شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_10

00:00
00:00
تحميل
34

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب دخول مكة 

1865 - حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر، كان «إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله». 

(الشرح) 

في النسخة الثانية حدثنا أحمد بن حنبل قَالَ حدثنا إسماعيل. 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب دخول مَكَّة), ذكر في حديث ابن عمر أَنَّهُ كَانَ إِذَا قدم مَكَّة بات بذي طوى؛ حَتَّى يصبح ويغتسل ثُمَّ يدخل مَكَّة نهارًا, , يذكر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فعله. 

هَذَا الحديث صحيح أحرجه الشيخان والنسائي وَهُوَ دليل عَلَى استحباب الاغتسال لدخول مَكَّة, ودخولها نهارًا بَعْدَ المبيت بها, وَهَذَا غير الاغتسال للإحرام, الاغتسال للإحرام سُنَّة مستقلة, وَهَذَا اغتسال لدخول مَكَّة. 

وَكَذَلِكَ أَيْضًا يستحب دخولها نهارًا بَعْدَ المبيت بها, يَعْنِي يستحب له أن يبيت بمكة ثُمَّ يغتسل ثُمَّ يدخلها نهارًا وَهَذَا ليس بواجب بَلْ هُوَ مستحب؛ لِأَنَّهُ ثابت من فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ في ذَلِكَ الوقت كانت مسافرة طويلة, فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يوم السبت في الخامس والعشرين من ذي القعدة, ودخل مَكَّة في اليوم الرابع من ذي الحجة, تسعة أيام. 

فمدة تحتاج إِلَى اغتسال؛ لكن نحن الآن في زمننا هَذَا الوقت قصير يغتسل للإحرام ثُمَّ يدخل مَكَّة بَعْدَ ساعة, ولكن لو تيسر عَلَى حسب أَنَّهُ يغتسل اغتسال آخر لدخول مَكَّة ويدخلها نهارًا ويبيت بها. 

وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بات بذي طوى, ذي طوى هَذَا مكان في مَكَّة يقال له جرول؛ حَتَّى يصبح, وَهَذَا من باب الاستحباب وليس بواجب, كما أن الاغتسال للإحرام كَذَلِكَ مستحب وليس بواجب. 

(المتن) 

1866 - حدثنا عبد الله بن جعفر البرمكي، حدثنا معن، عن مالك، ح وحدثنا مسدد، وابن حنبل، عن يحيى، ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، جميعًا، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يدخل مكة من الثنية العليا» قالا: عن يحيى، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان «يدخل مكة من كداء من ثنية البطحاء ويخرج من الثنية السفلى». زاد البرمكي يعني ثنيتي مكة وحديث مسدد أتم. 

(الشرح) 

عبيد الله كَانَ ابن عمر له ابنان أحدهما عبد الله والثاني عبيد الله, بالتصغير والتكبير, وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان أَيْضًا والنسائي وابن ماجة, وَهُوَ دليل عَلَى استحباب دخول مَكَّة من كذا, من الثنية العليا من جهة البطحاء, البطحاء هُوَ الوادي الَّذِي فِيهِ حصباء والخروج من كُداء من الثنية السفلى وَهَذَا لمن تيسر له وليس بواجب. 

الآن الطرق ليست باختيار الإنسان, الطرق معبدة ولكن يمكن أن يأتي من الطرق الأخرى ويفعل السُّنَّة, فالسنة دخول مَكَّة من الثنية العليا من كَداء والخروج من الثنية السفلى من كُداء. 

كَدَا والمد, وكُدَا بضم الكاف والقصر, والثنية كُلّ عقبة في جبل أو طريق عال تسمى ثنية, والأبطح هُوَ الوادي ويقال له المصحب؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حصباء, ويقال: الأبطح؛ لِأَنَّهُ في بطحاء, وَهَذَا من باب الاستحباب وليس بواجب, وإلا لو دخل مَكَّة من أيْ مكان فلا حرج, الدخول من كَدَاء بالفتح والخروج من كُداء, وأهل مَكَّة يَقُولُونَ: افتح وادخل واضمم واخرج. 

