شعار الموقع

شرح كتاب الصلاة من صحيح ابن خزيمة_118

00:00
00:00
تحميل
5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا وعملًا يا كريم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال ابنُ خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:

جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُنْهَى عَنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِيهِنَّ.

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ بِذِكْرِ لَفْظٍ عَامٍّ مُرَادُهُ خَاصٌّ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال حدثنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، وحدثنا الصَّنْعَانِيُّ، قال حدثنا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رُفَيْعًا أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ عُمَرُ، «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي سَاعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَقَالَ الصَّنْعَانِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنِي نَفَرٌ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ عُمَرُ.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قال حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قال أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَكَانَ مِنْ أَحَبِّهِمْ إِلَيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ".

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:

هذه الأحاديث فيها النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، والأحاديث في هذا متواترة، تحرُمُ الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع، وبعد الطلوع حتى ترتفع قيد رُمح.

فتحرُم الصلاة بعد العصر حتى تتضيَّف للغروب، وبعد التضيُّف حتى تغرب، وعند طلوع الشمس إلى ارتفاعها وعند تضيُّفها للغروب هذه من الأوقات المغلظة، وكذلك أيضًا جاء النهي عن الصلاة قُبيل الزوال، إذا وقفت الشمس في كبد السماء، قُبيل الظهر حتى تميل، هذه من الأوقات المغلَّظة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عُقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنَّه قال: «ثلاث ساعات نهانا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ نصلي فيهن وأنْ نقبُر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين تتضيف للغروب حتى تغرب، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول»، هذه أوقات مغلظة، ليس فيها صلاة، ولا دفن موتى.

أمَّا الوقتان الطويلان:

  • بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس.
  •  وبعد صلاة العصر حتى تتضيف للغروب.

 هذه أوقات طويلة.

اختلف العلماء: هل يُصلَّى فيها ذوات الأسباب أو لا؟

على قولين:

جمهور العلماء على أنَّه لا يُصلى بعد العصر ولا بعد الفجر مطلقًا، قالوا: حديث النهي أصح وأكثر، فلا تُصلَّى الجنازة بعد العصر ولا بعد الفجر، عند أكثر جمهور العلماء، لا تُصلى الجنازة، وإذا انكسفت الشمس لا تُصلى صلاة الكسوف، ولا تُصلى تحية المسجد، ولا تُصلى سنة الوضوء، ولا تُعاد فيها الجماعة، إذا جاء يجلس، إذا جاء بعد العصر أو بعد الصبح يجلس، على مذهب الجمهور، ولا يصلي.

هذا أكثر أهل العلم على هذا، وقالوا: وصحتها في النهي أصح وهو أكثر، وذهب جمعٌ من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة إلى أنَّه تُفعل ذوات الأسباب، واستدلوا بقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يسجد حتى يصلي ركعتين». قالوا: هذا عامٌّ في جميع الأوقات، خاصٌّ بتحية المسجد.

وحديث: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس»؛ هذا عامٌّ في الصلوات، خاصٌّ في الوقتين، كٌّل منهما عامٌّ من وجه وخاصٌّ من وجه.

ولهذا ذهب جمعٌ من المحققين إلى أنه تُفعل ذوات الأسباب، مثل: صلاة الجنازة لها سبب، تُصلى، صلاة الكسوف تُصلى، تحية المسجد تُصلى، سنة الوضوء، إعادة الجماعة، وأمَّا أنْ يقوم ويصلي بدون سبب فهذا حرام لا يجوز، بالاتفاق.

والعمل الآن على فعل ذوات الأسباب؛ الآن نحن نصلي على الجنائز بعد العصر، على هذا المذهب، على القول أنَّه تُفعل ذوات الأسباب.

س: الراجح؟

الشيخ: هذا هو الذي عليه العمل الآن، من فعل ذوات الأسباب، وهو الذي عليه الفتوى الآن.

س: والأوقات المغلظة يا شيخ؟

الشيخ: الأوقات المغلظة لا يصلى فيها ولا تُدفَن الموتى، حتى ذوات الأسباب، إذا جاء عشر دقائق قبل غروب الشمس، وقبل أذان الظهر وبعد ارتفاع الشمس، هذا إذا جاء يجلس أو يقف، أوقات مغلظة، وكذلك الموتى؛ يُؤجل دفن الموتى، ما تُدفن عند غروبها ولا عند طلوعها.

س: [00:07:05]

الشيخ: في هذه الحدود تقريبًا، من ربع ساعة إلى عشر دقائق.

س: ويوم الجمعة؟

الشيخ: يوم الجمعة جاء ما يدل على المُستثنى، وسبب النهي عند قيامها؛ جاء في الحديث أنَّها تُسجَّر فيه جهنم، وجاء ما يدل على استثناء يوم الجمعة لمَا جاء في الحديث أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ما معناه أنه يصلي حتى يخرج الإمام.

س: [00:07:35]

الشيخ: أحدًا طاف بهذا البيت وصلى، طاف وصلى، من ذوات الأسباب، طاف وصلى سنة الطواف، هي من ذوات الأسباب سنة الطواف.

س: في مكة؟

الشيخ: إي، في مكة، طاف بهذا البيت، في بيت غير في مكة! المراد صلاة سنة الطواف، طاف وصلَّى.

بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» بَعْضَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ لَا الْمَكْتُوبَةَ.

(الْمَكْتُوبَةَ) يعني الفريضة، إذا كان الإنسان عليه فريضة يصلها ولو في وقت النهي، يقضي الفريضة، أيضًا مستثناة، الفرائض؛ إنسان عليه فريضة نسيها يصلها ولو في وقت النهي.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِخْبَارُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» دَالَّةٌ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ النَّاسِيَ إِذَا نَسِيَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً، فَذَكَرَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ، أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا نَهَى عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ»، إِذْ لَوْ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَتَطَوُّعِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ بَعْدَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَهَا، فَذَكَرَهَا فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ الثَّانِي...

لأنَّ الفائتة تُقضى، المنسية تُقضى إذا ذكرها، لعموم الحديث، «من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك»، قوله: (إذا ذكرها) عام في جميع الأوقات.

وَالدَّلِيلُ الثَّانِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ لَا كُلَّهَا، سَأُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

بَابُ الزَّجْرِ عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا.

لأنَّ هذين الوقتين أوقات مغلظة.

وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّكْتَ لَا يَكُونُ خِلَافَ النُّطْقِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ، إِذْ لَوْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ لَكَانَ فِي قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» إِبَاحَةُ الصَّلَاةِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي مُتَحَرِّيًا بِصَلَاتِهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ.

قال: (حَتَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ) يعني المسكوت عنه هو المفهوم، ملغي هنا، لو كان المراد لكان «لا صلاة حتى تطلع الشمس»؛ كان يصلي بعد طلوع الشمس، وهذا منهي عنه.

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال حدثنا يَحْيَى، قال حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قال حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، قال حدثنا ابْنُ بِشْرٍ، قال حدثنا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ».

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا بَرَزَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَسْتَوِيَ، فَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغِيبَ» وَهَذَا حَدِيثُ بُنْدَارٍ وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: «فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيْ شَيْطَانٍ».

حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ يَقُولُ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تُصَلُّوا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، وَلَا حِينَ تَغْرُبُ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» وَفِي خَبَرِ الصُّنَابِحِيّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا» دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَدْ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ "وَكَذَا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: «حَتَّى تَرْتَفِعَ» خَرَّجْتُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ".

بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّطَوُّعِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ لَوْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ لَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» أَنْ يُقَالَ: قَدْ سَكَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنِ الزَّجْرِ عَنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَيُقَالُ: "الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَائِزَةٌ"، أَوْ يُقَالُ: "هَذِهِ الْأَخْبَارُ خِلَافُ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ".

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، قال حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سَاعَةٌ تَأْمُرُنِي أَنْ لَا أُصَلِّيَ فِيهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَعَمْ، إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» -وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ-: «حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنِي الشَّيْطَانِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ، وَشِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ فَالصَّلَاةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ حَتَّى يُصَلَّى الْعَصْرُ فَإِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ»، قَالَ يُونُسُ: قَالَ: «صَلَوَاتٌ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: «ثُمَّ الصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ حَتَّى يُصَلَّى الصُّبْحُ».

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْصُوصِ لَجَازَ أَنْ يُحْتَجَّ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِبَاحَةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ بُرُوزِ حَاجِبِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ، وَبِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ، وَلَكِنْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ مَنْ يَفْهَمُ الْفِقْهَ، وَيَدَّبَّرُ أَخْبَارَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا يُعَانِدُ الِاحْتِجَاجَ بِالسَّكْتِ عَلَى النُّطْقِ، وَلَا بِمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَذْهَبِ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا الْجِنْسِ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» دَالٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ فَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، وَمَذْهَبُنَا خِلَافُ هَذَا الْأَصْلِ.

نَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ النَّصَّ أَكْثَرَ مِنَ الدَّلِيلِ، وَجَائِزٌ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْفِعْلِ إِلَى وَقْتٍ وَغَايَةٍ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْغَايَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتِلْكَ الْغَايَةِ، إِذَا وُجِدَ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنِ الْخَبَرَانِ إِذَا رُوِيَا عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ مُتَهَاتِرَيْنِ مُتَكَاذِبَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ عَلَى مَا يَزْعُمُ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، فَحَرَّمَ اللَّهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا عَلَى الْمُطَلِّقِ فِي نَصِّ كِتَابِهِ ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، وَهِيَ إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ لَا تَحِلُّ لَهُ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ ثَانٍ، وَقَدْ يَمُوتُ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا أَوْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَعْضِ الْمَعَانِي الَّتِي يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْمَسِيسُ، وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الزَّوْجِ الثَّانِي مَسِيسٌ، ثُمَّ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخُ نِكَاحٍ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِهِ، فَلَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ إِذَا كَانَ إِلَى وَقْتِ غَايَةٍ كَالدَّلِيلِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمُ إِلَى وَقْتِ غَايَةٍ صَلَّى لَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، لَكَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إِذَا تَزَوَّجَهَا زَوْجًا غَيْرُهُ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَبْلَ مَسِيسِ الثَّانِي إِيَّاهَا، وَقَبْلَ أَنْ يَحْدُثَ بِالزَّوْجِ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ مِنْهُ، وَقَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَمَنْ يَفْهَمْ أَحْكَامَ اللَّهِ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بَعْدُ: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، وَحَتَّى يَكُونَ هُنَاكَ مَسِيسٌ مِنَ الزَّوْجِ إِيَّاهَا، أَوْ مَوْتُ زَوْجٍ أَوْ طَلَاقُهُ، أَوِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ عِدَّةٌ تَمْضِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ سَأُبَيِّنُهَا فِي كِتَابِ الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ، فَادَّعَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَنْسَانَا قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، فَزَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ هَهُنَا الْوَطْءُ، وَزَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَقْدٌ وَوَطْءٌ، وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230] إِنَّمَا أَرَادَ الْوَطْءَ، وَهَذِهِ فَضِيحَةٌ لَمْ نَسْمَعْ عَرَبِيًّا قَطُّ مِمَّنْ شَاهَدْنَاهُمْ، وَلَا حُكِيَ لَنَا عَنْ أَحَدٍ تَقَدَّمَنَا مِمَّنْ يُحْسِنُ لُغَةَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ أَطْلَقَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، أَنْ يَقُولَ جَامَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا يُجِيزُ أَنْ يُقَالَ، وَطِئَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهَا النِّكَاحَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ، تَزَوَّجِتِ الْمَرْأَةُ زَوْجًا، وَلَمْ نَسْمَعْ عَرَبِيًّا يَقُولُ وَطِئَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَلَا جَامَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا أَعْلَمْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ فِي كِتَابِهِ إِلَى وَقْتٍ وَغَايَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَرَامًا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا.

على كل حال المسألة سهلة، المؤلف تكلَّف في هذا رحمه الله، في الشيء المسكوت عنه والمعروف.

س: [00:23:54]

الشيخ: النكاح المراد به العقد، وليس المراد به الوطء.

س: لكن أليس هذا هو المعروف عنده؟

الشيخ: يعني كأنَّه يريد يقول: أنَّ النكاح الوطء، لكن بعد ذلك لا بد من الوطء بدليلٍ آخر.

س: سجود التلاوة في الأوقات المغلظة؟

الشيخ: نعم، ما في سجدة تلاوة، وقتٌ الشروق لأنه يسجد له الكفار، وقت النهي المغلَّظ ما فيه سجود تلاوة ولا صلاة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد