الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال ابن خُزيمة -رَحِمَهُ الله- في صحيحه:
جِمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا:
بَابُ الْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبُيُوتِ، وَالنَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْبُيُوتِ قُبُورًا فَيَتَحَامَى الصَّلَاةَ فِيهِنَّ، وَهَذَا الْخَبَرُ دَالٌّ عَلَى الزَّجْرِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ:
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».
بسم الله، والحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
هذا الحديث فيه الأمر بالصلاة في البيوت، وهذا في غير الفرائض، الصلاة في البيوت أفضل من الصلاة في المسجد إلا فيما تُشرع له الجماعة: (الفرائض، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء)، صلاة الاستسقاء تُشرع في الصحراء، كذلك أيضًا صلاة التراويح تُصلى في رمضان، ومع ذلك فالصلاة في البيوت أفضل؛ لقول النَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح: «صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» إلا الفريضة.
قوله: «وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»: يعني لا تُشبِّهوها بالقبور؛ فإن المقبرة لا يُصلى عندها، أعد الحديث.
قَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».
يعني لا تُشبِّهوها بالقبور؛ فإن القبور لا يُصلى عندها، إن المقبرة من المواضع التي نُهي عن الصَّلاة فيها، ولا تصح الصلاة في المقبرة كما جاء في الحديث الآخر: «كل الأرض مسجدٌ إلا المقبرة والحمام».
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَ بِأَنْ تُجْعَلَ بَعْضُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبُيُوتِ لَا كُلُّهَا، إِذِ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يَجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا، خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِأَنْ تُجْعَلَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ لَا كُلُّهَا.
قال: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ» (مِن) للتبعيض، (مِن) تفيد التبعيض، فصلاة الفرائض لا تكون في البيوت بالنسبة للرجال، تكون في المساجد، كذلك ما تُشرع له الجماعة كصلاة الكسوف، وصلاة الليل في رمضان.
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا».
رَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْأَعْمَشَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ؛ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ؛ ح وَحَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ.
الشيخ: التخريج إذا تكلم عنه؟
القارئ: قال: صحيح، حديث أبي سعيد أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حُميد، وابن ماجه، وأبو يعلى، وأبو نُعيم في [الحلية]، والبيهقي والخطيب في [تاريخه] من طُرق عن جابر عن أبي سعيدٍ الخُدري به.
بَابُ الْأَمْرِ بِإِكْرَامِ الْبُيُوتِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فِيهَا:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فَرُّوخَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْرِمُوا بُيُوتَكُمْ بِبَعْضِ صَلَاتِكُمْ».
الشيخ: تخريجه؟
القارئ: إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن فروخ الإفريقي، وهذا الحديث من مناكيره كما ذكر ذلك ابن عديٍّ في الكامل، وقد قال الإمام البخاري: (تعرف منه وتُنكر)، وقال العُقيلي: (لا يُتابع).
الشيخ: قوله منكر يعني: «أَكْرِمُوا بُيُوتَكُمْ».
بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي عَقِبِ كُلِّ وُضُوءٍ يَتَوَضَّؤُهُ الْمُحْدِثُ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ- حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ مَنْفَعَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدِي أَرْجَى مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ لِرَبِّي مَا كَتَبَ لِي أَنْ أُصَلِّي».
الشيخ: حديث بلال قال في الصحيحين؟
القارئ: قال: صحيح، أخرجه أحمد وأبو عوانة في [إتحاف المهرة] من طريق محمد بن بشر عن أبي حيَّان بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
الشيخ: نعم، في الصحيحين هو، وهو حديث صحيح، يعني يُستحب للمسلم أن يُصلي ركعتين بعد كلِّ وضوء، وهذه تُسمى سنة الوضوء، بعد كل وضوء يُصلي ركعتين سواءً في المسجد أو خارج المسجد، وإذا كان في المسجد تكون سنة الوضوء وتحية المسجد، تكفي، والسنة الراتبة أيضًا، تتداخل، إذا توضأ ثمَّ دخل المسجد وصلى راتبة الظهر القبلية بعد الأذان يجتمع فيها هذه راتبة الظهر وتكفي عن سنة الظهر وعن تحية المسجد وعن سنة الوضوء، وأيضًا كذلك بين الأذانين (بين الأذانين صلاة) ركعتين تكفي.
س: وفي وقت النهي؟
الشيخ: وقت النهي على الخلاف بين أهل العلم، الجمهور يرون أن ذوات الأسباب ما تُفعل في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، يقولون: أن أحاديث النهي أصح وأكثر، حديث: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس»، وذهب جمع آخر من المحقِّقين كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى أنها تُفْعَل ذوات الأسباب، وقالوا: عملًا بحديث «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين»، قالوا: هذا عامٌ من وجه، خاصٌ من وجه، عامٌ في جميع الأوقات، خاصٌ بتحية المسجد، وحديث «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» هذا عامٌ في جميع الصلوات، خاصٌ ببعد العصر، خاصٌ بوقت النهي.
فقالوا: إنها تُفعل لذوات الأسباب كـ (سنة الوضوء، وتحية المسجد، وصلاة الجنازة، وسجدة التلاوة، وصلاة الكسوف)، كل هذه من ذوات الأسباب، تُفعل، إلا إذا كانت في وقت النهي المُغلَّظ قُبيل غروب الشمس، وقُبيل طلوعها، وقُبيل الظهر، هذا جاء فيه نهيٌّ خاص في حديث عقبة بن عامر، رواه مسلم في صحيحه، قال: «ثلاث ساعاتٍ نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نُصلي فيهنَّ وأن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين تَضَيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرب، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول» هذه الساعات القصيرة ما فيها صلاة ولا دفن موتى.
وأمَّا على قول الجمهور ما تُفْعَل ذوات الأسباب، عند الجمهور ما يُصلى على الجنازة بعد العصر، هذا قول الجمهور، ولا صلاة كسوف بعد العصر يأخذون بالعموم، والذي عليه العمل الآن هو فتوى فعل ذوات الأسباب، هو الذي عليه العمل الآن وصلاة الجنازة، يُصلي للجنائز بعد العصر.
س: في الوقت المغلَّظ يجلس؟
الشيخ: نعم يجلس أو يقف له الخيار.
س: [00:12:03]
الشيخ: نعم، [00:11:52].
س: [00:12:00]
الشيخ: طاف وصلَّى، مُقيَّد، إذا طاف وصلى تحية المسجد هذا المراد.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الذَّنْبِ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ لِتَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ كَفَّارَةً لِمَا أَحْدَثَ مِنَ الذَّنْبِ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهَذَا».
الشيخ: ماذا قال في صحة هذا الحديث؟
القارئ: صحيح، أخرجه أحمد وفي [فضائل الصحابة] له، والترمذي وابن أبي عاصمٍ في [السنة]، وابن حبان والطبراني في [الكبير]، والحاكم وأبو نُعيم في [الحلية]، والبيهقي في [شُعب الإيمان]، والخطيب في تاريخه، والبغوي وابن عساكر في [تاريخ دمشق].
الشيخ: هكذا؟ أعد السند.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهَذَا».
في الحديث الأول ليس فيه إلا أنه إذا توضأ صلَّى ركعتين.
طالب: عندي هنا: أذَّنت.
الشيخ: (أذَّنت)؟
طالب: نعم، من التأذين.
الشيخ: من التأذين.
طالب: إي نعم، قال: كذا وقع على المصنف -رحمه الله- ترجم له بما سبق، ووقع في المسند وغيره: (أذَّنتُ) من التأذين، وهو الصواب كما نبهت عليه في تهذيب التقريب، هذا صالح اللحام.
الشيخ: إذًا ابن خزيمة له عدة تحقيقات.
طالب: كما ذكر هكذا ورد في الأصل: وأبقيته كما هو لمطابقته عنوان الباب، ولعلَّ الصواب: (ما أذَّنت) كما في مُسند أحمد، وجامع الترمذي، وهو أجود بتحسين الظن بالصحابة والله أعلم.
طالب: عندي تعليق جيد وجدته في [المسند] قال: تنبيه: وقع في صحيح ابن خزيمة: (ما أذنبت قطٌ إلا صليت ركعتين)، بدل (ما أذَّنت قط)، وترجم له (باب استحباب الصلاة عند الذنب يُحْدِثُه المرء لتكون تلك الصلاة كفارةً لمن أحدث من الذنب)، قلنا: قد تحرَّف هذا اللفظ على ابن خزيمة -رَحِمَهُ الله-، فقد سلك نحو... يقول: رواه ابن عساكر من طريق ابن خزيمة وفيه: (وما أذَّنت)، يقول: فإن ابن عساكر قد شاركه في شيخه فيه وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي فرواه عن عليِّ بن الحسن بن شقيق فجاء به على الجادة فقال: (ما أذَّنت قط) من التأذين، وكذا رواه غير واحدٍ عن عليِّ بن الحسن بن شقيق كما سلف تخريجه.
الشيخ: على المسند هذا؟
طالب: الأرناؤوط.
الشيخ: على نفس الصحيح؟
طالب: على مسند أحمد.
الشيخ: عندك المسند الآن؟
طالب: فاتح الجوال. من الجهاز.
الشيخ: هذا فيه استنكر، يقول: (مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ)، وجاء في مُسند الإمام أحمد أن صلاة ركعتين عند الذنب هي بغير هذا اللفظ، والتوبة كافية من تاب إذا أذنب وتاب تاب الله عليه، لكن إذا توضأ وصلَّى ركعتين هذا حسن، فزع إلى الصلاة ثمَّ صلى ركعتين وتاب؛ لكن الأقرب مثل ما ذكر العلماء، أعد أصل الحديث.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الذَّنْبِ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ لِتَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ كَفَّارَةً لِمَا أَحْدَثَ مِنَ الذَّنْبِ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهَذَا».
مثل ما ذكر، الأقرب أنها (ما أذَّنت)؛ لأنه بين كل أذانين صلاة، وهذا معناه أنه يُكثر الذنب (مَا أَذْنَبْتُ) أنه يُذنب كثيرًا ويُصلي ركعتين بعدها، والوهم يحصل لكل أحد، يحصل له، والأقرب أنه يُصلي ركعتين بعد الأذان، ويصلي ركعتين كذلك أيضًا بعد كلِّ وضوء.
لكن الذنب هذا جاء في مُسند الإمام أحمد صلاة الركعتين، وفي صحته نظر؛ لكن إذا أذنب ثمَّ توضأ وصلَّى ركعتين وتاب إلى الله ونزع من الذنب واستغفر ربَّه وعزم على ألا يعود إليه وأقلع من الذنب، فهذا حسن كونه يتوضأ ويُصلي ركعتين، لكن كونه هل هو مشروع، هذا موقوف على صحة الحديث.
بَابُ التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَمِيعًا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى -وَهُوَ ابْنُ عَطَاءٍ- أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ.
وهذا الحديث قال العلماء الحُفَّاظ فيه عليِّ الأزدي قوله: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» الثابت في الحديث: «صلاة الليل مثنى مثنى» أمَّا كلمة: «وَالنَّهَارِ» هي مطعونٌ فيها، النسائي لمَّا أخرجه قال: "وهذا خطأ من عليِّ الأزدي"، والثابت: «صلاة الليل مثنى مثنى» أمَّا كلمة: (والنهار) فهذه الزيادة وهم؛ ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بأس أن يُصلي أربع ركعات في النهار بسلامٍ واحد بخلاف صلاة الليل، ذكر شيخ الإسلام -رَحِمَهُ الله- قال: "إن آخر الحديث يدل على عدم صحة (والنهار)، قال: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة» فلا يجتمع مع قوله: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»"، تكلم عليه؟ ماذا قال؟
طالب: هذا حديثٌ صحيح دون قوله: (والنهار) فهي زيادةٌ شاذة غير صحيحة، تفرَّد بها وأخطأ عليٌّ الأزدي، إذ خالف غيره من الرواة عن ابن عمر بهذه الزيادة، وهم: (أنس بن سيرين، وحُميد بن عبد الرَّحمن، وسعد بن عُبيدة، وسالم بن عبد الله، وطاووس، وعبد الله بن دينارٍ، وعبد الله بن شقيقٍ، وعُبيد الله بن عبد الله، وعُقبة بن حُريثٍ، وعُقبة بن مُسلم، وعطية بن سعدٍ، والقاسم بن محمد، ونافعٌ المدني، وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن، وأبو مِجلز لاحق بن حُميدٍ)، فهؤلاء جميعهم لم يذكروا هذه الزيادة عن ابن عمر، والمتأمِّل الناظر يجد الأزديَّ قد خالف جميع الرواة عن ابن عمر.
إذ قال الترمذي: "والصحيح ما روي عن ابن عمر أن النَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قال: «صلاة الليل مثنى مثنى» ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- ولم يذكروا فيه صلاة النهار"، وقال النسائي: "هذا الحديث عندي خطأ والله تعالى أعلم".
الشيخ: هذا هو المعتمد أن كلمة (والنهار) غير ثابتة في هذا الحديث، شاذة، إنما الثابت: «صلاة الليل مثنى مثنى»، وهذا خبرٌ بمعنى الأمر، والمعنى: صلوا في الليل مثنى مثنى، فصلاة الليل لا يُصلى فيها أربع ركعات بسلامٍ واحد إلا إذا نوى الوتر، إذا نوى الوتر يُصلي ثلاث ركعات بنية الوتر، ثلاث ركعات بسلامٍ واحد أو خمس أو سبع أو تسع، أمَّا أن يُصلي بنية تطوع أربع أو ست أو ثمان لا، في هذا الحديث ممنوع، أمَّا في النهار فالجمهور يرون أنه لا بأس أن يُصلي أربع ركعات، وبعض العلماء يرى أنه يُسلِّم من كل ركعتين، الأفضل يُسلِّم من كل ركعتين حتى في النهار هذا الأفضل.
طالب: [00:24:36]
الشيخ: سنة الرسول -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- من كل ركعتين، لكن هذا جائز، إذا أوتر بثمان، وجاء أيضًا بتسع وجلس في الثامنة ثمَّ تشهَّد ثمَّ قام وأتى بالتاسعة صارت وتر لا بأس، أو سبع، أو خمس، أو ثلاث سردها ولم يجلس إلا في آخرها، وكذلك الخمس ولا يجلس إلا في آخرها بنية الوتر.
بَابُ ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الْمَنْصُوصَةِ وَالدَّالَّةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَطَوُّعَ النَّهَارِ أَرْبَعًا لَا مَثْنَى:
فِي خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»، وَفِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ».
بركة، قف على هذا.