فَإِن قِيلَ: (..)؟ باب بني شيبة معروف ولا زال الاسم مكتوب, يأتي الكعبة من  الأمام, المسعى هنا يدخل مَعَ المسعى من باب هناك باب بني شيبة هُوَ باب السلام, يسمى باب السلام وباب بنو شيبة, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جاء من هناك وَهَذَا هُوَ الدخول من ثنية العليا من هناك, يأتي من باب بني شيبة حَتَّى يستقبل الكعبة استقبالًا يأتيها من وجهها, فتكون الكعبة أمامه جهة الباب, هَذَا وجه الكعبة, وَأَمَّا الخلف من جهة باب الملك عبد العزيز هَذَا من خلف الكعبة. 

(المتن) 

1867 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله, الحديث عَلَى أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدخل المدينة من طريق ويخرج من طريق أخرى, يخرج من طريق الشجر  ويدخل من طريق المعرس, فَهُوَ يدخل من طريق ويخرج من طريق, يَعْنِي إِذَا جاء المدينة جاء من غزو أو حج أو عمرة يدخل من طريق ويخرج من طريق. 

كما كَانَ يفعل في العيدين إِذَا ذَهَبَ إِلَى مصلى العيد يذهب من طريق ويخرج من طريق أخرى, ويقاس عليها الجمعة؛ لأنها مثلها في المعنى, وَقِيلَ: الحكمة من ذَلِكَ لإغاظة المنافقين, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لقضاء حاجة أهل الطريقين, وَقِيلَ: لهذه الحكم كلها. 

والمعرس بلفظ اسم المفعول من التعريس وَكَانَ معروف عَلَى ستة أميال من المدينة, والمعرس أسفل مسجد ذي الحليفة. 

وقوله: «كان يخرج من طريق الشجرة», الشجرة هِيَ شجرة كانت بذي الحليفة, وحليفة تصغير لحلفة, سمي الوادي بِهَذَا لكثرة هَذَا الشجر فِيهِ, شجر حلفة. 

(المتن) 

1868 - حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كدى». قال: وكان عروة يدخل منهما جميعا وكان أكثر ما كان يدخل من كدى وكان أقربهما إلى منزله. 

(الشرح) 

الحديث صحيح أخرجه الشيخان وقوله: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من كَدَاء من أعلى مَكَّة», هِيَ الثنية العليا كداء «ودخل في العمرة من كُدى», هِيَ الثنية السفلى, وَكَانَ عروة يدخل منهما جميعًا, من هَذَا ومن هَذَا عَلَى حسب ما تيسر له. 

وأكثر ما كَانَ يدخل من كُدى وَكَانَ أقربهم إِلَى منزله, هَذَا اعتذار من عروة في مخالفة الحديث الَّذِي رواه, الحديث الَّذِي رواه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يدخل من كَدَاء ويخرج من كُداء وَهُوَ أكثر ما يدخل من كُداء؛ لماذا خالف الحديث؛ لِأَنَّهُ الأقرب إِلَى منزله, يكون عَلَيْهِ مشقة لو دخل من كَداء صار بعيد عَنْ طريق البيت؛ وَلِأَنَّ هَذَا ليس بواجب. 

(المتن) 

1869 - حدثنا ابن المثنى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها». 

(الشرح) 

والحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وَهُوَ حديث صحيح, وَهَذَا كما سبق في الأحاديث يدخل مَكَّة من أعلاها وَهِيَ الثنية العليا وَهِيَ كَداء ويخرج من أسفلها وَهِيَ الثنية السلفى وَهِيَ كُداء, والحديث فِيهِ استحباب الدخول إِلَى مَكَّة من الثنية العليا والخروج من الثنية السفلى إِذَا تيسر, وَإِذَا لَمْ يتيسر لا يشق الإنسان عَلَى نفسه, الْأَمْرِ في هَذَا واسع, ولهذا عروة كَانَ أكثر ما يدخل من كُداء؛ لِأَنَّهُ رأى الْأَمْرِ أَنَّهُ ليس بحتمي. 

(المتن) 

باب في رفع اليدين إذا رأى البيت 

1870 - حدثنا يحيى بن معين، أن محمد بن جعفر، حدثهم حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا قزعة، يحدث، عن المهاجر المكي، قال: سئل جابر بن عبد الله، عن " الرجل يرى البيت يرفع يديه، فقال: «ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا إلا اليهود وقد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الترمذي والنسائي بنحوه والحديث ضعيف, في سنده المهاجر المكي وَهُوَ ضعيف؛ لِأَنَّهُ مجهول, لكن معنى الحديث صحيح, هُوَ أَنَّهُ لا يشرع رفع الأيدي عَنْ رؤية البيت, واليهود كفار فلا يدخلون مَكَّة حَتَّى يرفعون أيديهم, وَكَذَلِكَ الدعاء عِنْد رؤية البيت, جاء في بعض الأحيان: «اللَّهُمَّ أنت السلام حيينا ربنا بالسلام», يروى هَذَا عَنْ ابن جرير عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ضعيف؛ لِأَنَّهُ مقطوع, ما يذكر الفقهاء أَنَّهُ يستحب من الحنابلة وغيرهم إِذَا وصل إِلَى مَكَّة ورأى البيت يرفع يديه ويدعو بِهَذَا الدعاء هَذَا ضعيف, رفع اليدين لَمْ يثبت وَكَذَلِكَ هَذَا الدعاء لَمْ يثبت. 

يرفع يديه وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أنت السلام حيينا ربنا بالسلام», «اللَّهُمَّ زد هَذَا البيت تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابةً وبرًا, وزد من شرفه بمن حجه واعتمره مهابةً وبرًا», ضعيف هَذَا, لِأَنَّهُ مروي عَنْ ابن جريج وَهُوَ مقطوع. 

(المتن) 

1871 - حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام» - يعني يوم الفتح -. 

(الشرح) 

وَهَذَا ثابت في الصحيحين وغيرهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما دخل مَكَّة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام, يوم فتح مَكَّة, وَكَذَلِكَ في حجته طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام, هَذَا هُوَ السُّنَّة, أن تصلى خلف المقام ركعتين إِذَا تيسر, وإن لَمْ يتيسر تصلي في أيْ مكان. 

(المتن) 

1872 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا بهز بن أسد، وهاشم يعني ابن القاسم قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، قال: «أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه». قال: والأنصاب تحته، قال هاشم: فدعا وحمد الله ودعا بما شاء أن يدعو. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم بمعناه والحديث فِيهِ قَالَ: «فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه», هَذَا الحديث إِذَا صح معناه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صعد الصفا وحمد الله ودعا وجعل يذكر الله شكرًا عَلَى ما أنعم به من فتح مَكَّة. 

قوله: «والأنصاب تحته», يَعْنِي الأنصاب الَّتِي تُعبد ثُمَّ أمر بإزالتها, وروي «والأنصار», فهذا قَالَ فِيهِ: «أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه». 

فهذا الحديث معناه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صعد الصفا وحمد الله ودعا وجعل يذكر الله شكرًا عَلَى ما أنعم الله به من فتح مَكَّة. 

والأنصار وَقِيلَ الأنصاب يَعْنِي الَّتِي تعبد من دون الله تحته ثُمَّ أمر بإزالتها, وروي الأنصار تحته, قول الأنصاب يَعْنِي الحجار المنصوبة تحته, ثُمَّ أمر بإزالتها إِذَا كَانَ المراد بها الأنصاب الَّتِي تعبد من دون الله, وَقِيلَ: معنى الأنصاب الأحجار المنصوبة للصعود إِلَى الصفا, وَقِيلَ: الأنصار, يَعْنِي الأنصار, كونه استلم الحجر هنا «فدخل مكة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه», واستلام الحجر هُوَ التحية, استلام افتعال من السلام وَهُوَ التحية وَكَانَ أهل اليمن يسمون الركن الأسود بالمحيا, بمعنى أن النَّاس يحيونه. 

قِيلَ: استلم من السلام وَهِيَ الحجارة واحدتها سلمة بكسر اللام, وَقِيلَ: استلمت الحجر, إِذَا لسمته, كما يقال: اكتحلت من الكحل. 

(المتن) 

باب في تقبيل الحجر 

1873 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر، أنه جاء إلى الحجر فقبله، فقال: «إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وَفِيهِ أن عمر رضي الله عنه جاء إِلَى الحجر فقبله, فقال: «إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك». 

قَالَ عمر هَذَا ليبين للناس أن المقصود من تقبيل الحجر هُوَ الامتثال وطاعة الله ورسوله, التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام, لا لِأَنَّهُ ينفع ويضر, تقبيل الحجر للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمر الله وطاعة رسوله؛ لا لِأَنَّهُ ينفع ويضر, كما أن الطواف بالكعبة عبادة وامتثال لأمر الله رسوله لا لأنها تنفع وتضر. 

ولا ينافي ذَلِكَ فيما ورد بأن الحجر يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق, لا منافاة, ولهذا قَالَ الخطابي: الحديث فِيهِ من الفقه أن متابعة السنن واجبة, ولو لَمْ يقف لها عَلَى علل معلومة, وأسباب معقولة, وأن أعيانها حجة عَلَى من بلغته وإن لَمْ يفقه معانيها. 

قَالَ: إِلَّا أَنَّهُ معلومًا في الجملة أن تقبيل الحجر إِنَّمَا هُوَ إكرامٌ له, وإعظامٌ لحقه وتبركٌ به, قَالَ الخطابي: وتبرك به, ليس بجيد, ليس المراد التبرك, وَإِنَّمَا التأسي. 

المقصود أن عمر رضي الله عنه أشاع هَذَا في الموسم قبل الحجر ليبين للناس, قَالَ: «إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك». 

ليشيع هَذَا في الموقف ليعلم النَّاس أن تقبيل الحجر إِنَّمَا هُوَ للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لا للنفع والضر, الَّذِينَ ينفع ويضر هُوَ الله, وَإِنَّمَا تقبيل الحجر للتأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمر الله وأمر رسوله. 

كما أن الطواف بالكعبة عبادةٌ لله, لا عبادةٌ لها, وامتثال لأمر الله, ولهذا شرع للمسلم أن يقرأ في ركعتي الطواف الأولى بقل يا أَيُّهَا الكافرون, والثانية قل هُوَ الله أحد سورة الإخلاص. 

(المتن) 

باب استلام الأركان 

1874 - حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، قال: «لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يستلم من الأركان الأربعة إِلَّا الركنين اليمانيين وَهُوَ الركن الأسود والركن اليماني, ويسمى ركنين يمانيين تغليبًا, وإلا الأول الركن الأسود والثاني الركن اليماني, فيسمان الركنين اليمانيين, كما يسمى الأبوان الأبوين تغليبًا للأم عَلَى الأب, وكما يسمى الشمس والقمر القمران تغليبًا للقمر, كَذَلِكَ يسمى الركنان اليمانيان تغليبًا, وإلا الأول الأسود والثاني اليماني. 

والركنان الآخران يقال لهما: الشاميان, واحدهما عراقي والثاني شامي, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لَمْ يستلم إِلا الركنين اليمانيين؛ لأنهما عَلَى قواعد إبراهيم, وَأَمَّا الركن الشامي والركن العراقي لا يستلمان لأنهما ليسا عَلَى قواعد إبراهيم؛ لِأَنَّ قريش أخرجت الحجر وَهُوَ من الكعبة, ستة أذرع من الكعبة أخرجت, فصار الركن الشامي والركن العراقي ليسا عَلَى قواعد إبراهيم. 

إبراهيم عَلَيْهِ السلام لما بنى الكعبة الحجر داخل فِيهَا, ثُمَّ قريش أخرجت الحجر ستة أذرع ونصف؛ لأنها قصرت في النفقة, لما تصدعت الكعبة وأرادت قريش أن تبني الكعبة في الجاهلية قَالُوا: لا تجعلوا في الكعبة إِلَّا الدرهم الحلال, فجمعوا دراهم من الحلال فلم يجدوا ما يكفي من الحلال لبناء الكعبة, فَقَالُوا: نبنيا وأخرجوا جزءًا منها لِأَنَّهُم ما وجدوا مالًا حلالًا يبنون بها. 

 باقي المال ما فِيهِ إِلَّا ربا أو رشوة أو كهانة أو إيجار زنا, وهم لا يريدون هَذَا, لا يريدون أن يجعلوا في الكعبة إِلَّا مالًا حلالًا, فجمعوا المال الحلال فلم يجدوا ما يكفي لبنائها, فبنوا ما قدروا عَلَيْهِ وأخرجوا ما لا يستطيعوا, أخرجوا ستة أذرع ونصف الحجر هَذَا. 

ولما أخرجوا الحجر معناه أخرجوا جزءًا من الكعبة, فصار الركنان الشامي والعراقي ليسا عَلَى قواعد إبراهيم, وبقيت عَلَى هَذَا؛ حَتَّى بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يغيرها عَنْ حالها, وَقَالَ لعائشة: «لولا أن قومكم حديثي عهد بكفر لنقض الكعبة وأدخلت الحجر وجعلت لها بابين», بين الحكمة أن قريش لا يتحملون هَذَا لِأَنَّهُم أنفوا هَذَا, قَدْ يترتب عَلَى هَذَا مفسدة أكبر, وَهَذَا هُوَ السبب في كون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استلم الركنين اليمانيين دون الركن الشامي والعراقي. 

ولهذا لما تولى عبد الله بن الزبير إمارة الحجاز طبق هَذَا الحديث, هدم الكعبة و أدخل الحجر وجعل لها بابين, وجعل يستلم الأركان الأربعة كلها, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نازعه عبد الملك بن مروان, وقاتل عبد الله بن الزبير لما كَانَ إمارته في العراق ثُمَّ في الشام, وأوكل المهمة إِلَى الحجاج بن يوسف أمير العراق, فجعل يرسل جيوش إِلَى مَكَّة يقاتل عبد الله بن الزبير, وفي النهاية رمى الكعبة بالمنجنيق فقتل عبد الله بن الزبير وصلبه عَلَى خشبة وهدم الكعبة وأخرج الحجر, وسد الباب الغربي ورفع الباب الشرقي, وأعادها عَلَى ما كانت عَلَيْهِ في الجاهلية. 

ولما طاف معاوية رضي الله عنه عَلَى حالها استلم الأركان الأربعة كلها, فأنكر عَلَيْهِ ابن عباس, وَقَالَ: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يستلم إِلَّا الركنين اليمانيين, أنكر عَلَيْهِ قَالَ: ما يتسلم الركنين العراقي والشامي, فقال معاوية لابن عباس: أفي البيت شَيْء مهجور, هَلْ هناك شَيْء في البيت نهجره؟ فقال ابن عباس: «لَقَدْ كَانَ لكن في رسول الله أسوة حسنة», وَلَمْ أر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يستلم إِلَّا الركنيين اليمانيين, فقال: صدقت, ورجع إِلَى قوله رضي الله عنهم وأرضاهم. 

فهذه هِيَ الحكمة من كون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يستلم الركنين اليمانيين؛ لأنهما عَلَى قواعد إبراهيم, والركن الأسود يقبل ويستلم, والركن اليماني يستلم ولا يقبل. 

الركن الأول له فضيلتان لكون الحجر الأسود فِيهِ وكونه عَلَى قواعد إبراهيم, والثاني وَهُوَ الركن اليماني كونه عَلَى قواعد إبراهيم فضيلة واحدة, والشامي والعراقي ليس لهما فضيلة لا هَذَا ولا هَذَا؛ فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني ولا يستلم الثالث والرابع. 

(المتن) 

1875 - حدثنا مخلد بن خالد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه أخبر بقول، عائشة رضي الله عنها، «إن الحجر بعضه من البيت»، فقال ابن عمر: والله إني لأظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك ". 

(الشرح) 

الحجر يَعْنِي المحجر سمي حجر لِأَنَّهُ محجر, وَأَمَّا تسمية حجر إسماعيل فهذا من تسمية العامة الَّذِي لا أصل له, إسماعيل في زمنه ما في حجر, هَذَا الحجر أخرجته الجاهلية, هم الَّذِينَ أخرجوا الحجر, وَأَمَّا في زمن إبراهيم وزمن إسماعيل عَلَى قواعد إبراهيم ما في حجر, يسمونه حجر إسماعيل؛ حَتَّى ظن بعض الجهال أن إسماعيل مدفون فِيهَا والعياذ بالله, يسمى الحجر ويسمى الحطيب؛ لِأَنَّهُ محطوب مأخوذ من الكعبة. 

وَهَذَا الَّذِي ظنه ابن عمر ثابت من حديث عائشة, ابن عمر قَالَ: (إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم), أَنَّهُ يَعْنِي ما استلم إِلَّا الركنين اليمانيين (إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك), هَذَا الظن من ابن عمر ثابت في حديث عائشة, والحديث أخرجه الشيخان عَنْ عائشة في عمارة البيت. 

(المتن) 

1876 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة». قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد فِيهِ مقال, لكن هَذَا الحديث له شواهد, هَذَا معروف عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يستلم في طوافه الركن اليماني والحجر رضي الله عنه والحديث فِيهِ مشروعية استلام الركن اليماني والحجر في كُلّ طواف إن تيسر, فَإِن لَمْ يتيسر فَإِنَّهُ يَعْنِي السُّنَّة أن يستلمه بيده ويقبله بفمه, هَذِهِ السُّنَّة, السُّنَّة الثانية إن لَمْ يمكن تقبيله يستلمه بيده ويقبل يده, السُّنَّة الثالثة إن لَمْ يمكن يستلمه بعصا ويقبلها؛ لِأَنَّ النَّبِيّ كما جاءت به الأحاديث كَانَ النَّبِيّ استلم الركن بمحجن, والمحجن عصا له رأس من حديد ويقبله, فَإِن لَمْ يمكن السُّنَّة الرابعة أن يشير إليه بيده ويكبر ولا يقبل يده. 

(المتن) 

باب الطواف الواجب 

1877 - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله يعني ابن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة, وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن, والمحجن عصا له طرف منحنية, وجاء ما يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ قبل طرفه, يَعْنِي قبل الحجر أو ما لامس الحجر, أَمَّا اليد إِذَا أشار باليد فلا يقبل يده, والحديث فِيهِ جواز الطواف عَلَى الدابة والبعير, وَفِيهِ دليل عَلَى أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ لِأَنَّه حينما يطوف به مدة لَابُدَّ أن يحدث شَيْء من البول أو الروث, وَفِيهِ الرد عَلَى من قَالَ من الشافعة: إن بول الإبل والبقر نجسة, أخذوا بعموم الأحاديث الَّتِي فِيهَا التنزه من البول قَالُوا عام. 

الصواب: أن ما يؤكل لحمه بوله وروثه فضلاته طاهرة, الإبل والبقر والغنم, وَهَذَا من الأدلة, لو كَانَ بولها نجس لما أدخلها النَّبِيّ إِلَى المسجد الحرام وطاف بها؛ لِأَنَّهُ لَابُدَّ أن يحصل شَيْء من البول والروث من الدابة. 

وَفِيهِ دليل عَلَى جواز طواف المحمول, والطواف بالعربة أولى لِأَنَّ لا بول لها ولا روث, الطواف بالعربة هَذَا أولى, وَفِيهِ جواز استلام الركن بالعصا والمحجن.  

وقوله: (باب الطواف الواجب), هنا ذكر الخطابي أن المراد بِهَذَا الطواف طواف القدوم, وَقَالَ: إن ظاهر تبويب المؤلف يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يذهب إِلَى وجوب طواف القدوم وَهُوَ مذهب مالك وبعض الحنفية, طواف القدوم يسمى طواف التحية, ولكنه سُنَّة عِنْد جمهور العلماء, ومالك وبعض الحنفية يرون أَنَّهُ واجب. 

والثاني: طواف الزيارة ويسمى طواف الركن وطواف الإفاضة وطواف الحج, ويسمى طواف الفرض ويسمى طواف يوم النحر وَهَذَا ركن لا يتم الحج إِلَّا به. 

والثالث: طواف الوداع, ويسمى طواف الصدر, وَهُوَ واجب عَلَى الآفاقي دون المكي في أصح أقوال أهل العلم. 

وطواف القدوم سُنَّة على الصحيح, عِنْد الأئمة الثالثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد, وَقَالَ الإمام مالك: إن تركه مطيقًا لزمه دم, قَالَ أبو حنيفة: لا يسقط إِلَّا بالإقامة, يَعْنِي إِذَا قام.  

الطواف الواجب تشعر بأن المراد به طواف القدوم وَأَنَّهُ يرى الوجوب؛ لِأَنَّهُ ذكر أن النَّبِيّ طاف في حجة  الوداع عَلَى بعير, وَهَذَا الطواف سُنَّة؛ لِأَنَّهُ قارن عليه الصلاة والسلام, أَمَّا طواف الفرض فهذا يكون يوم العيد, طواف الحج والعمرة(..)سعي وطواف واحد. 

(المتن) 

1878 - حدثنا مصرف بن عمرو اليامي، حدثنا يونس يعني ابن بكير، حدثنا ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت: «لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده»، قالت: «وأنا أنظر إليه». 

(الشرح) 

وَهَذَا أخرجه ابن ماجة, صفية بنت شيبة قِيلَ: صحابية صغيرة قالت: «لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم», يَعْنِي لما صار مطمئنًا, وحديث صفية أخرجه البخاري في صحيحه حديثًا, وَقَالَ بعض العلماء: ليست صحابية وَإِنَّمَا الحديث مرسل, حُكي هَذَا عَنْ أبي عبد الرحمن النسائي والبرقاني وذكر (..)كَذَلِكَ أبو عمر بن عبد البر, وَقَدْ أخرج عنها وذكر أَنَّهَا سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح, وهذان الحديثان من رواية محمد بن إسحاق بن يسار. 

والحديث فِيهِ مشروعية استلام الركن بالعصا. 

(المتن) 

1879 - حدثنا هارون بن عبد الله، ومحمد بن رافع المعنى، قالا: حدثنا أبو عاصم، عن معروف يعني ابن خربوذ المكي، حدثنا أبو الطفيل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم «يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه، ثم يقبله». زاد محمد بن رافع، ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعًا على راحلته. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث استدل به المؤلف عَلَى أن الطواف ركن في طواف القدوم, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف في البيت عَلَى راحلته, فِيهِ دليل عَلَى جواز الطواف عَلَى الدابة وَعَلَى العربة ولاسيما عِنْد الحاجة, فِيهِ مشروعية استلام الركن إِذَا تيسر ثُمَّ تقبيله. 

(المتن) 

1880 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه». 

(الشرح) 

غشى يغشى من رمى يرمي رموه, غزوه, إِذَا كَانَ أخر الفعل ألف فَإِنَّهُ يفتح ما قبله, دليل عَلَى الفتح, غزا غزو غشى غشوه عَلَى علوه, أَمَّا إِذَا كَانَ معتل الآخر بالياء رضي رضوه, فَإِنَّهُ يضم ما قبل الواو, رضي رضوه, بخلاف غزا تقول غزو, مثل غشى غشوه. 

والحديث أخرجه مسلم والنسائي وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع عَلَى راحته بالبيت وفي الصفا والمروة, وَفِيهِ جواز الطواف محمول عِنْد الحاجة, ولاسيما عِنْد الحاجة عَلَى عربة, والحديث فِيهِ بيان العلة الَّتِي من أجلها طاف راكبًا؛ وَذَلِكَ ليشرف غيره النَّاس, وليسألوه, (فَإِن النَّاس غشوه), يَعْنِي ازدحموا عَلَيْهِ. 

إذًا الحديث يَعْنِي سبب العلة أن النَّاس ازدحموا عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام فركب الناقة ليراه النَّاس وليشرف عَلَيْهِمْ كما في الحديث الَّذِي بعده. 

فالأولى أن يطوف الإنسان بدون ركوب لكن إِذَا دعت الحاجة فلا بأس, وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الإنسان مريض أو اشتد عَلَيْهِ الزحام وَكَانَ أرفق به, فالنبي بين الراوي أَنَّهُ قَالَ بأن النَّاس غشوه وليشرف وليسألوه, هَذِهِ الحكم النَّاس ازدحموا عَلَيْهِ, من أجل أن يكون بارز للناس؛ حَتَّى يسألوه ويستفيدوا منه عليه الصلاة والسلام. 

(المتن) 

1881 - حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبد الله، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي «فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قدم مَكَّة وَهُوَ يشتكي الحديث فِيهِ زياد بن أبي زياد لا يحتج به, فلا يوافق عَلَى قوله: (يشتكي), والحديث الَّذِي قبله أصح منه فِيهِ بيان أن النَّاس غشوه فركب ليراه النَّاس وليسألوه, لكن كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مريضًا فَإِنَّهُ يطوف راكبًا, لكن هَذَا الحديث فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يشتكي عليه الصلاة والسلام لكن الحديث فِيهِ ضعف. 

قَالَ النووي: جاء في سنن أبي داود أَنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم " طوافه هَذَا مريضًا وإلى هَذَا المعنى أشار البخاري وترجم عَلَيْهِ: باب المريض يطوف راكبًا. 

ويحتمل أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا لهذه العلة, لكن حديث جابر ذكر الحكمة وأن النَّاس ازدحموا عَلَيْهِ فركب ليشرف وليسأله النَّاس, والمريض كَذَلِكَ, لكن الحديث فِيهِ زياد بن أبي زياد. 

(المتن) 

1882 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، قالت: فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وَفِيهِ أن أم سلمة رضي الله عنها زود النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالت: شكوت إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي أيْ مريضة, فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، هَذَا دليل عل أن المريض له أن يطوف راكب, فَهِيَ مريضة تشتكي, وَهَذَا الطواف هُوَ طواف الوداع لأم سلمة, وَذَلِكَ في فجر اليوم الرابع عشر من ذي الحجة, وَذَلِكَ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف للوداع قبيل الفجر ليلة الرابع عشر من ذي الحجة ثُمَّ أدركتهم الصلاة, فصلى بالناس الفجر وقرأ سورة الطور, والطور وكتاب مسطور. 

واشتكت أم سلمة قالت: يا رسول الله إني أريد الطواف وأنا شاكية, قَالَ: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، فطافت وَالنَّاس يلون وَهَذَا أستر؛ لِأَنَّ هَذَا أستر لها, «إني أشتكي», من الشكاية وَهِيَ المرض, وَفِيهِ دليل عَلَى أن الطواف راكبًا ليس خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فَإِن أم سلمة طافت وَهِيَ راكبة, قَالَ النووي: إِنَّمَا أمرها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالطواف من وراء النَّاس لشيئين:  

أحدهما: أن سُنَّة النساء التباعد عَنْ الرجال في الطواف. 

الثانية: أن قربها يخاف منه, أن تؤذي النَّاس بدابتها. 

وَكَذَلِكَ إِذَا طاف الرجل راكبًا وَإِنَّمَا طافت أم سلمة في حالة صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليكون أستر لها, وكانت هَذِهِ الصلاة صلاة الصبح, قالت: طفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذٍ يصلي إِلَى جنب البيت وَهُوَ يقرأ بالطور وكتاب مسطور. 

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرغ من طواف الوداع قبل الصلاة, ثُمَّ صلى ثُمَّ رجع قافل إِلَى المدينة, فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ إِذَا طاف الإنسان للوداع ثُمَّ حضرت الصلاة يصلي ويعد طواف الوداع, لا يعيده كونه يدرك الصلاة ويصلي بَعْدَ طواف الوداع لا يَجِبُ عَلَيْهِ إعادته, وَكَذَلِكَ لو جلس انتظار الرفقة وجعل مثلاً يهيئ أمتعته وجلس يتغدى مثلاً ثُمَّ أدركته الصلاة يصلي, ثُمَّ يخرج ولا يعيد طواف الوداع. 

(المتن) 

باب الاضطباع في الطواف 

1883 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن يعلى، عن يعلى، قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا ببرد أخضر». 

1884 - حدثنا أبو سلمة موسى، حدثنا حماد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه «اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى». 

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة الاطباع للطواف, والاطباع معناه كشف الكتف الأيمن وَهَذَا خاص بالرجل, وَذَلِكَ بأن يجعل وسط الرداء تَحْتَ إبطه الأيمن وطرفي عَلَى عاتقه الأيسر, هَذَا يسمى الاطباع وَهُوَ مشروع في أول طواف يقدم به مَكَّة للحج أو للعمرة, أول طواف وَهُوَ طواف القدوم. 

وهناك سُنَّة ثانية وَهِيَ طواف الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى, والرمل هُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى, وَفِيهِ دليل عَلَى الإحرام بالأخضر, بالبرد الأخضر بالملون وَأَنَّهُ لا بأس أن يحرم الحاج بثوب ملون كالأخضر والأصفر إِلَّا أن الأبيض أفضل. 

الحديث الأول ابن جريج، عن ابن يعلى، عن يعلى، قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعًا ببرد أخضر», هَذَا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة قَالَ: حسن صحيح, لكن في سنده عنعنة ابن جريج وَهُوَ مدلس, وَهَذَا الحديث وإن كَانَ ضعيف لكن دلت الأدلة الأخرى عَلَى جواز الإحرام بالأخضر وغيره إِلَّا أن الأفضل البياض, وَفِيهِ دليل عَلَى مشروعية الاضطباع. 

الحديث الثاني حديث ابن عباس, عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه «اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى». 

والجعرانة كانت بَعْدَ فتح مَكَّة في السن الثامنة من الهجرة, واعتمر ليلاً فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ دخول مَكَّة ليلاً, وَهَذَا خلاف عادته صلى الله عليه وسلم كَانَ يدخل نهارًا, ولهذا خفيت هَذِهِ العمرة عَنْ بعض النَّاس, فلم يعلموها, لِأَنَّهُ اعتمر في الليل وانتهى منها خرج بالليل. 

«اعتمروا من الجعرانة», الجعرانة مكان مثل التنعيم «فرملوا بالبيت», هَذَا هُوَ المشروع الرمل هُوَ الإسراع المشيء مَعَ مقاربة الخطى الثلاثة الأشواط الأول.  

«وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى», هَذَا الاضطباع, الطواف الأول فِيهِ سنتان:  

الاضطباع. 

والرمل. 

الاضطباع في الأشواط السبع وكشف الكتف, والرمل الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى في الثلاثة الأول. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد