شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من صحيح ابن خزيمة_19

00:00
00:00
تحميل
7

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحة:

قارئ المتن: بَابُ الوُقُوفِ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ.

قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحَمَدَ بنِ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِي، أَنَّ عَمْرو بنَ مُجَمِّعٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ أَهَلَّ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَقَالَ: يَبِيتُ، يَعْنِي بِالمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُصَلِّي صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ المَشْعًرِ الحَرَامِ وَيَقِفُ النَّاسُ مَعَهُ، يَدْعُونَ اللهَ وَيَذْكُرُونَهُ، وَيُهَلِّلُونَهُ، وَيُمَجِّدُونَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ، حًتَّى يَدْفَعَ إِلَى مِنى.

شرح الشيخ: نعم، وهنا يقول: حديث ضعيف بهذا الإسناد، ماذا قال عنه؟

مداخلة: قال: سبق، هناك قال: "صحيح، أخرجه الشافعي، وأبو نعيم والبيهقي".

الشيخ: إسناده صحيح؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: هنا يقول ضعيف بهذا السند. وعلى كل حال، المعنى صحيح، المعنى وارد في الأحاديث، لكن القصد السند، السند وإن كان ضعيف ...

مداخلة: هذا الإسناد، يوجد إسناد آخر [00:01:28]

الشيخ: المعنى صحيح، المعنى دلت عليه النصوص الأخرى، (كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ)، وميقاته المدينة، ومسجد ذي الحليفة يعني المكان الذي صلى فيه، وإلا ليس هناك مسجد مبني في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما في مسجد، وإنما مسجد يعني مصلى، مكان السجود.

(أهلّ) أهل من هناك، من الوادي.

وقال: (يَبِيت)، يعني من المزدلفة حتى يصبح، يعني ليلة العيد، ليلة العاشر من ذي الحجة، يبيت بمزدلفة حتى يصبح، ثم يصلي صلاة الصبح، ثم يقف عند المشعر الحرام، والمشعر الحرام مزدلفة، كلها مشعر، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف عند قُزَح، وهو جبل صغير بُني عليه المسجد، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف»، يعني، كل مزدلفة مكان للوقوف.

هذا يُبين أنه لا يجب على الإنسان أن يقف في هذا المكان، وإلا كانوا سيزدحمون عليه، عند الجبل، الجبل الذي بني عليه المسجد الآن، الذي فيه المسجد الذي في المشعر، الجبل الصغير الذي بني عليه المسجد هو المكان الذي وقف عليه النبي، وقال: «وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف».

(ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ المَشْعًرِ الحَرَامِ وَيَقِفُ النَّاسُ مَعَهُ، يَدْعُونَ اللهَ وَيَذْكُرُونَهُ، وَيُهَلِّلُونَهُ، وَيُمَجِّدُونَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ، حًتَّى يَدْفَعَ إِلَى مِنى)، وذلك قبل طلوع الشمس، بعد الإسفار جدًّا.

قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ الوُقُوفِ حَيْثُ شَاءَ الحَاجُّ، مِنْ المُزْدَلِفَةِ، إِذْ جَمِيعُ المُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:

أَتَيْنَا جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَقَفَ بِالمُزْدَلِفَةِ، وَقَالَ: «وَقَفْتُ هَاهٌنَا وَالمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».

شرح الشيخ: نعم، والحديث إسناده صحيح، رواه النسائي من طريق يحيى ماذا قال عنه؟

مداخلة: قال: سبق.

مداخلة: في مسلم.

الشيخ: لا، ذكره النسائي، يمكن الذي بعده هو الذي في مسلم.

مداخلة: كتب هنا: "في مسلم، وفي الحُجة، وصحيح السنن، انظر التالي".

الشيخ: على كل حال صحيح، لا شك أنه صحيح، النبي قال: (وقفت هاهنا) يعني عند الجبل الصغير، (والمزدلفة كلها موقف)، والحمد لله.

سميت (مزدلفة) لازدلاف الناس فيها، وتسمي (جمعا) لجمع الناس فيها. تسمى (المشعر) لوجود المشعر الحرام، وهو الجبل الصغير.

مداخلة: كذلك هنا في الحديث السابق، قال: أخرجه مسلم.

الشيخ: السابق؟

مداخلة: جزء من الذي أشار إليه، قال: سبق تخريجه، قال هناك: أخرجه مسلم، جزء من حديث جابر الطويل.

الشيخ: ضعيف الإسناد؟

مداخلة: ضعفه الأعظمي. قال: "ضعفه الأعظمي في جميع المواضع التي ذكر فيها".

الشيخ: نعم، عند الأعظمي ضعّفه، قال: أشار الحافظ في [اللسان] إلى رواية ابن خزيمة.

مداخلة: لكن أخرجه البخاري برقم.

الشيخ: الحديث معروف، حديث جابر معروف [00:04:47] الوقوف في مزدلفة، لكن قصده: بهذا السند، لا يضر هذا.

قارئ المتن: قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعًيدٍ الأَشَجِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، يَعْنِي ابنَ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عِنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَمْعٍ، وَقَالَ: جَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ.

شرح الشيخ: نعم، هذا أيضا أخرجه مسلم في (الحج)، من طريق حفص بن غياث وغيره كذلك، فهو حديث صحيح، وفيه أن مزدلفة كلها موقف، و(جمع) هي مزدلفة، من أسمائها، تسمي جمعا، في أي مكان من أرض مزدلفة وقف حصلت له السنة و[00:05:33].

قارئ المتن: بَابُ الدَّفْعِ مِنَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالأَوْثَانِ فِي دَفْعِهِمْ مِنْهُ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إَسْحَاقٍ، عَنْ عَمْرو بنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:

كَانَ المُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِير، فَخَالَفَهُم النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

شرح الشيخ: وهذا أخرجه البخاري أيضا في (الحج)، من طريق أبي إسحاق، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخالف المشركين، فكان المشركون يحجون وهم على شركهم، لكن عندهم مخالفات، من مخالفاتهم أنهم لا يدفعون إلى المزدلفة حتى تشرق الشمس على الجبال، ويقولون مقالتهم المشهورة: "أشرِق ثبير كيما نغير". فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فدفع بعد الإسفار جدًّا، وقبل طلوع الشمس.

كما خالفهم أيضا في الدفع من عرفة. كان المشركون في عرفة يدفعون قبل غروب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كعمائم الرجال دفعوا، فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يدفع حتى غربت الشمس واستحكم غروبها وغاب القرص، فدفع، وقال: خالف هدينا هدي المشركين، خالفهم في الموقفين: في الدفع من عرفة، وفي الدفع من مزدلفة.

قارئ المتن: بَابُ صِفَةِ السَّيْرِ فِي الإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنى، بِلَفْظٍ عَامٍ مُرَادُهُ خَاصٌّ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ بنِ كُرَيْب، وَهَارُونُ بنُ إَسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ هَارُونُ: عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَد، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ الفَضْلِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّهُ قَالَ: أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ جَمْعٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنَى.

شرح الشيخ: هذا فيه إبانة صفة السير في الإفاضة، من جمع -التي هي مزدلفة- إلى منى، بلفظ عام مراده خاص.

هذا اللفظ يعني أنه وقف بسكينة، بسكينة، (أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ جَمْعٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنَى)، يعني في الموضعين، أفاض من عرفة بسكينة حتى وصل إلى مزدلفة، وأفاض من جمع -من مزدلفة- بسكينة، حتى وصل إلى منى، والحديث صحيح.

(صِفَةِ السَّيْرِ فِي الإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنى، بِلَفْظٍ عَام)، يشمل الأمرين.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا سَارَ فِي الإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنَى عَلَى السَّكِينَةِ خَلَا بَطَنِ وَادِي مُحَسِّر، فَإِنَّهُ أَوْضَعَ فِيهِ، وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الفَضْلَ إَنَّمَا أَرَادَ: وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنَى، خَلَا إِيضَاعِهِ فِي وَادِي مُحَسِّر، عَلَى مَا تَرْجَمْتُ البَابَ أَنَّهُ لَفْظُ عَامٌّ أَرَادَ بِهِ الخَاصَّ.

وَفِي خَبَرِ عَلِيّ بنِ أَبِي مداخلة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَادِي مُحَسِّر، فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الوَادِي.

الشيخ: (قرع)، عندك؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: نسخة الأعظمي فيها [00:09:01] (فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ)، خبت يعني: أسرعت.

المؤلف رحمه الله بين في هذه الترجمة سير النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإفاضة من مزدلفة إلى منى، قال: "أسرع السير"، يقول المؤلف: ليس المراد الإسراع في السير من أوله إلى آخره، بل المراد بعضه، يستثنى من ذلك (وادي محسر)، فإنه هو الذي أسرع فيه، وأما ما عدا ذلك، فهو مشى بالسكينة، هذا معنى قوله: (بِلَفْظٍ عَامٍ مُرَادُهُ خَاصٌّ).

(بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَارَ فِي الْإِفَاضَةِ وَمِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى عَلَى السَّكِينَةِ)، إلا (بطن الوادي) فإنه أسرع فيه، (خَلَا بَطْنِ وَادِي مُحَسِّرٍ؛ فَإِنَّهُ أَوْضَعَ فِيهِ) يعني: أسرع فيه.

قالوا: وفي هذا ما دل على أن الفضل -أي الفضل بن العباس- هو الذي رادف النبي -صلى الله عليه وسلم- من مزدلفة إلى منى، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أردف أسامة من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف من مزدلفة إل منى الفضل بن العباس، فأخبر العباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سار بسكينة، مقصوده: ما خلا بطن الوادي فإنه أسرع فيه. هذا معنى الترجمة.

ولذا قال في خبر علي، لما انتهى إلى الوادي: (فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ)، يعني أسرعت، السرعة: الخَبَب، الخَبَب: هو الإسراع، (حَتَّى جَاوَزَ الوَادِي).

قارئ المتن: قَالَ: حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَة، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنُ أَبِي الزَّرْدِ الأُبُلِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَة، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّر.

شرح الشيخ: الحديث إسناده صحيح -يقول الأعظمي-، رواه النسائي في السنن الكبرى، والسنن الكبرى للبيهقي.

ومعنى (أَوْضَعَ) يعني أسرع، أسرع (فِي وَادِي مُحَسِّر)، قيل السبب في هذا أنه هو المكان الذي أهلك الله فيه أهل الفيل، لكن الصحيح أن الفيل أهلكه الله في المغمس، لا في وادي محسر.

قارئ المتن: بَابُ بدء الإِيضَاعِ كَانَ فِي وَادِي مُحَسِّر.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرَ بنِ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إَنّمَا كَانَ بدء الإِيضَاعِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ البَادِيَةِ، كَانُوا يَقِفُونَ حَافَّتَيْ النَّاسِ، قَدْ عَلَّقُوا القِعَابَ وَالعِصِيَّ وَالعِلَابَ...

الشيخ: العصي، وماذا؟

مداخلة: والعلاب.

الشيخ: العلاب! في الأصل: كلمة غير مقروءة، قلت: فأظنها الجعاب، فإنها ثابتة في رواية أحمد، هذا يقوله الشيخ ناصر.

ما الذي عندك؟

مداخلة: عندي العلاب، قال في الحاشية: في المطبوع: الجعاب، و(العلاب) واحدها (علبة)، وهي القدح.

(إَنّمَا كَانَ) أعد.

قارئ المتن: إَنّمَا كَانَ بدء الإِيضَاعِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ البَادِيَةِ، كَانُوا يَقِفُونَ حَافَّتَيْ النَّاسِ، قَدْ عَلَّقُوا القِعَابَ وَالعِصِيَّ وَالعِلَابَ، فَإِذَا أَفَاضُوا تَقَعْقَعُوا، فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ، فَلَقَدْ رُؤِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ ظِفْرَيْ نَاقَتِهِ لَتَمَسُّ الأَرْضَ حَارِكَهَا وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بَالسَّكِينَةِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بَالسَّكِينَةِ. وَرُبَّمَا كَانَ يَذْكُرُهُ عَنْ ابنِ عَبَّاس.

الشيخ: (حاركها) بالراء؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: عند الأعظمي بالدال، ما تكلم عليها؟ يعني يحركها.

والحديث إسناده صحيح -يقول الشيخ ناصر-، فإن أبا النعمان كان اختلط، لكن تابعه يونس، قال: حدثنا حماد بن زيد. وأخرجه أحمد، ويونس هو ابن محمد المؤدب البغدادي، ثقة حافظ، فصح الحديث والحمد لله. السنن الكبرى من طريق أبي النعمان أيضًا.

في هذا الحديث: (إِنَّمَا كَانَ بَدْءُ الْإِيضَاعِ) يعني الإسراع، في وادي محسن.

(مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ يَقِفُونَ حَافَتَيِ النَّاسِ قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ وَالْجِعَابَ، فَإِذَا أَفَاضُوا تَقَعْقَعُوا فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ)، يعني: الإبل.

(فَلَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ ظَفْرَيْ نَاقَتِهِ لَتَمَسُّ الْأَرْضَ حَادِكَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ»)، يعني هذا هو السبب، كان الأعراب يقفون حافتي الناس، فإذا أفاضوا تقعقعوا، فنفرت الناس، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ».

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الطَّرِيقِ الذِي يُسْلَكُ فِيهِ مِنَ المَشْعَرِ الحَرَامِ إِلَى الجَمْرَةِ.

فِي خَبَرِ جَعْفَرٍ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى التِي تُخْرِجُكَ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرِى حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ التِي عِنْدَ الشَّجَرَة.

الحديث هنا أخرجه مسلم في (الحج).

وهذا كان الطريق لما كان الناس على الإبل، كان يسلك الطريق الوسطى، وكانت هناك شجرة، الآن تغيرت الأحوال وصارت السيارات الآن وطرق، ليس للإنسان اختيار الآن، فيسلك الطريق المعبد، والحمد لله.

قارئ المتن: قَالَ: حَدْثَّنَاه مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ.

 

 

بَابُ فَضْلِ العَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، وَسَلْمُ بنُ جُنَادَة، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بشارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِم البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ، قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.

هَذَا حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ.

الشيخ: الحديث -يقول الشيخ- أخرجه البخاري في (العيدين)، من طريق شعبة، ماذا قال عنه عندك؟

مداخلة: قال: أخرجة البخاري، وأبو داوود، وابن ماجة، والترمذي.

نعم، وفيه فضل العمل في عشر ذي الحجة، ومن العمل التسبيح، التهليل، والتكبير، ومن العمل الصالح الصوم أيضا، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإشهاد للناس، وتعليم الجاهل، وإطعام الجائع، كلها من الأعمال الصالحة، كلها مشروعة في أيام العشر.

مداخلة: في الإتحاف: غُندَر بدل ابن أبي عدي.

الشيخ: غُندر هذا هو محمد بن بشار.

مداخلة: قال في الإتحاف: غُندَر بدل ابن أبي عدي.

الشيخ: شيخ الأئمة الستة كلهم [00:17:02].

قارئ المتن: بَابُ فَضْلِ يَوْمِ النَّحْرِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ رَاشِدَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُحَيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْط -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَوْمُ القَرِّ يَعْنِي: يَوْمَ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ.

الشيخ: الحديث إسناده صحيح، أخرجه الإمام أحمد في المسند، من طريق يحيى، ماذا قال عنه؟

مداخلة: قال: صحيح، أخرجه أحمد وأبو داوود، والنسائي.

الشيخ: نعم، وفيه فضل يوم النحر، وهو يوم العيد، (أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ) وهو يوم العيد، وذلك لما فيه من الأعمال العظيمة، فإن فيه معظم أعمال الحج: فيه رمي جمرة العقبة، وفيه النحر، وفيه حلق الرأس، وفيه الطواف، والسعي، فهو أفضل الأيام عند الله، ثم يوم عرفة، هنا قال: (ثُمَّ يَوْمُ القَرّ)، يوم القر هو يوم الحادي عشر، سمي يوم القر لأن الناس يقرون فيه.

أيام الحج ستة، كل يوم له اسم:

  1. اليوم الأول، يوم الثامن من ذي الحجة، يسمى يوم التروية، لأن الناس يتروون فيه من الماء.
  2. ثم الثاني: يوم عرفة، لأن الناس تقف بعرفة.
  3. ثم الثالث يوم النحر، لأن أعظم ما فيه النحر.
  4. ثم اليوم الحادي عشر يسمى يوم القر، لأن الناس يقرون فيه، ما يتحركون.
  5. ثم يوم الثاني عشر: يوم النفر الأول، لأن الناس ينفرون، لمن أراد أن يتعجل.
  6. ثم يوم الثالث عشر: يوم النفر الثاني ينتهي الحج.

هنا قال: (أعظم الأيام عند الله، يوم النحر، ثم يوم القر)، الذي هو الحادي عشر، ويسمى يوم الرؤوس، لأن الناس في يوم العيد يذبحون الأضاحي وينشغلون بأكل اللحم، وفي اليوم الحادي عشر يتفرغون للرؤوس، حسحستها والأكل منها.

(قَالَ أَبُو بَكْرٍ) يعني المؤلف: (يَوْمُ القَرِّ يَعْنِي: يَوْمَ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) وهو اليوم الحادي عشر.

قارئ المتن: بَابَ التِقَاطِ الحَصَا لِرَمْيِ الجِمَارِ مِنَ المُزْدَلِفَةِ، وَالبَيَانُ أَنَّ كَسْرَ الحِجَارَةِ لِحَصَى الجِمَارِ بِدْعَةٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ النَّاسِ وَإِتْعَابِ أَبْدِانِ مَنْ يَتَكَلَّفُ كَسْرَ الحِجَارَةِ تَوَهُّمًا أَنَّهُ سُنَّةٌ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَة، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العَالِيَةِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ العَقَبَةَ، -قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ وَهَكَذَا قَالَ عَوْفٌ-: هَاتِ الْقُطْ حَصَيَاتٍ، هِيَ حَصَا الخَذْف، فَلَمَّا وُضِعْنَ فِي يَدِهِ قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالغُلُوِّ فَي الدِّينِ.

حَدَّثَنَا بِهِ بُنْدَارٌ مَرَّةً أُخْرَى بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَة، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: -قَالَ عَوْفٌ: لَا أَدْرِي الفَضْلَ أَوْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ العَقَبَةِ: الْقُطْ لِي حَصَيَاتٍ، بِمِثْلِهِ سَوَاءً.

الشيخ: الحديث إسناده صحيح، رواه النسائي من طريق يحيى عن عوف. ماذا قال عنه؟

مداخلة: قال: صحيح، أخرجه أحمد، وابن ماجه، والنسائي.

الشيخ: الترجمة فيها: (الْتِقَاطِ الْحَصَى لِرَمْيِ الْجِمَارِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَالْبَيَانِ) -يقول- (أَنَّ كَسْرَ الْحِجَارَةِ لِحَصَى الْجِمَارِ بِدْعَةٌ)، لا يكسِّره من الجبل، يأخذه من الأرض.

وبيَّن، قال: (لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ النَّاسِ وَإِتْعَابِ أَبْدَانِ مَنْ يَتَكَلَّفُ كَسْرَ الْحِجَارَةِ تَوَهُّمًا أَنَّهُ سُنَّةٌ)، يتعب نفسه، ويتوهم أنه سنة وهو بدعة، ولما فيه من الإيذاء، التكسير، والأصوات، قد يصيب بعض الناس، فلا يكسِّر، وإنما يأخذ الحصا الموجودة.

ذكر حديث الفضل بن العباس، قال: قال لي رسول الله: (غَدَاةَ الْعَقَبَةِ) -قال ابن أي عدي في حديثه وهكذا قال عوف-: (هَاتِ الْقُطْ حَصَيَاتٍ) هي حصا الخذف.

قوله في الترجمة: (الْتِقَاطِ الْحَصَى لِرَمْيِ الْجِمَارِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ): الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بأخذها من الطريق، في الطريق وهو ماشٍ، في الطريق من مزدلفة إلى منى، لأنه في الحديث الآن، قال: هات القط لي حصيات، هذا في العقبة.

هن ( حَصَى الْخَذْفِ): الخذف هي الحصاة التي يضعها بين أصبعه ويخذف بها، وهي مثل حبة الفول، ومثل بعرة الغنم، ما تكون كبيرة ولا صغيرة، قال العلماء: لا تجزئ كبيرة جدا، ولا كبيرة جدا.

لا تجزئ الكبيرة، بعض الناس يأخذ كبيرة مثل العصفور، هذا من الغلو، وكذلك لا تكون صغيرة جدا، مثل حبة الحنطة، ما تجزئ، لا تجزئ صغيرة جدا ولا كبيرة جدا.

ومن الغلو أن يأخذ الحجارة الكبيرة، هذا من الغلو ومجاوزة الحد، وأشد من ذلك أيضا من يرمي بالحذاء، ويأتي بنفس منفعلة، يشتم، ويلطم، كأن فيه الشياطين، صحيح أن الشيطان تعرض لنبي الله إبراهيم، لكن الآن فيها مشاعر، لما يأتي بهدوء، واستشعار أنه في عبادة، يسمي ويكبر، ما يأتي بنفس منفعلة ويشتم ويلطم، هذا ما يليق.

النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء ابن عباس -رضي الله عنه- بالحصيات الصغيرة مثل حبة الفول، وضعهن بيديه، قال: نعم، (بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ) فارموا، (وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ)؛ فالرمي بالحجارة الكبيرة بناء على أنها أبلغ من الصغير من الغلو، والحديث عام، يشمل هذا ويشمل غيره. إياكم والغلو، فلا تغلوا بأن تأخذوا حجارة كبارا، والحديث عام، (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ، ... فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ)، والغلو: الزيادة، يزيد في الدين ما ليس منه.

فلما وضعهن في يده قال: (بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ).

قال: (الْقُطْ حَصَيَاتٍ).

يقول العلماء: إن بعض الناس إذا وصل إلى مزدلفة، اشتغل بلقط الحصا قبل الصلاة، وهذا خطأ، أول شيء تصلي، والأمر واسع، لقط الحصيات كل الليل أو بعد الفجر، ليس بلازم الآن، ما في شيء تبدأ به قبل الصلاة، صلِّ، تجدهم مجرد ما ينزلون يلقطون الحصا قبل الصلاة، هذا من الخطأ، وإذا أخذ حصا الجمار كلها من مزدلفة، لا بأس، من أي مكان، لكن الأفضل أن يأخذ سبع حصيات، والباقي كل يوم يلتقط من منى إحدى وعشرين حصاة.

مداخلة: من رمى بالكبيرة، هل يقال عليه فدية فيها؟

الشيخ: هذا ليس غلو في الدين، على قول الفقهاء أنها ما تجزئ، نعم يقال: ما تجزئ، يعيدها، يُؤمر بإعادتها، فإن لم يُعِدْ، وكان عدد الكبار واحدة أو اثنين يعفى عنه، لكن إن كانت كلها كبارا، يعيدها في نفس اليوم، فإن لم يكن، يعيدها في اليوم الثاني بعد الزوال، فإن فاتت أيام التشريق فعليه ذنب، هذا مدلول قول الفقهاء: أنها لا تجزئ كبيرة جدا، ولا صغيرة جدا.

قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَقْدِيمِ النِّسَاءِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنَ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِاللَّيْلِ، فَأَذِنَ لَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا-: فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الإِمَامِ.

شرح الشيخ: الحديث أخرجه الإمام مسلم في (الحج)، من طريق عبد الوهاب، وكذلك البخاري، أخرجة الشيخان، فهو حديث صحيح.

وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لسودة بنت زمعة -وكانت امرأة ضخمة- أن تتقدم من مزدلفة بالليل، آخر الليل، جاء ما يدل على أنه بعد غيبوبة القمر، وذلك بمقدار الساعة الثانية ليلا، يغيب القمر ليلة العاشر.

فاستأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأذن لها، وكذلك الترجمة التي بعدها: (الرُّخْصَةِ فِي تَقْدِيمِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَالْوِلْدَانِ).

عائشة -رضي الله عنها- تمنت أن تكون استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- كما استأذنت سودة، فلما لم تستأذن، صارت ما تدفع إلا مع الإمام، والإمام ما يدفع إلا بعد الفجر، الناس ما يدفعون إلا بعد الفجر، إنما الضعفاء يرخص لهم آخر الليل.

سيأتي ذكر الكلام على هذا في الترجمة التي بعدها.

قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَقْدِيمِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَالوِلْدَانِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيلِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلَاءِ، وَالحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيٌّ بْنُ خَشْرَم، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةَ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ.

قَالَ أَبُو عَمَّارٍ، وَالمَخْزُومِيُّ، وَعَلِيٌّ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

شرح الشيخ: هذا أخرجه البخاري ومسلم أيضا في الصحيحين، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (قَدَّمَ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةَ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ) يعني قدمهم، الضعفاء، ومنهم ابن عباس، تقدموا في آخر الليل يرمون الجمرة قبل الزحام، قبل خطوة الناس.

قارئ المتن: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُولَئِكَ ضَعَفَةُ أَهْلِهِ. وَيَقُولُ: أَذِنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ.

الحديث أخرجة البخاري في (الحج).

وفيه أن ابن عمر يقدم ضعفة أهله، فيدفعون من مزدلفة إلى منى، (فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ)، يعني يسبقون الناس، لأن الناس ما يأتون إلا بعد الشمس، فهم يسبقونهم ويرمون قبل زحمة الناس.

قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ تَقْدِيمِ الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثَّقَلِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِمِثْلِهِ سَوَاءً.

الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه أن ابن عباس كان صغيرًا، توفي وهو يناهز العشرين، قال: (كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثَّقَلِ) في ثقل أهله، في ضعفتهم.

وهذه التراجم الثلاثة:

  • الرخصة في تقديم النساء من جمع إلى منى بالليل.
  • الرخصة في تقديم الضعفاء من الرجال والولدان من جمع -جمع هي مزدلفة- بالليل.
  • إباحة تقديم الثقل من جمع إلى منى بالليل.

الإباحة والرخصة دليل على أنه يرخص للضعفاء أن يدفعوا آخر الليل، بعد غيبوبة القمر، يرمون الجمرة قبل الزحام.

وذهب إلى هذا جمع من أهل العلم، وقالوا: لا يجوز للحاج أن يتقدم من جمع إلا إذا كان من الضعفاء، كأن يكون مريضا، أو يكون من النساء، أو الأطفال، ومن معهم ويكون له حكمهم.

ولكن ذهب كثير من الفقهاء والجمهور إلى أنه يجوز لكل الحجاج، أن يتقدموا بعد نصف الليل أيضًا، بعد ما قيدوه بغيبوبة القمر بعد نصف الليل، قالوا: آخر الليل يتحقق أيضًا بنصف الليل، وهذا هو مذهب الحنابلة وجماعة.

لكن السنة تدل كما رأيتم الآن، أنه ما رخص، وهو يقول رخص لسودة، ورخص لابن عباس، الرخصة إنما تكون في شيء ممنوع، لو كان الجميع لهم ذلك ما صارت رخصة، صارت رخصة للجميع، لو كان الجميع كلهم لهم أن يتقدموا ما صار فيه رخصة، رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس لأن لا يبيت بمنى من أجل سقايته، ما يبيت بمنى، غيره يبيت، لكن هو من أجل السقاية رخصة خاصة له. فالرخصة إنما تكون من شيء ممنوع، أليس كذلك؟

هذا هو ظاهر السنة، وذهب إلى هذا ابن القيّم -رحمه الله- في [زاد المعاد]، أنه لا يدفع من مزدلفة إلا إذا كان من الضعفاء؛ فإن كان من الأقوياء، وجب عليه أن يبيت حتى يصلي الفجر؛ ولهذا عائشة -رضي الله عنها- لما لم تستأذن النبي كانت تفيض مع الإمام بعد طلوع الفجر، لكن الفتوى الآن على هذا، هو لبَعد نصف الليل، إذا سأله متى دفعت؟ قال بعد نصف الليل، إذاً أدركت المبيت، قالوا: إن آخر الليل يتحقق بنصف الليل.

وعلى هذا فيكون هذا مذهب من ذهب إلى هذا، وهذا هو الصواب ويوافق السنة، من ذهب إلى أنه لا يرخص إلا للضعفاء، هذا هو الصواب ويوافق السنة، وإن كان قول الجمهور أنه يجوز للجميع أن يتقدموا -ضعيف وغير ضعيف- بعد نصف الليل أيضا، ولو لم يغب القمر.

قاله أبو بكر، لكن السنة أحق بالاتباع.

قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةَ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ المَأْمُورَ بِالتِقَاطِ الحَصَا غَدَاةَ المُزْدَلِفَةَ هُوَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، لَا عَبْدَ اللهِ. وَأَخْبَارُ الفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ مُشَاش، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الفَضْلِ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْمٌ، لِأَنَّ المُقَدَّمَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، لَا الفَضْلَ.

شرح الشيخ: لأن الفضل أكبر منه.

(قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةَ مِنْ جَمْعٍ) التي هي مزدلفة، (إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ المَأْمُورَ بِالتِقَاطِ الحَصَا غَدَاةَ المُزْدَلِفَةَ هُوَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ) لأنه كان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا عبد الله.

(وَأَخْبَارُ الفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ مُشَاش، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الفَضْلِ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْمٌ، لِأَنَّ المُقَدَّمَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، لَا الفَضْلَ).

فإذن الفضل هو الذي ردِف النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخوه عبد الله هو الذي قُدِّم مع الضعفة، هو أصغر منه، الذي قدم مع الضعفة عبد الله، والذي ردِف النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضل.

يقول: (خَبَرَ مُشَاش ... وَهْمٌ)، ماذا قال عليه؟ الأعظمي يقول: رواه النسائي، هذا الحديث من طريق مُشاش، وفيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعفة بني هاشم أن ينفروا من جمع بليل. ماذا قال عنه عندك (خَبَرَ مُشَاش

مداخلة: ما علق عليه عندي.

الشيخ: الأعظمي يقول: رواه النسائي، هذا الحديث من طريق مُشاش، وفيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعفة بني هاشم أن ينفروا من جمع بليل، للضعفاء، خاص بالضعفاء.

قارئ المتن: بَابُ قَدْرِ الحَصَى الذِي يُرْمَى به الجِمَار، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ بِالحَصَى الكِبَارِ مِنَ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَتَخْوِيف الهَلَاكِ بِالغُلُوِّ فِي الدِّينِ.

بركة، وفق الله الجميع لطاعته، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد