بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة –رحمه الله تعالى-:
بَابُ التَّغْلِيظِ فِي مُرُورِ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي بِذِكْرِ أَخْبَارٍ مُجْمَلَةٍ، قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَبَحَّرِ الْعِلْمَ أَنَّهُ خِلَافُ أَخْبَارِ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ؛ ح وَحدثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا بِشْرٌ -يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ- قال: حدثنَا يُونُسُ؛ ح وَحدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قال: حدثَنَا هُشَيْمٌ، قال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ -وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ-؛ ح وَحدثَنَا بُنْدَارٌ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ؛ ح وَحدثَنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ؛ ح وَحدثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ، قال: حدثنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَامِرٍ؛ ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قال: حَدَّثَنَا أَسَدٌ -يَعْنِي ابْنَ مُوسَى- قال: حدثنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ؛ وَحدثَنَا الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلْمٍ -وَهُوَ ابْنُ الذِيالِ- كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ؛ وَحدثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى، حدثنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ -يَعْنِي الْعَدَوِيَّ-، قال: حدثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ.
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَبْيَضِ مِنَ الْأَصْفَرِ مِنَ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ».
وهذا الحديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر –رضي الله عنه- في صحيح مسلم قال: «يَقْطَعُ صَلاَةَ المرء إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مثل مؤخِرَةِ الرَّحْلِ: المرْأةُ، والحِمَارُ، وَالكَلْبُ الأسْوَدُ».
(إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مثل مؤخِرَةِ الرَّحْلِ) يعني إذا لم يكن بين يديه سُترة، مثل الخشبة التي تكون خلف الراكب على البعير، خشبة مقدارها ثلثي ذراع.
(يَقْطَعُ صَلاَةَ المرء إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مثل مؤخِرَةِ الرَّحْلِ) إذا لم يكن عنده سُترة أقلها ثُلثي ذراع، فإنه يقطع صلاته المرأة، والحمار، والكلب الأسود إذا مر قريبًا من أقل من ثلاثة أذرع.
اختلف العلماء في هذا القطع:
1- فذهب جَمع من أهل العلم إلى أنها تبطل صلاته إذا مرت المرأة البالغ، لا بُدَ أن تكون المرأة بالغ، أما غير البالغ فلا؛ لِما جاء في بعض الأحاديث [00:03:45] قال: «هُنَّ أَغْلَبُ» الأطفال تغلب [00:03:48]، والكلب؛ لا بُدَ أن يكون الكلب الأسود.
سأل سائل أبا ذر: (مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَبْيَضِ مِنَ الْأَصْفَرِ مِنَ الْأَحْمَرِ؟) فقال أبو ذر: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» خاص بالكلب الأسود، إذا مر الكلب الأسود؛ لأنه شيطان، أما إذا مر الكلب الأحمر فلا.
المرأة البالغ، والحمار، وكذلك الحمار إذا مرَّ قريبًا منه أقل من ثلاثة أذرع؛ ذهب الجَمع: إلى أنها تبطل الصلاة، وهذا هو الصواب، وهو صريح الحديث.
2- والقول الثاني لأهل العلم قول الجمهور: أنها لا تبطل الصلاة ولكن يَنقص الثواب، وتأولوا قطع الصلاة بقطع الثواب، واستدلوا بحديث: «لاَ يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيْءٌ، وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ»؛ لكن الحديث ضعيف، الصواب القول الأول.
وقد اعترضت عائشة –رضي الله عنها- كما ذكر المؤلف في الترجمة، عائشة لمَّا بلغها هذا قالت: «أشبهتمونا بالحمير والكلاب! لقد رأيتني وأنا معترضة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، وأنا ممددة رجليَّ، فإذا أراد أن يسجد غمزني، فإذا قام مددتها»، وهنا –رضي الله عنها- ظنت أن هذا مرور، وهذا لا يعتبر مرور، كونها تكون أمامه هذا لا يعتبر مرور، المرور كونه يأتي من هنا إلى هنا.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي ذِكْرِ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مُضَادَّ خَبَرِ عَائِشَةَ...
قول عائشة: «أشبهتمونا بالحمير والكلاب»، قال باب؟
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي ذِكْرِ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مُضَادَّ خَبَرِ عَائِشَةَ
يعني لا يخالفه، هذا له وجه، وهذا له وجه.
إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مُرُورَ الْكَلْبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُصَلِّي لَا ثُوَى الْكَلْبِ وَلَا رَبْضَهُ وَلَا رَبْضَ الْحِمَارِ، وَلَا اضْطِجَاعَ الْمَرْأَةِ يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُصَلِّي
يعني يقول المؤلف: مقصود الرسول -صلى الله عليه وسلم-: المرور، أما لو كان كلب رابض أمام المصلي لا يقطع، لو كان كلب رابض، أو حمار رابض، أو امرأة نائمة لا يقطع؛ لأن هذا لا يعتبر مرور، هذا ما قصده المؤلف.
وعائشة –رضي الله عنها- وهي أفقه امرأة فهمت من الحديث أن اعتراضها يُعتبر كالمرور، فأنكرت على من قال: إن المرأة تقطع الصلاة، فقالت: لا، ما تقطع، أنا معترضة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي إليَّ.
فالمؤلف يقول: إن كون المرأة معترضة هذا لا يُعتبر المرور، وكذلك يكون الكلب رابض، أو الحمار رابض يصلي إليه لا يعتبر مرور، الممنوع المرور، وهذا هو الصواب كما فهم ابن خزيمة –رحمه الله-، أما فهم عائشة –رضي الله عنها- فهذا اجتهادٌ منها، والصواب: خلاف ما رأت أنَّ المرأة تقطع الصلاة، وأما كونها معترضة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا لا يعتبر مرور.
قالت: إذ أنا معترضة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فتبدو لي الحاجة فأنسل من إحدى جانبيه. هذا لا يُعتبر مرور.
وَعَائِشَةُ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَضْطَجِعُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، لَا أَنَّهَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ
صحيح، هذا فهم ابن خزيمة –رحمه الله- فهمٌ صحيح.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الشَّامِيُّ، قال: حدثنَا هِشَامٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ مَمَرِّ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ.» قُلْتُ: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ، مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ».
الشيخ: «تُعَادُ الصَّلَاةُ» كذا؟ تكلم عن الحديث؟
القارئ: قال: الحديث صحيح.
الشيخ: كلمة (تُعَادُ الصَّلَاةُ) إنما الحديث الأول (يَقْطَعُ صَلاَةَ المرء) إنما هنا (تُعَادُ) صريح أنها تُعاد.
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَرَادَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي قَرَنَهَا إِلَى الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْحِمَارِ وَأَعْلَمَ أَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، الْحَائِضَ دُونَ الطَّاهِرِ، وَهَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْمُفَسِّرِ كَمَا فَسَّرَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فِي ذِكْرِ الْكَلْبِ فِي خَبَرِ أَبِي ذَرٍّ، فَأَجْمَلَ ذِكْرَ الْكَلْبِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَقَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. وَبَيَّنَ فِي خَبَرِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْكَلْبَ الَّذِي يَقْطَعُ الصَّلَاةَ هُوَ الْأَسْوَدُ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ بَيَّنَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحَائِضَ هِيَ الَّتِي تَقْطَعُ الصَّلَاةَ دُونَ غَيْرِهَا.
المراد بالحائض: البالغ، يعني التي بلغت المحيض، وليس المراد أنه لا يقطع إلا الحائض والطاهرة ما تقطع، لا، المراد المرأة البالغ.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قال: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ».
بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ رُوِيَ فِي مُرُورِ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، قَدْ يَحْسِبُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ خِلَافُ خَبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَاهُ أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا: حدثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَالْفَضْلُ وَنَحْنُ عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِعَرَفَةَ،
والأتان: الحمار.
قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَالْفَضْلُ وَنَحْنُ عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصُّفُوفِ، فَنَزَلْنَا عَنْهَا، وَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ، فَلَمْ يَقُلْ لَنَا -قَالَ أَبُو مُوسَى: يَعْنِي شَيْئًا-. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: فَلَمْ يَنْهَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: فَلَمْ يَقُلْ لَنَا شَيْئًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَمَالِكٌ، فَقَالَا: يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى.
نعم، هذا الصواب إنه بمنى وليس بعرفة، مرور ابن عباس والفضل بمنى، وفي لفظٍ: «أنه يصلي إلى غير جدار».
هذا الحديث فيه: أنَّ ابن عباس وكان صغيرًا، قارب سن الاحتلام (مراهق)، ركب الحمار هو وأخوه الفضل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس في منى، فدخل بالحمار بين الصفوف، ثم ترك الحمار ترتع وصلى، يعني دخل الصفوف، وترك الحمار يرتع يرعى؛ لأن منى كانت صحراء، فدخل بين الصف، ولم يُنكر النبي عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن المأموم سُترته الإمام، لم يمر به أمام الإمام، بالحمار، الحمار دخل في الصفوف، وقبلة المأموم قبلة الإمام، المأموم تابع للإمام، فليس فيه إشكال هذا، بعض الناس ظن أن الحمار لا يقطع لفعل ابن عباس، لكنه قال: فعل ابن عباس إنما مرت الحمار أمام المأمومين، ولم تمر أمام الإمام.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَاهُ أَبُو مُوسَى، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قال: حدثَنَا مَعْمَرٌ؛ ح وَحدثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ؛ ح وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ؛ فِي خَبَرِ مَعْمَرٍ. وَمَرَّتِ الْأَتَانُ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، فَلَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ.
(الْأَتَانُ) أنثى الحمار، نعم؛ لأنها مرت بين يدي المأمومين، والمأموم تابع لإمامهِ في السُترة، العبرة بالإمام هنا، إنما هذا الإمام والمنفرد هو الذي ينبغي أن يكون له سُترة، أما المأموم فهو تابع لإمامهِ.
وَفِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ: وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ فَتَرَكْتُهُ بَيْنَ الصَّفِّ وَدَخَلْتُ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَعِبْ عَلَيَّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
كنية المصنف ابن خزيمة، كنيته أبو بكر.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى الْأَتَانَ تَمُرُّ وَلَا تَرْتَعُ بَيْنَ يَدَيِ الصُّفُوفِ. وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعْلِمَ بِذَلِكَ فَلَمْ يَأْمُرْ مَنْ مَرَّتِ الْأَتَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.
وَالْخَبَرُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ وَالْحِمَارَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَمَا لَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضِدِّ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الْقَوْلُ وَالْفُتْيَا بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى حِمَارٍ أَوْ حِمَارَيْنِ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَنْصَرِفْ، وَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَتَا بِرُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَرَعَ -أَوْ فَرَّقَ- بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَنْصَرِفْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا بُنْدَار، قال: حَدَّثَنَا محمد -يعني ابن جعفر-، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْحِمَارَ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صحيح، مر دخل في الصفوف، لم يمر من قبلة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمأموم تابع للإمام.
وَإِنَّمَا قَالَ: فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَدُلُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ نُزُولِهِ عَنِ الْحِمَارِ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي.
إِلَّا أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَى رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ نَزَلْنَا فَدَخَلْنَا مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، قال: حدثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ. وَالْحُكْمُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مُحَالٌ لَا سِيَّمَا فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَلَوْ خَالَفَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ عَدَدٌ مِثْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ لَكَانَ الْحُكْمُ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، -وَهُوَ صُهَيْبٌ- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرْنَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَقَالُوا: الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ جِئْتُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُرْتَدِفَيْنِ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي أَرْضٍ خَلَاءٍ
(فِي أَرْضٍ خَلَاءٍ): فضاء.
فَتَرَكْنَا الْحِمَارَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جِئْنَا حَتَّى دَخَلْنَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. فَمَا بَالَى ذَلِكَ، وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي، فَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اقْتَتَلَتَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَعَ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى فَمَا بَالَى ذَلِكَ.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَاهُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ ظَاهِرُهُ كَخَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحِمَارَ إِنَّمَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ بِمُرُورِ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ، فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سُتْرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْحَرْبَةِ إِذَا صَلَّى بِالْمُصَلَّى. وَلَوْ كَانَتْ سُتْرَتُهُ لَا تَكُونُ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، لَاحْتَاجَ كُلُّ مَأْمُومٍ أَنْ يَسْتَتِرَ بِحَرْبَةٍ كَاسْتِتَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا، فَحَمْلُ الْعَنَزَةِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَتِرُ بِهَا دُونَ أَنْ يَأْمُرَ الْمَأْمُومِينَ بِالِاسْتِتَارِ خَلْفَهُ، كَالدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ تَكُونُ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَالْفَضْلُ عَلَى أَتَانٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ، يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، قال: حدثنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُحْتَجَّ بِعَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَ هَذَا الْمَعْنَى.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قال: حدثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي؛ ح وَحدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، قال: حدثنَا أَبِي؛ ح وَحدثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وحدثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمُقْرِئُ، قال: حدثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُكِزَتِ الْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَاتٍ، فَصَلَّى إِلَيْهَا، وَالْحِمَارُ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذَا الْخَبَرُ مُضَادُّ خَبَرِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْحِمَارَ إِنَّمَا كَانَ وَرَاءَ الْعَنَزَةِ، وَقَدْ رَكَزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِعَرَفَةَ فَصَلَّى إِلَيْهَا. وَفِي خَبَرِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
يعني ليس له سُترة.
قال: وَخَبَرُ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَخَبَرُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ قَرِيبٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ قَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِهِ، وَكَذَلِكَ خَبَرِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، غَيْرَ أَنَّ خَبَرَ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ تُؤَيِّدُهُ أَخْبَارٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صِحَاحٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَخَبَرُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ يَدْفَعُهُ أَخْبَارٌ صِحَاحٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ زَجَرَ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، فِي خَبَرِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ».
وَفِي خَبَرِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكَزَ عَنَزَةً فَجَعَلَ يُصَلِّي إِلَيْهَا، يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَاهُ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ؛ ح وَحدثَنَا أَبُو مُوسَى، قال: حدثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: حدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ. وَفِي خَبَرِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ».
وَفِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا صِحَاحٌ، قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُصَلِّيَ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ.
وَزَعَمَ عَبْدُ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَهُوَ فِي فَضَاءٍ؛ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ، لَمْ يَكُنْ بِهَا بِنَاءٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَتِرُ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ زَجَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ.
وَفِي خَبَرِ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُصَلُّوا إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ".
هذا لو صحَّ صار هو الفيصل في النزاع؛ لأن المسألة فيها خلاف: هل المصلي يجب عليه أن يصلي إلى سُترة، أو أنها مستحبة؟
الجمهور على أنها مستحبة، والظاهرية قالوا: إنها واجبة، كأن المصنف ابن خزيمة يرى وجوب السُترة، «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا»، وحديث: «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ».
الظاهرية ذهبوا إلى الوجوب، والجمهور على أن السترة ليست واجبة، ولكنها مستحبة، ابن خزيمة في الظاهر أنه يرى الوجوب.
وَقَدْ زَجَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ. فَكَيْفَ يَفْعَلُ مَا يَزْجُرُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي خَبَرِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ؛ كَالدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْحِمَارَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَلَا سُتْرَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ضَرَّهُ مُرُورُ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
ثم قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قال: حدثنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ فَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ».
(آخِرَةِ الرَّحْلِ) يعني مثل الخشبة التي تكون خلف راكب البعير، وهي بمقدار ثلثي ذراع.
ثم قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَبُو مُوسَى، قال: حدثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: حدثنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِيَجْعَلْ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَفِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ ضَرَّهُ مُرُورُ الدَّوَابِّ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَالدَّوَابُّ الَّتِي تَضُرُّ مُرُورُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ هِيَ الدَّوَابُّ الَّتِي أَعْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ عَلَى مَا أَعْلَمَ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا غَيْرُهُمَا مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ.
بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ثِيَابٌ فِيهَا تَصَاوِيرُ
الشيخ: قف على هذا.
القارئ: باقي حديث واحد.
الشيخ: ما الذي بعده؟
جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الصَّلَاةِ
لأن هذا خارج عن هذا، لكن لا بأس، اقرأ، هذا الخلاصة: أنَّ المصلي ينبغي له أن يصلي إلى سُترة، وهذا هو الأولى والذي ينبغي له، وإذا صلى إلى غير سُترة هل يأثم، أو لا يأثم؟
- الجمهور؛ على أنه لا يأثم؛ لأنه مستحب.
- وجمعٌ من أهل العلم يرون أنه يأثم؛ لأن السترة واجبة.
وهذا هو مذهب الظاهرية، واختيار المؤلف ابن خزيمة –رحمه الله- يرى الوجوب في هذا، يرى وجوب السُترة، وأنه إذا لم يستتر يأثم.
بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ثِيَابٌ فِيهَا تَصَاوِيرُ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودَةٌ إِلَى سَهْوَةٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَيْهِ. فَقَالَ: "أَخِّرِيهِ عَنِّي". فَأَخَذَتْهُ فَجَعَلَتْهُ وَسَائِدَ.
الشيخ: تكلم عليه في الحاشية؟
القارئ: قال: الحديث صحيح.
الشيخ: نعم، والتصاوير محتمل أنها التصاوير جمع صورة، أو أنها التصاوير يعني خطوط وما أشبه ذلك، في الحديث الآخر النبي قال: «ما زالت التصاوير تعرض لي في صلاتي».
(بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ثِيَابٌ فِيهَا تَصَاوِيرُ) محتمل المراد الصور، جمع صورة، صور ذوات الأرواح ومحتمل تصاوير يعني خطوط أو أشياء تلهي المصلي وتُشغله عن الصلاة، ينبغي المصلي ألا يكون عنده شيء يشغله.
ولهذا ينبغي الأفضل أن تكون السجاجيد التي في المساجد سادة ما فيها خطوط ولا نقوش، وكذلك ما يكون المصلي أمامه كتابة ولا نقوش حتى لا تشغل المصلي، وهذه الكراهية محتمل كراهية التحريم، ومحتمل كراهية التنزيه.
إذا صلى وفي ثوبه صورة من صور ذوات الأرواح، أو صلى في ثوبٍ مغصوب، أو صلى في ثوب حرير:
ذهب جَمع من أهل العلم: إلى أنها تبطل الصلاة، رأي الحافظ وجماعة إذا صلى في ثوب الحرير لأنه منهي، أو في ثوب مغصوب، أو ثوب فيه تصاوير.
والقول الثاني لأهل العلم: أنها لا تبطل الصلاة، ولكن يأثم؛ لأنه صلى في ثوبٍ فيه تصاوير، والتصاوير ممنوعة في الصلاة وخارجها، ماذا بعده؟
جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، وَمَسْأَلَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يُضَاهِي هَذَا وَيُقَارِبُهُ
ما أتى بالأحاديث الخاصة بالتصاوير؟ هناك أحاديث في هذه التصاوير، ولم يبين، لأن محتمل التصاوير؛ أنها النقوش، ومحتمل أن التصاوير: الصور، جمع صورة.
وفق الله الجميع، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.