بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا وعملًا يا كريم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال ابنُ خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ «نَهْيٌ خَاصٌّ لَا عَامٌّ، إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ لَا كُلَّهُ، وَقَدْ أَعْلَمْتُ قَبْلُ فِي الْبَابِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا النَّهْيِ نَهْيًا عَنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ».
أخبرنا الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم السُّلميّ قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد نب محمدٍ قال أخبرنا الإمام الأستاذ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني قراءةً عليه، قال أخبرنا أبو طاهرٍ محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أبو بكرٍ محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاووُدَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدَ الظُّهْرِ شَيْئًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
وذلك أنَّه -عليه الصلاة والسلام- جاءه وفد وشغله حتى جاءت صلاة العصر، فلما صلى العصر قضى الركعتين اللَّتين عقب الظهر، وهم الراتبة، فلمَّا قضاهما داوم عليهما؛ لأنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا عَمِلَ عملًا أثبته، فقضاؤه الركعتين بعد الظهر، الراتبة بعد العصر هذا من خصائصه، وكونه يداوم عليهما أيضًا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في مسند الإمام أحمد عن أم سلمة أنها قالت: «يا رسول الله! أفلا نقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا».
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا الصَّنْعَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ صَلَاةٍ هَذِهِ؟ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا قَالَ: «إِنَّهُ قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَشَغَلُونِي عَنْ رَكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ» خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ تَطَوُّعَ بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَضَاءَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَلَوْ كَانَ نَهْيُهُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ عَنْ جَمِيعِ التَّطَوُّعِ، لَمَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَيَقْضِيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّمَا صَلَّاهُمَا اسْتِحْبَابًا مِنْهُ لِلدَّوَامِ عَلَى عَمَلِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا، وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ،
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُجْرٍ حَدَّثَنَا قَالَ: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال حدثنا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فِي بَيْتِهَا قَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا".
وَفِي خَبَرِ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ السُّوَائِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ جِئْتُمَا وَالْإِمَامُ يُصَلِّي فَصَلِّيَا مَعَهُ، تَكُونُ لَكُمَا نَافِلَةً» سَأُخَرِّجُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِتَمَامِهِ.
قال حدثناه يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ السُّوَائِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْخَبَرِ قَدْ أَمَرَ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي رَحْلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ، وَأَعْلَمَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةً فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ نَهْيًا عَامًا لَا نَهْيًا خَاصًّا، لَمْ يُجِزْ لِمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي الرَّحْلِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَجْعَلَهَا تَطَوُّعًا، وَأَخْبَارُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَصَلَّوَا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً».
يعني النافلة.
فِيه دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَخَّرَ الْعَصْرَ أَوِ الْفَجْرَ أَوْ هُمَا، إِنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا لِوَقْتِهِمَا، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَيَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ سُبْحَةً، وَهَذَا تَطَوُّعٌ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ أَمْلَيْتُ قَبْلُ خَبَرَ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ زَجَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَا: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَا: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وحدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قال أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ يُخْبِرُ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ عَطَاءٍ هَذَا: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنْ كَانَ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا مَنَعْتُمْ أَحَدًا يُصَلِّي عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ الْمِقْدَامِ قَالَ: «إِنْ كَانَ لَكُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ»، وَقَالَ: «أَيُّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ».
مقصود المؤلف رحمه الله من هذا أنَّ النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر ليس عامًّا، بل هناك ما يخصصه، منها الفرائض، إذا فاتت الفريضة فإنَّها تُصلَّي، أو كان الإنسان عليه قضاء فرائض يصليها بعد العصر وبعد الفجر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه سلم: «مَن نام عن صلاةٍ أو نَسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك».
كذلك في إعادة الجماعة، لو صلى في مسجد العصر أو الفجر، ثم أتى مسجدًا آخر ووجدهم يصلون، يصلي معهم، تكون الصلاة الثانية نافلة، ولو كان وقت نهي، يُستثنى هذا.
جاء في الحديث الرجل الذي صلى قال: «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدًا فصليا فإنها لكم جماعة». وهذا في مِنى، جاء عن رجل أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلَّى بأصحابه في منى، فالتفت فوجد رجلين خلفه جالسان قال: «ما منعكما أن تُصليَّا؟ قالا: صلينا في رحالنا. قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلُّوا جماعة، فإنها لكما نافلة»، لإعادة الجماعة، إعادة الجماعة في وقت النهي ما فيه مانع.
كذلك تحية المسجد، وكذلك سنة الوضوء، ذوات الأسباب، كل هذه مستثناة، كذلك إذا دخل والخطيب يخطب يوم الجمعة، يصلي، كما في حديث سُليك الغطفاني النبي قال: «قم فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما»، هذه كلها مستثناة، إلا عند غروب الشمس أو عند طلوعها، أو عند الأوقات المُغلَّظة، هذه لا يُصلى فيها، كما في حديث عقبة بن عامر: «ثلاث ساعات نهانا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نُصلي فيهنَّ أو نقبر فيهنَّ موتانا».
س: ذوات الأسباب تصلى كلها؟
الشيخ: نعم، كل ذوات الأسباب، تحية المسجد، صلاة الجنازة، صلاة الكسوف، سنة الوضوء، إعادة الجماعة، كل هذه من ذوات الأسباب، هذا على ما اختاره المؤلف وجمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية.
أمَّا الجمهور فيروْن أنه لا يُفعل شيء، جمهور العلماء يرون أنك لا تفعل في وقت النهي شيءٍ أبدًا، قالوا: أنَّ أحاديث النهي أصح وأكثر وهي في الصحيحين، «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس.
الجمهور يقولون: إذا جئت دخلت المسجد تجلس، ولا تحية المسجد ، ولا صلاة الجنازة، ولا صلاة الكسوف، الجمهور أخذوا بالعموم، لكن العمل الآن على القول الثاني، ولذلك الآن نحن نصلي على الجنازة بعد العصر، وبعد الفجر، كلُّه على الأخذ بالقول هذا الذي ذهب إليه المؤلف وشيخ الإسلام وجماعة.
س: صلاة الفريضة الفائتة تصلى في هذين الوقتين المنهي عنه؟
الشيخ: لا، الأفضل ألا تصلي، هو وقت قصير، ينتظر خمس دقائق، عشر دقائق، ما في وقتٍ كثير؛ لأنه يشابه الكفار، الكفار يسجدون لها عند طلوعها، وعند غروبها، وهذه صورة المشابهة موجودة، ولو في قضاء الفريضة.
س: الصلاة في الحرم خاصة بركعتي الطواف؟
الشيخ: المؤلف الآن ساق الحديث يرى أنه عام، ليس مُقيَّد بالطواف، [00:11:41] صلى بها، ؟؟؟ طاف بهذا البيت وصلى، لكن السياق الذي ساقه المؤلف يرى أنه عام، ليس مقيد بركعتا الطواف.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا دَاوَمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ بَعْدَمَا صَلَّاهُمَا مَرَّةً لِفَضْلِ الدَّوَامِ عَلَى الْعَمَلِ.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ.
يعني مستمر.
فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطِيعُ؟ " هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَمَّارٍ وَقَالَ يُوسُفُ: قَالَتْ: «لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً» فَأَمَّا الدَّوْرَقِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، قال حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: فُلَانَةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» قَالَتْ: وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
وقوله: «فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» من الصفات المتقابلة، مثل قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾[الأنفال:30]، ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾[التوبة:79]، فهذه من الصفاتٌ المتقابلة.
وهذا صفٌ يليق بالله، لا يشابه وصف مخلوق، بل المخلوق فيه ضعف ونقص، من أثره: أن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل، فعندما تأتي الصفات المتقابلة، ما يقال من صفات الله الملل، لا، لأنه قال: «إن الله لا يمل حتى يمل العبد». ولا يكون من صفات الله المكر؛ لأن المكر والكيد والملل والسخرية والاستهزاء تكون مدحًا، وتكون ذمًّا.
تكون ذمًّا عند ابتدائها، فالماكر والكائد مذموم.
وتكون مدحًا إذا كانت عقوبة للماكر، وجزاءً، وردًّا عليه، فالله يوصف بالمدح، ولهذا ما جاء المكر والكيد ابتداءً، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾[الأنفال:30].
عقوبةً لهم، عقوبةً لهم هذا مدح، وأمَّا مكرهم ابتداءً مذموم، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾[الأنفال:30]، ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق: 15-16]، يسخرون ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: 79]، يستهزئون الله يستهزئ بهم، لا يمل الله حتى تملوا، فالملل مذموم، لكن إذا كان في مقابل الملل يكون المدح، والمعنى أن هذا وصف يليق بالله في مقابل ملل العبد.
ومن آثاره: أنَّ الله لا يقطع الثواب عن العمل حتى يقطع العبد العمل.
وليس قطع الثواب كما قاله النووي، النووي يقول: معنى (لايمل حتى تملوا) "إن الله لا يقطع الثواب عند العبد حتى يقطع بالعمل"، لا، هذا ليس هو، هذا وصف، هذا من آثار الوصف وليس هو وصف، مثل: الرضا وصف، ومن آثاره الثواب.
تفسير الأشاعرة للرضا بالثواب تأويل، كذلك النووي فسَّره بتفسير الأشاعرة، الأشاعرة يقولون: "الرضا الثواب"، وهذا خطأ، الثواب أثر للرضا، (لا يقطع الله الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل)، هذا ليس هو الوصف وإنما أثر الوصف.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا دَاوَمَ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا» وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 23].
بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُفَسِّرِ لِبَعْضِ اللَّفْظَةِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ غَيْرَ مُرْتَفِعَةٍ، فَدَانَتْ لِلْغُرُوبِ.
س: يوم الجمعة إذا كان يصلي إلى...
الشيخ: يوم الجمعة جمع يدل على أنه مستثنى، تسجر جهنم عند الزوال، وقبيل الزوال فلا يصلى، وقت النهي وقت قصير إلا يوم الجمعة مُستثنى، لما جاء في الحديث: «إذا صلى المسلم ثم صلى حتى إذا خرج الإمام»، ففيه أنه يصلي حتى يخرج الإمام.