شعار الموقع

سورة يس - 10

00:00
00:00
تحميل
7

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير في كتابه التفسير العظيم عند سورة يس عند قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا ‌أَوَّلَ ‌مَرَّةٍ ‌وَهُوَ ‌بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) }

قَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، والسُّدِّي. وَقَتَادَةُ: جَاءَ أُبي بْنُ خَلَفٍ [لَعَنَهُ اللَّهُ] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ وَهُوَ يُفَتِّتُه وَيُذْرِيهِ فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ». وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ "يس": {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ}، إِلَى آخِرِهِنَّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الزَّيَّاتُ، عَنْ هُشَيْم، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس، أن العاصى بْنَ وَائِلٍ أَخَذَ عَظْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ ففتَّه بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يدخلك جهنم». قال: وَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخَرِ "يس".

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ "ابْنَ عَبَّاسٍ".

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِعَظْمٍ ففَتَّه وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.

وَهَذَا مُنْكَرٌ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مكية، وعبد الله بن أبي بن سَلُولَ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ نَزَلَتْ فِي أُبي بْنِ خَلَفٍ، أَوْ [فِي] الْعَاصِ [بْنِ وَائِلٍ]، أَوْ فِيهِمَا، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ} لِلْجِنْسِ، يَعُمُّ كُلَّ مُنْكِرٍ لِلْبَعْثِ.

{أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} أَيْ: أَوْلَمَ يَسْتَدِلَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بِالْبَدْءِ عَلَى الْإِعَادَةِ).

الاستدلال بالبدء على الإعادة، يعني الذي بدأ الإنسان وخلقه وأوجده من العدم قادر على أن يعيده ويبعثه مرة أخرى، هذا الدليل، وهذا جاء في مواضع من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾[الحج:5]، ارجعوا إلى أصلكم الأول، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾[الحج:5]، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم:27]، هنا قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)﴾[يس:77/79].

هنا الشبهة جاء ردها سابقًا ولاحقًا، الشبهة: من يحي العظام وهي رميم، والرد: ونسي خلقه، نسيت خلقك، من الذي أوجدك؟ ثم جاء بعد ذلك: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فصار ردين، رد سابق، ورد لاحق، والشبهة بينهما، ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾[يس:78]، هذه الشبهة، ونسي خلقه هذا رد سابق، ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[يس:79]، هذا يستدل به والذي بعده، وكذلك أيضًا من الأدلة التي أكثر الله منها في القرآن الكريم الاستدلال على إحياء الأرض بعد موتها، إحياء الأرض، الأرض الهامدة يحيها الله تعالى بالمطر، فكذلك الإنسان يحيه الله تعالى بعد موته.

({أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} أَيْ: أَوْلَمَ يَسْتَدِلَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بِالْبَدْءِ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَخَلَقَهُ مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ ضَعِيفٍ مَهِينٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٠-٢٢]).

القرار المكين هو الرحم، إلى قدر معلوم هي المدة التي قدرها الله، أربعين يوم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم العظام، ثم يكسى العظام لحم، وهكذا.

(وَقَالَ {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الْإِنْسَانِ: ٢] أَيْ: مَنْ نُطْفَةٍ مِنْ أَخْلَاطٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَالَّذِي خَلَقَهُ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ أَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ).

كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى(40)﴾[القيامة:37/40].

 

حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حَريز، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرة، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ بُسْر ابن جَحَّاش؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصق يَوْمًا فِي كفِّه، فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ، ثُمَّ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، أنَّى تُعجزني وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ، حَتَّى إِذَا سَوَّيتك وعَدَلتك، مَشَيْتَ بَيْنَ بردَيك وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَت التَّرَاقِي قُلْتَ: أتصدقُ وأنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ؟»).

يعني فات أوانها، جمعت ومنعت يعني جمعت الأموال، ومنعت يعني منعت الواجب منها.

(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ جَرير بْنِ عُثْمَانَ، بِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ؟ أَيِ: اسْتَبْعَدَ إِعَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى -ذِي الْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي خَلَقَتِ السموات وَالْأَرْضَ-لِلْأَجْسَادِ وَالْعِظَامِ الرَّمِيمَةِ، وَنَسِيَ نَفْسَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنَ الْعَدَمِ، فَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا اسْتَبْعَدَهُ وَأَنْكَرَهُ وَجَحَدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} أَيْ: يَعْلَمُ الْعِظَامَ فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَرْجَائِهَا، أَيْنَ ذَهَبَتْ، وَأَيْنَ تَفَرَّقَتْ وَتَمَزَّقَتْ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعيّ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تحدثُنا مَا سمعتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنْ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبا كثيرًا فَجَمَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ». فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا ‌سُمْعَتُهُ ‌يَقُولُ ‌ذَلِكَ، وَكَانَ نبَّاشا).

هذه قصة الرجل مشهورة، وهي في الصحيحين وغيرها، القصة متواترة، الرجل الذي هو مسرف على نفسه، هنا قال: كان نباشًا للقبور، ولما حضرته الوفاة جمع أهله وبنيه، وقال: أي أب كنت لكم؟ فأثنوا عليه خير، فقال: إنه لم يبتعر خيرًا، يعني لم يعمل خيرًا قط، وأخذ عليهم العهود والمواثيق إذا مات أن يحرقوه بالنار، ثم يسحقوا عظمه، ثم ينتظروا في يوم صائف فيذروه في الهواء، وفي لفظ: يذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، ففعلوا ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر الله البر فجمع ما فيه، وقال له: قم، فإذا هو رجل قائم، قال: ما حملك على ذلك؟ قال: مخافتك يا رب، فما تلافى أن رحمه الله وغفر له.

هذا الحديث مشهور، وتكلم فيه العلماء، ومن العلماء من قال: إن هذا في شرع من قبلنا، ومنهم من قال: هو خاص، لكن المحققين أن هذا الرجل كما قال شيخ الإسلام وغيره، هذا الرجل في الظاهر منكر للبعث، لكن ما أنكر البعث، هو ما أنكر البعث، ويعتقد أنه لو مات، ولم يستحق ولم يذر بعثه الله، وما أنكر قدرة الله، يعلم أن الله قادر، لكن ظن بسبب جهله وخوفه العظيم أنه إذا أحرق وسحق أنه يفوت على الله، وأنه لا يدخل تحت القدرة، هو ما أنكر البعث، لكن أنكر التفاصيل، وما أنكر القدرة كذلك، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد، لو كان العناد لكان كافرًا، لكن حمله على ذلك أمران: الجهل، والخوف، فهو ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة يفوت على الله، وأنه لا يدخل تحت القدرة، ولو يعلم أنه سيبعث، وأن الله قادر، وأن الله يبعثه، وأنه محاسب، لكن ظن أنه إذا فُعل به ذلك فات على الله، وهذا الظن كفر، لكن حمله على ذلك ليس العناد، وإنما هو الجهل، هذا الجهل غفر الله له به، بسبب جهله وخوفه العظيم.

(وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بَنِيهِ أَنْ يَحْرُقُوهُ ثُمَّ يَسْحَقُوهُ، ثُمَّ يَذْروا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فِي يَوْمٍ رَائِحٍ، أَيْ: كَثِيرِ الْهَوَاءِ -فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ غَفَرَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} أَيِ: الَّذِي بَدَأَ خَلْقَ هَذَا الشَّجَرِ مِنْ مَاءٍ حَتَّى صَارَ خَضرًا نَضرًا ذَا ثَمَرٍ ويَنْع، ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى أَنْ صَارَ حَطَبًا يَابِسًا، تُوقَدُ بِهِ النَّارُ، كَذَلِكَ هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، قَادِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُ لَا يَمْنَعُهُ شَيْءٌ.

قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَ هَذِهِ النَّارَ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ سَرْح الْمَرْخِ والعَفَار).

المرخ هذا شجر تخرج منه النار وهو رطب، والعفار كذلك، كلاهما شجر تخرج منه النار، والنار ضد الماء، نعم.

(والعفار يَنْبُتُ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فَيَأْتِي مَنْ أَرَادَ قَدْح نَارٍ وَلَيْسَ مَعَهُ زِنَادٌ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ عُودَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، وَيَقْدَحُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَتَتَوَلَّدُ النَّارُ مِنْ بَيْنِهِمَا، كَالزِّنَادِ سَوَاءً).

سبحان الله! هو أخضر رطب فيه ماء، أخذ الشيء من ضده.

(رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَفِي الْمَثَلِ: لِكُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَار).

يعني أخرج النار منه، وهو ضد النار.

(وَقَالَ الْحُكَمَاءُ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ إِلَّا الْغَابَ.

{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ‌‌(٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) }

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ فِي خلق السموات السَّبْعِ، بِمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ وَالثَّوَابِتِ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَرِمَالٍ، وَبِحَارٍ وَقَفَارٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَمُرْشِدًا إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِعَادَةِ الْأَجْسَادِ بِخَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ العظيمة، كقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ: ٥٧] . وَقَالَ هاهنا: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} أَيْ: مِثْلَ الْبَشَرِ، فَيُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ. قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: ٣٣]، وَقَالَ: {بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أَيْ: يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ أَمْرًا وَاحِدًا، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ:

إذَا مَا أَرَادَ اللهُ أَمْرًا فَإِنَّمَا ... يَقُولُ لَهُ "كُنْ" قَوْلَة فَيَكُونُ

وَقَالَ (٢) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ المسَيَّب، عَنْ شَهْر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم، عَنْ أَبِي ذَر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مِنْ عَافَيْتُ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ، إِنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ وَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ، عَطَائِي كَلَامٌ، وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِذَا أَرَدْتُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».

وَقَوْلُهُ: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أَيْ: تَنْزِيهٌ وَتَقْدِيسٌ وَتَبْرِئَةٌ مِنَ السُّوءِ لِلْحَيِّ القيوم، الذي بيده مقاليد السموات وَالْأَرْضِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، وَهُوَ الْعَادِلُ الْمُتَفَضِّلُ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٨]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الْمُلْكِ: ١]، فَالْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى، كَرَحْمَةٍ ورَحَمُوت، ورَهْبَة ورَهَبُوت، وجَبْر وجَبَرُوت. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ المُلْك هُوَ عَالَمُ الْأَجْسَادِ وَالْمَلَكُوتَ هُوَ عَالَمُ الْأَرْوَاحِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمٍّ لِحُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ -وَهُوَ ابْنُ الْيَمَانِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَرَأَ السَّبْعَ الطُّوَل فِي سَبْعِ رَكَعَاتٍ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِذِي ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» وَكَانَ رُكُوعُهُ مِثْلَ قِيَامِهِ، وَسُجُودُهُ مِثْلَ رُكُوعِهِ، فَأَنْصَرِفُ وَقَدْ كَادَتْ تَنْكَسِرُ رِجْلَايَ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرة، عَنْ أَبِي حَمْزة -مَوْلَى الْأَنْصَارِ-عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْس، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ -ثَلَاثًا -ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ». ثُمَّ اسْتَفْتَحَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ». ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، يَقُولُ: "«لِرَبِّي الْحَمْدُ». ثُمَّ سَجَدَ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي سجوده: «سبحان ربي الأعلى». ثم رفع رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنُ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: «رَبِّ، اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي». فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقَرَأَ فِيهِنَّ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ -أَوِ الْأَنْعَامَ -شَكَّ شُعْبَةُ-هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ).

البقرة، وآل عمران، والنساء في أربع ركعات، خمس أجزاء وربع.

(وَقَالَ النَّسَائِيُّ: "أَبُو حَمْزَةَ عِنْدَنَا: طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ، وَهَذَا الرَّجُلُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صِلَةً". كَذَا قَالَ. وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ عَمِّ حُذَيْفَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ]. فَأَمَّا رِوَايَةُ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْد، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قمتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ. قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ». ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ.

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "يس" ولله الحمد أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا).

هذه الآيات من آخر سورة يس فيها إثبات البعث، والاستدلال على البعث من وجوه متعددة، منها: الاستدلال بالبدأ على الإعادة؛ كقوله: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ(79)﴾[يس:78/79]، هذا الدليل الذي يستدلون به.

الدليل الثاني: الاستدلال بإخراج الشيء من ضده، قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾[يس:80]، فالذي يخرج الشيء من ضده قادر على البعث، الكفار استبعدوا، قالوا: كيف تعاد الحياة وهي حارة رطبة إلى العظام وهي باردة يابسة، فقال الله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا﴾[يس:80]، فالذي يخرج الشيء من ضده، الذي يخرج النار وهي حارة يابسة من الشجر الأخضر وهو رطب قادر على أن يعيد الحياة وهي حارة رطبة إلى العظام الباردة اليابسة، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾[يس:80].

الدليل الثالث: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾[يس:81]، فالذي خلق السماوات والأرض مع عظمهما وكبرهما وسعتهما قادر على أن يعيد الحياة مرة أخرى.

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، هذا دليل رابع، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، فالله تعالى قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء، ليس كالمخلوق الذي يفعل بالآيات، وإنما إذا أراد شيئًا قال له: كن فكان.

الدليل الخامس: قوله: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[يس:83]، فالذي بيده ملكوت كل شيء، ولا يعجزه شيء قادر على البعث، هذه خمسة أدلة، وفيه إثبات الأمر لله عز وجل، وفيه إثبات الإرادة، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، وإثبات القول والكلام والرد على من أنكر كلام الله من المعتزلة والجهمية وغيرهم.

طالب: العناب أحسن الله عملك، قال: العناب هو نوع من النباتات يتبع جنس الزهيرات من النباتات (...)، وهو شجر شائك يصل طوله إلى حوالي ثمانية أمتار، أوراقه مستطيلة غير حادة التسنن، وعناقيده من الأزهار السمراء المخضرة، وثمرته بيضيه بنية إلى محمرة، وأحيانًا سوداء تشبه حبة الزيتون، لذيذة الطعم، ولُبها أبيض خشن مدينة عنابية بدائية مشهورة بإنتاجها لهذه الفاكهة منذ زمن بعيد.

الشيخ: العناب كذا؟

طالب: العُنَّاب.

الشيخ: مشهور بهذا الاسم؟ هذا قاموس؟

طالب: هذا في الإنترنت

الشيخ: أخذه من أين؟

طالب: أخذه من موسوعة ويكيبيديا.

طالب: هذا النوع يوجد في المغرب العربي.

الشيخ: نعم، وفي مدينة ماذا؟، مدينة عناب، يوجد فيها هذا الثمر، يعني الثمر هذا فاكهة وطعام، طيب هل في عندك تخرج النار منه؟

طالب: لا، لم يذكرها.

الشيخ: ما الدليل على هذا؟ الله أعلم، سمِّ.

الطالب: باب سابق في ابن خزيمة باب الصوم في سبيل الله، ذكر المصنف في كتاب التوحيد: أمليت بعضه في كتاب الصيام، وبعضه في كتاب الجهاد.

الشيخ: كما سبق، لقول أهل العلم، والأرجح أن المراد في طاعة الله، الإمام مسلم وغيره ذكره في صيام التطوع، كذلك البخاري ومسلم كلهم ذكروه في صيام التطوع، هذا على قول وهذا على قول.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد