأ كلام أهل العلم حتى يتبين له الصواب، إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ واحد، حصل له أجر الاجتهاد وفاته أجر الصواب، والمصيب له أجران أجر الاجتهاد وأجر الصواب، وإذا لم يصب حصل على أجر الاجتهاد، قال المؤلف فلم يؤثم المجتهد المخطئ ما دام مخطئ ولو كان مجتهداً فإنه لا يأثم بل له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور ، ولكن المجتهد المصيب له أجران فهو أفضل منه.

نعم..

(المتن)

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَغْلَطَ لَمْ يَجِبْ عَلَى النَّاسِ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ مَنْ هُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ لِئَلَّا يَكُونَ نَبِيًّا؛ بَلْ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ اللَّهِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يُلْقَى إلَيْهِ فِي قَلْبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ وَعَلَى مَا يَقَعُ لَهُ مِمَّا يَرَاهُ إلْهَامًا وَمُحَادَثَةً وَخِطَابًا مِنْ الْحَقِّ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ فَإِنْ وَافَقَهُ قَبْلَهُ وَإِنْ خَالَفَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَمُوَافِقٌ هُوَ أَمْ مُخَالِفٌ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ.

(الشرح)

يعني يقول المؤلف إذا استقر على أن الولي يجوز عليه الخطأ والغلط والنسيان فإنه يترتب على ذلك أنه لا يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله ولي الله إلا أن يكون نبي.. النبي يجب العمل بما يقوله، لكن غير النبي.. يجمع.. إن كان ولي فهذا الولي الذي هو من المؤمنين المتقين يغلط في بعض الأشياء في بعض الأقوال.. قد يغلط قد يكون مفتي ويغلط في فتواه قد يقرر في مسألة ويغلط فيها ، ولهذا لا يجب على الناس الإيمان بجميع أقواله ولا بجميع ما يقوله إنما هذا خاص بالنبي ﷺ هو الذي يجب العمل بجميع أقواله وما عداه (50:00)، ولكن أهل العلم وأهل البصيرة من المؤمنين فيرجع إلى الحق ويبين الحق إذا علمه ويرجع إلى الحق ولا يرى في ذلك غضاضة، والولي الذي هو من أولياء الله قد يلقى إليه في قلبه وقد يلهم يرى إلهاماً فإذا كان بهذه الحالة فإن عليه أن يعرض هذا الإلهام الذي حصل له وهذا الإلقاء في قلبه يعرضه على الكتاب والسنة إن وافقهما قُبل وإن خالفهما رُفض، بعض الناس قد يلقى في قلبه فيما يراه إلهاماً ومحادثة، وقد يكون يفعل هذا بأن يحصل له نعاس وقد يكون في اليقظة يرى إلهام، وفي هذه الحالة هذا الإلهام الذي يكون في نفسه يجب عليه أن يعرض على الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة قُبل وإلا يُرد، ولو كان ولياً ولو كان صديّقاً إذا كان (51:52) الإلهام.

ولهذا الصواب أن الخضر الذي رحل إليه موسى في الرحلة البحرية نبي بخلاف الجمهور، الجمهور يرون أنه عبد صالح وأنه ولي، عبد صالح كيف قتل الغلام وخرق السفينة.. من يقدم على قتل الغلام يركب السفينة ويخرقها.. وهم أحسنوا إليه.. وأركبوه بدون أجرة.. أركبوه بدون أجرة ثم يخرب سفينتهم ويخرقها؟ ويأتي إلى غلام يلعب مع الصبيان فيفك رقبته ورأسه ويلقيه على الأرض.. يقتله.. من يقدم على هذا من إلهام، ويأتي إلى جدار يريد أن يسقط فيبنيه ويستقيم، هل هذا يحصل من إلهام ، الجمهور قال هذا يحصل من إلهام، لكن يقتل نفس بإلهام، وهذا الأمر خطير يقوم به (53:06) والصواب أنه نبي ولكنه أي الخضر ليس بمنزلة موسى، موسى أفضل وهو من أولي العزم الخمسة، أما زكريا فهو دون ذلك نبي.

فالخضر عليه الصلاة والسلام على الصحيح أنه نبي يوحى إليه، لأنه لا يمكن أن يقدم على خرق السفينة وعلى قتل الغلام وعلى إقامة الجدار إلا بوحي ولهذا قال الخضر عند مفارقته لموسى وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، إذا عن أمر من الله ، وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ولكنه مع كونه نبي فموسى أفضل منه، موسى من أولي العزم الخمسة، أنزل عليه التوراة، ومع كون موسى أفضل منه ومع ذلك ذهب موسى ليتعلم منه يدل على أن العلم مشاع، وأنه قد يكون عند المفضول و ليس عند الفاضل.

وأيضاً بيّن المؤلف أنه لا يجوز للولي أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه وينفذ ويطبق كأنه شرع.. لا، يعرض على ما يلقيه الشيطان في قلبه ونفسه ويعرضه على الكتاب والسنة فما وافقه قبل ، وما خالفه رد.

نعم ولهذا فإن الولي لا يكون معصوماً بل قد يغلط وليس له أن يعتمد على ما يلقى في قلبه وعلى ما يقع له إلهاماً بل يجب أن يعرض ذلك جميع ذلك على ما جاء به محمداً ﷺ فإن وافقه قبل وإن خالفه لم يقبل ، فالمحادثات والإلهامات والخطابات هذه كلها لا يعتمد عليها، لا يعتمد عليها في التنفيذ والتطبيق وإنما يعتمد على الشرع، تعرض عليه فما وافقه قبل وما خالفه رد، وإن كان لا يعلم أنها توافقه أو تخالفه يتوقف فيها وتكون له أحوال:

الحالة الأولى أن تكون هذه الإلهامات وافقت الشرع فيعمل به.

الحالة الثانية مخالفة الشرع فلا يعمل به.

 الثالثة لا يدري هل وافقت أو خالفت فهذا يتوقف فيه.

نعم..

(المتن)

وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ " ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ " طَرَفَانِ وَوَسَطٌ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ إذَا اعْتَقَدَ فِي شَخْصٍ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ وَافَقَهُ فِي كُلِّ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا رَآهُ قَدْ قَالَ أَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ بِمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ أَخْرَجَهُ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَهُوَ أَنْ لَا يُجْعَلَ مَعْصُومًا وَلَا مَأْثُومًا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَلَا يُتَّبَعُ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ مَعَ اجْتِهَادِهِ.

 (الشرح)

نعم إذاً الناس في هذا يقول المؤلف ثلاثة أصناف طرفان ووسط:

قسم من الناس عنده غلو إذا اعتقد في شخص أنه ولي الله وافقه في كل شيء، كل شيء يعمله يوافقه، كل شيء يحدثه يوافقه، هذا غلو.. هذا غلو، فالواجب عليه ألا يوافقه إلا إذا وافق الشرع.

الثاني، الصنف الثاني إذا رآه وقد فعل.. قال أو فعل فعلاً غير موافق للشرع فإنه في هذه الحالة يخرجه عن ولاية الله بالكلية ولو كان مجتهداً مخطئاً، يقول خلص ليس من الأولياء لأنه أخطأ.

قال المؤلف وخير الأمور أوسطها وهي أن لا يجعله معصوماً ولا مأثوماً إذا كان مجتهدا  مخطئاً، بعض الناس يجعله معصوم في كل حال، وبعض الناس يجعله مأثوم على كل حال، والحق الوسط ألا يكون معصوماً ولا مأثوماً، بل إذا كان مجتهداً مخطئاً فلا يتبعه في كل ما يقول، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده، لأن الاجتهاد يمنع هذا. نعم..

(المتن)

وَالْوَاجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَأَمَّا إذَا خَالَفَ قَوْلَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَوَافَقَ قَوْلَ آخَرِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَيَقُولَ هَذَا خَالَفَ الشَّرْعَ.

(الشرح)

نعم يعني الواجب على الإنسان اتباع الشرع اتباع ما بعث الله به رسوله، وأما إذا خالف بعض الفقهاء ووافق آخرين فإنه لا يلزم لأنه وإن  خالف قول بعض الفقهاء إلا أنه وافق آخرين، فليس لأحد أن يلزمه بقول المخالف ويقول هو خالف الشرع.

نعم..

(المتن)

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ مِنْهُمْ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ إنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ وَفِيهِ لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ.

(الشرح)

كل هذا مزايا لعمر وأنه محدّث ملهم، ومع ذلك فإن عمر مع كونه ملهم. مع كونه محدث ملهم قد يغلط في بعض الأشياء وقد يرجع عن بعض الأشياء، وقد يأخذ بقول بعض الصحابة، وإن كان محدثاً ملهماً، لا يغتر ويقول أنا محدث ملهم ومع ذلك أرجع إلى شيء لا، الواجب عليه الرجوع إلى الشرع.

عمر مشهور في الإلهام، مشهور بموافقة الحق، قال قد وافقت ربي في ثلاثة.. وافقني ربي في مسألة الحجاب، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، وفي أسرى بدر رأى أن يُقتلوا، مشهور بموافقاته.. مشهور بإلهاماته ومع ذلك ليس بمعصوم، فقد رجع عن بعض الأشياء وغلط في بعض الأشياء، خطب الناس مرة ونهى عن المغالاة في المهور فجاءت امرأة وأراد أن يحدد فقالت ليس لك ذلك، وقالت إن الله تعالى قال وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فرجع وقال كل الناس أعلم من عمر ، وفي قصص.

 ذكر المؤلف رحمه الله وفي قصص ساقها الصديق في هذا ورجع عمر وهو المحدّث الملهم.

فالمؤلف يبين بهذا أن المحدث الملهم ليس له -حتى وإن كان يُخاطب أو يُناجَى- ليس له أن يعمل بإلهاماته أو مخاطباته بإطلاق، بل يعرض هذه الإلهامات على الشرع فما وافقه قبل وما خالفه رد ولو كان محدثاً ملهماً، فلا يستقل بهذه الإلهامات، ولهذا قال النبي ﷺ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ مِنْهُمْ، وفي رواية في حديث الترمذي أنه قال لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة وابن عدي في الكامل وفي حديث آخر إنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة، ومع ذلك فليس بمعصوم، مع هذه النصوص.

نعم..

(المتن)

وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي شَيْءٍ: إنِّي لَأَرَاهُ كَذَا إلَّا كَانَ كَمَا يَقُولُ.

 (الشرح)

نعم ومع ذلك فليس بمعصوم ويرجع عن بعض الأشياء وإن كانت له هذه المزية.. نعم..

(المتن)

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي شَيْءٍ: إنِّي لَأَرَاهُ كَذَا إلَّا كَانَ كَمَا يَقُولُ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ مَلَكٌ.

(الشرح)

قال ابن عمر "ما كان عمر يقول في شيء إني لأراه كذا إلا كان كما يقول"، يعني في الغالب.. المراد في الغالب..

نعم..

(المتن)

وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ اقْتَرِبُوا مِنْ أَفْوَاهِ الْمُطِيعِينَ وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ.

(الشرح)

نعم ومع ذلك ليس بمعصوم..

نعم..

(المتن)

وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ اقْتَرِبُوا مِنْ أَفْوَاهِ الْمُطِيعِينَ وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ فَإِنَّهُ تَتَجَلَّى لَهُمْ أُمُورٌ صَادِقَةٌ.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ الصَّادِقَةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهَا تَتَجَلَّى لِلْمُطِيعِينَ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي يَكْشِفُهَا اللَّهُ لَهُمْ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مُخَاطَبَاتٍ وَمُكَاشَفَاتٍ؛ فَأَفْضَلُ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ.

(الشرح)

نعم وهذه النصوص كلها فيها بيان فضل عمر وفضل الصديق.

 قال ابن عمر "ما كان عمر يقول في شيء إني لأراه كذا إلا كان كما يقول"، يعني في الغالب.. وفي أثر طارق بن شهاب قال "كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسانه ملك"

وكان عمر يقول اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة.. أمور صادقة. وذكر في قوت القلوب وفيه احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة.

فهذه الإلهامات والمخاطبات كلها تعرض على الشرع فما وافقه قبل وما خالفه رد، والأمور الصادقة هي الأمور التي يكشفها الله . يكشفها لهم.. للأتقياء، قال قد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات فيكون ولياً له، وهنا قال أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، قال فإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، وهذا فيه دليل على أن المكاشفات والمخاطبات التي (1:6:50) الإنسان لا يعمل بها ولا يستقل بالعمل بها، بخلاف الوحي فإنه يعمل به استقلالاً أما المخاطبات فلا يعمل بها وتعرض على الشرع فما وافقه قبل وما خالفه رد.

(المتن)

وَهَذِهِ الْأُمُورُ الصَّادِقَةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهَا تَتَجَلَّى لِلْمُطِيعِينَ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي يَكْشِفُهَا اللَّهُ لَهُمْ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مُخَاطَبَاتٍ وَمُكَاشَفَاتٍ؛ فَأَفْضَلُ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ تَعْيِينُ عُمَرَ بِأَنَّهُ مُحَدَّثٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَيُّ مُحَدَّثٍ وَمُخَاطَبٍ فُرِضَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَعُمَرُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا فَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَعْرِضُ مَا يَقَعُ لَهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ فَتَارَةً يُوَافِقُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ كَمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَتَارَةً يُخَالِفُهُ فَيَرْجِعُ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا رَجَعَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ

 (الشرح)

نعم وهذه أمور معروفة وواقعة، يقول المؤلف هذه الأمور.. الأمور الصادقة التي أخبر بها عمر أنها تتجلى للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم، يعني أن الأمور تكشف لهم وهذه من كرامات الأولياء، تتجلى للمطيعين يعني تنكشف لهم وتظهر.

قال المؤلف فثبت أن الأولياء.. لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات، قد يخاطب أحداً أمامه وقد يخاطب الجن ، لهم مخاطبات.

وأفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر ثم عمر، وقد ثبت في الصحيحين تعيين عمر بأنه محدث في هذه الأمة يعني ملهم، فأي محدّث ومخاطب فرض في أمة محمد ﷺ فعمر أفضل منه.. أفضل المحدثين والملهمين ومع هذا كان عمر يفعل ما هو الواجب عليه فيعرض ما يقع له على ما جاء به الرسول ﷺ فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر كما نزل القرآن بموافقته غير مرة، وتارة يخالفه فيرجع عمر عن ذلك كما رجع عنه يوم الحديبية، لما كان في رأيهم.. لما كان قد رأى محاربة المشركين والحديث معهم، كما كان قد رأى محاربة المشركين.

قال المؤلف والحديث ثابت في البخاري وفي غيره، وذلك أن النبي اعتمر في سنة ستة للهجرة وهي عمرة الحديبية تسمى ومعهم المسلمون  وهم ألف وأربعمائة وهم الذي بايعوه تحت الشجرة، وكان قد صالح المشركين على شروط فيها غضاضة منها أن من جاء من المشركين مسلماً فإنهم يردونه ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتداً فإنهم لا يردونه، يعني فيها غضاضة لكن قبلها النبي ﷺ لما (1:10:45 صالح ولما فيه من وحي للنبي ﷺ، ولهذا ما تحمل عمر قال يا رسول الله ألسنا على الحق، قال نعم، قال أليسوا على الباطل لم لا (1:10:59) فقال إِنِّي عَبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ.

نعم..

والمؤلف بين أن للأولياء مخاطبات ومكاشفات وأن أفضلهم عمر ومع ذلك فإن أبا بكر أفضل منه.

وقال المؤلف وقد ثبت في الصحيح أن النبي عيّن عمر بأنه محدّث في هذه الأمة، قال إِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثُونَ، فَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ​​​​​​​.

وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على سيدنا محمد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد