** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61].
يقول الحافظ ابن كثير يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم بإنزالي عليكم المن والسلوى، طعامًا طيبًا نافعًا هنيئًا سهلًا واذكروا دَبَرَكم وضجركم مما رزَقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيّة من البقول ونحوها مما سألتم.
وقال الحسن البصري: فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه، وكانوا قومًا أهل أعداس وبصل وبقل وفوم، فقالوا: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} وإنما قالوا: {عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} وهم يأكلون المن والسلوى، لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم فهو مأكل واحد. فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة.
وأما «الفوم» فوقع في قراءة ابن مسعود «وثومها» بالثاء.
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن، في قوله: {وَفُومِهَا} قال: قال ابن عباس: الثوم
قال: وفي اللغة القديمة: فَوِّمُوا لنا بمعنى: اختبزوا.
وقال ابن جرير: فإن كان ذلك صحيحًا، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم: وقعوا في «عاثُور شَرّ، وعافور شر، وأثافي وأثاثي، ومغافير ومغاثير». وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما، والله أعلم.
وقال آخرون: الفوم الحنطة، وهو البر الذي يعمل منه الخبز.
قال البخاري: وقال بعضهم: الحبوب التي تؤكل كلها فوم.
وقوله تعالى: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فيه تقريع لهم وتوبيخ لهم على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيّة مع ما هم فيه من العيش الرغيد، والطعام الهنيء الطيب النافع.
وقوله تعالى: {اهبطوا مصرا] وقال ابن عباس: {اهْبِطُوا مِصْرًا} قال: مصرًا من الأمصار.
وروى ابن جرير عن أبي العالية، والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون.
والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره، والمعنى على ذلك لأن موسى، عليه السلام يقول لهم: هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز، بل هو كثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه؛ ولهذا قال: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} أي: ما طلبتم، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه، لم يجابوا إليه، والله أعلم.
{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61].
يقول تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } أي: وضعت عليهم وألزموا بها شَرْعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون.
وقال الحسن: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية.
وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي: المسكنة الفاقة.
وقال عطية العوفي: الخراج.
وقوله تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله} قال الضحاك: استحقوا الغضب من الله .
وقال ابن جرير: يعني بقوله: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله} انصرفوا ورجعوا، ولا يقال: باء إلا موصولًا إما بخير وإما بشر، يقال منه: باء فلان بذنبه يبوء به بَوْءًا وبواء.
ومنه قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29] يعني: تنصرف متحملهما وترجع بهما، قد صارا عليك دوني.
فمعنى الكلام إذًا: فرجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم من الله سخط .
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم به من الذلة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، فلا كفر أعظم من هذا، أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق.
ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكبر بَطَر الحق، وغَمْط الناس»([1]).
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله - يعني ابن مسعود - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي، أو قتل نبيًا، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين»([2]).
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61]، وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به، أنهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه أو المأمور به. والله أعلم.
(التفسير)
في هذه الآية الكريمة بيان بعض تعنتات بني إسرائيل، وعنادهم لأنبيائهم، ولنبيهم موسى عليه الصلاة والسلام، وبيان العقوبات التي عاقبهم الله تعالى بها في الدنيا والآخرة، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} والخطاب لبني إسرائيل وهم اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وخيبر وغيرها، يخاطبهم الله يقول: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى} يعني قال آباؤكم، وذلك أن خطاب الآباء خطاب للأبناء، وخطاب الأبناء خطاب للآباء، فإذا كان الأبناء يقرون الآباء، فحكمهم حكمهم، ولهذا قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْتُمْ} يعني قال آباؤكم وأجدادكم لنبي الله موسى {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} لما كانوا في التيه، في الصحراء، صحراء سيناء التي بين فلسطين ومصر، أنعم الله عليهم بنعم منها: إنزال المن والسلوى، ومنها: تظليل الغمام من حر الشمس، والمن كما سبق شيء ينزل من السماء يشبه العسل والزنجبيل، فيكون طعامًا، ويكون شرابًا، إذا مزج بغيره، والسلوى طائر يأكلونه، فملوا، وبطروا النعمة، قالوا: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} فقال لهم موسى متعجبًا {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} يعني تتركون الطعام الذي هو خير والذي هو أفضل، وتريدون بدله الذي هو أدنى منه، وتقولون: ادع لنا ربك يخرج لنا من هذه البقولات، هذه البقولات موجودة في أي بلد لا تحتاج سؤالًا.
ولهذا قال: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} مصرًا يعني مصرًا من الأمصار، أو بلدًا من البلدان، وليس المراد بها مصر المعروفة، بلد الفرعون؛ لأنها مصروفة، ولو أريد بها مصر لكانت بدون تنوين، فلما نونها دل على أنها مصر من الأمصار، وبلد من البلدان فأي بلدٍ تأتونه وتصلون إليه وتهبطونه تجدون هذا المطلوب، تجدون فيه الكراث، والثوم، والبصل، والفوم، وكلها متوفرة، يعني أن هذه الأشياء سهلة يزرعها الناس، وينبتها الله لهم، فأنتم تريدون أن تتركوا الغالي النفيس من الطعام والزنجبيل الذي ينزل عليكم من السماء، والنفيس وهو عسل الزنجبيل، إذا مزج مع الشراب صار شاربًا، وإن أريد حلوى صار حلوى.
ولهذا قال لهم موسى: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} .
ثم بين الله تعالى العقوبة التي أحلها بهم بسبب عتوهم وعنادهم، وتعنتهم، ومخالفتهم لأوامر الله، وعنادهم، واستكبارهم عن طاعة الله، وعنادهم ومخالفتهم لأنبيائهم، قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} يعني ألزموا الذلة، فهم أذلاء تستذلهم الأمم، وهم أذلة في أنفسهم، أذلة في أنفسهم ليس عندهم قوة ولا نشاط، ولا عزة، بل هم أذلة في أنفسهم تستذلهم الأمم، ولهذا أذلهم الله، وأخزاهم، وكانوا على ثلاث قبائل في المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكلهم نقضوا العهد، عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد، أما بنو قينقاع فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قريظة فحكم فيهم سعد بن معاذ بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وكذلك بنو النضير، وهذا من الذلة التي ألزمهم الله بها {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} فهم أذلة في أنفسهم تستذلهم الأمم، ولهذا كانت المجوس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تأخذ منهم الجزية، والمسكنة: الفقر والحاجة، قال الله: {بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[البقرة:61]
الملف الصوتي رقم (10)
قال الله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ }[البقرة:61]، أي ألزمهم الله تعالى الذلة والمسكنة بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويجحدون عبادته، ويستكبرون عنها ، وأيضًا من كفرهم أنهم وصلت بهم الحال أنهم أهانوا الأنبياء، ووصلت بهم الإهانة إلى أن قتلوهم بغير حق.
وهذا من أعظم الكفر، الشرك بالله، ومخالفة أنبياء الله، وقتل الأنبياء هذا من أعظم الذنوب، ومن أعظم الجرائم، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}[البقرة:61]، وهذه علةٌ أخرى، هذا الذي حصل بسبب عصيانهم، ومجاوزتهم الحد، فهم قد عصوا الله، وتجاوزوا الحد، تجاوزوا الحدود التي حدها الله لهم، فاستباحوا محارم الله، وتركوا أوامر الله، وتعدوا حدود الله، وأهانوا أنبياء الله، وكفروا بآيات الله، وجحدوا توحيد الله، فاستحقوا أعظم الخزي، وأعظم الذلة في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الآية الكريمة، تحذير هذه الأمة من أفعال بني إسرائيل، أن تسلك مسالكهم فيصيبهم ما أصابهم، فالله تعالى قص علينا خبرهم، ويحذرنا من أفعالهم .
ففيه التحذير من مخالفة الأنبياء، وأن مخالفة الأنبياء لها عواقب وخيمة، والواجب على الأمة الإسلامية أن تعظم نبيها، وأن توقره، وأن تجله وأن تتبعه، وأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، وأن تَحْذر من مخالفته، فمخالفة الأنبياء من أعظم الجرائم، ومن أعظم الذنوب.
وفيه أن مخالفة الأنبياء من أسباب الذلة والمسكنة ومن أسباب غضب الله، {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}، حلَّ عليهم الغضب؛ لأن مخالفة الرسل من أسباب غضب الله.
وفيه أن من ترك الحق مع معرفته به، فإنه يحل عليه الغضب من الله، ولهذا سمي اليهود أمة الغضب، فهم مغضوبٌ عليهم؛ لأنهم علموا الحق، ولم يعملوا به، ففيه التحذير من ترك الحق بعد معرفته، وأن هذا من أسباب غضب الله -عز وجل-.
وفيه التحذير من صفات اليهود، في عصيانهم لأنبيائهم وتمردهم عليهم، وعدم إطاعتهم.
وفيه التحذير من الاستمرار على الكفر، والأمر بتوحيد الله - عز وجل.
وفيه التحذير من العصيان، ومجاوزة الحد، وأن من عصى الله وجاوز الحد، فإنه يحل عليه غضب الله، وتلزمه الذلة والمسكنة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(المتن) بواسطتي
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
لما بين تعالى حال من خالف أوامره، وارتكب زواجره، وتعدى في فعله ما لا إذن فيه، وانتهك المحارم، وما أحل بهم من النكال، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة، وأطاع فإن له جزاءً الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة، كل من اتبع الرسول النبي الأمي، فله السعادة الأبدية، ولا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه.
كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62]، وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30].
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآية، قال: فأنزل الله بعد ذلك، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:85]، فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبارٌ عن أنه لا يقبل من أحدٍ طريقةً ولا عملًا إلا ما كان موافقًا لشريعة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك، فكل من اتبع الرسول في زمانه، فهو على هدىً وسبيل نجاة، فاليهود أتباع موسى -عليه السلام- الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانه.
واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة، كقول موسى -عليه السلام-: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156]، أي تبنا، فكأنهم سموا بذلك في الأصل، لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض، وقيل: لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب.
وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة، فلما بعث عيسى -عليه السلام- وجب على بني إسرائيل إتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه، هم النصارى سموا بذلك، لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم: أنصارٌ أيضًا، كما قال عيسى -عليه السلام-: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}[الصف:14].
وقيل: أنهم سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضًا يقال لها: ناصرة، قاله قتادة وابن جريج، وروي عن ابن عباسٍ أيضًا والله أعلم، والنصارى جمع نصران، كنشوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة: نصرانة.
فلما بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا للنبيين، ورسولًا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقًا، وسميت أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- مؤمنين، لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم؛ ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية، والغيوب الآتية.
وأما الصابئون، فقد اختلف فيهم، فقال سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد، قال: الصابئون قومٌ بين المجوس واليهود، والنصارى وليس لهم دين، وكذا رواه ابن أبي نجيحٍ عنه.
وروي عن عطاءٍ وسعيد بن جبير نحو ذلك، وقيل: فرقةٌ من أهل الكتاب يقرءون الزبور، وقيل: قومٌ يعبدون الملائكة، وقيل: قومٌ يعبدون الكواكب، وأظهر الأقوال والله أعلم: قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه، أنهم قومٌ ليسوا على دين اليهود ولا النصارى، ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم باقون على فطرتهم، ولا دين مقررٌ لهم، يتبعونه ويقتنونه، ولهذا كان المشركون ينبذون من أسلم بالصابئ أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك.
وقال بعض العلماء: الصابئون: الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم.
(التفسير)
في هذه الآيات الكريمة بيان حال المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وأنهم هم الناجون من كل فرقة من الفرق، وكل طائفةٍ من الطوائف، وأن من اتصف بالإيمان والعمل الصالح فهو من أهل السعادة والنجاة، سواءٌ كان من هذه الأمة، أو من الأمم السابقة، فمن آمن بالله ووحده وأطاع الرسول في كل زمان، فهو على سبيل النجاة، فله الجنة والكرامة، ولا خوفٌ عليه في الدنيا، ولا خوفٌ عليه في المستقبل، بل هو يؤمَّن من المخاوف من عذاب القبر، وعذاب النار ولا يحزن على ما خلف من أمواله وأولاده.
وأما بعد بعثة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب على كل أحد أن يؤمن بهذا النبي الكريم، وأن يصدقه وأن يتابعه، وأن يخلص عمله لله، ولا نجاة إلا بذلك؛ لأن بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- عامة لجميع الثقلين الجن والإنس، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ([3]).
فبعد بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم- يجب على كل أحد أن يؤمن به، وببعثته نسخت الشرائع السابقة كلها، ولا يكون أحد على الحق إلا من كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمن به.
ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:62]، فمن اتصف بالإيمان والعمل الصالح، من أي طائفة من الطوائف من المؤمنين، أو من الذين هادوا أو من النصارى، أو من الصابئين، فله أجره عند الله موفَّرًا ثابتًا، ولا خوفٌ عليه في المستقبل، وهو مؤمَّن يؤمنه الله من المخاوف، من عذاب القبر، وعذاب النار، ولا يحزن، على ما خلف من أموال ومن أولاد.
والذين هادوا هم اليهود، سموا يهود من التهود وهو التودد، أو من التوبة من قولهم {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156]، يعني تبنا إليك يا الله ورجعنا إليك، أو نسبة إلى «يهودا»([4]) .
والنصارى من التناصر فيما بينهم، أو لأنهم سكنوا بلدًا تسمى ناصرة.
وكان لقب اليهود لقب مدح في أول الأمر، وكذلك لقب نصارى كان لقب مدح، ثم لما كفروا سار لقب ذم، فلما كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ولم يتابعوه صار لقب ذم.
وكان في زمانهم لما كانوا يتابعون أنبياءهم هو لقب مدح، {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}، يعني تبنا إليك ورجعنا، أو من التودد فيما بينهم، واليهود هم بنو إسرائيل أو أنصار بني إسرائيل أتباع موسى، فكانوا على الحق حينما تبعوا موسى، فلما بعث موسى -عليه السلام- وكفروا به، صاروا على ضلال، ولم يبق على الحق إلا من اتبع عيسى.
ثم لما بعث نبينا -صلى الله عليه وسلم- صار اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ضلالًا كفارًا، ومن آمن منهم بنبينا آتاه الله أجره مرتين.
والصابئون فيهم الخلاف كما سبق، بأنهم قومٌ ليس لهم دين، وقيل: إنهم عباد الكواكب، وهم قوم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وقيل غير ذلك، ففيهم أقوالٌ كثيرة.
وتسمية النصارى بالمسيحيين غلط، فهذه تسمية خاطئة؛ لأنهم ليسوا مسيحيين، لو كانوا مسيحين لاتبعوا المسيح -عليه السلام- فالمسيحيون يعني أتباع المسيح، وهم ليسوا أتباع المسيح، هم يودون هذه النسبة، وهذه التسمية، ويريدونها، لكن نحن نقول هذه التسمية خاطئة، فليسوا مسيحيين، بل هم نصارى سماهم الله نصارى، فليس في القرآن ولا في السنة تسميتهم بالمسيحيين.
وأعظم الناس جرمًا وذنبًا ثلاثة، ذكر منهم إمام ضلالة، ومن قتله نبيٌ أو قتل نبياً، أو ممثلٍ من الممثلين، هذا من أعظم الناس عذابًا، من قتل نبيًّا، أو قتله نبي، وإمام ضلالة، للاقتداء به في الشر، وكذلك الممثل؛ لأن الممثل يشمل المصور ويشمل غيره الذي يصور ويمثل؛ لأنه يضاهي خلق الله، ويدل على ذلك حديث عائشة: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([5])، هذا يشمل الممثل، ويشمل المصورين الذين يصورون ويمثلون خلق الله، فهم من أشد الناس عذابًا، قال جاء في الحديث عن ابن عباس قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ، بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ»([6]).
وكذلك يدخل في هذا الممثل الذي يقلد ويمثل حركات الناس، ويغير حركته، ويقلد النساء والصبيان أو الحيوانات؛ لأن هذا مغيرٌ لخلق الله، وهو ممثل من الممثلين، فالواجب الحذر من التمثيل والتصوير، وكذلك التمثيليات التي يفعلها بعض الناس التي تجعل في الحفلات، كل هذا منكر، ولا يجوز والأعظم من ذلك والأشد تمثيل الصحابة، بأن يمثل الصحابة في صورة رجال عليهم ثياب وأطمار بالية ويستهزئ بهم، فهذه جريمة ، فتمثيل الصحابة تحقيرٌ لهم، واستهانة بهم، والأعظم من ذلك تمثيل الأنبياء، فكل هذا من المنكرات نسأل الله السلامة والعافية.
ومما يتعلق بذلك الجوالات الحديثة ففيها محاذير كثيرة، فيها نقل الصور، وفيها صور النساء، وفيها أيضًا كذلك ما ينشر في الدشوش ، وهي شرور كثيرة، ففيها نقل الفساد والشر والبلاء.
والتصوير بالجوالات فيه محذور، لكن التصوير أسهل من غيره، لكن الأعظم من هذا وأشد من هذا تصوير النساء ونقله، وما يحصل به من الفساد والشر، وإثارة الغرائز والشرور.
فائدة:
الحافظ ابن كثير رجح أن الصابئة ليسوا على دين، واستدل بأن من آمن في مكة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسمونه الصابئ، والمشهور أنهم عباد الكواكب، فقوم يقولون: عباد الكواكب، وقوم يقولون: أنهم من قوم إبراهيم -عليه السلام-.
فائدة:
قال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113]، وهذه غير منسوخة، يعني ليس أهل الكتاب كلهم على باطل، بل فيهم مؤمنون وفيهم أخيار، وفيهم من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤتى أجره مرتين، له أجره بإيمانه بالنبي السابق، وأجره بإيمانه بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- يعني ليس أهل الكتاب كلهم على باطل، بل منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر.
كما قال سبحانه لما ذكر صفات اليهود وأنهم يكفرون بآيات الله، ويقتلون الأنبياء، قال بعد ذلك: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران:113 - 115]، فالله تعالى ما غمطهم حقهم، قال إن أهل الكتاب ليسوا كلهم على ضلال، من كفر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا على ضلال، ومن آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو على حق، فهناك أخيار وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
وكما في الآية {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران:199].
هذه من الفرق الذين آمنوا من أهل الكتاب منهم من آمن وجاءوا في الحديث أن الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين منهم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا، فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ "([7]).
آمن بنبيه السابق والكتب السابقة، وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد بعثته، فله أجره مرتين، هو آمن بنبيه السابق، فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مؤمنًا بنبيه مصدقًا به على الحق، ثم لما بُعِثَ النبي آمن به، فله أجره مرتان.
هؤلاء الأخيار آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والذي على دينه السابق لا يصح إيمانه، كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ([8]).
وبعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- صاروا على دينٍ باطل، من لم يكفر الكفار، وشك في كفرهم فهو كافرٌ مثلهم، والذي يقول إن اليهود على دين، والنصارى على دين، وكلها أديان نزلت من السماء، وكلٌ يتدين بما شاء، هذا مرتد.
هذا هو الحاصل من بعض الجهلة، من قال إن اليهود على دين، والنصارى على دين، والمسلمين على دين، وكلها أديان سماوية، وكلٌ يتدين بما شاء، فهو كافر مرتد؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت، ولابد في الإيمان بالله من أمرين: يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فلابد أن يكفر الكفار، ويعتقد أنهم على دينٍ باطل، واليهود على دينٍ باطل، والنصارى على دينٍ باطل، والوثنيون على دينٍ باطل، لابد من اعتقاد هذا، فمن لا يعتقد أنهم على دينٍ باطل، فهو كافرٌ مثلهم؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت.
ومن نواقض الإسلام: عدم تكفير المشركين، فمن لم يكفر الكفار أو المشركين أو اليهود أو النصارى فهو كافرٌ مثلهم، لابد أن يعتقد أنهم على دينٍ باطل، فمن يقول أنهم على دين الحق، والنصارى على دين الحق، والوثنيون على دين الحق، هذا مرتد عن الإسلام.
([1]) رواه مسلم في صحيحه برقم (91) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
([2]) المسند (1/407).
([3]) أخرجه أحمد في "المسند" (2/317، 350) ومسلم في "الصحيح" (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) وهو من أبناء يعقوب عليه السلام.
([5]) أخرجه أحمد في "المسند" (6/36، 83، 219) والبخاري في "الصحيح" (5954) ومسلم في "الصحيح" (2017) من حديث عائشة رضي الله عنها.
([6]) أخرجه أحمد في "المسند" (1/308) ومسلم في "الصحيح" (2110).
([7]) أخرجه البخاري في "الصحيح" (3011) ومسلم في "الصحيح" (154) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
([8]) أخرجه أحمد في "المسند" (2/317، 350) ومسلم في "الصحيح" (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.