بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهُمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته- في صحيحه:
بَابُ الْبُكَاءِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قال: حدثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ حَتَّى لَمْ يَكَدْ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى لَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَلَمْ يَكَدْ أَنْ يَسْجُدَ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ،
أي من الطول.
فَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ: «رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ؟ رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ؟ وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ».
يشير إلى قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[الأنفال:33].
فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا انْكَسَفَا فَافْزَعُوا إِلَى ذَكَرِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ شِئْتُ تَعَاطَيْتُ قِطْفًا مِنْ قُطُوفُهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَجَعَلْتُ أَنْفُخُهَا، فَخِفْتُ أَنْ تَغْشَاكُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ؟ رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَلَّا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ فِيهَا الْحِمْيَرِيَّةَ السَّوْدَاءَ الطَّوِيلَةَ صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ كَانَتْ تَحْبِسُهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَسْقِهَا وَلَا تَتْرُكُهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، فَرَأَيْتُهَا كُلَّمَا أَدْبَرَتْ نَهَشَتْهَا، وَكُلَّمَا أَقْبَلَتْ نَهَشَتْهَا فِي النَّارِ، وَرَأَيْتُ صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَخَا بَنِي دُعْدُعٍ يُدْفَعُ فِي النَّارِ بِعَصًا ذِي شُعْبَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْمِحْجَنِ فِي النَّارِ الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، وَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْرِقُ، إِنَّمَا يَسْرِقُ الْمِحْجَنُ، فَرَأَيْتُهُ فِي النَّارِ مُتَّكِئًا عَلَى مِحْجَنِهِ».
وهذا في البرزخ، نسأل الله العافية، قبل يوم القيامة؛ لأن يوم القيامة ما أتى، فيدخلون النار بأجسامهم وأرواحهم، العذاب للروح، نسأل الله العافية، وعذاب النار يوم القيامة بعد البعث.
هذا الحديث فيه مشروعية صلاة الكسوف، وفيه أن الكسوف آية من آيات الله، وفيه إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أن الشمس والقمر ينكسفان لموت أحد أو لحياته، وفيه مشروعية الدعاء في السجود، والنفخ للحاجة لا بأس به، إذا دعا ونفخ، وفيه أن صلاة الكسوف طويلة، وأن كل رُكن أقل من الركن الذي قبله؛ فالقيام طويل، ثُمَّ الركوع بعده طويل لكن أقل منه، ثُمَّ الرفع لكنه أقل منه، ثُمَّ السجود طويل ولكن أقل منه، وهكذا.
وفيه مشروعية الخُطبة بعد صلاة الكسوف.
وفيه إثبات العذاب في البرزخ، وفيه أن أصحاب الكبائر يُعذَّبون، صاحب المحجن الذي يسرق الناس بمحجنه، هذا دليل على أنه مرتكب كبيرة؛ فلهذا يُعذَّب، وصاحب الهرة التي حبستها ولم تطعمها، تُعذَّب بها، هذا دليل على أن هذا من الكبائر؛ حبس البهائم، وحبس الهرة حتى تموت، وكذلك السرقة؛ سرقة الحجاج وأشباههم، والثالثة ماذا؟
القارئ: (صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ):
وَرَأَيْتُ صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَخَا بَنِي دُعْدُعٍ يُدْفَعُ فِي النَّارِ بِعَصًا ذِي شُعْبَتَيْنِ
لأنه كأنه يدفع الناس بذلك، وفيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل.
طالب: أو أنه نفس صاحب المحجن؟
الشيخ: لا، ذكر صاحب المحجن، وفيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل، فالهرة تعذب صاحبتها وتخدشها، وصاحب المحجن كذلك يُعذب بمحجنه، نسأل الله العافية.
بَابُ طُولِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو مُوسَى، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال: حدثَنَا مُؤَمَّلٌ، قال: حدثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَجَلَسَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَفَعَلَ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ.
القارئ: (أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ): أي انجلت.
الشيخ: عليه تعليق؟
القارئ: لا، لم يُعلِّق.
طالب: قال عند البيهقي: انجلت، وليس انحصرت.
الشيخ: الروايات يفسر بعضها بعضًا.
طالب: والذي قبله، قال الشيخ: وهذا من تخاليط عطاء، دخل عليه جملةٌ في أخرى، فإن أخا بني دعدع هو نفسه صاحب المحجن. وهو عند ابن حبان.
الشيخ: صاحب السبتيتين هو صاحب المحجن هو واحد، السند فيه عطاء؟
القارئ: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ).
الشيخ: السائب اختلط.
وفي هذا الحديث مشروعية الإطالة بين السجدتين في صلاة الكسوف، ومشروعية الإطالة في جميع الأركان، وأن كل ركنٍ أطول من الذي قبله، وكل ركن أخف من الركن الذي قبله، وليس في هذا الحديث أنه ركع في كل ركعة ركوعان، لكن جاء في الأحاديث الأخرى، فظاهر الحديث هذا أنه في كل ركعة ركوع واحد، قال: (ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ... ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ... ثُمَّ سَجَدَ)، ولم يذكر ركوعًا آخر.
بَابُ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ فِي الْجُلُوسِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدِ انْجَلَتْ قَبْلُ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حدثَنَا زُهَيْرٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، حدثني الحكم، عَنْ رَجُلٍ يُدْعَى حَنَشًا، عَنْ عَلِيٍّ؛ ح وَحدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قال: حدثَنَا زُهَيْرٌ، قال: حدثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ، قال: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ رَجُلٍ يُدْعَى حَنَشًا، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، -وَهَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ- قَالَ:
كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى عَلِيٌّ بِالنَّاسِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَا: قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَفَعَلَ كَفِعْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو وَيَرْغَبُ حَتَّى انْكَشَفَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ كَذَلِكَ يَفْعَلُهُ.
قَالَ يُوسُفُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ كَذَلِكَ.
فيه مشروعية الدعاء بعد صلاة الكسوف إذا لم ينجلي حتى تنجلي، وأنها لا تعُاد الصلاة مرةً أخرى إذا لم تنجلِ الشمس، وإنما يجلس الناس يذكرون الله، ويدعون الله حتى تنجلي الشمس.
بَابُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَالَ: فَلَمَّا تَجَلَّتْ قَامَ -يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ -أَوْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ- لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟».
وهذا الحديث فيه إثبات الغيرة لله -عزَّ وجلَّ- كما يليق بجلاله وعظمته، وفي الحديث الآخر يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟»، قال سعد: "يا رسول الله! لو وجدت أحد عند أهلي أنتظر حتى يأتي شهود؟ لو وجدته لضربته بالسيف غير مُصَفَّح -أو: غير مُصْفَح-"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فأنا أَغْيَرُ مِنه، وَاَللهُ أَغْيَرُ مِنِّي».
فيه إثبات الغيرة لله -عز وجل-كما يليق بجلاله وعظمته، ومن غيرة الله -سُبحانه- أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وقوله: (أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ) أي: الغيرة، غيرة الإنسان يغار على محارمه، والله -تعالى- أغير.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَطَبَ أَيْضًا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا.
الشيخ: يوجد خبر لابن مسعود أنه خطب قبل الصلاة؟
القارئ: نعم.
الشيخ: هل قرأت خبر ابن مسعود الآن؟
القارئ: لا.
طالب: في درسٍ سابق، في الحديث (1372)، قال:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاحْمَدُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَسَبِّحُوا، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُ أَيِّهِمَا انْكَسَفَ». قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
الشيخ: صريح، قال: (ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ).
طالب: قال: "إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن عثمان البكراوي، قال فيه الإمام أحمد: طرح الناس حديثه. وروى عباس الدوري عن ابن معين أنه قال فيه: ضعيف. وكذا ضعفه النسائي. ميزان الاعتدال".
الشيخ: اقرأ السند.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَحْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْبَكْرَاوِيُّ، قال: حدثنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الشيخ: ابن خزيمة -رَحِمَهُ الله- أخذ بهذا الحديث، وأنه يُشرع الخطبة قبل الصلاة وبعدها، كأنه ما اطلع على ضعفه؛ ولهذا أخذ منه الحُكم الشرعي، والأحاديث الصحيحة كلها فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب بعد الصلاة، وليس فيها أنه خطب قبل الصلاة، إلا في هذا الحديث، وهذا الحديث ضعيف، فعلى هذا تكون الخطبة بعد الصلاة، وهو المناسب أيضًا؛ لأن قبل الصلاة قد لا يتلاحق الناس، قبل الصلاة يُنادى لها: الصلاة جامعة. وقد لا يتلاحق الناس، قد لا يكون في المسجد إلا العدد القليل -كما هو الواقع-، قد لا يعلمون بالكسوف إلا بالنداء: (الصلاة جامعة، الصلاة جامعة)، فهم يتلاحقون، قد لا يتلاحقون إلا في الركعة الأولى، وبعد الصلاة يكونوا متواجدين، فكان الأنسب أن تكون الخُطبة بعد الصلاة، وهذا هو الذي جاء في بعض الأحاديث، لكن ابن خزيمة -رَحِمَهُ الله- كأنه أخذ بظاهر هذا الحديث، ولم يتبين له ضعف أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي.
ماذا قال أبو بكر؟ أكمل.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَطَبَ أَيْضًا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا.
القارئ: هذا الحديث الثاني طويل:
بَابُ اسْتِحْبَابِ اسْتِحْدَاثِ التَّوْبَةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ. لِمَا سَبَقَ مِنَ الْمَرْءِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حدثنا زهير، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قال: حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةً يَوْمًا لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: بَيْنَا أَنَا يَوْمًا وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضًا لَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي عَيْنِ النَّاظِرِينَ مِنَ الْأُفُقِ، اسْوَدَّتْ حَتَّى كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَاللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، فَدَفَعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ، فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، قَالَ: فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ رَكَعَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، قَالَ: ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَأُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَجَبْتُمُونِي، حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَخْبَرْتُمُونِي»، قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالَاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لِأُمَّتِكَ، وَقَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتُوا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُمْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَفْتِنُ بِهَا عِبَادَهُ، لِيَنْظُرَ مَنْ يُحْدِثُ مِنْهُمْ تَوْبَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مُنْذَ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي يَحْيَى -أَوْ تَحْيَا- لِشَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّهُ مَتَى خَرَجَ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ فَلَيْسَ يَنْفَعُهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ، فَلَيْسَ يُعَاقَبُ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، قَالَ: فَيَهْزِمُهُ اللَّهُ وَجُنُودُهُ، حَتَّى أَنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ يَسْتَتِرُ بِي، تَعَالَ: اقْتُلْهُ. قَالَ: وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، تَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاثِيهَا عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ الْقَبْضِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ». قَالَ: ثُمَّ شَهِدْتُ خُطْبَةً أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا قَدَّمَ كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعَهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي فِي هَذَا الْخَبَرِ (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْنَا أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي يَجِبُ قَبُولُهُ خَبَرُ مَنْ يُخْبِرِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ، لَا مَنْ يَنْفِي.
وَعَائِشَةُ قَدْ خَبَّرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، فَخَبَرُ عَائِشَةَ يَجِبُ قَبُولُهُ
الشيخ: تكلم عليه، هناك تخريج له؟
طالب: إسناده ضعيف.
الشيخ: هذا يكون الدرس القادم إن شاء الله.