بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله:
(المتن)
باب: إثم من فجر بالقرآن.
وقوله تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة/26].
وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة/44].
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً [البقرة/174]؛ الآية.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ - وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَحُلُوقِهِم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ أخرجاه.
وفي رواية: يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ رَطْبًا.
وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق وقال: "إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين".
وللترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعا: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب: إثم من فجر بالقرآن) هذا الباب هو الباب السادس من أبواب كتاب "فضائل القرآن" للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، (باب: إثم من فجر بالقرآن) فجر يعني: فعل الفجور والمعاصي، يعني: باب الإثم على من ارتكب الفجور فيما يتعلق بالقرآن.
باب اثم من فعل الفجور في القرآن.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة آيات وحديث أبي سعيد الخدري، قال: وقوله تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة/26]، هذه الآية في سورة البقرة.
وقبلها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة/26]؛ يُضل به يعني: المثل، والأمثال كما قال وتلك المثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون.
وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة/26]؛ قيل: المراد بالفاسقين هنا؛ المنافقين، وقيل: الخوارج قال بعضهم.
وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة/26]؛ وصفهم الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة/27]؛ هذه أوصاف المنافقين.
الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ يعني: لا يوفون بالعهود والتكاليف التي كلف الله بها العباد، عهدٌ بين العبد وبين ربه أن يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات.
الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ كالرحم، وغير ذلك من أمر الله بصلته، كصلة الرحم، والإحسان إلى الجار، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى، وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ عام، ومن أوصاف المنفقين أنهم يفسدون في الأرض: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة/11-12].
فقيل: المراد بالفاسقين؛ المنافقين، وقيل: الخوارج.
ومناسبة الآية للترجمة ظاهرة فان المنافقين وكذلك الخوارج ممن فجر بالقرآن، فالمنافقون يقرئون القرآن ولكنهم لا يؤمنون به وهذا أعظم الفجور، والخوارج كذلك يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويتأولونه على غير تأويله، وينطلقون إلى الآية التي نزلت في الكفار فيتأولونها على المسلمين، وهذا لاشك أنه فسقٌ وفسادٌ في الأرض.
قال المؤلف رحمه الله: وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة/44]؛ حكم الله تعالى على من حكم بغير ما أنزل الله بالكفر، ولا شك أن من ترك الحكم بغير ما أنزل الله فإن هذا من أعظم الفجور، من أعظم الفجور ومن الإثم العظيم، والحكم بغير ما أنزل الله يكون كفرًا أكبر ويكون كفرًا أصغر، يكون كفرًا أكبر إذا استحل الحكم بغير ما أنزل الله، اعتقد أن الحكم بما أنزل الله حلال، سواءً اعتقد أنه الحكم بغير ما أنزل الله مساوياً للحكم بما أنزل الله، أو أن الحكم بما أنزل الله أحسن، أو أن الحكم بالقوانين الوضعية أحسن؛ كل هذا كفر أكبر مخرج من الملة.
إذا اعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز؛ هذا كفرٌ أكبر مخرج من الملة، وكذلك إذا بدل الدين وحكم بغير ما أنزل الله في جميع شئون الأمة في الحدود والقصاص، والمعاملات وغيرها، فإن هذا تبديلٌ للدين.
وكذلك إذا حكم بالأعراف والسلوم كالبادية بعض البوادي التي يحكمون بالأعراف والسلوم، هذا ردة وكفرٌ أكبر مخرج من الملة. إذا حكم بالأعراف والسلوم هذا كفر مخرج من الملة.
إذا حكم بغير ما أنزل الله كالقوانين المعتقد أنها أحسن من الحكم بما أنزل الله هذا كفرٌ أكبر، إذا حكم بالقوانين واعتقد أنها مماثلة للحكم بما أنزل الله كفرٌ أكبر، إذا حكم بالقوانين واعتقد أن هذا جائز ولكن الحكم بما أنزل الله أحسن هذا كفرٌ أكبر.
إذا حكم بغير ما أنزل الله في بعض القضايا في قضية من القضايا وهو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله واجب ولكن حكم بغير ما أنزل الله طاعةً لهواه والشيطان؛ لأنه أُعطي رشوة فحكم من أجلها، أو حكم محاباةً للمحكوم له، أو لأجل عداوة المحكوم عليه أو لغير ذلك وهو يعلم أن الحكم بما أنزل الله واجب، ولكن حكم بغير ما أنزل الله في قضية طاعةً لهواه فهذا كفرٌ أصغر؛ هذه خمس حالات.
والحالة السادسة: إذا حكم بغير ما أنزل الله خطأً بأن طلب الحكم بما أنزل الله وطلب التعرف إلى الحكم بالشريعة ولكنه أخطأ وحكم بغير ما أنزل الله؛ فهذا مجتهد له أجرٌ على اجتهاده وخطأه مغفور، لقول النبي ﷺ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.
هذه سبع حالات: من سبع حالات خمس حالات كفرٌ أكبر مخرج من الملة، وحالة كفرٌ أصغر، وحالة خطأ مغفور وله أجر.
الحالة الأولى: إذا حكم بغير ما أنزل الله في جميع شئون الأمة والدولة هذا بدل الدين.
الحالة الثانية: إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه أحسن من الحكم بما أنزل الله مخرج من الملة.
الحالة الثالثة: إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه مماثل للحكم بما أنزل الله؛ مخرج من الملة.
الحالة الرابعة: إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أن الحكم بما أنزل الله أحسن ولكن الحكم بغير ما أنزل الله جائر، مُخرج من الملة.
الحالة الخامسة: إذا حكم بغير ما أنزل الله بالأعراف والسلوم ؛ هذا مخرج من الملة.
هذه خمس حالات كفرٌ أكبر.
الحالة السادسة: إذا حكم بما أنزل الله في بعض القضايا أو في قضية طاعةً لهواه والشيطان، وهو يعلم أن الحكم بما أنزل الله واجب ولكنه لأجل مال أو لأجل رِشوة أو لأجل لحظ دنيوي؛ فهذا كفرٌ أصغر لا يُخرج من الملة.
الحالة السابعة: إذا حكم بغير ما أنزل الله خطأً، قد طلب الحكم بما أنزل الله وبحث واجتهد للوصول إلى بما أنزل الله فأخطأ فحكم بغير ما أنزل الله خطأً فهذا له أجر على اجتهاد وخطأه مغفور، لقول النبي ﷺ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.
تكون الحالات سبع: خمس حالات كفرٌ أكبر مخرج من الملة، وحالة كفرٌ أصغر، وحالة السابعة مجتهد له أجر على اجتهاده وخطأه مغفور.
ومناسبة الآية للترجمة: أن الحاكم بغير ما أنزل الله وقع في الفجور والإثم بالنسبة للقرآن؛ لأن الله تعالى أمر بالحكم بما أنزل الله، وحكم بغير ما أنزل الله وهذا إثمٌ وفجور، ويُستثنى من هذا مَن حكم بغير ما أنزل الله خطأً مجتهدًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله: وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة/174].
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً هذا وعيد للكاتمين ما أنزل الله، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً يعني: يعتاضون به ثمنًا قليلًا، والدنيا كلها ثمنها قليل، يعتاضون عن الحكم بما أنزل الله بالدنيا، بشيء من الدنيا: إما بمال، أو بجاه، أو منصب، أو برئاسة، يعتاض عن كتمانه ما أنزله الله من الكتاب يـعتاض بدله ماذا؟ يأخذ بدله ثمنًا قليلًا، والدنيا كلها ثمنٌ قليل، لو أُعطي الدنيا كلها بحذافيرها فهي ثمنٌ قليل، لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شربة ماء إذًا الدنيا ما تزن عند الله جناح بعوضة، وكلها ثمن قليل.
فمن كتم ما أنزل الله واعتاض به شيئًا من الدنيا فعليه هذا الوعيد: أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ توعيد بالنار، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة/174-175].
ومناسبة الآية للترجمة: أن من كتم ما أنزل الله من الكتاب؛ فهذا من أعظم الفجور بالقرآن، فجر بالقرآن حيث كتم ما أنزل الله من الكتاب فعليه هذا الوعيد الشديد: أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة/174].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري في الخوارج: أن رسول الله ﷺ قال: (يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ - وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ) ظهروا في زمن الصحابة، من الصحابة لكن انحرفوا، قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ لماذا؟ لحُسن صلاتهم والطمأنينة فيها، تراه بجوارك يصلي يطيل الركوع، يطيل السجود، يطيل القراءة، يتأوه، يدعو، يبكي، يتضرع، وأنت ما تستطيع أنت تصلي صلاة خفيفة، تقول: كيف أنا صلاتي عند صلاة هذا، هذا ماشاء الله فأنت تحقر صلاتك عند صلاته.
قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ لماذا؟ لحُسن صلاتهم في الظاهر، والطمأنينة فيها، والإطالة، والقراءة، والركوع والسجود.
(يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) في اللفظ الآخر: تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وقراءتكم مع قراءتهم.
(يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَحُلُوقِهم) لماذا؟ لأنهم ما قرءوه عن تدبر وتفهم للمعاني، وتفسير للآيات على الوجه المعروف والمطلوب شرعًا،ويتؤلونها على تؤيلها فلهذا كان القرآن لا يجاوز حناجرهم، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَحُلُوقِهم لأنهم وإن قرءوه إلا أنهم تأولوه على غير تأويله، وفسروه بغير تفسيره، وحملوا الآيات التي في الكفار على المسلمين، فلهذا صار لا يستفيد من القراءة؛ لأن القراءة وسيلة إلى العمل، وهم عملوا به على خلاف ما دل عليه.
(يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَحُلُوقِهِم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) يمرقون ما معنى يمرقون؟ يعني: يخرجون من الدين خروج السهم مروق السهم من الرمية، الرمية: الصيد التي يرميها الشخص، حينما تصيد صيدًا وترميه بالسهم، ثم يخرج السهم بسرعة يضرب الصيد ويخرج من الجهة الأخرى بسرعة، يخرج بسرعه ولا يبقى في المرميه؟ يبقي السهم ولا يخرج بسرعة، فهؤلاء يمرقون من الدين بسرعة كما يمرق السهم الذي يصيب الصيد بسرعة.
(فَيَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ) من الذي ينظر؟ الصائد، حينما يرمي الصيد ويخرج السهم، النصل: حديدة السهم، الرصاف: عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل،
(فَيَتَمَارَى) أي يتشكك، ينظر لماذا؟ لينظر هل في دم ولا ما فيه دم؛ لأنه خرج بسرعة، دخل ف الصيد وخرج بسرعة يتمارى ويتشكك هل بقي شيء من الدم بالسهم أو لم يبقى.
(فِي فُوقَةِ) الفوق: موضع الوتر من السهم، (هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ أخرجاه) البخاري ومسلم.
ما معنى هذا الكلام؟ أم معنى الحديث؟ أن هؤلاء هم الخوارج، عندهم قوة في العبادة، حَتَّى أنهم معروف عنهم رهبانٌ بالليل أسودٌ بالنهار، بالليل يصلون يتأوهون، يبكون، يطيلون الركوع والسجود، وفي النهار شجعان كالأسود، قوة (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ) لماذا؟ لطول صلاتهم، والطمأنينة فيها، وطول القراءة فيها والتأوه والبكاء، فتحقر صلاتك مع صلاتهم.
(يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ وَحُلُوقِهم) لماذا؟ لأنهم لم يفهموه، ولم يعملوا به، بل تأولوه على غير تأويله، وحملوا الآيات التي جاءت في الكفار على المسلمين وكفروا المسلمين بالمعاصي.
(يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) ما هي الرمية؟ الصيد الذي يرمي به، فإذا رميت بالسهم خرج السهم بسرعة، ومن شدة سرعته ما يعلق فيه دم من السرعة، لكن لو كان بطيء يعلق به الدم.
ولهذا قال: (فَيَنْظُرُ ) من الذي ينظر؟ الرامي،ينظر (إِلَى نَصْلِهِ) : حديدة السهم،(إِلَى رِصَافِهِ):عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل، (فَيَتَمَارَى) يتشكك، هل بقي شيء من الدم أو لا.
(فِي فُوقَةِ) الفوق: موضع الوتر من السهم، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ أو لا يقول هل في دم ولا ما في دم من شدة سرعة السهم، فهؤلاء يخرجون من الدين بسرعة كما يخرج السهم الذي يرمي الصيد بسرعة، وتتمارى فيه هل علق به دم من شدة خروجه وسرعة خروجه أو لم يعلق به دم. أخرجاه واضح معنى الحديث
(وفي رواية: يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ رَطْبًا.) لعله يشير إلى حديث البخاري في المغازي، ومسلم في الزكاة: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ.
(وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق) يرى مَن؟ الخوارج، (وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين) كفروا المؤمنين بالمعاصي، يقولون: الزاني كافر يُقتل ويُستحل دمه وماله، والسارق كافر، قالوا: قول الرسول: لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ إذًا خرج من الإيمان كفر فيقتلونه، ويستحلون دمه وماله، ويقولون: هذا ليس بمؤمن، هو الذي قال: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ[البقرة/8]؛ قالوا: هذا ليس من المؤمنين، الله نفى عنه الإيمان، فهو كافر فيقتلونه، والسارق يقتلونه كافر، شارب الخمر كافر. جميع العصاة الذين تُوعدوا بالنار او نفي الإيمان كفروهم وقتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم.
ولهذا قال ابن عمر : (وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين) فكفروا المسلمين بالمعاصي، لو كان الزاني كافر ما أُقيم عليه الحد، الزاني يُجلد أو يُرجم، والسارق تُقطع يده، والشارب تجلد، لو كان كافر قُتل، ولو كانوا كفارًا لما توارثوا لما ورثوا من أقاربهم المسلمين، هؤلاء عصاة ليسوا كفار: (وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).
هولاء وقال فيهم النبي ﷺ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ هل هم كفار؟ وفي الحديث الآخر أن النبي ﷺ قال: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وفي لفظ آخر أن النبي ﷺ قال: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ وعاد قومٌ كفار فشبههم بقوم عاد.
ومن هنا روي عن الإمام أحمد رواية: أن الخوارج كفار فيهم عشرة أحاديث لأن النبي يقول: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ الذي يمرق من الدين ما عنده دين، كافر، وفي الآخر: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
ولكن جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام عاملوهم معاملة المبتدعة، الصحابة عاملوهم وشيخ الإسلام من الصحابه معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لانهم متأولون، سُئل علي : «أكفار هم الخوارج؟ قال: من الكفر فروا».
الشاهد من حديث الترجمة، باب: إثم من فجر بالقرآن، الشاهد أن الخوارج من فجورهم للقرآن أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين وهذا من الفجور بالقرآن، تأويله على غير تأويله، هؤلاء أخذوا نصوص القرآن اللي في الكفار وحكموا على المسلمين بالكفر.
دلالة الحديث على كفر الخوارج ظاهرة، قال: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ
(وللترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعًا: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ.) هذا وعيدٌ شديد لكتمان العلم، أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. والله تعالى يقول في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة/159]؛ هذه عقوبة الكاتمين. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة/160].
إذًا حديث أبي هريرة: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. وجه الدلالة للترجمة: أن من كتم العلم فهذا فجور، العلم إنما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله، القرآن منبع العلم الشرعي وأساس العلم الشرعي، فهذا الذي كتم العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله فجورٌ منه بالقرآن، كتمان العلم من الفجور بالقرآن، وإثمه عظيم، ولهذا عُوقب بأن يُلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله:
باب إثم من رآئا بالقرآن.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ. رواه مسلم.
(الشرح)
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان شدة إثم المرائي بالقرآن، قال: (باب إثم من رايا بالقرآن) يعني: المرائي، والحديث كما قال المؤلف: رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب: من قُتل ليقال فلانٌ جرئ، ورواه الإمام أحمد أيضًا، فهو فيه بيان إثم وشدة إثم المرائي بالقرآن.
ذكر فيه المؤلف حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في الثلاثة: المجاهد، والقارئ والعالم، والمتصدق. هؤلاء كلٌ منهم وقع في إثمٍ عظيم؟ لماذا؟ لأنهم راءوا الناس في أعمالهم، والرياء شرك، يقول الله تعالى في الحديث القدسي عن أبي هريرة في صحيح مسلم: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.
وهؤلاء الثلاثة كل واحدٌ منهم يرائي، فانقلبت أعمالهم فصارت وبالًا عليهم بسبب الرياء، انقلبت أعمالهم عليهم، لو كان العمل خالص للعالم والقارئ لصار من الصديقين تلي درجة الأنبياء، والذي قُتل في المعركة لو كان عمله خالص لكان من الشهداء، والمتصدق لو كان العمل خالص لكان من الصالحين، لكنهم راءوا الناس في أعمالهم فحبطت أعمالهم وبطلت وعوقبوا بالنار.
يقول المؤلف رحمه الله تعالي: (عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ) يعني قُتل في المعركة شهيدًا، (فَأُتِيَ بِهِ) يعني: بين يدي الله يوم القيامة، (فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا) يعني: أقره الله بنعمه التي أنعمها عليه، (قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ) يعني: قاتلت يا الله في سبيلك حَتَّى اُستشهدت لإعلاء كلمتك، (قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ) مراءة حَتَّى يقول الناس: ما شاء الله جرئ شجاع،فلان جرئ (فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) نعوذ بالله.
والثاني (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) هذا تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فيوقف بين يدي الله فيؤتى به فيعرفه نعمه ويقره عليه، (قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ) يعني: من أجلك، (قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) من الرياء والعياذ بالله، يُحبط الأعمال.
وهذا هو الشاهد للترجمة: (قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) وهذا الرياء يُبطل العمل الذي قارنه إذا استرسل.
(وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ) فهذا الثالث رجلٌ وسع الله عليه من الأموال فجعل يتصدق وينفق في المشاريع الخيرية، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ) يعني: أي طريق، وأي مشروع خيري تحب أن يُنفق فيه أنفقت فيه. (قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ) فلان جواد، فلانٌ كريم، يرائي يعني حتي يُثني الناس عليه، (فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ رواه مسلم).
وفي رواية فيها زيادة، قال أبو هريرة: «فهؤلاء الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة» قارئ، ومتصدق، ومجاهد.
وجه الدلالة من الحديث في الترجمة: فيه أن المرائي بالقرآن إثمه عظيم، حيث أنه متوعدٌ بالنار، فهؤلاء الثلاثة كلٌ منهم مرائي تُوعد بالنار، بل سُحب وألقي على وجهه في النار، وهذا يدل على عظم الأمر.
(المتن)
باب إثم من تأكل بالقرآن.
عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَابْتَغُوا بِهِ وَجهَ اللَّهَ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ، يَتَعَجَّلُونَهُ، وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ رواه أبو داود، وله معناه من حديث سهل بن سعد.
وعن عمران: أنه مر برجل يقرأ على قوم فلما فرغ سأله، فقال عمران إنا لله وإنا إليه راجعون، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ رواه أحمد والترمذي.
(الشرح)
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله: (باب إثم من تأكل بالقرآن) ومعنى تأكل بالقرآن: يعني أكل به وأخذ به شيئًا من الدنيا، يعني: جعل القرآن وسيلة إلى كسب المال، فأكل بالقرآن ما لا يحل له، جعل القرآن وسيلة للكسب، وسيلة للدنيا واقتناصها، ومن ذلك كونه يقرأ القرآن ثم يسأل ويشحذ؛ هذا تأكل بالقرآن، ولهذا قال المؤلف: (باب إثم من تأكل بالقرآن) يعني أكل به مالًا بسببه مالا وأخذ به شيئا من اغراض الدنيا .
ذكر حديث جابر: عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَابْتَغُوا بِهِ وَجهَ اللَّهَ ) هذا الإخلاص، يعني: اخلصوا وابتغوا بالقران وجه الله لا الدنيا، فإن ابتغاء الدنيا ينافي الإخلاص، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ) يعني: يقيمون حروفه، يقيمونه إقامةً القدح يعني السهم لا اعوجاج فيها، فلا تجد في قراءتهم خطأً ولا عيب، وإنما هي سليمة من حيث النطق والأداء، وجعلوه مجال اكتسابٍ لمصالح دنياهم، (يَتَعَجَّلُونَهُ) أي: يطلبون به أجر الدنيا. ومن آداب التلاوة؛ إخلاص النية لله تعالى لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة، وهذا في الوعيد على من أكل بالقرآن، (وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ رواه أبو داود، وله معناه من حديث سهل بن سعد).
(وعن عمران: أنه مر برجل يقرأ على قوم فلما فرغ سأله) يعني: يشحذ المال، (فقال عمران إنا لله وإنا إليه راجعون) جعلها مصيبة استرجع، هذا يقرأ القرآن ويشحذ، هذه مصيبة ولهذا استرجع، (إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ ) يعني: يسألون به شيئًا من عرض الدنيا، (رواه أحمد والترمذي).
(المتن)
باب الجفاء عن القرآن.
عن سمرة بن جندب في حديث الرؤيا الطويل مرفوعا قال: أتاني الليلة اثنان فذهبا بي، قالا: انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، فقلت لهما: سبحان الله ما هذا؟ قالا: هذا رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة.
وفي رواية: الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة رواه البخاري.
ولمسلم عن أبي موسى أنه قال لقراء البصرة: اتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.
وعن ابن مسعود قال: إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فاخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استحلت أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
(الشرح)
هذه الترجمة قال المؤلف: (باب الجفاء عن القرآن) الجفاء: البعد، فلان جفا فلان، يعني: أبعد عنه، صار لا يكلمه ولا يصله، بينه وبينه جفوة، يعني: بينهم نفرة وبُعد، (باب الجفاء عن القرآن) جفاء القرآن: هجر القرآن، يعني: النفرة والبعد، والابتعاد عن القرآن.
ذكر حديث سمرة بن جندب في حديث الرؤيا الطويل مرفوعًا وأن النبي ﷺ ذكر لهم الرؤيا التي رآها.
قال: (عن سمرة بن جندب في حديث الرؤيا الطويل مرفوعًا قال: أتاني الليلة اثنان فذهبا بي) ملكان في الرؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي، (قالا: انطلق وإني انطلقت معهما) هذه رؤيا منامية لكن رؤيا الأنبياء وحي، الله تعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه، قال: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات/102-103]، ودرء السكين على حلقه ومنعه الله. قال الله: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات/ 105].
فهذه رؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي، رأى النبي ﷺ في الرؤيا أنه أتاه آتيان فذهبا به، يعني ملكان (قالا: انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فتثلغ رأسه) كسر رأسه. (.....) العظام. (فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان) يعني يروح يأخذ الحجر مرة ثانية فإذا رجع وجد رأسه صحيحا، ثم يعود فيفعل به مثلما فعل في المره الاولي فقلت هاهنا سبحان الله لماهذا (وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه) حَتَّى يزداد العذاب، وتتكرر عليه هذه العملية مدة بقاءه في البرزخ حَتَّى تقوم الساعة، وهذا يضرب رأسه بالحجر فيتدهده فيأخذ الحجر فإذا أخذه ورجع وجد رأسه صحيح، فيضربه مرة ثانية، ثم يعود وهكذا إلى قيام الساعة.
(ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، فقلت: سبحان الله ما هذا؟ قالا: هذا رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، يُفعل به إلى يوم القيامة) وهذا هو الشاهد للترجمة، هذا الجفاء بالقرآن، علمه الله القرآن، فنام عنه في الليل ينام عنه وفي النهار ما يعمل به، أليس هذا من الجفاء؟ هذا جفاءٌ بالقرآن، فالواجب عليه أن يعمل بالقرآن، فالواجب على المسلم أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله ﷺ، فهذا الذي لا يعمل بالقرآن، هذا رجلٌ علمه الله القرآن فنام عنه بالليل؛ وهذا جفاء، ولم يعمل به بالنهار يُفعل به إلى يوم القيامة، تتكرر عليه العملية، هذا عذابه في البرزخ.
الدور ثلاثة:
دار الدنيا التي نحن فيها إلى الموت، إلى أن يموت الشخص.
وإذا مات انتقل إلى دار البرزخ إلى قيام الساعة.
ثم تأتي الدار الآخرة.
الدار البرزخ سميت برزخ؛ لأن البرزخ هو الفاصل مثل قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ [الرحمن/19-20]؛ حاجز. فهذا البرزخ حاجز بين الدار الآخرة ودار الدنيا، هذا الرجل يُعذب في البرزخ إلى يوم القيامة هذا عذابه، هذا رجلٌ علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه في النهار يُفعل به إلى يوم القيامة.
وفي رواية: (الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة) الرفث: والترك، هذا جفاء بالقرآن، هذه عقوبة الجافي بالقرآن، رواه البخاري.
(ولمسلم عن أبي موسى) أبو موسى الأشعري الصحابي الجليل، (أنه قال لقراء البصرة: اتلوه) يعني: القرآن، (ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم) فهذه نصيحة وتوجيه من الصحابي الجليل أبي موسى لقراء البصرة، ماذا يقول لهم؟ ( اتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم) تقسو بأي شيء؟ يعني: إذا تركت القرآن قسا قلبك.
(وعن ابن مسعود قال:إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فاخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استحلته نفوسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم) وهذا جفاء عن بالقرآن، وهذا وعيد الجافي.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
باب من ابتغى الهدى من غير القرآن.
وقول الله : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانا [الزخرف/36]؛ الآيتين.
وقوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل/89]؛ الآية.
وعن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبا بماء يدعى: خمًا، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ مِن رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي.
وفي لفظ: إحداهما كتاب الله، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، مَن تَبِعَهُ كانَ عَلَى الْهُدَى وَمَن تَرَكهُ كانَ عَلَى الضّلالة رواه مسلم.
(الشرح)
هذه الترجمة يقول: المؤلف رحمه الله تعالى: (باب من ابتغى الهدى من غير القرآن) التقدير: أضله الله، هذا جاء في حديث مروي عن علي فيه حديثًا عن علي أن النبي ﷺ قال: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ هذا حديث لكنه ضعيف من جهة الحارث الأعور عن علي .
وفيه: أن مَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فهذه الترجمة أخذها المؤلف من هذا الحديث، (باب من ابتغى الهدى من غير القرآن) التقدير: أضله الله، جواب مَن شرطية تحتاج إلى فعل شرط وجواب، فعلها من ابتغى، وهذا الفعل الأول، تحتاج إلى فعلين:
الفعل الأول: من ابتغى.
الفعل الثاني: محذوف تقديره أضله الله.
(باب من ابتغى الهدى من غير القرآن) أضله الله.
وقول الله : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف/36].
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ يعني: يبتعد عن ذكر الرحمن عن القرآن، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانا هذه عقوبة عاجلة، من ابتغى الهدى من غير القرآن وترك القرآن أضله الله وقيض له شيطانًا: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف/36]؛ يعني: ترك القرآن فعُوض بدله شيطان يطارده، هذه عقوبة عاجلة.
وقوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل/89]؛ إذًا القرآن إذا كان فيه تبيان لكل شيء فإنه يجب العمل به، ويجب الاهتداء به، ولا يُطلب الهداية من غيره، ومن طلب الهداية من غيره أضله الله.
ثم ذكر حديث زيد بن أرقم قال: (قام فينا رسول الله ﷺ خطيبا بماء يدعى: خمًا، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ مِن رَبِّي فَأُجِيبَ) يعني: النبي ﷺ خطب الناس في هذا المكان، حمد الله وأثنى عليه (.....) ثم قال: ( أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ مِن رَبِّي فَأُجِيبَ) يمكن أن يأتيني رسول ربي الموت فأجيب.
(وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي) (.....) يعني ما هما الثقلين؟ الكتاب والسنة، ثم وصى بأهل بيته قال: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي) يعني: احترموهم وقدروهم وأعطوهم حقوقهم، ولا تظلموهم، وأحبوهم، والمراد أهل بيته: أقاربه المؤمنون، يجب احترامهم وتقديرهم فمحبتهم من محبة النبي ﷺ.
(وفي لفظ: إحداهما كتاب الله، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، مَن تَبِعَهُ كانَ عَلَى الْهُدَى وَمَن تَرَكهُ كانَ عَلَى الضّلالة رواه مسلم) وهذا واضح في أن من ابتغي الهدى (.....) من تبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة.
(المتن)
(الشرح)
يقول المؤلف: (وله) يعني: مسلم.
(عن جابر: أن رسول الله ﷺ كان إذا خطب يقول: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) وهذا الحديث فيه أن النبي ﷺ كان يخاطب بكلمة: أما بعد، يأتي بها في خطبه ورسائله، ويُستحسن كتابة "أما بعد".
كان اذا خطب يقول أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
وجه الدلالة: أنه بين أن كتاب الله هو خير الحديث، خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، ومن ابتغى الهدى من غير الحديث فهو ضال، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ ومن عدل عن هدي النبي ﷺ فهو ضال، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا شر الأمور؛ الأمور المحدثة، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ هذا التحذير من البدع، وفيه الحث على لزوم السنة، والعمل بالكتاب.
(المتن)
وعن سعيد بن مالك قال: نزل على رسول الله ﷺ: القرآن فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصته علينا، فأنزل الله : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس/1] الايه ؛ فتلاه عليهم زمانًا، رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.
وله عن المسعودي عن القاسم: أن أصحاب رسول الله ﷺ ملوا ملة فقالوا حدثنا يا رسول الله فنزلت: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً [الزمر/23]، ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد/16]؛ الآية. ورواه عبيد عن بعض التابعين، وفيه: فإن طلبوا الحديث دلهم على القرآن.
(الشرح)
يقول المؤلف رحمه الله: عن سعيد بن مالك قال: نزل على رسول الله ﷺ: القرآن فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصته علينا فأنزل الله : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس/1] الايه؛ فتلاه عليهم زمانًا، رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.
هذا الشاهد للترجمة: وعن سعيد بن مالك قال: (نزل على رسول الله ﷺ: القرآن فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصته علينا فأنزل الله : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس/1]؛ فتلاه عليهم) وذلك أن القرآن فيه الهداية والنور، ولهذا تلاه عليهم، رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.
(وله عن المسعودي عن القاسم: أن أصحاب رسول الله ﷺ ملوا ملة فقالوا حدثنا يا رسول الله) لأنهم بشر، وهذه طبيعة البشر، (فنزلت: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً [الزمر/23]) هذا فيه بيان فضل القرآن وأنه أحسن الحديث.
(ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/16]؛ الآية، ورواه عبيد عن بعض التابعين،قال: وفيه فإن طلبوا الحديث دلهم على القرآن) وهذا كله في بيان فضل القرآن وأن يجب العمل به، وأن من ابتغى الهدى من غيره أضله الله، فالله قال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ سمى القرآن أحسن الحديث.
(ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/16]) قال بعض السلف: استبطأ الله قلوبهم ما بين إسلامنا وبين نزول هذه الآية إلا أربع سنين.
(ورواه عبيد عن بعض التابعين، وفيه: فإن طلبوا الحديث دلهم على القرآن) إذا طلبوا الحديث يدلهم على القرآن: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة/92]. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر/7]، فالحديث يدلهم على القرآن؛ لأن السيرة النبوية والقرآن كلٌ منهما لا ينفك عن الآخر.
(المتن)
وكان معاذ بن جبل يقول في مجلسه كل يوم قلّ ما يخطئه أن يقول ذلك: «الله حكم قِسط، هلك المرتابون، إن وراءكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي، فيوشك أحدهم أن يقول: قد قرأت القرآن فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدعه، فكل بدعة ضلالة، وإياكم وزيغة الحكيم، وإن المنافق قد يقول كلمة الحق، فتلقوا الحق ممن جاء به، فإن على الحق نورًا» الحديث رواه أبو داود.
وروى البيهقي عن عروة بن الزبير: أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستشار الصحابة، فأشاروا عليه بذلك، ثم استخار الله شهرًا ثم قال: إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإني لا أُلبس كتاب الله بشيء أبدًا.
(الشرح)
هذا الأثر مروي عن معاذ بن جبل وهو من العلماء وقال النبي ﷺ: إنه يَسبِقُ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ، يعني مرتبة، وكان لما حضرت الوفاة اشتاق إلى الله وقال: اللهم إنك تعلم أني لا أريد الدنيا إلا من أجل الليالي الطوال في الشتاء أقومها ومن أجل الصيام في الهواجر ومن اجل مزاحمة ركب العلماء في العلم، حتي شاب حتي الموت مات رحمه الله كهلًا أوشابًا وهو ابن أربعين عام، مات بالطاعون عمواس في الشام، لما حضرته الوفاة: قال اللهم إنك تعلم أني لا أريد الدنيا إلا من أجل ثلاث، البقاء في الدنيا ما يريدها من أجل الأموال والشهوات والمناصب، وإنما يريدها من أجل ثلاث: اليالي الطوال ليالي الشتاء حَتَّى يقوم يصلي، قوة وصبر في الطاعة، أما الليالي القصيرة مثل الصيف ما تكفيه، وصيام أيام الصيف، ومزاحمة العلماء في الركب، حضور حلقات الدروس، فضلها عظيم ومن أفضل القربات وأجل الطاعات، هذا تمنى بقاءه في الدنيا حَتَّى يزداد في الخير.
(وكان معاذ بن جبل يقول في مجلسه كل يوم قلّ ما يخطئه أن يقول) يعني كان يقول يوميًا يندر ألا يقول مثل هذا الكلام.
(الله حكمٌ قِسط) قسط عدل، الله تعالى يحكم بالعدل: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات/9].
(هلك المرتابون) الذين يشكون، يشكون في أي شيء؟ في الإيمان، أو يشكون في الجنة أو في النار، هذا شك والشك قد يكون ردة عن الإسلام، إذا شك في الجنة ولما في الجنة والنار وما في النار شك في البعث فيدري البعث وما في البعث؛ هذا ردة عن الإسلام، هذا ارتياب وشك، قال تعالى عن المنفقين: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة/46].
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التوبة/44-45]؛ هؤلاء يستأذنون النبي ﷺ، إذا كان في معركة يستأذنون، لماذا؟ ما عندهم إيمان، ما يريدون ولا صبر. إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التوبة/45]؛ يشكون، المنافقين منهم من عنده ريب وشك، ومنهم من عنده كفر صريح.
(إن وراءكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي) ما أقرب هذا الوصف من زماننا هذا، فتن كثر فيها المال، ألم يكثر المال في هذا الزمن، (ويُفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي) هذا هو الواقع الآن.
(فيوشك أحدهم أن يقول: قد قرأت القرآن فما أظن أن يتبعني حتى ابتدع لهم غيره) يوشك يعني: يقرب، (فما أظن أن يتبعني) كيف؟ يعني: ما أظن أن يتبعوني على القرآن ويعملون به، هذا العمل بالقرآن، يقول: قرأت القرآن فما أظن أحد يتبعني وما أظن أحد يعمل بالقرآن، صعب العمل به؛ لأنه يمنعهم من الشهوات، ويُلزمهم بالأوامر فلا يتبعونه، فبعضهم إنما يتبعوني حَتَّى أبتدع لهم غيره، أبتدع لهم شيء آخر يناسبهم غير القرآن، من القوانين وغيرها.
(فإياكم وما ابتدع، فكل بدعة ضلالة وإياكم وزيغة الحكيم) يعني: ميل الحكيم، يعني: انحرافه الحكيم العالم الذي عنده حكمة قد يزيغ فلا تقبلوا الزيغ، فإذا زاغ بعض أهل العلم وأفتى بفتاوى باطلة فلا يُتبع فيها، أفتى بفتيا مخالفة هذا من الزيغ، من زيغة الحكيم لا يُتبع فيها، معاذ يقول: ان هذه من الفتن التي يكثر فيها المال.
واحذرو زيغة الحكيم وانحرافه.
(وإن المنافق قد يقول كلمة الحق، فتلقوا الحق ممن جاء به، فإن على الحق نورًا) الحديث رواه أبو داود، إذًا معاذ يحذر من الفتن، لأن المنافق قد يقول كلمة الحق فالحق يُقبل ممن جاء به، حَتَّى من الكفار، الرسول ﷺ قبل الحَبر جاء من اليهود قال: «يا محمد إن الله وضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والماء والثرى على ؟إصبع وثائر الخلق على إصبع ثم يهزهن بيده فيقول: أنا الملك».
هذا المنافق قد يقول كلمة الحق فتؤخذ منه، وقد يقول كلمة الحق الشيطان كما في قصة أبي هريرة لما وُكل على الصدقة جاءه رجل يشكو ثلاث مرات، كل مرة يشكو حاله وضعفه وعياله، فكل مره يقول النبي ﷺ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قال: يا رسول الله زعم أنه عنده أولاد ومجاعة، قال: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ وثلاث مرات فعل هذا ثم قال: «دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حَتَّى تصبح، فقال النبي ﷺ: لقَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ يعني مرة صدق، ومن طبيعته الكذب، فهو قبل الحق من الشيطان، قُبل الحق ممن هو أقل، فالحق من كل أحد.
(وروى البيهقي عن عروة بن الزبير: أن عمر أراد أن يكتب السنن) يكتبها في كتاب واسع؛ لان على عهد النبي ما كانت مكتوبة السنن، حَتَّى القرآن كان في الرقاع واللحاء، ثم جمعه أبو بكر، ثم جمعه جمعته الثانيه عمر ، في مكان واحد يعني بين دفتي مصحف، لما كان الوحي ينزل على النبي ﷺ ما هو مجموع في مصحف، كانت الآيات مع بعض الصحابة يحفظونها ومنهم من يكتبها في رقاع، في عُسب النخل، الوحي ينزل ما يدرون متى يتم، فلما توفي النبي ﷺ (.....) جمعوه في دفة واحدة، ثم جمع مره ثانيه في زمن عثمان .
فعمر أراد أن يكتب السنن فاستشار الصحابة فأشاروا عليه أن يكتب، وكان النبي ﷺ في أول الأمر نهى عن كتابة غير القرآن، قال: لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ خشية أن يختلط القرآن بغيره، ولكن هناك من يكتب، كان عبد الله بن عمرو يكتب وقال: اكتب لابي (.....)، ثم بعد ذلك دُونت السنة في زمن عمر بن عبد العزيز .
عمر أراد أن يكتب السنن، فاستشار الصحابة هل أكتب السنن؟ هل في حاجة لكتابتها؟ هل تختلط بالقرآن؟ فأشاروا عليه بذلك، ثم استخار الله شهرًا وترك، ثم قال: (إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها) وهم اليهود والنصارى، (وتركوا كتاب الله الذي انزل، وإني لا أُلبس كتاب الله بشيء أبدًا) عمر أراد أن يكتب السنن ثم استخار ثم ترك لأنه تذكر أن قومًا من أهل الكتاب فيمن قبلنا كتبوا كتبًا وأقبلوا عليها وتركوا كتاب الله المنزل التوراة والانجيل.
(وإني لا أُلبس كتاب الله بشيء أبدًا) وأني إذا كتبت السنن التبست بالقرآن، والنبي ﷺ نهى عن ذلك أولًا ثم أذن، قال:اكتب لابي (.....).
وجه الدلالة من كلام معاذ: أن عمر ترك كتابة السنن وقال: (وإني لا أُلبس كتاب الله بشيء أبدًا) اكتفاءً بالقرآن ليؤخذ الهدى منه، فإن الهدى مأخوذٌ من القرآن، ومن ابتغى الهدى من غير القرآن أضله الله.
كذلك أيضًا نهي معاوية عن البدع وعن الإحداث في الدين، قال: (إياكم والمبتدع، وإياكم وزيغة الحكيم) كل هذا واضح في الترجمة وأنه يجب الاهتداء بالقرآن، الاهتداء بهديه والاتعاظ بمواعظه، والعمل بمحكمه والامور المتشابه وأن من ابتغى الهدى من غير القرآن فهو ضال، نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.