شعار الموقع

شرح كتاب الصلاة من صحيح ابن خزيمة_30

00:00
00:00
تحميل
9

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:

بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ غَلِطَ ...

(غَلِطَ) فيها، يعني ذكر أحاديث غلط فيها بعض الناس.

بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ غَلِطَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يُنْعِمِ النَّظَرَ فِي أَلْفَاظِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ فَاحْتَجَّ بِهَا، وَزَعَمَ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الصَّلَاةِ مَنْسُوخٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.

الإمام ابن خزيمة رحمه الله يقول سيذكر أدلة يقول غلِط فيها بعض الناس، وسبب الغلط أنهم ما استوفوا الأخبار، أخذوا ببعض الأخبار دون بعض، وكذلك ما أمعنوا النظر، ما دققوا، التأمل والنظر في الأدلة حتى يستنبط الأحكام الشرعية، فغلِطوا من جهتين:

- من جهة أنهم ما استوعبوا الأخبار، ما جمعوها، وينبغي لطالب العلم أن يجمع الأخبار، ما يأخذ بعض النصوص دون بعض، فيجمع الأخبار؛ لأن الأخبار يفسر بعضها بعضًا، يكون في بعض الأخبار زيادة وبعضها توضيح، وبعضها قيود، لابد من جمع الأخبار، يجمع الأخبار.

- وكذلك لابد من إمعان النظر والدقة، والنظر في الأدلة، واستنباط الأحكام الشرعية.

يقول المؤلف رحمه الله سيذكر أخبارًا غلِط فيها بعض الناس من جهتين، أنهم ما استوعبوا الأدلة، ولم يمعنوا النظر في القنوت.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أخبرنَا أَبُو بَكْرٍ

وابن خزيمة شافعي، كان على مذهب الشافعية في القنوت، الشافعية يرون القنوت مستمر في صلاة الفجر، ولا يلزم أن يكون هناك نازلة، والصواب أن القنوت لا يكون إلا في النوازل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت وترك.

س: [00:02:11]؟

الشيخ: يقدرها أهل العلم، يعلمون هذا.

قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا»، دَعَا عَلَى نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128].

فيه أنه دعا، قنت، والقنوت هو الدعاء لقوم أو على قوم، كان أبو هريرة يقنت ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار العصاة، هذا القنوت دعاء لقوم ودعاء على قوم، قال في هذا الحديث أنه دعا على المنافقين، والمعروف أنه دعا على بعض المشركين في مكة، «اللهم عليك بفلان شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة» وليسوا منافقين، وإنما كفار.

وقد يقال إن المراد بالمنافقين الكفار، قال: (اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا)، فأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾، ثم أسلم هؤلاء الذين دعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالأمر بيد الله، بيده الهداية -سبحانه وتعالى-، من العلماء من قال إنه لا يقنت إلا في صلاة الجماعة، ومنهم من قال  يقنت في كل جماعة، ومنهم من قال لابد من الإذن، المسألة فيها خلاف وأقوال.

قال: أَنبأنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128] قَالَ: "فَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ".

الله أكبر، هداهم الله للإسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق وأشرف الخلق يدعو ويؤمِّن على دعائه، فأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾، فتاب الله عليهم وهداهم، فالأمر لله، والهداية بيد الله سبحانه.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا.

قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128] قَالَ: ثُمَّ هَدَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.

دعا على رعل وذكوان وعصية أربعين صباح، لكن المعروف أن هذه الآية نزلت في [00:05:45] من الكفار بمكة ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّعْنَ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَا أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِمَنْ كَانَ يَدْعُو فِي أَيْدِي أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنَجِّيَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[128] فِي قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فِي يَدَيْ قَوْمٍ كُفَّارٍ يُعَذَّبُونَ، وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128] فِيمَنْ كَانُ يَدْعُو النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْعَنُهُمْ فِي قُنُوتِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنْ تَابَ عَلَيْهِمْ فَهَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، أَوْ عَذَّبَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، فَهُمْ ظَالِمُونَ وَقْتَ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، لَا مَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنَجِّيَهُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ فِي وَقْتِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُنَجِّيَهُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِهِمُ الْكُفَّارِ.

وَلَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ أَيْدِي كُفَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَّا بَعْدَ مَا نَجَوْا مِنْ أَيْدِيهِمْ، لَا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا ظَالِمِينَ لَا مَظْلُومِينَ. أَلَا تَسْمَعُ خَبَرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «أَوَ مَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟»، فَأَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْقُنُوتَ وَالدُّعَاءَ بِأَنْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ، إِذِ اللَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَهُ فَنَجَّاهُمْ، لَا لِنُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ ضِدُّهُمْ، إِذْ مَنْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُنَجِّيَهُمْ، مُؤْمِنُونَ مَظْلُومُونَ، وَمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ، كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ ظَالِمُونَ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَتْرُكَ لَعْنَ مَنْ كَانَ يَلْعَنُهُمْ، وَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ، وَأَنْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، أَوْ تَابَ عَلَيْهِمْ، فَتَفَهَّمُوا مَا بَيَّنْتُهُ تَسْتَيْقِنُوا بِتَوْفِيقِ خَالِقِكُمْ غَلَطَ مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْقُنُوتَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

أطال -رحمه الله-، قال أبو بكر... هو كنية ابن خزيمة رحمه الله، [00:09:15] هذه الآية لم تنزل في المؤمنين، وإنما نزلت في المنافقين لقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾، والذين دعا لهم أن ينجيهم ليسوا ظالمين، قال أبو بكر، أطال التعليق رحمه الله.

فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ

(فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ) التي فيها أن النبي قنت ودعا، ودعا على قوم، وأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128]، ركز على قول ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾، قال هذه الآية في الكفار أو المنافقين وليست في المؤمنين.

فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّعْنَ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ

(اللهم العن فلانًا وفلانًا)، (اللهم عليك بشيبة بن ربيعة وعتبة) يقول هذا منسوخ في هذه الآية ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128].

لَا أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِمَنْ كَانَ يَدْعُو

يعني المنسوخ اللعن، لكن القنوت ما هو منسوخ، القنوت اللعن، لما كان يلعن جماعة، هذا نُسخ، أما الدعاء والقنوت والدعاء للمؤمنين بأن ينجيهم الله هذا باقي لم يُنسخ.

لَا أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِمَنْ كَانَ يَدْعُو فِي أَيْدِي أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنَجِّيَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[128] فِي قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.

يعني هذه الآية ليست في المؤمنين؛ لأنه قال: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128]، فليست في المؤمنين، فالدعاء والقنوت بأن ينجي الله المستضعفين يقول هذا باقي ما نُسخ، إنما الذي نُسخ اللعن والدعاء عليهم.

فِي قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فِي يَدَيْ قَوْمٍ كُفَّارٍ يُعَذَّبُونَ، وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128] فِيمَنْ كَانُ يَدْعُو النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْعَنُهُمْ فِي قُنُوتِهِ.

وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنْ تَابَ عَلَيْهِمْ فَهَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، أَوْ عَذَّبَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، فَهُمْ ظَالِمُونَ وَقْتَ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، لَا مَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنَجِّيَهُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ فِي وَقْتِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُنَجِّيَهُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِهِمُ الْكُفَّارِ.

وَلَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ أَيْدِي كُفَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَّا بَعْدَ مَا نَجَوْا مِنْ أَيْدِيهِمْ، لَا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا ظَالِمِينَ لَا مَظْلُومِينَ. أَلَا تَسْمَعُ خَبَرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «أَوَ مَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟»، فَأَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْقُنُوتَ وَالدُّعَاءَ بِأَنْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ، إِذِ اللَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَهُ فَنَجَّاهُمْ، لَا لِنُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ ضِدُّهُمْ، إِذْ مَنْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُنَجِّيَهُمْ، مُؤْمِنُونَ مَظْلُومُونَ، وَمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ، كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ ظَالِمُونَ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَتْرُكَ لَعْنَ مَنْ كَانَ يَلْعَنُهُمْ، وَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ، وَأَنْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، أَوْ تَابَ عَلَيْهِمْ، فَتَفَهَّمُوا مَا بَيَّنْتُهُ تَسْتَيْقِنُوا بِتَوْفِيقِ خَالِقِكُمْ غَلَطَ مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْقُنُوتَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

يعني الخلاصة أنه يرى أن القنوت باقي، وهو الدعاء للمؤمنين بأن ينجيهم الله، أما المنسوخ فهو الدعاء على الكفار، هذا هو الذي نزل فيه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران: 128]، قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾، وأما المؤمنون والمستضعفون لا ينطبق عليهم أنهم ظالمون.

قال: [00:14:25] يعني تقرير لمذهب الشافعية بأن القنوت باقي، الشافعية يرون بأن القنوت في صلاة الفجر باقي، مستمر، ويرى المنسوخ إنما هو الدعاء على الكفار، أما الدعاء للمؤمنين المستضعفين فلا بأس.

والصواب أن القنوت في صلاة الفجر غير مشروع إلا عند النوازل، وهذا هو الذي عليه المحققون كـ [00:14:55]إبراهيم أبا الحسن إمام أهل السنة والجماعة، ولكن لا ينبغي التشديد في هذا ولا ينبغي الخلاف، فإذا صليت خلف شافعي يقنت فلا تعارض ولا تخالف، صلِّ وادع معه، كان الإمام أحمد رحمه الله لا يرى القنوت وإذا صلى خلف من يقنت أمَّن على دعائه، فالخلاف شر، ما ينبغي الخلاف في مثل هذا.

بَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْإِهْوَاءِ لِلسُّجُودِ

قال: أخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أخبرنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قال: أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا.

هذا السنة، التكبير في كل خفضٍ ورفع، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكبر عند الركوع وعند السجود وعند الرفع من السجود وعند القيام، في كل خفضٍ ورفع، والعلماء حصروا التكبيرات في الصلوات الجهرية أربعة وعشرين تكبيرة في الرباعية والثلاثية والثنائية، وكان [00:16:16] في بني أمية غيروا، فكانوا يتركون التكبير في الخفض والرفع، حتى صار هذا مألوفًا لدى بعض الناس، حتى إن بعض التابعين أنكر على بعض الصحابة لما صلى خلفه -كما في صحيح البخاري- أنه قال: صليت خلف شيخٍ أحمق، كبر في الرباعية أربع وعشرين تكبيرة.

كم التكبيرات للرباعية في كل ركعة؟ خمس؟ غير تكبيرة الإحرام عند الركوع وعند السجود وعند الرفع من السجود، وعند القيام، أربع.

طالب: [00:17:05].

الشيخ: ثمان، المقصود أنه قال صليت خلف شيخ يكبر كذا وكذا أحمق، فقال: "تلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم"، استنكروا هذا لأن بعض أمراء بني أمية غيَّر فصاروا لا يكبرون، حتى ظن بعض الناس أنه لا يُشرع التكبير، فبُيِّن لهم السنة وأنه كان -صلى الله عليه وسلم- يكبر في كل خفضٍ ورفع -عليه الصلاة والسلام-.

ومن ذلك أنه يكبِّر إذا هوى للسجود كما كان يدعو المؤلف رحمه الله، إذا هوى للسجود يكبِّر، وإذا ركع يكبِّر، وإذا رفع رأسه من السجود يكبِّر، وإذا سجد السجدة الثانية يكبِّر، وإذا رفع رأسه من قيام أو جلوس يكبِّر وهكذا.

س: يرفع يده؟

الشيخ: لا، يرفع يديه في أربعة مواضع: يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع عند الرفع منه، هذا في الصحيحين، وفي موضع آخر جاء في صحيح البخاري أنه يرفع يديه عند القيام للتشهد الأول، في هذه المواضع الأربع فقط، أما رفع اليدين عند السجود جاء فيها حديث ضعيف، الصواب أنه لا يثبت، وأنه لا يُشرع في اليدين إلا في هذه المواضع الأربعة.

بَابُ التَّجَافِي بِالْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِهْوَاءِ إِلَى السُّجُودِ

قف على هذا.

طالب: حديث ابن عباس: "قنت النبي -صلى الله عليه وسلم- شهرًا متتابعًا"، ذكرنا بعض كلام أهل العلم، "قنت شهرًا متتابعًا الظهر والعصر"...

الشيخ: على رعل وذكوان، جاء في بعضه أنه أربعين صباحًا دعا على رعل وذكوان.

طالب: نص الحديث: «قنت النبي -صلى الله عليه وسلم: شهرًا متتابعً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة يدعو على حيٍ من بني سُليم من بني ذكوان على رعلٍ وذكوان وعُصية، ويؤمِّن من خلفه، قال: أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام».

الشيخ: هذا حديث من؟

طالب: ابن عباس عند ابن خزيمة، «قنت النبي -صلى الله عليه وسلم: شهرًا متتابعً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح».

الشيخ: في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، في جميع الصلوات.

طالب: في جميع الصلوات، «في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة يدعو على حيٍ من بني سُليم».

الشيخ: «في دبر كل صلاة» يعني في آخرها، وفي هذا في تفسير الدبر بأنه الآخر من دبر الحيوان، آخره، هذا اختيار شيخ الإسلام، وقيل أن الدبر مؤخر الشيء، وقال بعض العلماء الدبر يكون بعد، مثل: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك ...»، قال النبي لمعاذ: «لا تدعنها دبر كل صلاة»، فهل يقولها في التشهد أو يقولها بعد الصلاة؟

قال شيخ الإسلام أنه يقولها في التشهد؛ لأن دبر الشيء آخره، ومنهم من قال أنه يكون بعدها، وهذا الدعاء سواء لو قاله في الصلاة أو بعد الصلاة حسن، وفي بعض الأدلة مثل الأذكار تكون دبر كل صلاة، هذه الأذكار تكون بعد السلام.

طالب: قال: «يدعو على حيٍ من بني سُليم من بني ذكوان على رعلٍ وذكوان وعُصية، ويؤمِّن من خلفه، قال: أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام فقتلوهم»، قال عكرمة: هذا مفتاحٌ للقنوت، الحديث حسنه الألباني -رحمه الله- وابن حجر، وأيضًا قال المرداوي: "وعنه يُقنط في جميع الصلوات المكتوبات خلا الجمعة، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه واختاره المجد في شرحه وابن عبدوس في تذكرته".

الشيخ: هذا جاء في الصحيح أن أبا هريرة قنت في الظهر وفي العشاء وفي جميع الصلوات، نعم هذا هو الصواب، أنه يدعو في جميع الصلوات، أن يقنت في جميع الصلوات إذا صار الأمر يحتاج إلى هذا، صلاة الفجر وصلاة المغرب هذه وتر النهار ووتر الليل كذلك، يخصهما وإذا احتاج كذلك في صلاة العشاء كما في صحيح البخاري، وفي صلاة الظهر والعصر، لا حرج إذا دعت الحاجة يقنت في جميع الصلوات، ما خلا صلاة الجمعة، ما عدا صلاة الجمعة ما يقنت فيها.

طالب: يقول: "اختاره المجد في شرحه وابن عبدوس في [تذكرته]، والشيخ تقي الدين، وجزم به في [الوجيز]، وقدمه في [الفروع]".

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد