بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهُمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة في صحيحه -رحمه الله وأسكنه الله فسيح جنانه-:
حدثنا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حدثَنَا زهيرٌ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قال: حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةً يَوْمًا لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: بَيْنَا أَنَا يَوْمًا وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضًا لَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ النَّاظِرِينَ مِنَ الْأُفُقِ، اسْوَدَّتْ حَتَّى كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ.
القارئ: (تَنُّومَةٌ) هي نوعٌ من نبات الأرض، فيها وفي ثمرها سوادٌ قليل.
الشيخ: يعني أن الشمس كسفت وصار فيها سواد.
فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَاللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، فَدَفَعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ صلى الله عليه وسلم، فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، قَالَ: فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ.
وفيه مشروعية إطالة صلاة الاستسقاء، وأنها صلاةٌ طويلة، من أطول الصلوات، قالت عائشة: «أطول صلاة رأيت»، قرأ في الركعة الأولى بمقدار قراءة سورة البقرة، جزأين ونصف.
فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ رَكَعَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، قَالَ: ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَأُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَجَبْتُمُونِي، حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَخْبَرْتُمُونِي». قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالَاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لِأُمَّتِكَ، وَقَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتُوا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُمْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَفْتِنُ بِهَا عِبَادَهُ
(يَفْتِنُ بِهَا عِبَادَهُ) أي: يختبر بها عباده.
لِيَنْظُرَ مَنْ يُحْدِثُ مِنْهُمْ تَوْبَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مُنْذَ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي يَحْيَى -أَوْ تَحْيَا- لِشَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّهُ مَتَى خَرَجَ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ فَلَيْسَ يَنْفَعُهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ، فَلَيْسَ يُعَاقَبُ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، قَالَ: فَيَهْزِمُهُ اللَّهُ وَجُنُودُهُ، حَتَّى أَنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ يَسْتَتِرُ بِي، تَعَالَ اقْتُلْهُ. قَالَ: وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، تَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاثِيهَا عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ الْقَبْضِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ».
قَالَ: ثُمَّ شَهِدْتُ خُطْبَةً أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا قَدَّمَ كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعَهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي فِي هَذَا الْخَبَرِ (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ)
يعني أنه أسر بالقراءة ولم يجهر بها.
مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْنَا أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي يَجِبُ قَبُولُهُ خَبَرُ مَنْ يُخْبِرِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ، لَا مَنْ يَنْفِي. وَعَائِشَةُ قَدْ خَبَّرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، فَخَبَرُ عَائِشَةَ يَجِبُ قَبُولُهُ، لِأَنَّهَا حَفِظَتْ جَهْرَ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَمُرَةُ كَانَ فِي صَفٍّ بَعِيدٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِرَاءَةِ، فَقَوْلُهُ: (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) أَيْ لَمْ أَسْمَعْ له صَوْتًا، عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ قَبْلُ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: لَمْ يَكُنْ كَذَا، لِمَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ.
أي هو يقول: (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) هو ما سمع، لكن غيره سمع، هو ما سمع؛ لأنه بعيد، في الصفوف المتأخرة، لكن هو يقول: (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) لكن هذا ينصرف إليه، لا يُسمع له صوت من قِبله هو لكونه بعيدًا في الصفوف المتأخرة، ولا يدل هذا على أنه لا يجهر بالقراءة، وعائشة -رضي الله عنها- أثبتت أنه جهر بالقراءة.
ماذا قال عليه؟
القارئ: قال المُحقق (ماهر الفحل) في هذا الحديث: "إسناده ضعيف لجهل ثعلبة بن عباد العبدي، فقد تفرد بالرواية عنه الأسود بن قيس، وأخرجه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داوود، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وفي الكبرى له، والطحاوي في شرح معنى الآثار، وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم، انظر [إتحاف المهرة]".
الشيخ: تكلم عليه الأعظمي؟
طالب: قال: إسناده ضعيف لأنه مجهول كما قال المديني وغيره، في الفتح الرباني من طريق الأسود بن قيس مطولًا
طالب: يقول: ضعيف، وأخرجه البخاري.
الشيخ: نعم، أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد، في الرسالة، في هذا قوله أنه (لم يُسمع له صوت) هذه تأولها المصنف وقال بأنه لم يسمع هو، وفيه أنه صلى صلاة الكسوف، وليس فيه أنه في كل ركعة ركوعان، قال: ركع وسجد، وما ذكر أنه في كل ركعة ركوعان.
طالب: ذكره ابن حبان، قال: ضعيف، وانظر موارد الظمآن للألباني، وللتفصيل انظر ضعيف أبي داوود للألباني كذلك.
الشيخ: ابن حبان ذكر أنه ضعيف؟
طالب: إي نعم، محمد علي سولمر وخالص عين ديمر، وهم أتراك.
الشيخ: هم المخرجون؟
طالب: إي نعم، الأستاذ الدكتور محمد علي سولمر، والأستاذ المشارك خالص عين ديمر. [00:14:20]
الشيخ: ماذا يقول؟
طالب: يقول: ضعيف، انظر موارد الظمآن للألباني، وللتفصيل انظر ضعيف أبي داوود للألباني، لكن النسائي ذكر الحديث بدون هذا الإطالة، حديث سمُرة، ذكره هنا الأسيوطي، وقال إنه صحيح، أخرجه البخاري.
الشيخ: هو أصله في البخاري، لما سَمِع وكان يظن أنه يرمي بالنبل، رأى هذا، قال: نذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ننظر ماذا يحدث، سيحدث حدثًا لهذه الشمس، هذا أصله في البخاري، لكن فيه زيادات هذا.
قارئ: لكن ذكر هنا، قال: "كنت أترامى بأسهم لي بالمدينة إذ انكسفت الشمس، فجمعت أسهمي وقلت لأنظرن ما أحدثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كسوف الشمس، فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد، فجعل يسبح ويكبر ويدعو حتى حسر عنها، ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات".
الشيخ: مختلف هذا، رواية البخاري تختلف.
قارئ: قال هنا: حديث عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- هذا أخرجه مسلم. هذا الأثيوبي.
الشيخ: عبد الرحمن بن سمرة غير سمرة بن جندب، على كل حال ما ذكر هنا الركوعان الزائدان؟
قارئ: لا ما ذكره، سبح قال: "ويدعو حتى حُسِّر عنه، ثم قام فصلى ركعتين واربع سجدات".
الشيخ: حتى عند الحديث هذا ذكر ركوعان كأنه اختصره، ولم يذكر الركوع الثاني، وعلى كل حال أبو ثعلبة الخشني ضعيف، لكن ما في مَنْ استنكر إلا هذا، أنه قال: (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) وما ذكر الركوعان الزائدان، لعله اختصره، وفيه مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف.
س: الأثيوبي قال: إنه ما صلى ركعتين إلا لأنه حُسر عن الشمس، يعني ما ترك الأربع ركوعات إلا لأنه حسر عن الشمس، وصلى ركعتين كأنها صلاة يعني...
الشيخ: لا، في الأحاديث الصحيحة ثابت -حديث عائشة وغيره- أنه ركع ركوعًا طويلًا، ثُمَّ رفع وقرأ، ثُمَّ ركع ركوعًا آخر، هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة، إلا ماقيل على القول بأن ما رواه مسلم من الصفات الأخرى ثابت، أن في كل ركعتين ثلاث ركوعات في بعضها، وفي كل ركعة أربع ركوعات، وفي بعضها خمس ركوعات، لكن هذا ما ذكر ولا ركوع واحد، وهذا ثابت.
الأحناف يرون أن صلاة الكسوف ركعتان، وليس فيها ركوعان زائدان، على كل حال ما في مَنْ استنكر، هذا من هذا، إلا قوله: (لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ) يُمكن تأويله مثلما ذكر المؤلف -رحمه الله-، ويكون الحديث هذا وإن كان ضعيف الإسناد تشده الأحاديث الأخرى.
طالب: حتى في السجود والركوع، قالوا الظاهر أن الراوي كان بعيدًا، لأنه حتى في الركوع والسجود لا يسمع له حس أيضًا.
الشيخ: مثلما قال ابن خزيمة، ابن خزيمة يقول: "يُحمل على أنه بعيد".
س: عائشة في منزلها وسمعت الصلاة.
الشيخ: عائشة قريبة، الحجرة قريبة، من الممكن أن تكون أقرب من الصفوف البعيدة.
بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا تَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ».
وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: وَزَادَ فِيهِ هِشَامٌ: «إِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَتَصَدَّقُوا، وَصَلُّوا».
هذا الحديث فيه إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أن الكسوف لموت عظيم، أو لولادة عظيم، وأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ففيه إبطال اعتقاد الجاهلية أن الكسوف والخسوف لموت أحد، وفيه مشروعية الصلاة والصدقة عند الكسوف، وجاء في الحديث الآخر مشروعية العتق أيضًا، وجاء أيضًا التكبير.
يُشرع للإنسان أمور عند الكسوف:
- أولًا: الصلاة.
- ثانيًا: الدعاء.
- ثالثًا: التكبير.
- رابعًا: الصدقة.
- خامسًا: العتق.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ -وَكَتَبْتُهُ مِنْ أَصْلِهِ- قَالَ: حدثَنَا يُونُسُ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبَ-، قال: حدثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ:
خَسَفَتِ الشَّمْسُ زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّدَقَةِ».
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، قال: حدثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَظَنَّ النَّاسُ إِنَّمَا كَسَفَتْ لِمَوْتِهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَادْعُوا وَتَصَدَّقُوا».
بَابُ الْأَمْرِ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
أخبرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ، قال: حدثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، قال: حدثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ:
أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ.
قال: أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثَنَا أبو بكر، قال: حدثَنَا الدَّارِمِيُّ، قال: حدثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عبد اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ؛ وَقَالَ: أَمَرَ بِعَتَاقَةٍ حِينَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ.
بَابُ ذِكْرِ عِلَّةٍ لِمَا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ إِذَا انْكَسَفَتْ، إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ،
(بَابُ ذِكْرِ عِلَّةِ لِمَا) أي للَّذي، أو لها، المعنى واحد.
إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ، فَإِنِّي لَا أَخَالُ أَبَا قِلَابَةَ سَمِعَ مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَلَا أَقِفُ أَلِقَبِيصَةَ الْبَجَلِيِّ صُحْبَةٌ أَمْ لَا؟
يعني [25:28]، هل سمع، وهل قبيصة صحابي؟
القارئ: نعم، قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد الهلالي البصري له صحبة، وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الشيخ: معروف، قبيصة الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: أقِم عندنا حتى تأتيك الصدقة. قال له: «يا قبيصة، لا تحل المسألة إلا لثلاثة..».
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا بِخَبَرِ قَبِيصَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ انْخَسَفَتْ، فَصَلَّى نَّبِيُّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتْ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُمَا خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُحْدِثُ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ مَا شَاءَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ، فَأَيُّهُمَا انْخَسَفَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ أَوْ يُحْدِثَ لَهُ اللَّهُ أَمْرًا».
الشيخ: ماذا قال على تخريج الأول؟
القارئ: قال المحقق: "إسناده ضعيف، فإن أبا قلابة عبد الله بن زيد الجرمي كثير الإرسال، ولم يصرح هنا بسماعه من قبيصة بن مخارق، وذكر البيهقي في سننه أنه لم يسمعه منه، إنما هو عن رجل عنه، فقال: ولم يسمعه أبو قلابة عن قبيصة، إنما هو عن رجلٍ عن قبيصة، ثُمَّ ساق بسنده من طريق عباد بن منصورٍ، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر أن قبيصة الهلالي.. إلخ".
الشيخ: أما قبيصة صحبته ثابتة.
القارئ: "لكن ابن التركماني لم يرتض بهذا الإعلال، فقال: دعوى، والسند الثاني الذي استدل به البيهقي ضعيفٌ فيه عباد بن منصور، ثُمَّ ذكر كلام أهل الجرح والتعديل في عبادٍ، وتكلم فيمن رواه عن عبادٍ مستدلًّا بأقوال النقاد، ولكن إن سلم من هذا الإعلال فهو لا يسلم من الاضطراب".
الشيخ: ماذا قال الأعظمي؟
طالب: يقول: "إسناده ضعيف، رجاله ثقات، لكنه معلول بعدم تصريح أبي قلابة لسماعه إياه من قبيصة أو النعمان، وفي سنده اضطراب كما أشار إليه المصنف، وقد فصلت ذلك في جزء عندي في صلاة الكسوف". ناصر الألباني.
الشيخ: الأول ما قال فيه اضطراب، قال: فيه أبي قلابة، والشك في صُحبة قبيصة فقط.
القارئ: "فإني لا أخال أبا قلابة سمع من النعمان بن بشير".
الشيخ: هل قال فيه اضطراب؟
القارئ: لا، لم يقل فيه اضطراب، لكن قال: "ولا أقف ألقبيصة البجلي صحبة أم لا".
الشيخ: إذا كان يقصد حديث ثانٍ، أكمل.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَمَّا خَبَرُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وإِنَّ بُنْدَارًا حَدَّثَنَاهُ أَيْضًا، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قال: حدثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ:
انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «فَإِذَا تَجَلَّى اللَّهُ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ».
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، نَحْوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ.
الشيخ: تكلم عنه المُحشّي؟
القارئ: قال: "إسناده ضعيفٌ لانقطاعه. قال أبو حاتم: أبو قلابة أدرك النعمان بن بشير، ولا أعلم أنه سمع منه. انظر: المراسيل لابن أبي حاتم".
الشيخ: الحديث الذي قبله يختلف عنه، ماذا قال عنه المحشي في الحاشية عندك؟
طالب: ما ذكر شيء.
الشيخ: ما تكلم عن الحديثين؟
طالب: ذكر الأصل الكسوف، الإرواء، ضعيف السنن، لكن نفس الحديث رواه النسائي عن مالك؛ لأنه ذكر أن "من الرواة ما رواه النسائي من طريق آخر ليس فيه هلال"، وهو هنا قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال حدثنا معاذ وهو ابن هشام، قال حدثني أبي عن قتادة، عن أبي قلابة، عن قبيصة الهلالي: أن الشمس انخسفت فصلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين ركعتين حتى انجلت، ثُمَّ قال: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتان لَا يَنْخَسِفان لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُمَا خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ الله، وَإن الله -عزَّ وجلَّ- يُحْدِثُ فِي خَلْقِهِ مَا يشَاء، وإِنَّ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ يخْشَعُ لَهُ، فَأَيُّهُمَا حدث فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ أَوْ يُحْدِثَ اللَّهُ أَمْرًا»".
ذكر الجامع: "وكذا الكلام عن الحديث، والله تعالى أعلم بالصواب. وذكر: محمد بن المثنى وهو أبو موسى العنزي البصري، ومعاذ بن هشام الدستوائي البصري، وهشام هو ابن عبد الله بن سَنْبر الدستوائي البصري ثقة، وقتادة بن دعامة السَّدوسي البصري ثقة، والباقيان تقدما في السند الماضي، قال: هذا حديثٌ ضعيفٌ للاضطراب كما سبق بيانه، والله أعلم".
الشيخ: الاضطراب في أي شيء؟ ذكر الاضطراب؟
القارئ: ذكر الاضطراب فقط كما سبق، لعله في الحديث الذي قبله، قال في الحديث الذي قبله.
الشيخ: اضطراب في السند أم المتن؟
القارئ: لجهالة عبد الله بن... قال في الحديث الذي قبله، لأنه يقول: "انظر الحديث الذي قبله"، فذكر: "حديث قبيصة بن مخارق ضعيفٌ لجهالة عبد الله بن الوازع".
الشيخ: لكن ما استنكر في المتن؟
القارئ: لم يذكر شيء.
الشيخ: يمكن أن يكون شاهد للأحاديث السابقة.