شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_17

00:00
00:00
تحميل
27

بسم الله الرحمن الرحيم 

بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:  

باب من أحق بالولد 

2276 - حدثنا محمود بن خالد السلمي، حدثنا الوليد، عن أبي عمرو يعني الأوزاعي، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب من أحق بالولد), يَعْنِي من الوالدين أيهما أحق بالولد إِذَا طلقت الأم؟ ذكر حديث عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده «أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء»، يَعْنِي أَنَّهَا تذكر الأمور الَّتِي تكون بها أحق من الأب «وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني»، تقول: إن بطني له وعاء يَعْنِي حال حمله, فَهُوَ ظرف, وثديها له سقاء يَعْنِي حال رضاعه, وحجري يَعْنِي حجر الإنسان, له حواء يَعْنِي مكان يحويه ويحفظه ويحرسه, مراد الأم بِذَلِكَ أَنَّهَا أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب. 

«وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني»، يَعْنِي يأخذه «فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي», يَعْنِي أنت أحق بالولد (.....) عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده فِيهَا كلام لأهل العلم, منهم من حسنه, واحتج به جمع من أهل العلم عَلَى أن الأم المطلقة أحق بحضانة ابنها من أبيه ما لَمْ تتزوج. 

يَعْنِي فَهِيَ أحق بالحضانة ما لَمْ يحصل مانع كالنكاح؛ لإنه قيد في الحديث, لإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قيد الأحقية قَالَ: ما لَمْ تنكحي. 

والعلماء اختلفوا في هَذَا فَذَهَبَ جمع من أهل العلم إِلَى ما دل عَلَيْهِ الحديث, وأن الأم أحق بالحضانة ما لَمْ تتزوج, وإلى هَذَا ذَهَبَ مالك والشافعي والأحناف, وحكى ابن المنذر الإجماع عَلَى ذَلِكَ, وابن المنذر في حكاية الإجماع إِنَّمَا يحكي جمهور العلماء. 

وَذَهَبَ الإمام أبو حنيفة إِلَى أن النكاح إِذَا تزوجت بقريب من المحضون فَإِنَّهُ لا يبطل حقها من الحضانة, إِذَا كَانَ الزوج قريب من الطفل. 

وَذَهَبَ الشافعي إِلَى أنه يَبْطُلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُفَصِّلْ, ما قَالَ إِذَا كَانَ قريب أو غير قريب, قَالَ: «ما لَمْ تنكحي», فَإِذَا أنكحت سواء كَانَ قريبًا أو ليس بقريب فإنها لا تكون أحق به إِلَّا إِذَا لَمْ تتزوج. 

(المتن) 

2277 - حدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا عبد الرزاق، وأبوعاصم، عن ابن جريج، أخبرني زياد، عن هلال بن أسامة، أن أبا ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق، قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة، جاءت امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه، وقد طلقها زوجها، فقالت: يا أبا هريرة، ورطنت له بالفارسية، زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال أبو هريرة: استهما عليه ورطن لها بذلك، فجاء زوجها، فقال: من يحاقني في ولدي، فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة واختصره مطولًا, قَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح, وفي هَذَا الحديث هَذِهِ القصة أن أبا ميمونة سلمى, وَهُوَ فارسي قِيلَ: أَنَّهُ سلمى ومنهم من قَالَ: اسمه سليم أو سلمان, وَقِيلَ: أسامة «مولى من أهل المدينة رجل صدق»، يَعْنِي وصفه بأنه صدوق.  

أبا ميمونة يحكي هَذَا «قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة، جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه، وقد طلقها زوجها»، يَعْنِي كُلٌ منهم يريد أن يأخذ الابن «فقالت: يا أبا هريرة، ورطنت له بالفارسية»، كأن أبا هريرة يعرف شَيْء من الفارسية في هذا «زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال أبو هريرة: استهما عليه ورطن لها بذلك، فجاء زوجها، فقال: من يحاقني في ولدي»، يَعْنِي أنا أحق به, يَعْنِي من ينازعني في ولدي؟ «فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة»، يَعْنِي كأنه كبير كأنه كبر, قَدْ يسقي وَهُوَ ابن عشر سنين, لكنه لَمْ يبلغ بعد «وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به». 

هَذَا الحديث احتج به العلماء عَلَى أن القرعة طريق شرعية عِنْد تساوي الأمرين, قَالَ: «استهما عَلَيْهِ». 

احتج عَلَى أَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا, كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِلَى التَّخْيِيرِ, فإذًا عندنا القرعة والتخيير, وَقِيلَ بتقَدِّبمُ التَّخْيِيرُ عَلَيْهَا لَاتِّفَاقِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ وَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِهِ. 

وَهَذَا الحديث هنا حسنه الترمذي قَالَ بَعْضُهُمْ: إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الحديث عَلَيْهِ, وَأَمَّا كلام العلماء فالعلماء اختلفوا, الشافعي رحمه الله قَالَ: إِذَا صار ابن سبع سنين أو ثماني سنين فَإِنَّهُ يخير بين أبيه وأمه, وَقَالَ أحمد: يخير إِذَا كبر. 

وَقَالَ أصحاب الرأي وهم سفيان الثوري والأحناف: الْأُمُّ أَحَقُّ بَالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ, وَبَالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ الْأَبُ أَحَقُّ الْوَالِدَيْنِ. 

وَقَالَ مَالِكٌ: الْأُمُّ أَحَقُّ بَالْجَوَارِي وَإِنْ حِضْنَ حَتَّى يَنْكِحْنَ وَأَمَّا الْغِلْمَانُ فَهُوَ أَحَقُّ بِه حَتَّى يَحْتَلِمُوا. 

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَرْكِ التَّخْيِيرِ وَصَارَ إِلَى أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بَالْوَلَدِ إِذَا اسْتَغْنَى عَنِ الْحَضَانَةِ إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ إِنَّمَا حَظُّهَا الْحَضَانَةُ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِذَلِكَ وَأَحْسَنُ تَأَنيا, فَإِذَا جَاوَزَ الْوَلَدُ حَدَّ الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْأَدَبِ والمعاش والأب أبصر بأسبابها وأوفى لَهُ مِنَ الْأُمِّ, وَلَوْ تُرِكَ الصَّبِيُّ وَاخْتِيَارُهُ لَمَالَ إِلَى الْبَطَالَةِ وَاللَّعِبِ. 

وقَالَوا: وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَلَا مَذْهَبَ عَنْهُ, يَقُولُ: إذا صح الحديث فَإِنَّهُ لا ينبغي العدول عنه, يَعْنِي هَذَا الحديث فِيهِ أن النَّبِيّ خيره, هَذَا كلام العلماء, الشافعي قَالَ: إِذَا صار سبع سنين أو ثماني خير, وأصحاب الرأي يَقُولُونَ: الأم أحق بالغلام حَتَّى يأكل وبالجارية حَتَّى تحيض, والحنابلة في الفقه يَقُولُونَ: إذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه, فكان مَعَ من اختار منهما, والأنثى تكون عِنْد أبيها حَتَّى يتسلمها زوجها. 

لأن المنذري يَقُولُ: إن صح الحديث فيَجِبُ العمل بالتخيير, وإن لَمْ يصح يرجع إِلَى أصول الشريعة وقواعدها. 

(المتن) 

2278 - حدثنا العباس بن عبد العظيم، حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن نافع بن عجير، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة، فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها أنا أحق بها، ابنة عمي، وعندي خالتها، وإنما الخالة أم، فقال علي: أنا أحق بها، ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحق بها، فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها، وسافرت وقدمت بها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا، قال: «وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها، وإنما الخالة أم». 

2279 - حدثنا موسى بن عيسى، حدثنا سفيان، عن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بهذا الخبر، وليس بتمامه، قال: وقضى بها لجعفر، وقال: إن خالتها عنده. 

2280 - حدثنا عباد بن موسى، أن إسماعيل بن جعفر، حدثهم عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ، وهبيرة، عن علي، قال: لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة تنادي: يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال: دونك بنت عمك، فحملتها، فقص الخبر، قال: وقال أبو جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم». 

(الشرح) 

أصل هَذِهِ القصة أخرجها البخاري من حديث البراء بن عازب, حديث طويل في قصة الحديبية وَأَنَّهَا (.....) تبعتهم تنادي يا عم يا عم, وَأَنَّهُ اختصم فِيهَا ثلاثه جعفر وعلي وزيد, زيد بن حارثة, جعفر قَالَ: أنا أحق بها هِيَ ابنة عمي وَعِنْد خالتها, وَقَالَ علي: أنا أحق بها ابنة عمي وَعِنْدِي ابنة رسول الله وَهِيَ أحق بها. 

وَقَالَ زيد: أنا أحق بها, أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها, فالنبي صلى الله عليه وسلم حكم بها لجعفر؛ لِأَنَّ خالتها تحته, وَقَالَ: «الخالة بمنزلة الأم». 

وأرضى كلهم وَقَالَ لعلي: أشبهت خلقي وخلقي, وَقَالَ لزيد: أنت أخونا ومولانا, وقضى بها لجعفر؛ لِأَنَّ خالتها تحته, وَقَالَ: «الخالة بمنزلة الأم», وزيد هَذَا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ ابنة حمزة بن عبد المطلب كَانَ قَدْ استشهد في أحد وَهِيَ يتيمة, وجعفر بن أبي طالب يكنى بأبي عبد الله, وَكَانَ أكبر من علي بعشر سنين, هم أولاد أربعة أبو طالب, بين كُلّ واحد واحد عشر سنوات, وقول: وَعِنْدِي خالهتها جعفر, وَهِيَ أسماء بنت عميس. 

فِيهِ دليل عَلَى أن الخالة في الحضانة بمنزلة الأم, أجمع العلماء عَلَى أن الخالة في الحضانة بمنزلة الأم, وَقَدْ ثَبَتَ بَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْأُمَّ أَقْدَمُ الْحَوَاضِنِ, فَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْخَالَةُ أَقْدَمَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ وَأَقْدَمَ مِنَ الْأَبِ وَالْعَمَّاتِ؛ لَكِنَّ فِي هذا خلاف بين الْعُلَمَاءِ, وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْخَالَةِ بَعْدَ الْأُمِّ عَلَى سَائِرٍ الْحَوَاضِنِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الخالة بمنزلة الأم». 

وَاسْتَشْكَلَ بعض الْفُقَهَاءِ وُقُوعَ الْقَضَاءِ مِنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْقَضَاءُ لَهُ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا, وَهُوَ وَعَلِيٌّ سَوَاءٌ فِي قَرَابَتِهَا, وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ لِلْخَالَةِ فَهِيَ مُزَوَّجَةٌ, لكن أجيب بأنه قضى بها للخالة وَهِيَ مزوجة ولكن زوجها هُوَ الَّذِي يطلبها, جعفر هُوَ الَّذِي يطلبها. 

يَعْنِي بعض العلماء يتعرض, قال: هَذِهِ الرَّسُوْل قضى بها للرجال أو للنساء, إن كان قضى بها لجعفر جعفر ليس محرمًا لها هِيَ بنت عمه وَهُوَ وعلي سواء في قرابتها, وإن كَانَ القضاء للخالة فالخالة هي مزوجة, لكن أجيب بأن زواج الأم مسقط لحقها من الحضانة. 

وَتَقَدَّمَ أَنَّ زَوَاجَ الْأُمِّ مُسْقِطٌ لِحَقِّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ, فَسُقُوطُ حَقِّ الْخَالَةِ بَالزَّوَاجِ أَوْلَى, لكن أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْخَالَةِ وَالزَّوَاجَ لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ مَعَ رِضَا الزَّوْجِ, فالزوج هُوَ الَّذِي يطلبها. 

وَقِيلَ: إِنَّ النِّكَاحَ إِنَّمَا يُسْقِطُ حَضَانَةَ الْأُمِّ حَيْثُ كَانَ الْمُنَازِعُ لَهَا الْأَبُ, وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ غَيْرِهَا وَلَا حَقَّ الْأُمِّ, وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا وَحَدِيثِ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي», هَذَا إِذَا كَانَ الزوج أجنبيًا, أَمَّا إِذَا كَانَ الزوج هُوَ الَّذِي يطلبها فلا إشكال, الزوج هُوَ الَّذِي يطلبها الآن, خالته تحتها وَهُوَ الَّذِي يطلبها. 

وفي الروايه التي بعد هذا «قَالَ: وقضى بها لجعفر؛ لِأَنَّ خالتها عنده» وقال: إن خالتها عنده.  

وفي الحديث الَّذِي بعده: «عن علي، عن هانئ بن هانئ ، وهبيرة بن بريم ، عن علي»، هانئ بن هانئ فِيهِ كلام, قِيلَ: إِنَّهُ مجهول وَقِيلَ: لا بأس به, وهبيرة بن بريم الكوفي قَالَ أحمد: لا بأس به, الكوفي قَالَ النسائي: ليس بالقوي, لكن أصل هَذِهِ القصة كما سبق, أصلها في الصحيح, وأنه قَالَ:«لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة تنادي: يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال: دونك بنت عمك»، يخاطب فاطمة زوجته بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, دونك يَعْنِي خذي بنت عمك «فحملتها، فقص الخبر، قال: وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم». 

وأرضى كلاً منهما, قضى بها لخالتها وَقَالَ لعلي: أشبهت خلقي وخلقي, وَقَالَ لزيد: أنت أخونا ومولانا, وَأَمَّا الحكم فحكم بها لخالتها. 

الرواية الأولى أن زيد ذهب إلى مكة فأتى بها, والثانية أن البنت هِيَ الَّتِي تبعتهم تقول يا عم؟ أصل القصة في البخاري, الظاهر أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تبعتهم, ولا ينافي يجمع, (.....) بأنه ذهبوا ولما خرجوا تبعتهم. 

(المتن) 

باب في عدة المطلقة 

2281 - حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثني عمرو بن مهاجر، عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، أنها «طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات». 

(الشرح) 

والحديث هَذَا ضعيف في سنده إسماعيل بن عياش وَهُوَ ضعيف في روايته عَنْ الحجازيين, ولكن معنى الحديث صحيح, دل عَلَيْهِ الْقُرْآن الكريم وأن المطلقة لَابُدَّ لها من عدة تعتدها, كما قَالَ تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق/1]. 

قوله: «فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق ». 

والمنزّل قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]؛ وكانت أسماء بنت يزيد أول من أنزلت فِيهَا (.....) , عَلَى كُلّ حال الحديث فِيهِ إسماعيل بن عياش هذا ضعيف في روايته عَنْ الحجازيين, وعمرو بن المهاجر حجازي, ولكن المعنى صحيح. 

(المتن) 

باب في نسخ ما استثنى به من عدة المطلقات 

2282 - حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، حدثني علي بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]؛ وقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍا}[الطلاق/4], فنسخ من ذلك، وقال: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب/49]. 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد, وَهُوَ ثقة ضعيف في روايته عَنْ الزهري, وَفِيهِ أن المطلقة غير المدخول بها لا عدة عليها كما هُوَ نص الْقُرْآن, قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب/49]. 

لكن تسمية هَذَا نسخًا هَذَا عِنْد المتقدمين, يسمونها نسخ وَهُوَ تخصيص واستثناء عِنْد المتأخرين ولا مشاحة في الاصطلاح. 

قوله: (فنسخ من ذَلِكَ وإن طلقتموهن), يَعْنِي أُخرج منها, في الآية الأولى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]. 

والآية الثانية:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍا}[الطلاق/4]. 

الآية الأولى فِيهَا أن المطلقة تتربص بثلاثة قروء, ثلاثة حيض, والآية الثانية هِيَ أن اليائسة تتربص ثلاثة أشهر, نسخ من ذَلِكَ غير المدخول بها, يَعْنِي استثني وَهُي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب/49]. 

المعنى أن المطلقة غير المدخول بها ليس لها عدة, هِيَ مستثناة من الآيتين, هَذَا الاستثناء يسمونه المتقدمون نسخًا, والمتأخرون يسمونه تخصيص واستثناء. 

(المتن) 

باب في المراجعة 

2283 - حدثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن صالح بن صالح، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، ثم راجعها». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طلق حفصة هِيَ بنت عمر بن الخطاب, فَلَمَّا بلغ هَذَا الخبر عمر اغتم لذلك, فأوحي إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وَهِيَ زوجك في الْجَنَّةَ, فراجعها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم . 

(المتن) 

باب في نفقة المبتوتة 

2284 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «لها ليس لك عليه نفقة»، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «إن تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، وإذا حللت فآذنيني»، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد»، قالت: فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة بن زيد»، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيرًا كثيرًا، واغتبطت به. 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله تعالى في المبتوتة, قَالَ: (باب في نفقة المبتوتة), والمبتوتة هِيَ المطلقة ثلاثًا, ذكر فِي حديث فاطمة بن قيس أن أبا عمرو بن حفص وهو زوجها طلقها البتة, وفي بعض الروايات أَنَّهُ طلقها ثلاثًا, وفي بعضها أَنَّهُ طلقها آخر ثلاث تطليقات, وفي بعضها بعث إليها بتطليقة كانت باقية له, سيأتي المؤلف بحديث فاطمة بنت قيس وأطال فِيهَا. 

قَالَ النووي: أنه يجمع بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّةَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ, فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا فَهُوَ ظَاهِرٌ, وَمَنْ رَوَى الْبَتَّةَ فَمُرَادُهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَةً بَالثَّلَاثِ, وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ أنها تَمَامَ الثَّلَاثِ. 

المقصود أَنَّهَا الان هذه آخر طلقة لها, وليس المراد أَنَّهُ طلقها بالثلاث مرة واحدة, لكن هِيَ مبتوتة يَعْنِي طلقت ثلاثًا انتهى. 

فَلَمَّا طلقها ثلاثًا وَكَانَ غائبًا أَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِالشَعِيرٍ, نَّفَقَةِ فَتَسَخَّطَتْهُ, ردته قالت: ما في إِلَّا شعير؟ فقال وكليه وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ, هذا تبرع مبتوتة ما لك نفقة ولا شَيْء, فقالت: والله ما لك عَلَيْنَا من شَيْء, تسخطته يَعْنِي استقلته, وَلَمْ ترض به, وفي رواية مسلم: «فسخطته», فقال الوكيل: والله ما لك عَلَيْنَا من شَيْء, لكن هَذَا تبرع من الزوج. 

فجاءت رسول الله فذكرت ذَلِكَ له, فقال: «ليس لك عَلَيْهِ نفقة, وأمرها أن تعتد في بيت أم شَرِيك, ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي»، يَعْنِي يدخلون عليها «اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، وإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيرًا، واغتبطت به». 

في هَذَا الحديث من الفوائد أن المبتوتة وَهِيَ المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها ولا سكنى, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ليس لك عَلَيْهِ نفقة», وَكَذَلِكَ السكنى أعتدت في بيت أم شريك,وهذا هو المهم هذه فائدة عظيمة لأن المبتوتة وهي المطلقه ثلاثا لانفقه لها ولا سكنى، بخلاف المطلقة الرجعية, فَإِن لها النفقة والسكنى بالإجماع, والمبتوتة ليس لها نفقة ولا سكنى كما هُوَ قول الجمهور وفي خلاف سيأتي. 

وَفِيهِ من الفوائد أن الأعمى لا تحتجب عنه المرأة, لقوله: «اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك». 

وَفِيهِ من الفوائد أن لما خطبها أبا جهم ومعاوية قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فكان لا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له»، هَلْ هَذَا غيبة أو نصيحة؟ هَذِهِ نصيحة فِيهِ جواز ذكر الإنسان بما فِيهِ عِنْد المشاورة وطلب النصيحة, وأن ذَلِكَ ليس من الغيبة المحرمة, بَلْ هُوَ من النصيحة الواجبة؛ لِأَنَّهُ زواج الآن, إِذَا شاورك إنسان قَالَ: فلان يري أن يخطب ابنتي ماذا ترى فِيهِ؟ تخبره فِيهِ كذا وكذا, هَذَا مستثنى, ومن ذَلِكَ الاستثناء مثل امرأة أبي سفيان قالت: إنه كَانَ رجلاً شحيح, استثنى ستة أشياء ومنها المشاورة والنصيحة. 

فالنبي صلى الله عليه وسلم هَذَا من باب المشاورة والنصيحة قَالَ: فلان فِيهِ كذا, وفلان فِيهِ كذا, معاوية صعلوك لا مال له, هَذَا أول كَانَ خليفة بَعْدَ ذَلِكَ, وأبو جهم لا يضع عصاه عَنْ عاتقه, قِيلَ المعنى أَنَّهُ كثير الأسفار, وَقِيلَ المعنى أَنَّهُ ضراب للنساء, هَذَا فِيهِ جواز ذكر الإنسان بما فِيهِ عَنْ المشاورة وطلب النصيحة وأن ذَلِكَ ليس من الغيبة المحرمة؛ بَلْ هُوَ من النصيحة الواجبة. 

وَفِيهِ من الفوائد أَيْضًا المهمة جواز زواج القرشية بالمولى, قَالَ: «انكحي أسامة بن زيد»، فَإِن فاطمة بنت قيس قريشة تزوجت من أسامة بن زيد وَهُوَ مولى, ولهذا كرهته لِأَنَّهُ أسود, كَانَ أسود وَهِيَ قريشة, قَالَ: انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته, ثُمَّ قالت: انكحي أسامة بن زيد, قالت: فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيرًا، فاغتبطت به». 

فِيهِ جواز زواج القرشية بالمولى, فَإِن فاطمة بنت قيس قريشة تزوجت من أسامة بن زيد وَهُوَ مولى, كما تزوج أبوه زيد بن حارثة وَهُوَ مولى زينب بنت جش وَهِيَ قريشة, وكما زوج أبو حذيفة مولاه سالمًا من ابنة أخيه وَهِيَ قرشية, وَكَذَلِكَ يجوز تزوج العجمي بالعربية, عبد الرحمن بن عوف زوج أخته بلال الحبشي, ويجوز العجمي أن يتزوج العربية, والعربي يتزوج من العجمية, لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات/13].  

وَإِنَّمَا الممنوع تزويج الكافر المسلمة هَذَا الممنوع, لقول الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة/10]؛ وَمَعَ ذَلِكَ يجوز للعربي أن يتزوج الأعجمية, والأعجمية بالعربي, والفقهاء يذكرون النسب هَلْ هناك يَعْنِي تكافؤ في النسب؟ منهم من يَقُولُ القرشية لا تكون كفئًا لغير القرشي, وهناك الأشراف الموجودون عندنا في الجنوب وفي غيرها من سلالة فاطمة, من سلالة الأشراف، ولا يزوجون غيرهم, وعندنا مثلاً القبيلي والخضيري إلى الآن, فهذه المسائل كلها شرعًا لا بأس, أن يتزوج القبيلي الخضرية والعكس والخضيري القبيلية, لكن إِذَا كَانَ يحصل هناك مفسدة, فدرأ المفاسد مقدم. 

إِذَا كَانَ يرى أَنَّهُ إِذَا تزوج القبيلي خضيرية أَنَّهُ يحصل مفسدة, هَذَا يحصل عِنْد بعض القبائل, بعض القبائل لما تزوج من الخضرية جاءوا القبيلة وفسخوا النكاح بالقوة, وحصل مفاسد, هَذَا درءًا للمفاسد فلا يقدم الإنسان عَلَى مثل هَذَا درءًا للمفسدة؛ لا لِأَنَّهُ ممنوع, بَلْ درءًا للمفسدة. 

 صفية بنت عبد المطلب بنت عم النَّبِيّ تزوجت من المقداد بن الأسود وَهُوَ مولى, شرعًا لا حرج ولا ممنوع؛ لِأَنَّ الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إِلَّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير», لكن إِذَا كَانَ يحصل مفاسد من هَذَا مفسدة فتدرأ المفسدة فلا يقدم الإنسان عَلَى هَذَا هَذَا درءًا للمفسدة, والفقهاء يذكرون الآن الأعجمية ليست كفئًا للعربي, والقرشية ليست كفئًا لغير القرشي, وهكذا, وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: الهاشمية ليست كفئًا لغير الهاشمي, ويذكرون شَيْء من هَذَا, لكن النصوص كما رأيتم الآن لا مانع من ذَلِكَ, إِنَّمَا الممنوع تزوج الكافر من مسلمة هَذَا الممنوع. 

وَفِيهِ جواز زيارة الرجل للمرأة ودخلوهم عليها من غير ريبة ولا تهمة؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «تلك امرأة يغاشاها أصحابي», ففيه جواز زيارة الرجل للمرأة ولاسيما الكبيرة في السن ودخولهم عليها من غيرة ريبة ولا تهمة, أَمَّا إِذَا كَانَ في ريبة وتهمة لا, يمنع, وَإِنَّمَا الممنوع خلوة الرجل الواحد بالمرأة, أو دخول جماعة مَعَ ريبة وتهمة, إِذَا كَانَ في ريبة وتهمة ممنوع, وَكَذَلِكَ أَيْضًا ركوب المرأة وحدها في السيارة هَذَا ممنوع خلوة, وَإِذَا كَانَ اثنان وليس هناك ريبة فلا حرج, أو امرأتان ويكونان في البلد ما ليس بسفر والريبة منتفية, أَمَّا إِذَا كَانَ في ريبة وتهمة ما ينفع؛ حَتَّى ولو ثلاثة أو أربعة فلا. 

قَالَ: «امرأة يغشاها أصحابي», وكما ذكر الصَّحَابَة أَنَّهُمْ إِذَا صلوا الجمعة كَانُوا يدخلون عَلَى عجوز تجعل لهم حبات مَعَ (.....) يفرحوا بيوم الجمعة تصنع لهم هَذَا؛ لِأَنَّهُم ما عندهم شَيْء لقلة ذات اليد فتجمع حبات مَعَ (.....) وتطبخها, وتقدمه إليهم. 

فَإِذَا كَانَ عجوز كبيرة ودخل عليها اثنين أو ثلاثة للأكل وسلموا عليها لا حرج, لكن لا يكون السلام بالمصافحة ولا تقبيل الرأس الكلام من بعيد, كيفك يا فلانة, كيفك يا فلان يا أبا فلان, يسلم عليها من بعيد إِذَا لَمْ يكن هناك خلوة ولا ريبة, ولا تبرج, تسلم عَلَيْهِ من بعيد, كيف حالك يا فلان ويا أبا فلان إِذَا كَانُوا ثلاثة أو أربعة, وتسلم عَلَيْهِمْ من بعيد بالكلام لا بالمصاحفة ولا بالتقبيل, إِذَا لَمْ يكن هناك ريبة. 

النووي رحمه الله في هَذَا تكلم عَلَى هَذَا قَالَ: احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ -لِأَنَّهُ قَالَ: تعتدين في بيت أم مكتوم- بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا قالوا وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أبصارهم}؛ الْآيَةَ. 

والصواب في هَذَا أن نظر المرأة إِلَى الرجال عمومًا ليس بالممنوع, كما تنظر إِلَى الرجال وهم يصلون, وَكَذَلِكَ النظر إِلَى المرأة عابرًا, لكن الممنوع أن ينظر إليها يتأمل محاسنها, ينظر الرجل إِلَى المرأة يتأمل محاسنها, أو المرأة تنظر إِلَى الرجل تتأمل محاسنه, هَذَا الممنوع. 

أَمَّا نظر إِلَى شخصه, امرأة تمشي في الشارع أو تنظر إِلَى الرجال وهم يصلون, إِلَى رجل يمشي إِلَى شخصه, هَذَا لا حرج فِيهِ, ولهذا قَالَ النَّبِيّ: «تضعين ثيابك». 

واستدل أيضًا كَذَلِكَ النووي قال: وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا», الحديث هَذَا ضعيف (.....) ,حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل ابن أم مكتوم فقال: «احتجبا عنه, فقالا: يا رسول الله هُوَ أعمى لا يبصرنا, قَالَ: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه», هَذَا ضعيف الحديث, من رواية نبهان عَنْ أم سلمة, ونبهان ضعيف، وأصح منه هَذَا الحديث, هَذَا الحديث في صحيح مسلم, قَالَ: «اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك», وحديث «إِنَّمَا جعل السلام من أجل البصر», إِذَا كَانَ أعمى لا يبصر لا يَجِبُ الاحتجاب عنه, قَالَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا», ضعيف هَذَا. 

احتج النووي رحمه الله في هذا قَالَ: وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ, بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ من نظر غَيْرِهِ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا عَنْده. 

هَذَا كلام النووي غير محقق فِيهَا, والصواب: أَنَّهَا منهية عَنْ التأمل تنظر تتأمل محاسنه, أَمَّا النظر إِلَى الشخص ما يضر, ولهذا قَالَ: «هُوَ أعمى تضعين ثيابك». 

وَأَيْضًا كَذَلِكَ الإشكال كيف الآن خطبها اثنان وَالنَّبِيّ قَالَ: «لا يخطب عَلَى خطبة أخيه», خطبها معاوية وخطبها أبو جهم, إِمَّا أَنَّهُ خطب أحدهما بَعْدَ الآخر, أو أن أحدهما لَمْ يعلم بالآخر, ما علموا, خطب هَذَا وخطب هَذَا, وشاورت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأشار عليها, قَالَ: «أبو جهم لا يضع عصاه عَنْ عاتقه», يَعْنِي كثير الأسفار أو كثير الضرب للنساء «وَأَمَّا معاوية فصعلوك لا مال له, ثُمَّ قَالَ: انكحي أسامة». 

(المتن) 

2285 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان بن يزيد العطار، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن فاطمة بنت قيس، حدثته أن أبا حفص بن المغيرة، طلقها ثلاثًا، وساق الحديث فيه: وأن خالد بن الوليد، ونفرا من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله، إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثا، وإنه ترك لها نفقة يسيرة، فقال: «لا نفقة لها»، وساق الحديث، وحديث مالك أتم. 

(الشرح) 

يَعْنِي أبو حفص بن المغيرة هُوَ زوج فاطمة بنت قيس, أبو عمرو بن حفص, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أبو حفص بن عمرو. 

وقوله: (حديث مالك), يَعْنِي المذكور الحديث السابق؛ لِأَنَّهُ من رواية مالك, الحديث هَذَا أتم من هَذَا الحديث, ساق الحديث وعليه خبر خالد بن الوليد وهو إتيانه مَعَ نفر من بني مخزوم إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فالنبي قَالَ: «لا نفقة لها»، هَذَا هُوَ الشاهد, دل عَلَى أن المبتوتة لا نفقة لها, وحديث مالك أتم, الحديث الأول الَّذِي قرأناه أتم؛ لِأَنَّهُ من رواية مالك. 

(المتن) 

2286 - حدثنا محمود بن خالد، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، عن يحيى، حدثني أبو سلمة، حدثتني فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص المخزومي، طلقها ثلاثًا، وساق الحديث، وخبر خالد بن الوليد، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليست لها نفقة ولا مسكن»، قال فيه: وأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم: «أن لا تسبقيني بنفسك». 

(الشرح) 

قوله: «أن لا تسبقيني بنفسك», هُوَ من التعريض بالخطبة, وَهُوَ جائز في عدة الوفاة وعدة البائن, البائن وعدة الوفاة يجوز التعريض دون التصريح, ليس له أن يصرح, يَقُولُ: يريد أن يخطبها صراحة, ولكن التعريض, قَالَ تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا}[البقرة/235]. 

كأن يَقُولُ: وددت أن ييسر الله لي امرأة صالحة, فتقول: مثلك لا يراب عنه, التعريض لا بأس, التعريض لا بأس أم التصريح فلا يجوز كما بين الله تعالى. 

والشاهد هنا قوله: «ليست لها نفقة ولا مسكن», وقوله: «أن لا تسبقيني بنفسك», يَعْنِي تعريض بالخطبة. 

(المتن) 

2287 - حدثنا قتيبة بن سعيد، عن إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، قالت: كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني البتة، ثم ساق نحو حديث مالك، قال فيه: «ولا تفوتيني بنفسك»، قال أبو داود: وكذلك رواه الشعبي، والبهي وعطاء، عن عبد الرحمن بن عاصم، وأبو بكر بن أبي الجهم، كلهم، عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا. 

(الشرح) 

قوله: «ولا تفوتيني بنفسك»، تعريض للخطبة, مثل قوله: «ولا تسبقيني بنفسك», يَعْنِي إِذَا حللت فأخبريني, تعريض بالخطبة. 

قوله: (: وكذلك رواه الشعبي), بلفظ: أن زوجها طلقها ثلاثًا, رواه الشعبي, ورواه البهي وابن عاصم وأبو بكر, كلهم يَعْنِي الشعبي ومن معه (عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا), والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة مخصترًا ومطولًا, وَفِيهِ أن زوجها طلقها ثلاثًا وَأَنَّهُ ليس لها نفقة ولا سقيا. 

البهي روايته أخرجها مسلم كَذَلِكَ رواية عطاء أخرجها النسائي, وأبو بكر بن أبي جهم أخرجها أَيْضًا مسلم. 

(المتن) 

2288 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا سلمة بن كهيل، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، «أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى». 

(الشرح) 

الشاهد أن المبتوتة ليس لها نفقة ولا سكنى. 

(المتن) 

2289 - حدثنا يزيد بن خالد الرملي، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة، وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتته في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى "، فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيتها، قال عروة: وأنكرت عائشة رضي الله عنها على فاطمة بنت قيس، قال أبو داود: وكذلك رواه صالح بن كيسان، وابن جريج، وشعيب بن أبي حمزة، كلهم عن الزهري. قال أبو داود: «وشعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة دينار وهو مولى زياد». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي, قوله: «طلقها آخر ثلاث تطليقات», يَعْنِي الَّتِي كانت باقية له, طلقها الطلقة الثالثة وَكَانَ قَدْ طلقها قبل ذَلِكَ تطليقتين. 

قَالَ أبو داود: (وكذلك رواه صالح بن كيسان، وابن جريج، وشعيب)، (.....) مثل رواية عقيل عَنْ ابن شهاب ورواية صالح عِنْد مسلم وابن جريح عِنْد الدارقطني, وشعيب بن أبي حمزة عَنْ النسائي, شعيب يَقُولُ المؤلف: اسمه أبي حمزة دينار, وَهُوَ مولى زياد. 

وَفِيهِ أن مروان كَانَ أمير المدينة أبى أن يصدق حديث فاطمة بخروج المطلقة من بيتها, يرى أن المطلقة لها السكنى, مروان بن الحكم, كَذَلِكَ عائشة أنكرت عَلَى فاطمة بن قيس, وسيأتي الكلام في الأحاديث الأخرى, المؤلف اعتنى بحديث فاطمة وأطال فِيهِ. 

(المتن) 

2290 - حدثنا مخلد بن خالد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله قال: أرسل مروان، إلى فاطمة فسألها، فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب، يعني على بعض اليمن، فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة، كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة، والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا»، واستأذنته في الانتقال، فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟، قال: «عند ابن أم مكتوم»، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده، ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة: حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق/1]؛ حتى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق/1]؛ قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث، قال أبو داود: وكذلك رواه يونس، عن الزهري، وأما الزبيدي، فروى الحديثين جميعًا حديث عبيد الله، بمعنى معمر، وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل، قال ابو داود ورواه محمد بن إسحاق، عن الزهري، أن قبيصة بن ذؤيب حدثه بمعنى دل على خبر عبيد الله بن عبد الله، حين قال: فرجع قبيصة، إلى مروان فأخبره بِذَلِكَ. 

(الشرح) 

هَذَا الحديث فِيهِ كما سبق أخرجه مسلم والنسائي وفيه ان (.....) «أرسل مروان»، وَكَانَ أمير المدينة, وَقِيلَ: له صحبة, وَقِيلَ: ليست له صحبة, لكن سمع بقصة فاطمة أرسل إليها «فسألها عن حالها، فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب، يعني على بعض اليمن، فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة، كانت بقيت لها»، وَهِيَ الطلقة الثالثة, يَعْنِي مروان أرسل قبيصة إِلَى فاطمة بنت قيس يسألها عَنْ قصتها, فأخرته «وأمر عياش بن أبي ربيعة، والحارث بن هشام أن ينفقا عليها»، يَعْنِي أبو حفص.  

«فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً»، فِيهِ دليل عَلَى وجوب النفقة للبائن إِذَا كانت حاملاً من أجل الحمل, إِذَا كانت حاملاً البائن فينفق عليها من أجل الحمل, أَمَّا إِذَا لَمْ تكن حاملاً فَلَيْسَ لها نفقة ولا سكنى, وَكَذَلِكَ إِذَا كانت حاملاً وأبقاها من اجل الحمل.  

«واستأذنته في الانتقال»، استأذنت النَّبِيّ في الانتقال «فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟، فقال رسول الله: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده، ولا يبصرها»، وَهَذَا فِيهِ رد عَلَى النووي, الَّذِي قَالَ بأن المرأة تحتجب من الأعمى, وَهُوَ أصح من حديث نبهان عَنْ أم سلمة «احتجبا عنه». 

«فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة»,فِيهِ دليل عَلَى أن البائن لا سكنى لها, بَلْ نتنقل من بيت مطلقها ولا نفقة لها أَيْضًا, بخلاف الرجعية يَجِبُ عليها البقاء لا تخرج إِلَّا بموجب. 

«فرجع قبيصة إلى مروان», وَهُوَ أمير المدينة؛ لِأَنَّهُ أرسله إليها «فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة»، يَعْنِي كأنه ما اقتنع مروان, ويكون حديث فاطمة مخصص لقوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[الطلاق/1]. 

مروان ما اقتنع قَالَ: «فسنأخذ بالعصمة», يَعْنِي بالثقة وَالْأَمْرِ القوي الصحيح؛ الَّذِي أدركنا عَلَيْهِ النَّاس, وَهُوَ قوله تعالى: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ }[الطلاق/1]. 

مروان قال سنأخذ بالعصمة لانوخذ بقول إمرآة «فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها»، وَهِيَ أن المطلقة تبقى في بيتها لا تخرج منه «فقالت فاطمة: حين بلغها ذَلِكَ», حين بلغها أن مروان لَمْ يقتنع, قالت:«بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق/1]؛ قالت فاطمة: فأي أمر يحدث بعد الثلاث»، يَعْنِي الآية لَمْ تتناول المطلقة البائن, بَلْ هِيَ خاصة بالرجعية, الْأَمْرِ الَّذِي يحدث هُوَ مراجعة الزوج, لكن هَذِهِ ما لها رجعة, هَذَا من الفقه, قالت فاطمة: «أيْ أمر يحدث بَعْدَ الثلاث», يَعْنِي أن الآية لَمْ تتناول المطلقة البائن وَإِنَّمَا هِيَ لمن كانت لها مراجعة؛ لِأَنَّ الْأَمْرِ الَّذِي يرجى إحداثه هُوَ الرجعة لا سواه, «أي أمر يحدث بَعْدَ الثلاث», وَهَذَا من فقهها رضي الله عنها. 

(قال أبو داود: وكذلك رواه يونس، عن الزهري، وأما الزبيدي، فروى الحديثين جميعًا حديث عبيد الله، بمعنى معمر)، يَعْنِي بمعنى حديث معمر لا بلفظه. 

(وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل)، يَعْنِي الحاصل أن الزبيدي روى حديث عبيد الله بمعنى حديث معمر يَعْنِي لا بلفظه, وروى أَيْضًا حديث أبي سلمة قبل حديث عبيد الله, بمعنى عقيل, والراوي عَنْ ابن شهاب.  

قَالَ أبو داود: (ورواه محمد بن إسحاق، عن الزهري، أن قبيصة بن ذؤيب حدثه بمعنى دل على خبر عبيد الله بن عبد الله)، يَعْنِي حدثه عَنْ بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل, وكانت فاطمة بنت قيس خالتها, وكانت عِنْد عبد الله بن عمرو بن عثمان طلقها ثلاثًا, فبعث إليها خالتها فاطمة بنت قيس فنقلتها إلى بيتها ومروان بن الحكم عَلَى المدينة في ذَلِكَ الوقت. 

(قَالَت: فرجع قبيصة، إلى مروان فأخبره بِذَلِكَ), قَالَ قَبِيصَةُ: فَبَعَثَنِي إِلَيْهَا مَرْوَانُ فَسَأَلْتُهَا مَا حَمَلَهَا عَلَى أَنْ تُخْرِجَ امْرَأَةً مِنْ بَيْتِهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؟ -لِأَنَّ فاطمة أخرجتها من بيتها- قَالَ فَقَالَتْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ. 

قَالَ: ثُمَّ قَصَّتْ عَلَيَّ حَدِيثَهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَأَنَا أخاصمكم بكتاب الله يقول الله عز وجل فِي كِتَابِهِ: { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق/1]. 

ثم قال عز وجل: {فإذا بلغن أجلهن}؛ الثالثة {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}[الطلاق/2]. وَاللَّهِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَبْسًا مَعَ مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مَرْوَانَ فأخبرته خبرها فقال حديث امرأة حَدِيثُ امْرَأَةٍ –يَعْنِي ما اقتنع- قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بَالْمَرْأَةِ فَرُدَّتْ إِلَى بَيْتِهَا –الَّتِي أخرجتها فاطمة ردت إِلَى بيتها- حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.  

(بِمَعْنَى دل عَلَى خبر عبيد بن عبد الله) أَيْ بَالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى (عَلَى خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ رِوَايَةُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ, لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. 

فَمُرَاجَعَةُ قَبِيصَةَ مِنْ فَاطِمَةَ إِلَى مَرْوَانَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَبِيصَةَ رَوَاهُ عَنْ فَاطِمَةَ مُشَافَهَةً. 

وهذا من مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ لَيْسَتْ بِمُسْتَبْعَدَةٍ. 

والمؤلف رحمه الله اعتنى بِهَذَا الحديث وأطال فِيهِ. 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد