** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
[الأمر بحسن المعاملة مع المطلقة]
هذا أمر من الله عز وجل للرجال إذا طلق أحدهم المرأة طلاقًا له عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها، أي: يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروف، وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها، أي: يتركها حتى تنقضي عدتها، ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح، قال الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} قال ابن عباس، ومجاهد، ومسروق، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع، ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارًا، لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك، وتوعدهم عليه فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي: بمخالفته أمر الله تعالى.
وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} روى ابن جرير عنه هذه الآية عن أبي موسى، أن رسول الله ﷺ غضب على الأشعريين فأتاه أبو موسى قال: يا رسول الله، أغضبت على الأشعريين، فقال: «يقول أحدكم: قد طلقت، قد راجعت، ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها».
وقال مسروق: هو الذي يطلق في غير كنهه، ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها، لتطول عليها العدة.
وقال الحسن، وقتادة، وعطاء، والربيع، ومقاتل بن حيان: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فألزم الله بذلك.
وقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} أي: السنة {يَعِظُكُمْ بِهِ} أي: يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: فيما تأتون وفيما تذرون {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فلا يخفى عليه شيء من أموركم السرية والجهرية، وسيجازيكم على ذلك.
(الشرح)
المرأة المطلقة إذا قاربت على الانتهاء من العدة فإما أن يمسكها قاصدا الإحسان إليها بالمعروف، وإما أن يتركها حتى تنقضي عدتها فيسرحها بإحسان؛ ولهذا قال سبحانه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}.
وفي الآية تحريم الإضرار بالمرأة قال: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، وذلك أن يطلقها فإذا شارفت العدة على الانتهاء راجعها حتى تطول العدة، كما كان يُفعل في الجاهلية، ثم يطلقها فإذا شارفت العدة أن تنتهي راجعها؛ لأنهم ليس عندهم حد محدود.
وفيه الوعيد الشديد على من ضارَّ المرأة، قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} هو من الظلمة، الذي يضار المرأة ويطلقها ثم يمسكها بقصد الإضرار.
وفيه النهي عن السخرية بآيات الله وحدوده ولهذا قال: {وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}، الرجل يطلق ويقول: أنا ساخر، ويطلق ويقول: أنا أمزح، أو يتزوج مازحا، أو يعتق مازحا، هذا لازم له.
وفي الحديث: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة» وفي رواية: «والعتق».
يعني: ليس هناك سخرية، ليس هناك مزاح في تلك الأمور، وهذه الأمور فيها الجد؛ ولهذا قال: {وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}.
وكما قال الحسن: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فألزم الله بذلك.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بإرساله الرسول وإعطائه البينات والحجج، {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} أنزل الله عليكم الكتاب، وهو القرآن العظيم، والحكمة هي السنة.
{يَعِظُكُمْ بِهِ} ويذكركم بفضله وإنعامه عليكم، ويذكركم بالله عز وجل لتحذروه؛ ولهذا قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: احذروا عقوبته وسخطه، واحذروا المضارة، واحذروا العدوان.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} عليم بأحوالكم وأقوالكم ونياتكم، وسوف يجازيكم عليها.
في هذه الآية الكريمة وجوب الإحسان إلى المطلقة، وهو أن يمسكها بمعروف، أو يسرحها بالمعروف.
وفيه تحريم الإضرار بالمرأة، وهو أن يراجعها بقصد الإضرار بها حتى تطول العدة؛ ولهذا قال: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} أي: لتتجاوزوا حدود الله.
وفيه التذكير بنعم الله على عباده بإرساله الرسول وإنزاله القرآن.
وفيه أن الكتاب العزيز والحكمة فيه العظة من الله لعباده، ويذكر الله تعالى عباده بنعمه، ويعظهم، ويذكرهم نعمته عليهم فوجب عليهم شكره بأداء حقه والقيام بأمره.
وفيه الأمر بتقوى الله عز وجل، وفيه تذكير الله لعباده بعلمه بكل شيء وأنه عالم بأحوال عباده خفيها وجليها، وأنه عالم بالبواطن والظواهر والنيات، وسوف يجازي على ذلك.
(المتن)
قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
[نهي الولي عن منع المرأة أن تنكح زوجها المطلق]
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها، وتريد المرأة ذلك، فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله أن يمنعوها. وكذا روى العوفي عنه عن ابن عباس أيضًا ، وكذا قال مسروق، وإبراهيم النخعي، والزهري والضحاك إنها أنزلت في ذلك. وهذا الذي قالوه ظاهر من الآية.
[لا نكاح إلا بولي]
وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها، وأنه لا بد في تزويجها من ولي، كما قاله الترمذي وابن جرير عند هذه الآية، كما جاء في الحديث: لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها([1]). وفي الأثر الآخر: لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل.
[سبب نزول الآية]
وقد روي أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار المزني وأخته، فقد روى البخاري، رحمه الله، في كتابه الصحيح عند تفسير هذه الآية:
أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها، فتركها حتى انقضت عدتها، فخطبها، فأبى معقل، فنزلت: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}.
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه من طرق متعددة، عن الحسن، عن معقل بن يسار ، به. وصححه الترمذي أيضًا، ولفظه عن معقل ابن يسار: أنه زوج أخته رجلا من المسلمين، على عهد رسول الله ﷺ، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يا لكع أكرمتك بها وزوجتك، فطلقتها! والله لا ترجع إليك أبدًا، آخر ما عليك قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إلى قوله: {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فلما سمعها معقل قال: سمعًا لربي وطاعةً ثم دعاه، فقال: أزوجك وأكرمك ، زاد ابن مردويه: وكفرت عن يميني.
وقوله: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أي: هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، يأتمر به ويتعظ به وينفعل له {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} أيها الناس {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أي: يؤمن بشرع الله، ويخاف وعيد الله وعذابه في الدار الآخرة وما فيها من الجزاء {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} أي: اتباعكم شرع الله في رد الموليات إلى أزواجهن، وترك الحمية في ذلك، أزكى لكم وأطهر لقلوبكم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} أي: من المصالح فيما يأمر به وينهى عنه {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أي: الخيرة فيما تأتون ولا فيما تذرون.
(الشرح)
هذه الآية الكريمة في نهي الأولياء أن يمنعوا مولياتهم من الرجوع إلى أزواجهن بعد الطلاق وانقضاء العدة إذا هوى الزوج امرأته وهويته؛ ولهذا قال سبحانه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}.
وفيها دليل على أن النكاح لا يكون إلا بولي؛ لأن المخاطب الأولياء، قال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} أيها الأزواج، {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} أيها الأولياء.
وهذا يدل على أنه لا بد من الولي، فالمرأة لا يمكن أن تزوج نفسها، ولا بد أن يكون الولي هو الذي يتولى ذلك، وهذا من إكرام الله تعالى للمرأة ألا تباشر العقد بنفسها؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسَهَا».
وقال ﷺ: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» وهذا هو الصواب، وهو الذي عليه جماهير العلماء.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الولي لا يشترط، وهذا قول مرجوح، قد أخذ بهذا القول بعض الناس في كثير من المجتمعات، فتمردت النساء على أوليائهم، فصارت المرأة تتزوج بغير إذن وليها، وإذا مضت مدة ذهبت معه إلى قريته واتصلت بوليها وقالت له: تزوجتُ من شهرين أو ثلاثة.
فهذا له آثاره السيئة، قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أيها الأولياء، {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} يعني: أن يرجعن إلى أزواجهن بعقد ومهر جديد، {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}؛ ولهذا قال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} إذا حصل الرضا بين الزوج السابق والزوجة بعد مضي العدة فله أن يخطبها وله أن يتزوجها فإذا رضيته ورضي بها فإنه يمهرها ويزوجها وليها.
قال سبحانه: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} هذه الأحكام الشرعية يوعظ بها ويتعظ ويأتمر بهذه الأوامر وينتهي عن النواهي من كان يؤمن بالله وبشرعه القويم ويؤمن بالله واليوم الآخر.
بيَّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن امتثال هذه الأوامر والانتهاء عن النواهي إنما يتعظ به من كان يؤمن بالله وبشرعه ومن كان يؤمن بالجزاء والحساب ويرجو ما عند الله عز وجل، وأن هذه الأوامر والنواهي فيها تزكية للنفوس، وتطهير لقلوبهم من الغل والحقد والضغينة.
وفيه التسليم لله ورسوله، التسليم لله تعالى في أحكامه، فإن الله تعالى يعلم بمصالح عباده ما لا يعلمه الناس.
وفي هذه الآية الكريمة: من الأحكام، أنه إذا طلق الرجلُ زوجتَه ثم تركها حتى انتهت عدتها، ثم خطبها وهويته، فلا يجوز لوليها أن يمنعها، بل يجب عليه أن يوافق، وأن منْعَه إياها محرَّم عليه؛ ولهذا قال: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.
وفيه: أن أحكام الله وشريعته إنما ينتفع بها من يؤمن بالله وبشرعه وبدينه ويؤمن بالجزاء والحساب.
وفيه: أن الأوامر والنواهي فيها تزكية للنفوس وطهارة للقلوب.
وفيه: أن الله تعالى أعلم من خلقه بمصالح عباده ولهذا يشرِّع لهم ما يناسبهم وما فيه صلاحهم؛ في معاشهم ومعادهم.
فيجب على المسلم أن يقبل شرع الله وأن يسلم لله، وأن يعلم أن ربه سبحانه حكيم عليم، فينقاد لشرعه ودينه عن رضا وطواعية، نعم.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
[لا رضاعة إلا في مدة الرضاعة]
هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات: أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك؛ ولهذا قال: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فلا يحرِّم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرِّم([2]).
قال الترمذي: «باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين»: عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: «لا يحرِّم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام». وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله ﷺ وغيرهم: أن الرضاعة لا تحرِّم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرِّم شيئًا.
قلت: تفرد الترمذي برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصحيحين.
ومعنى قوله: «إلا ما كان في الثدي»، أي: في محل الرضاعة قبل الحولين، كما جاء في الحديث، الذي رواه أحمد، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما مات إبراهيم ابن النبي ﷺ قال: «إن ابني مات في الثدي، إن له مرضعًا في الجنة».
ويؤيده ما رواه الدارقطني، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين».
قلت: وقد رواه الإمام مالك في الموطأ، عن ثور بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.
ورواه الداراوردي عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وزاد: «وما كان بعد الحولين فليس بشيء»، وهذا أصح.
[رضاعة الكبير]
وقد روي في الصحيح عن عائشة، رضي الله عنها: أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم، وهو قول عطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وكانت عائشة رضي الله عنها تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها فترضعه([3])، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما حيث أمر النبي ﷺ امرأة أبي حذيفة أن ترضعه، وكان كبيرًا، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أزواج النبي ﷺ، ورأين ذلك من الخصائص ، وهو قول الجمهور.
[أجرة المرضعة]
وقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره، كما قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7].
قال الضحاك: إذا طلَّقَ زوجته وله منها ولد، فأرضعت له ولده ، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف.
[لا ضرر ولا ضرار]
وقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} أي: بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعُه إذا ولدته حتى تسقيه اللّبأ([4]) الذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضّرار لها.
ولهذا قال: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي: بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارًا بها، قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك، والزهري، والسدي، والثوري، وابن زيد، وغيرهم.
وقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} قيل: في عدم الضرار لقريبه قاله مجاهد، والشعبي، والضحاك.
وقيل: عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها، وهو قول الجمهور. وقد استقصى ذلك ابن جرير في تفسيره.
وقد ذُكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما ضرت الولد إما في بدنه أو عقله، وقد قال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أنه رأى امرأة تُرضع بعد الحولين. فقال: لا ترضعيه.
[الفطام عن تراض منهما]
وقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي: فإن اتفقا والدَا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيَا في ذلك مصلحة له، وتشاورَا في ذلك، وأجمعَا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤْخَذُ منه: أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره، وهذا فيه احتياط للطفل، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه كما قال في سورة الطلاق: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق:6].
وقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أي: إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يستلم منها الولد إما لعذر منها، أو لعذر له، فلا جناح عليهما في بذله، ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف. قاله غير واحد.
وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: في جميع أحوالكم {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم وأقوالكم.
(التفسير)
هذه الآية الكريمة في النفقة على الرضيع، وفي حكم الوارث الذي يقوم مقام الأب، يقول تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} دلت هذه الآية الكريمة على أن الرضاعة الكاملة تكون في الحولين، وأن ما بعد ذلك فإنه قد تجاوز مدة الرضاع وهي حولان كاملان، وما زاد على ذلك فهذا يدل على أنه تجاوز المدة المحددة.
وقد يكون فيه ضرر للطفل، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15] يعني: حمله وفطامه ثلاثون شهرًا، فمدة الرضاع سنتان.
الرضاعة أربع وعشرين شهرًا، وأقل مدة الحمل ستة أشهر.
قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} دلت الآية على أن تمام الرضاعة حولان كاملان، ولهما أن يفطما الرضيع قبل ذلك كما ذكره الله في آخر الآية.
وبين الله سبحانه وتعالى أن الأب، وهو والد الطفل عليه النفقة والكسوة للطفل ولوالدته، سواء كانت الوالدة معه أو مطلقة؛ ولهذا قال سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} يعني: يعطيها النفقة بالمعروف، بما جرت العادة به في ذلك الزمان وفي ذلك الوقت وفي ذلك المكان، يعني يختلف باختلاف أحوال الناس وأمكنتهم وأزمنتهم وعوائدهم.
{بِالْمَعْرُوفِ} بما تعارف عليه الناس، على حسب يسره وعسره، كما قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق:7].
{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} فيه أن الإنسان لا يكلف أكثر من طاقته، وهذا من محاسن الشريعة ومن رحمة الله تعالى بعباده.
وقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فيه تحريم الإضرار من كل واحد من الأبوين للآخر.
فالوالدة لا يجوز للأب أن يضارها بولدها بأن ينتزع ولدها منها وهي تريد أن ترضعه وتريد أن تقوم بشئونه؛ لأن بقاءه عندها أولى من غيرها.
{وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} وكذلك الأم ليس لها أن تضار الأب فترمي الطفل عند أبيه من باب الإضرار، ولا تسقيه اللبأ، أو ترميه من باب الإضرار فلا يجوز لها ذلك.
أما إذا كانت لا تريد الإضرار فلها أن تدفع الطفل إلى أبيه، وله أن يسترضع امرأة أخرى، ويعطيها أجرة الرضاع؛ ولهذا قال سبحانه: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}.
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فيه دليل على أن الوارث الذي يقوم مقام الأب عليه ما على الأب من النفقة على الطفل وعلى والدته وعدم الإضرار بها.
وقوله: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} فيه دليل على أنه يجوز فطم الصبي قبل الحولين بعد المشاورة من الأبوين جميعًا؛ ولهذا قال: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} لا بد أن يتشاورَا، فإن تشاورَا وتراضيَا ورأيَا أن المصلحة في فطمه قبل الحولين فلا بأس بذلك.
وفيه: دليل على أن أحدهما لا يستبد بالأمر.
وفيه: رحمة الله بعباده حيث أوصى الوالدين وحجر عليهما أن يفطما الطفل إلا بعد التراضي والتشاور.
وقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} فيه: دليل على أنه لا بأس للمرأة أن تعطي الولد لأبيه، فيدفعه إلى امرأة أخرى ترضعه إذا أعطاها حقها وأعطى المرضع حقها إذا كان هذا عن تراض وليس عن إضرار.
وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيه الأمر بتقوى الله، وفيه الوعيد لمن خالف هذه الأوامر، فهو بصير بأعمالكم ونياتكم وأحوالكم وسوف يجازيكم، ويعلم المُضار وغير المُضار، ويعلم المصلح وغير المصلح.
وقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فيه: دليل على أن الرضاع المحرِّم ما يكون في الحولين، ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «إنما الرضاعة من المجاعة» وقال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين» وقال: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام».
فالرضاع المحرِّم لا بد أن يكون في الحولين.
وذهب بعض العلماء إلى أن الرضاع يحرِّم ولو كان كبيرًا وإلى هذا ذهبت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، اجتهدت وكذلك عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وأبو داود الظاهري وابن حزم ذهبوا إلى أن رضاع الكبير يحرِّم، واستدلوا بحديث سهلة بنت سهيل أنها جاءت إلى النبي ﷺ وقالت: يا رسول الله، إن سالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وإنه بلغ مبلغ الرجال، فقال: «أرضعيه تحرمي عليه».
وفي رواية أنها قالت: يا رسول الله إنه ذو لحية، فتبسم وقال: «أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه».
عائشة أخذت بهذا الحديث فرأت أن رضاع الكبير يحرِّم، ولو كان كبيرًا، فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من الرجال من أرادت أن يدخل عليها، اجتهادًا منها.
وخالفها في ذلك جميع أزواج النبي ﷺ؛ أم سلمة وسائر أزواج النبي ﷺ، وقلن: إن قصة سهلة وسالم خاصة بهما.
ومن العلماء من قال: إنها منسوخة، لكن أجابوا أن الخصوصية تحتاج إلى دليل، ولم يبين النبي ﷺ أنه خاص بها.
وأما القول بأنها منسوخة فهذه القصة متأخرة.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الرضاع لا يحرِّم إلا إذا كان صغيرًا، إلا إذا دعت الحاجة، أي: إذا دعت الحاجة بأن يكون هناك شخص لا بد من وجوده في البيت ولا يمكن التحرز منه، واضطرت المرأة إلى ذلك واحتاجت فإنها ترضعه ويحرم عليها.
والصواب هو ما عليه جمهور العلماء، أن الرضاع لا يحرِّم إلا في الحولين، والقول بأن رضاع الكبير يحرِّم فهذا فيه فتح باب للشرور والفتن ولا سيما في هذا الزمن الذي ضعف فيه الإيمان ووازع الدين.
هذا يكون فيه فتح الباب، مثلاً: قلما بيت لا يكون فيه خدم وسائقي السيارات، فتدعي المرأة أنها أرضعته وتركب مع السائق وحدها، ويقال لها: كيف تركبين معه، فتقول أنها أرضعته.
وتترك ابنتها يذهب معها إلى السوق ثم تقول: هو أخوها من الرضاعة، أرضعته أمها خمس رضعات.
وهذا فيه فتح بابٌ للشرور والفتن، والصواب المنع، وأن هذا خاصٌ بسالم وسهلة.
فالصواب في المسألة: أن رضاع الكبير لا يحرِّم، وأن الرضاع لا يحرِّم إلا خمس رضعات في الصغر أيضًا.
وذهب بعض العلماء وجماعة من السلف والخلف إلى أن الرضاع يحرِّم قليلًا كان أو كثيرًا ولو رضعة واحدة.
واستدلوا بهذه الآية: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وبقوله ﷺ: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقالوا: هذا يدل على أن الرضعة تكفي.
وقال آخرون من أهل العلم: إن المحرِّم ثلاث رضعات، واستدلوا بحديث عائشة: «لا تحرِّم المصة ولا المصتان» رواه مسلم، وفي الحديث الآخر الذي أخرجه مسلم: «لا تحرِّم الإملاجة ولا الإملاجتان».
ويجاب عن هذا الحديث بأن هذا مفهوم، ولكن يقدم عليه منطوق حديث عائشة في صحيح مسلم: «كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نسخنَ بخمس معلومات يحرِّمن، فتوفي رسول الله ﷺ وهن فيما يقرأ من القرآن» فهذا هو الصواب، أن المحرِّم خمس رضعات في الحولين، ولا بد أن تكون الرضعات في الحولين.
والرضعة أن يمتص الصبي اللبن من الثدي ثم يتركه باختياره دون أن يقطعه أحد، هذه رضعة، ثم إذا عاد فرضع فهذه رضعة أخرى.
وقد تكون الخمس رضعات في مجلس واحد، أو في مجالس متفرقة.
الرضعة الواحدة أن يمتص الصبي اللبن ثم يتركه باختياره دون أن يقطعه أحد، هذه رضعة، ثم إذا عاد فهذه رضعة ثانية، وهكذا.
فالرضعات المحرِّمة تكون خمس رضعات وتكون في الحولين، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون والذي دلت عليه النصوص، وأما قصة سالم هذه قصة واحدة، قال النبي ﷺ لسالم مولى أبي حذيفة وكان عندهم وكان مولى لهم، قال لسهلة رضي الله عنها: «أرضعيه تحرمي عليه» فخصهم بذلك.
([1]) ابن ماجه: 1/ 606 (2) فتح الباري: 8/ 40 (3) أبو داود: 2/ 569 وتحفة الأحوذي: 8/ 325 و ابن أبي حاتم غ: 2/ 778 والطبري: 5/ 17 – 19 والبيهقي: 7/ 104 (4) تحفة الأحذوي: 8/ 324 (5) البيهقي: 7/ 104 (6) تحفة الأحوذي: 4/ 313 (7) عمدة التفسير: 1/ 126 (8) الدارقطني: 4/ 174 (9) الموطأ: 2/ 602
([2]) قال الشارح -حفظه الله-: أي: هذا الرضاع لا يحرِّم في المستقبل، لا يجعلها للرجال محرمة، إذا كان الرضاع بعد الحولين، ويدل على هذا الحديث: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان في الحولين».
([3]) قال الشارح -حفظه الله-: وهذا قول أبي داوود الظاهري وابن حزم.
([4]) قال الشارح -حفظه الله-: واللباء: هو الرضعة الأولى وهو لبن غليظ لا يعيش الولد إلا به، فليس لها أن ترمي الولد إلى أبيه من غضب وتمنعه اللباء، فقد يموت إذا لم يشرب اللباء.