شعار الموقع

التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين 17

00:00
00:00
تحميل
18

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى أشرف الأنبياء والمرسلين نَبِيُّنَا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا, قَالَ المصنف رحمه الله: فصل في بيان حقيقة الإلحاد في أسماء رب العالمين وذكر انقسام الملحدين.

(المتن)

والمقصود من هَذَا الفصل؛ حفظ أسماء الله وأوصافه عن أن تحرف أو تُغير أو يُنقص منها شيء أو يُبخس من كمال شيءٍ من أوصافه, أو تُعطل أو تُمثل, ولهذا ذكر الأصل الجامع في هَذَا بقوله:

أسماؤه أوصاف مدح كلها
 

 

مشتقة قد حملت لمعان
 

 

يَعْنِي: أن أسماءه كلها أوصاف مدحٍ وحمدٍ وثناء وهي مشتقة معانيها ثابتةٌ له حقائقها.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْدَ:

فهذا الفصل معقودٌ لبيان حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى وأقسام الملحدين, والإلحاد معناه في اللغة؛ الميل, والمراد: الميل عن الحق والصواب إِلَى الباطل, ومنه سُمي اللحد, فالقبر سمي لحدًا لِأَنَّه مائل عن سمت القبر فيُحفر للميت حفرة تشق في الأرض ثُمَّ يُحفر حفرة أخرى من جهة القبلة مائلة عنها, هَذِهِ الحفرة الثانية الَّتِي يوضع فِيهَا الميت تسمى اللحد, سمي لحد لِأَنَّهَا مائل عن سمت القبر, القبر في الوسط, واللحد مائل إِلَى جهة القبلة, وَكَذَلِكَ  الملحد مائل عن الصواب إِلَى الباطل.

  • والملحدون ذكر المؤلف رحمه الله أَنَّهُمْ ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الإلحاد بالشرك, الإلحاد في أسماء الله تعالى بالشرك بأن تسمى بها أسماء آلهة المشركين, تسمى اللات من الإله, والعزى من العزيز, ومناة من المنان, هَذَا من الإلحاد في أسماء الله, هَذِهِ سميت أسماء المشركين اُشتق لها من أسماء الرب سبحانه وتعالى أسماء.

القسم الثاني: جحود أسماء الله تعالى وإنكارها بالكلية, يَعْنِي أن يجحد أسماء الله وصفاته بالكلية ويُنكرها.

القسم الثالث: التعطيل, بأن يعطلها عن المعاني الحقائق والحقائق الثابتة لها, بأن يجعلها أعلامًا محضة ليس لها معاني كما تقول المعتزلة: عليمٌ بلا علم, سميعٌ بلا سمع, بصيرٌ بلا بصر, قديرٌ بلا قدرة, حكيمٌ بلا حكم؛ وهكذا, هَذِهِ أقسام الملحدين.

الشاهد: (والمقصود من هَذَا الفصل؛ حفظ أسماء الله وأوصافه عن أن تحرف أو تُغير أو يُنقص منها شيء أو يُبخس من كمال شيءٍ من أوصافه, أو تُعطل أو تُمثل) هَذَا المقصود من هَذَا الفصل, أن تحفظ أسماء الله وتُحفظ صفاته عن التحريف, والتغيير والتبديل, أو يُنقص منها شيء, أو يُبخس شيءٌ من كمال الرب, كمال شيءٍ من أوصاف الرب, أو تُعطل عن المعاني, أو تُمثل بأسماء المخلوقين وصفاتهم, ولهذا ذكر اِبْن القيم رحمه الله في "الشافية الكافية" الأصل الجامع فَقَالَ:

أسماؤه أوصاف مدح كلها
 

 

مشتقة قد حملت لمعان
 

 

(أسماء الله كلها أوصاف مدح, وكلها أوصاف حمد, وكلها أوصاف ثناء, وهي مشتقة من معانيها, ثابتة لها حقائقها) العليم مشتقٌ من العلم, والحليم مشتقٌ من الحلم, والحكيم مشتقٌ من الحكمة, والرحيم مشتقٌ من الرحمة, فَهِيَ مشتقة من معانيها ثابتة له حقائقها, يَعْنِي: نُثبت لله صفة العلم, صفة الرحمة, صفة الحكمة, صفة السمع, صفة البصر؛ وهكذا.

خلافًا لأهل البدع الذين لَمْ يُثبتوا معانيها, لَمْ يُثبتوا لها معاني وجعلوها أعلامًا محضة جوفاء ليس لها معاني وليس لها حقائق ثابتة كالمعتزلة وأشباههم, ومن الإلحاد فِيهَا أن بَعْضُهُمْ جعلها أسماءً لمخلوقاته, قالوا: هَذِهِ الأسماء ليست له وَإِنَّمَا لمخلوقاته, العليم, السميع, البصير, هَذِهِ ليست من أسماء الله بَلْ هِيَ أسماء مخلوقاته نُثبت إِلَى الله مجازًا؛ هَذَا من الإلحاد, يَعْنِي: أن أسماء الله وصفاته الَّتِي سمى بها نفسه يَقُولُ: هَذِهِ ليست لله وَإِنَّمَا هَذِهِ للمخلوقات, لماذا أُضيفت إِلَى الرب؟ قالوا: مجاز, فالمجاز طاغوت من الطواغيت كما ذكر اِبْن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة" هَذَا الطاغوت أرادوا بِهِ إبطال الحقائق الثابتة.

فأسماء الله كلها حُسنى, لو كَانَ لو لَمْ يكن لها معاني ما كانت حسنى, لو كانت أعلام محضة فقط ومجرد أسماء ألفاظ وليس لها معاني ما كانت حسنى, ولو كانت تدل عَلَى النقص أو بعضها يدل عَلَى النقص لَمْ تكن حسنى.

(المتن)

أسماؤه أوصاف مدح كلها
 

 

مشتقة قد حملت لمعان
 

 

يَعْنِي: أن أسماءه كلها أوصاف مدحٍ وحمدٍ وثناء وهي مشتقة معانيها ثابتةٌ له حقائقها, ولذلك كانت حسنى, فلو كانت أعلامًا محضة لَمْ تكن حسنى, ولو كانت دالة عَلَى نقصٍ أو بعضها دالًا عَلَى ذلك لما كانت كلها حسنى, ولهذا إذا كَانَ الوصف محتملًا لمدحٍ ولغيره لَمْ يدخل بمطلقه في أوصاف الله وأسماءه كالمريد, والصانع, والفاعل, ونحو ذلك.

(الشرح)

إذا كَانَ الوصف محتملًا للمدح وللذم فَإِنَّهُ لا يدخل في أسماء الله بإطلاق, فلابد من القيد, مثل المريد, الصانع, الفاعل, الذات, والشيء الموجود, والشخص, هَذِهِ لا تدخل مطلقًا في أسماء الله تعالى وَإِنَّمَا يُخبر عن الله بها.

(المتن)

قَالَ المصنف في البدائع:

الثامن عشر: أن الصفات ثلاثة أنواع: صفات كمالٍ, وصفات نقصٍ, وصفات لا تقتضي كمالًا ولا نقصًا.

وإن كانت التسمية التقديرية تقتضي قسمًا رابعًا وهو ما يكون كمالًا ونقصًا باعتبارين, والرب تعالى منزه عَلَى أقسام ثلاثة, وموصوف بالقسم الأول.

(الشرح)

  • أربعة أنواع:

النوع الأول: صفات كمال.

النوع الثاني: صفات نقص.

النوع الثالث: صفاتٌ لا تقتضي كمالًا ولا نقصًا.

النوع الرابع: صفات تقتضي كمالًا ونقصًا, تعتبر كمالًا باعتبار ونقصًا باعتبار.

والرب منزهٌ عن الأقسام الثلاثة الأخيرة وموصوفٌ بالوصف الأول وأن صفاته صفات كمال, منزهٌ عن صفات النقص, ومنزهٌ عن الصفاتٌ التي لا تقتضي كمالًا ولا نقصًا, ومنزهٌ عن الصفات الَّتِي تكون كمالًا باعتبار ونقصًا باعتبار, وموصوف بالقسم الأول وهو أن صفاته كلها صفات كمال محض, ومعنى محض يَعْنِي: خالص, ومنه قالوا: لبنٌ محض, يَعْنِي: خالص من أن يُخلط بِهِ غيره, المحض؛ الخالص.

بخلاف الصفات الَّتِي تكون أحيانًا مدح وأحيانًا ذم هَذِهِ ليست محض, صفات تكون أحيانًا مدح وأحيانًا ذم, مثل: المكر, أحيانًا يكون مدح وأحيانًا يكون ذم, يكون ذم إذا مكر شخص بشخص من أول الْأَمْرِ فهذا يكون ذم, وإذا عاقبته وجازيته عَلَى مكره هَذَا مدح, فصفات الله صفات كمال في كُلّ وقت في كُلّ اعتبار.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فصفاته كلها صفات كمالٍ محض, هُوَ موصوفٌ من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله وهكذا أسماءه الدالة عَلَى صفاته هِيَ أحسن الأسماء وأكملها, فليس في الأسماء أحسنُ منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها, وتفسير الاسم منها بغيرها ليس تفسيرًا بمرادف محض وهو عَلَى سبيل التقريب والتفهيم.

وإذا عرفت هَذَا, فله تعالى من كُلّ صفةٍ كمالٍ أحسن اسمٍ وأكمله وأتمه معنى, وأبعده وأنزهه عن شائبة عيبٍ أو نقصٍ, انتهى كلامه.

قَالَ:

إياك والإلحاد فيها إنه
 

 

كفر معاذ الله من كفران
 

وحقيقة الإلحاد فيها الميــل
 

 

بالإشراك والتعطيل والنكران


 

فالملحدون إذًا ثلاث طوائف
 

 

فعليهم غضب من الرحمن
 

 

(الشرح)

المؤلف يحذر قَالَ: (إياك والإلحاد) إياك للتحذير, احذر والإلحاد في أسماء الله وصفاته, الإلحاد فِيهَا: الميل فِيهَا عن الحق إِلَى الباطل, احذر أن تميل بأسماء الله وصفاته عن الحق إِلَى الباطل, الزم الحق, (فَإِن الإلحاد فِيهَا كفرٌ معاذ الله من كفران) نعوذ بالله من الكفران.

المؤلف للنصح يحذر يَقُولُ: احذر من الإلحاد في أسماء الله وصفاته, فَإِنَّهُ كفرٌ ونعوذ بالله من الكفر.

ثُمَّ قَالَ: (وحقيقة الإلحاد فيها الميــل) الميل بأي شيء؟ إِمَّا بالإشراك أو بالتعطيل أو بالنكران, الميل عن ماذا؟ عن الحق إِلَى الباطل, الإلحاد في أسماء الله هُوَ الميل فِيهَا عن الحق إِلَى الباطل.

  • ويكون هَذَا الميل ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ميلٌ بالإشراك؛ كفعل المشركين الذين سموا آلهتهم بأسماء مشتقة من أسماء الله كما سموا اللات من الإله, والعزى من العزيز, ومناة من المنان, هَذَا ميلٌ بالشرك.

النوع الثاني: ميلٌ بالتعطيل, كأن يعطلها عن معانيها وحقائقها, كأن يجعلها أعلامًا محضة لا تدل عَلَى معاني, كأن يَقُولُ: اسم العليم لا يدل عَلَى العلم, واسم الرحيم لا يدل عَلَى الرحمة, واسم السميع لا يدل عَلَى السمع, واسم البصير لا يدل عَلَى البصر, واسم القدير لا يدل عَلَى القدرة؛ هَذَا تعطيل عطلها من معانيها وهذا إلحاد.

النوع الثالث: ميل النُكران, وهو النكران والجحود, وهو أن يجحد أسماء الله وصفاته, يَقُولُ: هَذِهِ الأسماء ليست لله, ولا صفاته وَإِنَّمَا هِيَ أسماء لمخلوقات, هَذَا نكران وجحود.

قَالَ المؤلف: (فالملحدون إذًا ثلاث طوائف) طائفة تُلحد بالإشراك, وطائفة إلحادها بالتعطيل, وطائفة إلحادها بالنكران والجحود, (فعليهم غضبٌ من الرحمن) حل عَلَيْهِمْ الغضب بسبب إلحادهم وكفرهم وضلالهم, وفيه إثبات صفة الغضب لله عز وجل وأن الله تعالى موصوف بالغضب كما يليق بجلاله وعظمته.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: بين أن أسماءه تعالى كلَها أوصاف مدحٍ حذر مِمَّا ينافي ذلك وهو الإلحاد وأخبر أَنَّهُ كفرٌ كما قَالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف/180].

 وَإِنَّمَا كَانَ الإلحاد فِيهَا كفرًا لِأَنَّه ردٌ لما أخبر الله بِهِ ورسوله من صفات الله المقدسة ونعوته الكاملة بالميل فِيهَا بالإشراك فِيهَا وجعلها له ولغيره كما يفعله المشركون, أو نفي معانيها وحقائقها كما يفعله المعطلة, أو إنكارِها كاملة كما يفعله الزنادقة.

(الشرح)

  • هَذِهِ أقسام الميل:

أولًا: إِمَّا بالميل فِيهَا بالإشراك فِيهَا, بأن يجعلها له ولغيره كما يشتق المشركون من أسماء الله لآلهتهم.

ثانيًا: أو نفي معانيها وحقائقها مثل المعطلة الذين نفوا الصفات وقالوا: إِنَّهَا لا تدل عَلَى الصفات.

ثالثًا: أو إنكارِها كاملة كما يفعله الزنادقة.

(المتن)

قَالَ: ولهذا أخبر المصنف أن الملحدين منقسمون إِلَى ثلاثة أقسام وهم حل عَلَيْهِمْ غضب الله وعذابه.

قَالَ في "بدائع الفوائد" العشرون: وهو الجامع لما تقدم من وجوه وهو معرفة الإلحاد في أسماءه حَتَّى لا يقع فِيهَا, قَالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف/180].

والإلحاد فيها: هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها, وهو مأخوذٌ من الميل كما يدل عليه مادة "اللام, والحاء, والدال" فمنه اللحد وهو الشِق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط, ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل.

(الشرح)

هذا هو الإلحاد؛ (هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها) أن يعدل بها يعني: يصرفها, ويصرف حقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها, الحق الثابت: الصفات, يصرف هذا الحق الثابت ليعدل بها, وهو مأخوذٌ من الميل كما يدل عليه مادة "اللام, والحاء, والدال" (فمنه اللحد وهو الشِق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط, ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل).

(المتن)

قال ابن سُكيت: الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه, ومنه الملتحد وهو مفتعلٌ من ذلك, وقوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الكهف/27]؛ أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه, وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره.

(الشرح)

{وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الكهف/27]؛ أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه, وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره.

(المتن)

تقول العرب: التحد فلانٌ إلى فلان إذا عدل إليه, إذا عُرف هذا فالإلحاد في أسماءه تبارك وتعالى أنواع: أن يسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية, والعزى من العزيز, وتسميتهم الصنم إلهًا, وهذا الإلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة, ولهذا قال هنا:

المشركون لأنهم سموا بها
 

 

أوثانهم قالوا إله ثان
 

هم شبهوا المخلوق بالخلاق
 

 

عكـس مشبه الخلاق بالإنسان


 

 

 (الشرح)

(المشركون لأنهم سموا بها) إذا كَانَ معتل الآخر بالألف ثُمَّ أُسند إِلَى واو الجماعة يُفتح ما قبله, سمى سموا, دعى دعوا, رمى رموا, غزى غزوا, أَمَّا إذا كَانَ معتل الآخر بالواو أو بالياء فَإِنَّهُ يضم ما قبله, مثل: رضي رضوا, شقي شقوا؛ وهكذا, هنا سموا لِأَنَّهَا معتل الآخر بالألف مفتوح ما قبلها.

المشركون سموا بأسماء الله أوثانهم, قالوا: إله ثاني, وقالوا: العزى من العزيز, ومناة من المنان, واللات من الإله, قَالَ: (هم شبهوا المخلوق بالخلاق) اللي هِيَ الأصنام كاللات والعزى ومناة هَذِهِ مخلوقة شبهوها بالخالق, (عكـس مشبه الخلاق بالإنسان) عكس تشبيه النصارى, النصارى شبهوا المسيح أو قالوا: المسيح اِبْن الله, المشبهة والمشركون شبهوا المخلوق بالخالق, فقالوا: المخلوق جعلوه شبها بالخالق, والنصارى بالعكس شبهوا الخالق بالمخلوق فقالوا: عيسى ابْنِ الله, وكلٌ من التشبيهين كفر, تشبيه الخالق بالمخلوق أو تشبيه المخلوق بالخالق كفرٌ وضلال, قَالَ:

هم شبهوا المخلوق بالخلاق
 

 

عكـس مشبه الخلاق بالإنسان


 

 

النسبة بينهما هِيَ العكسية, تشبيه المشبهة, المشبهة شبهوا المخلوق بالخالق, والنصارى شبهوا الخالق بالمخلوق, وقد يُقال: إن النصارى رفعوا عيسى وجعلوه اِبْن الله, فشبهوا المخلوق بالخالق.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: أيْ يدخل في الإلحاد في أسماء الله من جهة التشريك في تسمية المشركون الذين شبهوا المخلوقات الناقصات من جميع الوجوه بالخالق الرب العظيم الكامل من كُلّ وجه, فسموها آلهة ونحلوا لها من أسماء الله ما نحلوا كما تقدم, ويدخل فِيهَا أَيْضًا المشبهة من غلاة الرافضة واليهود الذين شبهوا الخالق تعالى بالمخلوق, فحملوا ما جاءت بِهِ نصوص الأنبياء من أوصاف كماله.

(الشرح)

غلاة الرافضة واليهود الذين شبهوا الخالق تعالى بالمخلوق.

(المتن)

فحملوا ما جاءت بِهِ نصوص الأنبياء من أوصاف كماله عَلَى ما يعقلونه من صفات المخلوقين, وأعطوا صفاته خصائص صفات المخلوقين وهذا من أعظم الإلحاد في أسماءه وآياته.

(الشرح)

يَعْنِي: المشبهة من غلاة الرافضة واليهود شبهوا الخالق بالمخلوق, (فحملوا ما جاءت بِهِ نصوص الأنبياء من أوصاف كماله عَلَى ما يعقلونه من صفات المخلوقين) أوصاف الكمال الَّتِي وردت في حَقّ الله جعلوها مثل صفات المخلوق, فأعطوا صفات الله خصائص المخلوق, وأما المشبهة الذين شبهوا المخلوقين بالخالق فهم رفعوا المخلوق فجعلوه مثل الخالق, وهؤلاء تنقصوا الخالق فجعلوه مثل المخلوق؛ غلاة الرافضة.

يَعْنِي: النصوص الَّتِي جاءت في وصف الله ماذا عمل بها غلاة الرافضة واليهود؟ جعلوها نفس صفات المخلوق وحملوها عَلَى ما يعقلونه من صفات المخلوقين, فأعطوا صفات الله خصائص صفات المخلوقين, وعلى كُلّ حال كلٌ من التشبيهين كفر, تشبيه المخلوق بالخالق كفر, وتشبيه الخالق بالمخلوق كفر, تشبيه المخلوق بالخالق, يَعْنِي: يرفعوا المخلوق فيعطوه صفات الخالق, وتشبيه الخالق بالمخلوق: بأن يتنقصوا الخالق ويعطوه صفات المخلوق.

(المتن)

قَالَ:

وكذاك أهل الاتحاد فإنهم
 

 

إخوانهم من أقرب الإخوان
 

أعطوا الوجود جميعه أسماءه
 

 

إذ كان عين الله ذا السلطان
 

والمشركون أقل شركا منهم
 

 

هم خصصوا ذا الاسم بالأوثان
 

ولذاك كانوا أهل شرك عندهم
 

 

لو عمموا ما كان من كفران
 

 

(الشرح)

المؤلف رحمه الله كذلك يَقُولُ: من الملاحدة الذين هم أعظم النَّاس إلحادًا؛ أهل الاتحاد, الاتحادية, قَالَ: (فإنهم إخوانهم من أقرب الإخوان) الاتحادية إخوان لأهل الإلحاد, يدخل في الملحدين الذين شركوا بين الخالق والمخلوق أهل الاتحاد الذين عَم شركهم وطغى كفرهم, فيقال لهم: الاتحادية ويقال: أهل وحدة الوجود, هؤلاء يَقُولُونَ: الوجود واحد ليس هناك خالق ولا مخلوق, بَلْ اتحد الخالق والمخلوق اتحدا وصارا شَيْئًا واحدًا, فما تراه هُوَ الخالق والمخلوق ما في وجودين هُوَ وجود واحد, أنت الخالق وأنت المخلوق وأنت الرب وأنت العبد, السموات هِيَ الرب وهي العبد, والأرضين هِيَ الرب وهي العبد, والبحار هِيَ الرب وهي العبد, والجمادات هي الرب وهي العبد, ما في وجودين, هؤلاء يسمون: أهل وحدة الوجود.

ورئيسهم اِبْن عربي الطائي يَقُولُ: (الرب عبدٌ والعبد ربٌ يا ليت شعري من المكلف), (إن قلت عبدٌ فذاك ميتٌ وإن قلت ربًا أنى يُكلف) إن قلت عبد هَذَا يموت, وإن قلت رب كيف يُكلف, فيقول: ربٌ مالك وعبدٌ هالك وأنتم ذلك, ما في فرق (....).

ويقول اِبْن عربي: (سر حيث شئت فَإِن الله ثُمَّ وقل ما شئت فالواسع الله) سر حيث شئت فكل ما تراه هُوَ الله, والواسع هُوَ الله, نعوذ بالله, هؤلاء والعياذ بالله أعظم النَّاس كفرًا وإلحادًا, ألغوا عقولهم وصاروا مجانين.

والحلولية هم أقل كفرًا منهم, الحلولية هم اللي يَقُولُونَ: إن الله حل في الموجودات كلها, بَعْضُهُمْ يَقُولُ بحلول جزئي كالنصارى قالوا: إن الله حل في عيسى فقط, وبعض الصوفية يَقُولُ: إن الله حل في بعض الصور الجميلة, وهؤلاء عمموا قالوا: حل في كُلّ مكان, فهو في بطون السباع وفي أجواف الطيور وفي كُلّ شيء, الحلولية يثبتون وجودين أحدهما حل في الآخر, كالماء حل في الكوز, لَكِنْ الاتحادية لا, الاتحادية يَقُولُونَ: اتحد الخالق مَعَ المخلوق وصارا شَيْئًا واحدًا, كما لو صببت اللبن في الماء وصارا ذات واحدة ما في وجودين, ولهذا من قَالَ لهم: أنتم حلولية, قالوا: لا, أنت محجوب عن سر المذهب ما تعرف المذهب.

الحلولية يَقُولُونَ باثنين أحدهما حل في الآخر, ونحن ولا تثنية ولا تعدد, ما في عندنا تثنية أنت ما تعرف سر المذهب ومحجوب عن سر المذهب, فإذًا الحلولية كفار, والاتحادية أعظم كفرًا منهم, الحلولية: يثبتون اثنين أحدهما حل في الآخر, والاتحادية يَقُولُونَ: الوجود واحد متحد, ورئيسهم اِبْن عربي: (ربٌ مالك وعبدٌ هالك وأنتم ذلك), ويقول اِبْن عربي: أنت ما تفهم هَذَا المذهب إلا إذا عملتموه, إذا تخرق العقل وتخرق الشرع وتخرق الحس ثُمَّ تفهم المذهب, يَعْنِي: تُبطل الشرع وتُلغي عقلك فتكون من المجانين وتُلغي الحس فتعرف المذهب, هَذَا ما يعرفه إِلَّا المجانين, نسال الله السلامة والعافية.

المؤلف يَقُولُ: أهل الاتحاد إخوان الملحدين.

أعطوا الوجود جميعه أسماءه
 

 

إذ كان عين الله ذا السلطان
 

 

يَقُولُ: كُلّ اسم في هَذَا الوجود اسمٌ لله, وكل صفة في هَذَا الوجود صفة لله, كُلّ اسم حسن وقبيح فهو اسم لله, نعوذ بالله, وكل صفة حسنة وقبيحة صفة لله لِأَنَّ الوجود واحد, وكل كلام تسمعه في هذا الوجود هُوَ كلام الله سواء كَانَ نثر أو شعر أو غناء أو كلام باطل, ولذلك يَقُولُ اِبْن عربي:

وكل كلامٍ في الوجود كلامه
 

 

سواءٌ علينا نثره ونظامه
 

 

   كُلّ كلام تسمعه سواء نثر ولا نظم كلام الله لِأَنَّ الوجود واحد, الوجود واحد وكل ما تسمعه من الكلام هُوَ كلم الله.

وكل كلامٍ في الوجود كلامه
 

 

سواءٌ علينا نثره ونظامه
 

 

هَذَا بيت لابن عربي الملحد, عرفتم كيف المذهب هَذَا؟ المذهب الخبيث؟ ومن العجيب أن اِبْن عربي هَذَا له مؤلفات, وفي الفقه له كتاب سماه "الفتوحات المكية" وله كتب "فصوص الحكم" عارض الْقُرْآن الكريم وحرف وقال: "فص" قصة نوح يسميها فص, وقصة هود يسميها فص, "فصوص الحكم" وصحح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات/24]؛ يَقُولُ: فرعون مصيب حينما قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات/24]؛ لِأَنَّ الوجود واحد, ما في إِلَّا وجود واحد, ما في رب وعبد, فيكون فرعون مصيب حينما قَالَ ذلك, زميله صح قوله: زميله وأخيه, إخوان في الكفر, نعوذ بالله.

ويقول: وانظر التحريف والعياذ بالله من زيغ القلوب, هُوَ يعارض الْقُرْآن الآن, هُوَ الآن يقرأ الْقُرْآن ويحمله عَلَى الكفر والعياذ بالله, انظر من أراد الله فتنته وضلاله فلا حيلة فِيه, يقرأ اِبْن عربي قصة موسى وهارون وقصة بني إسرائيل في عبادتهم للعجل, لما عبدوا العجل موسى عليه السلام ذهب لميقات ربه أربعين ليلة وقال لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح, وهارون نبي مثله, لما ذهب موسى لميقات ربه, وموسى يهابونه أكثر من هارون موسى قوي, وهارون لا يهابونه.

فَلَمَّا ذهب موسى لميقات ربه, ماذا عمل؟ جاء السامري وأخذ من الحلية الَّتِي أُخذت من أهل فرعون من الذهب, وكانت لينة يعمل بها مثل الطين وصنع لهم عجل, وجاءت الريح تنفخ فِيه وتخرج من فمه ودبره ويصوت له خوار, وقال لبني إسرائيل هَذَا إلهكم وهذا إله موسى وَلَكِن نسي موسى, فعبدوا العجل, جعلوا يعبدون العجل وهم يرونه بأعينهم, نصحهم هارون عليه الصلاة والسلام ونهاهم, وقال: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}[طه/90]؛ ما قبلوا نصيحته واشتد النزاع بينه وبينهم حَتَّى كادوا يقتلونه, ولم يقصر في نصيحتهم.

موسى عليه السلام أخبره الله بأن قومه عبدوا العجل من بعده: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}[طه/85]؛ أخبره الله بأن بني إسرائيل فُتنوا, غضب وَلَكِن ما اشتد غضبه, فَلَمَّا جاء ورآهم يعبدون بعينه اشتد غضبه, قَالَ العلماء: فِيه دليل عَلَى أن من يشاهد ليس كمن يسمع, أنت تسمع الشيء لَكِنْ إذا شادته يكون لك حال غير الحال الَّتِي سمعت.

أخبره الله بأنهم عبدوا الله, غضب وَلَكِن ما اشتد غضبه, فَلَمَّا جاء ورآهم يعبدون العجل اشتد غضبه ومعه الألواح فِيهَا كلام الله فألقى الألواح حَتَّى تكسرت من شدة الغضب, اشتد غضبه وجعل يجر رأس أخيه هارون ويقول له: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا}[طه/92].

يجره برأسه ولحيته من شدة الغضب وهو نبي مثله, ماذا قَالَ له؟ قَالَ له هارون: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ} تلطف معه, {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} أنا ما قصرت, {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه/94].

{إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأعراف/150].

الشاهد من هَذَا: اِبْن عربي رئيس وحدة الوجود ماذا يَقُولُ في الآيات؟ مذهب اِبْن عربي أن الوجود واحد, وأن كُلّ من عبد شَيْئًا فهو قَد عبد الله, اللي يعبد الصنم عبد الله, واللي يعبد النَّارِ عبد الله, يَقُولُ: كُلّ واحد مصيب, اعبد ما تشاء, لا تخصص, فاللي يعبد النيران مصيب, واللي يعبد العجل مصيب, واللي يعبد الذهب مصيب, واللي يعبد الفضة مصيب, واللي يعبد الآدمي مصيب, واللي ينهى شخص يَقُولُ: لا تعبد إِلَّا كذا هَذَا هُوَ الكافر عنده, ماذا يَقُولُ؟ إن موسى أنكر عَلَى هارون إنكاره عَلَيْهِمْ عبادة العجل, قَالَ: لماذا تنهاهم عن عبادة العجل, اتركهم يعبدوا العجل هم مصيبون, أنكر عليه إنكاره, هكذا يَقُولُ والعياذ بالله؛ لِأَنَّه يرى الوجود واحد.

فالاتحادية يَقُولُونَ: كلٌ يعبد ما يشاء والكفر بالتخصيص, من خصص وقال: لا يعبد إِلَّا الشيء الفلاني هَذَا هُوَ الكافر, والموحد الَّذِي يعبد كُلّ شيء, ويقول: لماذا أُغرق فرعون؟ تطهيرًا له ليزول الحسبان والوهم, هُوَ متوهم أَنَّهُ الرب, أنت الرب بس كُلّ النَّاس أرباب, فَلَمَّا توهم هَذَا الوهم أُغرق تطهيرًا له حَتَّى يزول هَذَا الحسبان, نعوذ بالله من زيغ القلوب.

هَذَا يتبين الآن هَذَا المذهب الخبيث, هَذَا المذهب الخبيث موجود ولا غير موجود؟ موجود الآن, في الاتحادية موجودين الآن وهم الصوفية, موجودين في كُلّ البلدان الآن, ولهم كتب تطبع بأوراق ثقيلة وتُحقق, ولهم كتاب "الدرة" موجودين في كُلّ مكان, في مصر وفي الشام وفي باكستان في كُلّ مكان, ولهم طرق كُلّ طريق له شيخ, طرق الصوفية: القادرية, النقشنبذية, الشاذلية, السرجانية, السهروردية، الرفاعية, كلها طرق توصل إِلَى القول بوحدة الوجود, قَد يوجد في البلد عشرين طريقة أو ثلاثين وخمسين طريقة يعرفون بعض الإخوان اللي موجودين بهذه البلاد يعرفون أَنَّهُ يوجد في بلدانهم طرق الصوفية متعددة, وأكثرها توصل إِلَى النَّارِ وكلها توصل إِلَى النَّارِ وتوصل إِلَى الكفر والعياذ بالله, وبعضها توصل إِلَى القول بوحدة الوجود.

ولهم أذكار, هم يقسمون النَّاس إِلَى ثلاثة أقسام: العامة, الخاصة, خاصة الخاصة.

العامة: الأنبياء والرسل كلهم من العوام, عندهم معاصي وطاعات وعندهم أذكار وصلوات, لا إله إِلَّا الله أذكارهم, سبحان الله, والحمد لله.

الخاصة: تجاوزوا مرتبة العامة ما عندهم معاصي وكل ما يفعلونه طاعات حَتَّى الزنا والكفر كله طاعات, ولا عندهم معاصي أبدًا, ولا إله إِلَّا الله هَذِهِ عِنْد العامة طويلة, لَكِنْ الخاصة يكفيه لفظ الجلالة الله الله, الله الله, الله الله, الله الله, يكررها, واحد ذهب إلى أفريقيا وجد جماعة من أصل المغرب يَقُولُونَ: الله الله, الله الله, حَتَّى يدوخ الإنسان ويسقط, الله الله ما تفيد شيء, لا تفيد القلب إيمان ولا توحيد لِأَنَّهَا كلمة ما تفيد حَتَّى تضيف إليها جملة أخرى, الله أكبر, سبحان الله, الحمد لله, ولا إله إِلَّا الله, هَذِهِ الترجمة مفيدة, أَمَّا الله وحدها ما تفيد, لو تكرر الله الله ما تستفيد حسنات, أضف عليها كلمة حَتَّى تكون جملة مفيدة الله أكبر, سبحان الله, الحمد لله, ولا إله إِلَّا الله, الصوفية يَقُولُونَ: الله الله.

ولذلك الآن مِمَّا يُنتبه له أن في بعض المساجد يُكتب: الله, محمد, اكتب الله أكبر, محمد اكتب محمد رسول الله, أَمَّا تكتب كلمة طيب ما الفائدة من الكلمة, الله ما لها معنى وحدها الله المعبود بالحق, لا إله إِلَّا الله, الله أكبر, محمد تكون محمد رسول الله, أَمَّا الله, محمد, هَذِهِ ينبغي أن يُنتبه لها, ما تكتب الله وحدها, الصوفية الخاصة يَقُولُونَ: الله الله, الله الله.

خاصة الخاصة: ما عندهم طاعات ولا معاصي, يَقُولُونَ بوحدة الوجود, الخاصة عندهم طاعات, وأذكارهم الله طويلة عَلَيْهِمْ يأخذ الهاء, هُوَ, هُوَ, هُوَ, هُوَ, كالكلاب هُوَ موجود عندهم هَذَا, ساعتين ثلاثة ساعات أربع ساعات, هَذَا ذكرهم.

حَتَّى أن اِبْن عربي ألف كتاب سماه "كتاب الهو" وقال: ذكر العامة: لا إله إِلَّا الله, وذكر الخاصة: الله, وذكر خاصة الخاصة: هُوَ, نسأل الله السلامة والعافية, فهذا أعظم الكفر وأغلظ الكفر هُوَ مذهب الاتحادية.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: أيْ وَكَذَلِكَ يدخل في هؤلاء الملحدين الذين شركوا بين المخلوقين والخالق ببعض الصفات أهل الاتحاد الذين عم شرهم وطغى كفرهم وتلطفوا غاية التلطف إِلَى إضلال النَّاس بكفرياتهم الشنيعة.

(الشرح)

هَذَا اللي يقوله المؤلف رحمه الله: (وكذاك أهل الاتحاد فإنهم إخوانهم) إخوان الملاحدة, (أعطوا الوجود جميع أسماءه) الموجودات كلها جميع الوجود, جميع أسماءه جعلوها أسماء لله, (إذ كان عين الله ذا السلطان) يَعْنِي: الوجود هَذَا هُوَ عين الله, تعالى الله.

والمشركون أقل شكرا من الاتحادية, لماذا؟ لِأَنَّ المشركين خصوا آلهتهم بالأوثان فقط قالوا: الأوثان هَذِهِ هِيَ الرب, والاتحادية قالوا: كُلّ شيء رب حَتَّى أنت نفسك رب, فصار أيهما أشد؟ أيهما أعظم كفرًا؟ الاتحادية, المشركون خصوا الإله بالأوثان فقط وهؤلاء عمموا, قَالَ: (ولذاك كانوا أهل شرك عندهم) يَعْنِي: الاتحادية يسمون الوثنيين أنتم مشركين, متى تكونوا موحدون؟ إذا عممتم, لو عممتم صرتم موحدين, لكن لما خصيتم الأوثان صرتم مشركين, فالموحدين عندهم هم الذين يعمموا كُلّ شيء يُعبد من دون الله, كُلّ شيء يعبد هَذَا هُوَ الموحد عندهم, ولهذا قَالَ:

والمشركون أقل شركا منهم
 

 

هم خصصوا ذا الاسم بالأوثان
 

ولذاك كانوا أهل شرك عندهم
 

 

لو عمموا ما كان من كفران
 

 

لو عمموا ما كفروا, لكنهم خصوا فكفروا.

(المتن)

قَالَ: أيْ وَكَذَلِكَ يدخل في هؤلاء الملحدين الذين شركوا بين المخلوقين والخالق ببعض صفات أهل الاتحاد الذين عم شرهم وطغى كفرهم وتلطفوا غاية التلطف إِلَى إضلال النَّاس بكفرياتهم الشنيعة الَّتِي لو أظهروها عَلَى صورتها وحقيقتها لرأى النَّاس منها إنكار رب العالمين جملة, وإنكار الرسل والكتب جملة, وإنكار المعاد والبعث بَعْدَ الموت, ولذلك اتفق العارفون بأقوالهم أَنَّهُمْ أكفر من اليهود والنصارى والمشركين.

(الشرح)

الاتحادية أشد كفرًا من اليهود والنصارى والمشركين.

(المتن)

قَالَ: ومن أكبر العجب اغترار كثيرٍ ممن ينتسب إلى الإسلام لهذا المذهب الخبيث, وتعظيمهم لأهل هَذَا المذهب حَتَّى أدخلوه في كتبهم واعتبروه في مباحثهم ونسبوه للتحقيق فلا حول ولا قوة إِلَّا بالله العلي العظيم.

(الشرح)

كثير ممن ينتسب إِلَى الإسلام اغتر بالاتحادية وجعلوه مذهب من المذاهب وموجود في كتبهم, ويسمون أنفسهم أهل التحقيق والتوحيد والمعرفة, هؤلاء أهل الكفر والضلال الَّذِي أغلظ الكفر يسمون أنفسهم أهل التحقيق والتوحيد والمعرفة, أين التوحيد عندهم؟ يسمون أنفسهم أهل التحقيق والتوحيد والمعرفة, نعوذ بالله.

وانظر حقيقة المذهب الَّتِي بينها المؤلف, حقيقة مذهبهم؟ أن جميع العالم العلوي والسفلي شيء واحد كله هُوَ الرب وهو الخالق وهو المخلوق, ما في اثنين هُوَ الرب وهو العبد, وهو الخالق وهو المخلوق.

(المتن)

حقيقة مذهبهم؟ أن جميع العالم العلوي والسفلي شيء واحد متحدٌ بعضه ببعض, وإن تباينت أجزاءه وتفرقت أحواله فما ثَم خالقٌ ولا مخلوق ولا ربٌ ولا مربوب ولا واجب الوجود وممكن الوجود.

(الشرح)

بَلْ هُوَ شيء واحد, الخالق هُوَ المخلوق والمخلوق هُوَ الخالق, والرب هُوَ المربوب والمربوب هُوَ الرب, والعبد هُوَ الرب والرب هُوَ العبد, شيء واحد.

(المتن)

بَلْ خالق نفس المخلوق والرب نفس المربوب, والعبد نفس المعبود وجعلوا لله كُلّ صفة ممدوحة ومذمومة.

(الشرح)

كُلّ صفة من الصفات لله سواء صفة مدح أو ذم, وكل اسم موجود في الدنيا فهو اسمٌ لله سواءٌ أسماء قبيحة أو حسنة لِأَنَّ الوجود واحد, وكل كلام تسمعه هُوَ كلام الله لِأَنَّ الوجود واحد, نعوذ بالله, هؤلاء كأنهم مجانين ألغوا عقولهم والعياذ بالله, نسأل الله العافية.

(المتن)

إذ كَانَ هُوَ الممدوح والمذموم تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا, فإنهم أعظم الملحدين في أسماء الله وصفاته, والمشركون أقل شركًا منهم لِأَنَّهم خصصوا معبوداتهم الأوثان والأصنام بأسماء الله, وهؤلاء الملاحدة أعطوا جميع الموجودات أسماء الله وأوصافه.

(الشرح)

إذًا المشركون أقل شركًا من الاتحادية, لماذا؟ لِأَنَّ المشركون خصوا معبوداتهم بالأصنام والأوثان بأسماء الله, وأما هؤلاء أعطوا جميع الوجود أسماء الله وأوصافه.

(المتن)

إذ كَانَ أصل مذهبهم أن الله هُوَ عين هَذِهِ الموجودات, قالوا: وَإِنَّمَا كفرنا المشركين لِأَنَّهُم خصصوا الإلهية ببعض المخلوقات, ولو عمموا فجعلوا كُلّ موجودٍ إله ما أشركوا ولا كفروا, فتبًا لهم.

(الشرح)

تبًا يَعْنِي: خسارة وهلاك, {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد/1].

(المتن)

فتبًا لهم ما أضلهم وأعماهم حيث أنكروا وجود واجب الوجود الرب العظيم الملك الكبير.

(الشرح)

الَّذِي هُوَ أعظم وأظهر من كُلّ موجود, أنكروا الرب العظيم وهو واجب الوجود لذاته الَّذِي هُوَ أعظم من كُلّ شيء وأظهر من كُلّ شيء أنكروا وجوده, نعوذ بالله.

(المتن)

واشتبه عَلَيْهِمْ بوجود هَذِهِ المخلوقات الممكنات الَّتِي ليس لها من أنفسها إِلَّا العدم عدم الوجود وعدم الكمال, وهذا القول يكفي في رده مجرد تصوره, فَإِن فساده معلوم بضرورة العقل والشرع.

(الشرح)

يَعْنِي: فساد هَذَا المذهب معلومٌ بضرورة العقل والشرع, ما معنى هَذَا؟ يَعْنِي يضطر العقل إِلَى أن يعلم فساده, والشرع كذلك, يَعْنِي: يضطر الإنسان ضرورة بعقله وكل عاقل يضطر, ما معنى العلم الضروري؟ العلم الضروري الَّذِي لا تستطيع دفعه بخلاف النظري, مثل تعلم أن الشمس طالعة, هَلْ تنكر أَنَّهَا طالعة؟ لا, هَذَا علم ضروري, الواحد نصف الاثنين ما تقول الواحد نصف الثلاثة هَذَا معلوم بالضرورة بديهي, لَكِنْ العلم النظري يحتاج إِلَى تأمل واستدلال, يَقُولُ: طلع السدس من 766 ونصف, هَذِهِ تحتاج إِلَى تقسم وتطرح وتربع وتخمس حَتَّى تطلعها وممكن تغلط, لَكِنْ الواحد نصف الاثنين, ما تراه من المحسوسات بعينك أو تلمسه بيدك أو تذوقه بلسانك هَذَا محسوس وأمر ضروري ما تستطيع إنكاره.

(المتن)

والمقصود: أن هؤلاء الملاحدة من الذين ألحدوا في أسماء الله, وجعلوها لسائر المخلوقات كما خصها المشركون ببعض المخلوقات.

والملحد الثاني فذو التعطيل
 

 

إذ ينفي حقائقها بلا برهان


 

ما ثم غير الاسم أوله بما
 

 

ينفي الحقيقة نفي ذي بطلان
 

 

(الشرح)

هَذَا القسم الثاني من الملحدين, والقسم الأول ما هُوَ؟ المشركون الذين أشركوا بأسماء الله, القسم الأول الملحدون المعطلة الذين عطلوا أسماء الله وصفاته ونفوا حقائقها, قالوا: لا تدل عَلَى معنى, السميع لا يدل عَلَى السمع, البصير لا يدل عَلَى البصر, مجرد أسماء وألفاظ باللسان, (ما ثّم غير الاسم) لله الاسم السميع لَكِنْ المعنى لا, (أوله) أوله بنفي الحقيقة, عليم اسم فقط ليس له علم, حكيم اسم فقط ليس له حكمة, سميع ليس له سمع وهكذا, هؤلاء أهل التعطيل وهذا القسم الثاني من الملاحدة.

والملحد الثاني فذو التعطيل
 

 

إذ ينفي حقائقها بلا برهان


 

ما ثم غير الاسم أوله بما
 

 

ينفي الحقيقة نفي ذي بطلان
 

 

(المتن)

قَالَ رحمه الله: هَذَا القسم الثاني من الملحدين في أسماء الله وهم المعطلة لأسماء الله النافين لحقائقها ومعانيها بلا برهان, ولا حجة إِلَّا أهوية وآراءٌ فاسدة لا تسمن ولا تغني من جوع, فلا يثبتون لله إِلَّا أسماءً مجردة عن المعاني فيقولون: عليمٌ بلا علم, سميعٌ بلا سمع, بصيرٌ بلا بصر, قديرٌ بلا قدرة, وإن أثبتوا لها معنى أولوها بالمعاني المجازية الَّتِي يُعلم بالضرورة أن الله ورسوله لَمْ يريداها, بَلْ أرادا غيرها, ويدخل في هؤلاء الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية في الصفات الفعلية الخبرية, فَإِن مسلكهم فِيهَا كمسلك الجهمية في الصفات الذاتية.

(الشرح)

يَعْنِي: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة كلهم لا يثبتون معاني النصوص, وَكَذَلِكَ  الأشعرية والماتريدية في الصفات الفعلية؛ لِأَنَّهُم يثبتون سبع صفات: الحياة, الكلام, البصر, السمع, العلم, القدرة, الإرادة, هَذِهِ يثبتونها, أَمَّا المحبة, والاستواء, والعلو, والغضب, والرضا إِلَى آخر الصفات كُلّ هَذِهِ يؤولونها, يؤولونها كما يؤول الجهمية والمعتزلة لا يثبتون لها معاني.

(المتن)

قَالَ في "البدائع" ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يَقُولُ من الجهمية وأتباعهم إِنَّهَا ألفاظٌ محدودة لا تتضمن صفات ولا معاني, فيطلقون عليه اسم السميع, والبصير, والحي, والرحيم, والمتكلم, والمريد, ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم بِهِ, وهذا من أعظم الإلحاد فِيهَا عقلًا ولغةً وشرعًا وفطرة, وهو مقابل إلحاد المشركين فَإِن أُولَئِكَ أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحدٌ في أسماءه.

(الشرح)

يَعْنِي: الإلحاد هَذَا يقابل إلحاد المشركين, المشركون أعطوا أسماءه وصفاته للآلهة, وهؤلاء سلبوا صفات كماله وعطلوها, فكلاهما ملحد, هَذَا ملحدٌ بالتعطيل والسلب, وهذا ملحدٌ بجعلها أسماء للأوثان.

(المتن)

ثُمَّ الجهمية فروخهم متفاوتون في هَذَا الإلحاد, فيهم العالي والمتوسط والمنكوب.

(الشرح)

لعلها الغالي والمتوسط والمنكر, يُراجع البدائع.

(المتن)

وكل من جحد شَيْئًا مِمَّا وصف الله بِهِ نفسه أو وصفه بِهِ رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر, انتهى.

(الشرح)

كُلّ من جحد شَيْئًا من صفات الله وصف بها نفسه أو وصفها بها رسوله هَذَا ملحد, واحد ألف رسالة سماها "إيمان فرعون" وقال: فرعون مؤمن, ويستدل بآيات من الْقُرْآن, ويقول: الدليل عَلَى أَنَّهُ مؤمن أن الله أخبر عنه قَالَ: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس/90]؛ هَذِهِ معناها آمن, طيب اقرأ اللي بعدها: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس/91]؛ يَعْنِي: الإيمان عِنْد حضور الموت ما يفيد.

قَالَ تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء/18].

فرعون آمن عِنْد الغرق لَكِنْ ما يُفيده الإيمان خلاص انتهى الوقت وبلغت الروح الحلقوم, قَالَ الله: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس/91]؛ وهذا يَقُولُ آمن ويستدل بآيات.

يَقُولُ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر/46]؛ آل فرعون يدخلون وهو ما يدخل النَّارِ, هُوَ يدخل الْجَنَّة ويدخل آل فرعون, آل الشيء هُوَ مقدمهم, آل إبراهيم فإبراهيم مقدمهم, آل فرعون ففرعون مقدمهم, لَكِنْ مَعَ ذلك جاء واحد يحقق هذه الرسالة "إيمان فرعون" وعلق عليها, وقال: إن أحببت توافق هَذَا وإن أحببت لا توافق, انظر ما يحلو لك, هكذا التلبيس والعياذ بالله, هَذَا يدلك عَلَى أن في ناس الآن عَلَى مذهب الاتحادية يرون أن فرعون مصيب حينما قَالَ: أنا ربكم الأعلى, نسأل الله العافية.

(المتن)

فالقصد دفع النص عن معنى
 

 

الحقيقة فاجتهد فيه بلفظ بيان
 

عطل وحرف ثم أول وانفها
 

 

واقذف بتجسيم وبالكفران
 

للمثبتين حقائق الأسماء

 

 

والأوصاف بالأخبار والقرآن



 

فإذا هم احتجوا عليك فقل لهم
 

 

هذا مجاز وهو وضع ثان
 

فإذا غُلبت على المجاز فقل لهم
 

 

لا يستفاد حقيقة الإيقان
 

أنى وتلك أدلة لفظية
 

 

عزلت عن الإيقان منذ زمان
 

 

(الشرح)

الأبيات يَقُولُ المؤلف: قصد المعطل هنا والملحد: دفع النصوص من الكتاب والسنة, فهو مجتهد يدفعها غاية الدفع, يَقُولُ: القصد دفع النص, إذا جاء نص يُثبت الاسم والصفة يُدفع, واجتهد في دفعه, بماذا؟ قَالَ: عطل المعنى وحرف اللفظ أَيْضًا ثُمَّ أول وانفها, كم طريق سلكه؟ التعطيل, التحريف, التأويل, النفي, عطل النص فلا تقل أن عليم يُفيد العلم, ولا رحيم يُفيد الرحمة, وحرف مثل بعض الجهمية قَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء/164], حرفها قَالَ: وكلم اللهَ موسى تكليمًا, يَعْنِي أن الله هُوَ المُكلم وموسى هُوَ المتكلم, حَتَّى ينفي الكلام عن الله ويجعل موسى هُوَ المتكلم.

فَقَالَ له بعض السلف: هب يا عدو الله أنك حرفت هَذِهِ, كيف تقول في قوله: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف/143]؟ قَالَ: جرحه بأظافر الحكمة, تكلم معناها الجرح وليس المراد الكلام, فلانٌ كلمه يدمى يَعْنِي: جرحه, من أراد أن يحرف لا حيلة فِيه.

عطل؛ هَذَا واحد, وحرف اللفظ؛ هَذَا اثنين, ثُمَّ أول ومعنى استوى استولى, وانفها وانفي النص كامل, (واقذف بتجسيم وبالكفران) اقذف من أثبت الصفة بأنه مجسم, أنت كافر, يَقُولُونَ لأهل السنة: أنتم مشبهة, أنتم كفرتم وتنقصتم الرب وشبهتموه بالخالق وأنتم مجسمة.

(واقذف بتجسيم وبالكفران) لمن؟ (للمثبتين حقائق الأسماء والأوصاف بالأخبار والقرآن) الذين أثبتوا حقائق الأسماء والأوصاف الثابتة بالقرآن اقذفهم بالتجسيم والكفران, قل لهم: أنتم مجسمة, أنتم كفار.

(فإذا هم احتجوا عليك) إذا احتجوا عليك بالنصوص, (فقل لهم: هَذَا مجاز) {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه/5]؛ هَذِهِ مجاز, سمى الله نفسه بالرحمن مجازًا, {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[التحريم/2]؛ مجاز.

(فإذا غُلبت على المجاز) ولم تقدر ففي طريق آخر, (لا يستفاد حقيقة الإيقان) يَعْنِي: دلالة النصوص هَذِهِ هَذَا دليل لفظي لا يفيد اليقين, {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه/5]؛ هَذَا دليل لفظي, والذي يفيد اليقين الدليل العقلي وهذا دليل لفظي.

(أنى وتلك أدلة لفظية) كيف تفيد اليقين وهي أدلة لفظية, (عزلت عن الإيقان منذ زمان) عُزلت فلا تفيد اليقين منذ زمان, وَإِنَّمَا اللي يفيد اليقين الأدلة العقلية, هكذا يَقُولُونَ أدلة الْقُرْآن والسنة هَذِهِ أدلة لفظية لا تفيد اليقين, وأما الأدلة العقلية الَّتِي يسوقونها يَقُولُ: هَذِهِ براهين عقلية, وأدلة يقينية, والأدلة الَّتِي يأتون بها من عقولهم قالوا: قواطع عقلية وبراهين يقينية, وأما أدلة الْقُرْآن والسنة هَذِهِ أدلة لفظية لا تفيد اليقين, محتملة لمعاني متعددة تفيد الظن ولا تفيد اليقين, هَذَا معنى قوله:

فالقصد دفع النص عن معنى
 

 

الحقيقة فاجتهد فيه بلفظ بيان
 

عطل وحرف ثم أول وانفها
 

 

واقذف بتجسيم وبالكفران
 

للمثبتين حقائق الأسماء

 

 

والأوصاف بالأخبار والقرآن



 

فإذا هم احتجوا عليك فقل لهم
 

 

هذا مجاز وهو وضع ثان
 

فإذا غُلبت على المجاز فقل لهم
 

 

لا يستفاد حقيقة الإيقان
 

أنى وتلك أدلة لفظية
 

 

عزلت عن الإيقان منذ زمان
 

 

(المتن)

قَالَ رحمه الله:62.40 يَعْنِي أن القصد من هَذَا المعطل الملحد دفع نص الكتاب والسنة الوارد في صفات الله ونعوته, فهو مجتهدٌ بدفع غاية يمكنه وبكل ما يقدر عليه, فيتوسلون إِلَى هَذَا المقصد الباطل بتعطيل المعاني الصحيحة وتحريفها, أي تعويجها إِلَى معانٍ باطلة, فينفي المعنى الحق ويُثبت المعنى الباطل ثُمَّ ما يكفيهم هَذَا حَتَّى يقذفوا أهل الحق المثبتين حقائق أسماء الله وصفاته عَلَى ما جاءت بِهِ النصوص بالتجسيم والتكفير, لينفروا من قولهم ويقبحوه بما وضعوا له من الأسماء الباطلة, ويسمون أنفسهم أهل الحق, ومقالتهم هِيَ التنزيه قلبًا للحقائق كما قَالَ تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام/112].

فَإِذَا هم ناظروا أهل السنة والجماعة عرفوا أن نصوص الكتاب والسنة مَعَ أهل السنة, فيوصي بَعْضُهُمْ بعضًا فيقولون: إذا احتجوا عليكم فقولوا لهم: هَذَا مجاز, والمجاز: هُوَ ما وُضع ثانيًا.

(الشرح)

إذا رأوا نصوص الكتاب والسنة كلها مَعَ أهل السنة فيوصي بَعْضُهُمْ بعضًا فيقولون: هَذَا مجاز, صحيح معكم أدلة من الكتاب والسنة لَكِنْ مجاز, والمجاز وضع ثاني ما يوصل إِلَى المراد ولا الحقيقة.

(المتن)

وليس المراد بِهِ ما يُفهم منه فَإِذَا تمكنوا من هَذَا صالوا بِهِ وجالوا, فَإِذَا غُلبوا عن المجاز وأتاهم من الحقائق ما لا قِبل لهم بِهِ ولا يمكن دعوى المجاز بِهِ كما هُوَ جلي في نصوص الأسماء والصفات لجئوا إِلَى قاعدة لهم خبيثة باطلة وهي: أن النصوص أدلة لفظية لا تفيد الحق واليقين, وَإِنَّمَا تفيد غلبة الظن.

(الشرح)

إذا غُلبوا عَلَى هَذَا ولم يستطيعوا أن يَقُولُوا أَنَّهُ مجاز وكانت الأدلة من السنة واضحة لجئوا قالوا: إِنَّهَا أدلة لفظية لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن.

(المتن)

وبزعمهم أن الَّذِي يفيد اليقين هُوَ آرائهم الفاسدة وعقولهم الضالة.

(الشرح)

ويسمونه الأدلة العقلية مثل: كُلّ متصلٍ بالصفات فهو جسم, والأجسام متشابهة, فالنتيجة كُلّ متصل بالصفات فهو مشابه, فلا يتصف الله بالصفات لِأَنَّ لا يكون مشابهًا للمخلوقات, هَذَا يقولوا: دليل عقلي براهيني, يقيني وأدلة الكتاب والسنة هَذِهِ لفظية لا تفيد اليقين.

(المتن)

فَإِذَا أتت النصوص مخالفة لما استقر في نفوسهم رأوا من اللازم صرفها عن المراد بها موافقةً لما يعتقدونه, وقد غلطوا في هَذَا أكبر الغلط وأفحشه, فَإِن نصوص الكتاب والسنة في أعلى رتب الحق واليقين, وهي أرفع أنواع الصدق, فإنها كلام الله الَّذِي لا أصدق منه قيلًا ولا أحسن منه حديثًا, وكلام الصادق المصدوق الَّذِي لا ينطق عن الهوى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم/4].

ومع ذلك فقد أيد الله ورسوله ما أخبرا به من الحق بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة الَّتِي لا تُبقى في قلب مريدي الحق والهدى أدنى ريب, وغاية ما يوجد عِنْد المتكلمين من المعقولات والبراهين جزءٌ يسير مِمَّا اشتمل عليه كتاب الله وسنة رسوله, بَلْ لا يمكن أن يوجد في الكتاب والسنة مسألة واحدة مخالفة لما يعلمه العقلاء أهل البصائر النافذة, بَلْ أدلة المعقول موافقة لأدلة المنقول.

فكيف يَقُولُ القائل: إِنَّهَا أدلة لفظية لا تفيد اليقين؟ سبحانك هَذَا بهتانٌ عظيم يلزم منه بطلان أخباره وأوامره ونواهيه والكفر برب العالمين رأسًا, فَإِنَّهُ لا يشاء متأولٌ أن يتأول إذا فتحت لهم هَذِهِ القاعدة الشنعاء, والمقالة الَّتِي لَمْ يسبق المتكلمين بها أحدٌ من رسل الله ولا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

(الشرح)

هَذَا القول بأنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين, هَذَا يُبطل الأوامر والنواهي وبطلان الأخبار, ويلزم منه الكفر برب العالمين, يَعْنِي كُلّ واحد يتأول ما يشاء يَقُولُ: هَذَا دليل لفظي.

(المتن)

ثُمَّ إن المتكلمين أصلًا آخر إليه يفزعون عِنْد تزاحم النصوص عَلَيْهِمْ, وبه يتحصنون عِنْد أدلة الكتاب والسنة, ذكره بقوله:

فإذا تضافرت الأدلة كثرة
 

 

وغُلبت عن تقرير ذا ببيان
 

فعليك حينئذ بقانون     
 

 

وضــعناه لدفع أدلة القرآن


 

ولكل نص ليس يقبل أن يؤول   
 

 

بالمجاز ولا بمعنى ثان


 

قل عارض المنقول معقولٌ    
 

 

وما الأمران عند العقل يتفقان


 

ما ثَم إلا واحد من أربع
 

 

متقابلات كلها بوزان
 

إعمال ذين أو عكسِه أو تلغي     
 

 

المعقـول ما هذا بذي إمكان


 

العقل أصل النقل وهو أبوه إن
 

 

تبطله يبطل أصله التحتاني
 

فتعين الإعمال للمعقول     

 

 

والإلغاء للمنقول بالقانون ذي البرهان



 

إعماله يفضي إلى إلغائه
 

 

فاهجره هجر الترك والنسيان
 

 

(الشرح)

المؤلف يَقُولُ هنا: المتكلمين لهم أصل آخر يفزعون إليه عِنْد تزاحم النصوص, وذلك أَنَّهُمْ إذا ما أمكنهم أن يقولوا: بأن الدليل هَذَا يُفيد الظن, أو أَنَّهُ مجاز, يَقُولُ: الآن هَذِهِ الأدلة منقول, دلائل نقلية عارضها الدلائل العقلية, وإذا عارض المعقول المنقول فعندنا أمور الآن, نقول: إذا تعارض العقل والنقل, يَقُولُ: الأدلة من الكتاب والسنة عارضها أدلة العقل الَّتِي تقتضي أَنَّ الله لا يتصف بالصفات, ماذا نعمل؟ عارض المنقول المعقول وعندنا أمور أربعة:

  1. إِمَّا أن نُعمل الاثنين.
  2. وإما أن نترك الاثنين.
  3. وإما أن نُعمل العقل ونترك النقل.
  4. أو نُعمل النقل ونترك العقل.

هَذِهِ الأمور كلها غير ممكنة, ويتعين القسم الرابع وهو إعمال المعقول وإلغاء المنقول, لماذا؟ لِأَنَّه يَقُولُ: ما عرفنا صحة النقل إِلَّا بالعقل, فَإِذًا العقل أصل للنقل, فَإِذَا عارض النقل العقل فَإِنَّهُ يُقدم العقل عليه لِأَنَّه لو قدمته عليه ألغيت وقدمته عَلَى الأصل, هَذَا معنى قول المؤلف:

فإذا تضافرت الأدلة كثرة
 

 

وغُلبت عن تقرير ذا ببيان
 

 

إذا عجزت ولا يمكنك أن تقول بالمجاز ولا أَنَّهَا أدلة لفظية:

فعليك حينئذ بقانون     
 

 

وضــعناه لدفع أدلة القرآن


 

 

عندنا قانون نعطيك إياه تدفع بِهِ أدلة الْقُرْآن.

ولكل نص ليس يقبل أن يؤول   
 

 

بالمجاز ولا بمعنى ثان


 

 

كُلّ نص ما يقبل أن تؤوله بالمجاز ولا يقبل أن تؤوله بالأدلة اللفظية قل:

قل عارض المنقول معقولٌ    
عار

ع

 

وما الأمران عند العقل يتفقان


 

 

عارض المنقول المعقول ولا يمكن يتفقا.

ما ثَم إلا واحد من أربع
 

 

متقابلات كلها بوزان
 

 

(إعمال ذين) تُعمل العقل والنقل هَذَا ما يمكن, تعارضا فتساقطا, (أو عكسه) تتركهما لا تُعمل لا هَذَا ولا هَذَا فهذا لا يمكن, (أو تُلغي المعقـول ما هذا بذي إمكان) ما يمكن تلغي المعقول, لماذا؟ لِأَنَّ العقل أصل النقل وما عُرف صحة النقل إِلَّا بالعقل:

العقل أصل النقل وهو أبوه إن
 

 

تبطله يبطل أصله التحتاني
 

 

إذا أبطلت العقل هنا معناه أبطلت النقل؛ لِأَنَّ العقل هُوَ الأصل, والنقل هُوَ الفرع, فَإِذَا أبطلت التحتاني بطل الفوقاني.

فتعين الإعمال للمعقول     

 

 

والإلغاء للمنقول بالقانون بالبرهان



 

 

بهذا القانون, تعين: نقبل العقل ونرد النقل.

إعماله يفضي إلى إلغائه
 

 

فاهجره هجر الترك والنسيان
 

 

انظر كيف وصلوا إِلَى نهاية إبطال النصوص, كأنهم من الأساس لا يريدون إِلَّا إبطال النقل, إبطال النصوص من الكتاب والسنة, يجربون بخيلهم وأراجلهم ويعملون جميع ما يستطيعون في إبطال النصوص وردها.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: يَعْنِي أن المتكلمين يصولون بهذا القانون الباطل عَلَى دفع أدلة الكتاب والسنة.

(الشرح)

هَذَا القانون الباطل وهو ماذا؟ أَنَّهُ العقل عارض النقل, وإذا عارض العقل النقل فلابد من تقديم العقل لِأَنَّه هُوَ الأصل, هم يَقُولُونَ عندنا أمور ثلاثة:

  1. إِمَّا نُعمل الاثنين.
  2. أو لا نُعمل الاثنين.
  3. أو نُعمل أحدهما.

أَمَّا نُعمل الاثنين ما يمكن تعارضا فتساقطا, نُعمل الاثنين ما يمكن جمع بين نقيضين, نُعمل النقل قبل العقل هَذَا ما يمكن لِأَنَّ العقل هُوَ الأصل وإذا أبطلت الأصل أبطلت الفرع من باب أولى, فإذًا تعين أن نقدم العقل عَلَى النقل عندهم.

(المتن)

 يَعْنِي أن المتكلمين يصولون بهذا القانون الباطل عَلَى دفع أدلة الكتاب والسنة, وحاصل تقريره: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إذا تعارض العقل والنقل فلابد من واحدٍ من أربعة أمور:

إِمَّا أن يُعمل كلاهما.

(الشرح)

إِمَّا أن يُعمل كلاهما, وهذا ما يمكن الجمع بين نقيضين.

(المتن)

أو يُلغيا.

(الشرح)

هَذَا الْأَمْرِ الثاني وهذا ما يمكن يخلو شيء لا من عقل ولا من نقل.

(المتن)

أو يُعمل العقل ويُلغى النقل.

(الشرح)

أَمَّا يُعمل النقل ويُلغى العقل هَذَا ما يمكن؛ لِأَنَّ العقل أصل للنقل وما عرفنا صحة النقل إِلَّا بالعقل فلا يمكن أن تُلغيه؛ لأنك إذا ألغيت الأصل ألغيت الفرع, فتعين الْأَمْرِ الرابع وهو: أن تُعمل العقل وتُلغي النقل.

(المتن)

وعندهم أن الأقسام الثلاثة الأولى غير ممكنة.

(الشرح)

ما هِيَ الثلاثة الأولى؟ إِمَّا أن يُعملا, وإما أن يُلغيا, وإما أن يُعمل النقل ويُلغى العقل, وهذه غير ممكنة.

(المتن)

وأنه يتعين القسم الرابع وهو: إعمال المعقول وإلغاء المنقول, وذلك أن إعمالها مَعَ التعارض غير ممكن فإنهما لو أُعملا والحالة هَذِهِ لَمْ يكن تعارض, وإلغائهما أَيْضًا غير ممكن لِأَنَّه يلزم منه إبطال العقل والنقل, وإعمال النقل مَعَ إلغاء العقل غير ممكن عَلَى زعمهم؛ لِأَنَّ إعمال النقل يقتضي إلغاءه, فَإِن النقل لَمْ يُعرف إِلَّا بالعقل.

(الشرح)

يَعْنِي: ما عُرفت صحة النقل إِلَّا بالعقل, العقل هُوَ اللي دلك عَلَى أن النقل صحيح, إذًا هُوَ أصل فَإِذَا عارض الفرع الأصل ألغي الفرع ويبقى الأصل.

(المتن)

فهو الطريق لثبوته عَلَى زعمهم.

(الشرح)

الطريق لثبوت النقل هُوَ العقل, ما عرفنا صحة النقل إِلَّا بالعقل, فإذًا إذا صار النقل يقدح بالأصل يُلغى.

(المتن)

فَإِذَا قدحنا في الأصل الَّذِي هُوَ العقل لزم القدح فيما يتفرع عنه وهو النقل, فتعين حينئذٍ إعمال العقل وإلغاء النقل بهذا القانون الفاسد, ووجب أن توزن بِهِ نصوص الكتاب والسنة.

(الشرح)

نسأل الله العافية, هكذا والعياذ بالله أبطلوا النصوص بهذا.

(المتن)

قَالَ: وهذا التقسيم الَّذِي حصروه بهذه الأقسام والحكم الَّذِي حكموا بِهِ باطلان عقلًا وشرعًا.

(الشرح)

ما هُوَ الباطلان؟ التقسيم والحكم, فهذا الأمران التقسيم اللي هُوَ أربعة أقسام والحكم الَّذِي حكموه باطلان عقلًا وشرعًا.

(المتن)

قَالَ: وهذا التقسيم الَّذِي حصروه بهذه الأقسام والحكم الَّذِي حكموا بِهِ باطلان عقلًا وشرعًا, وقد تصدى لإبطاله الإمام الكبير شيخ الإسلام اِبْن تيمية قدس الله روحه في كتابه "العقل والنقل".

(الشرح)

معنى قدس الله روحه, يَعْنِي: طهر الله روحه, التقديس هُوَ التطهير.

(المتن)

فطالما ذكر تقسيمهم هَذَا والمقصود هنا الكلام عَلَى قول القائل: إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية إِلَى آخره, والكلام عَلَى هَذِهِ الجملة بُني عَلَى بيان ما في مقدمتها من التلبيس فإنها مبنية عَلَى مقدمات:

أولها: ثبوت تعارضهما.

الثانية: انحصار التقسيم فيما ذكره من الأقسام الأربعة.

الثالثة: بطلان الأقسام الثلاثة والمقدمات الثلاثة باطلة.

وبيان ذلك بتقديم أصل وهو أن يُقال: إذا قِيلَ تعارض دليلان سواءً كَانا سمعيين أو عقليين أو أحدهما سمعيًا والآخر عقليًا فالواجب أن يقال: لا يخلو إِمَّا أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين, وإما أن يكون أحدهما قطعيًا والآخر ظنيًا, فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواءً كانا عقليين أو سمعيين أو أحدهما عقليًا والآخر سمعيًا, وهذا متفق عليه بين العقلاء؛ لِأَنَّ الدليل القطعي هُوَ الَّذِي يَجِبُ ثبوت مدلوله ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة.

وحينئذٍ فلو تعارض دليلان قطعيان وأحدهما يناقض مدلول الآخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال.

(الشرح)

يَعْنِي: إذا تعارض دليلان قطعيان سواءٌ كانا سمعيين أو عقليين هَذَا ما يمكن, لا يوجد تعارضهما مطلقًا هَذَا متفق عليه بين العقلاء؛ لِأَنَّ الدليل القطعي هُوَ الَّذِي يَجِبُ ثبوت مدلوله, ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة مطلقًا, وحينئذٍ فلو تعارض دليلان قطعيان وأحدهما يناقض مدلول الآخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال, طيب كيف العمل؟ يَقُولُ: ما هُوَ بصحيح الكلام واحد قطعي والآخر ليس قطعي, أكيد لِأَنَّ قطعي مَعَ قطعي لا يمكن أن يتعارضا؛ لِأَنَّه لو كَانَ قطعي, يَقُولُ: هَذَا يَجِبُ تكون ثبوت مدلوله وهذا يَجِبُ ثبوت مدلوله, وتكون دلالة هَذَا مناقضة لدلالة هَذَا, وهذا مستحيل.

(المتن)

بَلْ كُلّ ما يُعتقد تعارضه من الدلائل الَّتِي يُعتقد أَنَّهَا قطعية فلابد أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي.

(الشرح)

لابد من هذا واحد قطعي والآخر ظني, وحينئذٍ العمدة عَلَى القطعي.

(المتن)

أو أن لا يكون مدلولهما متناقضين.

(الشرح)

أو يكون هَذَا له دلالة وهذا له دلالة, إذا هَذَا قطعي وهذا قطعي, لَكِنْ هَذَا دلالته تختلف عن دلالة هَذَا, هَذَا نعم معقول.

(المتن)

فأما مَعَ تناقض المدلولين المعلومين فيُمتنع تعارض الدليلين.

(الشرح)

 مَعَ تناقض المدلولين المعلومين كُلّ منهما ينقض الآخر هَذَا مستحيل, معنى يمتنع يَعْنِي: يستحيل, يستحيل تعارض الدليلين.

(المتن)

وإن كَانَ أحد الدليلين المتعارضين قطعيًا دون الآخر فَإِنَّهُ يَجِبُ تقديمه باتفاق العقلاء سواءً كَانَ هُوَ السمعي أو العقلي فَإِن الظن لا يدفع اليقين.

(الشرح)

إذًا عَلَى هَذَا يَقُولُ: يتعارض دليلان عقليان سمعيان أو عقليان أو أحدهما سمعي والآخر عقلي هَذَا لا يمكن ومستحيل, لا يمكن أن يتعارضا؛ لِأَنَّ القطعي هُوَ الَّذِي يَجِبُ ثبوت مدلوله, فإذًا نقول: إِمَّا أن يكون أحدهما قطعي والآخر ظني, وحينئذٍ العمدة عَلَى القطعي, أو تكون هَذَا له دلالة وهذا له دلالة, وأما إن كَانَ أحد الدليلين قطعي والآخر سمعي فالمعول عَلَى القطعي والسمعي مردود, إذا تعارض قطعي وظني فالعبرة بالقطعي والظني  مدفوعٌ بالقطعي.

(المتن)

قَالَ: وأما إن كانا جميعًا ظنيين فَإِنَّهُ يُصار إِلَى طلب ترجيح أحدهما, فأيهما ترجح كَانَ هُوَ المقدم سواءً كَانَ سمعيًا أو عقليًا.

(الشرح)

عَلَى هَذَا يكون إذا تعارض دليلان سمعيان أو عقليان أو أحدهما سمعي والآخر عقلي فلا يخلو إِمَّا أن يكونا قطعيين, أو ظنيين, أو أحدهما قطعي والآخر ظني, إن كانا قطعيين فهذا مستحيل أن يتعارضا؛ لِأَنَّ العقلي هُوَ الَّذِي يَجِبُ ثبوت مدلوله, فنقول: لا يمكن أن يتعارضا, بَلْ إِمَّا أن يكون أحدهما قطعي والآخر سمعي, وحينئذٍ العبرة عَلَى القطعي, أو تكون دلالة هَذَا غير دلالة هَذَا, وإذا تعارض قطعي وظني فالمعول على القطعي, إذا كانا ظنيين كلٌ منهما ظني هنا يُطلب الترجيح من شيء آخر غيرهما, فَإِذَا وُجد مرجح لأحدهما فَإِنَّهُ يقدم سواءً كَانَ سمعيًا أو عقليًا انتهت هذه الشبهة.

(المتن)

ثُمَّ أطال الكلام بما يشفي ويكفي رحمه الله تعالى.

ولما كَانَ كلام المؤلف عن المتكلمين بذكر هَذَا القانون يوهم نوع مبالغة دفع هَذَا الوهم بقوله:

والله لم نكذب عليهم إننا
 

 

وهم لدى الرحمن مجتمعان
 

وهناك يجزى الملحدون ومن
 

 

نفى الـإلحاد يجزى ثَم بالغفران


 

 

(الشرح)

المؤلف رحمه الله لما أحس بأن بعض النَّاس يَقُولُ: أنت مبالغ ما صحيح هَذَا الكلام, قَالَ: (والله لَمْ نكذب عليه) ما كذبنا عَلَيْهِمْ وموجود في كتبهم, كلامي هَذَا تجده في كتابهم:

والله لم نكذب عليهم إننا
 

 

وهم لدى الرحمن مجتمعان
 

 

نحن نجتمع عِنْد الله تعالى والله يفصل بيننا:

وهناك يجزى الملحدون ومن
 

 

نفى الـإلحاد يجزى ثَم بالغفران


 

 

المؤلف رحمه الله لما أحس بأن بعض النَّاس يَقُولُ: ما صحيح الكلام هَذَا, ما يمكن يَقُولُ هَذَا الكلام أحد, أنت يا اِبْن القيم ما تأكدت, قَالَ: لا, (والله لَمْ نكذب عليه) ما كذبنا عَلَيْهِمْ وموجود في كتبهم, ونحن وهم سوف نجتمع عِنْد الله تعالى,(....) وعند الله تجتمع الخصوم, (وهناك يجزى الملحدون) يجزى الملحدون بالجزاء السيئ, ومن نفى الإلحاد ووحد الله فَإِن الله يجزيه بالغفران, ثّم يَعْنِي هناك ظرف مكان.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: ولعله أخذه من قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف/180].

(الشرح)

يَعْنِي: هَذَا تهديد, الآية فِيهَا تهديد, ذروا الذين يلحدون فسوف يلقون جزاهم, الآية فِيهَا التهديد للملحدين, قَالَ تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} يَعْنِي: اتركوهم سوف يلقون جزائهم عِنْد الله عز وجل, {فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف/180].

(المتن)

فالملحدون يجزون بالعقاب الوبيل والمثبتون لله الأسماء والصفات النافية لإلحاد الملحدين يجزون هناك بالعفو والغفران والخلود في الْجَنَّة ونيل أعلى الكرامات.

(الشرح)

نسأل الله أن يجعلنا وإياهم وإياكم من هؤلاء الذين أثبتوا لله الأسماء والصفات النافية للإلحاد والذين يجزون عند الله بالعفو والغفران والخلود, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك عَلَى نَبِيُّنَا محمد, ووفق الله الجميع لطاعته.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد