بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدَيه ومشائخه والمسلمين.
قال ابنُ خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ.
بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَأْمُومِينَ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِتَكُونَ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ «وَتَرْكِ الطَّائِفَتَيْنِ قَضَاءَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ فَرِيضَةٍ لِلْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي نَافِلَةً».
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال حدثثنا سُفْيَانُ، قال حَدَّثَنِي الْأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، قَالَ: فَقَامَ حُذَيْفَةُ «فَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِي الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ مَكَانَ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا» هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ بُنْدَارٌ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ: «وَلَمْ يَقْضُوا»
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْنِي مُحَمَّدٌ، وَأَبُو مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِذِي قَرَدٍ» قَالَ أَبُو مُوسَى: «مِثْلُ صَلَاةِ حُذَيْفَةَ» وَذَكَرَ بُنْدَارٌ الْحَدِيثَ مِثْلَ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَمْ يَقْضُوا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي عَقِبِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ سُفْيَانُ [ص:294]:
وَحَدَّثَنِي الرُّكَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ صَلَاةِ حُذَيْفَةَ، ح وَحدثنا بُنْدَارٌ فِي عَقِبِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ: حدثنا يَحْيَى قَالَ: حدثنا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي الرُّكَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ فَحَدَّثَنِي بِنَحْوِهِ.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قال حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً».
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أمَّا بعد:
هذا الباب في صلاة الخوف، وصلاة الخوف إنما تُفعل في وقت الحرب والقتال، في مواجهة العدو، في الحديث السابق أنَّه صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، والصواب أنَّهم قضوْا، كل طائفةٍ قضت كما جاء في الأحاديث الأخرى، أنَّ كل طائفةٍ قضت لنفسها ركعة، والنبي صلَّى بكل طائفةٍ ركعة.
وفيه أنَّ صلاة الحضر تمام، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الخوف ركعة، يعني هذا إذا اشتد الخوف.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً».
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضِ الطَّائِفَتَانِ شَيْئًا، وَالْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي حَرَسَتْ مِنَ الْعَدُوِّ كَانَتْ أَمَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا خَلْفَهُ.
قوله: "ولم يقضوا" هذا يكون دليل لقول ابن عباس صلاة الخوف ركعة، يعني هم ما قضوْا، ما صلَّوا إلا ركعة، لكن جاء في الأحاديث الأخرى أنَّ كل طائفةٍ قضت لنفسها ركعة، فصلَّى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتان، وصلَّى بكل طائفة ركعة، وكل طائفةٍ قضت لنفسها ركعة.
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَبُو مُوسَى، قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ، قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَا: حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَقَامَ صَفٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَصَفٌّ خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ حَتَّى قَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ، وَجَاءَ أُولَئِكَ حَتَّى قَامُوا مَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ رَكْعَةٌ».
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْحُوفٍ، قال حدثنا رَوْحٌ، قال حدثنا شُعْبَةُ، قال حدثنا الْحَكَمُ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: «ثُمَّ سَلَّمَ».
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَحْمَدُ، قال حدثنا رَوْحٌ، قال حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
بَابُ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ «وَالْخَوْفُ أَقَلُّ مِمَّا ذَكَرْنَا، إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَافْتِتَاحِ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَرُكُوعِهِمَا مَعَ الْإِمَامِ مَعًا».
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَهَ، قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَرَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ حَتَّى إِذَا نَهَضَ سَجَدَ أُولَئِكَ بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ حَتَّى قَامُوا مَعَ أُولَئِكَ، وَتَخَلَّلَ أُولَئِكَ حَتَّى قَامُوا مَقَامَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، رَكَعَ بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ، فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ أُولَئِكَ سَجْدَتَيْنِ، كُلُّهُمْ قَدْ رَكَعَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَجَدُوا بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، وَكَانَ الْعَدُوُّ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ».
هذا إذا كان مما يلي القبلة، أما إذا كان في جهة القبلة هناك صفةٌ أخرى، صلاة الخوف جاءت عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجوهٍ متعددة، قال الإمام أحمد جاءت بستة أوجه أو سبعة أوجه، كلها صحيحة، قال: وأنا أختارُ صلاة ذات الرقاع.
القارئ: ذكر في الحاشية عن الخطابي، قال الخطابي في معالم السنن: وصلاةُ الخوف أنواع، وقد صلَّاها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أيامٍ مختلفة، وعلى أشكالٍ متباينة، يتوخَّى في كل ما هو أحوطُ للصلاة، وأبلغُ في الحراسة، وهي على اختلاف صورها مؤتلفةً في المعاني.
بَابٌ فِي صِفَةِ الْخَوْفِ أَيْضًا «وَالْخَوْفُ أَشَدُّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا، وَإِبَاحَةِ افْتِتَاحِ الصَّفِّ الثَّانِي صَلَوَاتِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ قُعُودٌ وَافْتِتَاحِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ صَلَوَاتِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ قِيَامٌ».
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ الْمِصْرِيَّانِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قال حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، قال حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَائِفَةٌ مِنْ وَرَاءِ الطَّائِفَةِ الَّتِي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُعُودٌ وُجُوهُهُمْ كُلُّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَبَّرَتِ الطَّائِفَتَانِ، فَرَكَعَ، فَرَكَعَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، وَالْآخَرُونَ قُعُودٌ، ثُمَّ سَجَدَ، فَسَجَدُوا أَيْضًا، وَالْآخَرُونَ قُعُودٌ، ثُمَّ قَامَ وَقَامُوا، وَنَكَسُوا خَلْفَهُمْ حَتَّى كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ قُعُودٌ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالْآخَرُونَ قُعُودٌ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَتِ الطَّائِفَتَانِ كِلْتَاهُمَا، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ».
بَابٌ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْعَدُوُّ خَلْفَ الْقِبْلَةِ «وَصَلَاةِ الْإِمَامِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا أَيْضًا الْجِنْسُ الَّذِي أَعْلَمْتُ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَرِيضَةً خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي نَّافِلَةً، إِذْ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَطَوُّعًا وَلِلْمَأْمُومِينَ فَرِيضَةً».
يعني فيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفِّل، وذلك أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلَّى بطائفة ركعتين، هذه هي الفريضة له، ثم صلَّى بالطائفة الثانية ركعتين فهي نافلة له، ومَن خلفه له فريضة، دلَّ على جواز صحة صلاة المُفترض خلف المتنفِّل.
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قال حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قال حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، قال أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قال أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ».
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: «صَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَائِفَةٌ تَحْرُسُ، فَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ هَؤُلَاءِ الْمُصَلُّونَ، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ».
بَابٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ خَلْفَ الْقِبْلَةِ «وَالرُّخْصَةِ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي تَرْكِ اسْتِقْبَالِهَا الْقِبْلَةَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِتَحْرُسَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْعَدُوِّ وَقَضَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ».
هنا بعد تسليم الإمام، والصفة الأولى ذكر أنهم لم يقضوا؛ لأنَّ الإمام لم يُسلِّم.
أخبرنا أبو طاهر قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال حدثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قال حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ خَلْفَهُ رَكْعَةً، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ، ثُمَّ قَامَتِ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ صَلَّوْا فَوَاجَهُوا الْعَدُوَّ، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً.
أخبرنا أبُو طَاهرٍ قَال حدثنا أبُو بكرٍ قال حدثنا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قال حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال حدثنا مَعْمَرٌ، بِنَحْوِهِ.
بَابٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ خَلْفَ الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ.
صفة صلاة الخوف جاءت عن النبي بصفاتٍ متعددة، قد مرَّ قبل هذا، وإذا صلَّى وأتى بكلِّ نوع فلا بأس، أتي في وقتها بنوع، وإن اختار ما اختاره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا كان العدو خلف القبلة فيه صفة، وإذا كان أمامهم من قِبلهم له صفة، ويختار كل صفة من الصفات المناسبة لحاله.
س: لكل حالةٍ صفة؟
الشيخ: أي نعم، إذا كان وُجاه العدو، لا بد أنْ يكون تجاه العدو، يصفُّون صفين يصلِّي بالطائفة الصف الأول، والصف الثاني يحرس، ثمَّ إذا قام للركعة الثانية يتقدم هؤلاء ويتأخر هؤلاء.
أمَّا إذا كان العدو إلى جهة غير القبلة كذلك لا بدَّ أيضًا يستقبلُوا وُجاه العدو.