الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ومشائخه والمسلمين.
قال ابن خُزيمة -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- في صحيحه:
بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى فِي الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى الضُّحَى فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَقْدَمُ فِيهِ مِنَ الْغَيْبَةِ:
وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَيْتِهِ سُبْحَةَ الضُّحَى، فَقَامُوا وَرَاءَهُ فَصَلَّوْا فِي بَيْتِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (فِي بَيْتِهِ): يَعْنِي بَيْتَ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ.
بسم الله، والحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
هذا الحديث في مشروعية جواز صلاة الضحى جماعة إذا لم يكن هذا عادةً مُطَّرِدة مُتَّبَعة، فلو زار إنسانٌ بعض إخوانه في الضُّحى وأرادوا أن يصلوها جماعة ضُحى فلا بأس، إنما الممنوع أن يُصلي كل يوم، يتَّفقون على أن يُصلوا كل يوم الضُحى جماعة هذا غير مشروع، لكن إذا صلُّوا جماعة من غير اتفاقٍ في كلِّ يوم فلا بأس.
وفيه مشروعية صلاة الضُّحى، وأن صلاة الضُّحى مشروعة، والأصل أنها تُصلى في البيوت، الأصل أن صلاة الضحى تُصلى في البيوت، وتُصلى فُرادى، هذا هو الأصل، وإذا صلاها في المسجد فلا بأس، وما جاء من بعض السلف الإنكار على صلاة الضُّحى فإنما هو في المسجد، الأصل أنها تُصلى في البيوت.
بعض الإخوان تجده يحرص أن يُصليها في المسجد ولاسيما بعد صلاة الاستسقاء أو بعد صلاة العيد تجده يحرص أن يُصليها في المسجد الأولى له بعد صلاة الاستسقاء وبعد صلاة العيد أن ينصرف إلى بيته ولا يُصليها في المسجد، إنما يُصليها في البيت، هذا هو الأفضل، هو السنة.
وفي قوله: (سُبْحَةِ الضُّحَى): يعني السُبحة هي السنة؛ سُبحة لما فيها من التسبيح.
س: استدل على أن صلاة الليل جماعة كذلك؟
الشيخ: كذلك صلاة الليل جماعة إذا كان في بعض الأحيان جاء من أجل الزيارة زار بعض الإخوان، زار بعضهم بعضًا وأرادوا أن يُصلوا جماعة في الليل فلا بأس في بعض الأحيان، ما لم يكن عادةً في كلِّ ليلة هذا غير مشروع.
بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الضُّحَى، وَهَذَا مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَعْلَمْتُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمُخْبِرِ الَّذِي يُخْبِرُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ لَا مَنْ يَنْفِي الشَّيْءَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى.
قَالَ الْمُخَرِّمِيُّ: هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ مُخْتَصَرًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الْخَبَرُ عِنْدِي مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَمْلَيْتُهُ قَبْلُ، قَالَ فِي الْخَبَرِ: إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَهَذِهِ صَلَاةُ الضُّحَى.
صلاة الضُّحى تبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح بعد ارتفاع الشمس بعشر دقائق أو بربع ساعة أثبت، أو بثلث الساعة إلى قُبيل الظهر، قبل آذان الظهر بعشر دقائق أو بربع ساعة، هذا كله وقت صلاة الضُّحى، والأفضل عند اشتداد النهار وارتفاع النهار، وعند اشتداد الحرارة في الساعة التاسعة والعاشرة؛ لما جاء في الحديث أن النَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قال: «صلاة الأوابين حين ترمُض الفِصَال»، والفِصَال يعني: الفصيل هو ابن الناقة تصيبه الرمضاء وهو شدة الحر عند اشتداد النهار.
س: في الشتاء تكون الأرض باردة، هل يُقاس عليها؟
الشيخ: نعم المراد حين ترمض الفصال في وقت الحرارة، أو في وقت البرد كذلك في وقت البرد، المراد اشتداد الحرارة ولو ما رمضت الفِصَال، إنما ترمض في وقت الحرارة ولا ترمض في وقت البرد معروف.
س: إلى وقت الزوال؟
الشيخ: لا، إلى قبل، إلى وقوف الشمس، الشمس تقف قُبيل الظهر حتى تميل إلى الغروب، إذا زالت ومالت انتهى وقت النهي، وقت النهي مُضيَّق مغلَّظ، وقت النهي قُبيل الظهر هذا وقت من الأوقات الضيقة المغلَّظة مثل: الوقت عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعند قيامها هنا، كلها وقت مُضيَّق عشر دقائق، بعض الناس يستعجل عشر دقائق فإذا [00:07:52] آخر ربع ساعة يكون أثبت، أحوط ربع ساعة.
وصلاة الاستسقاء، وصلاة العيد بعد طلوع الشمس بثلث ساعة تقريبًا، هذا بثلث ساعة عشرين دقيقة بعد أن تُصلى صلاة الضحى صلاة العيد وصلاة الاستسقاء.
س: من داوم عليها يدخل في فضيلة أنه من الأوابين؟
الشيخ: الضحى؟ فيه خلاف بعض العلماء يرى أنه لا يُداوم عليها؛ لئلا يُشبِّهها بالفرائض، والقول الثاني: أنه تُستحب أن يداوم عليها، وهذا هو الصواب، وأمَّا تشبيهها بالفرائض المسلمين يعتقدون أنها ليست فريضة، والنَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- أوصى أبي الدرداء وأوصى أبا هريرة بصلاة الضحى ولم يقل له: لا تتعود عليها.
س: إذا صلوا جماعة هل يجهروا بها أو يسروا؟
الشيخ: يُسِر، صلاة الضُّحى إسرار.
س: قصدي إذا صلوا جماعة.
الشيخ: جماعة أم لا، صلاة النهار سر، صلاة الليل جهر، إذا صلوا في الليل يجهر، وإذا صلوا في النهار يُسِر.
بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى الضُّحَى فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَقْدَمُ فِيهِ مِنْ غَيْبَةٍ:
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أُمُّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
(أُمَّ هَانِئٍ): هي أخت عليِّ بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وفيه دليل على أنه لا بد من إتمام الركوع والسجود، صلى صلاةً خفيفة لكنها مع إتمام، كما قال أنس: "ما صليت صلاةً أخفَّ ولا أوجز من صلاة رسول الله -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- في إتمامها أو مع الإتمام".
وهذا في فتح مكة قال بعض العلماء: أن هذه صلاة الفتح، تُسمى صلاة الفتح ثمان ركعات، وهنا تُسمى صلاة الضُّحى، قال بعضهم: هي صلاة الضُّحى.
صلاة الضُّحى في السفر، في السفر وفي الحضر؛ لأن السفر تُشرع فيه السنن المُطلقة: كصلاة الضُّحى وصلاة الليل، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وسجدة التلاوة، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة في الحضر وفي السفر، إنما في السفر الذي يُترك راتبة الظهر القبلية، وراتبتها البعدية، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء إذا قصر الصلاة، إذا قصر ترك هذه السنن والرواتب، وإذا أتم صلى السنن كما حقَّق ذلك من العلماء ابن القيم وشيخ الإسلام، وجمهور العلماء يرون أنها تُفعل جميع الرواتب في السفر.
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الثَّمَانِ رَكَعَاتِ اللَّاتِي صَلَّاهُنَّ صَلَاةَ الضُّحَى:
يوم الفتح النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسلم من كل ركعتين، صلى ثمان ركعات يُسلم من كل ركعتين، وليس المراد أنه سردها في سلامٍ واحد.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ الفِهْريِّ-عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وصلاة الضُّحى ثابتة في الصحيحين في يوم الفتح، هذا ثابت في الصحيحين.
س: تسمية السُّبحة؟
الشيخ: لما فيها من التسبيح، سنة تُسمى سُبحة.
بَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، أَخْبَرَنِي عِيَاضٌ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَجِدَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يُخْبِرُنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرْتِنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بَعْدَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ فَسُتِرَ عَلَيْهِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، لَا أَدْرِي أَقِيَامُهُ فِيهَا أَطْوَلُ أَمْ رُكُوعُهُ أَمْ سُجُودُهُ؟ كُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ، قَالَتْ: فَلَمْ أَرَهُ سَبَّحَهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.
لكن ثبت أن عائشة قالت: "كان يُصلي الضُّحى أربعًا ويزيد ما شاء الله"، لكن أخبرت عن علمها، وعائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- هي كذلك نسيت أنها قالت هذا، وفي وقتٍ قالت: "إني لأصلي الضُّحى مرةً والنَّبي -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- يُسبِّحُها [00:14:50] وإني لأصليها"، أو: "وإني لأسبِّحُها"، يعني صلاة الضُّحى.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا.
بركة.