شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_3

00:00
00:00
تحميل
36

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله، والصلاة والسلام عَلَى رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه: 

بابٌ في الهدي. 

 1749- حدثنا النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، قال:حدثنا محمد بن إسحاق، ح وحدثنا محمد بن المنهال، قال:حدثنا يزيد بن زريع، عن ابن إسحاق المعنى، قال: قال عبد الله يعني ابن أبي نجيح: قال:حدثني مجاهد، عن ابن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جملًا كان لأبي جهل، في رأسه برة فضة» قال ابن منهال: برة من ذهب، زاد النفيلي يغيظ بذلك المشركين. 

(الشرح) 

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب في الهدي) الهدي: ما يُهدى إِلَى البيت الحرام ليذبح تقربًا إِلَى الله تعالى، ويتقرب إلى الله بإراقة الدم في ذلك المكان ويتصدق بِهِ عَلَى الفقراء والمساكين، وهذا يشمل الهدي الذي يسوقه الإنسان من بلده أو من الطريق، الهدي الواجب هدي المتمتع وهدي القران، ويشمل أيضًا ما زاد عَلَى ذلك، ويشمل أيضًا الهدي الذي يبعثه الإنسان من بلده وهو في غير الحج وفي غير العمرة. 

ذكر المؤلف رحمه الله هنا في حديث اِبْن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية» وهي في السنة السادسة من الهجرة، وكان معتمرًا r قد أحرم معتمرًا وأحرم الصحابة معتمرين، «وكان في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جمل كان لأبي جهل» أخذه المسلمون غنيمة في غزوة بدر، «في رأسه برة فضة» وقيل ابن منهال: (برة من ذهب، زاد النفيلي يغيظ بذلك المشركين) يَعْنِي: حتى إذا رآه المشركون عرفوا، ورأوه مهدى للبيت، فيكون ذلك غيظًا لهم. 

والإسلام يتطلع إِلَى غيظ المشركين، المطلوب غيظ المشركين، من ذلك أن النَّبِيِّ r أمر الصحابة أن يرملوا في عمرة القضية وهي الإسراع في المشي مع مقارنة الخطى ليرى المشركون قوتهم وجلدهم فيكون ذلك غيظًا لهم، فإغاظة المشركين مطلوبة. 

لَكِنْ هذا الحديث ضعيف في سنده محمد بْنُ إسحاق وهو يدلس كثيرًا وقد عنعن، وَلَكِن لو صح فيكون فيهِ جواز وضع الحلقة الفضة في أنف البعير المهدى، دون الذهب لِأَنّ الفضة يُتوسع فيها ما لا يتوسع في الذهب، فإذا ذبح الهدي يتصدق بالفضة كما يتصدق بجلده؛ لِأَنَّهَا تابعة للجلد فحكمها حكمه. 

في رواية ابن منهال: (برة من ذهب) وَلَكِن الرواية المشهورة أنها برة من فضة، وهذا كَانَ في السنة السادسة من الهجرة الَّتِي توجه فيها الرسول r إِلَى مكة للعمرة فأحصره المشركون ومنعوه بالحديبية وهو موضع من أطراف الحِرم وهي الآن تسمى الشميسي عَلَى طريق جدة عَلَى حد الحرم. 

قوله: «في رأسه» يَعْنِي: في أنفه، والمعنى: أن في أنفه حلقة فضة، والبرة: حلقة تُجعل في لحم أنف البعير، وقيل: في أحد جانبي المنخرين، لَكِنْ لما كَانَ الأنف من الرأس قَالَ: في رأسه من باب التوسع. 

(المتن) 

باب في هدي البقر. 

1750- حدثنا ابن السرح، قال:حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة». 

 

(الشرح) 

هذا الحديث حديث عائشة فيهِ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة» الحديث وهذا أخرجه النسائي وابن ماجة، ويحتمل أن النَّبِيِّ r أن يكون ذبح بقرة عن سبع، وذبح شاتين عن ثنتين، فيكون الهدي متعددا؛ لِأَنّ نساءه تسع، ويحتمل ما ذهب إليه إسحاق وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد: أن البدنة تجزئ عن عشرة، واحتمال أن الهدي متعدد وهو الاحتمال الأول أقرب؛ لِأَنّ كون البدنة تجزئ عن عشرة منسوخ، أو أَنَّه خاص في الغنائم، فالنبي r في الغنائم عد البدنة بعشرة في قسمة الغنائم، أما في الأضاحي والهدايا فالبدنة عن سبع، لَكِنْ في قسم الغنائم النَّبِيِّ عدل البدنة عَلَى عشرة، فيحتمل أَنَّه منسوخ هنا أو أَنَّه خاص بالغنائم، فالأقرب أن يكون ذبح معها شاتين. 

وعند مسلم من حديث جابر قَالَ: «ذبح رسول الله r عن عائشة بقرة يوم النحر». 

وفي لفظ قَالَ: «نحر النَّبِيِّ r عن نساءه بقرة في حجته». بقرة واحدة. 

(المتن) 

1751- حدثنا عمرو بن عثمان، ومحمد بن مهران الرازي، قالا: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن». 

(الشرح) 

«بقرة بينهن» لِأَنّ البقرة تكون عن سبع، اِبْن القيم رحمه الله ذكر في هذا كلاما في هذا الحديث قرره النسائي عن إسرائيل قَالَ: «ذبح عنا رسول الله r يوم حججنا بقرةً بقرة». 

وعن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: «ما ذبح عن آل محمد في الوداع إلا بقرة». 

وفي رواية: «أن رسول الله r نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة» قَالَ: وسيأتي قول عائشة: «ذبح رسول الله r البقرة يوم النحر»، قَالَ ابْن القيم: ولا ريب أن رسول الله r حج بنسائه كلهن وهن يومئذٍ تسع وكلهن كن متمتعات حتى عائشة فإنها قرنت فإن كان الهدي متعددًا فلا إشكال وإن كان بقرة واحدة بينهن وهن تسع فهذا حجة لإسحاق ومن قال بقوله إن البدنة تجزيء عن عشرة وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد ذهب ابن حزم إلى أن هذا الاشتراك في البقرة إنما كان بين ثمان نسوة قَالَ: لأن عائشة لما قرنت لم يكن عليها هدي. 

واحتج بما في صحيح مسلم عنها من قولها: «فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم»، وجعل اِبْن حزم هذا أصلًا في إسقاط الدم عن القارن، ولكن هذه الزيادة وهي ولم يكن في ذلك هدي مدرجة في الحديث من كلام هشام بن عروة كما بينه مسلم في الصحيح، عَلَى كل حال: كما سبق الأقرب أَنَّ نسائه تسع: فذبح البقرة عن سبع وأهدى شاتين. 

فإن قيل: إذا اشترك سبعة في بقرة يجوز كل واحد منهم ينوي عنه وعن أهل بيته؟ 

نعم، تكفي عنه وعن أهل بيته، سبع البقرة أو سبع البدنة. 

فإن قيل: الأحاديث تتحدث عن الهدي والأضحية؟ 

الهدي والأضحية، تجزئ عن سبعة في الأضحية والهدي. 

فإن قيل: قصدي: أن الرسول r كونه ضحى عن نسائه، ألا يمكن أَنَّه أهداهم بطريقتهم الخاصة؟ 

هنا حج بنسائه وذبح بينهن البقرة، في الهدي هنا، أما في المدينة ضحى بكبشين، قَالَ في واحد: «عن محمد وآل محمد»، وقال في الآخر: «عمن لم يضحي من أمة محمد». 

 

(المتن) 

باب في الإشعار. 

1752- حدثنا أبو الوليد الطيالسي، وحفص بن عمر المعنى، قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال أبو الوليد قال: سمعت أبا حسان، عن ابن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم وقلدها بنعلين، ثم أتي براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج». 

1753- حدثنا مسدد، قال:حدثنا يحيى، عن شعبة، بهذا الحديث بمعنى أبي الوليد، قال: ثم سلت الدم بيده، قال أبو داود: رواه همام، قال: سلت الدم عنها بأصبعه، قال أبو داود: هذا من سنن أهل البصرة الذي تفردوا بِهِ. 

(الشرح) 

هذا الباب قَالَ المؤلف: (باب الإشعار) الإشعار: هو شق صفحة سنام البعير المهداة ثم سلت الدم عن يمينه وعن شماله، سمي إشعار، والإشعار هو: الإعلام، حتى يُعلم أنها مهداة إِلَى البيت، فهو يكشط الجلد عن البدنة حتى يسيل الدم ثم يسلته فيكون ذلك علامة عَلَى كونها هديًا ويكون ذلك في صفحة سنامها الأيمن، وهذا الإشعار فيهِ إيلام للبعير لكنه مغتفر هذا لجلب المصلحة، كونه يأتي بالسكين ويشق سنامها حتى يخرج الدم ويسلت عن يمينه فيهِ إيلام للبعير، ولكنه هَذِه مفسدة قليلة مغتفرة لجلب المصلحة، مثل: شق أذن الصبية الطفلة حتى توضع فيها الحلية في أذنها هذا يؤذيها، تَأْتِيَ تشق أذنها بالإبرة تبكي، لَكِنْ هَذِه قليلة مغتفرة لجلب المصلحة في المستقبل. 

وهذا خاص بالإبل عَلَى الصحيح أما البقر والغنم فلا تُشعر، خاص بالإبل لِأَنَّهَا تتحمل بخلاف الغنم لا تتحمل، وَكَذَلِكَ البقر، وهذه سنة في المهداة. 

والسنة الثانية: التقليد: وهو أن يأتي بنعلين يربطهما بحبل ويضعهما في رقبة البعير، والتقليد عام في البقر والغنم والإبل، أما الإشعار فهو خاص بالإبل، هَذِه من السنن. 

ذكر المؤلف رحمه الله حديث اِبْن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم وقلدها بنعلين، ثم أتي براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج». 

هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي، والنسائي وابن ماجة، والحديث دليل عَلَى مشروعية إشعار الهدي، وإليه ذهب الجمهور وهو الصواب خلافًا لأبي حنيفة في كراهته، أبو حنيفة يرى أن الإشعار مكروه وقال: إنه مثلة، لَكِنْ هذا رأي بمقابله النص، والرأي في مقابل النص لا وجه له، فالصواب أن الإشعار مشروع وهو سنة، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وهو الصواب، وكما سبق المصلحة تقتضي هذا حتى يعلم الناس ويعلم الفقراء أنها مهداة إِلَى البيت، وكما سيأتي أنها إذا عطبت فَإِنَّهُ يذبحها ويتركها للفقراء يأكلونها، يعرفونها بالإشعار والتقليد. 

فالحديث دليل عَلَى مشروعية إشعار الهدي، وذهب إِلَى هذا جمهور العلماء ما عدا أبي حنيفة الذي كره ذلك وليس عنده حجة إِلَّا التعليل، والتعليل مردود في مقابلة النص، التعليل بأنه مثلة، فالأحاديث كما قَالَ الطحاوي: الأحاديث ترد عَلَى أبو حنيفة، وقد خالف الناس في ذلك حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد ذهبوا إِلَى ما ذهب إليه الجمهور. 

وأجاب الخطابي: بمنع كونها مثلة، بل هو من باب آخر قَالَ: كالكي، وشق أذن الحيوان، شق أذن الحيوان ليجعل عليه علامة، وَكَذَلِكَ الوسم، الوسم الآن: تَأْتِيَ بالحديدة وتُحميها بالنار وتضعها في أذن بهيمة أو في ظهرها حتى يكون علامة، هذا يؤذيها لَكِنْ مستثنى هذا فالمصلحة أعظم حتى تُعرف، وَكَذَلِكَ شق أذن الصبية كذلك يؤذيها لكنه هذا فيهِ مصلحة؛ هَذِه أمور فيها ملحة فتغتفر المفسدة الصغرى، كونه يُشق أذن الطفلة ويُجعل فيها القرط في الأذن هَذِه مصلحة في المستقبل وإن كَانَ يؤذيها وتبكي في أول الْأَمْرِ لَكِنْ هذا شيء يسير مغتفر، وكالختان مثلًا والحجامة، كل هَذِه فيها مصلحة، الختان وقطع الجلدة وَكَذَلِكَ الكي إذا احتيج إليه، والحجامة، وليس هذا من المثلة في شيء كما قَالَ أبو حنيفة رضي الله عنه، ولو قدرنا أنها مثلة لكانت الأحاديث مخصصة من عموم النهي. 

وفي رواية عن شعبة بهذا الحديث قال: «ثم سلت الدم بيده». 

قوله: «قلدها بنعلين» فيهِ دليل عَلَى مشروعية تقليد الهدي، وهذا للإبل والبقر والغنم وبهذا قَالَ الجمهور، وقال المنذري: أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم، زاد غيره: كأنه لم يبلغه الحديث، ومن لم يبلغه الحديث يكون معذور. 

قوله: «ثم أتي براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج» فيهِ مشروعية الإهلال إذا ركب الدابة، مشروعية الإهلال بالحج إذا ركب الدابة، أهل: لبى الحج وكذا بالعمرة، في الصحيحين عن أنس قَالَ: «سمعت رسول الله r يلبي بالحج والعمرة يقول: لبيك عمرةً وحجًا». 

قوله: «سلت الدم» يَعْنِي: مسح وأماط الدم بأصبعه، وأصل السلت؛ القطع، يقال: سلت الله أنف فلان؛ أي جزعه، قال أبو داود: (هذا من سنن أهل البصرة الذي تفردوا بِهِ) يَعْنِي: حديث التقليد بالنعلين، هو من الأحاديث المروية لأهل البصرة، قَالَ: لِأَنّ رواة هذا الحديث كلهم بصريون، أبو حسان الأعرج، مسلم بْنُ عبد الله الذي يدور الإسناد إليه بصري، وقتادة الراوي عن أبي حسان بصري، ثم شعبة الراوي عن قتادة كلاهما بصريان، ورواه أيضًا هشام الدستوائي عن قتادة وهو أيضًا بصري وحديثه عند مسلم، وروى عن قتادة وهو بصري، ولهذا أشار إليه قَالَ: قَالَ أبو داود: رواه همام، وهذا من باب الإيضاح والتنبيه (..) بأن رواة الحديث كلهم بصريون.  

فإن قيل: أنا عندي هنا: ثم دعا ببدنة؟ 

في رواية قيل: ببدنة، أو ببدنه. 

فإن قيل: يكون الرسول r أشعر كل بدنة أم اكتفى بواحدة؟ 

المراد بالبدنة الجنس، كلها تُشعر وتُقلد؛ لِأَنّ المقصود الإعلام حتى يعلم الفقراء أن هَذِه مهداة للبيت، وإذا أعطبت ذبحها وتُركت للفقراء، ما يعرفونها إِلَّا بهذا: الإشعار، والتقليد. 

(المتن) 

1754- حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، أنهما قالا: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم». 

(الشرح) 

نعم. وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي، وذو الحليفة: هو الميقات، ميقات أهل المدينة، واد سمي ذا الحليفة لِأَنّ فيه شجرا، تصغير حلفة، وهو شجر يسمى الحلفة، يكثر في ذلك الوادي فسمي ذو الحليفة، ويسميها الناس اليوم أبيار علي، قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سمي أبيار علي؛ لِأَنّ بعض الناس يظن أَنَّه كَانَ فيهِ بئر وأن عليا قتل الجن، قَالَ: وعلى رضي الله عنه أكرم من أن يثبت له الجن، أو كما قال -رحمه الله- فالعامة سموه من ذلك الوقت وسمي إِلَى الآن أبيار علي. 

(المتن) 

1755- حدثنا هناد، قال:حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، والأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى غنمًا مقلدة». 

(الشرح) 

نعم. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجة، «أهدى غنمًا» أهداها للبيت، «مقلدة» يَعْنِي: في رقبتها القلادة، والقلادة أحيانًا تكون بنعلين وفيهما حبل وتعلق في الرقبة. 

قوله في الحديث الأول: «قلد الهدي وأشعره» قَالَ الخطابي: الإشعار أن يطعن في سنامها حتى يسيل دمها فيكون ذلك علمًا أنها بدنة، الإشعار هو الإعلام، ومنها الشعار في الحروب وهو العلامة الَّتِي يعرف بها الرجل صاحبه ويميزه بينه وبين عدوه. 

قَالَ: وفيه بيان أن الإشعار ليس من جملة ما نهي عنه من المثلة، وَإِنَّمَا المثلة: أن يقطع عضوًا من البهيمة يراد بِذَلِكَ التعذيب، وفيه أيضًا من السنة؛ التقليد وهو في الإبل بالإجماع من أهل العلم، وفيه: أن الإشعار يكون من الشق الأيمن وهو السنة. 

قوله: «أهدى غنمًا مقلدة» قَالَ الخطابي: فيهِ من الفقه أن الغنم قد يقع عليها اسم الهدي، وزعم بَعْضُهُم أن الغنم لا يُطلق عليها اسم الهدي، فيهِ: أن الغنم تُقلد، وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور، والشافعي، وأحمد، قَالَ أبو حنيفة وأصحابه: إذا ساق الهدي ثم قلده فلا تُقلد الغنم، وَكَذَلِكَ قَالَ مالك، والصواب ما دل عليه الحديث أنها تُقلد. 

فإن قيل: وضع الميسم عَلَى الوجه؟ 

لا، ما يجوز هذا، الوجه لا يجوز أن يوضع فيهِ الوسم، ولا يجوز أن نضرب الوجه لِأَنّ الوجه مجمع الحواس، والذي يواجه بِهِ الناس، ويتأثر بأقل شيء، فلهذا نُهي عن وسم الوجه، النَّبِيِّ قَالَ: «لعن الله من فعل هذا» من وسم في الوجه، ولا يضرب الوجه لا آدمي ولا غير آدمي، منهي عن ضرب الوجه، وَكَذَلِكَ الرأس، إِنَّمَا يكون الضرب في مراقي اللحم كالظهر، والفخذين، كذلك الوسم، أما الأذنان لا بأس يسم في الأذنين، لَكِنْ لا يسم في الرأس ولا في الوجه، هذا منهي عنه؛ حتى الضرب كذلك والتأديب ما يكون في الوجه؛ لِأَنَّهُ منهي عنه. 

(المتن) 

باب تبديل الهدي. 

1756- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، قال أبو داود: أبو عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، خال محمد يعني ابن سلمة، روى عنه حجاج بن محمد، عن جهم بن الجارود، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: «أهدى عمر بن الخطاب نجيبًا فأعطى بها ثلاث مائة دينار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أهديت نجيبًا فأعطيت بها ثلاث مائة دينار، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا، قال: لا انحرها إياها» قال أبو داود: هذا لأنه كان أشعرها. 

(الشرح) 

في رواية: بختيًا، فهي إما نجيبًا أو بختيًا. 

هَذِه الترجمة لتبديل الهدي، النَّبِيِّ r هل يجوز للإنسان أن يبدل الهدي إذا أهدى للبيت إبل أو بقر أو غنم فهذه يجوز أن يُبدلها بأفضل منها أم لا يجوز؟ ذكر المؤلف حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: «أهدى عمر بن الخطاب بختيًا» وفي رواية: نجيبًا، والبختي: هي الإبل الخرسانية، والذكر يسمى بختي وهي جمال طوال الأعناق ولها سنامان؛ نوع من الإبل لها سنامان، وقيل: نجيب، والنجيب هو الفاضل من كل حيوان. (..) 

قوله: «أهدى عمر بن الخطاب نجيبًا» يَعْنِي: فاضلًا من الإبل، أو بختيًا من الإبل، فالإبل نوعان: بخاتي، عراب،. العربية: ليس لها إِلَّا سنام واحد، والبخاتي: له سنامان، ومنه حديث النَّبِيِّ r: «صنفان من أهل النار لم أرهما: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة» فالبخت لها سنامان، والمرأة الَّتِي تتشبه بالبخت تجمع الخرق وتجعلها خلف فتكون كأنها سنامان، الرأس الذي خلقه الله والرأس الثاني الخرقة التي تجمعها من الخلف، فيكون كالإبل البخاتي الَّتِي لها سنامان. 

«صنفان من أهل النار لم أرهما: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه الإمام مسلم في صحيحه. 

الإبل البخت هي التي لها سنامان طوال الأعناق، والنجيب الفاضل. 

«فأعطى عمر بها ثلاث مائة دينار» فكأن عمر أراد أن يبعها ويشتري بثمنها إبلا كثيرة، «فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أهديت نجيبًا فأعطيت بها ثلاث مائة دينار، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا» جمع بدنة، إبل كثيرة بدل واحد، أشتري ثلاثة أو أربعة أو خمس، «قال: لا انحرها إياها» أخرجه الإمام أحمد، والبخاري في تاريخه، وابن حبان، وابن خزيمة، أخرجه البخاري ليس في الصحيح وَإِنَّمَا في التاريخ والتاريخ لم يشترط فيهِ الصحة، قوله: «انحرها إياها» من باب التأكيد. 

الحديث هذا ضعيف في سنده الجهم بْنُ جارود وهو مجهول، ولو صح الحديث فالمنع من بيعه لِأَنَّهُ أخرجه لله حيث أهداه فلا يُباع ولاسيما إذا أشعرها كما قَالَ أبو داود، قال أبو داود: (هذا لأنه كان أشعرها) أشعرها وشق صفحة سنامها وصارت معروفة كيف يبعه، ما يبعه. 

الحديث ضعيف، ولكن لو صح فالمنع من جهة أنه أخرجه لله، حيث أهداه فلا يباع ولا يستبدل، ولا سيما إذا أشعره كما قال أبو داود. قال: "لا تبعها، بل انحرها إياها" للتأكيد. هذا يعني منعه -صلى الله عليه وسلم- من بيعها. 

والحديث يدل: عَلَى أنه لا يجوز بيع الهدي بإبدال مثله أو أفضل، قَالَ المنذري: قَالَ البخاري: لا يُعرف لجهم سماع من سالم، اِبْن القيم رحمه الله تكلم عَلَى الحديث قَالَ: هو الجهم بْنُ جارود وقد ذكر هذا الحديث البخاري في التاريخ الكبير وعلله بهذه العلة، وأعله اِبْن قطان: بأن جهم بْنُ جارود لا يعرف حاله ولا يعرف له راوٍ إِلَّا أبو عبد الرحيم خالد بْنُ أبي يزيد، قال: وبذلك ذكره البخاري وأبو حاتم. 

فإن قيل: لو اشتريت أضحية وبعد تعيينها عرجت يجوز ذبحها أم لا؟ 

نعم، تذبح كما هي. 

فإن قيل: قوله: ثلاثمائة دينار هذا السعر أليس السعر مبالغ فيهِ؟ 

محتمل. البخت إبل كبيرة قد يكون لها ثمن مرتفع فمحتمل. 

فإن قيل: انحرها إياها؟ 

إياها للتأكيد، أي: لا تبدلها، النحر هو الذبح، النحر: ذبح الإبل قائمة، والذبح نذبحها عَلَى الأرض، انحرها: الخطاب لعمر. 

(المتن) 

باب من بعث بهديه وأقام. 

1757- حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: «فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم أشعرها، وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلًا». 

(الشرح) 

هذا الحديث له طريق أخرى وهو الحديث الذي بعده. 

(المتن) 

1758- حدثنا يزيد بن خالد الرملي الهمداني، وقتيبة بن سعيد، أن الليث بن سعد، حدثهم عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجة، وهذا الحديث أخرجه المؤلف عن عائشة من طريقين: 

الطريق الأولى: عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة. 

الطريق الثاني: عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة. 

قالت: «فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم أشعرها، وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلًا» وفي لفظ: «أُحل له». 

بطريقة أخرى قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم». 

الحديث فيهِ دليل عَلَى أن المهدي في بلده لا يحرم عليه ما يحرم عَلَى المحرم بل يبقى حلالًا، وهذا قالته عائشة رضي الله عنها ردًا عَلَى سبب هذا القول لعائشة أنها بلغها فتيا بعض الصحابة في من بعث هديًا إِلَى مكة أَنَّه يحرم عليه ما يحرم عَلَى الحاج من لبس المخيط وغيره حتى ينحر هديه بمكة، فقالت هذا ردًا عَلَيْهِمْ، الحديث فيهِ دليل عَلَى أن المهدي إذا أهدى إبلا أو بقرا أو غنما فَإِنَّهُ يُشعرها ويقلدها وهو في بلده، يوكل معها من يذبحها ويوزعها عَلَى الفقراء هناك ولا يجتنب ما يجتنب المحرم؛ لِأَنَّهُ ليس بمحرم، وقال بعض العلماء: إنه يمتنع من أخذ شعره وأظفاره حتى تذبح هديه، وهذا قول مرجوح خلاف ما فعله النَّبِيِّ r. 

عائشة رضي الله عنها ردت عَلَى هؤلاء. 

فإن قيل: ترد عَلَى اِبْن عباس؟ 

نعم، وقال النووي رحمه الله: فيهِ دليل عَلَى استحباب بعث الهدي إِلَى الحرم، وأن من يذهب إليه يُستحب له بعثه مع غيره، وفيه: أن من يبعث الهدي لا يصير محرمًا ولا يحرم عليه شيء مما يحرم عَلَى المحرم وهو مذهب كافة العلماء إِلَّا رواية حُكيت عن اِبْن عباس وابن عمر وعطاء وسعيد والزبير: أَنَّه إذا فعل ذلك اجتنب ما يجتنبه المحرم، ولا يصير محرمًا من غير أن يأتي للإحرام، والصحيح ما قاله الجمهور لهذه الأحاديث الصحيحة. وسبب هذا القول من عائشة أنه بلغها فتيا بعض الصحابة فيمن بعث هديا إلى مكة أنه يحرم عليه ما يحرم على الحاج من لبس المخيط وغيره حتى ينحر هديه بمكة فقالت هذا ردا عليه. 

(المتن) 

1759- حدثنا مسدد، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال:حدثنا ابن عون، عن القاسم بن محمد، وعن إبراهيم، زعم أنه سمعه منهما جميعًا ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا، ولا حديث هذا من حديث هذا، قالا: قالت أم المؤمنين: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدي فأنا فتلت قلائدها بيدي، من عهن كان عندنا، ثم أصبح فينا حالًا يأتي ما يأتي الرجل من أهله». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، قوله: (زعم) أي اِبْن عون، (أنه سمعه من القاسم وإبراهيم ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا، ولا حديث هذا من حديث هذا) يَعْنِي: لم يميز حديث هذا من الآخر، والعهن: هو الصوف المصبوغ ألوانًا، وفيه: مشروعية الهدي إِلَى مكة يُهدى ليذبح في مكة تقربًا إِلَى الله عز وجل، وهذه من السنن المهجورة، ما أحد يفعلها إِلَّا نادرًا الآن، هل يرسل أحد الآن هدي إِلَى مكة يُذبح؟ نادر الآن، (..) ولأن يمكن السنة هَذِه تخفى عَلَى كثير من الناس، السنة أن يبعثها من بلده. 

فإن قيل: لو في الوقت الحاضر لو أوصى شخص أن يشتريها حتى من أسواق اللي هنا؟ 

السنة يشتريها من بلده ويرسلها، يُركبها السيارات الآن، وحتى عندما تركب السيارات ما يحصل المقصود، لِأَنَّهَا كونها تمشي في الطريق حتى يراها الفقراء ويعرفونها، وأحيانًا تعطب كما سيأتي إذا أصابها العطب يذبحها الوكيل ولا يأكل شيئا منها ولا أحد من أهله. 

فإن قيل: الشخص الذي ينوي يضحي ما يُستن له ترك الأظفار والشعر؟ 

لا، من أراد أن يضحي فقط، فلا يأخذ من شعره، أما الأطفال فلا، ومن قول الفقهاء الحنابلة: من أراد أن يضحي أو يُضحى عنه فلا يأخذ من شعره وظفره؛ هذا اجتهاد من بعض العلماء، الصواب: المضحي خاصة، في حديث أم سلمة قَالَ: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا أظفاره شيء» رواه الإمام مسلم، «من أراد أن يضحي» ولم يقل: من يُضحى عنه، فزاد الفقهاء قالوا: أو يضحى عنه. 

(..) 

فإن قيل: طيب لو أركبها؟ 

يَعْنِي: أصاب السنة لَكِنْ كمالها كونها تمشي. 

(المتن) 

باب في ركوب البدن. 

1760- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك» في الثانية أو في الثالثة. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وفيه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة» يَعْنِي: ناقة، «فقال: اركبها، قال: إنها بدنة» يا رسول الله يَعْنِي: هدي، هو يظن أَنَّه لا يجوز ركوبها، «فقال: اركبها ويلك» في الثانية أو في الثالثة، يَعْنِي: لا بأس عند الحاجة كما في الحديث الذي بعده. 

(المتن) 

1761- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال:أخبرني أبو الزبير، قال: سألت جابر بن عبد الله، عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اركبها بالمعروف، إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا». 

(الشرح) 

نعم. الحديث أخرجه مسلم والنسائي، وقوله: «اركبها بالمعروف» يَعْنِي: من غير ضرر، «إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا» يَعْنِي: حتى تجد مركوبا، فيهِ: جواز ركوب البدنة المهداة إذا احتاج من غير إضرار بها حتى يجد مركوبًا آخر، أما إذا لم يحتج فلا يركبها ويركب غيرها. 

فإن قيل: قوله r: «ويلك» في الثانية والثالثة؟ 

هذا من باب الحث. 

(المتن) 

باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. 

1762- حدثنا محمد بن كثير، قال:أخبرنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن ناجية الأسلمي، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي فقال: إن عطب منها شيء فانحره، ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو كما قَالَ، قوله: «إن عطب» بكسر الطاء أي عيي وعجز عن السير ووقف في الطريق، وقيل: قرب من العطب وهو الهلاك، «فانحره، ثم اصبغ نعله في دمه» وإنما أمر بصبغ نعله المقلدة يعلم المار أنها هدي، فيأكل المحتاج والمضطر، «انحره ثم اصبغ نعله بدمه، ثم خل بينه وبين الناس» هذا الفعل حتى يعلم المار من الفقراء أَنَّه هدي فيأكل المحتاج والمضطر. 

فإن قيل: النعل؟ 

النعل المقلدة، القلادة المعلقة عليها اصبغها، يعني من الهدي المهداة إلى الكعبة، قوله: «اصبغ» يَعْنِي: اغمس نعله المقلدة في دمه، ثم اجعلها عَلَى صفحته، قَالَ الخطابي: إِنَّمَا أمر أن يصبغ نعله في دمه ليعلم المار أنه هدي فيجتنبه إذا لم يكن محتاجًا ولم يكن مضطرًا إِلَى أكل، «ثم خل بينه وبين الناس» فيهِ دلالة عَلَى أَنَّه لا يحرم عَلَى أحدٍ أن يأكل منه إذا احتاج. 

(المتن) 

1763- حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: حدثنا حماد، ح وحدثنا مسدد، قال:حدثنا عبد الوارث، وهذا حديث مسدد، عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانًا الأسلمي، وبعث معه بثمان عشرة بدنة، فقال: أرأيت إن أُزحف علي منها شيء قال: تنحرها، ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضربها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك» أو قَالَ: «من أهل رفقتك».  

قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث قوله «ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» وقال: في حديث عبد الوارث: «ثم اجعله على صفحتها» مكان «اضربها». قال أبو داود: سمعت أبا سلمة يقول: إذا أقمت الإسناد والمعنى كفاك. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي، فيهِ: «إذا أُزحف» يَعْنِي: خشي عليها الهلاك فَإِنَّهُ يذبحها مثل الحديث السابق: إن عطب، أُزحف: (..) يَعْنِي: أعيي وعجز عن المشي بضم الهمزة. فإذا عجز فإنه يذبحها أو ينحرها. 

 قال: «تنحرها، ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضربها» يَعْنِي: النعل المصبوغة، «على صفحتها» عن كل واحد من النعلين عَلَى صفحة من صفحة سنامها. (..) 

قوله: «ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك» أو قَالَ: «من أهل رفقتك» من باب سد الذرائع لئلا يتساهل بشيء منها وتُذبح بدعوى العطب فيأكل، فإذا علم أَنَّه ممنوع من الأكل لم يتساهل، لو كَانَ يأكل يمكن بَعْضُهُم يتساهل قَالَ: أذبحها، ويأكل هو وأصحابه، لَكِنْ هو ممنوع الآن لا يأكل هو ولا أحد من رفقته، الوكيل هذا ومن معه لا يأكلون منها، يذبحونها ويتركونها للفقراء وهذا من باب سد الذرائع. 

وقَالَ الطيبي رحمه الله: سواء كَانَ فقيرًا أو غنيًا ما يأكل، وَإِنَّمَا مُنع من ذلك قطعُا لأطماعهم لئلا ينحرها أحد ويتعلل بعطب، وأما إذا كَانَ تطوعًا فله أن ينحره ويأكل منه، فَإِن مجرد التقريب لا يُخرجه عن ملكه وهذا فيهِ نظر. 

قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث قوله «ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» وهذه العبارة ليست في عامة النسخ ولا يستقيم المعنى بها، فَإِن التفرد بهذه الجملة ليس في طبقة الصحابة، اِبْن عباس رواه عن ذؤيب أبي قبيصة عن النَّبِيِّ r كما عند مسلم.  

وقال: في حديث عبد الوارث: «ثم اجعله على صفحتها» مكان «اضربها» قال أبو داود: سمعت أبا سلمة يقول: إذا أقمت الإسناد والمعنى كفاك، يَعْنِي: مقصوده أن رواية الحديث بالمعنى جائزة للعارف بِذَلِكَ، (إذا أقمت الإسناد) يَعْنِي: في الحديث، (والمعنى كفاك) ولا يضرك رواية الحديث إن غيرت بعض الألفاظ، فَإِن رواية الحديث بالمعنى جائز، هَذِه المسألة معروفة عند جمهور العلماء؛ رواية الحديث بالمعنى، وَلَكِن روايته باللفظ إذا تيسر فهو الذي ينبغي. 

(المتن) 

1764- حدثنا هارون بن عبد الله، قال:حدثنا محمد، ويعلى ابنا عبيد، قالا: حدثنا محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه، قال: «لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه فنحر ثلاثين بيده، وأمرني فنحرت سائرها». 

(الشرح) 

«فنحرت سائرها» يَعْنِي: باقيها. 

الحديث ضعيف؛ لِأَنّ في سنده محمد بْنُ إسحاق صاحب المغازي مدلس وقد عنعن وهو ثقة إذا صرح بالسماع، والثابت في الصحيحين: «أن النَّبِيِّ r نحر ثلاثًا وستين بدنة» -ليس ثلاثين- عَلَى عدد سنين عمره، «ونحر عليٌ ما غبر» يَعْنِي: ما بقي وهو أربعٌ وثلاثون؛ هذا المعروف في الصحيحين، أما هذا الحديث الضعيف فيهِ أَنَّه نحر ثلاثين. 

 

(المتن) 

1765- حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، قال:أخبرنا عيسى، ح وحدثنا مسدد، أخبرنا عيسى، وهذا لفظ إبراهيم، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن عامر بن لحي، عن عبد الله بن قرط، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر». قال عيسى، قال ثور: وهو اليوم الثاني، وقال: وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: «من شاء اقتطع». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي، وفيه من الفوائد: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر» وهو يوم الحج الأكبر، يوم عيد الأضحى أَنَّه أعظم الأيام عند الله، «ثم يوم القر» هو اليوم الحادي عشر، يسمى يوم القر لِأَنّ الناس يقرون فيهِ، ويسكنون ولا أحد يتحرك، واليوم الثاني عشر هو يوم النفر الأول؛ ينفرون، والثالث عشر: يوم النفر الثاني، هذا يوم القر لِأَنَّهُ ليس فيهِ ذهاب. 

وقال: (وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست) بدنات يَعْنِي: من الإبل، (فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ) كل واحدة تقرب إليه أيها يذبحها، هَذِه قَالَ: فيهِ معجزة للنبي r تقرب إليه كل واحدة تريد يبدأ بها، (فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: «من شاء اقتطع») استدل بِهِ العلماء عَلَى جواز هبة المشاع، أعطيك هبة غير معينة مشاعة ومشتركة، من شاء اقتطعها، هبة مشتركة بين أشخاص، طعام وأكل تتركه للفقراء، هذا مشاع مشترك، بخلاف الهبة، تعطي هذا هبة، وتعطي هذا كذا، كل واحد له هدية خاصة، وهناك هدية مشتركة مشاعة؛ كأن تَأْتِيَ بطعام أو كذا وتأذن لهم جميعًا، كذلك قَالَ النَّبِيِّ r هنا: «من شاء اقتطع» من شاء اقتطع لحما وأخذ من هَذِه البدنة، كل واحد من الفقراء يأتي بسكين ويقطع قطعة ويذهب؛ هذا دليل عَلَى هبة المشاع. 

وقوله: (فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ): منتظرات بأيتهن يبدأ، كل واحدة تقترب إليه كي يذبحها للتبرك بيد رسول الله r، يزدلفن: يقربن، قال تعالى: "وأزلفنا ثم الآخرين" «فَلَمّا وجبت جنوبها» يَعْنِي: سقطت عَلَى الأرض. 

قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: وفي الحديث دليل عَلَى أن يوم النحر أفضل الأيام، وذهب جماعة من العلماء إِلَى أن يوم الجمعة أفضل الأيام، واحتجُّوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة» وهو حديث صحيح، وفصل النزاع: أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، فيوم النحر مفضل على الأيام كلها، التي فيها يوم الجمعة وغيرها، ويوم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع، فإن اجتمعا في يوم تظاهرت الفضيلتان، وإن تباينا فيوم النحر أفضل وأعظم، لهذا الحديث، والله أعلم. (..) 

(المتن) 

1766- حدثنا محمد بن حاتم، قال:حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال:حدثنا عبد الله بن المبارك، عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الأزدي، قال: سمعت غرفة بن الحارث الكندي، قال: «شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأتي بالبدن فقال: ادعوا لي أبا حسن، فدعي له علي رضي الله عنه، فقال له: خذ بأسفل الحربة، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طعنا بها البدن فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليًا رضي الله عنه». 

(الشرح) 

قوله: «شهدت» يَعْنِي: حضرت، «أبا حسن» وهو علي بْنُ أبي طالب، «خذ بأسفل الحربة» يَعْنِي: الرمح، وَإِنَّمَا أخذ بأسفلها ليمكنها فلا تسقط عَلَى الأرض، هذا فيهِ أن المعروف في الأحاديث الصحيحة أن النَّبِيِّ r ذبح ثلاث وستين بيديه ثم ذبح علي البقية، وهذا فيهِ أن قَالَ: «خذ بأسفل الحربة» يَعْنِي: فيهِ نظر في صحته. 

فإن قيل: وكون الرسول r ركب البغلة؟ 

«فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليًا رضي الله عنه» هل كَانَ معه بغلة في الحج؟ فإن قيل: كانت معه القصواء؟ 

لا، ما كان معه بغلة، وما تكلم عليه الشارح ولا المنذري، فالأقرب أن الحديث الصحيح: أن النَّبِيِّ r انفرد، فقد ذبح ثلاثًا وستين بيده مستقلا، ثم دعا عليًا فذبح ما بقي. وهذا فيه أنه أخذ بأسفل الحربة والرسول أخذ بأعلاها، حربة واحدة، ثم أيضا أنه ركب بغلة وأردف عليا على البغلة، وهذا غير معروف، أن النبي كان معه بغلة في الحج. 

(المتن) 

باب كيف تُنحر البدن. 

1767- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، وأخبرني عبد الرحمن بن سابط، «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها». 

(الشرح) 

الحديث هذا في سنده اِبْن جريج وأبي الزبير وهما مدلسان وقد عنعنا لَكِنْ الحديث له شواهد يشهد له الحديث الذي بعده، والأحاديث دلت عَلَى أن السنة هكذا بدنة معقودة اليسرى قائمة عَلَى قوائمها الثلاث، تُنحر في الوهدة الَّتِي بين أصل العنق والصدر، يطعنها هكذا فإذا سقطت أجهز عليها؛ هذا السنة، وأما الغنم والبقر تضجع عَلَى جنبها الأيسر وتذبح ذبح، النحر: للإبل، والذبح: للبقر والغنم. 

 

 

(المتن) 

1768- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا هشيم، قال:  أخبرنا يونس، قال: أخبرني زياد بن جبير، قال: «كنت مع ابن عمر بمنى فمر برجل وهو ينحر بدنته وهي باركة، فقال: ابعثها قيامًا مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي، وفيه: «أن ابن عمر مر برجل ينحر بدنته وهي باركة» ينحر الجمل وهي باركة عَلَى الأرض، فأنكر عليه قَالَ: «ابعثها قيامًا مقيدة سنة أبي القاسم» أوقفها وهي قائمة ثم اذبحها، قيامًا قائمة لا باركة مقيدة، يَعْنِي: معقودة اليسرى وقائمة عَلَى ثلاث، وهذه السنة، انظر قوة النَّبِيِّ r وشجاعته، ثلاثا وستين سنة بعير ينحرها وهي قائمة، يضربها في الوهدة الَّتِي بين أصل العنق والصدر فتسقط ثم يجهز عليها، ثلاث وستين، وأنا وأنت الشاة الواحدة ما نستطيع نذبحها، وكان في آخر عمره r، عَلَى عدد عمره ثلاث وستين ثم نحر البقية علي: سبعة وثلاثين، النَّبِيِّ r قوي وشجاع r، ولهذا قَالَ اِبْن عمر: «ابعثها قيامًا مقيدة سنة أبي القاسم» أنكر عليه أن يذبحها وهي على الأرض، قال: ابعثها قيامًا مقيدة  قائمة لا باركة مقيدة، يَعْنِي: معقودة اليسرى وقائمة عَلَى ثلاث، وهذه السنة، أما البقر والغنم فتُذبح عَلَى جنبها الأيسر. قوله: باركة: يعني: جالسة، ابعثها: أقمها، قياما حال، مقيدة: حال ثانية. 

وبهذا قَالَ الجمهور: الشافعي وأحمد، قالوا: هذا هو السنة الأفضل أن تذبح قائمة، قَالَ أبو حنيفة والثوري: ينحر باركة وقائمة، واستحب عطاء: أن ينحرها باركة معقودة، هذا الاستحباب مخالف للسنة، وأما البقر والغنم فيستحب أن تُذبح مضطجعة عَلَى جنبها الأيسر.  

 

 

(المتن) 

1769- حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا سفيان يعني ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه، قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني ألا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: نحن نعطيه من عندنا». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجة، وفيه: أن الجزار لا يعطى منها وَإِنَّمَا يعطى أجرة من الخارج، وإذا كَانَ فقير وأعطاه شَيْئًا منها أو أعطاه الجلد فلا بأس، لَكِنْ لا يؤثر وينقص من الأجرة، قَالَ: «وأمرني ألا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: نحن نعطيه من عندنا». 

قَالَ الخطابي: أي لا يعطى عَلَى معنى الأجرة شَيْئًا منها، فأما ما تتصدق منها عليه فلا بأس، الدليل عَلَى هذا قوله: «نعطيه من عندنا» لأجل عمله، قَالَ: وبهذا قَالَ أكثر أهل العلم، وروي عن الحسن أَنَّه قَالَ: لا بأس أن يعطي الجزار الجلد، وأما الأكل من لحوم الهدي، ما كَانَ منها واجبًا لم يحل أكل شَيْء منه، هو مثل الدم الذي يَجِبُ في جزاء الصيد وإفساد الحج، ودم المتعة والقران، وَكَذَلِكَ ما كَانَ نذرًا لا يأكل منه، وما كَانَ تطوعًا كالضحايا والهدايا له أن يأكل منها ويُهدي ويتصدق.  

لكن الشيء الواجب، إذا ترك واجبا أو فعل محظورا ووجب عليه دم ما يأكل منه شيء، كذا يقول الخطابي. 

قَالَ المؤلف: وهذا كله عَلَى مذهب الشافعي، وقال مالك: يؤكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه ولفوات الحج، ومن هدي التمتع ومن الهدي كله إِلَّا فدية الأذى وجزاء الصيد وما نذر للمساكين، قَالَ أحمد بْنُ حنبل وإسحاق: لا يؤكل من البدن ومن جزاء الصيد ويؤكل ما سوى ذلك، وعند أبي حنيفة وأصحابه: يأكل من هدي المتعة وهدي القران، وهدي التطوع، ولا يأكل مما سواها، المؤلف رحمه الله اعتنى بالهدايا والإشعار وأطال في هَذِه التراجم رحمه الله لعنايته. 

 

(المتن) 

باب في وقت الإحرام. 

1770- حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا يعقوب يعني ابن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس، عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب، فقال: «إني لأعلم الناس بذلك إنها إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء، وايم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء». قال سعيد: فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه. 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف: (لوقت الإحرام) متى يُحرم الحاج أو المعتمر، هل يُحرم وهو في الأرض بعد أن يصلي ركعتين؟ أو يُحرم بعد أن يركب دابته؟ أو يُحرم بعد أن تستقل بِهِ عَلَى البيداء؟ بهذا قَالَ أقوام، هذا الحديث ظن بعض العلماء أن فيهِ جمعا بين الأحاديث، الجمع بين أقوال الناس وأن هذا فيهِ إزالة للإشكال؛ لِأَنَّهُ روي عن النَّبِيِّ r أَنَّه أهل في مصلاه، وروي أَنَّه أهل بَعْدَمَا ركب دابته، وروي أَنَّه أهل حين استقام عَلَى البيداء، قَالَ بعض الناس: إن السنة أن يُهل بمصلاه، (..) وقال آخرون: يُهل إذا ركب، وقال آخرون: يُهل إذا استقلت بِهِ عَلَى البيداء. فهذا الحديث قال بعض الناس: إن فيه إزالة للإشكال. 

ماذا قَالَ اِبْن عباس هنا؟ قَالَ: «إني لأعلم الناس بذلك إنها إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه» فقالوا: أهل، ولم يسمعه آخرون. 

«ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته» ولم يسمعوا أَنَّه أهل في غير ذلك، فقالوا: السنة أن يُهل إذا ركب، «ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء» فلم يسمعوه أَنَّه أهل حينما ركب فقالوا: السنة أن يهل بالبيداء. 

قالوا: إن هذا فيهِ جمعا بين الأحاديث، لَكِنْ الحديث هذا لو صح فهو ضعيف، في إسناده خصيف بْنُ عبد الرحمن الجزري هذا ضعيف، وهذا الحديث ظن بعض الناس أَنَّه يزول بِهِ الإشكال ويُجمع بين الروايات المختلفة وليس كذلك؛ لِأَنّ الحديث ضعيف، والصواب الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة: كحديث أنس وغيره: «أَنَّه r أهل حين ركب راحلته ثم أهل مرة أخرى عَلَى شرف البيداء» والمعنى يقتضيه من جهة النظر، فَإِن الإنسان قبل أن يركب قد يكون محتاج: قبل أن يركب مركوبه قد يكون محتاج إِلَى الطيب أو كذا، فالأولى ألا يُحرم حتى يُنهي أشغاله، فإذا ركب مركوبه انتهى فيُهل إذا ركب مركوبه وهذا هو السنة وهو اللي ثابت في الأحاديث الصحيحة، والمعنى يقتضى هذا. 

أما قوله: «إن النَّبِيِّ أهل في مصلاه وأوجب في مجلسه» فهذا من أوهام خُصيف وأغلاطه في هذا الحديث، قوله: «في إهلال رسول الله r» يَعْنِي: إحرامه، يَعْنِي: إهلاله وتلبيته، «فَلَمّا استقلت بِهِ» يَعْنِي: ناقته، استقلت: ارتفعت وتعالت بِهِ ناقته. 

قوله: «فالناس يأتون أرسالًا» يَعْنِي: أفواجًا، زعموا: قالوا. البيداء: هي المفازة الَّتِي لا شيء فيها، وهي هنا موضع مخصوص بقرب ذي الحليفة.  

فإن قيل: عندي الشيخ أحمد شاكر يصحح الحديث قَالَ: وهو حديث صحيح قَالَ اِبْن إسحاق ثقة زعموا أَنَّه يدلس ومع هذا فقد صرح في هذا الإسناد بالتحديث، وخُصيف ثقة ومن تكلم فيهِ فلا حجة له. 

قَالَ المنذري: في إسناده خُصيف بْنُ عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف، المنذري متقدم، فالمعتمد أنه ضعيف، الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تساهل، كذلك علي بْنُ جدعان يتساهل في تضعيفه وهو ضعيف عند جمهور العلماء، فالصواب الذي عليه الجمهور: أن خُصيفا ضعيف. 

ويترتب عَلَى هذا الحكم: أن أحمد شاكر يرى أَنَّ السنة أن يُحرم في مصلاه، وعلى القول بتضعيفه فهذا من أوهامه، والسنة: إذا ركب مركوبه، والمسألة في الاستحباب وإلا يجوز، يجوز أن تُحرم في الأرض بعد الركوب، في أي مكان بشرط ألا تتجاوز الوادي، الخلاف في الأفضلية، أما الجواز: فيجوز أن تُحرم في أي مكان سواء قبل الركوب أو بعد الركوب، في أي مكان من الميقات، والميقات واسع أي مكان تحرم منه سواء راكب ولا جالس ولا بعد الصلاة أو قبل الصلاة فالأمر واسع في هذا. 

فإن قيل: الآن المواقيت هل لها حدود؟ المساجد الآن اللي معمولة؟ 

حده الوادي، معروف، السيل الكبير الآن، من جهة الهدى يسمى وادي محرم. 

فإن قيل: مثلًا قرن المنازل إِلَى أسفل مثلًا؟ 

المهم ما يتجاوز الوادي. 

(المتن) 

1771- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: «بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي وابن ماجة، اِبْن عمر رضي الله عنه قَالَ: «بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها» يَعْنِي يقول: أهل من البيداء، البيداء الصحراء بعد ما ركب، يُنكر هذا اِبْن عمر يقول: لا، أهل في مصلاه «ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة» يَعْنِي: أهل وهو في الأرض، مسجد يَعْنِي مصلى وإلا ليس هناك مسجد في ذلك الوقت. قال: بيداؤكم: يعني: تقولون: أهل منها، وإنما أهل من عند مسجد ذي الحليفة أي من عند الشجرة التي كانت عند المسجد. 

وسماهم اِبْن عمر كاذبين؛ لِأَنَّهُم أخبروا بالشيء عَلَى خلاف ما هو، والكذب عند أهل السنة: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو سواء تعمده أم غلط فيهِ، إذا أخبر بغير الواقع يقال: كذب ولو لم يتعمد، عفا الله عن اِبْن عمر رضي الله عنه سمى ذلك كذبًا وهو الذي خفيت عليه أهلة النَّبِيِّ r من البيداء مرة أخرى، فهو رضي الله عنه خفي عنه السنة فظن أن القول بإحرام البيداء خلاف الواقع، والواقع في الأحاديث: أن النَّبِيِّ كرر، لما ركب دابته أهل، ثم لما استقلت بِهِ عَلَى البيداء أهل، كررها مرة أخرى ولم يصل هذا اِبْن عمر رضي الله عنه وهو ثابت، وَلَكِن هذا اجتهاد من اِبْن عمر رضي الله عنه. 

فإن قيل: بعض الناس يزاحمون عَلَى مكان السيل؟ 

في أي مكان يُحرم من الوادي، الْأَمْرِ واسع، تحرم في الأرض، في السيارة، في الغرف، خارج الغرف، الوادي واسع، والأفضل إذا ركب من السيارة يُحرم بعد أن يقضي حوائجه كلها. 

(المتن) 

1772- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه، قال لعبد الله بن عمر: «يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: ما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته». 

(الشرح) 

هذا الحديث أيضًا أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو حديث صحيح، وفيه أن اِبْن جريج، استشكل هَذِه الأمور الثلاثة وبين له اِبْن عمر رضي الله عنه، قَالَ: قال: «رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين» بالتخفيف أصح فيقال: اليمانيين، المراد بهما: هو الركن اليماني والركن الأسود، يقال: الركن اليماني لِأَنَّهُ جهة اليمن، كَانَ لا يُستلم إِلَّا الركنان اليمانيين لأنهما عَلَى قواعد إبراهيم، وأما الركنان الشامي والعراقي فلا يستلمان لأنهما ليسا عَلَى قواعد إبراهيم لِأَنّ قريشا أخرجت الحجر، ولهذا لما هدم الكعبة اِبْن الزبير وأدخل الحجر صاروا يستلمون الأركان الأربعة كلها، وصارت عَلَى قواعد إبراهيم كلها. 

قوله: «لما كَانَ يوم التروية» هو يوم الثامن من ذي الحجة، قَالَ: «فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين» الركن اليماني والركن الذي فيهِ الحجر، ويقال: العراقي لكونه من جهة العراق، وقيل للذي قبله اليماني لِأَنَّهُ من جهة اليمن، ويقال لهما اليمانيين تغليبًا في أحد الاسمين، قَالَ العلماء: ويقال للركنين الآخرين اللذين يليان الحجر: الشاميان، لأنهما جهة الشام.  

ثم إن العراقي من اليمانيين اختص بفضيلة أخرى وهي الحجر الأسود اُختص بالاستلام بالتقبيل ووضع الجبهة عليه، قَالَ القاضي: واتفق الأئمة عَلَى أن الركنين الشاميين لا يُستلمان وَإِنَّمَا كَانَ الخلاف في ذلك في الأصل الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين. 

وأما النعال السِبتية: قَالَ النووي بكسر السين وبينها: هي النعال الَّتِي ليس فيها شعر، قَالَ: هي مشتقة من السِبت أو من السَبت وهو الحلق والإزالة، ومنه قوله: سَبت رأسه أي حلقه. 

قوله: «فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها» الصفرة واختلف هل المراد صبغ الشعر أو صبغ الثوب؟ قَالَ المازري: قيل المراد في الحديث صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب، قَالَ: والأشبه أن يكون صبغ الثياب؛ لِأَنَّهُ أخبر عن النَّبِيِّ r أَنَّه صبغ ولم يقال عنه r أَنَّه صبغ شعره، قَالَ النووي: جاءت أثار عن اِبْن عمر بين فيها تصفير اِبْن عمر لحيته، واحتج بأن النَّبِيِّ r كَانَ يصفر لحيته بالورس والزعفران، وذكر أيضًا في حديث آخر: احتجاجه بأن النَّبِيِّ r كَانَ يصبغ بها ثيابه وحتى عمامته. 

وأما الإهلال: يَعْنِي الإحرام بالحج، بين له اِبْن عمر قَالَ: بضرب من القياس حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل النَّبِيِّ r عَلَى المماثلة فاستدل في معناه، يَعْنِي يقول: أن النَّبِيِّ r إِنَّمَا أحرم لما كَانَ يوم التروية، قَالَ: الناس يهلون عند دخول ذي الحجة وأنت لا تُهل إِلَّا يوم التروية، قَالَ: «رأيت النَّبِيِّ r وسلم لا يهل حتى تنبعث به راحلته». 

فأخر اِبْن عمر الإحرام إِلَى حال شروعه في الحج وهو يوم التروية، ووافق اِبْن عمر عَلَى هذا الجماهير: الشافعي وأصحابه، وقال آخرون: الأفضل أن يُحرم من ذي الحجة من أوله، وَلَكِن هذا خلاف ما دلت عليه السنة، فالنبي r إِنَّمَا أمر أصحابه أن يُحرموا في اليوم الثامن. 

فإن قيل: (...)؟ 

جاء في الحديث الآخر أَنَّه نهى عن التزعفر أو نهى عن الصبغ بالأحمر. 

فإن قيل: هل كَانَ أهل مكة مجرد يدخل الهلال يُهلون؟ 

نعم، وبعض العلماء يستحبه، إذا أهل ذو الحجة يستحب الإحرام لَكِنْ هذا خلاف السنة، الرسول ما أمر أصحابه أن يُهلوا إِلَّا يوم الثامن. 

(المتن) 

1773- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا ابن جريج، عن محمد بن المنكدر، عن أنس، قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح، فلما ركب راحلته واستوت به أهل». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، قوله: «فلما ركب راحلته واستوت به أهل» في الحديث: «أَنَّه أهل لما ركب» وهذا واضح، لما ركب راحلته واستوت به أهل، وهذا فيهِ خلاف ما دل عليه حديث خُصيف أَنَّه أهل في مصلاه. 

وقوله: "وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين»، وقبلها «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا"، فيهِ: دليل عَلَى أن المسافر لا يترخص برخص السفر حتى يفارق بيوت البلد؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r خطب الناس في المدينة الظهر، وعزم عَلَى الحج وصلى أربعًا، فَلَمّا انتقل إِلَى ذي الحليفة العصر وفارق البنيان صلى بذي الحليفة ركعتين، ففيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجًا عنها ولو لم يستمر سفره، احتج بِهِ أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة في ذلك لِأَنَّهُ كَانَ ابتداءً لا المنتهى. 

يَعْنِي: الرسول r قصر في ذي الحليفة وما انتهى السفر، السفر إِلَى مكة لكنه لما فارق البيوت قصر، الظاهرية قالوا: يجوز القصر في السفر القصير، هذا ما سفر قصير، هذا سفر طويل، قالوا: ما بينه وبين المدينة إِلَّا مسافة قليلة، نقول: لا، هذا ابتداء السفر وما انتهى السفر، فيهِ: دليل عَلَى أن الرخص إِنَّمَا تبدأ في مفارقة البلد، وفيه: روي عن بعض الصحابة أَنَّه إذا عزم عَلَى السفر أَنَّه يقصر وهو في البلد لَكِنْ هذا خلاف الحديث، هذا الحديث رد عليه، فيه صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وهو عازم عَلَى السفر لَكِنْ في المدينة ما فارق البلد فصلى أربعًا أما في ذي الحليفة صلى ركعتين، وفيه رد على من قال: إذا نوى السفر وهو في البلد فإنه يقصر الصلاة. 

فإن قيل: يفارق بيوت المحافظة كلها ولا المدينة فقط ومنطقة؟ 

البلد التي يسكن فيها، إذا كَانَ هناك قرى بعيدة فلا تعتبر. 

(المتن) 

 

1774- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا أشعث، عن الحسن، عن أنس بن مالك، «أن النبي الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل». 

(الشرح) 

أخرجه النسائي، وفيه: أَنَّه أهل مرة أخرى عَلَى جبل البيداء، يَعْنِي: أهل لما ركب ثم أهل مرة أخرى عَلَى جبل البيداء. والبيداء (..) 

فإن قيل: هنا أهل، هو ألم يقل: لبيك اللهم لبيك؟ 

أهل: رفع صوته بالإهلال قَالَ: لبيك حجًا وعمرة، رفع الصوت بالتلبية حسب إهلاله عمرة أو حج. 

(المتن) 

1775- حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا وهب يعني ابن جرير، قال: حدثنا أبي، قال:، سمعت محمد بن إسحاق، يحدث عن أبي الزناد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، قالت: قال سعد بن أبي وقاص: «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفُرع أهل إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أُحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء». 

(الشرح) 

هذا الحديث ضعيف بإسناده محمد بْنُ إسحاق بْنُ يسار صاحب المغازي وهو ثقة لكنه يدلس، ولكنه تؤيده الأحاديث الأخرى الواضحة بأن النَّبِيِّ r كَانَ يُهل إذا ركب ويُهل إذا استعمل البيداء، قَالَ: «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفُرع» بضم الفاء موضع بين مكة والمدينة، «أهل إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أُحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء» ولو صح فيُحمل عَلَى أَنَّه كرر الإهلال. 

فإن قيل: قَالَ: أخذ طريق أحد، طريق أحد معاكس الآن للطريق؟ 

يمكن هذا عَلَى الإبل، وطرق السيارات تختلف. 

(المتن) 

باب الاشتراط في الحج. 

1776- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، «أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج أشترط، قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني». 

(الشرح) 

وفي رواية: آشترط، بهمزة استفهام الحديث أيضًا صحيح أخرجه مسلم والترمذي، والنسائي وابن ماجة، وأخرجه الشيخان أيضًا من حديث عائشة والنسائي أيضًا فهو حديث صحيح، ضباعة بنت الزبير هَذِه بنت عم النَّبِيِّ r، بنت الزبير بْنُ عبد المطلب، وتزوجت -وهي حرة قرشية- بالمقداد بْنُ الأسود وهو من كندة، ففيه: الرد عَلَى من منع من تزويج القبلية بالخضيري، فيهِ الرد عَلَى اللي يحبسون بناتهم حتى يأتيهم من قبيلتهم، فهذه ضباعة حرة قرشية ومع ذلك تزوجته، عبد الرحمن بْنُ عوف زوج أخته بلال وهو من الحبشة، وَكَذَلِكَ زينب زوج أسامة، وكذلك امرأة أبي حذيفة (..) المقصود: أن هذا كثير، وفيه: دليل عَلَى أن الكفاءة إِنَّمَا تكون في الدين وهذا هو الصواب، ويجوز أيضًا للعربية أن تتزوج بغير العربي إذا كَانَ مسلما. 

وقال بعض العلماء: لابد من الكفاءة، فقالوا: إن القرشية ليست كفئا لغير القرشي، وعلى كل حال: إذا كَانَ يحصل من هذا مفسدة فيُمتنع لدفع المفسدة وإلا شرعًا جائز، وهذا موجود في بعض القبائل عندها تعصب ولو زوجها من غير القبيلة لأتوا وفسخوها منه بالقوة، هذا واقع، فيترك درءا للمفسدة لا لِأَنَّهُ ممنوع. 

وفيه أن ضباعة قالت: «يا رسول الله، إني أريد الحج أشترط» عَلَى حذف الهمزة، وأأشترط، وآشترط على تسهيل الهمزة، «قال: نعم، قالت: فكيف أقول؟ قال: قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني» هَذِه ضباعة كانت مريضة، قَالَ: «إني أريد الحج» وفي اللفظ الآخر: «وأنا وجعة»: مريضة فأمرها النَّبِيِّ r أن تشترط، فالحديث دليل عَلَى أن من اشترط وكان وجعًا أو خائفًا ثم عرض له ما يحبسه عن الحج والعمرة تحلل ولا شيء عليه، وبه قَالَ جماعة من الصحابة وذهب إِلَى هذا الإمام أحمد وجماعة وبعض الفقهاء. 

وذهب آخرون: كالإمام أبي حنيفة ومالك إِلَى أَنَّه لا يصح الاشتراط مطلقًا سواء كَانَ مريضا أو غير مريض. 

ومذهب ثالث قَالَ بِهِ كثير من الفقهاء قالوا: له الاشتراط مطلقًا خائفًا أو وجعًا أم لا، فالأقوال في هذا ثلاثة. الفقهاء فتحوا الباب: قالوا: كل واحد له أن يشترط سواء كان خائفا أو ليس بخائف، وأبو حنيفة ومالك سدا الباب فقالوا: لا يجوز الاشتراط مطلقا سواء كان مريضا أو غير مريض، لا يصح. القول الثالث اختاره جمع من المحققين اختاروا ما دل عليه الحديث: إذا كان خائفا أو وجعا يشترط، وإذا كان غير خائف فلا يشترط. 

وعلى هذا فلو اشترط وهو غير خائف أو ليس بِهِ وجع فلا ينفع الاشتراط عَلَى الصحيح، فَقَالَ بَعْضُهُم: الآن ينبغي للإنسان أن يشترط لِأَنّ حوادث السيارات كثيرة، يقال لهم: حوادث الرواحل أيضًا حدثت في عهد النَّبِيِّ r رجل سقط عن دابته وهو واقف بعرفة ومات، فَقَالَ النَّبِيِّ r: «كفنوه في ثوبيه» فالحوادث موجودة حتى في زمن النَّبِيِّ r ولم يشترط النَّبِيِّ r ولا أصحابه. 

ولهذا قَالَ المؤلف: الحج يدل عَلَى أن من اشترط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل، وأنه لا يجوز له التحلل مع عدم الاشتراط وبه قَالَ جماعة من الصحابة منهم: علي، اِبْن مسعود، عمر، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصح الاشتراط وهو مروي عن اِبْن عمر، قَالَ البيهقي: لو بلغ اِبْن عمر حديث ضباعة لقال بِهِ، ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكر أبوه، قَالَ الخطابي: وفيه دليل عَلَى أن المحصر يحل حيث يُحبس وينحر هديه، ينحره في أي مكان حُبس فيهِ سواء كَانَ من حل أو من حرم؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r لما أُحصر ذبح هديه في الحديبية، قَالَ: وَكَذَلِكَ فعل رسول الله r عام الحديبية حين أُحصر نحر هديه وأحل. 

قَالَ أبو حنيفة وأصحابه: دم الإحصار لا يراق إِلَّا في الحرم، يقيم المحصر عَلَى إحرامه ويبعث بالهدي ويواعدهم يوم يقدر فيهِ بلوغ الهدي المنسك، فإذا كَانَ ذلك الوقت حل، والصواب: أَنَّه يحل في مكانه، وعلى هذا فإذا أحرم الإنسان بحج أو عمرة، متى يتحلل؟ يتحلل بواحد من أمور: 

الْأَمْرِ الأول: أن يُكمل الحج أو يكمل العمرة ثم يتحلل. 

الْأَمْرِ الثاني: أن يتشرط ويحصل له مانع وهو خائف فيتحلل ولا شيء عليه لأنه اشترط؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r قَالَ لضباعة: «قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني». 

الْأَمْرِ الثالث: ألا يكون اشترط ولا يكون أكمل الحج لَكِنْ أُحصر ومُنع، مُنع من وصوله إِلَى البيت أو مُنع من الطواف أو مُنع من الوقوف بعرفة، ففي هَذِه الحالة يكون محصر، فيذبح هديه ثم يتحلل في مكانه فَإِن لم يجد هديًا صام عشرة أيام ثم يتحلل. 

الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة/196]؛ فالحج والعمرة لهما مزية عَلَى غيرهما؛ حتى لو حج تطوعا أو اعتمر تطوعًا فلا يحل إِلَّا بواحدٍ من الأمور الثلاثة إذا دخل فيهِ صار واجبًا، بخلاف الصوم إذا صام نفل له أن يقطعه، أو صلى وإن كَانَ خلاف الأولى نافلة، لَكِنْ إذا حج نافلة أو اعتمر نافلة فلا يتحلل وصار واجبًا لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة/196]. 

فإن قيل: لَكِنْ في الوقت الحاضر ناس ما يكون معها الهدي مثلًا في السيارة؟ 

يشتري، يجلس عَلَى إحرامه حتى يذبح هديه ثم يتحلل فَإِن لم يجد صام عشرة أيام، (..) وهذا قياس من الفقهاء قاسوه عَلَى هدي التمتع وإلا ما ورد في الإحصار، الله تعالى قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة/196]؛ قاس العلماء عليه الإحصار عشرة أيام.  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد