شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_6

00:00
00:00
تحميل
19

بسم الله الرحمن الرحيم 

بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 (المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث 

2199 - وحدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، أخبرنا أبو النعمان، أخبرنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن غير واحد، عن طاوس، أن رجلاً، يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر؟، قال ابن عباس: بلى، " كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال: أجيزوهن عليهم ". 

(الشرح) 

هَذَا الحديث عَنْ ابن عباس من رواية طاوس أن رجلاً يقال له أبو الصهباء كَانَ كثير السؤال لابن عباس, قال: «أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر؟، قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فِيهَا», وفي لفظ: «تتايعوا» قال: «أجيزوهن عَلَيْهِمْ». 

هَذَا الحديث احتج به بعض أهل العلم عَلَى أن المطلقة إِذَا كانت غير مدخولًا بها تكون واحدة؛ لِأَنَّهُ قيدها لقوله: «كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة», ومفهومه أَنَّهُ إِذَا كَانَ مدخولًا بها تكون ثلاثًا. 

وأجاب بَعْضُهُمْ عَنْ الحديث بأن هَذَا الحديث ضعيف, فهذا التفصيل وهذا التقييد في قوله: قبل أن يدخل بها, جاء في هَذَا الحديث لكن الحديث ضعيف, أجابوا عنه بأنه ضعيف, وأن الرواة عَنْ طاوس كلهم مجاهيل. 

 وَعَلَى هَذَا فيكون التقييد بقبل الدخول لا ينافي أن تصدق الرواية الأخرى عَنْ المطلقة بَعْدَ الدخول, ويكون ما في هَذِهِ الرواية وقع التنصيص فِيهِ عَلَى بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة. 

فيكون هَذَا الحديث يفهم منه أن المطلقة قبل الدخول تكون واحدة, وَبَعْدَ الدخول دل الحديث الآخر عَلَى أَنَّهَا أَيْضًا تكون واحدة, وأجابوا عَنْ هَذَا الحديث بهذين الجوابين قَالُوا: الحديث ضعيف, وثانيا أن التقييد بقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة بَعْدَ الدخول, والحديث فِيهِ ضعف. 

كما قَالَ المنذري: الرواة عَنْ طاوس كلهم مجاهيل, هنا قَالَ: «فَلَمَّا رأى النَّاس قَدْ تتابعوا», وفي رواية «تتايعوا», يَعْنِي لما تتابعوا في التطليقات الثلاث دفعةً واحدة, فقال: «أجيزهن عَلَيْهِمْ», يَعْنِي أمضوا الثلاثة عَلَيْهِم. 

الحديث هَذَا احتج به من قَالَ: إن الثلاث لا تكون واحدة إِلَّا إِذَا كَانَ غير مدخول بها, والآخرون قَالُوا: إن هَذَا الحديث ضعيف ولو صح يكون الحديث ذكر بعض الأفراد, بعض أفراد ما يشمله الحديث. 

يكون الحديث دل عَلَى أن غير المدخول بها تكون واحدة, والمدخول بها دل الحديث الآخر عَلَى أَنَّهَا أَيْضًا تكون واحدة. 

(المتن) 

2200 - وحدثنا أحمد بن صالح، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرني ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وثلاثًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: «نعم». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وَهُوَ حديث صحيح وَهَذَا الحديث حجة من قَالَ إن طلاق الثلاث بكلمة واحدة تحسب طلقة واحدة, هَذَا الحديث حجة لمن قَالَ من أهل العلم إن طلاق الثلاث بكلمة واحدة تحسب طلقة واحدة, كما هُوَ قول شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من أهل العلم. 

وَأَمَّا الجمهور فَقَالُوا: إن طلاق الثلاث بكلمة واحدة تحسب ثلاث طلقات, وَهَذَا هُوَ الَّذِي أمضاه عمر, وأجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة في زمنه وأخذ به الأئمة الأربعة, قَالُوا: إن طلاق الثلاث بكلمة واحدة تحسب ثلاث طلقات, إِذَا قَالَ: هِيَ طالقٌ ثلاثًا. 

محل الخلاف ما إِذَا طلق ثلاثًا بكلمة واحدة مثل أن يَقُولُ: هِيَ طالق, أو يَقُولُ: أنت طالق أو مطلقة ثلاثًا, أو بالثلاث, الجمهور قَالُوا: تحسب ثلاث تطليقات, وهذا قول عمر وجمهور الصَّحَابَة وجمهور العلماء. 

وَذَهَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والعلامة ابن القيم إِلَى أَنَّهَا تحسب طلقة واحدة, واختاره الشيخ عبد العزبز بن باز رحمه الله وَكَذَلِكَ الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله, واحتجوا بِهَذَا الحديث, كَانَ الطلاق طلاق الثلاث عَلَى عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر واحدة, واحتجوا أَيْضًا بقول الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة/229]. 

قَالُوا: وطلاق الثلاث بكلمة واحدة مرة, وليس ثلاثًا, أَمَّا إِذَا قَالَ: طالق, طالق, طالق, فهذا فِيهِ تفصيل, إن قصد التأكيد أو الإفهام فإنها تحسب واحدة, وَأَمَّا إِذَا كَانَ المقصود ثلاث فإنها تحسب ثلاث تطليقات هَذَا إِذَا كررها من دون عطف بالواو أو بالفاء أو بثم. 

قَالَ: طالق, طالق, طالق, بدون واو, إن قصد الإفهام, قَالَ: أنا قصدت الإفهام أو قصدت التأكيد فإنها تكون واحدة, وإن قصد الثلاث فإنها تكون ثلاث, تحسب ثلاث تطليقات, ولو قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يقصد إيقاع الثلاث, أَمَّا إذا كررها بالواو, قَالَ: طالق, وطالق, وطالق, أو قَالَ: طالق, فطالق, فطالق, أو قَالَ: طالق, ثُمَّ طالق, ثُمَّ طالق, فهَذِهِ تقع ثلاثًا, تحسب عَلَيْهِ ثلاثة تطليقات. 

ومن الأدلة عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كررها تحسب كُلّ واحدة مرة, بخلاف ما إِذَا قَالَ طالقٌ ثلاثًا بكلمة واحدة, فهنا تحسب واحدة؛ لأنها مرة واحدة. 

ومن الأدلة عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ متى إذا كرر السلام قَالَ: السلام عليكم, ثُمَّ كرر قَالَ: السلام عليكم, ثُمَّ كرر السلام عليكم, فتكون ثلاث, أون قَالَ: سبحان الله, سبحان الله, سبحان الله, كُلّ واحدة مرة. 

أَمَّا إِذَا قَالَ: السلام عليكم ثلاثًا, أو قَالَ: سبحان الله ثلاثًا, فَإِنَّهُ تعتبر مرة واحدة, هَذَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إليه القائلون بأن الثلاث إِنَّمَا تقع واحدة, قَالَ: إِذَا كَانَ بلفظ واحد, أَمَّا إِذَا كررها فإنها تكون ثلاثًا, إِلَى هَذَا ذَهَبَ شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله, قَالَ: إِذَا كررها ثلاثًا فإنها تكون ثلاثًا, إِذَا كررها بالواو أو بثم أو بالفاء. 

وأَمَّا بدون الواو أو بثم فعلى حسب نيته, إن قصد الإفهام أو التأكيد تكون واحدة, وإن لَمْ يقصد فإنها تكون ثلاثًا, إِلَّا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فَإِنَّهُ يرى أَنَّهُ إِذَا كررها فإنها تكون واحدة, قَالَ: لو قَالَ: طالق وطالق, أو قَالَ: طلق ثُمَّ طالق, لو كررها بالواو أو بالفاء أو بثم فإنها تكون واحدة عِنْد شيخ الإسلام ابن تيمية, ولا تكون ثلاثًا في مجلس واحد مهما كَانَ, بَلْ لَابُدَّ إِذَا طلقها أن يراجعها, ثُمَّ يطلقها, ثُمَّ يراجعها, أَمَّا باللفظ مهما كَانَ اللفظ, سواء كَانَ بالواو أو بثم أو كررها أو لَمْ يكررها فلا تكون إِلَّا واحدة, هَذَا الَّذِي كرره شيخ الإسلام رحمه الله . 

قَالَ شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لا أعلم أحدًا سبق شيخ الإسلام إِلَى مثل هَذَا, يَعْنِي هَذَا إنفرد به رحمه الله, وَأَمَّا موافقة المتأخرين لشيخ الإسلام إِنَّمَا يوافقونه إِذَا لَمْ يكررها, إِذَا قَالَ: طلقٌ ثلاثًا بكلمة واحدة هنا يوافقون عَلَى أَنَّهَا واحدة, أَمَّا إِذَا كررها فَهُمَ يخالفونه. 

إِذَا كررها بالواو أو بثم أو بالعطف, بعطف الواو أو بثم هذا تقع عِنْد الجميع ثلاثًا, وَكَذَلِكَ إِذَا كررها بدون واو إِذَا قصد أَيْضًا العدد, وَلَمْ يقصد الإفهام أو التأكيد. 

الشارح نقل كلام لشيخ الإسلام ونقل عَنْ الحافظ, وأن القائلين بأن الثلاث واحدة تجب بحديث الإمام أحمد ومحمد بن إسحاق, في حديث ابن عباس أن ركانة لما طلق امرأته ثلاث في مجلس واحد, وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها, تكلم عَلَيْهِ الحافظ في الفتح. 

وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ ثَلَاثًا, وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. 

وَأُجِيبَ مَنْ قَبْلَهُمْ عَنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِأَجْوِبَةٍ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنِ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ, وَمَحَلُّ بَسْطِهَا وَالْكَشْفِ عَمَّا فِيهَا هُوَ غَايَةُ الْمَقْصُودِ. 

وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ حَدِيثٌ آخَرُ صَحِيحٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ, حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مولى بن عباس عن ابن عباس قَالَ: «طلق ركانة بن عبد يزيد أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ: فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ طلقتها؟ قَالَ: طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ واحد قال نعم قال فإنما تملك وَاحِدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إِنْ شِئْتَ قَالَ فَرَاجَعَهَا». 

فَكَانَ ابن عَبَّاسٍ: يَرَى إِنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ. 

قال ابن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ. 

قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. 

وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ الَّذِي فِي غَيْرِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ, وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ:  

أَحَدُهَا: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَشَيْخَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ احْتَجُّوا فِي عِدَّةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ, كَحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ بَالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ, وَلَيْسَ كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ مَرْدُودٌ. 

الثاني: معارضته بفتوى بن عَبَّاسٍ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ, فَلَا يُظَنُّ بَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْحُكْمُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ ظَهَرَ لَهُ وَرَاوِي الْخَبَرِ أَخْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَا رَوَى. 

الثَّالِثُ: أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَجَّحَ أَنَّ رُكَانَةَ إِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ آلِ بَيْتِ رُكَانَةَ, وَهُوَ تَعْلِيلٌ قَوِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ حَمَلَ الْبَتَّةَ عَلَى الثَّلَاثِ, فَقَالَ: طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَبِهَذِهِ النُّكْتَةِ يَقِفُ الاستدلال بحديث بن عَبَّاسٍ. 

الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَذْهَبٌ شَاذٌّ فَلَا يُعْمَلُ به. 

وأجيب بأنه نقل عن علي وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ مِثْلُهُ نقل ذلك بن مُغِيثٍ فِي كِتَابِ الْوَثَائِقِ لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بن وضاح. 

قُلْتُ: قَدْ أَجَابَ الْحَافِظُ عَنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرَّابِعِ وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الثَّالِثِ بَلْ قواه, وجوابه ظاهر من كلام بن الْقَيِّمِ فِي الْإِغَاثَةِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ إِنَّمَا رَجَّحَ حَدِيثَ الْبَتَّةَ عَلَى حَدِيثِ بن جريج؛ لأنه روى حديث بن جُرَيْجٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا مَجْهُولٌ. 

المجهول في الحديث الأول الَّذِي فِيهِ نسخ المطلقات الثلاث الَّذِي فِيهِ واقد بن يزيد, في حديث ابن عباس, قَالَ: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء, الحديث الأول في باب نسخ المراجعة والتطليقات الثلاث. 

عَلَى حَدِيثِ بن جريج؛ لأنه روى حديث بن جُرَيْجٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا مَجْهُولٌ, وَلَمْ يَرْوِ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ, أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ, فَلِذَا رَجَّحَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَتَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ, وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ. 

وَحَدِيثُ ابن جُرَيْجٍ شَاهِدٌ لَهُ وَعَاضِدٌ, هَذَا هُوَ الحديث السابق الآن عَنْ عكرمة عَنْ ابن عباس, قَالَ: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء, وَذَلِكَ أن الرجل إِذَا كَانَ,, الحديث الأول في الباب نعم. 

فَإِذَا انْضَمَّ حَدِيثُ أبي الصهباء إلى حديث ابن إسحاق وإلى حديث ابن جُرَيْجٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا وَتَعَدُّدِ طُرُقِهَا أَفَادَ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا أَقْوَى مِنَ الْبَتَّةَ بِلَا شَكٍّ. 

وَلَا يُمْكِنُ مَنْ شَمَّ رَوَائِحَ الْحَدِيثِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَرْتَابَ فِي ذَلِكَ, فَكَيْفَ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ وَرُوَاتُهُ مجاهيل على هذه الأحاديث؟ انتهى كلام بن الْقَيِّمِ. 

فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ خَالَفَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ أَمْضَاه عَلَيْهِمْ؟ 

قُلْتُ: لَمْ يُخَالِفْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِجْمَاعَ مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ رَأَى إِلْزَامَهُمْ بَالثَّلَاثِ عُقُوبَةً لَهُمْ. 

يَعْنِي هُوَ أجاب أن فعل هَذَا من باب التعزير, يَقُولُ: كيف خالف عمر الإجماع إِذَا كَانَ أجمع من قبله عَلَى أن طلاق الثلاث واحدة, فكيف خالفهم عمر وألزم النَّاس؟ 

قَالَ: إلزامه هَذَا من باب التعزير عقوبةٌ لهم لما تتابعوا وأسرفوا وأكثروا من الطلقات الثلاث ألزمهم, من باب التعزير. 

 قُلْتُ: لَمْ يُخَالِفْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِجْمَاعَ مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ رَأَى إِلْزَامَهُمْ بَالثَّلَاثِ عُقُوبَةً لَهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ حَرَامٌ وَتَتَابَعُوا فِيهِ, وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا سَائِغٌ لِلْأُمَّةِ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ مَا ضَيَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ, وَلَمْ يَقْبَلُوا فِيهِ رُخْصَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَسْهِيلَهُ وَرُخْصَتَهُ بَلِ اخْتَارُوا الشِّدَّةَ وَالْعُسْرَ. 

فَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَمَالِ نَظَرِهِ لِلْأُمَّةِ وَتَأْدِيبِهِ لَهُمْ؟ وَلَكِنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بَاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَشْخَاصِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ وَخَفَائِهِ, وأمير المؤمنين رضي الله عنهم لَمْ يَقُلْ لَهُمْ إِنَّ هَذَا عَنْ الرَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ يَكُفُّهُمْ بِهَا التَّسَارُعَ إِلَى إِيقَاعِ الثَّلَاثِ, وَلِهَذَا قَالَ فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَأَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ, أَفَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا رَأْيٌ مِنْهُ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا إِخْبَارٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَمَّا عَلِمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَنَاةَ وَالرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَرَحْمَةٌ بِهِ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ, وَأَنَّهُ قَابَلَهَا بِضِدِّهَا وَلَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ وَمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْأَنَاةِ عَاقَبَهُ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَلْزَمَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنَ الشِّدَّةِ وَالِاسْتِعْجَالِ, وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِحِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ قَدَرًا وَشَرْعًا, فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَهَا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ مَا جَعَلَهُ لِمَنِ اتَّقَاهُ مِنَ الْمَخْرَجِ. 

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا, إِنَّكَ لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ لَجَعَلَ لَكَ مخرجًا كما قاله بن مسعود وابن عَبَّاسٍ, فَهَذَا نَظَرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَيَّرَ أَحْكَامَ اللَّهِ وَجَعَلَ حَلَالَهَا حَرَامًا. 

فَهَذَا غَايَةُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَفِعْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ كَذَا فِي زَادِ الْمَعَادِ. 

يَعْنِي ابن القيم رحمه الله رأى أن فعل ابن عمر هذا من باب التعزير, والعقوبة للناس لما تتباعوا, الله U وسع لهم و ضيقوا عَلَى أنفسهم فألزمهم؛ حَتَّى يكف النَّاس عَنْ الطلاق الثلاث. 

عَلَى كُلّ حال يتبين بِهَذَا أن الخلاف إِنَّمَا هُوَ في إِذَا قَالَ بكلمة واحدة هِيَ طالق ثلاثًا, أَمَّا إِذَا كررها ما في خلاف, إِلَّا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فَإِنَّهُ يرى أن الطلاق لا يكون إِلَّا مفرق ما يكون في وقتٍ واحد, يكون بَعْدَ كُلّ طهر طلاق مثلاً, شيخ الإسلام يَقُولُ: مهما كبر, مهما أتى بألفاظ ما يكون إِلَّا واحد, أَمَّا غيره فَإِنَّهُمْ يفرقون بين الطلاق إِذَا كَانَ بكلمة واحدة أو كَانَ مكررًا, إذا كَانَ بكلمة واحدة هَذَا محل خلاف, وَهَذَا الَّذِي يفتي به شيخنا رحمه الله إذا قَالَ: طلاقٌ بالثلاث. 

أَمَّا إِذَا كررها وَقَالَ: طالق, طالق, طالق, فهذا إن قصد الإفهام يدين بينه وبين الله, أو التأكيد, وإن كَانَ قصده التكرار لزمه, أَمَّا إِذَا أتى بالواو, قَالَ: طالق, وطالق, وطالق, أو بالفاء: طالق, فطالق, فطالق, أو بثم: طالق, ثُمَّ طالق, ثُمَّ طالق, هَذَا يلزمه الثلاث, قولًا واحدًا, ولو قَالَ: أنا لا أريد ما يقبل منه؛ لِأَنَّ ثُمَّ والفاء والواو تفيد المغايرة, ثُمَّ للتراخي وفعل الترتيب, والواو كَذَلِكَ فصل تفيد أن هَذَا شَيْء وَهَذَا شَيْء. 

ما عَلَيْهِ شيخ الإسلام رحمه الله فَإِنَّهُ يرى أن الطلاق لا يكون إِلَّا واحدة, في مكان وفي مجلس واحد, مهما طلق بأي لفظ أو كرر لا يكون إلا واحد. 

شيخ الإسلام هُوَ الَّذِي انفرد بِهَذَا, انفرد بأنه مهما كرر ومهما أتى باللفظ لا يكون إِلَّا واحد, ما يكون الطلاق الثاني إِلَّا بَعْدَ الرجعة, (.....) ما يكون في مكان واحد ولا يكون في وقت واحد ولا يكون في مجلس واحد طلقتان ولا ثلاثة عِنْد شيخ الإسلام ومهما أتى بالألفاظ. 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد