شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_6

00:00
00:00
تحميل
31

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله؛ أما بعد: 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه في كتاب المناسك باب الإقران. 

1798- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال الصُبي بن معبد: أهللت بهما معًا، فقال عمر: «هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة, وفيه دليل عَلَى جواز القران ومشروعيته, (باب القران) قال الصُبي بن معبد: (أهللت بهما معًا)يَعْنِي: بالحج والعمرة, فقال عمر: «هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم» فهذا الحديث يدل عَلَى جواز القران وأنه ليس بضلال كما توهم زيد وسلمان بْنُ ربيعة كما يأتي في الحديث الذي بعده, الحديث الذي بعده فيهِ: أَنَّه لما أراد أن يُحرم بهما قَيل له: ما هذا بأفقه من بعيره.  

(المتن) 

1799- حدثنا محمد بن قدامة بن أعين، وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال الصبي بن معبد: «كنت رجلًا أعرابيًا نصرانيًا فأسلمت، فأتيت رجلًا من عشيرتي يقال له هذيم بن ثُرملة، فقلت له: يا هناه إني حريص على الجهاد وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي فأهللت بهما معًا، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما جميعًا، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره، قال: فكأنما ألقي علي جبل حتى أتيت عمر بن الخطاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إني كنت رجلًا أعرابيًا نصرانيًا وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأتيت رجلًا من قومي فقال لي: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معًا، فقال لي: عمر رضي الله عنه هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي, والحديث يدل عَلَى جواز القران وأنه سنة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  , وأن الصُبي لما أسلم وأهل بهما لقيه سلمان بْنُ ربيعة وزيد بْنُ صوحان وهو يُهل بهما يَعْنِي: يلبي بالحج والعمرة, «فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره» يَعْنِي: أنكروا عليه, يَعْنِي: أَنَّه ضال هو وبعيره سيان, فكما أن البعيرة والبهيمة ما يفهم فهذا ضال ما يفهم, فشق عليه ذلك, فَلَمّا سأل عمر اِبْن الخطاب قَالَ له: «هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم» فزال عنه ما يجد. 

فهذا يدل عَلَى مشروعية الجمع بين الحج والعمرة وأنه سنة, وأن من أنكره فلجهله كما أنكره سلمان بْنُ ربيعة وزيد بْنُ صوحان, قوله: «أتيت العُذيب» العُذيب تصغير عذب اسم ماء لبني تميم عَلَى مرحلة من الكوفة. 

قوله: «ما أفقه من بعيره» يَعْنِي: هو والبعير سواء في عدم الفهم, وفي رواية النسائي أَنَّه قَالَ: «لأنت أضل من جملك هذا» أنكروا عليه, عمر رضي الله عنه وأبو بكر الصديق كَانُوا يأمرون الناس بعد وفاة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالإفراد حتى يأتي الناس بالعمرة في سفرة أخرى(...), ومع ذلك هنا أخبر الصُبي قَالَ: أن هَذِه سنة نبيك. 

(المتن) 

1800- حدثنا النفيلي، حدثنا مسكين، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال سمعت ابن عباس، يقول: حدثني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني الليلة آت من عند ربي عز وجل، قال: وهو بالعقيق وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقال: عمرة في حجة» قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي وقل عمرة، في حجة، قال أبو داود: وكذا رواه علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث وقال: وقل عمرة في حجة. 

(الشرح) 

وكأن عمر رضي الله عنه لما قَالَ لصُبي: «هُديت لسنة نبيك» والصبي قَالَ: إني حريص عَلَى الجهاد, كيف أجمعهما, ورأى هذا فيهِ مصلحة له, فكان يرى أن من عرضت له مصلحة فالجمع في حقه سنة فلهذا أفتاه. 

والحديث كما سبق أخرجه النسائي, فهذا الحديث حديث اِبْن عباس قَالَ فيهِ: «أتاني الليلة آت من عند ربي عز وجل» هو جبريل عليه السلام, «قال: وهو بالعقيق» العقيق: هو الميقات, ميقات أهل المدينة ذو الحليفة, يسمونه العقيق, ويقال بقرب العقيق, وقال أن سبب ذلك؟ أن تبة عَلَى منحدر في مكان عند الرجوع قَالَ: هذا عقيق الأرض فسمي العقيق. 

«وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقال: عمرة في حجة» هَذِه رواية الأوزاعي, قال أبو داود: (رواه الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي وقل عمرة في حجة) رواية الأوزاعي: وقال: عمرة في حجة, ورواية الوليد: وقل عمرة في حجة, هذا أمر والأول خبر, قال أبو داود: (وكذا رواه علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث وقال: وقل عمرة في حجة). 

هذا الحديث أخرجه البخاري وابن ماجة, وهو دليل عَلَى مشروعية القران, والرد عَلَى من أنكره وأن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حج قارنًا بأمر الله تعالى, قَالَ: «وقل عمرة في حجة» أمر هذا, والحديث دليل عَلَى من يقول: إن القران أفضل من غيره, يَعْنِي: أفضل من الإفراد, وأفضل من التمتع الخاص, اِبْن القيم انتصر لهذا وقال: الأدلة كلها تدل عَلَى هذا ومن قَالَ: تمتع أراد بِهِ التمتع العام الذي يدخل فيهِ القران بنص الْقُرْآن, في قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة/196]؛ والقارن داخلٌ في هذا النص, فتمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بترفهه بسقوط أحد السفرين وقرن بجمعه في إهلاله بين النسكين. 

ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب حق التأمل جزم جزمًا وهذا فصل النزاع في هَذِه المسألة, وهذا الحديث دليل عَلَى أَنَّه حج قارنًا, قَالَ الشوكاني: وأبعد من قَالَ إن معناه أَنَّه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه, وظاهر هذا الحديث أن حج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقرانه كَانَ بأمر من الله. 

بَعْضُهُم تأول قَالَ: معنى ذلك أَنَّه يأتي بعمرة بعد الحج وهذا بعيد, إِنَّمَا يأتي بالعمرة قبل الحج, قَالَ بَعْضُهُم: يحتمل أَنَّه يريد أن يُحرم بعمرة إذا فرغ من حجه قبل أن يرجع إِلَى منزله, هذا بعيد ولا وجه له, وبعضهم تأول قَالَ: «وقل عمرة في حجة» أي قل لأصحابك وهذا أيضًا بعيد, يَعْنِي: أعلمهم أن القران جائز. 

(المتن) 

1801- حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدثني الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بعسفان، قال له: سراقة بن مالك المدلجي، يا رسول الله: اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فقد حل إلا من كان معه هدي». 

(الشرح) 

هذا الحديث فيهِ جواز المتعة في أشهر الحج, وفيه: أن من كَانَ معه هدي لا يتحلل إِلَّا بعد أن يذبح هديه, وقوله: «اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم» يَعْنِي: بين لنا بيانًا وافيًا في غاية الوضوح كالبيان لمن لا يعلم شَيْئًا قبل اليوم, فقال: «إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة» معناه: أوجب عليكم عمرةً بشروعكم في الحج, قَالَ هذا السندي, وقال اِبْن الأثير قوله: «دخلت العمرة في الحج» معناه: أَنَّه سقط فرضها بوجوب الحج ودخلت فيهِ وهذا تأويل من لم يرها واجبة, فأما من أوجبها فَقَالَ معناه: أن عمل العمرة قد دخل عمل الحج فلا يرى عَلَى القارن أكثر من إحرام واحد وطواف وسعي, وقيل معناه: أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره؛ لِأَنَّهُم كَانُوا لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل الإسلام ذلك وأجازه, قوله: «فقد حل» أي كَانَ ينبغي له أن يحل, وعلى كل حال سبق الحديث سراقة بْنُ مالك وأنه سأل النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم قَالَ: «متعتنا هَذِه لعامنا هَذِه أم للأبد؟ فشبك بين أصابعه وقال: بل لأبد الأبد». 

وهنا قَالَ سراقة بْنُ مالك: «اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم, فَقَالَ: إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة» فهذا يدل عَلَى مشروعية العمرة في أشهر الحج وأنها مستمرة. 

(المتن) 

1802- حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا شعيب بن إسحاق، عن ابن جريج، وحدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا يحيى المعنى، عن ابن جريج، أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس، أن معاوية بن أبي سفيان، أخبره قال: «قصرت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص» قال: ابن خلاد، إن معاوية لم يذكر أخبره. 

(الشرح) 

وهذا الحديث: قال ابن خلاد: (إن معاوية لم يذكر أخبره) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم, والنسائي, وفيه: أن معاوية قَالَ: «قصرت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص» المشقص: هو نصل السهم إذا كَانَ طويلًا ليس بعريض, قَالَ الخليل: هو سهمٌ فيهِ نصل عريض يُرمى بِهِ الوحش. 

قال ابن خلاد: (إن معاوية لم يذكر أخبره) يَعْنِي: اِبْن خلاد ما قَالَ أخبره, هنا في رواية اِبْن شهاب: (أن معاوية بْنُ أبي سفيان أخبره) يَعْنِي: أخبر اِبْن عباس, وفي رواية اِبْن خلاد: ما فيهِ أخبره, قَالَ: أن معاوية قَالَ: قصرت؛ هذا مقصود المؤلف. 

الحديث له سندان: 

السند الأول: قَالَ: حدثنا عبد الوهاب بْنُ نجدة, قَالَ: أخبرنا شعيب بْنُ إسحاق عن اِبْن جريج, وحدثنا أبو بكر بن خلاد. 

السند الثاني: عن اِبْن عباس أن معاوية أخبره. 

فيبين المؤلف رحمه الله الفرق بين الروايتين, وهذا محمول عَلَى أن معاوية قصر عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في عمرة جعرانة سنة ثمان من الهجرة ولا يصح حمله عَلَى حجة الوداع, لماذا؟ لِأَنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ قارنًا ولم يحلق رأسه إلا بمنى, كيف يقول: قصرت عَلَى المروة, ما قصر النبي عَلَى المروة, لم يحلق رأسه إلا بمنى لما حل, ولا يصح أيضًا حمله عَلَى عمرة القضاء سنة سبعة لِأَنّ معاوية لم يكن يومئذٍ مسلمًا وَإِنَّمَا أسلم يوم الفتح سنة ثمان من الهجرة, فتبين أن هذا إنما هو في عمرة الجعرانة سنة ثمان من الهجرة بَعْدَمَا أسلم معاوية, وهذا أقره جمع من أهل العلم والنووي وجماعة, لهذا قَالَ النووي: هذا الحديث محمول عَلَى أنه قصر عن النَّبِيِّ في عمرة الجعرانة لِأَنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  في حجة الوداع كَانَ قارنًا وثبت أَنَّه  صلى الله عليه وسلم حلق بمنى, فرق أبو طلحة شعره بين الناس, فلا يجوز حمله عَلَى حجة الوداع, ولا يصح أيضًا حمله عَلَى عمرة القضاء؛ لِأَنّ معاوية لم يكن يومئذٍ مسلمًا إِنَّمَا أسلم يوم الفتح سنة ثمانٍ من الهجرة. 

ولا يصح قول من حمله عَلَى حجة الوداع وزعم أنه  صلى الله عليه وسلم كَانَ متمتعًا؛ لِأَنّ هذا غلط فاحش, فقد تظاهرت  الأحاديث الصحيحة أن النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم قيل له: «ما شأن الناس حلوا وأن لم تحل؟ قَالَ: إني لبدت رأسي وقلت هديي فلا أحل حتى أنحر» وفي رواية: «حتى أحل من الحج». 

(المتن) 

1803- حدثنا الحسن بن علي، ومخلد بن خالد، ومحمد بن يحيى المعنى قالوا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن معاوية، قال له: «أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة»، زاد الحسن في حديثه لحجته. 

(الشرح) 

الحسن بْنُ علي, الحديث من رواية الحسن, ومحمد بْنُ يحي, ومخلد بْنُ خالد, فكلهم اتفقوا على أَنَّه قَالَ: «قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة»، زاد الحسن بْنُ علي في حديثه: «لحجته» هذا الحديث أخرجه النسائي وليس فيهِ «في حجته» قَالَ السندي: لعل معاوية عنى بالحجة عمرة الجعرانة لِأَنَّهُ قد أسلم حينئذٍ, ولا يسوغ هذا التأويل في رواية من روى أَنَّه كَانَ في الحجة أو لعله قصر عنه صلى الله عليه وسلم بقية شعره, بقية شعره لم يكن استوفاه الحلاق, فقصره معاوية عَلَى المروة يوم النحر. 

وهذه الرواية تُحمل عَلَى المراد العمرة, حمل الحج عَلَى العمرة حسن, «في حجته» يَعْنِي: في عمرته, وهي عمرة الجعرانة. 

قَالَ الخطابي: هذا صنيع من كَانَ متمتعًا وذلك أن المفرد والقارن لا يحلق رأسه, ولا يقص شعره إِلَّا يوم النحر, والمعتمر يقصر عند الفراغ من السعي, وفي الرواية الصحيحة أَنَّه لم يحلق ولم يقصر إِلَّا يوم النحر بعد رمي الجمار وهي أولى, ويشبه أن يكون ما حكاه معاوية إِنَّمَا هو في عمرة اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الحجة المشهورة. 

قَالَ المنذري: وأخرجه النسائي وليس فيهِ «لحجته» قوله: لحجته يَعْنِي: لعمرته, وقد أخرجه النسائي أيضًا وفيه: «في عمرة عَلَى المروة» فسمى العمرة حجًا لِأَنّ معناه القصد, قد قالت حفصة: «ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟» قَالَ: إنها تعني: حجتك, فعلى كل حل قوله: «في حجته» ليست هَذِه في رواية النسائي, وهي محمولة عند أهل العلم عَلَى العمرة لِأَنّ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم لم يقصر في حجته. 

(المتن) 

1804- حدثنا ابن معاذ، أخبرنا أبي، حدثنا شعبة، عن مسلم القري، سمع ابن عباس، يقول: «أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهل أصحابه بحج». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي, مسلم القُري بقاف مضمومة ثم راء مشددة, قَالَ: هو منسوب إِلَى بني قرة حي ابْنُ عبد القيس, وقيل: بل لِأَنَّهُ كَانَ ينزل قنطرة قرة, «أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهل أصحابه بحج» يَعْنِي: هذا محمول عَلَى أَنَّه أهل بها أولًا ثم أدخل عليها الحج, فسمعه يلبي بالعمرة فَقَالَ: أهل بعمرة. 

(المتن) 

1805- حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة، إلى الحج فأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى وساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: «من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج، وليهد فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله» وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل الناس مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم, والنسائي, وفيه: أن عبد الله بن عمر، قال: «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم» والمراد: التمتع العام الذي يشمل التمتع والقران وهو التمتع اللغوي, فالتمتع الخاص الذي تحلل من عمرته تمتع لِأَنَّهُ ترفه من العمرة, والتمتع الذي هو القارن تمتع بترك أحد السفرتين, سافر للحج والعمرة, وأيضًا كذلك اكتفى بطواف واحد وسعي واحد؛ هذا ترفه, أيضًا الميقات واحدفهذا فيهِ ترفه. 

 «في حجة الوداع بالعمرة، إلى الحج فأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج» يَعْنِي: أهل بالعمرة أولًا ثم بعده بقليل أهل بالحج, أو أَنَّه أهل بهما لَكِنْه بدأ بالعمرة, وهذا كما في الحديث السابق, فأخبر اِبْن عباس بِذَلِكَ, قَالَ القاضي: هو محمول عَلَى التمتع اللغوي وهو القران آخرًا, ومعناه أنه  صلى الله عليه وسلم أحرم أولًا بالحج ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا في آخر أمره, والقارن هو المتمتع من حيث اللغة ومن حيث المعنى لِأَنَّهُ ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل قَالَ: ويتعين هذا التأويل للجمع بين الأحاديث في ذلك, وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة يَعْنِي محمول عَلَى التلبية في أثناء الإحرام وليس المراد أَنَّه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بالحج؛ لِأَنَّهُ يفضي إِلَى مخالفة الأحاديث ووجب تأويل هذا عَلَى موافقتها, ويؤيد هذا التأويل قوله: «وتمتع الناس» معلوم أن كثيرًا منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولًا مفردًا, وَإِنَّمَا فسخوه للعمرة آخرًا فصاروا متمتعين, قوله: «تمتع» يَعْنِي: في آخر الْأَمْرِ. 

«وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى وساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له من شيء حرم منه حتى يقضي حجه» يَعْنِي: القارن لا يتحلل حتى يذبح هديه, «ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج، وليهد» هذا المتمتع الخاص. 

«فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله, وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء» الحجر الأسود, «ثم خب ثلاثة أطواف» الخب: الإسراع, «من السبع ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت» طواف الإفاضة, «ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل الناس مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى» يَعْنِي: من أهدى فعل كما فعل الرسول وبقي عَلَى إحرامه حتى تحلل, «وساق الهدي من الناس». 

والعلماء لهم كلام في متى يكون صيام الثلاثة أيام, وهل يكون قبل الفراغ من العمرة أو بعدها؟ الصواب: أَنَّه إذا أحرم بالعمرة وُجد السبب, وَكَذَلِكَ صيام السبعة لا يصومها إِلَّا رجع إِلَى أهله إذا فرغ من الحج حتى لو كَانَ في مكة له أن يصوم السبعة. 

قوله: «وطاف رسول الله  صلى الله عليه وسلم حين قدم» فيهِ إثبات طواف القدون واستحباب الرمل فيه وهو الخبب وأنه يصلي ركعتي الطواف. 

(المتن) 

1806- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: «يا رسول الله، ما شأن الناس قد حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك، فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والنسائي وابن ماجة, وفيه: دليل عَلَى أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حج قارنًا وهو الصواب لهذه الأحاديث وأحاديث أخرى, قَالَ الإمام أحمد: فيهِ سبعة عشر حديثًا تدل عَلَى أَنَّه حج قارنًا. 

قالت: «يا رسول الله، ما شأن الناس قد حلوا ولم تحلل» صريح بأن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  حج قارنًا. «أنت من عمرتك» يَعْنِي: العمرة المضمومة للحج, فيهِ: أن القارن لا يتحلل بالطواف والسعي ولابد له في التحلل من الوقوف بعرفة والرمي والحلق والطواف كما في الحج المفرد, «فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي» فيهِ استحباب التلبيد وتقليد الهدي وهما سنتان بالاتفاق, التلبيد: هو أن يجعل عَلَى رأسه شَيْئًا يمسك الشعر حتى لا يتشعث, والتقيد: قلادة في رقبة البعير والغالب تكون من نعلين يربطهم بخيط ثم يجعلهم في رقبة البعير ليُعلم أنها هدي. 

(المتن) 

باب الرجل يُهل بالحج ثم يجعلها عمرة. 

1807- حدثنا هناد يعني ابن السري، عن ابن أبي زائدة، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن سليم بن الأسود، أن أبا ذر، كان يقول فيمن حج، ثم فسخها بعمرة: «لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث يزيد بْنُ شريك التيمي وأخرجه النسائي وابن ماجة, وهذا ليس مرفوعًا للنبي  صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا من كلام أبي ذر, عن سليم بن الأسود، أن أبا ذر، كان يقول فيمن حج، ثم فسخها بعمرة: «لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» يقول: خاص بالصحابة, هم الذين فسخوا الحج للعمرة, وهذا قَالَه أبو ذر ظنا منه واجتهادا منه, هو ظن أن فسخ الحج للعمرة خاص بالصحابة الذين حجوا مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . 

والصواب: أَنَّه عام إِلَى يوم القيامة وليس خاصًا بالصحابة, والدليل عَلَى ذلك حديث جابر السابق الذي أخرجه الشيخان وغيرهما وفيه: أن سراقة بْنُ مالك قَالَ: «يا رسول الله أرأيت متعتنا هَذِه ألعامنا هَذِه أم للأبد؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : بل هو للأبد» وحديث أبي ذر هذا موقوف, وحديث جابر مرفوع فالمرفوع مقدم عَلَى الموقوف, حديث جابر: «أن النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه وقال: بل لأبد الأبد» فليست العمرة خاصة بالصحابة, وأبو ذر يقول: أنها خاصة بالصحابة, أبو ذر قَالَ هذا عن اجتهاد منه لم يرفعه إِلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم, وجابر رفعها إلى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم, بهذا يتبين أن حديث أبي ذر هذا موقوف وحديث جابر مرفوع والمرفوع مقدم عَلَى الموقوف. 

قَالَ اِبْن الأثير: ركب اسم من أسماء الجمع, والركب في الأصل هو راكب الإبل خاصة ثم اُتسع فيهِ وأُطلق عَلَى كل من ركب الدابة, وسيأتي التحقيق في آخر الباب وأن هذا إِنَّمَا هو قول أبي ذر رضي الله عنه هذا قاله عن اجتهاد منه وأن فسخ الحج للعمرة عام إِلَى يوم القيامة. 

(المتن) 

1808- حدثنا النفيلي، حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد، أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه، قال: قلت: «يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: بل لكم خاصة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة, وهذا الحديث هو حديث بلال بْنُ الحارث لا يصح في إسناده الحارث بْنُ بلال وهو مجهول تفرد بالرواية عنه ربيعة بْنُ أبي عبد الرحمن قاله الدارقطني, قَالَ الإمام أحمد رحمه الله: حديث بلال بْنُ الححارث لا يثبت ولا أقول بِهِ ولا يُعرف هذا الرجل, وقال معناه لو صح فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة الَّتِي رواها أحد عشر صحابيًا في جواز فسخ الحج إِلَى العمرة إِلَى الأبد, بهذا يتبين أن هذا الحديث ضعيف ما يصح؛ لِأَنَّهُ فيهِ أن فسخ الحج للعمرة خاص بالصحابة وهذا لا يصح. 

قَالَ الخطابي: قد قيل إن الفسخ إِنَّمَا وقع إِلَى العمرة لِأَنَّهُم كَانُوا يحرمون الحج في أشهر الحج ولا يستبيحونها ففسخ رسول الله  صلى الله عليه وسلم الحج عَلَيْهِمْ وأمرهم بالعمرة في زمان الحج ليزول شبه الجاهلية ويتمسكوا بما تبين لهم في الإسلام, وقد بين صلى الله عليه وسلم  أَنَّه ليس لمن بعدهم ممن أحرم بالحج أن يفسخ هذا ليس بصحيح, وقد اتفق أهل العلم عَلَى أَنَّه إن لم يفسخ حجه مضى فيهِ مع الفساد, كذلك اختلفوا في من: أهل بحجتين, قَالَ الشافعي وأحمد: لا يلزمه إِلَّا حجة واحدة, ومن حجتهم في ذلك أن المضي فيها لا يلزم وأن فعله لم يصح بالإجماع, وقال أبو حنيفة وأصحابه: يرفض إحداهما إِلَى قابل؛ لِأَنَّهُ يكون في معنى الفسخ, وقال سفيان الثوري: يلزمه حجة وعمرة من عامه ويهريق دمًا ويحج من قابل, وحكي عن مالك أنه يصير قارنًا وعليه دم ولا يلزمه عَلَى مذهب الشافعي شيء من عمرة ولا دم ولا قضاء من قابل. 

عَلَى كل حال: هذا الحديث كما سبق لا يصح, ويرد عليه الأحاديث الصحيحة أن فسخ الحج للعمرة عام للصحابة وغيرهم. 

قَالَ المنذري: حديث بلال هذا أخرجه النسائي وابن ماجة, وقال الدارقطني: تفرد بِهِ ربيعة بْنُ عبد الرحمن عن الحارث عن أبيه وتفرد فيهِ عبد العزيز الداروردي, والحارث بْنُ بلال شبه مجهول, وقد قَالَ الإمام أحمد في حديث بلال هذا: إنه لا يثبت, وفي المنتقى قَالَ أحمد بْنُ حنبل: حديث بلال بْنُ الحارث عندي ليس يثبت ولا أقول بِهِ ولا يُعرف هذا الرجل؛ يَعْنِي: الحارث بْنُ بلال, وقال: أرأيت لو عُرف الحارث بْنُ بلال إِلَّا أن أحد عشر رجلًا من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  يروون ما يروون من الفسخ أين يقع الحارث بْنُ بلال منهم, عَلَى كل حال: رواية اِبْن أبي داود: لا يصح الحديث لِأَنّ الفسخ كَانَ لهم خاصة, وهذا أبو موسى الأشعري يفتي بِهِ بخلافة أبي بكر وشطرًا من خلافة عمر ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر: «بل هي للأبد» وحديث أبي ذر موقوف وقد خالفه أبو موسى وابن عباس. 

قَالَ اِبْن القيم رحمه الله في زاد المعاد: ونحن نشهد بالله أن حديث بلال بْنُ الحارث لا يصح عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه, ثم كيف يكون هذا ثابتًا عن رسول الله   صلى الله عليه وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام, وأصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم: هذا كَانَ مختصًا بنا ليس لغيرنا؟! وقد روي عن عثمان رضي الله عنه مثل قول أبي ذر باختصاص ذلك بالصحابة ولكنهم جميعًا مخالفون للمروي عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن ذلك للأبد. 

(المتن) 

 باب الرجل يحج عن غيره. 

1809- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس، قال: «كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم, والنسائي وابن ماجة, المؤلف قَالَ: (باب الرجل يحج عن غيره) و الحديث فيهِ دليل عَلَى جواز الحج عن فريضة الغير إذا كَانَ عاجزًا لكبرٍ أو مرض لا يُرجى بُره أو كَانَ ميتًا, وأن ذلك يجزي عن حجة الإسلام؛ لِأَنّ هَذِه المرأة قالت: «يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم» فدل عَلَى جواز الحج عن فريضة الغير إذا كَانَ عاجزًا لكبرٍ أو مرض لا يُرجى بُرأه, وَكَذَلِكَ إذا كَانَ ميتًا وأن ذلك يجزئه عن حجة الإسلام, أما الحي القادر فلا يُحج عنه ولا يصح الحج عنه لا فرضًا ولا نفلًا لعدم الدليل, وإن كَانَ بعض الفقهاء قالوا: يجوز أن يحج عنه النفل ولو كَانَ قادرًا وَلَكِن هذا ليس عليه دليل, أما حج النفل عن الميت فَإِنَّهُ يجوز لحديث شبرمة الآتي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي,قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة». 

ووجه الاستدلال عَلَى الجواز من عموم الحديث حيث لم يستفصل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  هل هو حي أو ميت, وقالوا: ما قَالَ له هل هو حي أو ميت؟ فدل عَلَى الجواز, أما الحي القادر فلا يُحج عنه لعدم الدليل لا فرض ولا نفل. 

(المتن) 

1810- حدثنا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم، بمعناه قالا: حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين، قال: حفص في حديثه رجل من بني عامر أنه قال: «يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: احجج عن أبيك واعتمر». 

(الشرح) 

أبو رزين هذا بفتح الراء مكبر وهو لقيط العقيلي, وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة, وفيه دليل عَلَى وجوب العمرة أَنَّه قَالَ: «احجج عن أبيك واعتمر» وأصرح منه ما يدل عَلَى وجوب العمرة حديث عائشة أنها قالت: «هل عَلَى النساء جهاد؟ قَالَ: عليهن جهاد لا قتال فيهِ؛ الحج والعمرة». 

وحديث الدارقطني في جواب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لجبرائيل بسؤاله عن الإسلام, لما سأله عن الإسلام قَالَ: «وأن تحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء» فدل عَلَى وجوب العمرة, قوله: «احجج عن أبيك واعتمر» الحديث يدل عَلَى جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي, واُستدل بِهِ عَلَى وجوب الحج والعمرة, قَالَ: وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وبه قَالَ إسحاق والثوري والمزني, والمشهور عن المالكية: أن العمرة ليست واجبة, وهو قول الحنفية, ولا خلاف للمشروع, هي مشروعة لَكِنْ ليست واجبة, قَالَ الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا من هذا ولا أصح منه. 

(المتن) 

1811- حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهناد بن السري المعنى واحد, قال إسحاق: حدثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه اِبْن ماجة وابن حبان والبيهقي, وقالا: إسناده صحيح, والحديث اُختلف في رفعه ووقفه, اُختلف في رفعه إلى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم ووقفه عَلَى اِبْن عباس, والمرفوع لا يخالف الموقوف, فالزيادة يتعين قبولها إذا كانت من طريق ثقة كما هو عَلَى مذهب الفقهاء و الأصوليين أن الزيادة يتعين قبولها, قَالَ الحافظ في النخبة: وزيادة راويهما؛ يَعْنِي الحسن والصحيح, وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق, هذا عند المتأخرين, لَكِنْ عند المحدثين: أن زيادة الحسن والصحيح مقبولة ما لم تكن منافية, وأما المتقدمون فإنهم يدرسون الحديث ويحكمون عَلَى كل زيادة بما تستحقه. 

فالفقهاء والأصوليون يقولون: إن هذا الحديث روي موقوفًا ومرفوعًا والمرفوع لا يخالف الموقوف بل زيادة(...) يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة, وهي هنا كذلك؛ لِأَنّ الذي رفعه عبدة بْنُ سليمان وهو ثقة معتدٌ بِهِ في الصحيحين, والحديث في سنده سعيد بْنُ أبي عروبة وقتادة وهما مدلسان وقد عنعنا, لَكِنْ ذكر له الحافظ في "النكت الظراف عَلَى الأطراف" متابعات منها: رواية شعبة عن قتادة, وشعبة لا يروي عن قتادة إِلَّا ما ثبت سماعه, وشعبة جيد الحفظ كما قَالَ الحافظ, ولهذا قَالَ البيهقي: في هذا الحديث إسناده صحيح ليس في الباب أصح منه. 

 «النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي» شك من الراوي, والحديث أخرجه اِبْن حبان وصححه البيهقي, قَالَ: إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه, قَالَ الحافظ: روي موقوفًا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة, وهي هنا كذلك؛ لِأَنّ الذي رفعه عبدة بْنُ سليمان قال الحافظ وهو ثقة محتج بِهِ في الصحيحين, وتابعه عَلَى رفعه محمد بْنُ بشر ومحمد بْنُ عُبيد الله الأنصاري, وكذا رجح عبد الحق وابن قطان رفعه, بل من العلماء من رجح وقفه كالطحاوي وقال: إنه موقوف, وقال أحمد: رفعه خطأ(...), وظاهر الحديث أَنَّه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره مطلقًا سواء كَانَ مستطيعا أو غير مستطيع؛ لِأَنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  لم يستفصل من هذا الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة, فهو منزل منزلة العموم, قَالَ العلماء: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنزل منزلة العموم في المقال, وإلى هذا ذهب الشافعي. 

قَالَ الثوري: إنه يجزئ حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه, وهذا بعيد مصادم للنص, الحديث يقول: «احجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة» وقال المنذري: أخرجه اِبْن ماجة, وقال البيهقي: إسناده صحيح ليس بالباب أصح منه. 

الحديث يدل: عَلَى أن من لم يحج عن نفسه لا يحج عن غيره, فَإِن حج عن غيره صح حجه عن غيره وما حج عن نفسه, ما الحكم؟ الحديث يدل: عَلَى أن من لم يحج عن نفسه لا يحج عن غيره, فَإِن حج عن غيره وقعت الحجة عن نفسه, فتكون الحجة له ويرد المال لمن أعطاه له ليحج عنه(...), والحديث يدل بعمومه عَلَى جواز الحج عن الميت فرضًا أو نفلًا, ما الدليل عليه؟ قَالَ: «احجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة» لِأَنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لم يستفصل من هذا الرجل عن شبرمة, ما قَالَ هل حي, هل ميت؟ وإذا لم يستفصل فَإِنَّهُ ينزل منزلة العموم فيكون الاستفصال في مقام الاحتمال يُنزل منزلة العموم في المقال.  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد