** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
يقول الله عز وجل: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون}.
[تحريم نكاح المشركين والمشركات]
هذا تحريم من الله عزّ وجل على المؤمنين أن يتزوّجوا المشركات من عبدة الأوثان. ثم إن كان عمومُها مرادًا، وأنَّه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خَص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب.
وهكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن، والضحاك، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وغيرهم.
وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان، ولم يُردْ أهل الكتاب بالكلية، والمعنى قريب من الأول، والله أعلم.
قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات: وإنما كره عمر ذلك، لئلا يزهد الناس في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، كما روى أبو كُرَيْب، عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: خَل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخَلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. وهذا إسناده صحيح.
وروى ابن جريرعن زيد بن وهب قال: قال لي عمر بن الخطاب: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة.
قال: وهذا أصح إسنادًا من الأول.
وقد روى ابن أبي حاتم: عن ابن عمر: أنه كره نكاح أهل الكتاب، وتأول { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }.
وقال البخاري: قال ابن عمر: لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: ربها عيسى.
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك». ولمسلم عن جابر مثله. وله، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة».
وقوله: { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } أي: لا تُزَوّجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات، كما قال تعالى: { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [الممتحنة: 10].
ثم قال تعالى: { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } أي: ولرجل مؤمن -ولو كان عبدًا حبشيًّا -خير من مشرك، وإن كان رئيسًا سَرِيًّا شريفًا {أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي: معاشَرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمة { وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } أي: بشرعه وما أمر به وما نهى عنه {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون }.
(التفسير)
هذه الآية الكريمة اشتملت على حكمين أساسيين:
الحكم الأول: تحريم نكاح المشركات. والحكم الثاني: تحريم إنكاح المشركين.
الحكم الأول: حرّم الله تعالى نكاح المشركات، والمشركة هي الكافرة يشمل ذلك الوثنية، واليهودية، والنصرانية، وغيرها، وعلى هذا فهذه الآية الكريمة دلت على تحريم نكاح المشركات أيًّا كانت وثنية أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو غير ذلك من أنواع الكافرات، ثم جاء التخصيص والاستثناء في سورة المائدة استثنى الله من المشركات الكتابيات، وهنّ اليهوديات، والنصرانيات؛ لأن أهل الكتاب قلّ كفرهم عن الوثنيين عبدة الأوثان، لأن لهم كتابًا أنزل عليهم فاليهود نبيهم موسى، ونزل عليه التوراة، والنصارى نبيهم عيسى، ونزل عليه الإنجيل، ومع ذلك لم يؤمنوا بنبينا محمد فكفروا .. لكن خف كفرهم ، فخففت عنهم بعض الأحكام فأباح الله نساءهم، وذبائحهم، بخلاف أهل الأوثان لا يصح نكاح نسائهم ، ولا تباح ذبائحهم، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] حتى للغاية، لا يجوز نكاح المشركات، إلى غاية الإيمان، فإذا آمنت بالله ورسوله جاز نكاحها.
وقال آخرون من أهل العلم: إن الكتابيات لا يدخلنّ في المشركات فقوله تعالى {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} يعني عبدة الأوثان، وأما اليهودية والنصرانية فلا تسمى مشركة، بل تسمى يهودية، ونصرانية؛ لأنها ليست من عبَّاد الأوثان، وعلى هذا القول فلا يدخل أهل الكتاب في هذه الآية، فتكون هذه الآية أفادت حكما وهو أنه لا يجوز نكاح الوثنيات، وآية المائدة أفادت حكمًا آخر وهو أنه يجوز نكاح الكتابيات؛ لأن أهل الكتاب خف كفرهم {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] الأمة الرقيقة التي تباع، وتشترى مؤمنة، الأمة المؤمنة خيرٌ من المشركة، ولو كانت حرة، ولو كانت حسيبة، نسيبة، ولو كان لها مكانة في المجتمع، فالأمة المؤمنة تفوقها في مالها.
والحكم الثاني: تحريم إنكاح المشركين المؤمنات {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} حتى غاية، أي المعنى لا تزوجوا المشركين المؤمنات حتى يؤمنوا إلى غاية الإيمان، وهذا الحكم عام يشمل أهل الكتاب وغيرهم.
الحكم الثاني هذا عام بخلاف الحكم الأول فإنه استثنى أهل الكتاب فيجوز نكاح نسائهم، أما الحكم الثاني وهو {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} هذا عام في المشركين وعبدة الأوثان، واليهود، والنصارى لا يجوز لهم تزوج المسلمة، لا يجوز للمشرك، ولا للوثني ولا للنصراني تزوج المسلمة، ويدل على ذلك أيضًا، ويؤكده قوله الله تعالى في سورة الممتحنة: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] {لا هنّ} المسلمات {حلٌ لهم} الكفرة، {ولا هم يحلون لهنّ}.
وهنا قال: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} ولعبد مؤمن: العبد المؤمن الذي يُباع، ويشترى خير من المشرك الحر الذي له مكانة في المجتمع {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} يعني مخالطة الكفار ومشاركتهم في أحوالهم تدعو إلى النار؛ لأن مخالطتهم ومعاشرتهم تدعو إلى الركون إلى الدنيا، وإيثارها على الآخرة، وهذا هو طريق النار {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} بشرعه الذي شرعه في كتبه، وعلى ألسنة رسله {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} والمعنى لكي يتذكروا، والله يبين آياته للناس لكي يتذكروا، ولعل للتعليل، وللترجي.
ففي هذه الآية الكريمة: تحريم نكاح المشركين، وتحريم نكاح المشركات الوثنيات، وأما نكاح الكتابيات فقد أباحه الله تعالى في سورة المائدة، وتحريم تزويج المشركين المؤمنات مطلقًا سواء كان وثنيًا أو يهوديًا أو نصرانيًا.
وفيه: فضل المؤمن - ولو كان عبدًا - على الكافر، وأنه خيرٌ منه عند الله عز وجل، وفيه فضل المؤمنة، ولو كانت أمة على المشركة ولو كانت حرة.
وفيه: أن الكفار يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه بشرعه الذي شرعه.
وفيه: أن الله بيّن آياته للناس، فقامت الحجة، وأن مَن لم تقم عليه الحجة، ولم تبلغه الدعوة فإنه لا يُعذب حتى تقوم عليه الحجة، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] وذلك كأهل الفترات .. أما مَن بلغته الدعوة، وبلغه القرآن فإن الحجة قد قامت عليه قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، وقال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] فقامت الحجة ببلوغ القرآن، وإرسال الرسول.
فائدة: لو تزوج المسلم كتابية فإنه يحبها لأنها زوجته لكن محبة طبع لا محبة دين، ولهذا كره عمر -رضي الله عنه- التزوج من الكتابيات خشية أن تنشئ أولادها على دينها، وخشية أن يزهد المسلمون في المسلمات، فالمحبة لدينهم لا تجوز بل هذه ردة عن الإسلام، مَن أحب كافرًا لدينه هذا ردة عن الإسلام.
والزواج من الكتابية قد قيدها الله تعالى بشرط أن تكون محصنة، يعني عفيفة، حافظة لنفسها {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:24] المحصنة هي العفيفة، أما الفاجرة التي لا تحفظ نفسها، والتي تخادن، فلا يجوز نكاحها، لابد أن تكون محصنة وإن كانت على دينها، لكن محصنة يعني حافظة نفسها من جهة عرضها، تكون حافظة لعرضها مع كفرها.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين }
[الأمر باعتزال النساء في المحيض]
روى الإمام أحمد عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يُؤَاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحابُ النبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } حتى فرغ من الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح». فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يَدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه!
فجاء أسيد بن حُضَير وعبَّاد بن بشر فقالا يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وَجَدَ عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يَجدْ عليهما. رواه مسلم ([1]).
(التفسير)
الشيخ: قوله: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" يعني الجماع، النكاح هو الجماع، اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، وتجنبوها، وعزلوها في غرفة مستقلة لا يُآكلونها، ولا يُشاربونها، ولا يجلسون معها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، والله تعالى يقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] هذا يخص الدم، كونها مثلًا تطبخ، وتعجن، وتغسل لا شيء في ذلك، فالرجل يتمتع بها، يُباشرها، يضمها إليه لا حرج في ذلك، فالممنوع هو مباشرة النجاسة التي تخص الدم، فالممنوع الجماع، ولهذا لما قال أسيد بن حُضير، وعبَّاد بن بشر قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل، يعني محمدًا، من شيء إلا خالفنا، قال أسيد بن حُضير وعبَّاد بن بشر: أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه النبي ، لأن هذا مخالفة للآية، وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب عليهما، فلما خرجا استقبلهما هدية من لبن فدعاهما فسقاهما، فعرفا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد في نفسه عليهم.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
فقوله: { فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ } يعني في الفَرْج، لقوله: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»؛ ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج.
روى أبو داود ([2]): عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا.
وروى أبو جعفر بن جرير ([3]) أن مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السلام على النبي وعلى أهله. فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحي. فقالت: إنما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقالت: له كل شيء إلا فرجها.
وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وعكرمة
قلت: وتحل مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلاف.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض، وكان يتكئ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن ([4]).
وفي الصحيح عنها قالت: كنت أتعرّق العَرْق وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه ([5]).
(التفسير)
العرق هو العظم في عروش اللحم، إذا أكلت منه عائشة أعطته إياه أخذه ووضع فمه على مكان فمها من العظم من باب الإيناس لها، وهي حائض، الحيض يخص الدم، وأما جسمها فما فيه شيء.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
ثبت في الصحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلالية قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض ([6]). وهذا لفظ البخاري. ولهما عن عائشة نحوه ([7]).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن سعد الأنصاري: أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما يَحِل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: « ما فوق الإزار»([8]).
فقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ } تفسير لقوله: { فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ } ونهي عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجودًا، ومفهومه حله إذا انقطع.
وقوله: { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال.
وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضُها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم، إن تعذر ذلك عليها بشرطه.
وقال ابن عباس: { حَتَّىَ يَطْهُرْنَ } أي: من الدم { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي: بالماء. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيان، والليث بن سعد، وغيرهم.
[تحريم الوطء في الدبر]
وقوله: { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني الفَرْج، وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر، كما سيأتي تقريره قريبًا إن شاء الله.
وقال أبو رَزين، وعكرمة، والضحاك وغير واحد: { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } يعني: طاهرات غير حُيَّض، ولهذا قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: من الذنب وإن تكرر غشْيانه، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين } أي: المتنزهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض، أو في غير المأتى.
(التفسير)
هذه الآية الكريمة صدرها الله بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة:222] مما يدل على أن هذه الآية نزلت جوابًا لسؤال، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المحيض (الحيض) عن إتيان المرأة وهي حائض فأنزل الله هذه الآية، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ففيه دليل على تحريم إتيان الرجل زوجته وهي حائض؛ لأن الحيض أذى.
فقوله: { وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } دليل على وجوب اعتزال المرأة الحائض، وجوب اعتزال الجماع، وأما غير الجماع فلا بأس به، كالمضاجعة والمباشرة والأفضل إذا أراد أن يباشرها أن يُباشرها فيما بين السرة والركبة ويضع إزار، وهذا هو الأفضل؛ لأن هذا أحوط للإنسان لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" وظاهر الحديث حديث أنس "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" يجوز للإنسان أن يباشرها ولو بدون إزار بشرط أن يتجنب الفرج، لكن الأفضل أن يضع إزارًا، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها أن تلبس إزارًا فيما بين السرة والركبة احتياطًا، وهذا هو الأفضل.
وفي الآية تحريم جماع المرأة وهي حائض لقوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} وفيه أن لا يجوز للإنسان أن يقربها يعني للجماع {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وفيه دليل على أنه يجوز إتيان المرأة إذا انقطع دمها بشرطين: الشرط الأول: انقطاع الدم. الشرط الثاني: الاغتسال.
يقول تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} هذا الشرط الأول، حتى يطهرنّ بانقطاع الدم، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} وهو الاغتسال بالماء، فالله تعالى اشترط شرطين: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} بانقطاع الدم، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} الاغتسال بالماء {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وهو الفرج الذي هو محل الحرث.
وفيه دليل على تحريم الإتيان في الدبر لقوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} والذي أمر الله به هو الإتيان في الفرج فدل عل تحريم الإتيان في الدبر.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} فيه إثبات المحبة لله عز وجل، والرد على مَن أنكر المحبة من الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة وكلهم ينكرون المحبة، والأشاعرة لا يثبتون إلا سبع صفات هي: الحياة، والكلام، والبصر، والسمع، والعِلم، والقدرة، والإرادة، وليس منها المحبة، والرضا، والغضب بل ينكرون كل هذا.
ففي الآية إثبات صفة المحبة لله عز وجل فهو يحبهم لأنهم متطهرون، والله يحب التوابين الذين يتوبون من ذنوبهم بالندم على المعاصي، والتوبة تكون بترك المعاصي، والتخلي عنها، والعزم على عدم العودة إليها.
والمتطهرون من الأقذار والأنجاس، ومن ذلك: إتيان المرأة وهي حائض فإن هذا خلاف الطهارة.
وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وفيه فضل التائبين، وفضل المتطهرين، وأن الله يحبهم.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
[سبب نزول قوله: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}]
وقوله: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } قال ابن عباس: الحرث موضع الولد { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أي: كيف شئْتم مقبلة ومدبرة في صِمام واحد، كما ثبتت بذلك الأحاديث.
وروى البخاري ([9]): عن ابن المنْكَدر قال: سَمعت جابرًا قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ورواه مسلم وأبو داود.
وروى ابن أبي حاتم: عن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره: أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }.
قال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج».
وروى الإمام أحمد([10]) عن ابن عباس، قال: أنزلت هذه الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} في أُناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتها على كل حال إذا كان في الفرج».
وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن سابط قال: دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت: إني سائلك عن أمر، وإنى أستحيي أن أسألك. قالت: فلا تستحي يا ابن أخي. قال: عن إتيان النساء في أدبارهن؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يَجُبّون النساء، وكانت اليهود تقول: إنه من جَبَّى امرأته كان الولد أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار، فجبَّوهُنّ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ادعي الأنصارية»: فدُعيَتْ، فتلا عليها هذه الآية: «{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } صمامًا واحدًا». رواه الترمذي وقال: حسن ([11]).
(التفسير)
التجبية هو الإتيان من الخلف، يجعلها تكب على وجهها وكان الأنصار لا يأتونها، وكان المهاجرون يأتونها، فلما تزوج مهاجري أراد أن يأتيها من الخلف فامتنعت عن التجبية.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن سابط قال: دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت: إني سائلك عن أمر، وإني أستحيي أن أسألك. قالت: فلا تستحي يا ابن أخي. قال: عن إتيان النساء في أدبارهن؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يَجُبّون النساء، وكانت اليهود تقول: إنه من جَبَّى امرأته كان الولد أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار، فجبَّوهُنّ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ادعي الأنصارية»: فدُعيَتْ، فتلا عليها هذه الآية: «{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } صمامًا واحدًا». رواه الترمذي وقال: حسن ([12]).
وروى النسائي عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر: أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر: إنه قد أكثر عليك القول: إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال: كذبوا علي، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتى بلغ: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } فقال: يا نافعُ، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نُجبِّي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }.
وهذا إسناد صحيح.
وروى أحمد: عن خزيمة بن ثابت الخطمي حدثه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستحيي الله من الحق، لا يستحي الله من الحق -ثلاثًا -لا تأتوا النساء في أعجازهن» (2).
ورواه النسائي، وابن ماجه (3).
وروى أبو عيسى الترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأة في الدُبر»(4) ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه ابن حزم أيضًا.
وروى الإمام أحمد عن علي بن طلق، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن؛ فإن الله لا يستحيي من الحق (5).
وأخرجه أبو عيسى الترمذي، وقال: هو حديث حسن (6).
روى أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الدارمي في مسنده: عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدُّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين (7)؟.
وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك.
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حصين، حدثني إسماعيل بن روح: سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن: قال: ما أنتم قوم عرب. هل يكون الحرث إلا موضع الزرع، لا تعدو الفرج.
قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون: إنك تقول ذلك؟! قال: يكذبون علي، يكذبون علي.
فهذا هو الثابت عنه، وهو قول سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف: أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر ([13])، وهو مذهب جمهور العلماء.
وقوله تعالى: { وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ } أي: من فعل الطاعات، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرمات؛ ولهذا قال: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ } أي: فيحاسبكم على أعمالكم جميعًا.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين } أي: المطيعين لله فيما أمرهم، التاركين ما عنه زجرهم.
وروى ابن جرير: عن عطاء -قال: أراه عن ابن عباس -: { وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ } قال: تقول: «باسم الله»، التسمية عند الجماع.
وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا»([14]).
(التفسير)
هذه الآية الكريمة فيها إرشاد من الله تعالى لعباده في كيفية إتيان أزواجهم، {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة:223] بيّن الله تعالى أن الزوجة هي محل الحرث، ومحل الزرع، والحرث هو محل الزرع، والمراد هنا أن الزوجة هي محل الولد، وأنها بمثابة الحرث للزرع، فكما أن الحرث يحتاج إلى أرض، فكذلك المرأة هي مكان حرث الولد، {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أباح الله تعالى في هذه الآية الكريمة إباحة إتيان الرجل امرأته على أي كيفية شاء على شرط أن يكون في صمامٍ واحد وهو الفرج، مقبلة أو مدبرة، يعني جمعها من جهة الأمام، ومن جهة الخلف إذا كان ذلك في الفرج، {وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ} امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه أو قدموا لأنفسكم التسمية كما جاء في الحديث: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا"([15]) وفيه الأمر بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال، ومن ذلك: الامتناع من إتيان المرأة في الدبر.
{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} وهذا فيه تذكير للعباد بالوقوف بين يدي الله {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} واقفون بين يديه، ويحاسبكم، ويجازيكم على أعمالكم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الذين امتثلوا أوامر الله، واجتنبوا نواهيه بالجنة والكرامة ورضا الرب عز وجل.
([1]) مسند أحمد (3/132) وصحيح مسلم برقم (302) .
([2]) سنن أبي داود برقم (272).
([3]) تفسير الطبري (4/378).
([4]) رواه مسلم في صحيحه برقم (297).
([5]) صحيح مسلم برقم (300).
([6]) صحيح البخاري برقم (303) وصحيح مسلم برقم (294).
([7]) صحيح البخاري برقم (300) وصحيح مسلم برقم (293).
([8]) المسند (4/342) وسنن أبي داود برقم (212) وسنن الترمذي برقم (133) وسنن ابن ماجة برقم (651).
([9]) صحيح البخاري برقم (4528).
([10]) المسند (1/268).
([11]) مسند أحمد (6/304) وسنن الترمذي برقم (2979).
([12]) سنن الترمذي برقم (2979)..
([13]) الكفر يعني الفعل، يعني كفر أصغر، كفر فعلي.
([14]) صحيح البخاري برقم (141).
([15]) صحيح البخاري برقم (141).