شعار الموقع

شرح كتاب الصلاة من صحيح ابن خزيمة_128

00:00
00:00
تحميل
5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدَيه ومشائخه والمسلمين.

قال ابنُ خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال حدثنا يَحْيَى، قال حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَعْزَبُ».

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أمَّا بعد:

هذا الحديث فيه بيان رخصة للإنسان أن ينام في المسجد إذا احتاج إلى ذلك، كأن لم يكن له مأوى، أو جاء وصلَّى في الضحى، أو في الليل، ثم غلبه النوم فلا بأس أنْ ينام في المسجد.

هذا الحديث فيه أنَّ ابن عمر كان ينام في المسجد وهو أعزب، وكذلك ثبت أنَّ عليَّا -رضي الله عنه- لمَّا غاضب زوجته فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب إلى المسجد، ونام فيه، فلمَّا جاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألها قال: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد. أو قالت: ذهب.  فسأل عنه فقيل: هو في المسجد، فجاء إليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد عَلِق التراب به، قال: قُم أبا تراب، قُم أبا تراب. فكان يُكنَّى بأبي تُراب وأبي الحسن.

وهذا فيه دليل على أنَّ الإنسان بشر مهما كان، هذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، من الخلفاء الراشدين، ومِن المشهود لهم بالجنة، وهذه فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيدة نساء أهل الجنة، يحصل بينهما خلاف، ومع ذلك ما يؤدي إلى الشِّقاق والنزاع الشديد، ويؤدي إلى الخصم الشديد أو الشِّتام أو منع الحقوق، لا، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حصل بينه وبين نسائه لما طالبوه بالنفقة فهجرهن شهرًا، هذه من طبيعة البشر، ولكن الضابط في هذا أنَّ الإنسان لا يتعدى الحدود، يؤدي الحق الذي له، ولا يتجاوز الحدود.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ فِيهِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قال أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قال أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ مُجْتَازًا».

نعم، هذا فيه دليل على أنَّه لا بأس بمرور الجنب، ومثلُه الحائض والنفساء إذا لم يكن هناك تلويثٌ في المسجد لا بأس بالمرور، ويدُلَّ على ذلك من القرآن قول الله تعالى: ﴿وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾[النساء:43].

وإذا توضأ خفَّت الجنابة، وجاز له في هذه الحالة أنْ يمكث في المسجد، وهذا مروي عن عدد من الصحابة، جمع من الصحابة، أنَّهم كانوا يتوضؤون ويمكثون في المسجد، وكذلك أيضًا للجُنب إذا توضأ أنْ ينام، ولو كان عليه جنابة.

قال عمر للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يا رسول الله أينام أحدنُا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ». قال العلماء: يُسنُّ الوضوء للجُنب، لأكل، ونومٍ، وشربٍ، ومعاودة وطء.

الأفضل أنْ يغتسل، فإنْ لم يغتسل فإنَّما يتوضأ، للنوم، والأكل، والشرب، ومعاودة الوطء.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ضَرْبِ الْخِبَاءِ وَاتِّخَاذِ بُيُوتِ الْقَصَبِ لِلنِّسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ، قال حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، قال حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ يَوْمًا عَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ سُيُورٍ حُمْرٍ، فَوَقَعَ مِنْهَا، فَمَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَاتَّهَمُوهَا بِهِ، فَفَتَّشُوهَا حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ، فَأَلْقَتِ الْوِشَاحَ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهَا هُوَ ذِي كَمَا تَرَوْنَ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَتْ، فَكَانَ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ خِبَاءٌ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِيَنِي فَتَجْلِسُ إِلَيَّ، فَلَا تَكَادُ تَجْلِسُ مِنِّي مَجْلَسَةً إِلَّا قَالَتْ: وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي فَقُلْتُ لَهَا: مَا بَالُكَ لَا تَجْلِسِينَ مِنِّي مَجْلِسًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي الْحَدِيثَ، قَدْ خَرَّجْتُ ضَرَبَ الْقِبَابِ فِي الْمَسَاجِدِ لِلِاعْتِكَافِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ".

هذا استدلَّ به المؤلف على جواز ضرب الخباء في المسجد للمعتكفين إذا كان فيه متسع، إذا كان فيه رحبة وكان متسع فلا بأس أنْ يتخذَّ المعتكف له مكان، يخلو به بربه، خباء "خيمة صغيرة" أو إذا كان المسجد فيه غرف.

أمَّا إذا لم يكنْ فيه متَّسع فلا ينبغي التضييق على المُصلين.

وهذه القصة فيها أنَّ هذه الوليدة أُعتقت، قبل أنْ تُسلم كانت رقيقة، يعني وليدة أمَة لحيّ من الأحياء، فخرجت ابنةٍ صغيرةٍ منهم وعليها وشاحٌ أحمر، ثوب أحمر، جاءت الحِدَاء، طائر، يعني طائر في السماء الذي أمر النبي بقتله، قال: «خمس فواسق يُقتلنَّ في الحِلِّ والحَرم»، ذكر منهم: الفأر والعقرب والحيَّة والحدأة، يُسمَّى الحِديَّة ويُسمَّى الحِدَاء، ظنَّت أنَّ هذا الوشاح الأحمر لحم فخطفته وأخذته، فاتهموا هذه المسكينة الوليدة، فقال: أنتِ التي أخذتيه، أنتِ التي أخذتي هذا القماش. حتى فتَّشوها، حتى فتَّشوا قُبُلَها، فتَّشوها تمامًا، يعني خلعوا ثيابها كلها، حتى فتَّشوا قُبُلها يقولوا لها: طلِّعي الوشاح أنتِ التي سرقتيه، أنتِ أخذتيه. فبينما هم على الحالة هذه جاءت الحُديَّة وألقتْه عليهم، قالت: هذا الذي اتَّهمتموني به.

ثمَّ أسلَمت وأُعتقت، فضُرب لها في خباءٌ المسجد، فكانت تتمثَّل بهذا البيت، قالت عائشة: كل ما جئتها تتمثَّل بهذا البيت:

وَيَوْمُ الوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا

 

 

أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي

 

 

فقالت: ما شأنكِ؟ فحدثَّت لها القصة.

استدلَّ به المؤلف على ضرب الخباء في المسجد إذا كان فيه متسع، ومن الأدلة أيضًا أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضُرب له خباء لمَّا اعتكف، وأزواجه كذلك، كل واحدةٍ ضُرب لهنَّ خباء، لزينب خباء، ولعائشة خباء، فلمَّا رأى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثرة الخباء خاف عليهن من التنافس والغيرة، وعدم الإخلاص، فلم يعتكف تلك السنة، أمر بخيمته فقوضت، فلمَّا خرج قال: «آلبر يردنَّ؟ قوضوا خيمتي»، ثم اعتكف في العشر الأوائل من شوال عوضًا عنه.

والشاهد من هذا: أنَّه لا بأس من وضع خباء، أو يكون المعتكف في مكانٍ خاص يخلو فيه بربه.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ضَرْبِ الْأَخْبِيَةِ لِلْمَرْضَى فِي الْمَسْجِدِ وَتَمْرِيضِ الْمَرْضَى فِي الْمَسْجِدِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال حدثنا عَفَّانُ، قال حدثنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ سَعْدًا رُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ، فَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِبَاءً فِي الْمَسْجِدَ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ: فَتَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ،

يعني الجرح، الكَلْم هو الجرح.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ، وَأَخْرَجُوهُ، وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنْ قَدْ وُضِعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَافْجُرْ هَذَا الْكَلْمَ حَتَّى يَكُونَ مَوْتِي فِيهِ قَالَ: فَبَيْنَاهُمْ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذِ انْفَجَرَ كَلْمُهُ فَسَالَ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ حَتَّى دَخَلَ خِبَاءَ الْقَوْمِ، فَنَادَوْا: يَا أَهْلَ الْخِبَاءِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ، فَنَظَرُوا فَإِذَا لَبَّتُهُ قَدِ انْفَجَرَ مِنْ كَلْمِهِ، وَإِذَا الدَّمُ لَهُ هُدَيْرٍ".

هذا سعد بن معاذ وهو سيد الأوْس -رضي الله عنه-، (رُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ) يعني عِرْق متصلٌ بالقلب من جميع الجهات، فكان الجُرح به، فأمر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنْ يُضرب له الخباء في المسجد ليعوده، ليكون قريبًا، جميع الصلوات يعودونه، ما يكون في البيت، مع أنَّ بيوت الصحابة متقاربة، بيوت الصحابة كلها على المسجد، فلو كل واحد فتح باب (خوخة) للمسجد وباب من الجهة الأخرى، للصلاة، لكن مع ذلك النبي أمر حتى يعوده من قُرب، فضُربت له خيمة وكان يحب الشهادة، ودعا بهذا الدعاء: "اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، إن كنت تعلم أنِّي أَحَبُّ إليَّ أن أقاتل قومًا كذَّبوا رسولك"، وهم الكفار المشركون، واليهود، في صيغةٍ أخرى دعا قال: إن كان بقيَ شيء فدعا الله أنْ يبقى.

هو الذي حَكم في بني قريظة، لمَّا جاء  وحُمل على حمار قال: قوموا لسيِّدكُم. حُمل على حمار وجاء؛ لأنهم نزلوا على حُكم سعد بن معاذ، وكان في الجاهلية، هم كانوا من حلفائه في الجاهلية، فظنَّوا أنَّ سعد سيحكم فيهم بحكمٍ يُناسبهم، وكانوا قد نقضوا العهد، بني قريظة، فقال: إنَّ هؤلاء نزلوا على حُكمك، فاحكم فيهم.

فحكم، قال: "إني أحكمُ فيهم أنْ تُقتل المقاتلة، وتُسبى النساء والذرية". المقاتلة يُقتل والرجال، والنساء والذرية يُسبَوْن، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « لقد حكمتُ فيهم بحُكم الملك من فوق سبع سماوات». وفي لفظٍ آخر: «لقد حكمت بحكم المَلك من فوق سبعة أرقعة». فعُرضوا كلهم على السيف، وهم كانوا بضع مائة، كلهم قُتلوا إلا النساء والذرية، فكان فيهم كعب القُرضي شُكَّ فيه هل هو من الذرية أو من النساء، فمَن شُكَّ فيه يُكشف عن مُتَّزره، فإنْ كان قد أنبت الشعر الخَشن حول الفرج فهو من الرجال، يُقتل، وإنْ كان لم يُنبت فهو من النساء يُترك، فكان ممَّن لم يُنبت، فبَقي، وكتب الله له الخير.

ثم دعا بهذا الدعاء، يعني هو يقول: "يا الله أبقني حتى أقاتل هؤلاء الكفار، فإنْ انتهت الحرب بيننا وبينهم فافجُر هذا الجُرح حتى يكون موتي فيه شهادة". فاستجاب الله دعاءه، فانفجر الجُرح حتى دخل على الخيمة الأخرى وسال الدم، وهو الذي اهتز له عرش الرحمن، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اهتزَّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» -رضي الله عنه-.

والشاهد من هذا: استدلَّ الجمهور على جواز ضرب الخباء، وكانت أخبية صغيرة، خيمة صغيرة ما هي مثل خيماتنا، خيمة بمقدار شخص أو شخصين، مكان يخلو فيه بربه، ومعروف مسجد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بواسع ولا كبير، فيه رحبة قليلة، فتكون خباءً صغير بمقدار الشخص، يخلو فيه بربه، الآن في غرف بالمساجد، ما في أخبية، غرف بمثابة الأخبية.

بَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا بِهَا.

بركة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد