شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب المختار في أصول السنة لابن البناء
  5. شرح كتاب المختار في أصول السنة لابن البناء_2 من الأمر بإكرام الصحابة ولزوم الجماعة إلى فَصْلٌ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ أَنْ يَقُولُوا لِكُلِّ مَنْ يَقُولُ لَا أَقْبَلُ إِلَّا كِتَابَ الله: أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ

شرح كتاب المختار في أصول السنة لابن البناء_2 من الأمر بإكرام الصحابة ولزوم الجماعة إلى فَصْلٌ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ أَنْ يَقُولُوا لِكُلِّ مَنْ يَقُولُ لَا أَقْبَلُ إِلَّا كِتَابَ الله: أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ

00:00
00:00
تحميل
120

| المتن |

الأمر بإكرام الصحابة ولزوم الجماعة:

4ـ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ بِالْجَابِيَةِ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَامَ فِينَا مَقَامِي فِيكُمْ، فَقَالَ: أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ، حَتَّى يَحْلِفَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْيَمِينِ لَا يُسْأَلُهَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا يُسْأَلُهَا، فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَلَا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. ([1]).

| الشرح |

هذا الحديث رفعه عمر بن الخطاب ؛ حيث رواه عن النبي ﷺ، وقال: إن رسول الله ﷺ قام فينا مقامي فيكم، فقال: أَكْرِمُوا أَصْحَابِي... إلى آخر الحديث.

وهو حديث لا بأس بسنده، رواه عبد الرزاق في المصنف، والطبراني في الصغير، والبغوي في شرح السنة، وابن مَنْده في الإيمان، ورواه أحمد في المسند أيضًا من طريق جرير، عن عبد الملك عن عمير، عن جابر، عن سَمُرة قال: خطب عمر الناس بالجابية.

ورواه أحمد أيضًا من طريق علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن سوقة، وصححه الألباني، وهو حديث صحيح.

وفي هذا الحديث أن النبي ﷺ قال: أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْيَمِينِ لَا يُسْأَلُهَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا يُسْأَلُهَا، وهو دالٌّ على ما دلت عليه الأحاديث الأخرى من أن القرون المفضلة ثلاثة، كما في الحديث الآخر: إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ. ([2]). بين النبي ﷺ أن القرون المفضلة ثلاثة، دل على ذلك أحاديث كثيرة بأن القرون المفضلة ثلاثة.

ثم بعد القرون المفضلة حصل الاختلاف والتغير، ولهذا قال: ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْيَمِينِ لَا يُسْأَلُهَا، من عدم تورعه وجرأته يحلف على اليمين قبل أن يسألها، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا يُسْأَلُهَا، كما في الحديث الآخر: ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ، لضعف إيمانهم وقلة ديانتهم.

ثم قال النبي ﷺ: فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ؛ يعني وسط الجنة، فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، يعني: فليلزم جماعة المسلمين، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، هذا الحديث فيه حثٌّ على لزوم الجماعة، ومناسبته للترجمة واضحة، فإن الترجمة (باب وجوب النصيحة ولزوم السنة والجماعة)، فهذا الحديث فيه أمرٌ بلزوم أهل السُّنة، قال: فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ يلزم جماعة المسلمين وإمامهم.

وكما في حديث حذيفة الذي رواه الإمام البخاري، قال: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ([3])، لما سأله عن وقت اختلاف الفِرَق، وهنا قال: فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، يعني: كلما كان الإنسان مع الجماعة كلما بعُد عن الشيطان وعن الاختلاف.

ثم قال النبي ﷺ: وَلَا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، هنا فيه تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وأنه يحرم على الرجل أن يخلو بامرأة ليس لها بمحرم؛ ولو كانت بنت عمه، أو بنت خاله، أو زوجة أخيه، أو زوجة عمه، تعتبر أجنبية منه، فلا يخلو بها في البيت وحدها، أو في السيارة وحدها، أو في المصعد الكهربائي؛ بل لا بد أن يكون معهم ثالث تزول به الخلوة إذا كان في البلد، بشرط ألا يكون هناك ريبةٌ، فإن كان هناك ريبة، حتى ولو كانوا ثلاثة أو أربعة، فإذا لم يكن هناك ريبة زالت الخلوة بأن يكون معهم ثالث، إما أن تكون معه زوجته، أو تكون معه أمه، أو ولدٌ كبير بالغ، أو بنتٌ كبيرة بالغة مع التحشم والتحجب.

أما السفر فلا يجوز السفر ولو كانوا ثلاثة، فلا يجوز للمرأة أن تسافر ولو كانت مع ثلاثة أو أربعة، إلا أن يكون معها محرم، لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. ([4]).

ثم قال النبي ﷺ: وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، فيه دليل على أن المؤمن هو الذي يعمل الحسنة ويُسرّ بها، وإذا عمل سيئة ساءته، وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص.

والشاهد من الحديث: الأمر بلزوم الجماعة في قوله ﷺ: فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، فالواجب على الإنسان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يحذر من الفُرقة والاختلاف.

| المتن |

الخروج عن طاعة الإمام ومفارقة الجماعة:

5ـ وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ؛ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا ([5])، لَا يَخْشَى مُؤْمِنًا لِإِيمَانِهِ، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ ([6]) فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ. ([7]).

6ـ وَأَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بَشْرَانَ، عَنِ الصَّفَّارِ، وَذَكَرَهُ.

وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ غَيْلَانَ.

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَهُ.

| الشرح |

هذا الحديث صحيح، وقد رواه الإمام مسلم كما بيّن المؤلف رحمه الله في صحيحه من طرق عن غَيْلان بن جرير، ورواه عبد الرزاق أيضًا عن معمر ([8])، ورواه الإمام أحمد ([9]).

هذا الحديث يدل على أن من خرج عن الطاعة، وخرج على إمام المسلمين، فهو مرتكب لكبيرةٍ من كبائر الذنوب، وظاهر الحديث الكفر، ولهذا قال النبي ﷺ: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، لكن المراد من الحديث الوعيد.

وقوله ﷺ: وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَخْشَى مُؤْمِنًا لِإِيمَانِهِ؛ يعني لا يبالي بالمؤمن، ولا يبالي بذي العهد؛ فلا يتحاشى ([10]) مؤمنًا، ولا يتحاشى صاحب عهد، قال: وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وهذا وعيد شديدٌ يدل على أنه من الكبائر.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فهذه الفِرَق الضالة الذين خرجوا الآن على المسلمين، وعلى أئمة المسلمين، يفجرون، ويقتلون، ويُهلكون الحرث والنسل، لا يخشون مؤمنًا لإيمانه، ولا يَفُون لذي عهد بعهده.

وذو العهد: هو من دخل إلى البلاد، فهو صاحب عهد، فكل من دخل البلاد وله كفيل، سواء كان من الأفراد أو من الدولة، فهذا يعتبر صاحب عهد؛ فلا نمسه بسوء، ماله معصوم، ودمه معصوم.

وفي الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ([11]) رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. ([12]).

فهؤلاء الذين خرجوا على إمام المسلمين، وعلى جماعة المسلمين، وصاروا يضربون البر والفاجر، ولا يخشون مؤمنا لإيمانه، ولا يفون لذي العهد بعهده، عليهم هذا الوعيد الشديد، (ولا حول ولا قوة إلا بالله)، يقول النبي ﷺ: فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، مما يدل على أنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

ثم قال النبي ﷺ: وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ، يقال: عُمِّية، وعِمِّية، بضم العين وكسرها، لغتان مشهورتان، والميم مكسورة، والياء مشددة، عُمِّية وعِمِّية، وهي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. كذا قال الإمام أحمد وجماعة رحمهم الله تعالى([13])، والمعنى: أنه يقاتل ولا يتبين له وجه القتال، تحت راية لم يعلم وجهها من الشرع وحكمها من الشرع، يغضب للعصبية، أو يقاتل للعصبية، فقِتلته جاهلية.

وليس من هذا قتال الصحابة ، حيث كان ذلك عن اجتهاد وتأويل سائغ، فإن عليًّا بايعه أكثر أهل الحل والعقد، فثبتت له البيعة، واجتهد معاوية وأهل الشام، وتأخروا عن البيعة يطالبون بدم عثمان، فهم مجتهدون، وعلي ومن معه مجتهدون، لكن عليًّا ومن معه مجتهدون مصيبون، لهم أجر الاجتهاد وأجر الصواب، ومعاوية ومن معه اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، وهم الفئة الباغية كما أخبر النبي ﷺ، لكن هم لم يعلموا أنهم بغاة، لما آل إليه اجتهادهم.

وأكثر الصحابة انضموا إلى علي ، عملًا بقول الله -تعالى- : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  [الحجرات: 9] .

فالصواب كان مع علي ولهذا انضم أكثر الصحابة إليه، عملا بالآية الكريمة، أما أهل الشام فكانوا في هذه الأحداث بُغاة، ولذلك قام الصحابة في صفوف علي لقتالهم، وليس معنى هذا أنهم كفروا، فهم مجتهدون مخطئون، وكان هدفهم في ذلك المطالبة بدم عثمان .

فقتال الصحابة لا يدخل في هذا، لأنه قتال عن تأويل سائغ، ولا يدخل في قول النبي ﷺ: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. ([14])، إنما القتال الذي لا يعرف وجهه، كما قال النبي ﷺ: تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ، وليس له دليلٌ من الشرع، وليس عن اجتهاد سائغ.

ومثال القتال تحت راية عِمِّيَّة، ما جاء في الحديث أنه في آخر الزمان يكثر القتال، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ. ([15]). نسأل الله السلامة والعافية.

والحاصل: أن القتال الذي جرى بين الصحابة لا يدخل في هذا الحديث، فهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهد مخطئ له أجر واحد.

وأشكل هذا على بعض الصحابة، واعتزلوا الفريقين، كابن عمر، وسلمة بن الأكوع، وأسامة بن زيد... وجماعة، اعتزلوا الفريقين لما لم يتبين لهم وجه الصواب مع من؟ وخافوا من الأدلة التي فيها النهي عن القتال في الفتنة، وأنه يجب كسر جفون([16]) السيوف في الفتنة.

أما إذا كان مع إمام المسلمين يقاتل مثلا البغاة، ويقاتل الخوارج، أو مع إمام مسلم تمت له البيعة، وجاء إنسانٌ باغٍ يبغي عليه فيقاتل الثاني، كما في قول النبي ﷺ: إِنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ([17])، فَمَنْ أَرَادَ أَنَّ يُفَرِّقَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ. ([18]).

وهذا دليل واضح، أي: إذا اجتمع المسلمون على إمام، وتمت له البيعة وجب السمع والطاعة له بالمعروف، ولا يجوز لأحد أن يفرق الجماعة، فمن جاء ينازعه أو يفرق المسلمين فيقتل الثاني؛ هذا بأمر الشرع بالنصوص.

والشاهد من الحديث: أن النبي ﷺ حث على الجماعة، وتوعّد من فارق الجماعة وحكم على من مات مفارقا لها، بأن ميتته جاهلية، وهذه مناسبة الحديث لترجمة الباب (وجوب النصيحة ولزوم السنة والجماعة).

| المتن |

لزوم الجماعة والتحذير من الفُرقة والاختلاف:

7- أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً يَعْنِي الْأَهْوَاءَ وَكُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. ([19]).

وَرَوَاهُ الْآجُرِّيُّ، عَنِ الصَّنْدَلِيِّ، عَنِ ابْنِ زَنْجَوَيْهِ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَذَكَرَهُ. وَقَالَ فِيهِ: مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأصْحَابِي.

| الشرح |

المراد بأهل الكتابين: اليهود والنصارى .

والمراد بالملة: الأهواء، والأهواء هي البدع .

لأن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين بدعة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين بدعة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة.

والشاهد من الحديث: الحث على لزوم الجماعة، والتحذير من الفُرقة؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فِرقة، كلها متوعدة بالنار لكونها مخالفة للجماعة؛ إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث الآجُرِّيّ بيّن المراد بالجماعة بقوله ﷺ: مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأصْحَابِي، هذه هي الفِرقة الناجية، وهي الطائفة المنصورة، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الجماعة.

أما الفِرق الأخرى فهي فِرق متوعدة بالوعيد، فِرق مبتدعة، لكونها ابتدعت في دين الله ما ليس منه، لكنها ليست فِرقًا من فِرق الكفر، ولهذا قال العلماء: إن الجهمية والقدرية الغلاة خارجون من الثنتين والسبعين فِرقة لكفرهم وضلالهم.

فالحديث فيه صفة الفِرقة الناجية، وفيه الحث على لزوم الجماعة، والتحذير من الفُرقة والاختلاف.

| المتن |

أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة:

8- وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ ([20])، يَقُولُ: «أُصُولُ الْبِدَعِ أَرْبَعَةٌ: الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَالْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُرْجِئَةُ، ثُمَّ تَتَشَعَّبُ كُلُّ فِرْقَةٍ ثَمَانِيَ عَشْرَة طَائِفَةً، فَذَلِكَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً، وَالثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ الْجَمَاعَةُ، الَّتِي قَالَ رَسُولُ الله ﷺ هِيَ النَّاجِيَةُ»، وَرَوَاهُ الْآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ([21]).

| الشرح |

هذا الأثر عن يوسف بن أسباط، ليس حديثًا، ولا قولَ صحابيٍّ، ولكنه قولٌ لبعض أهل الحديث، اسمه يوسف بن أسباط.

والشاهد منه، هو قوله: «أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، ثم تشعبت كل فِرقة ثماني عشرة طائفة، فإذا أربع في ثمانية عشر تكون اثنين وسبعين فرقة»، وهي الفِرق التي أخبر عنها النبي ﷺ في الحديث السابق مباشرة، أصولها أربع فِرق، هي:

الروافض ثماني عشرة فرقة، والخوارج ثماني عشرة فرقة، والقدرية ثماني عشرة فرقة، والمرجئة ثماني عشرة فرقة، فالجميع اثنتان وسبعون فرقة، كلها فرق هالكة، والفرقة الناجية هي الثالثة والسبعون، ولذا قال: «والثالث والسبعون: الجماعة، التي قال رسول الله ﷺ: هي الناجية».

وهذا اجتهاد من يوسف بن أسباط، فليس هناك نص يحدد الاثنتين والسبعين فرقة، وكذلك قوله: إن الروافض ثماني عشرة فرقة، والخوارج ثماني عشرة فرقة، قد ينازع في هذا لأن الخوارج ذكر أهل الفرق أنهم يقاربون أربعا وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة، وكذلك القدرية والمرجئة، والروافض يقال لهم الرافضة؛ لأن الروافض طائفة من طوائف الشيعة.

الفرقة الأولى: الشيعة ([22]):

كما ذكر أهل الفرق، أن الشيعة أربع وعشرون فرقة، منهم الكافر، ومنهم المبتدع، على حسب العقيدة، ولهذا فإنه لا يقال: إن الشيعة كفار، بل يقال: الشيعة طبقات، طبقات وفرق، أربع وعشرون فرقة كما ذكر أهل الفرق، منهم المبتدع، ومنهم الكافر على حسب الاعتقاد، إذا كانت عقيدته توصل للكفر صار كافرًا، وإن كانت عقيدته لا توصل للكفر صار مبتدعًا.

وأعلى طبقة الشيعة النصيرية ([23])، النصيرية الذين يقولون: إن الله حل في علي -والعياذ بالله-، وأن عليًّا في السحاب، وأنه سيخرج، فالذين يقولون: إن الله حلَّ في علي، هؤلاء هم أعلى طبقات الشيعة، وهم أعظم الناس كفرًا -والعياذ بالله-، يقولون: إن الله هو علي، وعلي هو الله.

ثم يليهم المُخَطِّئة؛ طائفة من طوائف الشيعة، وهم الذين خطَّئوا جبريل، وقالوا: إن جبريل أرسله الله بالنبوة والرسالة إلى علي؛ ولكن جبريل خان وأوصلها إلى محمد. ويقولون كلمة مشهورة: غلط الأمين فجازها عن حيدرة. (الأمين ) وهو جبريل، ( فجازها ) يعني الرسالة، ( عن حيدرة ) لقب لعلي ([24]). هؤلاء أيضا كفار بإجماع المسلمين، يقولون: إن الرسول علي وليس محمدا؛ ولكن جبريل أخطأ وخان، أرسله الله إلى علي، فجبريل أخطأ وخان وأوصل وأعطى الرسالة محمدا -نعوذ بالله- هؤلاء يُسَمَّون المُخَطِّئة ([25]).

ثم يليهم الروافض، وسُمُّوا روافض لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما سألوه عن أبي بكر وعمر: ما تقول فيهما؟ قال: هما وزيرا جدي رسول الله، فأبغضوه ورفضوه وتركوه، فقال: «رفضتموني رفضتموني»([26])، فسُمُّوا من ذلك الوقت الرافضة، وكانوا يُسَمَّوْن قبل ذلك: الخَشبية، لأنهم لا يقاتلون إلا بالخشب ([27]).

يقولون: لا قتال بالسيف حتى يخرج المهدي المنتظر؛ وهو الذي دخل سرداب سامراء سنة ستين ومائتين ([28])، وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الذي ينسبونه له وهو الحسن بن علي العسكري مات عقيما ولم يولد له، اختلقوا له ولدا وأدخلوه السرداب وهو طفل ابن ثلاث سنين أو ست سنين، سنة ستين ومائتين، كم مضى عليه؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -في زمانه-: له اليوم أكثر من أربعمائة وأربعين سنة لم يعرف له عين ولا أثر، ولا سمع له أحد بما يعتمد عليه من الخبر ([29]).

 ونحن نقول الآن: مضى عليه مئتان وألف سنة ولم يخرج، دخل سرداب سامراء شخص موهوم، ويقولون: إن الأمة معلقة في دينها حتى يخرج المهدي، ولا يعرفون صيامًا حتى يخرج المهدي، ولا جهادًا حتى يخرج المهدي، ولما فاتهم هذا اختلقوا مسألة الوصاية، صار الخُميني هو الوصي حتى يخرج المهدي المنتظر.

فهؤلاء الروافض -والعياذ بالله- من عقيدتهم عبادة آل البيت، فهم يعبدونهم ويتوسلون بهم، ويسمون بالأئمة الاثني عشرية ([30])، ويسمون بالإمامية لأنهم يقولون بإمامة اثني عشر ([31]).

ويقولون بأن أئمتهم منصوصون معصومون، أي: نص عليهم النبي ﷺ، وهم معصومون من الخطأ، وهكذا روت الشيعة في كتبهم نصوصًا عن الرسول ﷺ، ينص فيها على إمامة كل إمام فمن يليه.

وهؤلاء الأئمة حسب تسلسلهم، هم:

1- علي بن أبي طالب المرتضى 40هـ.

2- الحسن بن علي الزكي 49هـ.

3- الحسين بن علي الشهيد 61هـ.

4- علي بن الحسين زين العابدين 110هـ.

5- محمد بن علي أبو جعفر الباقر 119هـ.

6- جعفر بن محمد الصادق 148هـ.

7- موسى بن جعفر الكاظم 164هـ.

8- علي بن موسى الرضى 203هـ.

9- محمد بن علي النقي 220هـ.

10- علي بن محمد التقي 254هـ.

11- الحسن بن علي العسكري الزكي 260هـ.

12- محمد بن الحسن المهدي، ما زال على قيد الحياة وعمره الآن 1171سنة، فيكون أطول عمرًا من نوح.

هؤلاء الأئمة منصوصون معصومون، نص عليهم الرسول ﷺ؛ ويقولون: إن الرسول نص عليهم، لكن الصحابة أخفوا هذه النصوص، وكفروا وارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ، وولَّوا أبا بكر زورًا وبهتانًا، وهو ليس أهلًا للخلافة، ثم ولَّوا عمرَ زورًا وبهتانًا وهو ليس أهلًا للخلافة، ثم ولَّوا عثمانَ زورًا وبهتانًا وهو ليس أهلًا للخلافة، ثم وصلت النوبة إلى علي الذي هو الخليفة الأول.

فهؤلاء كفَّروا الصحابةَ -والعياذ بالله-، وتكفير الصحابة تكذيب لله، فالله قد زكاهم وعدّلهم ووعدهم بالجنة، كما قال الله –تعالى-: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: ١٠]، الحسنى: الجنة، فكل الصحابة وعدهم الله الحسنى

وقال : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: ٢٩].

وقال : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: ١٠٠]، أليس هذا تعديلًا من الله ؟!

فالله عدَّل الصحابة وزكاهم ووعدهم الجنة، فمن كفَّرهم فقد كذَّب اللهَ، ومن كذَّب اللهَ كفر.

ثم إن لتكفير الصحابة بعدًا خطيرًا جدًّا، ألا وهو رد الدين كله، فإذا كان الصحابة كُفَّارًا وهم الذين نقلوا إلينا الشريعة وحملوها إلينا، فكيف يوثق بدينٍ نقله الكُفَّار؟! نسأل الله السلامة والعافية.

كذلك من عقيدتهم أن القرآن غير محفوظ، وأنه ما بقي منه إلا الثلث، وَقد فُقد منه ثلثاه، وهناك مصحفٌ يسمى مصحف فاطمة يعادل حجمه حجم المصحف الذي بين أيدي أهل السنة ثلاث مرات، وهذا تكذيب لله في قوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجر: ٩]، فهذا تكذيبٌ لله ، ومن كذَّب اللهَ كفر.

ومن ثم تكون عقيدة الروافض فيها كفر من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: عبادة آل البيت.

الوجه الثاني: تكذيب الله في تعديل الصحابة وتزكيتهم ووعدهم بالجنة.

الوجه الثالث: تكذيب الله في أن القرآن محفوظ في قوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجر: ٩].

وبقية فرق الشيعة مبتدعة، كالزيدية الذين يفضلون عليًّا على عثمان، فهؤلاء مبتدعة، فالمقصود أن الشيعة طبقاتٌ منهم الكافر، ومنهم المبتدع.

الفرقة الثانية: الخوارج ([32]):

الخوارج هم الذين خرجوا على عليٍّ والصحابة ، وقتلوا عثمان، وقتلوا عليًّا، ومن عقيدتهم تكفير المسلمين بالمعاصي؛ يقولون: المؤمن إذا فعل كبيرة كفر، وخرج من الملة وخُلِّد في النار، فيقولون: الزاني كافر، وشارب الخمر كافر، والعاق لوالديه كافر، والمرابي كافر، وآكل الرشوة كافر، وهكذا؛ عمدوا إلى النصوص التي جاءت في الكفار فجعلوها في المسلمين، فصاروا يستحلون دماء المسلمين بالمعاصي، ويكفرونهم ويخلدونهم في النار ([33]).

والمعتزلة يوافقونهم في التخليد في النار؛ لكنهم يخالفونهم في الدنيا، فيقولون: إنه في الدنيا إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فكان في منزلة بين المنزلتين، يسمى فاسقا لا مؤمن ولا كافر، والخوارج يقولون: خرج من الإيمان ودخل في الكفر، ويستحلون دمه وماله.

وهم فِرق كثيرة، ما يقرب من أربع وعشرين فرقة -كما ذكر أهل الفرق- .

والجمهور على أنهم مبتدعة، وسئل عليٌّ أَكُفَّارٌ هُمْ؟ قَالَ: «مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا» ([34]).

ومن العلماء مَن كَفَّرُهم، وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أنهم كُفَّار، واستدلوا بالنصوص التي فيها تصريحٌ بكفرهم، كقوله ﷺ في الصحيحين وفي غيرهما: يَمْرُقُونَ ([35]) مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ. (1)، وفي لفظ: يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. (1)، وفي لفظ قال: لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ([36]). فشبههم بعاد وهم قوم كفر.

وسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله يرى كفر الخوارج.

والصحابةُ عاملوهم معاملة المبتدعة -كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- ([37]).

الفرقة الثالثة: القدرية، وهم طائفتان:

أولا: القدرية الكفار:

هم الذين أنكروا المرتبتين من مراتب القدر، ومراتب القدر أربع لا بد من الإيمان بها، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

المرتبة الأولى: علم الله بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات، وإحاطته بذلك علمًا، فعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دل على ذلك قوله -تعالى-: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: ١٢].

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سئل النبي ﷺ عن أولاد المشركين فقال: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ. ([38]).

المرتبة الثانية: كتابة الله –تعالى- لكل شيء مما هو كائنٌ إلى قيام الساعة. قال – تعالى -: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: ٧٠]. وقال – تعالى -: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢].

ومن السنة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. ([39]).

المرتبة الثالثة: المشيئة فإن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال -تعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢]. وقال -تعالى-: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: ٢٩].

وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إذا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِم المَسْأَلَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللهُمَّ إنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. ([40]).

المرتبة الرابعة: خلق الله -تعالى- للأشياء وإيجادها وقدرته الكاملة على ذلك، فهو -سبحانه- خالق لكل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، قال -تعالى-: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر: ٦٢]، وقال– تعالى-: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: ٩٦].

وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين عن النبي ﷺ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. ([41]).

هذه مراتب القدر: العلم، والكتابة، والإرادة، والخلق، وقد جمعها الناظم في قوله:

عِلْمٌ كِتابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ عِلْمٌ كِتابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ

ومن لم يؤمن بهذه المراتب الأربع لم يؤمن بالقدر.

والقدرية الكفار هم الذين أنكروا المرتبتين الأوليين: قالوا: إن الله -تعالى- لم يسبق علمه بالأشياء قبل كونها، وأنكروا كتابتها؛ أي في اللوح المحفوظ، وهم الذين خرجوا في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-.

وهم الذين سأل عنهم حميدُ بن عبد الرحمن الحميري وصاحبه يحيى بن يَعْمَر أولَ ما خرجوا في البصرة، غيلان الدمشقي ([42]) ومعبد الجهني ([43])، قال يحيى بن يعمر: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ -أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ- فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ ([44])، قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ» ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. هذا من أول الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه ([45]).

وهذا الصنف من القدرية، كفَّرهم العلماء، وقالوا: إنهم خارجون من الاثنتين والسبعين فرقة، لماذا؟ لأنهم أنكروا عِلم الله بالأشياء، وقالوا: ما يعلم الله بالأشياء حتى تقع، فنسبوا الله إلى الجهل، لذا هم كفار، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي: «ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا» ([46])، وهذه الطائفة انقرضت.

ثانيا: القدرية المتوسطة:

وهم الذين أثبتوا علم الله بالأشياء، وكتابته له في اللوح المحفوظ، ولكنهم أنكروا عموم الإرادة والمشيئة، وعموم الخلق والإيجاد، فقالوا: إن الله قدَّر كل شيء، وأراد كل شيء؛ إلا أفعالَ العباد من الطاعات والمعاصي، وقالوا: إن الله خالق كل شيء من الذوات والصفات إلا أفعال العباد لم يخلقها؛ بل العباد هم الذين خلقوها بأنفسهم استقلالا.

وذلك لشبهة عرضت لهم، وهي قولهم: لو قلنا: إن الله خلق المعاصي وعذب عليها لصار ظالما. ففرارًا من ذلك قالوا: إن الله ما خلق المعاصي ولا الطاعات، فالعبد هو الذي خلق الطاعة يجب على الله أن يثيبه؛ يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره، وإذا فعل المعصية يجب على الله أن يعذبه ويخلده في النار.

ولزمهم على هذا فظائع، لزمهم: أن يقع في ملك الله ما لا يريد، وأن مشيئة العاصي تغلب مشيئة الله.

أما القول بأن الله -تعالى- خلق المعاصي؛ وإنما خلقها لحِكَم وأسرار، لولا خلق الله للمعاصي والكفر لفاتت عبوديات محبوبة لله، مثل عبودية الجهاد في سبيل الله، وعبودية الولاء والبراء، وعبودية الدعوة إلى الله، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الحب في الله والبغض في الله، لو كان الناس كلهم مطيعين، وليس فيهم عاصٍ، فمن أين هذه العبوديات؟!

والذي ينسب إلى الله إنما هو الخَلق والإيجاد، والخَلق والإيجاد مبني على الحكمة، وهذا هو معنى قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. ([47]). يعني الشر المحض الذي لا حكمة في تقديره ليس إلى الله.

فهذه الطائفة القدرية مبتدعة مِن أجْل الشبهة التي حصلت لهم، لأنهم متأولون، والمراد بالقدرية هم هؤلاء.

الفرقة الرابعة: المرجئة:

هم الذين قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، قالوا: إن الإيمان هو التصديق في القلب.

وهم أربع طوائف ([48]):

الطائفة الأولى: الجهمية:

الذين يقولون: إن الإيمان مجرد معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، ولزمهم على ذلك أن إبليس مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن يعرف ربه بقلبه، -على مذهب الجهم- واليهود مؤمنون يعرفون، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ١٤٦]، وكذلك أيضًا أبو طالب مؤمن؛ بل إن العلماء كفَّروا الجهم([49]) بتعريفه هو، قالوا: هو أجهل الناس بربه، فيكون كافرًا بشهادته على نفسه.

نعوذ بالله، هذا أفسد قول في الإرجاء، وهو مذهب الجهم.

الطائفة الثانية: الكرامية ([50]):

الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد النطق باللسان، فمن نطق باللسان فهو مؤمن؛ ولو كان مكذِّبًا بقلبه، فإن كان مصدقا بقلبه فهو في الجنة، وإن كان مكذبا بقلبه فهو مخلد في النار. فيلزم على قولهم التناقض، وهو أن المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار، قالوا: إذا نطق بالشهادتين فهو كامل الإيمان، وإذا كان مكذبا فيخلد في النار. فيلزم على قولهم أن المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار([51]).

الطائفة الثالثة: الأشعرية:

الذين يقولون: الإيمان مجرد التصديق بالقلب، وهو مروي عن الإمام أبي حنيفة وعليه طائفة من أصحابه.

الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء:

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، وعليه الجماهير من أصحابه، يقولون: الإيمان شيئانِ: تصديق القلب، وإقرار باللسان؛ لكن الأعمال مطلوبة، فهم طائفة من أهل السنة، يقولون: الأعمال مطلوبة لكن ما نسميها الإيمان، الصلاة والصوم والزكاة والحج، والواجبات واجبات، المحرمات محرمات؛ لكن ما نسميها إيمانًا، نسميها بِرًّا، أو تقوى، أو هدى.

وأهل السنة انفصلوا عن جميع الطوائف، فقالوا: إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فالإيمان هو: «تصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويذهب بعضه ويبقى بعضه، ويزيد وينقص، والأعمال تسمى إيمانًا، وتسمى بِرًّا، وتسمى تقوى» ([52]).

وهذا التصنيف المذكور في الأثر اجتهاد من يوسف بن أسباط، وليس هناك دليل يدل على تعداد هذه الفرق.

| المتن |

ترك البدع والبعد عن الفرق واتباع الصراط المستقيم:

9- وَرَوَى الْآجُرِّيُّ الْحَدِيثَ «تَفْتَرِقُ» مَنْ طُرُقٍ وَذَكَرَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ تَلَا فِيهِ قُرْآنًا وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: ١٥٩]، ثُمَّ ذَكَرَ أُمَّةَ عِيسَى فَقَرَأَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: ٩٦]، الْآيَةَ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ أُمَّتَنَا فَقَرَأَ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: ١٨١]».

قَالَ الْآجُرِّيُّ: رَحِمَ اللهُ عَبْدًا حَذِرَ هَذِهِ الْفِرَقَ، وَجَانَبَ الْبِدَعَ، وَاتَّبَعَ وَلَمْ يَبْتَدِعْ، وَلَزِمَ الْأَثَرَ، وَطَلَبَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، وَاسْتَعَانَ بِمَوْلَاهُ الْكَرِيمِ([53]).

| الشرح |

روى الآجُرِّيّ حديث: تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. ([54]) من طرق متعددة، والمعنى أن كل أمة فيها فِرق على الباطل، وفرقة على الحق؛ فاليهود على الباطل وفيهم فرقة على الحق، وهم الذين قال الله فيهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: ١٥٩]، وكذلك النصارى فِرق على الباطل وفرقة على الحق، وهم الذين قال الله : مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة: ٦6]، وهذه الأمة افترقت ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا الفرقة الناجية، وهم الذين قال الله فيهم: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: ١٨١].

قال الآجُرِّيّ رحمه الله في كتابه -يعني كتاب الشريعة –: «رحم الله عبدًا حذر هذه الفرق» يعني: ابتعد عنها، ولم يسلك مسالكها، «وجانب البدع»، يعني: ابتعد عن البدع، «واتبع ولم يبتدع، ولزم الأثر»، يعني: النصوص، ما دلت عليه النصوص، «وطلب الطريق المستقيم»، وهو العمل بكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ والبعد عن البدع «واستعان بمولاه الكريم»، وهذه نصيحة من الإمام الآجُرِّيّ رحمه الله ؛ ينصح بها كل مسلم ويدعو له.

| المتن |

-الباب الثاني-

بَابُ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ الله وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالْجَدَلِ فِيمَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ

حَدِيثٌ وَعَظَنَا رَسُولُ الله ﷺ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ

10- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْفَقِيهُ الْمِصْرِيُّ رحمه الله قَالَ: حَدَّثَنَا النَّجَّادُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ - يَعْنِي الضَّحَّاكَ بْنَ مَخْلَدٍ - عَنْ ثَوْرٍ - يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ - عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله ﷺ  صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ بَعْدِي، الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. ([55]).

وَرَوَاهُ الآجُرِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زُهَيْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.

وَرَوَاهُ عَنِ الصَّنْدَلِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ.

| الشرح |

هذا هو الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب، قال المؤلف رحمه الله: «بَابُ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ الله وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالْجَدَلِ فِيمَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ»، فهذا الباب فيه: الحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والعمل بهما .

وفيه: الحث على ترك البدع .

وفيه: الحث على ترك النظر والجدل فيما يخالف الكتاب والسنة ويخالف أقوال الصحابة.

فهو مكون من ثلاث فقرات:

الفقرة الأولى: الحث على التمسك بالكتاب والسنة.

الفقرة الثانية: الحث على ترك البدع.

الفقرة الثالثة: الحث على ترك النظر والجدل فيما يخالف الكتاب، أو يخالف السنة، أو يخالف أقوال الصحابة.[56]

وهذا الحديث حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ، وفيه أن العرباض بن سارية يقول: إن الرسول ﷺ صلى بهم، بعد صلاة الصبح، ثم وعظهم، ففيه: مشروعية الموعظة، وأن الإمام يعظ أصحابه، ولا بأس بالموعظة بعد الصلوات الخمس كما فعل النبي ﷺ، فإن النبي ﷺ وعظهم بعد صلاة الصبح.

قال العرباض: «فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ» أي: من البكاء، «وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ» أي: خافت منها القلوب، لأنها حارة ومؤثرة ونابعة من القلب، فلهذا أثرت في الصحابة، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، يعني: لكونها مؤثرة كأنك تودعنا فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا.

قوله: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله تقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله -تعالى- في كتابه العظيم: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: ١٣١]، وأصل التقوى: أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة لله، واتباع أمره على ما شرعه ([57]).

قال طلق بن حبيب في التقوى: « العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله »([58]).

والتقوى عمليًّا هي أن تجعل بينك وبين غضب الله وسخطه وقاية تقيك، تجعل بينك وبين النار وقاية، بتوحيد الله وإخلاص الدين له، وأداء حقه، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، والوقوف عند حدود الله، والاستقامة على دين الله.

قوله: وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا الطاعة يعني لولاة الأمور، ولو كان وليُّ الأمر عبدًا حبشيًّا.

وهذا الحديث تقيده الأحاديث الأخرى كقوله ﷺ: لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. ([59]). يعني: الطاعة في طاعة الله، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لقول النبي ﷺ: لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيةِ الخَالِقِ ([60])، ومن الطاعة الواجبة في المعروف، عدم جواز الخروج عليه.

وهذا دليل على أن الولاية تثبت لولي الأمر إذا غلب الناس بقوته وسيفه، فيجب السمع له والطاعة، ولو كان عبدًا حبشيًّا، ولو لم تثبت ولايته بالاختيار؛ لأنه لو كانت الولاية بالاختيار لاختير القرشي، يقول النبي ﷺ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ ([61])، إذا توفرت فيهم الشروط، كما في الحديث الآخر: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ، إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ. ([62]).

فإذا وجد من يقوم بالدين وكان الاختيار للمسلمين اختاروا القرشي، فإن لم يوجد مَن يقوم بالدين من القرشيين يختار من غيره، كما ثبتت الخلافة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بالاختيار ، فالخلافة تثبت بالاختيار، كما ثبتت لأبي بكر، وبولاية العهد كما ثبتت لعمر بولاية العهد من أبي بكر.

والأمر الثالث: إذا ثبتت بالقوة، كما كان الأمر في الدولتين الأموية والعباسية، حيث ثبتت الولاية فيهما بالقوة وبولاية العهد، فيجب السمع والطاعة لولاة الأمور.

وفي اللفظ الآخر حديث أبي ذر : «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ» ([63])، أي مقطوع الأنف والأذن، ففي ذلك أداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله.

أما الاختلاف ففيه الشر والفوضى والاضطراب، وإراقة الدماء، واختلال الأمن والمعيشة والاقتصاد، واختلال الدين، ويحصل فتن وشرور لا أول لها ولا آخر، فالواجب السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف؛ ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف.

قولهﷺ: فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا: هذا فيه عَلَم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر النبي ﷺ أنه سيحصل اختلافٌ، وقد وقع الاختلاف.

ثم قال: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي الزموا سنتي، الواجب لزوم السنة، «وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ بَعْدِي، الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ» سنة الخلفاء الراشدين يؤخذ بها إذا لم يكن في المسألة نص، وفيها سنة للخلفاء الراشدين، ما لم يخالف نصًّا، مثل الأذان الثاني يوم الجمعة سنة الخليفة الراشد عثمان بن عفان ، فلما كثر الناس في المدينة أمر بأن يؤذن الأذان الأول على الزوراء ([64])، وكان في عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وجزء من خلافة عثمان للجمعة أذانٌ واحدٌ، وهو الأذان عند دخول الإمام والخطيب، ثم لما كثر الناسُ واستشار عثمانُ الصحابة أمر بالأذان الأول للتنبيه.

وقد قال النبي ﷺ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ أي: تمسكوا بها. والنواجذ هي: الأسنان التي تلي الأضراس، والمعنى: تمسكوا بها، والإنسان إذا أراد أن يهتم بشيء عض عليه بالنواجذ.

قوله ﷺ: وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ هذا تحذير، محدثات الأمور يعني: الحدث الذي يخالف دين الله ، كما في قول النبي ﷺ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ([65]).

وهذا الحديث -كما هو واضح في الترجمة- يحث على: التمسك بالسُّنة، وعلى طاعة ولاة الأمور، ويحذر من البدع.

| المتن |

حديث أصدق الحديث كتاب الله:

 11- وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله ﷺ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهـَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. ([66]).

وَرَوَاهُ الآجُرِّيُّ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ([67]).

| الشرح |

هذا الحديث صحيح، وفيه: التحذير من البدع والمحدثات.

قوله ﷺ: وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، والمحدثات: كل ما خالف الشرع، فكل ما جاء مخالفًا لكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ فهو بدعة، وهو محدث، وهو من محدثات الأمور، كما قال النبي ﷺ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. وفي لفظ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. ([68]) والبدع كلها ضلال، وفي اللفظ الآخر: وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

| المتن |

الأمر بلزوم السنة:

12- وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ نَاسًا يُجَادِلُونَكُمْ([69]) بِمُشْتَبَهِ الْقُرْآنِ، فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ الله تعالى» ([70]).

| الشرح |

هذا اللفظ موقوف على عمر ، كما في الشريعة لآجرّي، من حديث الليث بن سعد، قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن عبد الله بن الأشج قال: قال عمر: فذكره.

فهذا الأثر عن عمر فيه: الحث على الأخذ بالسنن، قال: فخذوهم بالسنن، هذا هو الشاهد، لزوم السُّنة «إن ناسا يجادلونكم بمشتبه القرآن»، فأهل البدع يجادلونكم بالمشتبه، فإذا جادلوكم بالمشتبه فخذوهم بالسُّنن، فالسُّنة تبين القرآن وتوضحه وتزيل اللبس.

وهذا الموقف الذي اتخذه عمر بن الخطاب كان يشكل موقفًا مشتركًا لدى أصحاب النبي ﷺ، قال محمد بن الحسين الآجُرِّيّ رحمه الله: «وهكذا كان مِن بعد عمر، علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، إذا سأله إنسانٌ عما لا يعنيه عنَّفه، ورده إلى ما هو أولى به، روي أن علي بن أبي طالب قال يومًا: «سلوني»، فقام ابن الكواء فقال: ما السواد الذي في القمر؟ فقال له: «قاتلك الله، سل تَفقُّهًا، ولا تسأل تَعنُّتًا، ألا سألت عن شيء ينفعك في أمر دنياك أو أمر آخرتك ؟» ([71]).

لذا استحب السلف مباعدة أهل الأهواء، وحذروا من مجالستهم، كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: «لَا تُجَالِسْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةُ الْقُلُوبِ»([72])، وقال العالم الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: «صاحبُ بدعَة لا تَأمَنْه عَلى دينِكَ، ولا تُشَاورهُ في أَمْرِكَ، ولا تجلس إِليه، ومَنْ جَلَسَ إِلى صاحِبِ بدعة أَوْرثَهُ اللهُ العَمَى» يعني في قلبه ([73]). وهذا كله فيه الحث على الأخذ بالسنن.

فقال: «فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله». فالسنة لها أحوال مع القرآن كلها تعمل على توضيحه وتبيينه.

مكانة السنة مع القرآن تأتي على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: أن تكون موافقة له، فيأتي الحكم في القرآن والسنة معًا، مثل الأمر بالصلاة والنهي عن الزنا.

الحالة الثانية: أن تكون السنة بيانًا للقرآن وتفسيرًا له، مثل تفسير الزيادة في قوله -تعالى-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس: 26]، فسَّرها ﷺ بالنظر إلى وجه الله تعالى([74])؛ وتفسيره ﷺ للظلم في قوله -تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82] فسرها بالشرك([75]).

الحالة الثالثة: أن تجيء السنة بزيادة حكم لم يرد في القرآن؛ مثل:

- إيجاب استئذان المرأة عند إرادة تزويجها.

- تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.

فالقرآن الكريم والسنة بينهما من التلازم، ما شهدت به كثير من الآيات والأحاديث، قال -تعالى-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].

وقال -تعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80].

وقال -تعالى-: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44].

وقوله ﷺ: وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ([76]). الحديث.

ويجب العمل بالسنة، قال النبي ﷺ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ. ([77]). وقال : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة: ٩٢]، وقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧]، فالسنة وحي ثانٍ، قال الله -تعالى-: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ – ٤].

فالواجب العمل بالسُّنة؛ فهي توضح القرآن، فإذا جادل مجادل بمشتبه القرآن فليأخذ المسلم بالسُّنة، حيث إنها تزيل هذا الاشتباه الذي حصل من أهل البدع، ثم نقل المؤلف رحمه الله عن أبي بكر الآجُرِّيّ في كتاب (الشريعة) نصيحةً لأهل العلم والعقل؛ ماذا يكون موقفهم من أهل البدع الذين لا يعملون بالسنة، فقال:

| المتن |

فَصْلٌ

[يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ أَنْ يَقُولُوا لِكُلِّ مَنْ يَقُولُ لَا أَقْبَلُ إِلَّا كِتَابَ الله: أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ]:

 13- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ رحمه الله: يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ فِي شَيْءٍ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَعَارَضَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ إِلَّا مَا قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ. قِيلَ لَهُ: «أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، وَأَنْتَ مِمَّنْ حَذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ وَحَذَّرَ مِنْكَ الْعُلَمَاءُ». وَقِيلَ لَهُ: «يَا جَاهِلُ إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَهُ جُمْلَةً، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ –تَعَالَى-: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤]، فَأَقَامَ اللهُ نَبِيَّهُ؛ مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْهُ، وَأَمَرَ الْخَلْقَ بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ -تَعَالَى-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا  [الحشر: ٧]، كَمَا حَذَّرَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣]، الْآيَةَ وَقَالَ:فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: ٦٥] . ثُمَّ فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ طَاعَتَهُ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ.

وَقِيلَ لِهَذَا الْـمُعَارِضِ لِسُنَنِ الرَّسُولِ: «يَا جَاهِلُ! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: ٤٣] أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ، وَالظُّهْرَ أَرْبَعٌ، وَالْعَصْرَ أَرْبَعٌ، وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثٌ، وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ أَرْبَعٌ؟ أَيْنَ تَجِدُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتَهَا وَمَا يُصْلِحُهَا وَمَا يُبْطِلُهَا إِلَّا مِنْ تَبْيِينِ النَّبِيِّ؟

وَمِثْلُهُ الزَّكَاةُ: أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً، وَمِنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةً، وَمِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ أَيْنَ تَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللهِ.

وَكَذَلِكَ جَمِيعُ فَرَائِضِ اللهِ الَّتِي فَرَضَهَا فِي كِتَابِهِ لَا نَعْلَمُ الْحُكْمَ فِيهَا إِلَّا بِسُنَنِ الرَّسُولِ.

هَذَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ عُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا خَرَجَ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِي مِلَّةِ الْـمـُلْحِدِينَ، نَعُوذُ بِالله مِنَ الضَّلَالَةِ بَعْدَ الْهُدَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَبِيِّنَا؛ وَعَنْ صَحَابَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ.

| الشرح |

هناك طائفة يُسَمَّوْن القرآنيين؛ الذين يزعمون أنهم لا يعملون إلا بالقرآن، وهؤلاء كذبوا، لو كانوا يعملون بالقرآن لعملوا بالسُّنة، لأن الله أمر بالأخذ بالسنة، فقال : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة: ٩٢]، وقال :وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧].

فيقول أبو بكر الآجُرِّيّ رحمه الله: «يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ فِي شَيْءٍ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَعَارَضَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ إِلَّا مَا قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ».

وقد مر بنا أن السنة تُبيِّن القرآن، حيث أقام الله نبيه ﷺ مقام البيان، فالرسول مبلِّغ عن الله ومُبيِّنٌ، ولذلك جاء القرآن مُنَبِّهًا على أهمية السنة النبوية، في مواضع عدة من كتاب الله ، ومن ذلك:

أمر بطاعة النبي ﷺ، ونهاهم عن معصيته فقال : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة: ٩٢]، ثم فرض على الخلق طاعته؛ يعني طاعة الرسول، في نيف وثلاثين موضعا من كتابه، والنيف يعني ما زاد عن الثلاثين؛ يعني فيما يزيد على الثلاثين موضعا كلها فيها الأمر بطاعة النبي ﷺ.

أمره بالانتهاء عما نهاهم عنه الرسول ﷺ، فقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧].

حذرهم أن يخالفوا أمر رسوله ﷺ، قال : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣]، هذا وعيد شديد.

نفى الله الإيمان عمَّن لم يُحكِّم النبي ﷺ في النزاع، فقال : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  [النساء: ٦٥].

ومما يرد به أهل السنة على منكري السنة النبوية، القائلين بعدم الأخذ بسنن الرسول: إذا كنت لا تأخذ بالسُّنة؛ فكيف تؤدي الصلاة؟ التي قال الله في وجوبها: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: ٤٣]، فأين تجد في كتاب الله أن الفجر ركعتان، والظُّهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع؟ فهذا ليس مقررًا في القرآن، وإنما موجود في السنة.

وأين تجد أحكام الصلاة، من بيان أركان الصلاة، وواجباتها، وغير ذلك؟ هل تجدها في القرآن؟

وأين تجد تحديد المواقيت؟ ستجد في القرآن قوله : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: ١٠٣]، يعني: مفروضة في أوقات، لكن ما هو تحديد الأوقات؟ وأن صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظِلُّ كل شيء مثله، والعصر إلى اصفرار الشمس، والمغرب إلى بياض الشفق، لا تجد هذا في القرآن، وإنما تجده في السنة، فبيان هذا مُفَصَّل في السنة، وليس في القرآن.

والزكاة أين تجد في كتاب الله أنه يجب ربع العشر في الدراهم؛ في كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن عشرين دينارا نصف دينار، وفي الغنم في الأربعين شاة شاة، وفي خمس من الإبل شاة، لا تجد هذا إلا في السُّنة، وكذلك جميع الفرائض.

يقول المؤلف رحمه الله: «هذا قول العلماء علماء المسلمين»، من قال غير هذا خرج من ملة الإسلام، ودخل في ملة الملحدين، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. ولا شك أن من أنكر السُّنة وجحدها كافرٌ؛ لأنه مكذب لله ، ومن كذب الله كفر، ومن جحد السنة، أو لم يعمل بها وقال: لا أعمل بها. واعتقد أنه لا يجوز العمل بها فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين.

قال السيوطي رحمه الله: «إن من أنكر كون حديث النبي ﷺ قولًا كان أو فعلًا بشَرطِه المعروف في الأصول حُجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله مِن فِرق الكفرة» ([78]).

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله ، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها، والاكتفاء بالقرآن فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا، وكفر كفرًا أكبر، وارتدّ عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذّب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلًا عظيمًا فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم عليه، وكذب به، وجحده، ونبغت نابغة بعد ذلك، ولا يزال هذا القول يذكر فيما بين وقت وآخر، وتسمى هذه النابغة الأخيرة «القرآنية»، ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السُّنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كُتبت بعد النبي ﷺ بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط؛ إلى غير هذا من الترهات والخرافات، والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفرًا أكبر بواحًا؛ فإن الله أمر بطاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- واتباع ما جاء به، وسمى كلامه وحيًا في قوله -تعالى-: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ – ٤]، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة، وقد أمر ﷺ أن تُبَلَّغ سُنته، فكان إذا خطب أمر أن تُبلّغ السنة، فدل ذلك على أن سُنته ﷺ واجبة الاتباع، وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحًا»([79]).

| الحواشي |

([1]) أخرجه الترمذي: أَبْوَابُ الْفِتَنِ ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ ، رقم (2165) وقال: حسن صحيح غريب ، وابن ماجة :كتاب الأحكام ، بَابُ كَرَاهِيَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْ ، رقم (2363) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

([2]) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور، رقم (2651)، مسلم: كتاب فضائل الصحابة، رقم (2533).

([3]) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ، رقم (3606) ، ومسلم: كتاب الإمارة ، رقم (1847).

([4]) أخرجه البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة، رقم (1088)، ومسلم: كتاب الحج ، رقم (1339).

([5]) الفاجر: الفاسق غير المكترث المنغمس في المعاصي.

([6]) العصبية: التحمس للأهل والمدافعة عنهم ظالمين كانوا أو مظلومين.

([7]) أخرجه مسلم : كِتَابُ الْإِمَارَةِ  ، رقم (1848).

([8]) أخرجه معمر بن راشد في جامعه: بَابُ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ ، رقم (20707).   

([9]) أخرجه أحمد في المسند: رقم (8061).

([10]) يتحاشى: لا يفزع لذلك ولا يكترث له ولا ينفر منه.

([11]) أي: لم يجد لها ريحا، وفيه ثلاث لغات: لم يَرَحْ، ولم يَرِحْ، ولم يُرَحْ. وأصلها: رِحْتُ الشيءَ أراحُهُ وأرِيحُهُ وأرَحْتُهُ إذا وجَدْتَ رائحتَهُ.

([12]) أخرجه البخاري: كتاب الجزية، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم، رقم (3166).

([13]) انظر: تهذيب اللغة (3/ 157)، ومشارق الأنوار (2/ 88) .

([14]) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، رقم (121)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (65).

([15]) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم (2908).

([16]) جُفُون السُّيوف: أغمادُها، وَاحِدُها جَفْنٌ. النهاية: جفن. انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 280) .

([17]) الهنات: الشرور والفساد، والشدائد والأمور العظام. انظر: لسان العرب (15/ 355) .

([18]) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، رقم (1852).

([19]) أخرجه أحمد في المسند : رقم (16937)، و الحاكم في المستدرك : كتاب العلم ، فَصْلٌ: فِي تَوْقِيرِ الْعَالِمِ  ، رقم (443) وقال "هَذِهِ أَسَانِيدُ تُقَامُ بِهَا الْحُجَّةُ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ" .

([20]) يوسف بن أسباط الشيباني: الزاهد الواعظ،... وثقه يحيى بن معين، و قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البخاري: كان قد دفن كتبه فكان لا يجيء بحديثه كما ينبغي. (ميزان الاعتدال في نقد الرجال: (4 / 462). وقال المقريزي: وقال حجاج: ما رأيت أحدا وصف ( بخير ) إلا رأيته دون ما وصف؛ إلا يوسف بن أسباط. مختصر الكامل في الضعفاء: ( 1 / 801).

([21]) أخرجه الآجُرِّيّ في الشريعة (1/303/20)، وابن بطة في الإبانة (1/376/276).

([22]) الشيعة: هم الذين شايعوا عليًّا ، وقدموه على سائر الصحابة ، ثم ظهرت فيها السبئية المنتسبون إلى عبد الله بن سبأ فادعوا إمامة علي بالنص، وقالوا: بالغيبة والرجعة، ثم ساقوا الإمامة في ذريته على اختلاف بينهم، والشيعة فرق كثيرة منهم الغالي ومنهم دون ذلك، ثم صار التشيع ستارًا للفرق الباطنية الملحدة. انظر: مقالات الإسلاميين ( 1 / 65 )، والملل والنحل (1 / 146 ).

([23]) النصيرية: بضم النون، وفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة بنقطتين، بعدها راء مهملة، وهذه النسبة لطائفة من غلاة الشيعة، يقال لهم: النصيرية، والنسبة إليها نصيري، وهذه الطائفة ينتسبون إلى رجل اسمه نصير، وكان في جماعة قريبًا من سبعة عشر نفسًا، كانوا يزعمون أن عليًّا هو الله، وهؤلاء شر الشيعة. انظر: الأنساب (5 / 498).

([24]) قال علي :

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَه

كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْـمَنْظَرَه

أوفيهِمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَه

انظر: الطبقات الكبرى (2 / 112)، ومصنف ابن أبي شيبة ( 7 / 393)، وفضائل الصحابة لابن حنبل ( 2 / 606).

([25]) انظر: المواقف للإيجي ( 3 / 682).

([26]) انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، محمد الرازي ( 1 / 52).   

([27]) كان إبراهيم بن الأشتر لقي عبيد الله بن زياد وأكثر أصحاب إبراهيم معهم الخشب، فسموا الخشبية. المعارف لابن قتيبة (1 / 622). وقال البلاذري في أنساب الأشراف (6 / 397): «كان أصحاب المختار يُسَمَّون الخشبية، لأن أكثرهم كانوا يقاتلون بالخشب، ويقال إنهم سُمُّوا الخشبية لأن الذي وجههم المختار إلى مكة لنصرة ابن الحنفية، أخذوا بأيديهم الخشب الذي كان ابن الزبير جمعه ليحرق به ابن الحنفية وأصحابه فيما زعم، ويقال بل كرهوا دخول الحرم بسيوف مشهورة، فدخلوه ومعهم الخشب ولم يسلُّوا سيوفهم من أغمادها».

([28]) قال ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف (1 / 152): «المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أثر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم اخرج يا مولانا اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه».

([29]) انظر: منهاج السنة النبوية ( 4 / 87).

([30]) انظر: الفرق بين الفرق: ( ص64)، والتنبيه والإشراف: (ص 198)، ومنهاج السنة: ( 4/209).

([31]) انظر: الأنساب: (1/344)، واللباب: (1/84).

([32]) انظر: الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4 / 293).

([33]) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (1/ 291).

([34]) أخرجه عبد الرزاق: كِتَابُ اللُّقَطَةِ ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَرُورِيَّةِ ، رقم (18656)، وابن أبي شيبة : كِتَابُ الْجَمَلِ  ، بَابُ مَا ذُكِرَ فِي صِفِّينَ ،رقم (37848).

([35]) يمرقون: يجوزون ويخرقون ويخرجون.

(1) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله : وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ [الحاقة: 6]، رقم (3344)، ومسلم: كتاب الزكاة ، رقم (1064).

(1) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3611)، ومسلم: كتاب الزكاة ، رقم (1066).

([36]) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق.

([37]) من تراث شيخ الإسلام ابن تيمية (صـ 127).

([38]) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (1384)، مسلم: كتاب القدر، رقم (2658).

(([39] أخرجه مسلم: كتاب القدر، رقم(2653).

([40]) تقدم تخريجه.

(([41] أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ. رقم (3019).

([42]) غيلان بن مسلم الدمشقي، أبو مروان: تنسب إليه فرقة الغيلانية من القدرية، وهو ثاني من تكلم في القدر ودعا إليه، لم يسبقه سوى معبد الجهني، واتهم بأنه كان في صباه من أتباع الحارث بن سعيد، المعروف بالكذاب، وقيل: تاب عن القول بالقدر، على يد عمر بن عبد العزيز، فلما مات عمر جاهر بمذهبه، فطلبه هشام بن عبد الملك، وأحضر الأوزاعي لمناظرته، فأفتى الأوزاعي بقتله، فصلب على باب كيسان بدمشق. [عيون الأخبار، لابن قتيبة 2: 345 و 346 وفهرست ابن النديم: الفن الثاني من المقالة الثالثة. ولسان الميزان 4: 424 واللباب 2: 186].

([43]) معبد بن عبد الله بن عليم الجهني البصري: أول من قال بالقدر في البصرة، سمع الحديث من ابن عباس وعمران بن حصين وغيرهما، وحضر يوم (التحكيم) وانتقل من البصرة إلى المدينة، فنشر فيها مذهبه، وعنه أخذ (غيلان) المتقدمة ترجمته وقيل: صلبه عبد الملك بن مروان بدمشق، على القول في القدر.

انظر: تهذيب التهذيب (10: 225)، وميزان الاعتدال (3: 183)، وكتاب الضعفاء الصغير للبخاري، وشذرات الذهب (1: 88)، والبداية والنهاية (9: 34).

([44]) الأمر أُنُف: أي مُسْتأنَفٌ اسْتئنافا من غير أن يكون سبق به سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على اختيارك ودخولك فيه.

([45]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، رقم (8).

([46]) انظر: مجموع الفتاوى ( 23 / 349) .

([47]) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (771).

([48]) انظر: مقالات الإسلاميين ( 1 / 132).

([49]) جهم بن صفوان هو: أبو مُحْرِز السَّمَرْقَندِي، رأس الجَهْمِيَّة مِن أكذَبِ الناس على الله –تعالى- وأَعْظَمِهم فتنةً وضلالةً في الدِّين، وكان مِن أعظم الناس نفيًا لصفات الله –تعالى- وأسمائه، قال الذهبي في الميزان: ما علمته روى شيئًا، لكنه زرع شرًّا عظيمًا، هلكَ زمن التابعين سنة (128هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (6/204).

([50]) نسبوا إلى محمد بن كرام السجستاني. انظر: مفاتيح العلوم ( 1 /47).

([51]) انظر: الفرق بين الفرق ( 1 / 9).

([52]) انظر: اعتقاد أهل السنة ( 4 / 931)، ومجموع الفتاوى ( 7 / 387) .

([53]) انظر: الشريعة للآجري (1/314/29)

([54]) تقدم تخريجه.

([55])أخرجه أبو داود :كتاب السنة ، بَابٌ فِي لُزُومِ السُّنَّةِ ، رقم (4607)، و الترمذي : أبواب العلم ،بَابُ مَا جَاءَ فِي الأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ البِدَعِ ،  رقم (2676) ، وقال: حسن صحيح ، وابن ماجه : المقدمة ، بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ  ، رقم(42) ، وقال الحاكم: صحيح ليس له علة.

[56] - ذكر المحقق الشيخ عبدالرزاق –حفظه الله- فائدة نقلها عن ابن حبان، قال ابن حبان بعد روايته لهذا الحديث: في قوله ﷺ: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن، قال بها، ولم يُعَرِّج على غيرها من الآراء من الفرق الناجية في القيامة، جعلنا الله منهم بمنه.

([57]) انظر: المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال، (ص 299).

([58]) انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 601) ثم عقَّب الذهبي رحمه الله قائلا: أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل، ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله .

([59]) تقدم تخريجه.

([60]) تقدم تخريجه.

([61]) أخرجه أحمد في المسند :رقم (12307).

([62]) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قريش، رقم (3500).

([63]) أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (648).

([64]) الزوراء: ممدود وبعد الواو راء، هو موضع بالمدينة عند السوق قرب المسجد، وذكر الداودي أنه مرتفع كالمنار. انظر: مشارق الأنوار (1/315).

([65]) تقدم تخريجه.

([66]) تقدم تخريجه.

([67]) تقدم تخريجه.

([68]) تقدم تخريجه.

([69]) المجادلة: المخاصمة والمحاورة.

([70]) أخرجه الدارمي:المقدمة ، بَابُ التَّوَرُّعِ عَنِ الْجَوَابِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، رقم (121) ، والآجري في الشريعة (1/408/93) ، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/250/83)، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/139/202).

([71]) انظر: الشريعة للآجري (1 / 458/154).

([72]) أخرجه الآجري في الشريعة (1/452/133)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/438/371) .

([73]) أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/459/437).

([74])  أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، رقم(181).

([75]) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب ظلم دون ظلم، رقم (32).

([76]) أخرجه مسلم: كتاب الحج، رقم (1218).

([77]) أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4604).

([78]) انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص5).

([79]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 9 / 176 - 178 ).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد