شعار الموقع

شرح تفسير السعدي ( جزء عمَّ - 1 - سورة النبأ)

00:00
00:00
تحميل
401

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فنحمد لله وثني عليه الخير كله ونسأله المزيد من فضله والآن نبدأ في تفسير الشيخ العلامة ابن السعدي رحمه الله.

متن:

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة النبأ مكية وآياتها أربعون أو واحد وأربعون.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ۝ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ۝ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ۝ كَلا سَيَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ

عَمّ عَنْ أَيّ شَيْء يَتَسَاءَلُونَ يَسْأَل بَعْض قريش بعضا عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم بَيَان لِذَلِكَ الشَّيْء.عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ۝ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ أي: عن الخبر العظيم الذي طال فيه نزاعهم، وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد، وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ولا يدخله الريب. ولكن المكذبون بلقاء ربهم لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.

ولهذا قال: كَلا سَيَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعًا، ويقال لهم: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ.

شرح:

هذه السورة سورة النبأ والنبأ هو الخبر والسور تسمى بما ورد فيها من بعض الجمل أو القصص سورة البقرة تسمى سورة البقرة، سورة آل عمران سورة النساء لما ذكر فيها قصة البقرة وآل عمران ولما ذكر فيها قصة آل عمران والنساء كذلك وكانت هذه السورة تسمى سورة النبأ لأنه ذكر في أولها النبأ للسؤال عن النبأ.

افتتحها الله تعالى بقوله عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عن: حرف جر، ما: اسم استفهام، والمعنى عن أي شيء يتسألون والخطاب للكفار فقال عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ۝ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ وهو لقاء الله تعالى والبعث والحساب والجزاء والجنة والنار هذا هو النبأ العظيم الذي اختلفوا فيه ويتسألون عنه وطال نزاعهم وخصامهم وجدالهم وتكذيبهم للنبي ﷺ وإنكارهم واستبعادهم، هذا هو النبأ العظيم وهو لقاء الله حين يبعثون ويحاسبون ويجازون ويحصل ما وعد الله به من الحساب والحشر والنشر ووزن الأعمال والورود على الحوض ثم المرور على الصراط ثم الاستقرار في الجنة أو النار.

هذا هو النبأ العظيم الذي طال اختلافهم كثر اختلافهم واستبعادهم له وشكوا فيه وكذبوا به ففتنوا بذلك الكفار من أنكر البعث فهو كافر بإجماع المسلمين فأمر الله تعالى نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ وقال في سورة يونس وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس: 53] وقال الله تعالى في سورة سبأ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ: 3] حرض الله نبيه أن يقسم لشدة تكذيبهم وعنادهم واستبعادهم.

ثم توعدهم فقال كَلا سَيَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ سوف يعلمون حينما يبعثون، سوف يعلمون ما يحصل لهم وما يصيبهم من الأهوال العظيمة والشدائد ثم الخلود في النار والاستمرار فيها والعياذ بالله إن ماتوا على ذلك هذا وعيد كَلا سَيَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ نعم.

متن:
قال رحمه الله تعالى:

ثم بين تعالى النعم والأدلة الدالة على صدق ما أخبرت به الرسل فقال: أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا ۝ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ۝ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ۝ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ۝ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ۝ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ۝ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ۝ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ۝ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ۝ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ۝ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا
أي: أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم الأرْضَ مِهَادًا أي: ممهدة مهيأة لكم ولمصالحكم، من الحروث والمساكن والسبل.
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد.
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا أي: ذكورا وإناثا من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، وفي ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا أي: راحة لكم، وقطعا لأشغالكم، التي متى تمادت بكم أضرت بأبدانكم، فجعل الله الليل والنوم يغشى الناس لتنقطع حركاتهم الضارة، وتحصل راحتهم النافعة.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا أي: سبع سموات، في غاية القوة، والصلابة والشدة، وقد أمسكها الله بقدرته، وجعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، ولهذا ذكر من منافعها الشمس فقال: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا نبه بالسراج على النعمة بنورها، الذي صار كالضرورة للخلق، وبالوهاج الذي فيه الحرارة على حرارتها وما فيها من المصالح .
وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ أي: السحاب مَاءً ثَجَّاجًا أي: كثيرا جدا.
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا من بر وشعير وذرة وأرز، وغير ذلك مما يأكله الآدميون. وَنَبَاتًا يشمل سائر النبات، الذي جعله الله قوتا لمواشيهم.
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا أي: بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة.

شرح:

قال رحمه الله تعالى: أي عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟ ثم بين ما يتساءلون عنه فقال: هذه النعم عددها الله على عباده وهي دالة صدق ما أخبرت به الرسل وهي دليل لمن عنده عقل على عظم نعم المنعم بأنه مستحق العبادة فالخالق لهذه الأشياء والممتن بهذه الأشياء هو المستحق للعبادة هو الذي يجب تصديق خبره وخبر رسوله وتنفيذ أمره وأمر رسوله هذه النعم عددها ليبين لهم أنه وأنه منعم وأنه الخالق وأنه المتفضل وأنه مستحق للعبادة وحده دونما سواه، وهذه النعم يقر بها كل أحد ويراها كل أحد ولهذا قال أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا أَلَمْ استفهام للتقرير تقرير تقرون بهذا ولا تنكرونه، أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا مهدها الله ليستقر عليها الخلق يسيرون يستقرون عليها ويبنون ويحرثون ويزرعون ويحفرون ويسافرون وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا أرساها الله جعل الجبال ترسي الأرض وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ذكر وأنثى وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا النوم الذي يستعيد به الإنسان نشاطه وقوته يغشى الإنسان فتنقطع حركته ويذكر بالموت الموتة الصغرى ثم يعيد الله اليه روحه مرة أخرى فيكون النوم في الليل كالوفاة واليقظة بالنهار كالحياة كما قال وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [الأنعام: 60] فسمى النوم بالليل وفاة واليقظة حياة يستعيد الإنسان المسلم ويستعيد الناس حياتهم الجديدة كأنها حياة جديدة، كل يوم كأنه حياة جديدة فهذا من نعمه على عباده ، جعل النوم سباتًا أي راحة وقطعًا للأشغال وجعل الليل لباسًا يعني يغشى الإنسان ويلبسه ويغطيه فتنقطع الحركات وتحصل الراحة وجعل النهار معاشًا مبصر كما قال فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12] حتى ينتشر الناس في معايشهم وأعمالهم وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وهي السموات السبع وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا وهي الشمس وهاجة في حرارة نور وحرارة بخلاف القمر فإنه نور بلا حرارة وهذا فيه مصالح وهذا فيه مصالح وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ۝ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا جميع أنواع الحبوب وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ملتفة من جميع الأصناف ملتفة متداخلة أصنافها.

هذه نعم الله الذي يعددها على عباده ويستدل بها على أنه المنعم والمتفضل وأنه مستحق العبادة وحده ، نعم.

متن:

قال رحمه الله:

فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف تكفرون به وتكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟ "

شرح:

هذه نعم أستدل بها سبحانه على أنه المستحق للعبادة وحده وأنه المنعم والمتفضل وكيف يقابل هؤلاء المكذبون كما يقال لهؤلاء المكذبون نعم الله بالتكذيب والكفر، نعم.

متن:

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ۝ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ۝ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ۝ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ۝ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ۝ لِلطَّاغِينَ مَآبًا ۝ لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ۝ لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا ۝ إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ۝ جَزَاءً وِفَاقًا ۝ إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا ۝ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ۝ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ۝ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا.
ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، ويجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، وأن الله جعله مِيقَاتًا للخلق.
يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد، وتنزعج له القلوب، فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، وتشقق السماء حتى تكون أبوابا، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور، وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآبا، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة والحقب على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.
وهم إذا وردوها لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا أي: لا ما يبرد جلودهم، ولا ما يدفع ظمأهم.
إِلا حَمِيمًا أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، وَغَسَّاقًا وهو: صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، وكراهة المذاق، وإنما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم، ولهذا ذكر أعمالهم، التي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا أن الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا أي: كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا وجاءتهم البينات فعاندوها.
وَكُلَّ شَيْءٍ من قليل وكثير، وخير وشر أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا أي: كتبناه في اللوح المحفوظ، فلا يخشى المجرمون أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.
فَذُوقُوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا وكل وقت وحين يزداد عذابهم، وهذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار أجارنا الله منها

شرح:

نعم. هذه الآيات والكلمات فيها إثبات البعث والجزاء والحساب والجنة والنار وفيها الوعيد الشديد للمكذبين قال إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ وهو يوم القيامة.

وسمي الفصل لأن الله يفصل فيه بين الخلائق ويجازي كل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، يفصل بين الخلائق ويظهر الحق تظهر الحقائق ويزول البهرج الذي كان في الدنيا إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا وقت محدد لا يتقدم ولا يتأخر قال يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف: 187] وقت ومحدد وقال قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: 58].

لكن هذا له وقت محدد، وهذا اليوم ينفخ في الصور، والصور قرن عظيم (.....) يلتقمه إسرافيل فيأمر الله فينفخ فيه نفختين (.....) النفخة الأولى هي للصعق أولها صعق وآخرها موت، أولها فزع ثم صعق وموت كما قال سبحانه في سورة النمل وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف: 99] وفي سورة الزمر وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر: 68].

فهي نفخة واحده أولها فزع وآخرها صعق وموت يطولها بها إسرافيل كما جاء في الحديث أنه إذا نفخ يكون الصوت أول ما يسمع الناس كل من سمعه يصغي (.....) يلتفت يمين وشمال يتسمع الصوت فلا يزال الصوت يقوى يقوى حتى يموت الناس، هل سمعتم صفارة الإنذار إذا سمعها الناس انزعجوا فلو كان صوت صفارة الإنذار زاد صوتها الضعف ماذا يحصل للناس؟ ولو زاد الضعف ثلاث مرات أو أربعة ولو زاد مائة مرة ماذا يحصل؟ يموت الناس يصعق الإنسان ويموت.

ثم يمكث الناس بعد موتهم، يموت في هذا الصعقة كل مخلوق شاء الله إلا ما كتب الله له البقاء كالأرواح لأنها لا تموت تبقى وكذلك الولدان في الجنة والحور ومن كتب الله له البقاء، ثم يمكث الناس أربعين فينزل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس ينشأ الناس تنشئة قوية الذوات هي هي لكن الأجساد تختلف فإذا تكامل خلقهم أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور النفخة الثانية فتطايرت الأرواح وجاءت كل روح ودخلت في جسدها الروح باقية في نعيمها وفي عذابها روح المؤمن إذا خرجت تنقل إلى الجنة (.....) بالجسد وروح الكافر إذا خرجت تنقل الجسد إلى النار ولها صله بالجسد تنعم بمفردها ومتصلة بالجسد، روح الكافر تعذب مفرده ومتصلة بالجسد هذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة (.....).

المعتزلة قالوا: النعيم والعذاب للروح فقط، بل لهما، لكن الأحكام على الروح أغلب في دار البرزح كما أن الأحكام في دار الدنيا على الجسد أغلب، فإذا دخلت الروح الجسد قام الناس كل واحد يقوم ينفض التراب عن رأسه حفاتًا لا نعل لهم عراة لا ثياب عليهم غرلًا لا مختونين.

قال بعض العلماء: إن النفخات ثلاث الأولى نفخة الفزع كما في سورة النمل، والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث، هذا جاء في حديث ضعيف برواية إسماعيل بن رافع وهو ضعيف عند أهل العلم والصواب أنها نفختان الأولى فزع أولها فزع وآخرها صعق وموت يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا جماعات يجري على (.....) الله به عليم على حسب الأعمال.

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا وانشقت السماء حتى تكون وردة كدهان فهناك في الآية الأخرى وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا تشققت.

وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا كالسراب كالعهن كالصوف المنفوش.

ثم قال سبحانه إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا معدة ومهيأة لمن؟ للطاغين الذين طغوا وتجاوزوا الحد في كفرهم وعنادهم.

لِلطَّاغِينَ مَآبًا والعصاة كذلك يدخل النار جملة من عصاة الموحدين لكنهم لا يخلدون بل لابد من خروجهم إما بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.

لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا مددًا طويله كلما انتهى حقب يتبعه حقب.

ذكر الشيخ رحمه الله أن الحقب هو (.....) قال كثير من المفسرين أنه ثمانون سنه وإذا انتهى يعقبه حقب إلى ما لا نهاية أحقاب متتالية ما تنتهي أبد الآباد، نسأل الله الثبات والعافية.

لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا يعني لا يذقون شيء يبرد جلودهم ولا شراب يخفف عنهم.

إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ماء حار قد اشتد غليانه وبلغ الغاية، في الحديث النبوي إذا (.....) وجههم سقط لحمهم والعياذ بالله، والسقاء ماء خبيث من صديد أهل النار وقيح نسأل الله العافية.

ثم بين السبب في ذلك السبب في هذا العذاب قال جَزَاءً وِفَاقًا جزاء موافق للعمل الجزاء من جنس العمل أعمالهم خبيثة فهذا هو جزاءهم، والمؤمنون أعمالهم طيبة فجزاهم الله بالعاقبة الحميدة يتمتعون برضوان الله وجنته، نسأل الله أن يقربنا منها.

فقال سبحانه إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا لم يؤمنوا بالبعث فلهذا صارت أعمالهم خبيثة.

وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا كذبوا بالآيات الدالة على صدق النبي ﷺوالدال على البعث كذبوا بها.

قال سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا يعني كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ فلا يخشون من الظلم ولا يخشون من الحيد، والحفظة والكتبة يكتبون ما يوافق ما في اللوح المحفوظ.

قال سبحانه فَذُوقُوا يقال لهم تقريعًا وتوبيخًا لزيادة العذاب ذوقوا، ذوقوا حرها ذوقوا الألم بسبب أعمالكم الخبيثة فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا. كما قال في الآية الأخرى إنه يقال للكافر إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ۝ طَعَامُ الْأَثِيمِ ۝ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ۝ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ۝ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ۝ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ۝ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 43 - 49] هذا أمر توبيخ والإهانه والزياده في العذاب، ولهذا قال: ذُقْ الألم وقاسي حره، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ في الدنيا والآن هذا مصيرك بسبب أعمالك الخبيثة، نعم.

متن:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ۝ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ۝ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ۝ وَكَأْسًا دِهَاقًا ۝ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ۝ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا.
لما ذكر حال المجرمين ذكر مآل المتقين فقال: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا أي: الذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، والانكفاف عما يكرهه فلهم مفاز ومنجي، وبعد عن النار. وفي ذلك المفاز لهم حَدَائِقَ وهي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية، في الثمار التي تتفجر بين خلالها الأنهار، وخص الأعناب لشرفها وكثرتها في تلك الحدائق.
ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس كَوَاعِبَ وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن.
والأتْرَاب اللاتي على سن واحد متقارب، ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات متعاشرات، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة، في أعدل سن الشباب.
وَكَأْسًا دِهَاقًا أي: مملوءة من رحيق، لذة للشاربين، لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا أي: كلاما لا فائدة فيه وَلا كِذَّابًا أي: إثما.
كما قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا وإنما أعطاهم الله هذا الثواب الجزيل من فضله وإحسانه.

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ لهم عَطَاءً حِسَابًا أي: بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها، وجعلها ثمنا لجنته ونعيمها.
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ۝ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ۝ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ۝ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا.
أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الذي خلقها ودبرها الرَّحْمَنِ الذي رحمته وسعت كل شيء، فرباهم ورحمهم، ولطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا.
ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة، وأن جميع الخلق كلهم ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون و لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا
، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن الله له في الكلام، وأن يكون ما تكلم به صوابا، لأن ذَلِكَ الْيَوْمُ هو الْحَقُّ الذي لا يروج فيه الباطل، ولا ينفع فيه الكذب.

وفي ذلك اليوم يَقُومُ الرُّوحُ وهو جبريل ، الذي هو أشرف الملائكة وَالْمَلائِكَةُ أيضا يقوم الجميع صَفًّا خاضعين لله لا يَتَكَلَّمُونَ إلا بما أذن لهم الله به.
فلما رغب ورهب، وبشر وأنذر، قال: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا أي: عملا وقدم صدق يرجع إليه يوم القيامة.
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا لأنه قد أزف مقبلا وكل ما هو آت فهو قريب.
يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ أي: هذا الذي يهمه ويفزع إليه، فلينظر في هذه الدنيا إليه، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ... الآيات.
فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.
نسأل الله أن يعافينا من الكفر والشر كله، إنه جواد كريم.
تم تفسير سورة عم، والحمد لله رب العالمين

شرح:

هذه الآيات في جزاء المؤمنين وثوابهم بعد أن ذكر جزاء الكافرين والله يذكر آيات التي فيها صفات الكفار وأعمالهم وجزائهم ثم يذكر بعدها آيات في صفات المؤمنين وجزائهم وأعمالهم وبالعكس إذا ذكر صفات المؤمنين وأعمالهم ذكر بعده صفات الكافرين وأعمالهم ليجمع المؤمن بين الخوف والرجاء حتى يسير إلى الله بين الخوف والرجاء يخاف ولا استقامة للعبد في دينه إلا بالخوف والرجاء كما قال عن عباده المؤمنين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة: 16] ولما ذكر الأنبياء الكرام ذكر موسى وهارون وإبراهيم ويعقوب وإسحاق ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وذا النون وذا الكفل وإسماعيل قال بعد ذلك: إنهم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء: 90] رغبًا: هذا الرجاء، رهبًا: هذا الخوف، قال سبحانه أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء: 57] ولهذا قال العلماء: ينبغي للمسلم أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استقام جناحاه استقام طيرانه وإذا سقط أحد جناحيه وسقط فهو في عداد الموت كذلك الإنسان يستقيم سيره إلى الله بالخوف والرجاء.

قال بعض العلماء: ينبغي الأولى أن يغلب جانب الخوف في حالة الصحة حتى يحدو به إلى العمل وعند الموت يغلب جانب الرجاء حتى لا يحسن الظن بالله .

فالإنسان يخاف من ذنوبه ومعاصيه لكن هذا الخوف لا يصل به إلى اليأس وسوء الظن بالله لأنه يمنعه الرجاء من الوصول إلى سوء الظن وكذلك الرجاء يرجوا ما عند الله ويؤمل ما عنده الخير لكن لا يحمله هذا الرجاء على الاسترسال في المعاصي لأنه يمنعه الخوف، فلولا الخوف لكان الرجاء يحمله على الاسترسال في المعاصي وعدم المبالاة، وكذلك الخوف لولا الرجاء لكان الخوف يوصله إلى اليأس وسوء الظن بالله والتشاؤم والقنوط لكنه يسير إلى الله بالخوف والرجاء.

قال : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا المتقين الذين اتقوا الله، اتقوا عذابه واتقوا الشرك والمعاصي واستقاموا على طاعة الله ففازوا فوز يفوزون برضوان الله وجنته وكرامته.

حَدَائِقَ هذا من الفوز الحدائق في الجنة حدائق وبساتين.

وَأَعْنَابًا خصها لشرف العنب.

وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا النساء الكواعب الصغيرات السن والكواعب النواهد التي لم تنكسر شبابهن.

وَكَأْسًا دِهَاقًا كأسًا مملؤة من الخمر ومن غيرها.

لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا لا يسمعون في الجنة لغو وهو الباطل من القول وَلا كِذَّابًا ولا تكذيب بل لا يسمعون إلا كلامًا طيبًا كما قال في آية الواقعة لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ۝ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا. فلا يسمعون فيها إثمًا.

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا لأن هذا الجزاء من الله أثابهم الله وأعطاهم هذا الخير العظيم بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها وجعلها ثمن لجنته، هذا الذي أعطاهم هو الرب العظيم رب السماوات والأرض الذي خلقهما ووجدهما وما بينهما وهو الرحمن الرحيم، لا يملك العباد منه خطابًا يوم القيامة إلا بشرطين الإ من أذن له الرحمن وقال صوابًا يتكلم الحق بهاذين الشرطين يأذن الله يكون ما تكلم به صواب، ولهذا الأنبياء هم أشرف الناس لا يشفعون لأحد إلا بإذنه والنبي ﷺ وهو أشرف الخلق لا يشفع إلا بعد إذنه ولا يشفع إلا فيمن رضي الله له قوله وعمله وهو الموحد.

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ وهو يوم القيامة الذي لا ينفع فيه الباطل ولا ينفع فيه الكذب.

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا من شاء اتخذ عند ربه سلمًا يوصله إلى كرامته وهو العمل الصالح.

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ جبريل خصه بالذكر لإشارة إلى الملائكة، قال بعض العلماء: إن منزلته من الله كمنزلة الحاجب من الملك وأشرف الملائكة وموكل بالوحي عليه الصلاة والسلام (.....) فيه حياة القلوب، وكذلك ميكائيل أيضًا من أشرف الملائكة وهو موكل بالقطر الذي فيه حياة الأبدان وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الأرواح إلى أجسادهم، فهؤلاء الملائكة الثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل هم أشرف الملائكة هم رؤسائهم لأنهم موكلون كل واحد موكل فيما فيه الحياة جبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة الأرواح والقلوب وميكائيل موكل بالمطر بالقطر الذي فيه حياة الأبدان والناس والبهائم وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور التي هي إعادة الأرواح إلى أجسادها.

ولما كان هؤلاء الثلاثة بهذه المثابة توسل النبي ﷺ في الحديث الصحيح في حديث الاستفتاح الذي رواه الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها توسل بربوبية الله لهؤلاء الملائكة الثلاثة ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل يتهجد يستفتح بهذا الاستفتاح اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا لا أحد يتكلم إلا بهاذين الشرطين، والله تعالى لا يملك منه أحد خطابًا إلا بهذا الإذن.

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ وهو يوم القيامة. فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا.

ثم قال إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا لأنه متحقق الوقوع وكل آت قريب.

يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ يوم القيامة كل يرى عمله كل يعطى كتابه بيمنه أو بشماله.

وَيَقُولُ الْكَافِرُ إذا تحقق هلاكه وخسارته يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا وذلك أن البهائم تبعث ويقتص بعضها من بعض ثم يقول الله لها كوني ترابًا فعند ذلك يقول الكافر يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا لكن لا ينفع هذا التمني لأن البهائم ليس لها عقول وليست مكلفة أما ابن آدم والجن مكلفون أعطاهم الله العقول وكلفهم وأرسل إليهم الرسل فمن لم يجب دعوة الرسل ومن لم يؤمن بالله ورسوله فليس له إلا النار والعياذ بالله نسأل الله السلامة والعافية.

قال الشيخ جلال الدين المحلي رحمه الله تعالى:

متن:

تفسير سورة النبأ مكية وآياتها أربعون أو واحد أربعون

بسم الله الرحمن الرحيم

عَمّ عَنْ أَيّ شَيْء يَتَسَاءَلُونَ يَسْأَل بَعْض قريش بعضا

عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم بَيَان لِذَلِكَ الشَّيْء وَالِاسْتِفْهَام لِتَفْخِيمِهِ وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن الْمُشْتَمِل عَلَى البعث وغيره

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ فَالْمُؤْمِنُونَ يُثْبِتُونَهُ وَالْكَافِرُونَ ينكرونه

شرح:

التفسير مختصر فيه كلمات جمل قصيرة لكن لها مغزى فلا نطيل فيه.

كما سبق في التفسير الأول عَمّ للاستفهام عن أي شيء عن ما للاستفهام يَتَسَاءَلُونَ أي يسأل بعضهم بعضًا قريش.

عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم الخبر العظيم وهو البعث وكذلك التصديق بالقرآن الذي اشتمل على البعث.

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ذكر هنا أن الاختلاف بين المؤمنين وبين الكفار فالمؤمنون يؤمنون به والكفار يكذبون به أو كما سبق في تفسير الأول أو الاختلاف بين الكفار أنفسهم بينهم اختلاف ونزاع وشقاق.

متن:

قال رحمه الله:

كَلَّا رَدْع سَيَعْلَمُونَ مَا يَحِلّ بِهِمْ عَلَى إنكارهم له

ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ تَأْكِيد وَجِيءَ فِيهِ بِثُمَّ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْوَعِيد الثَّانِي أَشَدّ مِنْ الْأَوَّل ثُمَّ أَوْمَأَ تَعَالَى إِلَى الْقُدْرَة عَلَى الْبَعْث فقال

شرح:

قال كَلَّا ردع وزجر أي توبيخ سَيَعْلَمُونَ تهديد ما يحل بهم.

ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يعني زيادة في الوعيد، نعم.

متن:

أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض مِهَادًا فِرَاشًا كَالْمَهْدِ

وَالْجِبَال أَوْتَادًا تَثْبُت بِهَا الْأَرْض كَمَا تَثْبُت الْخِيَام بِالْأَوْتَادِ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ

وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا

وَجَعَلْنَا نَوْمكُمْ سُبَاتًا رَاحَة لِأَبْدَانِكُمْ

وَجَعَلْنَا اللَّيْل لِبَاسًا سَاتِرًا بِسَوَادِهِ

وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشًا وَقْتًا لِلْمَعَايِشِ

وَبَنَيْنَا فَوْقكُمْ سَبْعًا سَبْع سَمَاوَات شِدَادًا جَمْع شَدِيدَة أَيْ قَوِيَّة مُحْكَمَة لَا يُؤَثِّر فِيهَا مرور الزمان

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا مُنِيرًا وَهَّاجًا وَقَّادًا يَعْنِي الشَّمْس

وَأَنْزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَات السَّحَابَات الَّتِي حَانَ لَهَا أَنْ تُمْطِر كَالْمُعْصِرِ الْجَارِيَة الَّتِي دَنَتْ مِنْ الْحَيْض {مَاء ثَجَّاجًا} صَبَّابًا

لِنُخْرِج بِهِ حَبًّا كَالْحِنْطَةِ وَنَبَاتًا كَالتِّينِ

وَجَنَّات بَسَاتِين أَلْفَافًا مُلْتَفَّة جَمْع لَفِيف كَشَرِيفِ وَأَشْرَاف

شرح:

كما سبق أن الاستفهام للتقرير على أن الأرض مهادًا، فهذا استفهام للتقرير مهادًا يعني ممهده كالمهد.

وَأَنْزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَات المعصرات هي السحاب، قال المؤلفون: سميت معصرات لأنها حان أن تمطر كالجارية تسمى المعصرة التي دنت من الحيض، الجارية البكر الشابة تسمى المعصرة لأنها دنت من الحيض، هذا فيه تقارب في المعنى، نعم.

متن:

إِنَّ يَوْم الْفَصْل بَيْن الْخَلَائِق كَانَ مِيقَاتًا وَقْتًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب

شرح:

يعني مؤقت الثواب للمؤمنين والعقاب للكافرين، محدد لا يتقدم ولا يتأخر، ونعم.

متن:

يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور الْقَرْن بَدَل مِنْ يَوْم الْفَصْل أَوْ بَيَان لَهُ وَالنَّافِخ إِسْرَافِيل

شرح: القرن الذي يلتقمه إسرافيل وهو القرن العظيم أعظم من (.....) السماوات والأرض لا يعلمه إلا الله وإسرافيل ملك عظيم وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، فهذا القرن يلتقمه إسرافيل وينفخ وتتطاير الأرواح إلى أجسادها نعم.

متن:

فَتَأْتُونَ مِنْ قُبُوركُمْ إِلَى الْمَوْقِف أَفْوَاجًا جَمَاعَات مختلفة

وَفُتِحَتْ السَّمَاء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف شُقِّقَتْ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَة.

شرح:

كان فيه قراءة {فتَّحت السماء} .

وَفُتِحَتْ السَّمَاء من شدة الهول من أهوال يوم القيامة تفتح السموات وينفخ في الصور وتأتي الأفواج جماعات إلى المحشر يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلًا مسرعين إلى الداع مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِإلى أرض المحشر، نعم.

متن:

فَكَانَتْ أَبْوَابًا ذَات أَبْوَاب.

وَسُيِّرَتْ الْجِبَال ذُهِبَ بِهَا عَنْ أَمَاكِنهَا فَكَانَتْ سَرَابًا هَبَاء أَيْ مِثْله فِي خِفَّة سَيْرهَا

شرح:

مع أنها ثقيلة عظيمة من يستطيع أن يزحزح الجبال ومع ذلك من شدة الهول تصير هباء الأمر شديد، نعم.

متن:

إِنَّ جَهَنَّم كَانَتْ مِرْصَادًا رَاصِدَة أَوْ مُرْصَدَة

لِلطَّاغِينَ الْكَافِرِينَ فَلَا يَتَجَاوَزُونَهَا مَآبًا مَرْجِعًا لَهُمْ فيدخلونها

لَابِثِينَ حَال مُقَدَّرَة أَيْ مُقَدَّرًا لُبْثهمْ فِيهَا أَحْقَابًا دُهُورًا لَا نِهَايَة لَهَا جَمْع حُقْب بضم أوله.

شرح:

هكذا حال الكفرة الله تعالى أعد لهم جهنم، للطاغين لا يتجاوزنها مرجعًا لهم يدخلونها ويستقرون فيها ويلبثون فيها مدد متطاولة لا نهاية لها نسأل الله السلامة والعافية.

أَحْقَابًا كل ما مضى حقب تبعه حقب قال سبحانه يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة: 37] وقال سبحانه كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 167] وقال سبحانه كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً هكذا الكفرة نسأل الله السلامة والعافية، مستمرون أبد الآباد ودهر الداهرين في العذاب.

كما أن المؤمنين كذلك مؤبدون في الجنة مستمرون فلا تنتهي الجنة ولا تفنى وكذلك النار خلافًا لأعداء الله الكفرة الجهمية الذين يقولون: إن الجنة والنار تفنى نسأل الله السلامة والعافية، نعم.

متن:

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا نَوْمًا فَإِنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَهُ وَلَا شَرَابًا مَا يُشْرَب تَلَذُّذًا

شرح:

خص البرد بالنوم، النوم وغيره والراحة.

متن:

إِلَّا لَكِنْ حَمِيمًا مَاء حَارًّا غَايَة الْحَرَارَة وَغَسَّاقاً بالتخفيف والتشديد ما يسيل عن صَدِيد أَهْل النَّار فَإِنَّهُمْ يَذُوقُونَهُ جُوزُوا بِذَلِكَ

شرح:

أعوذ بالله نسأل الله العافية لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا، إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً استفهام منقطع يفسره بلكن لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا، لكن يذوقون العكس يذوقون الحميم والغساق فـ إِلاَّ هنا استفهام منقطع لأن ما بعد الاستثناء يخالف ما قبله، أما إذا كان واف فهذا استثناء متصل نسأل الله العافية.

متن:

جَزَاء وِفَاقًا مُوَافِقًا لِعَمَلِهِمْ فَلَا ذَنْب أَعْظَم مِنْ الْكُفْر وَلَا عَذَاب أَعْظَم مِنْ النَّار.

شرح:

صحيح لا ذنب أعظم من الكفر، نسأل الله العافية، ولا عذاب أعظم من النار، نعم.

متن:

إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ يَخَافُونَ حِسَابًا لِإِنْكَارِهِمْ البعث

وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الْقُرْآن كِذَّابًا تَكْذِيبًا

وَكُلّ شَيْء مِنْ الْأَعْمَال أَحْصَيْنَاهُ ضَبَطْنَاهُ كِتَابًا كَتْبًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لِنُجَازِيَ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ تَكْذِيبهمْ بِالْقُرْآنِ.

فَذُوقُوا أَيْ فَيُقَال لَهُمْ فِي الْآخِرَة عِنْد وُقُوع الْعَذَاب ذُوقُوا جَزَاءَكُمْ فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عَذَابًا فَوْق عَذَابكُمْ.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا مَكَان فَوْز فِي الْجَنَّة.

حَدَائِق بَسَاتِين بَدَل مِنْ مَفَازًا أَوْ بَيَان لَهُ وَأَعْنَابًا عَطْف عَلَى مَفَازًا

وَكَوَاعِب جَوَارِي تَكَعَّبَتْ ثُدِيّهنَّ جَمْع كَاعِب أَتْرَابًا عَلَى سِنّ وَاحِد جَمْع تِرْب بِكَسْرِ التَّاء وسكون الراء.

وَكَأْسًا دِهَاقًا خَمْرًا مَالِئَة مَحَالّهَا وَفِي سُورَة الْقِتَال وَأَنْهَار مِنْ خَمْر.

شرح:

هذا تفصيل بينه الله تعالى بأن للمتقين مفازًا لهم الفوز العظيم، هذا الفوز فسره، ما هو هذا الفوز؟ حدائق وبساتين وَأَعْنَابًا خصها لشرفها وَكَوَاعِب نساء، وَكَأْسًا شراب لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا هذا هو الفوز، فالله تعالى أخبر أن المتقين لهم الفوز فسر هذا الفوز ما هو هذا الفوز هذا الفوز بساتين وحدائق ونساء وشراب وكلام طيب، نسأل الله أن يعطينا من فضله، نعم.

متن:

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا أَيْ الْجَنَّة عِنْد شُرْب الْخَمْر وَغَيْرهَا مِنْ الْأَحْوَال لَغْوًا بَاطِلًا مِنْ الْقَوْل وَلَا كِذَّابًا بِالتَّخْفِيفِ أَيْ كَذِبًا وَبِالتَّشْدِيدِ أَيْ تَكْذِيبًا مِنْ وَاحِد لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا يَقَع فِي الدُّنْيَا عِنْد شُرْب الْخَمْر.

شرح:

نعم لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا وَلَا كِذَّابًا بالتخفيف أي كذبًا وبالتشديد كِذَّابًا تكذيب، قراءة حفص كِذَّابًا، يعني لا يسمعون كذبًا ولا تكذيبًا من واحد لغيره لا يكذب بعضهم بعضًا لا يسمعون الكذب ولا يسمعون تكذيب أحد لأحد، نسأل الله أن يعطينا من فضله هذا من تمام النعمة وتمام الفوز نعم.

متن:

جَزَاء مِنْ رَبّك أَيْ جَزَاهُمْ اللَّه بِذَلِكَ جَزَاء عَطَاء بَدَل مِنْ جَزَاء حِسَابًا أَيْ كَثِيرًا مِنْ قَوْلهمْ أَعْطَانِي فَأَحْسَبنِي أَيْ أَكْثَر عَلَيَّ حَتَّى قُلْت حَسْبِي.

رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْجَرِّ وَالرَّفْع.

شرح:

يعني حسابًا كثيرًا من قولهم: أعطى أكثر علي حتى قلت: حسبي حتى قلت يكفيني، نعم.

متن:

رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْجَرِّ وَالرَّفْع وَمَا بَيْنهمَا الرَّحْمَن كَذَلِكَ وَبِرَفْعِهِ مَعَ جَرّ رَبّ لَا يَمْلِكُونَ أَيْ الْخَلْق مِنْهُ تَعَالَى خِطَابًا أَيْ لَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يُخَاطِبهُ خَوْفًا مِنْهُ.

شرح:

نعم لعظمته سبحانه غير المخلوق فإنه يخاطب مهما كان، نعم.

متن:

يَوْم ظَرْف لـ لَا يَمْلِكُونَ، يَقُوم الرُّوح جِبْرِيل أَوْ جُنْد اللَّه وَالْمَلَائِكَة صَفًّا حَال أَيْ مُصْطَفِّينَ لَا يَتَكَلَّمُونَ أَيْ الْخَلْق إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن فِي الْكَلَام وَقَالَ قَوْلًا صَوَابًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَة كَأَنْ يَشْفَعُوا لمن ارتضى.

شرح:

فسر الروح بجبريل (.....) الله المشهور أنه جبريل ثم عطف الملائكة عليه فيكون تعميم بعد تخصيص، خص جبريل لشرفه وكما قال فيه تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها في سورة القدر خص جبريل وعطفه العطف الخاص على العام وهنا في هذه الآية بالعكس قال يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ.بدأ بجبريل تخصيصًا ثم عطف عليه الملائكة.

صَفًّا حالهم مصطفين لعظمة الله وهيبته الملائكة كلهم مصطفين والخلق كلهم مصطفون جاء في الحديث أن تنشق السماء الدنيا فينزل أهل السماء الدنيا ويصطفون ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها ويصطفون وهكذا حتى تنتهي السموات، كل هؤلاء اصطفوا هيبة لله الآدميين والجن والإنس والملائكة.

لَا يَتَكَلَّمُونَ هيبة لله إلا بشرطين إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا، نعم.

متن:

ذَلِكَ الْيَوْم الْحَقّ الثَّابِت وُقُوعه وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَمَنْ شَاءَ اِتَّخَذَ إِلَى رَبّه مَآبًا مَرْجِعًا أَيْ رَجَعَ إِلَى اللَّه بِطَاعَتِهِ لِيَسْلَم مِنْ الْعَذَاب فِيهِ.

شيخ:

نعم بعد أن ذكر صفات يوم القيامة قال ذَلِكَ الْيَوْم الْحَقّ الثابت الذي وقوعه لا شك فيه ولا ريب، من شاء أن يتخذ إلى ربه سلمًا بالعمل الصالح ينفعه هذا هو العاقل والموفق فَمَنْ شَاءَ اِتَّخَذَ إِلَى رَبّه مَآبًا يعني (.....) إلى الله تعالى بالعمل الصالح والسلامة من العذاب وهو التوحيد والإخلاص والقيام بأمره وأداء حقه بتصديق خبره وخبر رسوله ﷺ، نعم.

هذا هو الذي يتخذه العاقل الموفق مآبا إلى الله، نعم.

متن:

إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ يَا كُفَّار مَكَّة عَذَابًا قَرِيبًا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة الْآتِي وَكُلّ آتٍ قَرِيب يَوْم ظَرْف لَعِذَابًا بِصِفَتِهِ يَنْظُر الْمَرْء كُلّ اِمْرِئٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ مِنْ خَيْر وَشَرّ وَيَقُول الْكَافِر يَا حَرْف تَنْبِيه لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا يَعْنِي فَلَا أُعَذَّب يَقُول ذَلِكَ عِنْدَمَا يَقُول اللَّه تَعَالَى لِلْبَهَائِمِ بَعْد الِاقْتِصَاص مِنْ بعضها لبعض كوني ترابا

شرح:

نعم وهذا الإنذار يقول المؤلف إنه لكفار مكة لأنهم هم المخاطبون وهذا قبل الهجرة إلى المدينة ولكن هذا نداء عام لهم لغيرهم إلى يوم القيامة إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويشمل أهل مكة وغيرهم إلى يوم القيامة كلهم منذرون إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا وهو يوم القيامة وسماه قريبًا لتحقق وقوعه.

يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ في ذلك اليوم كل يرى ما قدم.

وَيَقُول الْكَافِر حينما يرى البهائم صارت ترابًا يتمني أن يكون مثلها فيقول لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا لكن هذا التمني لا ينفع.

نسأل الله العفو والعافية، وفق الله الجميع وصلى الله على سيدنا محمد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد