المتن:
أي: قل للكافرين معلنا ومصرحًا لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أي: تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله، ظاهرًا وباطنًا.
وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لعدم إخلاصكم في عبادته، فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة، ثم كرر ذلك ليدل الأول على عدم وجود الفعل، والثاني على أن ذلك قد صار وصفًا لازمًا.
ولهذا ميز بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ كما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ.
شرح:
... العبادة لما تعبدون.
ثم قال لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ هذه جملة إسمية تدل على الاستمرار والدوام وأنه وصف لازم، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ تدل على وصف لازم لهم هم وأنهم مستمرون على شركهم، نعم.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: في تفسير سورة النصر وهي مدنية
متن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.
في هذه السورة الكريمة، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك.
فالبشارة هي البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشر به، وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر الله رسوله ﷺ أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة،
شرح:
وأما البشارة؟
متن:
وأما الإشارة فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله ﷺ ، فإن هذا من الشكر، والله يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ.
وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل.
ومع هذا فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال.
وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله ﷺ قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره:
شرح:
عمره عمر فاضل.
متن:
ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به.
وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار، كالصلاة والحج، وغير ذلك.
فأمر الله لرسوله ﷺ بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه.
فكان ﷺ يتأول القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.
شرح:
نعم، هذه السورة تسمى سورة النصر، والمؤلف رحمه الله تعالى جاء في هذه السورة بشارة وأمر لرسوله عند حصولها وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك، أما البشارة فهي البشارة بالنصر وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، هذه بشارة، وقد حصل هذه البشارة ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
وأما الأمر فإن الله أمر نبيه إذا حصل الفتح أن يسبح ربه ويستغفره، فكان النبي ﷺ بعد نزول هذه السورة يقول في ركوعه وسجوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، قالت عائشة: يتأول القرآن، أي يعمل به سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي،، وأما الإشارة قال فإن في ذلك إشارتين،إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين ويزداد عند حصول الترسيخ عند رسول الله ﷺ.
وأما البشارة الثانية فهي إشارة إلى أجل رسول الله ﷺ قد قرب ودنا، فالإشارة الثانية فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله ﷺ قد قرب ودنا، وذلكم أن عمره عمر فاضل أقسم الله به، والأمور الفاضلة تختم بالاستغفار كالصلاة والحج، فالنبي ﷺ عمره فاضل يختم بالاستغفار فأقسم الله بها فقال فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3]، فأمر الله إلى رسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال أشار إلى أن أجله قد انتهى فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه.
وقالت عائشة كان النبي ﷺ يكثر أن يقول -بعد نزول هذه السورة- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، قالت عائشة: يتأول القرآن، يعني يعمل بالقرآن، نعم، فالإشارة الأولى بشارة بالنصر ، إشارتين الإشارة الأولى إلى أن يستمر النصر لهذا الدين والإشارة الثانية إلى أن أجل النبي ﷺ قد قرب، نعم.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
متن:
تفسير سورة المسد وهي مكية وآياتها خمس لما دعا النبي ﷺ قومه وقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
سورة المسد مكية وآياتها خمس.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ.
قال رحمه الله تعالى: تفسير سورة تبت وهي مكية، أبو لهب هو عم النبي ﷺ، وكان شديد العداوة والأذية للنبي ﷺ، فلا فيه دين، ولا حمية للقرابة -قبحه الله- فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة فقال: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ أي: خسرت يداه، وشقى وَتَبَّ فلم يربح، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئًا من عذاب الله إذ نزل به، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ .
وكانت أيضًا شديدة الأذية لرسول الله ﷺ، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول ﷺ، وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا.
شرح:
وتلقي (إيش)؟
متن:
شرح:
الشر عندك الشر لعله الشوك، الشوك، كيف تلقي الشر؟ الشر يقال: تفعل الشر لا تلقي الشر بل تفعل الشر، قال: تلقي الشوك في طريق النبي ﷺ، نعم.
متن:
قال: كانت أيضًا شديدة الأذية لرسول الله ﷺ، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشوك، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول ﷺ، وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا.
قد أعد له في عنقه حبلا مِنْ مَسَدٍ أي: من ليف.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلا من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.
شرح:
هذه السورة تسمى سورة المسد وتسمى سورة تبت لورود هاتين الكلمتين، تَبَّتْ يعني خسرت، خسرت يداه وشقي، وتب يعني فلم ربح مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ الذي كان عنده وأطغاه وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ يعني ستحيطه النار من كل جانب هو وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، كانت امرأة شديدة العداوة للنبي ﷺ تتعاون مع زوجها على الإثم والعدوان، وتلقي باللوم على النبي ﷺ وتسعي غاية ما تقدر عليه في أذية النبي ﷺ، ستجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة منه يجمع حطبًا تحمل على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا قد أعد الله له في عنقه بمنزلة من يجمع حطبًا، قد أعد الله في عنقه حبلًا مِنْ مَسَدٍ أي من ليف، أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلًا من مسد، وعلى كل حال ففي هذه آية باهرة، فإن الله تعالى أنزل هذه السورة وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.
خسرت، تَبَّتْ يَدَا أي خسرت يد أبي لهب هو عبد العزى عم النبي ﷺ سمي أبي لهب لتلهب وجهه من الجمال مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ما نفعه ماله سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ المال إذا لم يكسبه الانسان من اوجه ولم ينفقه في المشاريع الخيرية كان وبالًا على صاحبه، ما أغنى عنه ماله وما كسب سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فهي كانت تحمل الشوك على النبي ﷺ فهي تحمل على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا، قد أعد له في عنقه حبلًا مِنْ مَسَدٍ أي من ليف، قال: أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها متقلدة في عنقها حبلًا مِنْ مَسَدٍ ، نعم.
وهذا قاله الشيخ عبد الرحمن رحمه الله قال: وفي هذه السورة آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة، نعم.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
متن:
في تفسير سورة الإخلاص وهي مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
أي قُلْ قولا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.
اللَّهُ الصَّمَدُ أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه.
ومن كماله أنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لكمال غناه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.
شرح:
نعم وقد ثبت عن النبي ﷺ قال سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
وثبت أن رجلًا من الأنصار كان في سرية وكانوا يقدمونه ليصلي بهم إذا جاء وقت الصلاة وكانوا يرونه أفضلهم فكان إذا صلى بهم قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية آيات أو سورة ثم يختم بـقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فاستنكروا هذا وقالوا: الآن نراك في كل ركعة تقرأ بـقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حتى لو قرأت قبلها أيضًا ما نراك ما نراها تجزء عنك حتى تقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فلو قرأت بـقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وحدها أو قرأت سورة غيرها، فقال: لا أريد أن أغير هذا، أن كنتم أني أؤمكم فأقرأ هكذا، وإلا فالتمسوا غيري، وكانوا يرونه أفضلهم في القراءة فجاءوا إلى النبي ﷺ فأخبروه الخبر، فقال: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ لماذا يقرأ بها؟ فقال: أنها سورة الرحمن وأنا أحبها، فأخبر النبي ﷺ فقال أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ أخبره بأن الله يحبه كما أحبها.
هذه السورة سورة الإخلاص وهي تعدل ثلث القرآن، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
في هذه السورة وهي سورة الإخلاص وجه الخطاب للنبي ﷺ وهو خطاب لإمته، قُلْ أي قولًا جازمًا معتقدًا به عارف بمعناه قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ محتفظًا بالأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة الذي تفرد بها.
اللَّهُ الصَّمَدُ المقصود في جميع الحوائج، وفسر الصمد الذي لا جوف له، الذي لا يأكل ولا يشرب، فالملائكة صمد لايأكلون ولايشربون، فالصمد الذي لا جوف له لا يأكل ولا يحتاج إلى أحد، هو صمد في نفسه، مستغن بنفسه لا يحتاج لأحد وهو المقصود في الحوائج، لأنه المقصود في جميع الحوائج، وأهل العالمين العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الإفتقار يسألونه حوائجهم ويرغبون إليه في مهماتهم لأنه الكامل في أوصافه العليم الذي كمل في علمه والحليم الذي كمل في حلمه والرحيم الذي كمل في رحمته، وسعت رحمته كل شيء، وهكذا في سائر الصفات.
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ يعني لم يتفرع منه شيء ولم يتفرع من شيء ليس له أصل ولا فرع، ليس له ولد ولا والد، لكماله وجلاله.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أي ليس له مثيل ولا مكافئ لا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، نعم.
قال رحمه الله تعالى:
متن:
تفسير سورة الفلق
وهي مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.
أي: قُلْ متعوذًا أَعُوذُ أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم بِرَبِّ الْفَلَقِ أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها.
ثم خص بعد ما عم، فقال: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر.
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشر، عمومًا وخصوصًا.
ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه ومن أهله.
[من هنا (00:23:15) إلى (00:27:28) الصوت رديء لا يسمع وهو من كلام الشارح] (.....)
قال رحمه الله تعالى:
متن:
تفسير سورة الناس، وهي مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.
ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون.
وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين متواصلين أبد الأوقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
شرح:
نعم، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ جمع في هذه السورة الاستعانة بالربوبية بربوبية الله تعالى وملكه وألوهيته قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ الاستعانة بهذه الألفاظ الثلاثة ،قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ
رَبِّ النَّاسِ ربهم، مَلِكِ النَّاسِ مالكهم، إِلَهِ النَّاسِ معبودهم.
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ هذا الوسواس الْخَنَّاسِ الذي يخنس إذا ذكر العبد ربه فإنه يتأخر ويخنس، فإذا غفل ظهر ووسوس.
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ يعني من النوعان، نوع من الجن يوسوس في صدور الناس، لإنه يجري من ابن أدم مجرى الدم والإنسي يوسوس بإظهار تحسين الباطل، وتزيينه والحث عليه، فالذي يوسوس في صدور الناس نوعان نوع من الجن وهذا يدخل يجري من بني آدم مجرى الدم ويوسوس، والإنس يوسوس بالتزيين تزيين الباطل، وهذا فيه التوسل إلى الله بهذه الصفات بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.
وهذه آخر سورة في القرآن، هي التوسل إلى الله تعالى بهذه الأوصاف الثلاثة بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.
وفي الفاتحة أول سورة في القرآن أيضًا حمد الله نفسه ووصف نفسه ببعض الصفات الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هذا وصف له بالألوهية، رَبِّ الْعَالَمِينَ الربوبية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. الملك فهذه الأوصاف الثلاثة ذكرت في أول سورة في القرآن وفي آخر سورة في القرآن، كما نبه هذا ذلك الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
وفي هذه الصفحة سورتين تسميا بسورتا المعوذتين، وأمر الله رسوله بالحمد والاستغفار في سورة النصر علامة على دنو أجله، نعم.