** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
[فضل رمضان ونزول القرآن فيه]
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن، لإنزال القرآن العظيم فيه، وكما اختصه بذلك، قد ورد الحديث بأنه الشهر، الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء.
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله عن واثلة، يعني ابن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن، لأربع وعشرين خلت من رمضان».
[فضل القرآن]
وقوله: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى، لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه، وبينات أي: ودلائل وحججًا بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها، دالة على صحة ما جاء به من الهدى، المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقًا بين الحق والباطل، والحلال، والحرام.
[إيجاب صوم شهر رمضان]
وقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة، ونَسَختْ هذه الآية الإباحة المتقدمة، لمن كان صحيحًا مقيمًا، أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم، كما تقدم بيانه، ولما حتم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر في الإفطار، بشرط القضاء فقال: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} معناه: ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه، أو يؤذيه أو كان على سفر أي في حالة السفر فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه بعدة، ما أفطره في السفر من الأيام، ولهذا قال: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أي: إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح، تيسيرًا عليكم ورحمة بكم .
(التفسير)
في هذه الآية الكريمة: بيان وجوب الصوم حتمًا، على من توفرت فيه الشروط، وفيه الثناء على شهر رمضان، وأن الله تعالى أثنى على شهر رمضان، ومدحه من بين الشهور، واختصه، وربك يخلق ما يشاء ويختار، فالله سبحانه وتعالى يختار من الأشهر ما يشاء، كما اختار شهر رمضان، وشهر ذي الحجة، واختار من الأمكنة ويفضلها، كالحرم المكي والحرم المدني، والمسجد الأقصى، ويختار أيضًا من الأنبياء، ويختار من الأمم كما اختار هذه الأمة، وفضلها واختار نبينا صلى الله عليه وسلم، فله الحكمة البالغة، فاختار هذا الشهر.
وفيه: دليل على فضل شهر رمضان، واختاره لإنزال القرآن العظيم، الذي هو كلام الله والذي هو أفضل الكتب، اختاره لأنه هو وقت نزول القرآن فيه، واختاره لأن يكون وجوب الصوم فيه الذي هو ركن من أركان الإسلام، اختار الله أن يكون وجوب الصوم، واختار أن يكون وجوب الركن في هذا الشهر، واختار فيه إنزال القرآن العظيم، فدل على فضله، وشرفه، ولهذا قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} .
وفيه: دليل على أن القرآن فيه هداية للناس، هداية للقلوب لمن أراد الله هدايته، أما الذين لا يؤمنون به فقد عموا عنه، فمن أراد الله هدايته كان القرآن لهدايته، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} حجج واضحة، {وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} الذي يفرق بين الحق والباطل.
فهذا القرآن فيه: التفريق بين الحق والباطل، وبين الله فيه وجوب توحيده والإيمان به وبرسله، والإيمان بالملائكة والإيمان باليوم الآخر، وبين فيه صفات المؤمنين وصفات الكفار، وصفات المنافقين.
وفيه: الفرق بين الحق والباطل، وفيه هداية للقلوب، وفيه هداية للناس، وفيه الدلائل الواضحات، من الهدى والفرقان.
واختلف العلماء فيما إذا سافر، وهو صائم في أثناء اليوم، هل يفطر أو لا يفطر؟ على قولين: قيل: إذا سافر وقد صام فعليه أن يتم صومه، وإنما يجوز له الرخصة إذا ابتدأ الفطر في السفر، أما إذا صام أوله، فإن عليه أن يتمه، والقول الثاني: أن له أن يفطر ولا يتم صومه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أفطر وأفطر الصحابة في حجة الوداع.
إذا سافر وقد صام، اختلف العلماء هل يتم صومه؟ أو يجوز له الفطر؟ على قولين: والراجح أنه يجوز له أن يفطر، ولو كان صام أوله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام عندما خرج في حجة الوداع، ثم أفطر، وكذلك إذا كان قدم من السفر وهو مفطر، هل يجب عليه أن يصوم بقية يومه؟ أو له أن يستمر في فطره؟ على قولين: قيل: عليه أن يتم صومه، احترامًا للزمن، كما أنه يجب عليه أيضًا أن يصوم إذا بلغ في أثناء النهار، وهو مفطر، وكذلك الحائض والنفساء إذا طهرت في أثناء النهار، وهي مفطرة تصوم، وكذلك من أسلم في أثناء النهار يصوم بقية يومه، وقال آخرون من أهل العلم: لا يجب على هؤلاء الصوم، وقالوا: إن من أكل في أول النهار أكل في آخره، وقالوا: إن هذا الصوم لا يستفيد منه، ولكن هؤلاء يفطرون سرًا، حتى لا يقتدي بهم الفساق، إذا قدم وهو مسافر يأكل سرًا، وكذلك غيرهم ممن يجوز لهم الفطر، والقول الأول هو المعتمد عند الحنابلة، وعند جمع من أهل العلم، أنه يجب عليه الإمساك احترامًا للزمن، ويقضي هذا اليوم.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
[مسائل من الصوم في السفر]
وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح، فسار حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وأمر الناس بالفطر، أخرجه صاحبا الصحيح.
والأمر في ذلك على التخيير، وليس بحتم؛ لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، قال: «فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم»، فلو كان الإفطار هو الواجب، لأنكر عليهم الصيام، بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في مثل هذه الحالة صائمًا، لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه، من شدة الحر، وما فينا صائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.
(التفسير)
هذا يدل على أنه لا بأس بالصوم، فالإنسان مخير إذا كان يتحمل ولا يشق عليه، لكن إذا كان يشق عليه ولا يتحمل، فالفطر في حقه أفضل، مثل ما سبق، كما جاء في بعض الأحاديث، قال: «ليس من البر الصيام في السفر»([1]) لما رأى رجلًا يظلل عليه، وكذلك الذين صاموا، وسقوا الركاب، وضربوا الأخبية قال: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر»([2]) ولكن لو صام وتحمل فلا حرج، فالرسول صام كما في هذه القصة، في يوم شديد الحر، وكذلك عبد الله بن رواحة، وهو مخير بين الصوم والإفطار.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
والإفطار في السفر أفضل، أخذًا بالرخصة، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الصوم في السفر، فقال: «من أفطر فحسن، ومن صام فلا جناح عليه» وقال في حديث آخر: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم» وقالت طائفة: هما سواء لحديث عائشة: أن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال: يا رسول الله، إني كثير الصيام، أفأصوم في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» وهو في الصحيحين.
وقيل: إن شق الصيام، فالإفطار أفضل لحديث جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى رجلًا قد ظلل عليه، فقال: «ما هذا ؟» قالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصيام في السفر» أخرجاه، فأما إن رغب عن السنة، ورأى أن الفطر مكروه إليه، فهذا يتعين عليه الإفطار، ويحرم عليه الصيام[3]، ولا يجب التتابع في القضاء، بل إن شاء فرق، وإن شاء تابع، وعليه ثبتت الدلائل؛ لأن التتابع إنما وجب في الشهر، لضرورة أدائه في الشهر، فأما بعد انقضاء رمضان، فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر، ولهذا قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
[اليسر دون العسر]
ثم قال: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«يسروا، ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا» أخرجاه في الصحيحين.
وفي الصحيحين أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما، حين بعثهما إلى اليمن: «بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا».
ومعنى قوله: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} أي: إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما، من الأعذار لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم.
[ذكر الله على إتمام العبادة]
وقوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم، كما قال: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200] وقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10] وقال: {وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى} [ق39-40] ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بالتكبير، ولهذا أخذ كثير من العلماء، مشروعية التكبير في عيد الفطر، من هذه الآية: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: إذا قمتم بما أمركم الله، من طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.
(التفسير)
في هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى أراد بعباده اليسر.
وفيها: أن هذه الشريعة شرعها الله تعالى، لليسر، وليس فيها عسر، وليس فيها مشقة، وهذا من فضل الله تعالى، وإحسانه للعباد، والإرادة هنا الإرادة الدينية الشرعية.
فالإرادة نوعان: إرادة دينية قدرية، وهي في قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:124] هذه هي الإرادة الكونية، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] وهذه الآية فيها الإرادة الدينية الشرعية: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} يعني دينًا وشرعًا، ولهذا سهل الله ويسر سبحانه تعالى، وأباح الفطر للمريض والمسافر، وهذا من تيسيره على عباده، وقوله تعالى في آية المائدة: {وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:6] هذه إرادة دينية شرعية، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33] فهذه إرادة دينية شرعية، في هذه الآيات، وفيه دليل على أن الإرادة نوعان.
وفيه: إثبات الإرادة لله عز وجل، وأن الله تعالى يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر.
وفيه: فضل الله تعالى وإحسانه إلى عباده.
وفيه: أن الله تعالى لا يكلف أحدًا فوق استطاعته.
وفيه: أن التكاليف ليس فيها عسر، وليس فيها تكليف بما يطاق، والله سبحانه وتعالى خفف ويسر لعباده بما يطيقون، ثم خفف ويسر، وأباح الفطر للمريض، والمسافر والعاجز كل هؤلاء يسقط عنهم الصوم، وكل هذا من تيسير الله تعالى، على عباده. {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}.
ولقد أمر الله تعالى بإكمال الصيام، وبقضاء الصوم، من أجل أن الناس تكمل، العدة التي وجبها الله عليهم، وفيه مشروعية ذكر الله تعالى، والتكبير عند انقضاء الصيام، ولهذا قال: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وذكر الله يكون بعد العبادات، ففي الصيام: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} وفي الحج: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200] وفي الصلاة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10] شرع النبي صلى الله عليه وسلم التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح، بعد أداء الصلوات، وأن يستغفر ثلاثة وثلاثين، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذي الجلال والإكرام([4])، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
فالاستغفار والذكر تختم به العبادات، تكون بعد الصلوات، وبعد الصيام وبعد الحج، ولهذا قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي لكي تشكروا ربكم، لتكونوا من الشاكرين، فإذا أديتم ما أوجب الله عليكم من الصيام وقضاء المريض والمسافر ما عليه، وذكر الله وكبر الله عند انقضاء الصيام، فإنه يكون من الشاكرين، حيث أنه عظم الله وقبل شرعه، وتحدث بنعمة الله، وأدى ما أوجبه الله عليه، فكان من الشاكرين، لأن الشكر يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، بالقلب: بتعظيم الله وإجلاله، وخشيته والاعتراف بشرعه. وباللسان: بالثناء عليه، وتسبيحه وتقديسه وذكره، وبالجوارح باستمالته لطاعة الله، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة.. يدي ولساني والضمير المحجبا |
فالشكر يكون باليد واللسان، بالجوارح وباللسان وبالقلب.
*****
([1]) صحيح مسلم (1115) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
([2]) صحيح البخاري (2890) وصحيح مسلم (1119).
[3] قال الشارح حفظه الله: يعني لأن هذا رغب عن السنة، إذا كان في الاعتقاد أن الصيام مكروه وأنه لا ينبغي له أن يصوم، يجب عليه أن يصوم في هذه الحالة، حتى يزيل هذا الاعتقاد الفاسد.
([4]) صحيح مسلم (591).