الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الشيخ السعدي رحمنا الله تعالى وإياه في تفسير سورة البلد.
متن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ.
يقسم تعالى بِهَذَا الْبَلَدِ الأمين، الذي هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول الرسول ﷺ فيها.
شرح:
يقسم تعالى بإيش؟
متن:
يقسم تعالى بِهَذَا الْبَلَدِ الأمين، الذي هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول الرسول ﷺ فيها.
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ أي: آدم وذريته.
والمقسم عليه قوله: لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم.
وإن لم يفعل فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد.
ويحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأقوم خلقة، مقدر.
شرح:
مقدر أي هو مقدر، أي جاءوا به مقدر.
متن:
شرح:
فحسِب.
متن:
شرح:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
تفسير سورة البلد هذه السورة تسمى سورة البلد، لقوله تعالى لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، ولا، كلمة لا: مؤكدة يسميها النحاة زائدة يقول زائدة للتأكيد، مؤكدة لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، التقدير: أقسم بهذا البلد، ليست نافية لكنها جاءت مؤكدة، يعني أقسم بهذا البلد وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ أقسم الله تعالى بهذا البلد وهو مكة، وقال في آية أخرى وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 3] وهو مكة.
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني أنت يا محمد حال بهذا البلد مكة، حال فيها ساكن فيها وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ.
لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني يقسم تعالى بهذا البلد، بهذا البلد الأمين الذي هو مكة، هي أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا في وقت حلول النبي ﷺ فيها، فثبت عن النبي ﷺ لما هاجر وقف على مكان وجعل يقول: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ، هذا يدل على أنها أفضل البلدان على الإطلاق.
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ الوالد هو آدم، وما ولد: ذريته، ويشمل هذا كل والد وكل زية.
وجواب القسم لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ كبد يعني شدائد، يكابد الشدائد منذ طفولته، ثم يكابد شدائد الدنيا منذ طفولته، شدائد الصبا، شدائد الشباب، شدائد الشيخوخة، وتحمل المصائب والهموم، ويكابد شدائد الأخرة أيضًا بعد موته إلا لم يكن (.....) ، فإن كان (.....) فإن الله يبدله بهذه الشدائد فرحًا وسرورًا، فإن كان كافرًا وعاصيًا فيكابد شدائد الآخرة أيضًا، وإن كان مؤمنًا مطيعًا فإن الله يبدل هذه الشدائد وتزول ولا يحس بها وما كأنها كانت كما قال في الحديث عن النبي ﷺ قال يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ أشدهم نعمة وأكثرهم يعني تفضلًا من الله عليه فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ نسي، لا وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أشدهم بؤسًا، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ نسي.
فالمؤمن يكابد شدائد الدنيا منذ طفولته، وبعد موته إذا كان مطيعًا فإن الله يبدل هذه الشدائد براحة وطمأنينة، ولو كافر وعاصي ما يزال يكابد شدائد الآخرة بعد موته، ولهذا قال تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فمما أقسم عليه أقسم بثلاثة أشياء: البلد: مكة، والد وما ولد، المقسم عليه أن الإنسان خلقه الله في كبد.
قال الشيخ رحمه لله: ويحتمل أن المعنى أنه الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وأقوم خلقة يقدر على التصرف والأعمال الشديدة، مثل قوله تعالى في سورة التين لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فإن لم يشكر الله على هذه النعمة العظيمة (.....) العافية تجبر على خلق الله فحسب بجهله وظلمه أن الله الحاسة دون الله وسلطانه وأن سلطان التصرف لا ينعزل فزال هذا الحسبان وهذا الوهم، نعم، ووجد أن الله على كل شيء قدير.
متن:
قال رحمه الله تعالى:
ولهذا قال تعالى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه. فـ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا أي: كثيًرا، بعضه فوق بعض.
وسمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسار والتعب والقلة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع الله، وربح أضعاف أضعاف ما أنفق.
قال الله متوعدًا هذا الذي يفتخر بما أنفق في الشهوات: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أي: أيحسب في فعله هذا، أن الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير، بل قد رآه الله، وحفظ عليه أعماله، ووكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير وشر.
شرح:
نعم هكذا الإنسان يظن ويحسب نتيجة ظلمه وجهله أن لن يقدر عليه أحد، فلهذا يقطع ويتجبر وينفق الأموال في الشهوات يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا يعني أنفقت مالًا كثيرًا ثم هو مالًا لبدًا أي من بعض الفقراء ملبد، وسمى الله الإنفاق في المعاصي إهلاك لأنه لا ينتفع بها، بخلاف المنفق في سبل الخيرات فهو ينتفع بها في الدنيا والآخرة، فهذا قد تاجر مع الله فهو يربح والله أعظم الربح.
ثم قال أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وعيد له، هذا وعيد، أي أيظن أيحسب في فعله ويظن أن الله لا يطلع عليه ولا يحاسبه على الصغير والكبير، بل لقد رآه، وحسب عليه عمله ووكل به الكرام الكاتبين بكل ما عملوا من خير وشر، ليس الانسان مهملا (.....) أن يوكل به الكرام الكاتبين والحفظة الذين يحفطونه من أمر الله.
متن:
قال رحمه الله تعالى:
ثم قرره بنعمه، فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ للجمال والبصر والنطق، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.
ثم قال في نعم الدين: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن أي: طريقي الخير والشر، بينا له الهدى من الضلال، والرشد من الغي.
فهذه المنن الجزيلة، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله، ويشكر الله على نعمه، وأن لا يستعين بها على معاصيه، ولكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك.
شرح:
نعم، فالله يقرر للإنسان بنعمه عليه أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ للجمال وللنطق وللكلام والبصر، وغير ذلك من المنافع الضرورية، هذه نعم الدنيا، وقال في نعم الدين وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن أي بينا له طريق الخير وطريق الشر، وَهَدَيْنَاهُ أي بينا له طريق الخير وطريق الشر، لينال الأجر من الهدى ما قدر له، فهذه منن من الله بها على عباده تقتضي من العبد أن يقوم بشكرها وأن يقوم بحكم الله ويشكره على نعمه ولا يستعن بها على معاصيه، هذا هو الواجب على كل إنسان.
متن:
قال رحمه الله تعالى:
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أي: لم يقتحمها ويعبر عليها، لأنه متبع لشهواته.
وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر هذه العقبة بقوله فَكُّ رَقَبَةٍ أي: فكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها.
شرح:
أي فكها.
متن:
أي فكها من الرق بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار.
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة.
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أي: جامعًا بين كونه يتيمًا، فقيرًا ذا قرابة.
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة.
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، وعملوا الصالحات بجوارحهم. من كل قول وفعل واجب أو مستحب.
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعة الله وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك، والإتيان به كاملا منشرحًا به الصدر، مطمئنة به النفس.
وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ للخلق، من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف، الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة.
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده، وتركوا ما نهوا عنه، وهذا عنوان السعادة وعلامتها.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم، فلم يصدقوا بالله، ولا آمنوا به، ولا عملوا صالحًا، ولا رحموا عباد الله، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا همْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَة عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ أي: مغلقة، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ.
شرح:
في عَمد.
متن:
شرح:
بيناه الاقتحام عقبه أن يفك الإنسان رقبة لاعتقاد أن يطلقها لله ، فإذا أعتقها فقد اقتحم العقبة فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ لا نافية لما اقتحم العقبة ولم يعبر عليها لأنه متبع للشهوات منقاد لها، وهذه العقبة شديدة عليه ثم فسرها بقوله فَكُّ رَقَبَةٍ أن يفك الإنسان رقبة، أن يفكها لله، يفكها من الرق.
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ أي إطعام طعام في يوم، يوم مجاعة شديدة أن يطعم وقت حاجة الناس، في يوم قحطًا حاجة شديدة أن يطعم وقت الحاجة أي أشد حاجة.
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يتيمًا أو مسكينًا يطعم يتيمًا ويطعم مسكينًا.
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ذا مقربة يعني مسكينًا قريبًا، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ مسكين فقير لا يجد شيئًا معدم، سمي مسكين لمسكنته، ذا متربة يعني لصق بالتراب من شدة الحاجة.
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا آمنوا بقلوبهم وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ جواب، لكل قول فعل، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ على طاعة الله وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ وعلى أقدار الله المؤلمة، بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد بذلك.
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ بالصبر على طاعة الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعته وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ بالخلق، وتواصوا بإعطاء محتاجهم والقيام بما يحتاجون إليه.
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ يعني هؤلاء هم أصحاب الميمنة، لأنهم أدوا ما أمر الله بهم من حقوق عباده وتركوا أنواع السعادة، وهي أن تؤدي ما أمر الله به ورسوله، وعنوان السعادة أن تؤدي ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده، وتترك ما نهوا عنه، هذا عنوان السعادة.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هذا وعيد للكفار يعني حدث منهم بعض هذه الأمور وكفروا بآيات الله وكذبوا بها هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وهو أهل النار والعياذ بالله، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ يعني مطبقة مغلقة لا يخرجون منها أبد الآباد وذلك بعد خروج عصاة الموحدين.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
متن:
تفسير سورة الشمس وضحاها، وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا.
أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة
شرح:
على النفس (إيش)؟
متن:
شرح:
نعم.
متن:
أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا أي: نورها، ونفعها الصادر منها.
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا أي: تبعها في المنازل والنور.
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلمًا.
فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه فباطل.
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا يحتمل أن ما موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان، ونحو ذلك قوله: وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن المراد بالإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده.
وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي حقيقة بالإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة.
وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله.
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا أي: أشقى القبيلة، وهو " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح محذرًا: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبًا.
فَسَوَّاهَا عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة.
وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا أي: تبعتها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه.
شرح:
هذه سورة الشمس، أقسم الله تعالى في أولها بعدد من مخلوقاته، لما فيها من الدلالة على قدرته ووحدانيته، واستحقاقه للعبادة والمقسم عليه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا .
قال الله وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ضحاها: نورها، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا يعني حينما يضيء نورها.
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا يعني تبعها.
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا جل ما على وجه الأرض.
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا يغشى الأرض بظلامها، فالضياء والظلام يتعاقبان بإنتظام، لا يسبق أحدهما الآخر وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 37 - 40]
أقسم الله بهذه الأشياء.
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا أي هو الذي بناها وهو الله ، إذا كانت ما موصولة، ويحتمل أنها مصدرية، والسماء وبنيانها.
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا إذا مدها ووسعها.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا المراد نفوس سائر المخلوقات الحيوانية، ويحتمل أن المراد نفس الإنسان خاصة.
والمقسم عليه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا قد أفلح: فاز، إذا فاز بترك الذنوب والمعاصي.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا يعني خسر نفسه الكريمة (.....) طاعة الله.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا هذا المقسم عليه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا.
اقسم الله بالشمس وضحاها والقمر والليل والسماء وبانيها والأرض وما طحاها، أقسم على أي شيء.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا اقسم الله أن من زكى نفسه وطهرها من الذنوب والمعاصي فهو من المفلحين، ومن لم ينكر المنكر وتركها تزيد وتنتشر هذا قد دساها بالمعاصي.
ثم قال تعالى كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا يعني بطغيانها وتجبرها على الخلق.
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا يعني أشقى القبيلة وهو شخص يقال قدار بن سالف بعقرها حين اتفقوا على ذلك.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ناقة الله أي احذروا ناقة الله وَسُقْيَاهَا شربها، احذروا عقر ناقة الله التي جعلها لكم آية عظيمة ولا تقابلوا نعمة الله بالكفر فتسلبوها.
فَكَذَّبُوهُ كذب القوم نبيهم وعقروا الناقة.
قال الله فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ دمرهم وأهلكهم وعمهم بالعقاب، وقال وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: 10] دمر الله عليهم وعمهم بعقابه وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم والرجفة من تحتهم:
(.....).
هذه من آثار المعاصي وتكذيب الرسل، حذرهم نبيهم من أن يمسوا الناقة بسوء وناقة الله أي مضافة إلى الله بالتشريف والتكريم هذا من إضافة المخلوق إلى خالقه نقول بيت الله، وعبد الله، ورسول الله، وروح الله (.....) التي لا تقوم بنفسها فهذه إضافة صفة إلى موصوفها، حذرهم نبيهم ولكنهم لم يقبلوا فأهلكهم الله، فكذبوا صالح وعقروا الناقة وقتلوها، فقال الله تعالى فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا، دمدم يعني دمر عليهم، فأهلكهم.
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس: 15] أي لا يخافوا، كيف (.....) ليس فوقه أحد حتى تخافه، والله تعالى فوق خلقه.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
متن:
تفسير سورة والليل، وهي مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى.
هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم، فقال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى أي: يعم الخلق بظلامه، فيسكن كل إلى مأواه ومسكنه، ويستريح العباد من الكد والتعب.
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى للخلق، فاستضاءوا بنوره، وانتشروا في مصالحهم.
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى إن كانت " ما " موصولة، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث، وإن كانت مصدرية، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة، وجعل كلا منهما مناسبًا للآخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
وقوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هذا هو المقسم عليه أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيًرا، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟
وهذا كل عمل يقصد به غير وجه الله تعالى، بهذا الوصف، ولهذا فصل الله تعالى العاملين، ووصف أعمالهم، فقال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى أي ما أمر به من العبادات المالية.
شرح:
كذلك هذه السورة أيضًا بدأها الله تعالى بالقسم بعدد من مخلوقاته بالليل والنهار والذكر والأنثى، وكما سبق أنه أقسم بكثير من مخلوقاته، أقسم بالليل إذا يعم الخلق بظلامه ليسكن الناس ويستريحون هذا فيه دليل على قدرة الله ووحدانيته.
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى إذا تجلى للخلق واستضاء بنوره انتشر الناس في معايشهم.
قال تعالى إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا [المزمل: 7] ، آيتان عظيمتان، الليل يعم الدنيا بظلامه والنهار يتجلى ويتضح كل شيء، وجعل الليل سكن يستريح فيه الناس من تعب النهار ثم في النهار ينتشرون في معايشهم، هذه آية عظيمة وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى.
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أي والذي خلق الذكر والأنثى وهو الله، أقسم بنفسه الكريمة وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إذا كانت ما موصولة إما كانت مصدرية، يكون تقديره: خلق الذكر والأنثى.
ما هو الشيء المقسم عليه؟ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أقسم الله بهذه الأمور: بالليل والنهار والذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ أي أعمالكم لَشَتَّى أي مختلفة ومتفاوتة، فمن الناس من عمله صالح وهو الذي يريد به الله والدار الآخرة، متابع فيه النبي ﷺ هذا سعيه، ومن الناس من عمله سيء أشركوا بالله وعصوه فكان عملهم مردودًا، ومنهم من الناس من أخلص عمله لله لكن أضعف هذا الإخلاص بالمعاصي والكبائر، فأعمالهم الناس متفاوتة، سعيهم متفاوتة في هذه الحياة.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى يعني عملكم متفاوت، هذا هو المقسم عليه، وذلك أن العباد كما سبق متفاوتون في أعمالهم، كل عمل يقصد به وجه الله فهو عمل مبرور، وكل عمل لا يقصد به وجه الله فهو عمل حابط، نعم، ولهذا أقسم الله عليه.
متن:
قال رحمه الله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى أي ما أمر به من العبادات المالية، كالزكوات، والكفارات والنفقات، والصدقات، والإنفاق في وجوه الخير، والعبادات البدنية كالصلاة، والصوم ونحوهما.
والمركبة منهما، كالحج والعمرة ونحوهما وَاتَّقَى ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي: صدق بـ لا إله إلا الله وما دلت عليه، من جميع العقائد الدينية، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى أي: نسهل عليه أمره، ونجعله ميسرًا له كل خير، ميسرًا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، وَاسْتَغْنَى عن الله، فترك عبوديته جانبًا، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها، الذي تقصده وتتوجه إليه.
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي: بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرًا للشر أينما كان، ومقيضًا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية.
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ الذي أطغاه واستغنى به، وبخل به إذا هلك ومات، فإنه لا يصحبه إلا عمله الصالح، وأما ماله الذي لم يخرج منه الواجب فإنه يكون وبالا عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئًا.
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى أي: إن الهدى المستقيم طريقه، يوصل إلى الله، ويدني من رضاه، وأما الضلال، فطرق مسدودة عن الله، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد.
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى ملكًا وتصرفًا، ليس له فيهما مشارك، فليرغب الراغبون إليه في الطلب، ولينقطع رجاؤهم عن المخلوقين.
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى.
شرح:
الشارح رحمه الله بين معنى هذه الآيات وإن الله لما أقسم بهذه المخلوقات على أن سعي العباد مختلف بين نوعين العباد، نوعين من الناس، المنفقون والباخلون، من بخل ومن أنفق، قال فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى يعني أقسم على عباده بالعبادات المالية كالزكاة والصدقات والإنفاق في المشاريع الخيرية والعبادات البدنية كالصلاة والزكاة ونحو ذلك، عمل صالحا.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى يعني صدق بكلمة التوحيد وما دلت عليه في جميع العقائد وما ثبت من الجزاء الأخروي فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى هذا جزاءه فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى نسهل عليه أمره ، ولا نزال نيسر له كل خير.
هذا هو القسم الأول من الناس: من أعطى لله واتقى معاصي الله وصدق بكلمة التوحيد وما دلت عليه فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى أي نسهل عليه أمره وأن نجعله ميسرًا له.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى هذا القسم الثاني، من بخل فلم ينفق المال الواجب والمستحب، لم يؤد الزكاة، ولم يؤد نفقات المالية ولم يتطوع في الإنفاق في المشاريع الخيرية واستغنى عن الله وترك عبوديته ولم ير نفسه مفتقرا إلى لله غاية الإفتقار هذا هو الكافر الذي هذه حاله، هو يبخل بالمال الواجب والمستحب ويستغني عن الله.
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي بما اوجب الله على العباد تصديقا له من العقائد الحسنة وغيرها.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى في الحالة العاسرة، وإذا أتاه عذاب الله فلا يبعد عنه هذا الباب الذي غطاه باستغنائه عن ربه، وهذا الباب الذي لم يخرج فيه الواجب فإنه كله وبال عليه، وبال عليه في الدنيا والآخرة.
ثم قال إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى بين أن الهدى المستقيم يوصل إلى الله تعالى (.....) برضاه، واما الضلال فطرقه مسدودة عن الله.
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فالآخرة والأولى هي الدنيا ملك لله يتصرف فيهما ليس له فيهما مشارك، وهذا ترغيب من الله تعالى، ترغيب للمؤمنين بأن ينفقوا أموالهم في سبل الخيرات ويأدوا الواجبات وليحذروا من الإمساك.
متن:
قال رحمه الله تعالى:
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى أي: تستعر وتتوقد.
لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ بالخبر وَتَوَلَّى عن الأمر.
وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى بأن يكون قصده به تزكية نفسه، وتطهيرها من الذنوب والعيوب، قاصدًا به وجه الله تعالى، فدل هذا على أنه إذا تضمن الإنفاق المستحب ترك واجب، كدين ونفقة ونحوهما، فإنه غير مشروع، بل تكون عطيته مردودة عند كثير من العلماء، لأنه لا يتزكى بفعل مستحب يفوت عليه الواجب.
وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى أي: ليس لأحد من الخلق على هذا الأتقى نعمة تجزى إلا وقد كافأه بها، وربما بقي له الفضل والمنة على الناس، فتمحض عبدًا لله، لأنه رقيق إحسانه وحده، وأما من بقي عليه نعمة للناس لم يجزها ويكافئها، فإنه لا بد أن يترك للناس، ويفعل لهم ما ينقص إخلاصه.
وهذه الآية، وإن كانت متناولة لأبي بكر الصديق ، بل قد قيل إنها نزلت في سببه، فإنه ما لأحد عنده من نعمة تجزى، حتى ولا رسول الله ﷺ، إلا نعمة الرسول التي لا يمكن جزاؤها، وهي نعمة الدعوة إلى دين الإسلام، وتعليم الهدى ودين الحق، فإن لله ورسوله ﷺ المنة على كل أحد، منة لا يمكن لها جزاء ولا مقابلة، فإنها متناولة بكل من اتصف بهذا الوصف الفاضل، فلم يبق لأحد عليه من الخلق نعمة تجزى، فبقيت أعماله خالصة لوجه الله تعالى.
ولهذا قال: إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى هذا الأتقى بما يعطيه الله من أنواع الكرامات والمثوبات، والحمد لله رب العالمين.
شرح:
حذر الله تعالى عباده النار قال فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى تحذير هذا تحذير من الله تعالى عباده هذه النار العظيمة التي أوقد عليها ألف سنة فاحمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة فاسودت فهي سوداء مظلمة لا ينطفئ لهبها حذر الله تعالى عباده من هذه النار وذلك بالبعد عن أسبابها، أسباب دخولها وهو الشرك والمعاصي
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى تتسعر وتتوقد وتتلهب.
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى يصلاها يعني تمر من جميع الجهات، وهذا هو الكافر، بخلاف المؤمن الذي يدخل النار فهي لا تحيطه من جميع الوجوه، الكافر كما قال تعالى لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف: 41] أما المؤمن فإنه تلهبه النار ولا تأكل موضع السجود والطبقة التي هي أقل أعلى الطبقات، فأعلى الطبقات وهي طبقات النار هي أخفها ولهذا قيل: أنه إذا خرج (.....) فَأَنْذَرْتُكُمْ حذرتكم فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى كذب بالخبر وتولى عن الأمر وهذا هو الكفر، فالإيمان تصديق وعمل، والكفر تكذيب وعمل، فالإيمان تصديق بالخبر، أخبار الله وخبر رسوله، وتولي عن العمل يعني ترك للعمل، فلابد من العمل، الإيمان هو تصديق في الباطن يتحقق العمل به، والعمل الظاهر يصححه التصديق الباطن، لا من يحصل الإيمان له، فمن صدق في الباطن ولم يعمل كان مستكبرًا على أوامر الله كإبليس وفرعون، صدق إبليس ما كذب، قال الله تعالى وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا... قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ... يعني ما كذب، قابل أمر الله بالاستكبار، وقد يكون بالتكذيب، إذا كذب هذا كفر وإذا استكبر هذا كفر.
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الذي كذب الخبر وتولى عن الأمر، كذب الخبر؛ أخبار الله كذبها وتولى؛ أعرض عن العمل لم يعمل ، الأومر افعل فلا تفعل، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا أمر بالفعل وأمر بالترك.
لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى هو الذي يجنب النار، التقي الذي قصد بماله تزكية نفسه، وتكثير ماله، وقصد وجه الله والدار الآخرة.
وقد نبه رحمه الله بأن الإنفاق المستحب إذا تضمن ترك واجب النفقة فإنه أمر مشروع.
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى يعني ليس لأحد من الخلق على هذا نعمة تجزى يجزيه عليه ويستحق عليها ولكنه قصد وجه الله فقال إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى هذا الإتقاء الذي يرتضيه الله (.....)، هذا الآيات قيل: نزلت في أبي بكر الصديق فهو ينفق أمواله في سبل الخيرات ولا يريد منة ولا شكورًا من أحد وإنما يريد وجه الله والدار الآخرة، وكان ينفق على ثمامة بن أثال على ابن أخته، وكان فقيرًا ولكنه لما تكلم في قصة الإفك حلف ليقطع عنه النفقة لأنه اشترك، فالله تعالى أنزل هذه الآية وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22] فما نزلت قال أبو بكر بلى والله أحب أن يغفر لي، قال جعلنا النفقة في مسطح لفقره.
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى وعده الله بأن يرضه، وعده الله بأن يرضيه، ووعده الصادق.
بين الشارح رحمه الله أن هذه الآية وإن كانت في أبي بكر إلا أنها عامة، وكان من نعم الله عليه نعمة الدعوة إلى الله والدعوة إلى الإسلام واسلم على يده خلق وهم بلال وغيره.