بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين، اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
(المتن)
قَالَ الإمام محمد بْنُ عبد الوهاب رحمه الله:
باب ما جاء في تقديم أهل القرآن وإكرامهم
وكان القراء أصحاب مجلس عمر كهولًا كانوا أو شبابًا، عن أبي مسعود أن رسول الله ﷺ قال: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا. وفي رواية: سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. رواه مسلم.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين.
أما بعد:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في تقديم أهل القرآن وإكرامهم).
هَذَا هُوَ الباب الثاني من أبواب هَذَا الكتاب كتاب " فضائل الْقُرْآن " للإمام المجدد الشيخ محمد بْنُ عبد الوهاب رحمه الله تعالى، هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لما جاء من الأحاديث والآثار في تقديم أهل الْقُرْآن وإكرامهم .
والباب الأول في فضل قراءة الْقُرْآن وتعلمه وتعليمه، وذكر المؤلف رحمه الله في آخره حديث أنس أن رسول الله ﷺ قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ، وَخَاصَّتُهُ.
هَذِهِ منقبة عظيمة، أهل الْقُرْآن هم أهل الله وخاصته، لهم خصوصية وميزة عَلَى غيرهم، والمراد بِأَهْلِ الْقُرْآن الَّذِينَ يقرؤونه ويعملون بِهِ، ويصدقون أخباره وينفذون أحكامه، هؤلاء هم أهل الْقُرْآن وخاصته.
أهل الْقُرْآن هم أهل الله وخاصته الَّذِينَ يقرؤون الْقُرْآن ويعملون بِهِ، يتلونه تلاوةً لفظية وتلاوة حكمية، يتلون تلاوة لفظية يقرؤونه، سواء كَانَ عَنْ ظهر قلب أو من المصحف، ويعملون بِهِ يصدقون الأخبار وينفذون الأحكام، يمتثلون الأوامر ويجتنبوا النواهي، يعملون بالمحكم ويتركون (....) المتشابه ويقفون عِنْد حدوده، ويتعظون بمواعظه وينزجرون بزواجره، هؤلاء هم أهل الله وخاصته هم الخواص، وهم الرسول ﷺ والصحابة والأئمة والعلماء والتابعون لهم بإحسان، هؤلاء هم أهل الْقُرْآن وهم أهل الله وخاصته؛ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
في هَذَا الباب الثاني وما جاء في تقديم أهل الْقُرْآن وإكرامهم يَقُولُ المؤلف رحمه الله: (وكان القراء أصحاب مجلس عمر كهولًا كانوا أو شبابًا)، وذلك أن عمر بْنُ الخطاب هُوَ الخليفة الثاني الخليفة الراشد ، كَانَ مستشارون عنده الَّذِينَ يعقد لهم مجالس الاستشارة، هم القراء، القراء المراد بهم الَّذِينَ يقرؤون الْقُرْآن ويعملون بِهِ، ويفقهون معانيه وأحكامه، ليس المراد من القراء أَنَّهُمْ الَّذِينَ يقرؤون الْقُرْآن فقط ولا يفهمون الأحكام كما هُوَ عرف بعض المتأخرين، أن القراء الَّذِينَ يقرؤون الْقُرْآن والقراء شيء يَعْنِي جماعة والفقهاء جماعة آخرون، لا القراء هم الفقهاء، في عرف السَّلَف، القراء هم الفقهاء، ولهذا قَالَ عبد الرحمن السلمي: حدثنا الَّذِينَ ينقلون الْقُرْآن عبد الله بْنُ مسعود وعثمان بْنُ عفان أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تعملوا من النَّبِيّ ﷺ عشر آيات لم يجاوزها؛ حَتَّى يتعلموا معانيها والعمل بها؛ حَتَّى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.
إِذًا القراء ليسوا الَّذِينَ يقرؤون الْقُرْآن مجردًا عَنْ المعاني وَعَنْ الأحكام وَعَنْ الفقه لا، القراء هم الفقهاء، هم العلماء هم الفقهاء، إِذا قِيلَ القراء عُلم أن القراء هم الفقهاء العلماء، والفقه والعلم إِنَّمَا يؤخذ من كتاب الله أولًا ثُمَّ من سنة رسوله ﷺ .
ولهذا كَانُوا أصحاب مجلس عمر كهولًا كانوا أو شبابًا، الشباب الرجل الكهول الكهل هُوَ الَّذِي يتجاوز مرحلة الشباب وَلَمْ يصل إِلَى مرحلة الشيخوخة، يقال له: كهل، شاب ثُمَّ كهل ثُمَّ شيخ.
وَكَانَ عمر يدخل معهم ابن عباس، كان صغير السن، فكان في نفوس بعض الصحابة قالوا: كيف يدخل عمر معنا هذا الصغير هذا الصبي ولنا أبناءٌ مثله؟
فعمر ما أدخله إلا لعلمه أن عنده بصيرة وفقه، في كتاب الله، وهو من القراء، فعمر لما سمع بعض الصحابة يعني صار في نفوسهم شيء لماذا يدخل هذا الصبي مع القراء شبابًا وكهولًا ولنا أبناء مثله، فأراد أن يبين لهم، فلما اجتمعوا قال لهم: ما تقولون في قول الله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر/1-3].
فقالوا: هَذِهِ السور الكريمة أمر فِيهَا نَبِيّنَا ﷺ أن يستغفر ويسبح ، وأمرٌ بالتسبيح والاستغفار، فَقَالَ: ما تقول يا ابْنُ عباس أتقول مثل ما يَقُولُونَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: ما تقول؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أجل رسول ﷺ، نُعي إليه أجله، أخبره الله أَنَّهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فتح مكة، وفتحت مكة وانتشر الإسلام ودخل النَّاس في دين الله أفواجًا فقد انتهت مهمتك من الدنيا فاستعد للقائنا، فَهِيَ أجل رسول الله ﷺ، نُعي إليه أجله، فَقَالَ عمر: ما أعرف منها أو ما أعلم منها إِلَّا كما يَقُولُ هَذَا الغلام.
فعرفوا أن ابْنُ عباس له مزية عَلَى الصبيان، وأن عمر ما أدخله مَعَ القراء إِلَّا لمكانته العلمية، ولفهمه، والصبيان كانوا لا يفهموا مثلما يفهم.
فكان القراء أصحاب مجلس عمر كهولًا كَانُوا أو شبانًا؛ لِأَنَّ القراء هم الفقهاء لما عندهم من البصيرة والفقه في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، فلهذا كَانُوا هم أصحاب مجلسه يشاورهم إِذَا نزلت بِهِ نازلة، فَإِنَّهُ يعقد المجلس ويستشيرهم، سواء كَانُوا شبابًا أو كهولًا، المهم الوصف وصف القراء أن يكون من القراء الفقهاء العلماء.
وَهَذَا هُوَ الشاهد الذي نترجم عنه تقريب أهل الْقُرْآن وإكرامهم، فالقراء قدمهم عمر وجعلهم أصحاب مجلسه، كهولًا كَانُوا أو شبانًا، ثُمَّ ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي مسعود البدري أن رسول الله ﷺ قَالَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا. وفي رواية: سِلْمًا
هَذَا الحديث فِيهِ تقديم أهل الْقُرْآن للصلاة وَأَنَّهُمْ هم الَّذِينَ يقدمون للصلاة، يَؤُمُّ الْقَوْمَ؛ يَعْنِي في الصلاة أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ؛ وذلك لِأَنَّ الأقرأ هُوَ الأعلم والأفقه، فهذا هُوَ الشاهد من الترجمة تقديم القراء في الإمامة في الصلاة.
يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِن تساووا في القراءة قدم الأعلم بِالسُّنَّة، فَإِن تساووا في العلم بِالسُّنَّة قدم أقدمهم هجرة، هاجر إِلَى بلاد الإسلام، فَإِن كَانُوا في الهجرة سواء قدم أكبرهم سِنًّا. وفي رواية: سِلْمًا، يَعْنِي إسلامًا.
وذلك أن الأقرأ هُوَ الأعلم والأفقه، ثُمَّ جاء المتأخرون فوجد قراء ليس عندهم فقه.
ولهذا قَالَ بعض الفقهاء: إذا كان لَابُدَّ أن يكون الأقرأ عنده فقه في صلاته؛ حَتَّى إِذَا نزل في صلاته يعلم ماذا يفعل، فَإِن لَمْ يكن عنده فقه في صلاته قدم الأفقه؛ لِأَنَّهُ وجد قراء ليسوا فقهاء، أَمَّا القراء في زمن النبي ﷺ والصحابة والعصور المتقدمة القراء هم الفقهاء، ولهذا صاروا أصحاب مجلس عمر.
عمر ما يكون أصحاب مجلسه قراء لا يفقهون ولا يفهمون لا، يستشيرهم في الأمور النازلة، والقضايا الَّتِي تحتاج إِلَى فقه في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ .
فالشاهد من الحديث تقديم أهل الْقُرْآن للإمامه في الصلاة.
قَالَ: وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. رواه مسلم.
المعنى أن الإنسان إذا زار شخصًا فَإِنَّهُ لا يؤم في مكانه وسلطانه إِلَّا إِذَا أذن له صاحب السلطان؛ صاحب البيت أو صاحب المزرعة؛ إِذَا زار جماعة ومعهم عالم أو قارئ لا يتقدم إِلَّا بإذن المضيف صاحب السلطان، إِذَا كَانَ أمير يأذن له الأمير، فَهُوَ صاحب السلطان، إِذَا كانت صاحب البيت يأذن له صاحب البيت، صاحب مزرعة يأذن له صاحب المزرعة، فَإِن أذن له وإلا هُوَ الَّذِي يتقدم .
الأمير هُوَ الَّذِي يتقدم لِأَنَّهُ صاحب السلطان، أو الرئيس أو الوزير أو الملك صاحب السلطان، أو صاحب المزرعة إِذَا جاءه ضيوف، أو صاحب البيت هُوَ الَّذِي يتقدم ولا يتقدم أحد إِلَّا بإذنه.
وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَعْنِي لا يقعد في مكان مخصص أو المميز مكان يميز بِهِ من يريد أن يكرمه لا يقعد إِلَّا بإذنه فَإِذَا أذن له جلس، وإلا يجلس في مكان آخر غير المكان المميز الَّذِي أعده لتكرمته لمن يكرمه، والحديث رواه مسلم في صحيحه.
(المتن)
(الشرح)
نعم (وللإمام البخاري رحمه الله عن جابر : «أنه ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ.).
وذلك أن يوم أحد قُتل من الْمُسْلِمِين عدد قتل منهم سبعون شهداء فشق ذَلِكَ عَلَى الصحابة أن يحفر لكل واحد منهم قبر، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَدْ لا يوجد تكفين لكل واحد، فَإِذَا شق إِذَا كثر الموتى وشق حفر القبور لكل واحد فَإِنَّهُ يُجمع اثنين وثلاثة في قبر واحد؛ دفعًا للمشقة، ومن ذَلِكَ قتلى أحد سبعون، يشق عَلَى الصحابة مَعَ الجراح الَّتِي أصابهم وَبَعْدَ القتال والوقت الطويل الَّذِي يعني مضى عليم في المعركة فهم متبعون، فأمرهم النَّبِيّ ﷺ أن يجعلوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد.
وَكَذَلِكَ يجعلوهم في ثوب واحد إِذَا لَمْ يوجد ثياب يكفن يجعلوا في ثوب واحد، لَكِن أيهما يقدم في اللحد؟ اللحد هُوَ الحفرة الَّتِي تكون من جهة القبلة، يحفر إِذَا حفر قبر الميت يحفر حفرة في الأرض ثُمَّ يحفر حفرة أخرى شق من جهة القبلة هَذَا الَّذِي يسمى اللحد يوضع فِيهِ الميت.
والميت الَّذِي يدفن إِمَّا أن يشق له أو يلحد له، إِمَّا أن يشق له يَعْنِي يحفر حفرة ويضع في الشق، وَإِمَّا أن يلحد له يحفر حفرة أخرى الشق بَعْدَمَا تحفر الحفرة يحفر حفرة أخرى ويسمى الشق من جهة القبلة ويوضع فِيهَا الميت؛ كما هُوَ المعروف الآن واللحد أفضل، ولهذا جاء في الحديث: اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا.
وفي الحديث الآخر: «أَنَّهُ كَانَ في المدينة رجل يلحد ورجلٌ يشق»؛ فالسنة أن يوضع في اللحد، يحفر للميت حفرة ثُمَّ يلحد له حفرة أخرى من جهة القبلة ويوضع فِيهَا الميت ثُمَّ يدفن.
فَالنَّبِيِّ ﷺ لما كثر القتلى في أحد أمر أن يكتفى بدفن اثنين أو ثلاثة في قبر واحد ويلحد له، فيسأل النَّبِيّ أيهما أكثر أخذًا للقرآن فَإِذَا أشير له قدم في اللحد، والثاني يكون في الشق، واحد يكون في الشق وواحد يكون في اللحد، وَالَّذِي يكون في اللحد أفضل، من هُوَ المقدم في اللحد؟ من هو أكثر أخذًا للْقُرْآن هَذِهِ مزية، وَهَذَا هُوَ الشاهد في الترجمة باب ما جاء في تقديم أهل الْقُرْآن وإكرامهم، فهذا من تقديمهم أَنَّهُ إِذَا جمع اثنين وثلاثة في قبر واحد أن يقدم في اللحد من هُوَ أكثر أخذًا للقُرْآن.
ومعلوم أن الشهداء لَمْ يغلسوا وَلَمْ يصل عَلَيْهِمْ، الشهيد لا يغسل ولا يصلى عَلَيْهِ، أمر النَّبِيّ ﷺ أن يدفنوا بدمائهم وثيابهم، وَلَمْ يصل عَلَيْهِم شهيد المعركة، ولهذا في هَذَا الحديث أن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ قال (.....) ولم يصل عليهم ولم يغسلوا، وفي رواية الترمذي باب ما جاء في ترك الصلاة عَلَى الشهيد، وفي آخره وَلَمْ يصل عَلَيْهِمْ وَلَمْ يغسلوا.
وفي ابْنُ ماجة كَذَلِكَ باب ما جاء في الصلاة عَلَى الشهداء ودفنهم، وفي لفظ البخاري إِلَّا أَنَّهُ زاد في لفظ ثلاثة حيث قَالَ: «كَانَ يجمع بين الرجلين والثلاثة»، وللنسائي في الصلاة عَلَى الشهداء وفي آخره: وَلَمْ يصل عَلَيْهِمْ وَلَمْ يغسلوا، كَذَلِكَ في رواية أبي داود.
فالشهيد لا يغسل ولا يصلى عَلَيْهِ.
(المتن)
(الشرح)
هَذَا الحديث رواه أبو داود كما قَالَ المؤلف، وكَذَلِكَ أَيْضًا روي في الأدب المفرد: باب في تنزيل النَّاس منازلهم، وَفِيهِ زيادة وإكرام ذي السلطان المقسط، ومعنى المقسط العادل، هَذَا الحديث يَقُولُ النَّبِيّ ﷺ: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ، زيادة الْمُقْسِطِ، يَعْنِي العادل.
قوله: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ؛ يَعْنِي تبجيله وتعظيمه إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ؛ يَعْنِي تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام، بتوقيره في المجالس والرفق بِهِ، والشفقة عَلَيْهِ ونحو ذَلِكَ، كُلّ ذَلِكَ من كمال تعظيم الله لحرمته عِنْد الله. ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ؛ الَّذِي شاب في الإسلام مضى عَلَيْهِ مدة طويلة وَهُوَ في الإسلام حَتَّى شاب في الإسلام، يعبد الله هَذِهِ المدة، فمن تعظيم الله إكرام هَذَا الشيخ بتوقيره في المجالس والرفق والشفقة عَلَيْهِ، هَذَا من تعظيم الله.
قَالَ: وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، كَذَلِكَ أَيْضًا من تعظيم الله إكرام حامل الْقُرْآن، حامل الْقُرْآن هُوَ حافظه الَّذِي يحفظ الْقُرْآن ويفسره، القارئ هُوَ حافظه ومفسره، قارئه وحافظه ومفسره؛ سماه حامل لما يتحمل من المشقة الكثيرة الَّتِي تزيد عَلَى الأحمال الثقيلة.
قوله: غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، أيْ غير الغالي في الْقُرْآن فالغلو التشديد ومجاوزة الحد؛ لِأَنَّ غير متجاوز الحد في العمل وتتبع ما خفي واشتبه عَلَيْهِ من معانيه، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه، الغلو هُوَ الزيادة؛ يَعْنِي لا يزيد بأن يتشدد ويجاوز الحد فلا يعمل بالقرآن أو يتتبع ما خفي واشتبه عَلَيْهِ من معانيه، غير مجاوز الحد لفظًا ومعنًى. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الزيادة في المعنى أن يتأوله بالتأويل الباطل كسائر المبتدعة، هَذَا من الغلو الَّذِي يتأوله بتأويلات باطلة وَالَّذِي يتجاوز الحد في حفظه وتفسيره فلا يعمل بِهِ، أو يتأوله بالتأويلات الباطلة كسائر المبتدعة، أو يتتبع ما خفي منه واشتبه عَلَيْهِ من معانيه، أو يتجاوز ما حد له في قراءته ومخارج حروفه؛ من الغلو الَّذِي يقرأ الْقُرْآن عَلَى غير القراءة الصحيحة، في حدود القراءة ومخارج حروفه وتمطيده ونثره نثر الدقل هَذَا من الغلو في اللفظ، ينثره نثر الدقل ويمططه أو يلحنه تلحينًا يشبه (.....) الأغاني هَذَا من الغلو في اللفظ.
ومن الغلو في المعنى تأويله بالتأويلات الباطلة كسائر المبتدعة، وكذلك تتبع ما خفي واشتبه عَلَيْهِ.
وَالْجَافِي عَنْهُ، الجافي هُوَ المتباعد عنه المعرض عَنْ تلاوته وأحكام قراءته وإتقان معانيه، والعامل بما فِيهِ.
وَقِيلَ: الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عَنْ تدبر المعنى، المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عَنْ تدبر المعنى، والجفاء أن يتركه بَعْدَمَا علمه، أن يتركه بَعْدَمَا علمه، لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ نسيه، هَذَا كله من الجفاء.
فمن إجلال الله وتعظيمه أن يُكرم حامل الْقُرْآن، إكرام حامل الْقُرْآن من إجلال الله وتعظيمه، أن يكرم حامل الْقُرْآن إِلَّا إِذَا كَانَ غاليًا أو جافيًا فلا، ليس له حَقّ الإكرام، حامل الْقُرْآن المعتدل المستقيم في لفظه وفي معناه، يقرأه قراءة صحيحة في لفظه ويفسره تفسيرًا صحيحًا، ولا يتجاوز الحدود ولا يغلوا في العمل أو في التأويل بالتأويلات الباطلة أو تتبع ما خفي واشتبه عَلَيْهِ.
ولا يكون جافيًا متباعدًا عنه معرض عَنْ تلاوته وإتقان معانيه والعمل بما فِيهِ، أو مسرعًا في قراءته بحيث يمنعه عَنْ تدبر المعنى، أو المبالغة في التجويد والإسراع، أو تركه بعدما علمه هَذَا من الجفاء، يتركه بَعْدَمَا علمه، أَمَّا الغلو كما سبق يطلق عَلَى المعاني الَّتِي سبقت غلو في اللفظ وغلو في المعنى.
غلو في اللفظ نثره نثر الدقل وتمطيطه وتلحينه بما يخرجه عَنْ القراءة الصحيحة، وفي المعنى أَيْضًا، في المعنى بتأويله بالتأويلات الباطلة أو تتبع ما خفي واشتبه عَلَيْهِ، أو التشديد في مجاوزة الحد في العمل والفهم.
والجفاء تركه وهجره والإعراض عَنْ تلاوته وهجره إتقان معانيه.
وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ، أَيْضًا من إجلال الله، إكرام ذي السلطان وجاء في تقييده في زيادة الْمُقْسِطِ، يَعْنِي العادل، السلطان ولي الْأَمْرِ الإمام العادل والأمير العادل من إجلال الله إكرامه؛ لكونه عادلًا يقيم العدل بين النَّاس، ويقيم شرع الله، فمن اكرام شرع الله أن يكرم هَذَا الأمير العادل.
ولهذا جاء في الحديث الآخر في حديث الصحيحين: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم الإِمَامُ العَادِلُ، هُوَ الإمام المقسط.
وهنا قَالَ: وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ، فإكرام هؤلاء الثلاثة من إجلال الله وتعظيمه.
والشاهد من الحديث، قَالَ: وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، هَذَا هُوَ الشاهد من الترجمة في تقديم أهل الْقُرْآن وإكرامهم.
(المتن)
قال باب وجوب تعلم القرآن وتفهمه واستماعه والتغليظ على من ترك ذلك
وقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً [الأنعام/25]. وقال تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال/22]. وقوله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/124]..الآية.
(الشرح)
هَذَا الباب الثالث يَقُولُ المؤلف رحمه الله: (باب وجوب تعلم الْقُرْآن وتفهمه واستماعه والتغليظ عَلَى من ترك ذَلِكَ).
المؤلف عبر بالوجوب قَالَ: (باب وجوب تعلم الْقُرْآن)، يَجِبُ عَلَى الإنسان أن يتعلم الْقُرْآن؛ لِأَنَّ الله تعالى إِنَّمَا أنزل الْقُرْآن ليُتعلم ويُتعبد بتلاوته وتنفذ أحكامه، فيجب عَلَى كُلّ إنسان أن يتعلم الْقُرْآن، يَجِبُ عَلَى كُلّ واحد أن يتعلم الفاتحة من الْقُرْآن، هَذَا فرض عَلَى كُلّ مسلم أن يتعلم الفاتحة ويحفظها؛ لِأَنَّهُ لا تصح الصلاة إِلَّا بها، فهذا وجوب فرض.
فالذي لَا بُدَّ منه في إقامة الصلاة هَذَا وجوب وَهُوَ تعلم الْقُرْآن وَأَيْضًا عَلَيْهِ أن يتفهم معناها، لا تكون يقرأ الفاتحة ولا يفهم معناها، يفهم معنى الحمد والرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ؛ يوم الجزاء والحساب، إِيَّاكَ نَعْبُدُ نخص الله بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هَذَا سؤال الله الهداية، الصراط المستقيم وَهُوَ دين الإسلام، وَهُوَ ما جاء بِهِ الرسول عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ دين الله. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الَّذِين أنعم الله عَلَيْهِمْ بالعلم والعمل، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ يعلمون ولا يعملون، وَلَا الضَّالِّينَ وهو طريق الضلال الَّذِينَ يعملون بدون علم، لَابُدَّ أن يتعلم المعاني.
قَالَ المؤلف(.....) وجوب : (باب وجوب تعلم الْقُرْآن)؛ وما زاد عَلَيه يكون مستحب، ما زاد عَلَى القراءة في صلاته مستحب.
(باب وجوب تعلم الْقُرْآن وتفهمه)، لَابُدَّ أن يتفهم الْقُرْآن يتفهم معناه، (واستماعه) يَجِبُ الاستماع ولَاسِيَّمَا في الصلاة، في الصلاة يَجِبُ عَلَى المأموم أن يستمع وينصت، قَالَ تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف/204].
(والتغليظ عَلَى من ترك ذَلِكَ)، التغليظ التشديد عَلَى من ترك تعلم الْقُرْآن وتفهمه واستماعه، والمؤلف رحمه الله صدر الباب بآيات إن وجد ثُمَّ بالأحاديث، فَإِن لَمْ يوجد فبالأحاديث.
وقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً [الأنعام/25].
هذا وصف الكفار، جعل على قلوبهم أكنة غلاف معنوي حجاب؛ يمنع من وصول الفهم إِلَى قلوبهم،قال : وجعلنا على قلوبهم أكنة.
والأغلفة والحجب الَّتِي تكون عَلَى القلب أنواع:
منها الغين وَهُوَ غشاء خفيف عَلَى القلب غشاء يكون بسبب الغفلة ومنه قول النَّبِيّ ﷺ: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ. يغان يحصل غين الغشاء الخفيف، وَكَذَلِكَ الغيم فهو كمثله، غين وغيم رقيق عَلَى القلب.
ومن الحجب الران إِذَا تتابعت المعاصي صار عَلَى القلب ران، قَالَ تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين/14].
وفي الحديث: إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين/14].
ومن الحجب الأكنة، قَالَ: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الأنعام/25]؛ كنان غلاف.
ومن الحجب الحجاب وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ [فصلت/5]؛ حجاب يمنع من وصول الْحَقّ نسأل الله العافية.
ومن ذَلِكَ الطبع بل طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [التوبة/93].
ومن ذَلِكَ الختم أشد خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ [البقرة/7]، ختم الله عَلَى قلوبهم وَعَلَى سمعهم وَعَلَى أبصارهم الكفار.
فالختم والطبع والأكنة والحجاب في الغالب تكون عَلَى الْكَفَرَة، وَهَذِهِ كلها حجب معنوية، قَدْ يكون القلب في حجاب والأذن في حجاب والبصر في حجاب في أمور الدين، لا يسمع الْحَقّ ولا يبصر الْحَقّ ويكون أبكم لا يتكلم بِالْحَقِّ، وَلَكِن في أمور الدنيا ليس هناك مانع في بيعه وشرائه يسمع ويبصر يبيع ويشتري، ويفهم الكلام في أمور الدنيا؛ لَكِن هَذِهِ حجب معنوية، تكون حجب عَلَى الأسماع فلا يسمع الْحَقّ، حجاب عَلَى البصر فلا يرى الْحَقّ، حجاب عَلَى اللسان فلا يتكلم بِالْحَقِّ أبكم، حجاب عَلَى القلب فلا يصل إليه الْحَقّ، ولا ينتفع بِالْحَقِّ.
أَمَّا في أمور الدنيا ما في حجب، أمور الدنيا يسمع ويبصر ويعي ويفهم، قوله تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ؛ القرآن وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا؛ وقر حجاب صمم ما يسمع الْحَقّ، لَكِن في أمور الدنيا يسمع ليس في أذنه شيء، فهذا في أذنه وقر الوقر هذا حجاب للسمع، حجابٌ معنوي فلا يسمع الْحَقّ نسأل الله السلامة والعافية.
قَالَ تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ؛ يَعْنِي أغلفةً معنوية تمنعهم من فهم الْقُرْآن وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا؛ صممٌ معنوي، فلا يسمعون الْحَقّ ولا يعونه ولا يفهمونه.
والشاهد من الآية للترجمة أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإنسان أن يتعلم الْقُرْآن ولا يتشبه بالكفار الَّذِينَ لا يتعلمون الْقُرْآن وفي قلوبهم حَجب وفي آذانهم حجبٌ لا يصل إليها الْحَقّ.
وقال تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال/22].
شر الدواب شر من يدب عَلَى الأرض، الصم البكم، الصم الَّذِينَ لا يسمعون الْحَقّ، البكم الَّذِينَ لا يتكلمون بِالْحَقِّ، الَّذِينَ لا يعقلون لا يفهمون الْحَقّ، هؤلاء شر من دبوا عَلَى الأرض، هم شر من الحيوانات، وهؤلاء الصم والبكم الَّذِينَ لا يعقلون هَذِهِ أمور معنوية، صم عَنْ سماع الْحَقّ بكم عَنْ أن يتكلموا بِالْحَقِّ، الَّذِينَ لا يعقلون، لَكِن في أمور الدنيا ليس عندهم صم، آذانهم سليمة في أمور الدنيا، وألسنتهم سليمة، إِنَّمَا هَذَا في أمور الدين.
وقوله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه/124]..الآية.
من أعرض عَنْ ذكر الله فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا فَهُوَ في ضيق ونكد في حياته، من أعرض عَنْ ذكر الله وَالْقُرْآن أعظم الذكر، من أعرض عَنْ الْقُرْآن فلم يقرأه وَلَمْ يتعلمه وَلَمْ يتفهمه وَلَمْ يستمع له وَلَمْ يعمل بِهِ عاقبه الله بمعيشة الضنك، يكون في قلق في نكد في عيشه وفي حياته، ولو كَانَ عنده ملايين من أمور الدنيا؛ لَكِن حياته في نكد قلبه في منكد، عنده نكد وعنده ضيق ولهذا تجد من عندهم ملايين وينتحرون، ضاقوا من الحياة، ضاقت بهم الحياة؛ لِأَنَّهُم أعرضوا عَنْ ذكر الله، نسأل الله السلامة والعافية.
قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا؛ وتكملة الآية: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى
وفي الآية التي قبلها: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ [الأنفال/22]؛ شر من يدب عَلَى الأرض الصم البكم الَّذِينَ لا يعقلون وهم الكفره، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال/23].
(المتن)
(الشرح)
نعم هَذَا الحديث رواه البخاري ومسلم في الصحيحين رواه البخاري في كتاب العلم باب فضل من علم وعلَّم بهذا اللفظ، (.....) وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، في لفظ مسلم: وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، في الفضائل: باب بيان مثل ما بعث النَّبِيّ ﷺ من الهدى والعلم.
وَكَذَلِكَ أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسى، قَالَ: ولد لي غلامٌ فأتيت بِهِ النَّبِيّ ﷺ فسماه إبراهيم وحكنه بتمرة إِلَى أن قَالَ: وَقَالَ رسول الله: إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثٍ، هكذا رواه ابْنُ حبان في باب الاعتصام بِالسُّنَّة وما يتعلق بها نقلاً وأمرًا وزجرًا، فتضمن مثل حسي، ينتقل منه إِلَى المثل المعنوي.
المثل قَالَ الله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت/43].
المثل ينتقل فِيهِ الإنسان من المثل الحسي الَّذِي يشاهد إِلَى المثل المعنوي، فالمثل الحسي يَقُولُ: مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، مثل النَّبِيّ ﷺ ما بعثه الله من الهدى والعلم بالغيث الكثير يَعْنِي المطر الكثير الَّذِي أصاب أرضًا، الغيث الكثير الَّذِي أصاب أرضًا وَهَذِهِ الأرض ثلاثة أنواع وثلاثة أقسام:
قسمٌ نقية قبلت الماء، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير.
وقسمٌ في موضع آخر أجادب أمسكت الماء وَلَكِن لَمْ تنبت العشب، ما أنبتت عشب وَلَكِن أمسكت الماء.
والقسم الثالث: قيعان ما أمسكت ولا أنبتت، لا تمسك الماء ولا تنبت كلأ ولا .
الرسول ﷺ يَقُولُ: مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا؛ فكان منها هَذِهِ الأقسام وَالنَّاس ثلاثة أقسام.
فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ؛ هَذَا مثل العلماء العاملون، والفقهاء الَّذِينَ فجروا يابع النصوص، تفقهوا حفظوا وفهموا وتفقهوا واستنبطوا الأحكام والفوائد ونشروها للناس مؤلفات، شرحوا الأحاديث فسروها، فسروا الآيات وفجروا ينابيعها واستنبطوا أحكامها ودررها وفوائدها فاستفاد النَّاس منها، مثل الغيث إِذَا أصاب أرضًا فقبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير الكل يأكل، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ [طه/54]؛ الكل يستفيد.
فَكَذَلِكَ العالم الفقيه الَّذِي منَّ الله عَلَيْهِ بالعلم والعمل والفهم الَّذِي يحفظ النصوص الآيات والأحاديث ويفسرها ويستنبط الأحكام والحكم والأسرار؛ ثُمَّ ينشرها بين النَّاس بتعليمه وتأليفه فيستفيد منها القاصي والداني.
والطائفة الأخرى: قَالَ النَّبِيّ ﷺ: وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا؛ طائفة أخرى أمسكت الماء أجادب ولكنها لَمْ تنبت ما أنبتت وَلَكِن أمسكت الماء بقي محفوظ، ما شربته، فجاء النَّاس وشربوا من هَذَا الماء الَّذِي أمسكت بِهِ، وسقوا وزرعوا، شربوا منهم ودوابهم سقوها انفسهم سقوا دوابهم وَأَيْضًا زرعوا عَلَى هَذَا الماء وسقوا، قَالَ العلماء: هَذَا مثل المحدثين؛ الَّذِينَ حفظوا الأحاديث وضبطوها ودونوها وَلَكِن ليس كالطائفة الأولى الذين عندهم فقه، فهموا الأحاديث واستنبطوها وفجروا ينابيعها لا، ما شرحوا الأحاديث ولا فسروا معانيها؛ إِنَّمَا حفظوها وضبطوها بالأسانيد فجاء من بعدهم فحفظها منهم؛ أخذها عنهم؛ لولا أَنَّهُمْ ضبطوها وروها بالأسانيد وحفظوها وسجلوها ودونوها ما استفاد من بعدهم، جاء من بعدهم وأخذها.
وَقَدْ يكون الَّذِي بعده الذي أخذ منها يفهم منها أكثر من مايفهم هَذَا الَّذِي حفظها، يكون عنده فقه فيستنبط الأحكام والأول حفظها لها،(.....) ويدل عَلَيْهِ قول النَّبِيّ ﷺ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً؛ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فَرُبَّ مُبَلّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، ورُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.
هَذَا حامل الحديث إلى من بعده فجاء من بعده وفهم من الفقه والأحكام ما لَمْ يفهمه الأول، رب حامل فقه الي غير فقيه، ورب حامل فقه الي من هو افقه منه (.....) بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً؛ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فَرُبَّ مُبَلّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ؛ قَدْ يكون المبلغ أفقه من السامع، فَهَذِهِ الطائفة الثانية ما أنبتت لَكِن أمسكت الماء وجاء النَّاس فاستفادوا من هَذَا الماء، منهم من سقى ومنهم من زرع، ومنهم من شرب، كالمحدثين حفظوا الأحاديث وضبطوها ودونوها، فجاء من بعدهم فوجدوها مهيأة.
الطائفة الثالثة: قَالَ: إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، قيعان ينزل فِيهَا الماء ولا تمسكه، يذهب في بطنها ولا يستفاد منه، لا أمسكت الماء حَتَّى يزرع النَّاس ويسقون ولا أنبتت الكلأ والعشب، وَهَذَا مثل من لا يرفع بذَلِكَ رأسه وَلَمْ يقبل هدى الله، ما قبل هدى الله الَّذِي أرسل بِهِ النَّبِيّ ﷺ، لَمْ يحفظ وَلَمْ يتعلم وَلَمْ يتفقه ويتعلم في نفسه، لَمْ يتعلم في نفسه وَلَمْ يقبل الْحَقّ هَذَا مثل القيعان الَّتِي لا تمسك ماءًا ولا تنبت كلأ، ولهذا قَالَ النَّبِيّ ﷺ: فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ هَذَا مثل القيعان الَّتِي لا تمسك ماءًا ولا تنبت كلأ.
مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله بِهِ، يشمل طائفتين، يشمل الغيث يشمل الأرض النقية ويشمل الأرض الأجادب.
(المتن)
(الشرح)
هذا الحديث عَنْ ابْنُ عمر رضي الله عنهما أن الرسول ﷺ قَالَ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، في أمر بالرحمة، وفي الحديث الآخر: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
ينبغي رحمة الفقير والمسكين والعطف عَلَيْهِمْ.
وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، اغْفِرُوا يعني سامحوا من أخطأ عليكم، يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، الجزاء من جنس العمل، فمن رحم رُحم ومن غفر غُفر له الجزاء من جنس العمل.
ثُمَّ قَالَ: وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، أقماع القول ويل شدة، شدة وهلاك، شدة هلكة لأقماع القول يَعْنِي لمن لا يعي أوامر الشرع وَلَمْ يتأدب بآدابه، والأقماع جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم قِمْع وتسكن، قِمْع وقِمَع، ما هُوَ القمع؟ الإناء الَّذِي يجعل في رأس الظرف، ليملأ بِهِ المائع، شبه استماع الَّذِينَ يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بِهِ بالأقماع؛ الَّتِي لا تقي شيئًا مِمَّا يفرغ فِيهَا، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع، كَذَلِكَ قَالَ الزمخشري من المجاز: وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وهم الَّذِينَ يستمعون ولا يعون.
والقمع ما يصب بِهِ الشيء فيمنع منه أن يسيل، القمع، يَعْنِي أنت إِذَا أردت أن تصب الآن ماء او شيء سائل في إناء ضيق ماذا تعمل؟ تَأْتِيَ بالقمع تضعه حَتَّى تصب فِيهِ، القمع هَذَا يسمى بالأحقان، البعض يسميه الأحقان تحقن فِيهِ، لما يكون عندك جيك تريد أن تصب فِيهِ ماء ماذا تعمل؟ تَأْتِيَ بالقمع تضعه فِيهِ ثُمَّ تصب، هَذَا القمع يمر عَلَيْهِ الماء ولا يثبت فِيهِ أليس كَذَلِكَ؟ واسطة ينزل أسفل.
كَذَلِكَ أقماع القول الَّذِينَ يسمعون الكلام ولا يفهمونه، يسمعونه يمر ولا يستفيدون منه، الَّذِينَ يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث النَّاس،الاقماع وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، يَعْنِي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع، وَلَمْ يتأدب بآدابه.
كالإناء الَّذِي يجعل في رأس الظرف ليملأ بِهِ المائع شبه استماع الَّذِينَ يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بِهِ بالأقماع الَّتِي لا تعي شيئًا مِمَّا يفرغ فِيهَا، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع.
وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، شدة هلاك للذين لا يعون، شدة هلاك للذين يستمعون ولا يعون، فكأن الكلام يدخل ويخرج كالقمع الَّذِي يصب فِيهِ الماء ولا يمسكه ينزل أسفله، الإناء الَّذِي في رأس الظرف الَّذِي يملأ بِهِ الماء، شبه استماع الَّذِينَ يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بِهِ بالأقماع الَّتِي لا تقي شيئًا مِمَّا يفرغ فِيهَا.
وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، الجزاء من جنس العمل فمن رحم رُحم ومن غفر غفر الله له، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ؛ الَّذِينَ يجعلون آذانهم كالأقماع ويتبعون احاديث النَّاس؛ هؤلاء لهم شدة الهلاك؛ لِأَنَّهُم لا يعون أوامر الشرع ولا يتأدبون بآدابه، شبههم بالقمع، شبه الَّذِينَ يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بِهِ بالأقماع الَّتِي لا تقي شيئًا مِمَّا يفرغ فِيهَا.
ثُمَّ قَالَ: «ويل للمصرين الَّذِينَ يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» رواه أحمد؛ وَهَذَا واضح في شهادة الترجمة أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإنسان أن يتعلم الْقُرْآن وأن يتفهمه ولا يكون كالقمع الَّذِي يصب فِيهِ الماء وينزل عَلَى غيره، بل يَجِبُ عَلَيْهِ أن يتعلم وأن يتفقه، يتفقه ما يقيم بِهِ دينه، يتعلم الْقُرْآن يتعلم الفاتحة يتعلم ما تيسر يتفهم المعاني يستنبط.
وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ؛ يصرون على ما فعلوا من المعاصي والكبائر؛ والله تعالى وصف المتقين قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران/135].
فَإِذَا كَانَ الأقماع توعدوا بالويل قَالَ: وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ، هَذَا يَدُلّ عَلَى وجوب تعلم الْقُرْآن وتفهمه واستماعه؛ حَتَّى لا يكون الإنسان قمع، ويكون يتناوله هَذَا الوعيد.
(المتن)
قال باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين
وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ [الأنعام/25]. الآية، وقوله وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف/179]. الآية.
(الشرح)
هَذَا الباب الرابع قَالَ المؤلف: (باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين).
هَذِهِ الترجمة لبيان الخوف الخوف عَلَى من لَمْ يفهم الْقُرْآن يخشى أن يكون من المنافقين؛ لِأَنَّ المنافقين لا يبالون يهملون فلا يبالون بالقرآن، فلذلك يستمعونه ولا يتفهمونه، ولا يتفهمون معانيه؛ لِأَنَّهُم ليس عندهم إيمان، ما عندهم إيمان يدفعهم إِلَى أن يتفهموا معاني الْقُرْآن، ويتفقهوا في معانيه، ولهذا يستمعون استماعًا مجردًا لكفرهم ونفاقهم؛ فالذي لا يفهم الْقُرْآن يخشى أن يكون منهم؛ لِأَنَّهُ وافقهم في الوصف.
لهذا قَالَ المؤلف: (باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين).
ثُمَّ قَالَ المؤلف: كقول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد/16].
هَذَا وصف المنافقين وَمِنْهُمْ؛ أيْ المنافقين مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ؛ يا محمد الْقُرْآن حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ؛ ما فهموا قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؛ من الصحابة مَاذَا قَالَ آنِفًا؛ ماذا قَالَ محمد؟ ما تفهموا لماذا؟ ما فهموا يستمعون (.....) ولا يفهمون فَإِذَا خرجوا سألوا الصحابة ماذا قَالَ محمد؟ مَاذَا قَالَ آنِفًا؟ إذًا ما تفهموا، فالذي لا يتفهم يُخشى أن يكون من المنافقين.
ولهذا قَالَ المؤلف: (باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين)؛ لِأَنَّ الله وصف المنافقين بأنهم لا يفهمون وَأَنَّهُمْ يستمعون للنبي ﷺ ولا يفهمون؛ فَإِذَا خرجوا يستفهموا الصحابة عَنْ قول النَّبِيّ ﷺ؛ لِأَنَّهُم ليس عندهم إيمان يبعثهم عَلَى الاستماع والتفهم.
وَمِنْهُمْ؛ يَعْنِي المنافقين مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ؛ يا محمد حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؛ من هم؟ الصحابة مَاذَا قَالَ آنِفًا؟ ماذا قَالَ قبل قليل أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد/16].
وَقَالَ تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف/179].
فالله تعالى أخبر أَنَّهُ ذرأ لجهنم خلق لجهنم كثير من الجن والإنس، من صفاتهم أَنَّهُمْ لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أُولَئِكَ كالأنعام بَلْ هم أضل.
والشاهد من الآية أن الله تعالى أخبر أَنَّهُ خلق لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفهمون بها الْقُرْآن، ولهم أعينٌ لا يرون بها الْقُرْآن، ولهم آذان لا يسمعون بها، فمن لَمْ يفهم الْقُرْآن يُخاف عَلَيْهِ أن يكون من المنافقين؛ لِأَنَّ المنافقين الَّذِينَ خلقهم الله إِلَى جهنم لهم قلوبٌ لا يفقهون بها، ما عندهم فقه ولا فهم.
(المتن)
عن أسماء أن رسول الله ﷺ قال: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ؛ يؤتى أحدكم فيقال: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وآمنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤمناً. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ. أخرجاه.
وفي حديث البراء الصحيح: أن المؤمن يقول: هو رسول الله، فيقولان: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت.
(الشرح)
هَذَا الحديث هُوَ حديث أسماء رواه الشيخان البخاري ومسلم، رواه البخاري في كتاب العلم، في الوضوء ومسلم أَيْضًا في الكسوف، هَذَا الحديث رواه الشيخان حديث أسماء يَقُولُ النَّبِيّ ﷺ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، تفتنون يَعْنِي تختبرون، الفتن هِيَ الاختبار، وذلك أن الميت إِذَا وضع في القبر يختبر ويُسأل عَنْ ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: من ربك؟
والسؤال الثاني: ما دينك؟
والسؤال الثالث: ما نبيك؟
هذه الأسئلة هَذَا اختبار وامتحان، فالمؤمن يثبته الله يَقُولُ: الله ربي والإسلام ديني ومحمد ﷺ نبيي.
أَمَّا غير الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ لا يجيب، فَإِذَا سُئِلَ هَذِهِ الأسئلة يَقُولُ: ها ها لا أدري، من ربك؟ ها ها لا أدري، من نبيك؟ ها ها لا أدري.
أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، إذًا أخبر النَّبِيّ ﷺ أن النَّاس يفتون في القبور، مثل فتنة الدجال، الدجال فِيهِ فتنة اختبار وامتحان في الحديث: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ.
الدجال فتنة عظيمة معه الخوارق يأمر السَّمَاءِ فتمطر والأرض فتنتب، ويأتي إِلَى الخربة فتتبعه كنوزها كياعسب النحل، ويأتي رجلًا شاب ويقطعه نصفين، ويمشي بين نصفين ثُمَّ يَقُولُ: قم فيخلقه الله ابتلاء وامتحان فيقوم قائمًا.
ولا يسلط عَلَى أحدٍ بعده، هَذِهِ فتنة عظيمة،ويأتي القوم فيستجيبون له فتأتيهم الأموال والأرزاق وتمتلئ ضروع إبلهم وغنمهم من اللبن، ويأتي القوم فيردون عَلَيْهِ قوله فيصبحون ممحلين فقراء تهلك أنعامهم وزروعهم هَذِهِ فتنة عظيمة.
ويأمر السَّمَاءِ فتمطر والأرض فتنبت، والدجال أعور عينه اليمنى كافر، كأن عينه عنبة طافية وَمَعَ ذَلِكَ مكتوب كافر يقرأها كُلّ إنسان عربي وغير عربي.
فَالنَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ يَعْنِي تمتحنون وتُسألون مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، في الدنيا، يؤتى أحدكم فيقال، يَعْنِي في قبره إِذَا وضع في قبره، فيقال: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟، هَذَا من الاختبار يسألونه، مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟، يَعْنِي محمد ﷺ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وآمنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤمناً.
إذًا الفتنة في القبر حَقّ مثل فتنة الدجال يؤتى أحدكم يَعْنِي في قبره تأتيه الملائكة فيقال: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟، يَعْنِي محمد ﷺ، فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وآمنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤمناً. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ. أخرجاه في الصحيح.
وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، إِذَا سأله الملائكة من ربك فيقول: لا أدري، سمعت النَّاس يَقُولُونَ شيئًا، في حديث البراء أَنَّهُ إِذَا سُئِلَ من ربك؟ قَالَ: ها ها لا أدري، من نبيك؟ يَقُولُ: ها ها لا أدري، ما دينك؟ يَقُولُ: ها ها لا أدري، سمعت النَّاس يَقُولُونَ شيئًا فقلته. وفي آخر الحديث: فيضرب بمرزبة من حديد يسمعه كُلّ من خلق الله إِلَّا الجن والإنس، ولو سمعه الإنسان لصعق.
وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ، أخرجاه في الصحيحين.
وفي حديث البراء الصحيح أن الْمُؤْمِن يَقُولُ: هُوَ رسول الله، فيقولان: قرأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدقت.
والشاهد من الترجمة أن الَّذِي يوضع في قبره المنافق لا يجيب، وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ يجيب، في حديث البراء الصحيح أن الْمُؤْمِن يَقُولُ: هُوَ رسول الله، فيقولان: قرأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدقته.
والشاهد هُوَ الخوف عَلَى من لَمْ يفهم الْقُرْآن أَنَّهُ مرتاب ومنافق لا يفهم ليس عنده فهم ولا علم يتبع كُلّ ناعق، يَقُولُ: سمعت النَّاس يَقُولُونَ شيئًا فقلته، فيجب عَلَى اَلْمُسْلِم أن يتعلم وأن يتفقه وأن يتبصر في شرع الله؛ حَتَّى لا يكون يتشبه بالمنافقين الَّذِينَ لا يفهمون الْقُرْآن.
(المتن)
(الشرح)
نعم هَذَا الباب الخامس باب قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة/78].
هَذِهِ الآية في أهل الكتاب في اليهود، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ؛ يَعْنِي العوام، أميون جمع أمي والأمي المنسوب إِلَى أمه، والأم لا تقرأ ولا تكتب، هَذَا هُوَ الغالب عِنْد الأمم، لَكِن الصواب اليوم أن الأم تقرأ وتكتب الآن في هَذَا الزمن إِلَّا ما ندر.
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ، يَعْنِي ما يعلمون الكتاب إِلَّا مجرد التلاوة وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة/78].
الله تعالى ذمهم عل هَذَا، هَذَا ذم لهم وَهَذَا فِيهِ تحذير لهذه الأمة ألا تكون مثلهم، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ، لا يعلمون الكتاب إِلَّا مجرد تلاوة، لا يفهمون المعاني ولا ينفذون الأحكام.
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ؛ هَذَا فِيهِ التحذير من هَذِهِ الحالة، مثل الكثير من العرب يقرأ الْقُرْآن الآن ولا يفهم المعاني، لَكِن إِذَا كَانَ يعمل يقيم شعائر الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج فَهُوَ عَلَى خير.
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة/78].
وقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة/5]. الآية.
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ؛ هم اليهود ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ؛ الحمار يحمل أسفارًا، الحمار الَّذِي يحمل الكتب عَلَى ظهره هَلْ يستفيد منها؟ ما يستفيد منها، عَلَى ظهره أسفار كتب علمية، كَذَلِكَ اليهود عندهم علم وَلَمْ يعملوا بِهِ، فهم كالحمار الَّذِي عَلَى ظهره الكتب وَهُوَ لا يستفيد منها، كَذَلِكَ هؤلاء عندهم التوراة وَلَا يعملون بها فلم يستفيدوا منها.
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة/5]، أسفار الكتب تنفير.
ثم قال يعني النَّبِيّ ﷺ: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ.
هَذَا أَوَانُ؛ يَعْنِي وقت يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. هذا أوان
قَالَ: عن أبي الدرداء يقول: «كنا مع النبي ﷺ فشخص ببصره إلى السماء يعني رفع بصره الي السماء، ثم قال: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. اختلاس يَعْنِي يؤخذ العلم من النَّاس حَتَّى لا يقدروا منه عَلَى شيء.
فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا؛ حَتَّى يثبت، كيف يختلس مِنَّا؟ ينزع عنا، الرسول ﷺ إِلَى السَّمَاءِ شخص فَقَالَ: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي ينزع العلم من النَّاس حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. والعلم مأخوذ من كتاب الله ومن سنة رسوله.
«فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا يارسول الله وقد قرأنا القرآن؟»، كيف ننساه؟! «فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا»، يَعْنِي كيف يختلس مِنَّا ونحن حافظون للقرآن ونحن الآن عندنا استعداد لنقرأه أبناءنا وبناتنا فينتشر فكيف ينزع؟!.
فقال ﷺ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، ثكلتك يَعْنِي فقدتك أمك، وَهَذِهِ كلمة تقولها العرب ولا يقصد بها معناها، إِنَّمَا تجري عَلَى اللسان من غير قصد لتأكيد الكلام.
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ؛ يَعْنِي النَّبِيّ ﷺ يَقُولُ: كنت أظن أن لك عقلاً وأعدك من الفقهاء، لما قلت هَذَا الكلام انتقضتك، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟. ما نفعتهم بين أيديهم يقرؤونها، يقرؤون التوراة ولا نفعتهم، فَكَذَلِكَ بعض النَّاس يقرؤون الْقُرْآن ولا ينفعه، لَابُدَّ من العلم والعمل.
فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، كيف يختلس مِنَّا ونحن نحفظ الْقُرْآن ونحفظ أبنائنا ونسائنا، فَقَالَ النَّبِيّ ﷺ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ؛، يَعْنِي كيف تقول هَذَا الكلام هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟.
إذًا كون الإنسان يقرأ الْقُرْآن ما يكفي هَذَا الحديث رواه الترمذي وَقَالَ: حسن غريب.
يَعْنِي النَّبِيّ ﷺ يَقُولُ: أَنَّهُ يختلس الْقُرْآن؛ وَهَذَا فِيهِ الحث عَلَى حفظ الْقُرْآن قبل أن يختلس وقبل أن ينزع، حث لهذه الأمة العناية بالقرآن وحفظه وتعلمه وتعليمه؛ حَتَّى لا ينزع، قَالَ: «كيف يختلس مِنَّا وَقَدْ قرأنا الْقُرْآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نسائنا وأبنائنا »، فَقَالَ له النَّبِيّ ﷺ: أعطيك مثال الآن، هؤلاء اليهود والنصارى عندهم التوراة والإنجيل ما أغنت عنهم لما لَمْ يعلموا بها.
(المتن)
(الشرح)
حديث عائشة رضي الله عنها أن النَّبِيّ ﷺ أنزل عَلَيْهِ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران/190-191].
قَالَ النَّبِيّ ﷺ: وَيْلٌ لِمَن قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ وَلَم يَتَفَكَّرْ فِيهَا، رواه ابْنُ حبان في صحيحه.
فِيهِ الحدث عَلَى التدبر، وَيْلٌ لِمَن قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ وَلَم يَتَفَكَّرْ فِيهَا؛ لِأَنَّ الله أمر بالتفكر وذكر أوصاف المتفكرين المؤمنين إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ خلق السموات والأرض واختلافها، تعاقب الليل مَعَ النهار لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران/190-191].
ولهذا في هَذَا الحديث: وَيْلٌ لِمَن قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ وَلَم يَتَفَكَّرْ فِيهَا، وفي رواية أَنَّهُ سرد الآيات من آخر آل عمران، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران/190]؛ ثُمَّ قَالَ: ويلٌ لمن قرأهن وَلَمْ يتدبر معانيهن ويتفقه في أحكامهن.