شعار الموقع

شرح كتاب الطهارة من سنن أبي داود_4

00:00
00:00
تحميل
37

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

 باب سؤر الهرة 

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة : «أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءًا فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات». 

(الشرح) 

وهذا الحديث فيه حميدة مقبولة، والمقبول إذا وجد له شاهد فإنه يكون حسنًا لغيره، ويشهد له الحديث الذي بعده.وفيه دليل على أن سؤر الهرة طاهر، وسؤر الهرة يعنى ما يبقى بعد أكلها وشربها، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم العلة وَهِيَ المشقة في الدوران والطواف, قَالَ: «إنها من الطوافين عليكم والطوافات».  

فدل على أن سؤر الهرة وهو ما يبقى بعد أكلها وشربها طاهر، والهرة طاهرة في الحياة, وَإِنَّمَا النجاسة في بولها وفضلاتها, لكن سؤرها طاهر, وَهُوَ ما يبقى بعدها, وقاس العلماء على الهرة كل ما يشابهها في مشقة التحرز منه بالدوران والطواف كالفأرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العلة «إنها من الطوافين عليكم والطوافات». والفأرة كالهرة في الدوران والطواف, ولهذا يقول العلماء: وسؤر الهرة وكل ما دونها في الخلقة فهو طاهر كالفأره. 

قَالَ: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك .  

(المتن) 

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه: «أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها، فوجدتها تصلي فأشارت إلي أن ضعيها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها». 

(الشرح) 

الشيخ: إيش قَالَ عَنْ تخريجه؟ 

الطالب: قال المنذري : قال الدارقطني : تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذا اللفظ. 

الشيخ: وهذا الحديث يشهد للحديث السابق فيكون حسنًا، الحديث السابق فِيهِ حميدة مقبولة,(.....) فيدل عَلَى أن هَذَا الحديث حسن, وهو يدل على أن سؤر الهرة وهو الباقي من أكلها وشربها طاهر، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم العلة وهي مشقة التحرز منها لكثرة الطواف والدوران. 

(المتن) 

باب الوضوء بفضل المرأة 

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان». 

(الشرح) 

وهذا رواه النسائي ورواه ايضا مسلم، وفيه دليل على أنه لا بأس بالوضوء من فضل المرأة, وفضل المرأة يشمل ما إِذَا كَانَ الاغتسال جميعًا, كأن يغتسل هُوَ وزوجته, فإنها إِذَا غرفت من الماء ثُمَّ غرف منه فيكون فضلاً, ويشمل ما إذا توضأت أو اغتسلت وبقي في الإناء شيء ثم توضأ بعدها، وهو دليل على أنه لا بأس بفضل وضوء المرأة. 

وأما الحديث الآخر الذي سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن فضل وضوء المرأة فهو محمول على التنزيه على الصحيح. 

(المتن) 

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن ابن خربوذ عن أم صبية الجهنية قالت: «اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد». 

(الشرح) 

إيش قَالَ عَنْ تخريجه ؟ 

الطالب: أخرجه ابن ماجة. 

الشيخ: والذي قبله.  

الطالب: قال: أخرجه البخاري والنسائي وأحمد ومسلم. 

الشيخ: وأم صبية الجهنية ما يبين المؤلف رحمه الله هل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم محرمية؟ َهَذَا محمول على أنه كان بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم محرمية إما من جهة الرضاعة ومن جهة الصهر، أو أن هذا كان قبل الحجاب؛ لأنه لا يمكن أن تتوضأ وهي كاشفة أمام النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان بينهما محارم؛ لأن هذا يقتضي أن تبدي وجهها ويديها ورجليها. 

(.....) أنه كان قبل الحجاب، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها محرمية من جهة الرضاع أو الصهر. 

الطالب: هنا قال: وفيها -يعني: النسخة الهندية التي بين أيدينا- ورد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها بدلًا من الاقتصار على أم صبية في هذا الكتاب، قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا وكيع بن الجراح عن أسامة بن زيد عن ابن خربوذ، عن أم صبية الجهنية عن عائشة رضي الله عنها قالت وسندت الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من إناء واحد. 

الشيخ: فيها اقتصار على عائشة ؟ (.....) تحقيق من؟ 

الطالب: أحدث طبعة هِيَ الطبعة التانيه أخرجها الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد عام 1950, هِيَ مرقمة الأبواب والأحاديث ثُمَّ تليها طبعة الهند(.....) سنه1912. 

(المتن) 

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال مسدد - من الإناء الواحد جميعًا». 

(الشرح) 

وهذا كان قبل الحجاب، أما بعد الحجاب فكان يختص بالمحارم والزوجات. 
والمراد بالوضوء: غسل الأطراف، واستعمال الماء في الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين، هذا الوضوء، أما الاستنجاء فمعروف كــــــــــــــل يستنجي على حدة. 

«ويغترفون من الإناء جميعًا», فيه دليل على أنه لا بأس بالوضوء من فضل المرأة؛ لأنه بعد اغترافها يكون فضلًا. 

(المتن) 

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن عبيد الله: حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء ندلي فيه أيدينا». 

(الشرح) 

قوله: «ندلي فيه أيدينا», يعني: إذا أدلت المرأة يدها ثم أدلى يده بعدها صار فضلًا، ففضل وضوء المرأة يشمل ما إذا كان يغترفا منها جميعًا, ويشمل ما إِذَا توضأت ثُمَّ توضأ بعدها مِمَّا بقي في الإناء. إيش قَالَ عَلَى تخريجه 

الطالب: قَالَ: في الحديث السابق الذي قبله قال البخاري والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأحمد، وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن خزيمة. 

(المتن) 

باب النهي عن ذَلِكَ 

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري قال: لقيت رجلًا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة» زاد مسدد: «وليغترفًا جميعًا». 

(الشرح) 

إيش قَالَ عَلَى تخريجه؟ 

الطالب: أخرجه النسائي وأورده ابن حجر في الفتح، وقال: رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي: أنه في معنى المرسل مردودة؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ثم قال: وتحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعًا بين الأدلة. 

الشيخ: كلام من هَذَا؟ 

الطالب: ابن حجر عفا الله عنك. 

الشيخ: والحديث فيه النهي عن الوضوء بفضل المرأة، لكنه محمول على التنزيه؛ بدليل الأحاديث السابقة، ومنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد يغترفان جميعًا»؛ ولما سيأتي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل طهور ميمونة». 

فأحاديث النهي تحمل على التنزيه، والذي صرفها عن التحريم إلى التنزيه الأحاديث التي فيها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل طهور ميمونة»، وهذا  الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه يغترفان جميعًا» هذا هو الصواب. 

وذهب الجمهور إلى أن النهي منسوخ بأحاديث الجواز، لكن الصواب أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، فإذا أمكن الجمع فإنه مقدم؛ لأن فيه عملًا بالأحاديث من الجانبين. 

أما إذا لم يمكن الجمع فإنه يصار إلى النسخ إذا عرف التاريخ، وهنا أمكن الجمع، فيحمل النهي على التنزيه، فَإِذَا لَمْ يوجد غيره فتركه أولى, إن وجد غير فضل طهور المرأة فإن الأولى والأفضل أن يتوضأ بغيره، وإن لم يجد غيره زالت الكراهية، والكراهة كراهة تنزيه، ولو توضأ بفضل طهور المرأة مع وجود غيره فلا حرج. 

والرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وفعله يصرف النهي من التحريم إلى التنزيه. 

(المتن) 

حدثنا ابن بشار حدثنا أبو داود -يعني الطيالسي - حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو -وهو الأقرع - رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة». 

(الشرح) 

إيش قَالَ عنه؟ 

الطالب: قال أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد، وقال الكندي: قال في شرح السنة: لم يصحح محمد بن إسماعيل حديث الحكم بن عمرو، إن ثبت فمنسوخ. 

قال الخطابي: وجه الجمع بين الحديثين -إن ثبت حديث الأقرع -: أن النهي إنما وقع التطهر بفضل ما تستعمله المرأة من الماء، وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهر به، دون الفضل الذي تسؤره في الإناء. 

الشيخ: المقصود الَّذِي يبقى, لاشك أَنَّهُ محمول عَلَى التنزيه إن صح, الكلام في الأحكام (.....) يقول هو الأقرع الصحابيان تقريب الحكم بن عمرو إن صح محمول على التنزيه. 

الطالب: قال الترمذي في كتاب العلل: سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث -يعني: حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو - فقال: ليس بصحيح. قال: وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب الصحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ.تم كلامه. 

الشيخ: ما هُوَ حديث عبد الله بن سرجس ؟ 

الطالب: ذكره عثمان قال: حدثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن معمر عن عاصم بن سليمان عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أنه قال: أترون هذا الشيخ؟ يعني: نفسه، فإنه قد رأى نبيكم صلى الله عليه وسلم وأكل معه، قال عاصم: فسمعته يقول: لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد، فإن خلت به فلا تقربه، فهذا هو الذي رجحه البخاري. 

وحديث النهي عن الاغتسال بفضل وضوء الرجل والمرأة أخرجه ابن ماجة ولفظه عن عبد الله بن سرجس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة من فضل وضوء الرجل، ولكن يشرعان جميعًا». 

الشيخ: كأنه رواه بالمعنى, يقول: «نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل» رواه بالمعنى، وعلى كل حال الحديث كأن البخاري ما صححه ، لكن حديث عبد الله بن سرجس وفيه ايضا حديث ميمونة: «أن النبي توضأ بفضل ميمونة», هَذَا في النهي, فيكون النهي محمولًا على التنزيه، إِذَا لَمْ يوجد غيره فتركه أولى وإن وجد غيره زالت الكراهة. 

الطالب: والحكم بن عمرو الغفاري ويقال له: الحكم بن الأقرع صحابي نزل البصرة ومات بمرو. وأبو حاجب قال: هو سوادة بن عاصم العنزي بالنون والزاي أبو حاجب البصري صدوق، يقال: إن مسلمًا أخرج له. 

الشيخ: ما ذكر سبب العلة الَّتِي على صحة البخاري, ما أشار إليها ابن القيم؟ 

الطالب: ما أشار إليها. 

الشيخ: (.....) سواء صح أو لَمْ يصح فحديث عبد الله بن سرجس يكفي محمل عَلَى التنزيه. 

(المتن) 

باب الوضوء بماء البحر 

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق قال: إن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أخبره: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «سأل رجل رسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته». 

(الشرح) 

وهذا الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وسأل الترمذي البخاري رحمه الله فقال: إنه صحيح، وهو دليل على طهورية ماء البحر وحل ميتته، وأن ماء البحار والأنهار الأصل فيها الطهارة، وكذلك ماء الأمطار والغدران والثلوج إذا ذابت كلها طاهرة، والبحر طهور ماؤه وحل ميتته. 

والنبي صلى الله عليه وسلم زاد السائل عن سؤاله وفيه دليل على أن المفتي إذا سأله سائل ورأى أنه يحتاج إلى شيء ملابس لسؤاله فإنه يفتيه به ويزيده خيرًا؛ فالسائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه»، ولما كان الإنسان الذي يركب البحر قد يحتاج إلى معرفة حكم أكل ميتته بين له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»، هذا من الزيادة على السؤال زاده ؛ سأل عن طهورية ماء البحر أو حكم الوضوء بماء البحر فأفتاه بأن ماء البحر طهور، وزاده خيرًا فأخبره أن ميتته حلال، وفي الحديث الآخر: «أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والسمك» وهو دليل على أن ما يموت في البحر هو حلال، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة/96]. 

(المتن) 

باب الوضوء بالنبيذ 

  حدثنا هناد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: «ما في إداوتك؟ قال: نبيذ.قال: تمرة طيبة وماء طهور». 

(الشرح) 

وفي رواية الترمذي: «فتوضأ منه»، وفي رواية أحمد: «فتوضأ منه وصلى به». 
والنبيذ يطلق على عصير العنب وغيره؛ يجعل في الماء زبيبًا فيكون نبيذًا، أو يجعل فيه تمرًا فيكون نبيذًا، أو يجعل فيه شعيرًا عصير، وهذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بالنبيذ, قال لـ ابن مسعود: «تمرة طيبة وماء طهور»، وفي رواية الترمذي: «فتوضأ منه»، وفي رواية أحمد: «فتوضأ منه وصلى به». 

لكن الحديث ليس بصحيح هذا الحديث ضعيف فيه علل متعددة، منها: أن شريكًا سيئ الحفظ، ساء حفظه لما تولى القضاء. 

ومنها: الاختلاف في أبي فزارة؛ اختلف في اسمه. 

ومنها: جهالة أبي زيد. 

والعلة الرابعة: أن ابن مسعود لم يحضر ليلة الجن، فلا يحتج به بما دل عليه من الوضوء بالنبيذ؛ لأن النبيذ ليس ماءً مطلقًا، فلا يقال له: ماء، والله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء/43]. 

فهو ماء مقيد وليس ماءً مطلقًا، قال ماء النبيذ وماء الزعفران وماء المرق لا يقال له: ماء، ولو قيل لإنسان: ائتني بماء ثم جاءه بزعفران أو جاء بمرق أو جاء بنبيذ لم يكن منفذًا لطلبه، وعلى ذلك فلا يصح الوضوء بالنبيذ؛ لأنه ليس ماءً مطلقًا لهذه العلل فالحديث غير صحيح، وإنما يتوضأ بالماء المطلق، أما الماء الذي يعصر من الأشجار فلا يسمى ماءً، بل هو ماء مقيد: عصير برتقال أو يجعل في الماء تمر فيكون نبيذًا، يسمى مريس عِنْد أهل نجد, أو أن يجعل فيه زبيب فيكون نبيذًا، أو يجعل فيه زعفران أو حبر ما يسمى ماءً، أو مرق أو عصير البرتقال أو عصير التفاح لا يتوضأ به؛ لأن هذا ليس ماء مطلق، وإنما هو ماء مقيد, وهذا الحديث ليس بصحيح. إيش قَالَ عَلَيْهِ؟ 

الطالب: قال: أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد, وقال في الزوائد: مدار الحديث على أبي زيد وهو مجهول عند أهل الحديث، كما ذكره الترمذي وغيره، وضعف إسناده أحمد شاكر والألباني رحمهما الله تعالى. 

الشيخ: فالحديث ليس بصحيح لعدة علل: جهالة أبي زيد، وضعف شريك، وكذلك الاختلاف في أبي فزارة، وكذلك في كون ابن مسعود لم يحضر، كما سيأتي في الرواية بعد هذه أن ابن مسعود لم يحضر ليلة الجن. 

الطالب: قال سليمان بن داود: عن أبي زيد أو زيد، كذا قال شريك، ولم يذكر هناد ليلة الجن. 

(المتن) 

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن داود عن عامر عن علقمة قال: قلت لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد. 

(الشرح) 

وهذا يدل على أن قوله في الحديث السابق: إن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ليس بصحيح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان معه أحد، وَإِنَّمَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أراه آثارهم, ابن مسعود وغيره, لما انتهوا الجن ذهب بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأراهم آثارهم وآثار نيرانهم. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا بشر بن منصور عن ابن جريج عن عطاء قال: إنه كره الوضوء باللبن والنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب إلي منه. 

(الشرح) 

اللبن والنبيذ ليسا بماء، فلا يتوضأ بهما، فإذا لم يجد إلا لبنًا أو نبيذًا تيمم؛ لأنه ليس ماءً مطلقًا، ولعل الكراهة كراهة تحريم فلا يجوز الوضوء بهما. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو خلدة قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به؟ قال: لا. 

(الشرح) 

نعم صدق لا يغتسل به؛ لأنه ليس ماءً, تكلم عَنْ الكراهة؟ والكراهة هنا تحمل على كراهة التحريم وأنه ممنوع لا يتوضأ به. 

(المتن) 

باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟  

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه: أنه خرج حاجًا أو معتمرًا ومعه الناس وهو يؤمهم، فلما كان ذات يوم أقام الصلاة صلاة الصبح، ثم قال: ليتقدم أحدكم وذهب إلى الخلاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء». 

قال أبو داود: روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم، والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير. 

(الشرح) 

يعني: أن هذا الحديث بعضهم زاد رجلًا، وبعضهم رواه عن عبد الله بن الأرقم، فيحتمل أنه رواه عنه بواسطة وبدون واسطة. إيش قَالَ عَنْ تخريجه؟ 

الطالب: قال المنذري: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة. 

الشيخ: والحديث دليل على تقديم الخلاء على الصلاة، والخلاء: أصله الفضاء والصحراء، والمراد: قضاء الحاجة، فإذا كان الإنسان يريد أن يقضي حاجته من بول أو غائط يعني حاقنًا أو حاقلًا، والحاقن هو: الذي يدافع البول، والحاقل هو: الذي يدافع الغائط، فإذا حضرت الصلاة وهو يدافع الأخبثان فإن عليه أن يقدم قضاء الحاجة على الصلاة؛ زاد في حديث مسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان». 

والمؤلف رحمه الله ما جزم بالحكم في الترجمة، قال: باب: أيصلي الرجل وهو حاقن؟ والمسألة فيها اختلاف بين أهل العلم: هل تصح صلاة من صلى وهو حاقن أو لا تصح؟ فالجمهور على أنها تصح مع الكراهة. 

وذهب الظاهرية إلى أنها لا تصح، وقالوا: إن النهي والنفي بقول: لا صلاة، ولا يصل الرجل، هو للتحريم، والجمهور يرون أن النهي للتنزيه. 

وأستثنى بعضهم: إذا ضاق الوقت فله أن يصلي في حاله، وقال آخرون: لا يصلي حتى ولو ضاق الوقت، بل عليه أن (.....) قضاء الحاجه، وكذلك إذا كان بحضرة الطعام يأكل ونفسه تتوق إليه ثم يصلي ويتطهر ولو بعد خروج الوقت. 

وذهب الظاهرية إلى أنها لا تصح صلاة الحاقن والحاقل، وقالوا: إنه لا صلاة بحضرة الطعام، هذا نفي لوجود الصحة، لا نفي: «لا صلاة» نفي للصحة، يعني: لا تصح الصلاة لا وجود للصلاة الشرعية, والجمهور على أن النفي نفي للكمال. 

الطالب: بعض مرضى الكلى (.....) البول وَقَدْ يدركه وقت الصلاة هَلْ يقال له يصلي عَلَى حالته؟ 

الشيخ: إِذَا كَانَ يتشوش الحكم واحد ينتظر, المهم التشويش؛ لِأَنَّ الحكمة من النهي حتى (.....) يتفرغ للصلاة، ولا تجوز صلاته وقلبه مشوش، لكن إذا كانت المدافعة يسيرة فأرجو ألا يكون عليه حرج أما إذا كانت المدافعة شديدة فلا ينبغي، بل ينبغي أن يستفرغ ثم يصلي. 

الطالب: (.....). 

الشيخ: إذا كان المدافعة يسيرة وما فيها تشوش (.....) حرج. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وحدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي حزرة حدثنا عبد الله بن محمد -قال ابن عيسى في حديثه: ابن أبي بكر ثم اتفقوا- أخو القاسم بن محمد قال: كنا عند عائشة رضي الله عنها فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي، فقالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». 

(الشرح) 

وفي رواية مسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». 

قوله: «لا يصلى بحضرة الطعام» لا يُصلِى أو لا يُصلَي، محتمل، لا يُصلِي الرجل، أو لا يُصلَى، فرواية: «لا يُصلَى» نفي، مثل رواية: «لا صلاة بحضرة الطعام»، وإن كان: «لا يُصلِي» -يعني: الرجل بحضرة الطعام؛ فتكون للنهي، ويكون النهي للتحريم عند الظاهرية، والنفي نفي لوجود الصلاة, «لا صلاة» لا صلاة شرعية، لا وجود للصلاة، نفي للصحة, لا تصح الصلاة إلا بحضرة الطعام. 

والجمهور على أن النهي للتنزيه، والنفي نفي الكمال، يعني: لا صلاة كاملة بحضرة الطعام, وعلى كل حال لا شك أن الأولى أن يستفرغ الإنسان. 

فصلاة من يدافع الأخبثان أو بحضرة طعام, إِمَّا باطلة وَإِمَّا مكروهة, لكن إذا كانت مدافعة يسيرة ليست مدافعة شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وأما إذا كانت المدافعة شديدة فلا ينبغي، وهذا عذر في ترك الجماعة، ولو فاتته الجماعة، فمن كان بحضرة طعام ونفسه تتوق إليه وقدم الطعام فهذا أحق، عذر، وقد كان ابن عمر يتعشى وهو يسمع قراءة الإمام، وهذا من فقهه رضي الله عنه. 

وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان هذا عذر في ترك الجماعة، فيستفرغ ولو فرط في الجماعة؛ لأنه إذا صلى في هذه الحالة يكون قلبه مشوشًا، فإذا استفرغ أقبل على الصلاة، فهذا من الأعذار في ترك الجماعة، فمن كان يدافعه الأخبثان ومن كان بحضرة طعام يشتهيه ونفسه تتوق إليه. 

أما إذا كان لا تتوق نفسه إليه فالأمر في هذا واسع، وإذا قدم الطعام فإنه يأخذ نهمته ولو بعد الأذان، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعتاد تقديم الطعام بعد الأذان، فإذا سمع النداء قال: هات الطعام، هذا معناه (.....) التعمد لترك الجماعة، لكن إذا قدم بدون طلب وكان بحاجة، فيأخذ نهمته منه. 

أما إذا كان الإنسان جائعًا ونفسه تتوق وحضر الطعام فإنه في هذه الحالة يقدم الطعام ولو فاتته الجماعة، ويكون هذا عذرًا له، كما أن من أكل كراثًا أو ثومًا أو بصلًا فهذا عذر له في ترك الجماعة، وليس له أن يأتي المسجد، ولا يصلي مع الناس وله رائحة كريهة، ويكون هذا عذر في ترك الجماعة، لكن إذا تعمد أكل الكراث والثوم والبصل (.....) لترك الجماعة صار آثمًا، لكن لو أكل بدون تعمد أو أكل محتاجًا للعلاج فهذا عذر، وكذلك الطعام إذا كان نفسه تتوق إليه عذر، وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان. 

أما إذا كانت المدافعة ليست شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وبكل حال فالصلاة إما مكروهة وإما باطلة، إما مكروهة مع الصحة وهو قول الجمهور، وإما باطلة كما يراه الظاهرية، والقول: ببطلانها قول قوي. 

لكن الجمعة وقتها واسع، يستطيع الإنسان أن يتهيأ لها قبل ذلك، ويعتني يحاول بقدر الإمكان أن يتقدم, لكن لو اضطر إلى هذا بأن دافعه الأخبثان أو أصابه إسهال فهذا عذر له ولو فاتته الجمعة أو الجماعة، يذهب فإذا أحس في بطنه شيئًا يخرج وهذا عذر له. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا ابن عياش عن حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قومًا فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف». 

(الشرح) 

إيش قَالَ عَلَى تخريجه؟ 

الطالب: قال المنذري: أخرجه الترمذي وابن ماجة, (.....) وقال الألباني أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، قلت: في إسناده اضطراب وجهالة، (.....) وقال ابن خزيمة في الطرف الأول منه: إنه موضوع، وأما بقية الحديث فله شواهد. 

الشيخ: يعني: في سنده اضطراب، وأما قوله: «لا يصل وهو حقن» فهذا له شواهد كما سبق. 

وقوله في النهي عن النظر في بيت بغير إذنهم: «لا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن» يعني: ليس له أن ينظر في بيت إلا بإذنهم، وهذا جاء في الحديث النهي عنه، «لو اطلع أحد على بيتك فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح»، وهذا حديث ثابت. 

وقوله: «فقد دخل» يعني: من اطلع من غير إذن فقد دخل، يعني: حكمه حكم من دخل البيت. 

 «من أم قومًا بغير إذنهم ثم خص نفسه بالدعاء فقد خانهم» يعني: في الدعاء الذي يؤمَّن عليه، كدعاء القنوت وغيره، أما الدعاء الخاص كالدعاء بين السجدتين في التشهد فهذا يخص نفسه معروف، لكن فيما يؤمن عليه الناس مما يجهر فيه الإمام ويؤمن عليه، معروف لعله النهي عن النظر في بيت هذا جاء في الحديث له شواهد إلا قوله: «فقد دخل», وكذلك أيضًا النهي عن الصلاة وهو حاقن. 

الطالب: (.....) 

الشيخ: نعم عَلَى التقدير مبتدأ نكرة، والنكرة لا يجوز الابتداء بها إلا إذا أفادت، ولهذا يقول ابن مالك: ولا يجوز الابتداء بالنكره إذا لم تفدك عند زيد النمره  (.....). 

(المتن) 

حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا أحمد بن علي حدثنا ثور عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف» ثم ساق نحوه على هذا اللفظ قال: «ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قومًا إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم». 

(الشرح) 

قوله: «وهو حقن» (.....) الحاقن هو الذي يدافعه البول، فليس له أن يصلي وهو حقن كما سبق الخلاف. 

 «ولا يؤم قومًا وهم له كارهون» إذا كانوا يكرهونه بحق، أما إذا كانوا يكرهونه بغير حق فكراهتهم له بغير حق لا تؤثر، فإن كانوا فساقًا أو عصاة ويكرهونه لاستقامته ليست بحق، وأما إذا كانوا يكرهونه بحق فهذا هو الذي لا ينبغي, وكذلك إذا خص نفسه بالدعاء، إن ثبت هذا الحديث؛ كما سبق فيه اضطراب، تكلم على سنده؟ 

الطالب: (.....) 

الشيخ: يعني: كان (.....) يدعو لنفسه دون (.....) ، وأما النهي عن الصلاة وهو حقن، والنهي عن الاطلاع على بيت قوم هذا له شواهد. 

الطالب: قال أبو داود: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد. 

الشيخ: لم يشركهم يعني: الرواة الشاميون. 

(المتن) 

باب ما يجزئ من الماء في الوضوء 

حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد». قال أبو داود: رواه أبان عن قتادة قال: سمعت صفية. 

(الشرح) 

وهذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: «كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»، فيه مشروعية الاقتصاد في الماء. 

والمد: ملء كفي الرجل المتوسط اليدين خلقة إذا مد يديه؛ ولهذا تسمى مد، يملؤه ثم يمد يديه، والصاع أربعة أمداد، فالمد حفنة، والصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط. 

والصاع أربعمائة وثمانين مثقالًا، والمثقال اثنتان وسبعون حبة شعير، هكذا قدرت، فالضابط: أن الصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد». 

وجاء: أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بثلث المد كما سيأتي، واغتسل هو وبعض أزواجه في إناء يسع ثلاثة آصع. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد». 

(الشرح) 

وهذا الحديث ضعيف؛ يزيد بن أبي زياد هذا ضعيف، لكن الحديث ثابت رواه الشيخان وغيرهما: «كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد». إيش قَالَ عَلَيْهِ؟ (.....) 

الطالب: قال في التقريب: يزيد بن أبي زياد ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن، وكان شيعيًا. 

الشيخ: فهو ضعيف، لكن الحديث ثابت له شواهد في الصحيحين وغيرهما. 

(المتن) 

حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حبيب الأنصاري قال: سمعت عباد بن تميم عن جدته وهي أم عمارة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فؤتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد». 

(الشرح) 

وهذا أقل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء به، ثلثي المد، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، وهذا ثلثي المد فيه مشروعية الاقتصاد بالماء، وعدم الإسراف والإكثار، وأنه يتوضأ بالمد وبثلثي المد فإنه مع التبليغ يكفي. 

الطالب: (.....) 

الشيخ: لا بأس (.....) لكن مع الاقتصاد قد لا يكون عنده الاناء الان (.....). 

(المتن) 

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع». 

قال أبو داود: ورواه شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر سمعت أنسًا إلا أنه قال: «يتوضأ بمكوك» ولم يذكر «رطلين». 

(الشرح) 

والمكوك: هو المد، فكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بالمد إلى خمسة مكاكيك، يعني: يغتسل بخمسة مكاكيك, يتؤضأ بالمكوك المد، إيش قَالَ عَلَى تخريجه؟ 

الطالب: قَالَ في الحديث الأول: متفق عَلَيْهِ. 

الشيخ: ثلثي المد؟ 

الطالب: نعم عفا الله عنك. 

الشيخ: والمكوك هَذَا ثابت في الصحيحين, والمكوك هُوَ المد, تكلم عَنْ المكوك؟ 

الطالب: نعم عفا الله عنك, قال في ضبط المكوك: بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها، جمعه مكاكيك ومكاكي، ولعل المراد بالمكوك هاهنا: المد، قاله النووي. 

وقال ابن الأثير: أراد بالمكوك: المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه، وجمعه: المكاكي، بإبدال الياء من الكاف الأخيرة، والمكوك: اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف الاصطلاح في البلاد.انتهى. 

قلت: المراد بالمكوك هاهنا: المد لا غير؛ لأنه جاء في حديث آخر مفسرًا بالمد. 
قال القرطبي: الصحيح: أن المراد به هاهنا المد؛ بدليل الرواية الأخرى. 

وقال الشيخ وليد بن عراقي في صحيح ابن حبان في آخر الحديث: قال أبو خيثمة: المكوك: المد. 

الشيخ: وهذا ثابت في الصحيحين: «كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»، والمكوك: هو المد، مكيال يعني. 

الطالب: قال أبو داود: ورواه يحيى بن آدم عن شريك قال: عن ابن جبر بن عتيك قال: ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى قال: حدثني جبر بن عبد الله. 

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع: خمسة أرطال. 

قال أبو داود: وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم. 

(المتن)  

باب: الإسراف في الوضوء 

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سعيد الجريري عن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء». 

(الشرح) 

والاعتداء في الدعاء: أن يكون السؤال فيه تعنت، وسؤال ما لا يليق به أن يسأله، والسؤال بإثم أو قطيعة رحم، أو كأن يسأل الله منازل الأنبياء، هذا من الاعتداء {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف/55]، وهذا من الاعتداء، قوله: اللهم إني أسألك القصر الأبيض إذا دخلت الجنة، هذا من الاعتداء؛ ولهذا أنكر عليه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، وقال: «سل الله الجنة، واستعذ به من النار»، إذا دخلت الجنة حصلت على كل خير، من دخل الجنة فله الكرامة وله النعيم. 

فلا ينبغي للإنسان أن يعتدي وأسألك كذا وكذا، أسألك منازل الأنبياء، هذا اعتداء عدوان، أو يدعو بإثم أو قطيعة رحم، هذا من العدوان, وكذلك الاعتداء في الطهور في الإسراف، ومجاوزة الثلاث في غسل الأعضاء، أو الإكثار من صب الماء. 

الطالب: قال في تخريجه: صحيح أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن حبان في صحيحه. 

الشيخ: وشواهده من القرآن الكريم {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف/55]. 

فلا ينبغي للإنسان أن يعتدي، يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار، ولا يتجاوز الحد، ولا يدع على غير من ظلمه، ولا يدع بإثم ولا بقطيعة رحم، ولا يسأل شيئًا لا يليق به أن يسأله. 

(المتن)  

باب في إسباغ الوضوء 

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قومًا وأعقابهم تلوح فقال: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء». 

(الشرح) 

وهذا فيه الوعيد على من لم يبلغ أعضاء الوضوء. 

جاء في الرواية الأخرى: «أن الصحابة أرهقتهم الصلاة فتأخروا، فجعلوا يسرعون في الوضوء، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ورأى أعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار» وفي لفظ: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار، أسبغوا الوضوء». 

وإسباغ الوضوء يعني: إكماله وإتمامه، وإيصال الماء إلى الأعضاء من غير إسراف, وهذا الحديث رواه الشيخان بسند آخر «ويل للأعقاب من النار»  

الطالب: قال المنذري: وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة، واتفق البخاري ومسلم على إخراجه عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو بنحوه. 

الطالب: (.....) 

الشيخ: هذا قول ضعيف, والصواب أنه شدة العذاب والهلاك, قيل:«ويل», وادٍ في جهنم، بعيد قعره خبيث طعمه, لكنه لا يثبت. 

الطالب: (.....) 

الشيخ:  لا شك أنه لا يجوز المسح على النعلين إلا إذا كان على وضوء، كما ثبت عن علي رضي الله عنه: أنه مسح على النعلين قال: هذا وضوء من لم يحدث, فإذا كان على وضوء ولم يحدث يجدد الوضوء ويمسح على النعلين فلا بأس. 

وهذا الوعيد الذي مر مثل: «ما أسفل من الكعبين ففي النار»، يعني: يعاقب هذا الموضع، لكن المعلوم أن الإنسان يتألم «كمثل الجسد الواحد إذا تألم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». 

فإذا أصيب شيء من جسم الإنسان من يتحملها (.....) تلهبها النار. 

(المتن) 

باب الوضوء في آنية الصفر 

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرني صاحب لي عن هشام بن عروة: أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبه». 

(الشرح) 

التور: آنية مثل الطست أو أقل من الطست، والشبه: الصفر، سمي «شبه» لأنه يشبه الذهب في البريق واللمعان، والحديث منقطع؛ لأن هشام بن عروة لم يسمع من عائشة، وكذلك فيه رجل مبهم. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن العلاء أن إسحاق بن منصور حدثهم عن حماد بن سلمة عن رجل عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. 

(الشرح) 

وهذا متصل؛ لأن هشام بن عروة رواه عن أبيه، لكن بقي فيه رجل مبهم، قيل: إن هذا الرجل المبهم هو شعبة، وعلى هذا فلا إشكال، والحديث متصل. 

 والشبه هو الصفر يدل على أنه لا بأس الوضوء من إناء النحاس، ومثله الإناء من الزجاج أو إناء من حجر أو من معدن أو من حديد، إلا الذهب والفضة فإنه لا يجوز للمسلم أن يتوضأ منها رجلًا كان أو امرأة، أما المرأة فإنها تتحلى بالذهب والفضة، تتحلى في يديها وفي رجليها وفي أصابعها، لكن لا تستعمل إناء الذهب والفضة في الوضوء ولا في الشرب, ولا في الأكل, ولا في الكحل ولا في القلم ولا في النظارة, يستعمله في التحلي, وما عدا ذلك فالرجل والمرأة سواء, ولا يجوز للرجل والمرأة أن يشرب ويأكل في آنية الذهب والفضة ولا يتوضأ بهما, ولا أن يجعل مكحلة من ذهب أو فضة أو نظارات من ذهب أو فضة, والرجل لا يلبس ساعة من ذهب, والمرأة لا بأس أن تلبس ساعة من ذهب؛ لأن هذا من باب التحلي. 

والمقصود: أنه لا بأس بالوضوء من أي إناء كان سواء كان من النحاس، كما في هذا الحديث، شبه الصفر، وسمي شبه لأنه يشبه الذهب في اللون، فلا بأس أن يتوضأ الإنسان ويشرب من إناء صفر أو حديد أو معدن أو زجاج أو حجر أو خشب إلا الذهب والفضة. 

(المتن) 

حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو الوليد وسهل بن حماد قالا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: «جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صفر فتوضأ». 

(الشرح) 

والصفر: النحاس، استدل بهذا على أنه لا بأس بالوضوء من إناء النحاس. 

الطالب: قال في تخريجه: أخرجه البخاري وابن ماجة وأحمد. 

(المتن) 

باب في التسمية على الوضوء 

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه». 

(الشرح) 

وهذا الحديث ضعيف؛ لأن يعقوب بن سلمة فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة، وكذلك الأحاديث التي في التسمية في الوضوء كلها ضعيفة؛ ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية مستحبة. 

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى وجوب التسمية عند الوضوء، ورأى أن أحاديث التسمية وإن كانت ضعيفة لكن يشد بعضها بعضًا، ويقوي بعضها بعضًا، فتكون من باب الحسن لغيره، وذهب إلى هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله أيضًا في كتاب الإرشاد، وفي التفسير، وكذلك الحافظ ابن حجر وابن الصلاح قالوا: إن الأحاديث يقوي بعضها بعضًا، وقالوا: وإن كان كل فرد منها ضعيفًا إلا أنه يقوي بعضها بعضًا؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن التسمية واجبة مع الذكر، وإذا نسي فلا حرج، لكن مع التذكر يجب عليه أن يسمي. 

والجمهور على أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث ضعيفة، وهذا الحديث ضعيف؛ يعقوب هذا فيه كلام، ولم يسمع من أبيه، وكذلك أبوه لم يسمع من أبي هريرة. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: وذكر ربيعة: أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»: أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءًا للصلاة ولا غسلًا للجنابة. 

(الشرح) 

تأويل يعقوب هذا ضعيف  مخالف لظاهر الحديث، تأويل التسمية بالنية ضعيف, «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» فسره يعقوب بأن الذي لا ينوي الوضوء لا وضوء له، والذي لا ينوي الغسل لا غسل له، وهذا صحيح، لكن ليس هذا معنى الحديث، فتفسير التسمية بالنية من يعقوب تفسير ضعيف مخالف لظاهر الحديث، فالحديث فيه التسمية؛ أن «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله» لا وضوء لمن لم يسم. 

أما تأويله التسمية بأنها من النية، لا وضوء لمن لم ينو الوضوء، ولا غسل لمن لم ينو الغسل، إذا اغتسل ونوى التبرد ولم ينو الوضوء لا غسل له، وإذا غسل أعضاءه ولو كان مرتين وهو لم ينو الوضوء لا وضوء له، نعم هذا صحيح، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، لكن تفسير التسمية بالنية في هذا الحديث ليس بظاهر. 

الطالب: (.....) 

الشيخ: (.....) 

الطالب: قال في تخريجه: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المعروف بـ ربيعة الرأي، وثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت، أحد مفتي المدينة. 

وقال مصعب بن الزبير: أدرك بعض الصحابة والأكابر من التابعين، وكان صاحب الفتوى في المدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس في المدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتمًا، قال مطرف: سمعت مالكًا يقول: ذهب حلاوة الفقه منذ مات ربيعة. 

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يا أهل العراق! تقولون: ربيعة الرأي! والله! ما رأيت أحدًا أحفظ للسنة منه. 

مات سنة مائة وست وثلاثين بالمدينة أو بالأنبار. 

الشيخ: وهو الشيخ الإمام ابن مالك رحمه الله، لكن تأويله هذا ليس بوجيه. 

(الشرح) 

باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها 

حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين و أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده».1.6.45@ 

(الشرح) 

وهذا رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه النهي عن غمس اليد في الإناء من القائم من نوم الليل، والنهي للتنزيه عند الجمهور، وقيل: للتحريم وهو الصواب؛ لأن هذا هو الأصل، ولا يصرف عن التحريم إلا بصارف، أما الجمهور فإنهم حملوه على التنزيه، وإذا غمس يده في الإناء فهذا خاص بالقائم من نوم الليل؛ لقوله: «لا يدري أين باتت يده»؛ لأن البيتوتة إنما تكون في الليل. 

أما من استيقظ من نوم النهار وكذلك غير النائم فلا ينهى عنه، لكن يستحب له أن يغسلها ثلاثًا قبل أن يدخلها في الإناء، كما جاء في حديث عمران وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه غسل يديه ثلاث مرات»، لكن من نوم الليل، فيجب عليه أن يغسلها ثلاثًا على الصحيح، ويحرم أن يدخلها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا، وإن كان الجمهور يرون أنه للتنزيه، وأن الأمر للاستحباب. 

وإذا غمس يده في الإناء فلا ينجس على الصحيح، وقيل: ينجس. 

والصواب: أنه لا ينجس، لا يدل على نجاسته إلا إذا تغير أحد أوصافه، أو كان في يده نجاسة وتغير أحد أوصافه، وإلا فلا ينجس؛ لحديث أبي سعيد «إن الماء الطهور لا ينجسه شيء». 

(المتن) 

حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: بهذا الحديث- قال: «مرتين أو ثلاثًا» ولم يذكر أبا رزين. 

(الشرح) 

يعني: يغسل يده مرتين أو ثلاثًا، والصواب: أنه يغسلها ثلاثًا. 

الطالب: (.....) قال في تخريجه: رواه أحمد، والبخاري في الوضوء باب الاستجمار وترًا، ومسلم في الطهارة، وابن ماجة والترمذي والنسائي. 

الشيخ: وكونه يغسلها ثلاثًا ثم يتوضأ هذا يستحب في كل وضوء ثلاثًا، لكن يتأكد عند الاستيقاظ من نوم الليل. 

فالغسل هذا مستحب، قبل أن يتوضأ يغسلها ثلاثًا حتى ولو من غير نوم الليل، لكن في نوم الليل الأفضل أن يغسلها ثلاثًا، الغسل المطلوب، حتى لو لم يكن يريد أن يغسلهما؛ لأنه قد يحتمل أن يكون فيهما أذى، فلو لم يغسلهما وتوضأ وفيها بعض الأذى فقد يكون فيهما (.....) ، وقد يكون أصابه دم من بعض الحشرات، قال بعضهم عن أهل الحجاز: إنهم يستجمرون والبلاد حارة، وربما أصابت يده دبره، المقصود: أنه يغسلها ثلاثًا حتى ولو لم يرد؛ لتنظيفها. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي مريم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، أو أين كانت تطوف يده». 

(الشرح) 

والبيتوتة إنما تكون في الليل. قال في تخريجه: إسناده صحيح. 

(المتن) 

باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم 

حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: «رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثًا فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه». 

(الشرح) 

وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وفيه أن الغسل يكون ثلاثًا، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثًا، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثًا، وهذا أكمل الوضوء لأن غسل كل عضو ثلاثًا، أولًا: غسل يديه ثلاثًا (.....) ، ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، واليسرى ثلاثًا، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثًا، وغسل رجله اليسرى ثلاثًا. 

هذا أكمل الوضوء، التثليث في كل عضو ما عدا الرأس. 

ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، والأذن مرتين، ورجله مرتين, ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة. 

ويجوز أن يكون مخالفًا، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثًا، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة. 

وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: «إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه».  

والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». 

وفي لفظ: «ما لم تغش الكبائر»، وفي لفظ: «ما لم تغش كبيرة»، وفي لفظ: «ما لم تصب المقتلة». 

هذه سنة الوضوء، سنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى وكان في وقت الضحى وصلى سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت سنة الوضوء فيها. 

وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها راتبة أو للضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها في صلاة الليل وفي سنة الضحى وفي الراتبة. 

كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة. 

يستحب حتى ولو وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي. 

الطالب: (.....). 

الشيخ: (.....) قال: «ما توضأت وضوءًا في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين». 

(المتن) 

حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثًا، ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه» ولم يذكر أمر الصلاة. 

(الشرح) 

هذا ضعيف؛ عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: «ومسح الرأس ثلاثًا»، فلا الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثًا، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضًا أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث. 

وعبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولاسيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فالرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة. 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد