شعار الموقع

سورة ص - 15

00:00
00:00
تحميل
7

الصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الحافظ ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ رَاشِدٍ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا دُعَاءً إِلَّا اسْتَفْتَحَهُ بِـ "سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّي الْأَعْلَى الْعَلِيِّ الْوَهَّابِ").

يعني على قوله ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.

الطالب: قال إسناده ضعيف.

قال أحمد: وقال إسناده ضعيف، هذا شعيب.

(وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقان عَنْ صَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى ابْنِهِ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: أَنْ سَلْنِي حَاجَتَكَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي قَلْبًا يَخْشَاكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أَبِي وَأَنْ تَجْعَلَ قَلْبِي يُحِبُّكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أَبِي. فَقَالَ اللَّهُ: أَرْسَلْتُ إِلَى عَبْدِي وَسَأَلَتْهُ حَاجَتَهُ فَكَانَتْ [حَاجَتُهُ] أَنْ أَجْعَلَ قَلْبَهُ يَخْشَانِي وَأَنْ أَجْعَلَ قَلْبَهُ يُحِبُّنِي لأهَبَنّ لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} وَالَّتِي بَعْدَهَا).

والتي بعدها ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ يعني فسخرنا له الريح، وسخرنا له الشياطين، هذا ملك سليمان الذي اختصه الله به، تسخير الريح، وتسخير الشياطين.

(قَالَ: فَأَعْطَاهُ [اللَّهُ] مَا أَعْطَاهُ وَفِي الْآخِرَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ).

﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾.

(هَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَارِيخِهِ).

تكلم عليه؟

الطالب: عزاه إلى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن المنذر.

طالب آخر: تاريخ ابن عساكر قال: الخبر من الإسرائيليات.

(وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقان عَنْ صَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ).

نعم من أخبار بني إسرائيل.

(وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ دَاوُدَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] أَنَّهُ قَالَ: "إِلَهِي كُنْ لِسُلَيْمَانَ كَمَا كُنْتَ لِي": فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ قُلْ لِسُلَيْمَانَ: يَكُونُ لِي كَمَا كُنْتَ لِي، أَكُونُ لَهُ كَمَا كنتُ لَكَ).

هذا بلغ بعض السلف عن داود وبينهم به.. هذا لا يُعول عليه.

(وَقَوْلُهُ: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا عَقَرَ سُلَيْمَانُ الْخَيْلَ غَضَبًا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ عَوَّضَهُ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَسْرَعُ الرِّيحُ الَّتِي غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ.

وَقَوْلُهُ: {حَيْثُ أَصَابَ} أَيْ: حَيْثُ أَرَادَ مِنَ الْبِلَادِ).

أي مكان يريده تجري به الريح، يركب بساط الريح تجري به.

(وَقَوْلُهُ: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} أَيْ: مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْهَائِلَةِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجَفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْبَشَرُ وَطَائِفَةٌ غَوَّاصُونَ فِي الْبِحَارِ يَسْتَخْرِجُونَ مِمَّا فِيهَا مِنَ اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا فِيهَا {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ} أَيْ: مُوثَقُونَ فِي الْأَغْلَالِ وَالْأَكْبَالِ مِمَّنْ قَدْ تَمَرّد وَعَصَى وَامْتَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ وَأَبَى أَوْ قَدْ أَسَاءَ فِي صنيعه واعتدى).

هكذا يكون ثلاثة أصناف:

  1. قسمٌ بنَّاء.
  2. قسمٌ غواص.
  3. قسمٌ مُوثق، يعني مُعذب مربوط في الأصفاد لتمرده وعتوه.

كلهم مسخرٌ له، لا يمتنعون، هؤلاء يُشغلهم في الأعمال الشاقة القوية، وهؤلاء يغوصون في البحار، وهؤلاء مُكبلون بالأغلال، تسخيرٌ من الله تعالى.

الشياطين على اسم الشياطين عفاريت، لكن الله سخرهم لسليمان.

(وَقَوْلُهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَيْ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الْمُلْكِ التَّامِّ وَالسُّلْطَانِ الْكَامِلِ كَمَا سَأَلْتَنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَاحْرِمْ مَنْ شِئْتَ، لَا حِسَابَ عَلَيْكَ، أَيْ: مَهْمَا فعلتَ فَهُوَ جَائِزٌ لَكَ احْكُمْ بِمَا شِئْتَ فَهُوَ صَوَابٌ).

هذا امتنان من الله تعالى لسليمان أن يفعل ما يشاء، كما قال الله تعالى لنبيه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في زوجاته ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ ولهذا لما نزلت هذه الآية قالت عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك، ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾.

قال الله تعالى لسليمان ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو من المقربين له القربى والثواب والأجر، فهو من الأنبياء ومن الملوك، أتاه الله الملك والنبوة -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

(وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خُيِّر بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا -وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ-وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ بِلَا حِسَابٍ وَلَا جُنَاحٍ، اخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى بَعْدَ مَا اسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فَقَالَ لَهُ: تَوَاضَعْ فَاخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَرْفَعُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْلَى مَنْزِلَةً فِي الْمَعَادِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ النُّبُوَّةُ مَعَ الْمُلْكِ عَظِيمَةً أَيْضًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَعْطَى سُلَيْمَانَ فِي الدُّنْيَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ).

زُلفى: قُربى يعني مقرب عند الله، ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ حسن الثواب.

الأنبياء والرسل على هذا قسمان:

  • قسمٌ عبدٌ رسول، مثل موسى، وعيسى، وإبراهيم، وصالح، وهود، ومحمد -عَلَيْهِم السَّلَامُ- أنبياء ورسل عِباد.
  • والقسم الثاني أنبياء ملوك، كداود، وسليمان، ويوسف، أتاهم الله النبوة والملك.

والقسم الأول أرفع منزلة، العبد النبي الذي هو العبد الرسول أرفع من النبي الذي هو ملك، كلهم رسله وكلهم أنبياءه.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رَحِمَهُ اللَّهُ- ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾.

لما أثنى تعالى على داود، وذكر ما جرى له ومنه، أثنى على ابنه سليمان عليهما السلام فقال: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} أي: أنعمنا به عليه، وأقررنا به عينه.

{نِعْمَ الْعَبْدُ} سليمان عليه السلام، فإنه اتصف بما يوجب المدح، وهو {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجَّاع إلى الله في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء.

الشيخ: معه الملك والنبوة، ما منعه الملك من خدمة الله تعالى، والتعبد له، والتأله له، والإنابة، والخضوع إليه، والدعاء، والتضرع إليه.

الطالب: ولهذا، لما عرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات أي: التي من وصفها الصفون، وهو رفع إحدى قوائمها عند الوقوف، وكان لها منظر رائق، وجمال معجب، خصوصا للمحتاج إليها كالملوك، فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب، فألهته عن صلاة المساء وذكره.

فقال ندما على ما مضى منه، وتقربا إلى الله بما ألهاه عن ذكره، وتقديما لحب الله على حب غيره: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} وضمن {أحببت} معنى {آثرت} أي: آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.

{رُدُّوهَا عَلَيَّ} فردوها {فَطَفِقَ} فيها {مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ} أي: جعل يعقرها بسيفه، في سوقها وأعناقها.

الشيخ: وهذه شيءٌ عظيم عند الملوك، ولا سيما قبل وجود المخترعات الحديثة السيارات والطيارات، أعلى شيء هي الخيل، وأحسن منظر، وهي العدة للحروب، وهي جمال عظيم صافنات تقف على ثلاث منظر رائع، ومع ذلك سُليمان عقرها وقدم محبة الله عليها -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

الطالب: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أي: شيطانا قضى الله وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، {ثُمَّ أَنَابَ} سليمان إلى الله تعالى وتاب.

فـ {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب الله له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

وقلنا له: {هَذَا عَطَاؤُنَا} فَقَرَّ به عينا {فَامْنُنْ} على من شئت، {أَوْ أَمْسِكْ} من شئت {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.

ولهذا قال: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي: هو من المقربين عند الله المكرمين بأنواع الكرامات لله.

فصل فيما تبين لنا من الفوائد والحكم في قصة داود وسليمان عليهما السلام:

§ فمنها: أن الله تعالى يقص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أخبار من قبله، ليثبت فؤاده وتطمئن نفسه، ويذكر له من عباداتهم وشدة صبرهم وإنابتهم، ما يشوقه إلى منافستهم، والتقرب إلى الله الذي تقربوا له، والصبر على أذى قومه، ولهذا - في هذا الموضع - لما ذكر الله ما ذكر من أذية قومه وكلامهم فيه وفيما جاء به، أمره بالصبر، وأن يذكر عبده داود فيتسلى به.

§ ومنها: أن الله تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته، قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس.

ومنه الحديث الصحيح «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» المؤمن القوي يحصل له من العبادة وأنواع الطاعة ما لا يحصل له من الضعيف، «وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» كلٌ اشترك في وصف الإيمان، لكن المؤمن القوي ليس المراد القوة في البدن (القوة في البدن – القوة في العلم – القوة في العبادة) عام، المؤمن القوي الذي تعدى نفعه إلى الآخرين، خيرٌ من المؤمن الضعيف الذي اقتصر نفعه على نفسه، وفي كلٍ خير، لأن هذا يحصل له من الطاعات ما لا يحصل للثاني.

§ ومنها: أن الرجوع إلى الله في جميع الأمور، من أوصاف أنبياء الله وخواص خلقه، كما أثنى الله على داود وسليمان بذلك، فليقتد بهما المقتدون، وليهتد بهداهم السالكون {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.

§ ومنها: ما أكرم الله به نبيه داود عليه السلام، من حسن الصوت العظيم، الذي جعل الله بسببه الجبال الصم، والطيور البهم، يجاوبنه إذا رجَّع صوته بالتسبيح، ويسبحن معه بالعشي والإشراق.

يا داود آووا بما آوا الطير، إذا قرأ الزبور وقفت الطيور في الجو، وتجاوبه الجبال، أتاه الله حسن الصوت، وأبو موسى الأشعري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أتاه الله حسن الصوت قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» يعني صوتًا حسنًا، المزمار يطلق على الصوت الحسن، ويطلق على الصوت السيء، يُسمى كل مزمار من الأضاد، الصوت الحسن يسمى مزمار، والصوت السيء يسمى مزمار.

§ ومنها: أن من أكبر نعم الله على عبده، أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس، كما امتن الله به على عبده داود عليه السلام.

لا شك أن هذه من أعظم نعمة.

§ ومنها: اعتناء الله تعالى بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود وسليمان عليهما السلام.

يعني في الدنيا يُمحصهم الله، يبتليهم حتى يعودوا إلى حالتهم الأولى بل إلى حالةٍ أحسن، وهذا من تربية الله لأنبيائه وعباده ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ والتربية نوعان:

  1. تربية عامة لجميع الخلق، تربيتهم بأن يرزقهم، ويعافيهم، ويسخر لهم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب، هذه تربية عامة.
  2. تربية خاصة بالأنبياء والمؤمنين، يربيهم تربيةً خاصة بأن يوفقهم للإيمان والعمل الصالح ويجنبهم المعاصي والفتن، هذه تربية خاصة للمؤمنين وللأنبياء.

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ اتخذوا ربوبية الله للناس على هذا النوعان (تربية عامة – تربية خاصة).

§ ومنها: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك.

ثلاثة أشياء معصوم عنها الأنبياء:

  1. معصومون من الشرك.
  2. معصومون من الكبائر.
  3. معصومون عن الخطأ فيما [20:36] عن الله، أما الصغائر قد تقع منهم كما قال الله تعالى ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قال موسى ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ قال عن آدم ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ وآدم نبي إلى بنيه ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قال عن نوح ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

الطالب: الخطأ الكبير.

الشيخ: نعم ما يخطأ فيما [20:43] عن الله، ولو حصل غلط ينبهون عليه، ومن ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قرأ قال: رحم الله .... ذكرني آيةً أُنسيتها.

§ وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي، ولكن الله يتداركهم ويبادرهم بلطفه.

نعم، ولو كانت من الصغائر، لأن مقام الأنبياء مقامٌ عالي، حتى الصغائر التي تقع منهم يغفرها، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعوا في سجوده ويسأل الله مغفرة الذنوب: رب اغفر لي وارحمني.

§ ومنها: أن داود عليه السلام، كان في أغلب أحواله ملازما محرابه لخدمة ربه، ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب، لأنه كان إذا خلا في محرابه لا يأتيه أحد، فلم يجعل كل وقته للناس، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام، بل جعل له وقتا يخلو فيه بربه، وتقر عينه بعبادته، وتعينه على الإخلاص في جميع أموره.

§ ومنها: أنه ينبغي استعمال الأدب في الدخول على الحكام وغيرهم، فإن الخصمين لما دخلا على داود في حالة غير معتادة ومن غير الباب المعهود، فزع منهم، واشتد عليه ذلك، ورآه غير لائق بالحال.

وهذا ابتلاء من الله، دخلوا عليه تسوروا المحراب، يصلي في بيته فتسورون، ويدخلون عليه في المحراب، ومجلس الناس هذا أمرٌ ليس بالهين، فزع من هذا.

§ ومنها: أنه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء أدب الخصم وفعله ما لا ينبغي.

لأن هذان الخصمان فعلا.... تسورا المحراب، وقالوا له ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾ حكم بينهم ولم يعنفهم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

§ ومنها: كمال حلم داود عليه السلام، فإنه ما غضب عليهما حين جاءاه بغير استئذان، وهو الملك، ولا انتهرهما، ولا وبخهما.

حلم عظيم أتاه الله، داود خصه الله بخصائص، منها:

  • الصلاة، أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه، يعني ينام السدس الرابع والخامس، ينام النصف الأول ثم يصلي السدس الرابع والخامس، ثم ينام السدس السادس ليستعين به على أعمال النهار.
  • الصيام، أشتهر بالصيام، أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويُفطر يوما.
  • الجهاد لا يفر في الجهاد إذا لاقى.
  • حاكم يحكم بين الناس بالحق.
  • أتاه الله صنع الدروع.

ملك ونبي ومع ذلك لم يشغله ملكه عن العبادة، يصوم يوم ويفطر يوم نبي ملك، يصلي ثلث الليل كل ليلة، ولا يفر إذا لقى في الجهاد (شجاعة)، ويصنع الدروع، ويحكم بين الناس، لم يشغله الملك عن هذه العبادة العظيمة.

§ ومنها: جواز قول المظلوم لمن ظلمه "أنت ظلمتني" أو "يا ظالم" ونحو ذلك أو باغ علي لقولهما: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}.

وهذا مما يُستثنى من الغيبة، يستثنى من الغيبة أشياء (ستة أشياء تستثنى)، منها:

  1. قول الإنسان لمن ظلمه فلانٌ ظلمني، حتى ولو لم يكن حاضر عند القاضي، حتى يطلب حقه (فلانٌ ظلمني – فلانٌ بغى علي).
  2. أن يذكر ما فيه ليستعين بمن قال له ذلك على إنكار المنكر، ومنها الاستفتاء، وكما قالت هند امرأة أبي سفيان إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: «خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ»، هذا مستثنى من الغيبة.
  3. ومنها ذكر الوصف الذي لا يُعرف الإنسان إلا به، فلان أعمى أو أعرج، لهذا وصف لا يُعرف إلا به.

هذه الأمور مستثناة من الغيبة.

§ ومنها: أن الموعوظ والمنصوح، ولو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد، أو وعظه، لا يغضب، ولا يشمئز، بل يبادره بالقبول والشكر، فإن الخصمين نصحا داود فلم يشمئز ولم يغضب ولم يثنه ذلك عن الحق، بل حكم بالحق الصرف.

يعني أنت جالس في محرابك الآن وتتركنا الآن ونحن بحاجة لك، بحاجة لفصل الخصومة بيننا، ومع ذلك لم يغضب منهما.

ولم يثنه: يعني لم يمنعه، الصرف: الخالص.

  • ومنها: أن المخالطة بين الأقارب والأصحاب، وكثرة التعلقات الدنيوية المالية، موجبة للتعادي بينهم، وبغي بعضهم على بعض، وأنه لا يرد عن ذلك إلا استعمال تقوى الله، والصبر على الأمور، بالإيمان والعمل الصالح، وأن هذا من أقل شيء في الناس.

كما قال الله تعالى ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.

  • ومنها: أن الاستغفار والعبادة، خصوصًا الصلاة، من مكفرات الذنوب، فإن الله، رتب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.

﴿خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾.

  • ومنها: إكرام الله لعبده داود وسليمان، بالقرب منه، وحسن الثواب، وأن لا يظن أن ما جرى لهما منقص لدرجتهما عند الله تعالى، وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين، أنه إذا غفر لهم وأزال أثر ذنوبهم، أزال الآثار المترتبة عليه كلها، حتى ما يقع في قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال الله تعالى هذه الآثار، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار.
  • ومنها: أن الحكم بين الناس مرتبة دينية، تولاها رسل الله وخواص خلقه، وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى، فالحكم بالحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي، فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، ولا يحل له الإقدام عليه.

﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

  • ومنها: أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بال، فإن النفوس لا تخلو منه، بل يجاهد نفسه بأن يكون الحق مقصوده، وأن يلقي عنه وقت الحكم كل محبة أو بغض لأحد الخصمين.

﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

  • ومنها: أن سليمان عليه السلام من فضائل داود، ومن منن الله عليه حيث وهبه له، وأن من أكبر نعم الله على عبده، أن يهب له ولدا صالحا، فإن كان عالما، كان نورا على نور.

﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾.

  • ومنها: ثناء الله تعالى على سليمان ومدحه في قوله {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
  • ومنها: كثرة خير الله وبره بعبيده، أن يمن عليهم بصالح الأعمال ومكارم الأخلاق، ثم يثني عليهم بها، وهو المتفضل الوهاب.

هو الذي وفقهم لها، ثم يُثني عليهم.

  • ومنها: تقديم سليمان محبة الله تعالى على محبة كل شيء.

حيث عقر الخيل، وهي من أنفس الأموال، ومن أجملها.

  • ومنها: أن كل ما أشغل العبد عن الله، فإنه مشئوم مذموم، فَلْيُفَارِقْه ولْيُقْبِلْ على ما هو أنفع له.
  • ومنها: القاعدة المشهورة "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة الله، فعوضه الله خيرا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون.

ترك الخيل عوضه الله الريح.

  • ومنها: أن تسخير الشياطين لا يكون لأحد بعد سليمان عليه السلام.

نعم، استجاب الله دعائه ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾.

الآن الناس بلغوا من الاختراعات البعيدة، لكن لا يستطيعون تسخير الشياطين، وكذلك أيضًا الريح، لا يستطيعون أن يمشوا على الريح وحدها.

  • ومنها: أن سليمان عليه السلام، كان ملكا نبيا، يفعل ما أراد، ولكنه لا يريد إلا العدل، بخلاف النبي العبد، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر الله، فلا يفعل ولا يترك إلا بالأمر، كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الحال أكمل.

أكمل من حال النبي لا يفعل ما يريد، يفعل ما يريد النبي الملك، لكنه لا يفعل إلا ما يريده الله، أما النبي الملك فإنه يفعل ما أمره الله.

هذا مما فتحه الله على الشيخ عبد الرحمن السعدي، تفسيرٌ عظيم يصلح للمبتدئين وغير المبتدئين، المؤلف -رَحِمَهُ اللَّهُ- اجتهد فيه أن يكون التفسير بعيد عن التعقيدات، وعن الأخبار الإسرائيلية، وعن الحشو بالنحو والإعرابات، كان تفسيرًا وُفق له -رَحِمَهُ اللَّهُ- ولهذا انتشر بارك الله فيه ورحمه الله.

الطالب: القرطبي ذكر هنا أنه لا يجوز أن يتصف الشيطان بصورة الأنبياء حتى لا يُظن ذلك فيما يبلغون عن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أو يُتلاعب برسالة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

ذكر كلامًا طويل عن الشيطان، وأنه جلس على كرسي سليمان، أنه تشبه بصورته، ثم ذكر:

وقد ضُعِّف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل.

وقيل: إن الجسد ولد ولد لسليمان، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين، وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله.

الشيخ: من أين هذا؟

الطالب: القرطبي.

الشيخ: أين الدليل على أنه ولد.

نحن نناقش كلامه الآن، نفس ما حذره وقع فيه، هذا ابتلاء وامتحان فترة وجيزة ولو سُلط على نساءه وقت الفتنة، ثم عاد إليه مُلكه، أما القول وُلد له ولد، نقول: من أين لك هذا؟!

أنت أنكرت أن يكون جسد الشيطان وقلت إنه ولد، أين الدليل؟ فقد وقيل: إنه ولد؟

الطالب: حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الشيخ: قال إنه ولد له ولد؟

الطالب: نعم، قال لأطوفن، وحكى النقاش وغيره...

الشيخ: لا هذه مسألةٌ أخرى، قال: لأطوفن على تسعين امرأة تلد كل امرأةٍ غلامٌ يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه قل: إن شاء الله، فلم تحمل إلا واحدة نصف إنسان.

الطالب: هذا في البخاري.

الشيخ: لكن هذه مسألة ثانية غير هذه.

هل ورد نصف الإنسان هو الذي جلس في هذا وقتل الشياطين؟

الطالب: وقيل: إن الجسد ولد ولد لسليمان، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين، وقال بعضهم لبعض: إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله.

فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب.

قال: هذه من الآثار، ومن سخافات الإسرائيليات.

الشيخ: الحديث ينتقض أن يكون جسدًا وقع في... من الإسرائيليات.

الطالب: وغدا ابنه في السحاب خوفا من مضرة الشياطين، فعاقبه الله بخوفه من الشياطين، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا.

قال معناه الشعبي.

فهو الجسد الذي قال الله تعالى: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾.

وحكى النقاش وغيره: إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته هناك.

وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل.

الشيخ: نصف رجل، قوة عظيمة، تسعين امرأة في ليلة واحدة، الأنبياء أتوا من القوة ما لم يؤت غيرهم.

الطالب: وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون.

وقيل: إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق كاتب سليمان، وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه، فأعاده إلى يده فسقط فأيقن بالفتنة، فقال له آصف: إنك مفتون ولذلك لا يتماسك في يدك، ففر إلى الله تعالى تائبا من ذلك، وأنا أقوم مقامك في عالمك إلى أن يتوب الله عليك، ولك من حين فتنت أربعة عشر يوما.

ففر سليمان هاربا إلى ربه، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت، وكان عنده علم من الكتاب.

وقام آصف في ملك سليمان وعياله، يسير بسيره ويعمل بعمله، إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى، ورد الله عليه ملكه، فأقام آصف في مجلسه، وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم.

وقيل: إن الجسد كان سليمان نفسه، وذلك أنه مرض مرضًا شديدًا حتى صار جسدًا.

وقد يوصف به المريض المضنى فيقال: كالجسد الملقى.

الشيخ: ما سوى شيء، انتقد ولكن...

الطالب: كلامه ليس له وجاهة أنه لا يتصور الشيطان بصور الأنبياء؟

الشيخ: قد يتصور، قد يكون ابتلاء وامتحان هذا وقت فتنة، فتنة وقتٌ محدد ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ ظاهر الآية أنه تصور.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد